السيف ذو الفقار

للسيف منزلة عظيمة لدى العرب والمسلمين فهو وسام شرف لحامله ووشاح فخر لمتقلّدِهِ وبالسيف يُدْحَرْ الأعداءُ ويٌنْحَرْ الباغون فهو الوسيلة المثلى لصدِّ جحافل الكفر ودَحْرِ فلول الضلال والدفاع عن الأرض والعِرْض والمُثُل العُلْيا يوم كانَ هو السلاحُ الأول في سُوْح الوغى ومُعتَرَك الميادين، وفي المأثور أن الجنة تحت ظلال السيوف، وأحاط المسلمون الاهتمام من حيث صناعته وأحكامه، واعتبر أفضل الهدايا التي تقدم للحكام والأمراء والفرسان، ومدح السيف في الأدب العربي في شعره ونثره وكان له القِدْحُ المُعَلّى، وقد تناول أسماء السيوف وصفاتها، فإذا كان السيف عريضاً فيسمى صفيحة، وإذا كان لطيفاً -أي صغيراً- فهو فقيب، وإذا كان صقيلاً فهو حشيب، وإذا كان فيه حزوز على متنه فهو مفقر، وإذا كان قطاعاً فهو حسام ومفصل وهذام، و إذا كان يمر في العظام فهو مصمم، وإذا كان يصيب المفاصل فهو مطبق، وإذا كان ماضياً في الضريبة فهو رسوب، و إذا كان صارماً لا ينثني فهو صمصامة. والملحوظ أنّ العرب لاحظت أسماء السيوف حسب صورها وأشكالها وأماكن صناعتها، واستعمالها، فمثلا إذا امتهن السيف في قطع الشجر فيسمى المعضد والمصنوع في قرى من أرض العرب تدنو من الريف يسمى المشرفي، والمصنوع في بلاد الهند المهند. ثم إن السّيفَ ذا الفَقار أشهر مصاديق السيف، وهو عنوان اشتهر المسلمين وإنْ كانت معرفتنا به تتعلق من حيث نزوله من السماء وإهدائِه إلى الإمام أميرِ المؤمنين علي _ من قبل الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم. وفي مقالتنا هذه جمع كل معلومة وردت في سيف ذي الفقار من دون تمحيص.
وإن سبب التسمية سيف ذي الفقار لأنه فيه حزوز مطمئنة على متنه، قال ابن منظور في لسان العرب:وذو الفقار بالفتح والكسر وهو سيف مفقر، إذا كان فيه حز أُثّر فيه فقد فُقَّر. وقال أبو العباس: سمي سيف النبي(صلى الله عليه واله وسلم) ذا الفقار لأنه كانت فيه حفر صغار حسان وقد سئل الإمام الصادق _ لِمَ سمي ذو الفقار؟ فقال _: (سمي ذو الفقار لأنه ما ضرب به أمير المؤمنين أحداً إلا افتقر في الدنيا من الحياة وفي الآخرة من الجنة).
واختلفت الآثار المروية في مصدره وأسباب نزوله من السماء وتاريخ نزوله ففي بعض الروايات أن جبريل أنزله يوم معركة بدر أو معركة أحد، وفي بعضها الآخر أن الله أنزله مع أبينا آدم _ من الجنة وكان آدم يحارب أعداءه من الجن والشياطين، وكان مكتوباً عليه (لا يزال أنبيائي يحاربون به نبي بعد نبي وصديق بعد صديق حتى يرثه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب _ فيحارب به عن النبي الأمي). فقد ورد في تفسير السدي عن ابن عباس في قوله تعالى: [وأنزلنا الحديد] قال: (أنزل الله آدم من الجنة ومعه سيف ذي الفقار). وقيل: غنمه أمير المؤمنين _ بعد قتل العاص بن منبه السهمي وأخذه منه، وقيل: غنمه من منبه بن الحجاج السهمي في غزوة بني المصطلق بعد أن قتله، وقيل: كان من هدايا بلقيس ملكة سبأ إلى نبينا سليمان بن داود _، وقيل: إن الحجاج بن علاط أهدى لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم سيفه ذا الفقار ثم صار إلى أمير المؤمنين علي _ كما ذكر الزبيدي في تاج العروس، وقيل: إنّه مصنوع من صنم حديد في اليمن بعد كسره واتخاذه لسيف ذي الفقار بأمر جبرائيل إلى نبينا محمد صلى الله عليه واله وسلم. أما ما ورد عن أهل بيت النبوة فإنّ مصدر سيف ذي الفقار هو نزوله من السماء كما روي عن الإمام أبي الحسن علي بن موسى الرضا _ قال: سألته عن ذي الفقار سيف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من أين هو؟ قال: (هبط به جبرئيل _ من السماء وكانت حليته من فضه وهو عندي). وأما كيفية نزوله من السماء فهو كما ورد في رواية الإمام الصادق _: (إن الله تبارك وتعالى أنزل على محمد سيفاً من السماء في غير غمد، وقال له:فقاتل في سبيل الله). ونزوله بلا غمد تحريض على الجهاد، وإشارة إلى أن سيفه ينبغي أن لا يغمد.
وأما وصفه فقد روي عن الإمام الصادق _ أنه قال: (سمي سيف أمير المؤمنين _ ذا الفقار لأنه كان في وسطه خط في طوله فشبه بفقار الظهر، إلى أن قال وكانت حلقته فضة). وفي بحار الأنوار (وكان ذو الفقار ذا شعبتين). وفي رواية عبد الله بن عباس قال: (كان لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم سيف محلى قائمه من فضة ونعله من فضة وفيه حلق من فضة وكان يسمى ذو الفقار، وكانت له قوس نبع تسمى السداد، وكانت له كنانة تسمى جمع، وكانت له درع وشجة بالنحاس يسمى ذات الفضول، وكانت له حربة تسمى البيضاء، وكانت له مجن يسمى الوافر، وكان له فرس أدهم يسمى السكب، وكانت له بغلة شهباء تسمى دلدل، وكانت له ناقة تسمى العضباء وكان له حمار يعفور، وكان له فسطاط يسمى التركي، وكان له عنز يسمى اليمن وكانت له ركوة تسمى الصادر، وكانت له مرآة تسمى المدلة، وكان له مقراض يُسمى الجامع، وكانَ له قضيب شوحط يسمى الممشوق). وكان الفرسان عادة ما تكتب على سيوفهم فقد وجد مكتوباً على ذؤابة سيف ذي الفقار: (إن أعتى الناس على الله من ضرب غير ضاربه وقتل غير قاتله).
وقد ورد في الأثر عن الإمام الصادق _: إن الناس انهزموا عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يوم أحد، فغضب الرسول غضباً شديداً وكان إذا غضب انحدر عن جبينه مثل اللؤلؤ من العرق، فنظر فإذا علي _ إلى جنبه، فقال: الحق ببني أبيك مع من انهزم، فقال علي _: يا رسول الله لي بك اسوة، فقال الرسول صلى الله عليه واله وسلم: فاكفني هؤلاء وكان علي قد انكسر سيفه، فقال يا رسول الله: إن الرجل يقاتل بالسلاح وقد انقطع سيفي، فدفع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سيفه ذا الفقار إلى الإمام علي _ فقال: قاتل بهذا، ولم يكن يحمل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم أحد إلا استقبله أمير المؤمنين _ فإذا رأوه رجعوا، فانحاز رسول الله صلى الله عليه واله وسلم إلى ناحية أحد فوقف وكان القتال من وجه واحد، فلم يزل أمير المؤمنين _ يقاتل الكفار حتى أصابه في وجهه ورأسه وصدره وبطنه ويديه ورجليه تسعون جراحة فتحاموه وسمعوا مناديا من السماء:
فنزل جبرائيل على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فقال: يا محمد هذه والله المواساة. وفي رواية ابن مسعود أن ملائكة السماء تعجبت من ثبات الإمام علي أمير المؤمنين _ في معركة أحد، وسمع جبرائيل حين يعرج إلى السماء يقول:
لا سيف إلا ذو الفقار        لا فتى إلا علي
وروي عن عكرمة عن علي _ قال النبي صلى الله عليه واله وسلم: إن ملكا اسمه رضوان كان ينادي في السماء بذلك.
وقد نظم الشعراء هذه المنقبة للإمام علي _ فمن ذلك:
  وله بلاء يوم أحد صالح                      إذ جاء جبريل فنادى معلنا
لا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى                 والمشرفية تأخذ الأدبارا
في المسلمين وأسمع الأبرارا                إلا علي إن عددت فخارا
 
وقول الشاعر:
ومن ينادي جبرئيل معلنا                   لا سيف إلا ذو الفقار فاعلموا
والحرب قد قامت على ساق الورى        ولا فتى إلا علي في الوغى
 
وقتل الإمام أمير المؤمنين علي _ عدو الله مرحبا في واقعة خيبر بذي الفقار كما ذكر في نظم الشاعر بقوله:
خُذِ الرايةَ الصفراءَ أنت أميرُها
وأنت غدا في الحشر لا شك حامل
فصادفه في شر البرية مرحب                فجدله في ضربة مع جواده
ومر أمين الله في الجو قائلاً                  ولا سيف إلا ذو الفقار ولا فتى
وأنت لكشف الكرب في الحرب تُذْخَرُ        لوائي وكل الخلق نحوك تنظر
على فرس عالي من الخيل أشقر            وأهوى ذباب السيف في الأرض يحفر
وقد أظهر التسبيح وهو مكبر                لمعركة إلا علي الغضنفر
 
وقد ورد في شرح نهج البلاغة إن ذا الفقار كان بيد أمير المؤمنين _ اليمنى فغاص في عسكر الجمل في وقعة الجمل ودخل وسطهم وضربهم بالسيف قدماً قدماً، والرجال تفر بين يديه وتنحاز عنه يمنة ويسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى. كما إن علياً _ كان متقلداً ذا الفقار في يوم واقعة صفين كما جاء في كتاب التوحيد. وتقلده الإمام علي _ يوم خلافته ومبايعة الناس له وجلس على منبر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وكان متعمماً بعمامة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ومتنعلاً نعله.
وأما فضيلة السيف ذي الفقار فقد روى الصدوق عن الإمام علي بن موسى الرضا _: إن السيف (ذا الفقار) من علامات الإمام بعدما عدد علامات الإمام وصفاته فقال _: (ويكون عنده سلاح رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وسيفه ذو الفقار)، وذكرت الأخبار أن الرسول الأكرم (ألبس أمير المؤمنين _ درعه ذات الفضول وأعطاه سيفه ذا الفقار وعممه عمامته السحاب).
كما ورد في المأثور بأن منزلة ذي الفقار لنبينا صلى الله عليه واله وسلم كمنزلة العصا لنبينا موسى _. وإن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب _ ذا خرج إلى أعدائه بسيف ذي الفقار أحسوا بالخطر فيتراجعون وقد وصفت ضربات علي _ بذي الفقار أنه إذا اعتلى فيه قد، وإذا اعترض قَطّ، والقد قطع الشيء طولاً، والقط قطعه عرضاً، وإنّ صناعته كانت من السماء، وما كانت صناعته من السماء ما يبغى به على أحد، وظاهر بعض الأخبار الواردة عن نبينا المختار صلى الله عليه واله وسلم عن طريق حبر الأمة عبد الله بن عباس أن الإمام علي _ يقف على الصراط مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبيده سيف ذي الفقار فمن لم ينجُ من المرور على الصراط ضرب عنقه فيهوي إلى النار، وذكر ابن شهر آشوب في مناقبه أن الإمام علي بن موسى الرضا _ تقلّده أيام ولايته، وأشارت النصوص أنّ ذا الفقار وصل إلى الإمام المهدي الحجة بن الحسن (عجل الله فرجه)، وإن من علامات الفرج وخروج الإمام أرواحنا له الفداء، وهو نطق سيف ذي الفقار وخروجه من غمده، وكلامه بلسان عربي مبين (قم يا ولي الله على اسم الله فاقتل بي أعداء الله) فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجورا. 

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD