قدسية أرض العرب

ارض العرب أفضل بقاع الأرض لأنها ارض زكية طاهرة فيها مهبط الوحي المبين ورسالات النبيين ومراقد الأنبياء والأئمة الصادقين والأولياء والصالحين وتطلق ارض العرب على الإقليم الذي يسكنه العرب والذي هو شبه جزيرة يحيط بها بحر الأحمر من غربها، وبحر العرب من جنوبها وخليج البصرة أي الخليج العربي من شرقها، وأما من جهة الشمال فاختلفوا في حدها،فقد نقل عن الأصمعي أن جزيرة العرب ما بين عدَن بفتح الدال بلد باليمن إلى ريف العراق في الطول، والعرض من الأبلة وهي ناحية في البصرة إلى جدة. 

وروى أبو داود كما جاءَ في عون المعبود بأن جزيرة العرب ما بين الوادي إلى أقصى اليمن إلى تخوم العراق إلى البحر. وربما قيل إنها من ريف أبي موسى إلى اليمن طولاً ومن رمل تبريز إلى منقطع السماوة عرضاً. وذكر الخليل أن أرض العرب يطلق عليها أيضاً جزيرة العرب لأن البحار ونهر الفرات قد أحاطت بها. ونسبت إلى العرب لأنها أرض العرب ومسكنهم ومعدنهم. وهذا هو مراد تفسيرهم لها.ولما كانت أرض العرب منبت الإسلام وعرينه وفيها بيت الله ومهبط الوحي، فقد اختصت عن سائر البلاد الإسلامية ببعض الأحكام منها:

الحكم الأول: منع سكنى الكفار أرض العرب:

روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): (أنه أوصى بثلاثة أشياء، قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالث). وقال (صلى الله عليه واله وسلم): (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب فلا أترك فيها إلاَّ مسلماً).

وروي عن أم سلمة رضي الله عنها إنها قالت: إن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) أوصى عند وفاته أن تخرج اليهود والنصارى من جزيرة العرب. وفي خبر دعائم الإسلام ان آخر ما تكلم به النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أن قال: (أخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب).

واختلف الفقهاء فيما ينطبق عليه هذا الحكم من جزيرة العرب فهنا رأيان:

الرأي الأول: منع أهل الذمة سكنى جزيرة العرب كلها أخذاً بظاهر الأحاديث الشريفة الواردة في ذلك منها ما روي عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم): (لأخرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع إلاَّ مسلماً). وأيضا ما روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم): (لا يجتمع في جزيرة العرب دينان). فلا يمكن لأهل الذمة من السكنى في جزيرة العرب بخلاف أمصار المسلمين التي ليست من جزيرة العرب.

الرأي الثاني: منع أهل الذمة من سكنى ارض الحجاز خاصة وادعي عدم الخلاف في ذلك بل الإجماع، فقد خصت بعض الأخبار جزيرة العرب بالحجاز، ويعني الفقهاء بالحجاز مكة والمدينة واليمامة وخيبر وينبع وفدك ومخاليفها، والمخاليف الكُوَر واحِدُها مِخْلاف وهي المدينة والصُّقْع. ويسمى حجازاً لأنه حجز بين نجد وتهامة بكسر التاء بلد ما وراء مكة. وأدلتهم ما روي عن النبي (صلى الله عليه واله وسلم) انه قال: (أخرجوا اليهود من الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب). وما روي عن علي بن جعفر عن أخيه الإمام موسى بن جعفر _ قال: (سألته عن اليهودي والنصراني هل يصلح لهم أن يسكنوا في دار الهجرة؟ قال: أمّا أن يلبثوا بها فلا يصلح، وقال: إنْ نزلوا بها نهاراً وخرجوا منها بالليل فلا بأس).

أما الكفار فيمنعون من سكنى جزيرة العرب مهما كانت صفاتهم أو دياناتهم. ولا يمنع أهل الذمة من ركوب بحر الحجاز لأنه سبيل العبور ويمنعون من المقام في سواحله، وكذا إن كانت في بحر الحجاز جزائر وجبال تسكن لأنها من ارض الحجاز ؛ بل منع بعض الفقهاء من سكنى حتى الجزر الغير مسكونة، وذكروا لا يجوز لهم الإقامة في مركب أكثر من ثلاثة أيام أي إذا كان بموضع واحد. ويرى الفقهاء انه لا يجوز دخول الكفار الحرم المكي بحال، وأما حرم المدينة فأنه لا يمنع من دخوله لرسالة أو تجارة أو حمل متاع، وأما ما عدا ذلك من ارض العرب فلا يدخله الكفار إلاَّ بأذن أو صلح كإرادة عقد جزية أو هدنة لمصلحة على ان لا يطيل فيها المكث حتى يتخذ فيها مسكناً.

ومن الفقهاء من حدد مدة الإقامة للكافر في أرض العرب بثلاثة أيام غير يوم دخوله وخروجه.ونصّ الفقهاء أن من أُذن له من الكفار بدخول شيء في ارض العرب فزاد في الإقامة على المأذون فيه يعزر ما لم يكن له عذر. والأعذار التي ذكروها لتمديد الإقامة في ارض الحجاز:

أولاً: الدَيْن: أن يكون الكافر دخل بتجارة فصار له دين فإن كان الدين حالاً يمنع من الإقامة إن أمكن التوكيل وإلا اجبر غريمه على وفائه ليخرج، وإن كان الدين مؤجلاً لم يكن من الإقامة حتى يحل.

ثانياً: المرض: إذا عظمت المشقة في نقل الكافر من ارض العرب لمرضه جاز بقاؤه ما زال في مرضه، وإن لم تعظم المشقة في نقله ولم يخف زيادة مرضه ينقل لحرمة الحل.

ثالثاً: التجارة: يجوز للكافر الإقامة في ارض العرب لبيع بضاعته لأن تكليفه في تركها أو حملها معه ضياع ماله وإذا منع من ذلك قد تفوت المصلحة وتلحق المضرة بانقطاع البضائع إلى أرض العرب.

واتفق الفقهاء على عدم جواز دخول سائر الكفار الحربيين أرض العرب بل سائر بلاد المسلمين إلاَّ بإذن الإمام أو نائبه، ومن دخل منهم دون إذن فإنه يعزر ويخرج. ويمنع الكافر من شراء أرض في جزيرة العرب وإن لم يقم بها، كما لا يجوز أن يمكث بأرض العرب أحد من أهل الشرك وعبدة الأوثان والدهريين ونحوهم بذمة أو غيرها،ولكن يجوز أن يقيم خارج الحجاز أهل الذمة من اليهود والنصارى والمجوس.

الحكم الثاني: منع دفن الكفار بأرض العرب:

أوضح الفقهاء أنّ من مات من أهل الذمة في الحجاز دون الحرم ينقل ولا يدفن هناك وإن تعذر نقله دفن للضرورة، وأما الحرم فلا يدفن فيه بحال، وأما الحربي والمرتد فلا يدفن في الحجاز فإن أذّى ريحهما غيبت جيفتهما، وأفتى بعضهم أن الكافر لو دخل الحرم مستتراً ومات نبش وأخرجت عظامه؛ بل أفتى بعضهم أنه لو دفن الذمي أو الكافر في مقابر المسلمين وكانت موقوفة على المسلمين نبش لئلا يتأذى المسلمون بعذابه، ولا يبالي بالمثلة فإنه لا حرمة له.

الحكم الثالث: منع دور العبادة للكفار في أرض العرب:

صرح الفقهاء بأنه لا يجوز إحداث كنيسة أو بيعه أو صومعة أو بيت نار أو صنم في أرض العرب تفضيلاً لها على غيرها وتطهيراً لها عن الدين الباطل وسواء في مدنها أو قراها أو جذرها، لا يجوز إبقاء شيء منها محدث أو قديم سابق على الفتح الإسلامي ولو أحدث وجب على المسلمين وعلى وليهم إزالته لأنّه من الضلال فيجب قمعه.

وأما سائر البلاد الإسلامية فما أسلم أهلها فلا يجوز إحداث شيء منها أيضاً وكذلك مما أستجده المسلمون وأحدثوه كالبصرة وبغداد والكوفة وسر من رأى وجملة من بلاد الجزائر مما مصّرها المسلمون، أو فتح عنوة أو صلحاً على أن تكون الأرض للمسلمين للإجماع عليه، فلا يجوز لولي المسلمين أن يقرهم على إنشاء البيعة أو الكنيسة أو صومعة الراهب أو مجتمع لصلاتهم، وإن صالحهم على ذلك بطل. وذلك لما روي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب _: (أن رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم)نهى إحداث الكنائس في دار الإسلام). وما روي عن أبن عباس رضي الله عنهما عن النبي(صلى الله عليه واله وسلم): (أيما مصر مصرته العرب فليس للعجم أن يبنوا فيه بيعة ولا يضربوا فيه ناقوساً ولا يشربوا فيه خمراً، ولا يتخذوا خنزيراً).

نعم يجوز لأهل الذمة إحداث معابد في أرض فتحت صُلْحاً على أن تكون الأرض لهم ويؤدون الخراج فحينئذ يمكن إقرارهم على معابدهم.

ونختم المقال بالسؤال أين المسلمون من هذه الأحكام الشرعية التي جاءت بها شريعة خاتم النبيين وسيد المرسلين التي حلالها حلال إلى يوم القيامة وحرامها حرام إلى يوم القيامة؟ حيث أصبحت أرض العرب نَهْباً للطامعين من طواغيت الأرض من صهاينة وأمريكان باسم الشرعية الدولية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذه أساطيلهم الحربية ومعداتهم العسكرية تجوب في أرض العرب ومياهها دون رادع أو منكر جاءت لغزو بلاد المسلمين ومعقل المؤمنين ولإذلال العرب وقد روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) قال (إذا ذلت العرب ذل الإسلام)اللهم إنّا نرغب إليك في أمة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل الكفر وأهله، وترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.

المصادر

1.     عون المعبود/ المطبعة الانصارية / دلهي / 3 / 129 ص.

2.     فتح الباري/ المطبعة السلفية / 13 / 317 ص.

3.     مسلم/ مطبعة عيسى الحلبي / 12 / 317 ص.

4.     الأموال/ أبو عبيدة /طبعة القاهرة / 98 ص.

5.     المغني/ ابن قرامة / الطبعة الأولى / 10 / 614 ص.

6.     جواهر الكلام/ النجفي / طبعة النجف الأشرف.

7.     نهاية المحتاج / الرملي / 8 / 85 ص.

8.     البحر الرائق/ ابن نُجَيم الحنفي / 5 / 121ص.

9.     شرح الزرقاني/ 3 / 142 ص.

10. الخراج/ المطبعة السلفية / الطبعة الثالثة / 66 ص.

11. الأحكام السلطانية/ الماوردي / طبعة 1327 هـ / 151 ص.

12. الأحكام السلطانية/ لأبي يعلى / طبعة 1356 هـ / 184 ص.

13. القُرب في محبة العرب/ زين الدين عبد الرحيم العراقي (806 هـ – 1403 م)/ الإسكندرية / 1381 هـ – 1961 م.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD