الإسلام والحزبية

إن للفظ السياسة معنى يلازمها وهو الحزبية، وإن لي في الحزبية السياسية آراء تخصني لا أحب أن أفرضها على الناس، ولكن لا أحب أن أكتمها عنهم، وأرى أن من واجبي النصيحة خصوصاً في مثل هذه الظروف فتدعوني إلى المجاهرة بها بوضوح وجلاء، وأحب أن يفهم جيداً أني حينما أتحدث عن الحزبية السياسية فليس هذا لأني أعرض لحزب دون حزب أو أرجح أحد الأحزاب على غيره، أو أنتقض أحدها وأزكي الآخر، ليس ذلك من مهمتي، ولكني سأتناول المبدأ من حيث هو وسأعرض للنتائج والآثار المترتبة عليه، وأدع الحكم على الأحزاب للتاريخ وللرأي العام، والجزاء من الله الحق وحده [يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا].

وبادئ ذي بدء لابد أن نضع الهدف الجامع بين الأحزاب التي تدعو إليه وهو بناء وطن مستقر مزدهر وهذا يستلزم تعاون الجهود وتوافر القوى والانتفاع بكل المواهب، والتفرغ التام لنواحي الإصلاح، وصرف جميع الجهود إلى ذلك لوطن لا ينقصه إلا القيادة الصالحة والتوجيه القويم حتى يصبح أفضل البلدان ويقضي على الفقر والجهل والرذيلة وهي معاول الهدم وسوس النهضات، فإن بلدنا وفير الخيرات ذو شعب حيوي جم الطاقات،مجهز بكل وسائل التقدم والازدهار، وجميعاً نشعر بثقل وطأة الأعباء وبالمجهودات العظيمة التي يجب أن تبدل في سبيل نهضة العراق.

إن الإسلام دين الوحدة والوفاق وسلامة الصدور ونقاء القلوب والأخاء الصحيح والتعاون الصادق، فإن كانت الحزبية معناها حرية الرأي التي يبيحها الإسلام ويحض عليها وتمحيص الأمور وبحث الشؤون والاختلاف فيما يعرض تحريا للحق، حتى إذا وضح نزل حكمه الجميع بحيث لا تظهر الأمة إلا مجتمعة عليه، ولا يرى القادة إلا متفقين فيه، قد نصبوا بين أعينهم القيم السامية والمثل العليا واعتمدوا روحانية الإسلام منهاجاً وطريقاً لهم فإني أول المنتمين.

وأما إذا كانت الحزبية هي باب للتناحر والتدابر والخلاف ورفع الشعارات فقط وطريقاً لتدخل الأجنبي في شؤون وطننا فيلوحون لحزب ما بخصمه الآخر فيما إذا أرادوا أن ينالوا منه فيكون الشعب هو الخاسر من كرامته واستقلاله واختلاقه ومصالحه،فتصبح الأحزاب مطية الشيطان ولا ينال الشعب منها إلا الخسران فإني أول اللاعنين والداعين عليها بالقضاء.

 

أيها القارئ الكريم: إن وطننا لم يستكمل بعد استقلاله استكمالاً تاماً، وما زِلْنا في الميزان، وما زالَتْ المطامع تحيط بنا من كل مكان، ولا سياج لحماية هذا الاستقلال والقضاء على تلك المطامع إلا الوحدة والتكاتف، وإذا جاز لبعض الأوطان التي استكملت استقلالها، وفرغت من تكوين نفسها أن تتحزب فإن أحزابها صورية تقليدية مع الوحدة في كل الاتجاهات من أجل مصالحها فإن الحوادث العالمية قد ألجأت الأوطان إلى التجرد من الحزبية المطلقة.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD