الدين النصيحة


قال تعالى في محكم كتابه المجيد: 

[أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ]([1])

صدق

 

وقال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  ثلاثاً:

( الدين النصيـــــحة )([2])

 

المقدمة

الحمد لله الذي نصحنا بالقرآن والحديث لمعرفة الفرائض والسنن، والصلاة والسلام على أهل بيت العصمة الذين أنجانا الله تعالى بمشورتهم من أمواج الفتن، وأغنانا بعلمهم عن اجتهاد الرأي والقول بالظن.

وبعد:

فلما كان العدل هو أساس علاقة الإنسان فإن العدل بين العبد وربه هو إيثار حق الله تعالى على حق نفسه، وتقديم رضاه على هواه، والاجتناب للزواجر والامتثال للأوامر. وأما العدل بينه وبين نفسه فمنعها مما فيه هلاكها, قال الله تعـــالى: [وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى]([3]) وعزوب الأطماع عن الإتباع ولزوم القناعة في كل حال. وأما العدل بينه وبين الخلق فبذل النصيحة, وترك الخيانة, وقد وفقني الله سبحانه وتعالى أن أكتب في أهم موضوع لبناء المجتمع الإسلامي الأمثل ألا وهي النصيحة -وهي العدل بين الإنسان وأخيه- التي حث الشارع المقدس عليها, بل اعتبرها الدين بكامله، بعدما انْسَدَ باب النصيحة في هذا الزمان الذي صار فيه التلبس بالمعاصي والذنوب والآثام شعار الأنام فيما التصق الإنسان بالمادة العمياء، وأصبحت بديهياتها شاخصة أمام عينيه في كل حركة من حركاته، فصار رهين التطور المادي، ولجعله وسطاً علينا أن نستحضر أمامه بديهيات الدين دائماً ومنها النصيحة.

إن النصيحة من أهم مقومات المودة وأعظم لوازم المحبة، ولم تتم الأخوة ما لم تكن النصيحة رائدها وباعثها، ومن لم يكن ناصحاً لأخيه فليس بأخ، وهي الدرع الحصين من وقوع المؤمن في الوقائع التي لا يرغب بها, أو التي حذر الشارع منها، فمثلاً لو استشار الخاطب, أو طلب النصيحة في زواجه لبنى أسرته في أفضل صورها، ولتعلم أبناؤُهُ أفضل التعليم، ولكن إهماله لها قد يجرّه إلى تطبيق بعض الأحكام الشرعية التي هي لمعالجة ظرف استثنائي, كالطلاق الذي هو أبغض الحلال عند الله تعالى. ومن المؤسف عندما يستشير شخص آخر ويطلب منه النصيحة في موضوع ما, فالإجابة غالباً ما تكون على مستويين:

المستوى الأول: هو الامتناع عن النصيحة بعذر ان ورعه وتقواه يحتم عليه ذلك، ويعتبر امتناعه عن الإجابة هو السلوك الصحيح, والمناخ الصحي في عصرنا.

والمستوى الثاني: ان يتوسع في الإجابة أكثر مما هو المطلوب, مصحوباً بالمبالغة إما بذكر العيوب مثلاً إذا كان كارهاً أو بذكر المحاسن إذا كان محباً، فهنالك إفراط وتفريط وهذا ما دعاني إلى أن أكتب في النصيحة تبياناً لضوابطها وأحكامها وإيضاحاً لاهتمام الشارع المقدس بها.

كما ان الدراسات والبحوث العميقة المتكررة للأبواب الفقهية قد غيبت بعض المفاهيم الإسلامية البديهية, ومثالها النصيحة التي هي الركن الأساسي للشخصية الإسلامية في بناء المجتمع الإسلامي، والتي تمس حياتنا اليومية بصورة مباشرة، على أنّ جلّ الفقهاء, والمفكرين المسلمين, لا يبرّزون مثل هذه البحوث؛ لأنها في أذهانهم بحكم الواضحات, بينما تغصّ المكتبة الإسلامية في بحوث الأحكام الشرعية الفرعية من كتاب الطهارة والصلاة والصوم وغيرها من الأبواب الفقهية, حتى في مسائلها الافتراضية, أو النادرة الوقوع، والملحوظ حفظ طالب الحوزة العلمية جميع إشكالات المنطق والنحو والفلسفة وأجوبتها, بينما إذا سألته كيف تنصح أخاك المؤمن؟ وما هي ضوابط النصيحة؟ ومتى تجب النصيحة؟ قد لا تحصل على الإجابة الدقيقة بمستوى دقته في الإجابة عن مسائل المنطق والفلسفة والنحو وغيرها. بل تكلَّمَ المكلفون العوام في مسائل التقليد والاجتهاد والأعلمية, وسألوا عنها, بينما غالبيتهم لا يعرفون أي حكم شرعي يخص النصيحة؟ وقد يتخيل المكلف العامي بان مستحبات العبادة هي الطريق الأوحد في تحصيل الحسنات بعد الواجبات، وقد فاته ان الشارع المقدس أكد على مستحبات مثل النصيحة لها صلة ببناء المجتمع الإسلامي أعظم ثواباً, وأجزل حسناتٍ, والذي يخون فيها كمن خان الله ورسوله.

ان منهجية الباحثين والمفكرين المسلمين في وقتنا الحاضر تتسم غالباً بالعقل النقدي, فهي تنتقد وتُشْكِلُ, وترد أكثر مما تبدع وتطور وتبني, فقد غُيّب عنا العقل الإبداعي, وأصبح ميزان فضيلة العلم عندنا بقدر ما يُشْكِلُ ويعترض على الآخرين، بينما إذا سأل سائل ما البديل؟ لم يكن عنده الجواب إلاّ التلجلج والدوران في محور عقيم.

فالمطلوب هو الاهتمام بالبحوث والدراسات الإسلامية التي تقوّم المجتمع المسلم, وتبنيه في وقتنا الحاضر.

وفي الختام اسأل الله تعالى ان يكون عملنا هذا لطاعته واجتناباً لمعاصيه، وييسر لنا بلوغ ما نتمنى من رضوانه, وان يحلنا في بحبوحة جنانه، وان يرزقنا التوبة النصوح حتى نخلص النصيحة حباً له.

 

                                                المدرسة المهدية الدينية/ النجف الأشرف

                                             1420هـ - 1999م

 

الفصل الأول

تعريف النصيحة

المبحث الأول: تعريف النصيحة لغة

نَصَحَ: نصح الشيء خَلَصَ كمنعَ، ونصحه, ونَصَحَ له يَنصح بالفتح فيهما نُصحاً بالضم, ونَصَاحَةً بالفتح, وهو باللام أفصح، وفي زيادة اللام دلالة على المبالغة في إمحاض النصح. قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: [وَأَنصَحُ لَكُمْ]([4]).

والناصح: الخالص من العسل وغيره، وقال الأصمعي: الناصح الخالي من الغل، وكل شيء خلص فقد نصح. والإسم النصيحة: وهو تحري ما ينبغي له, وما يصلح وأراد له الخير, وأخلص في تدبير أمره، وهو من قولهم: نصحت له الود: أخلصته. وتقول: نصحت لصديقي في الرأي.  ونصح لنفسه: تجنّب ما يؤذيها في الدنيا والآخرة.

والفعل نصح يتعدى بنفسه إلى مفعول و إلى آخر بحرف جر, ثم يحذف المفعول الذي وصل إليه بنفسه؛ لعلم السامع به, ويبقى الذي وصل إليه حرف الجر كما قالوا: نصحت لزيد، والمفعول في هذه محذوف، والفعل واصل إلى الآخر بحرف الجر، فليس فعل نصح يتعدى بنفسه تارة, وبحرف الجر أخرى
كما قيل، بل المفعول في الحقيقة محذوف, فان قولك نصحت له: أي نصحت الرأي لزيد، فهو مأخوذ من نصح الخياط الثوب إذا أصلحه, وضم بعضه
إلى بعض, ثم استعير في الرأي, فقالوا: نصحت له أي: نصحت له رأيه, أي: أخلصته وأصلحته([5]).

ونصح الثوب نصحاً: خاطه, وشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من أصلاح المنصوح له بفعل الخياط فيما يسد من خلل الثوب. والتوبة النصوح : هي الخالصة التي لا يشوبها تردد, أو هي التي لا يعاود الذنب بعدها، فإن الذنب يمزق الدين، فالتوبة النصوح بمنزلة نصح الخياط الثوب إذا أصلحه, وضم أجزاؤه. وفي حديث أُبيّ، سألت النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  عن التوبة النصوح، قال: (هي الخالصة التي لا يعاود بعدها الذنب)([6]). وفعول من أبنية المبالغة يقع على المذكر والمؤنث, فكأن الإنسان بالغ في نصح نفسه بها. ويقال قوم نصحاء. قال النابغة الذبياني:

نصحت بني عوف فلم يتقبلوا           رسولي ولم تنجح لديهم وسائلي

ويقال نصحت فلاناً ضد غششته, ومنه قوله:

ألا ربّ من تغتشه لك ناصح           ومنتصح بــاد عليك غوائلــه

وانتصح فلان أي: قبل النصيحة. قال بعض العارفين: النصاح الخيط, والمنصحة الأبرة, والناصح الخائط، والخائط هو الذي يؤلف أجزاء الثوب حتى يصير قميصاً, أو نحوه, فينتفع به بتأليفه إياه, وما ألفه إلاّ لنصحه. والناصح في دين الله هو الذي يؤلف بين عباد الله, وما فيه سعادتهم([7]).

المبحث الثاني: تعريف النصيحة اصطلاحاً:

النصيحة كلمة جامعة يعبر بها عن جملة: وهي إرادة الخير للمنصوح له, أو حيازة الحظ للمنصوح له. والملحوظ من تعاريف النصيحة إنها تدور حول المصلحة أو الخير أو الصلاح أو العناية للمنصوح له، وهي تقصر النصيحة تارة على المعاملة, والعمل دون القول, مثالها:

  1. إخلاص النية من شائب الفساد في المعاملة، أو إخلاص الفاعل ضميره, فيما يظهر من عمله([8]).
  2. إخلاص العمل من الغش([9]).
  3. إخلاص العمل من الفساد على الاجتهاد فيه([10]).

وأخرى تطلق النصيحة فتشمل القول, ومثالها:

  1. التحري ما فيه الصلاح قولاً وفعلاً([11]).
  2. تعريف وجه المصلحة, مع خلوص النية من شوائب المكروه([12]).
  3. إرادة الخير لغيرك مما تريد لنفسك أو النهاية في صدق العناية([13]).

والصحيح هو إطلاق النصيحة على القول والفعل والمعاملة؛ لأن المعنى الإصطلاحي مأخوذ من المعنى اللغوي, فإن كل شيء خلص فقد نصح.

المبحث الثالث: الفرق بين النصيحة والتأنيب والمداراة والمداهنة والتقية:

لابد من بيان بعض المفردات, أو المصطلحات, وتحديد الفرق بينها وبين النصيحة لمعرفة أحكامها. فالنصيحة: هي إحسان إلى من تنصحه بصورة الرحمة له, والشفقة عليه, والغَيْرة([14]) له، وعليه فهي إحسان محض, يصدر عن رحمة, ورقة يتلطف الناصح في بذل النصيحة غاية التلطف, ويحتمل أذى المنصوح ولائمته, ويعامله معاملة الطبيب العالم المشفق للمريض، وهو يتحمل سوء خلقه وشراسته ونفرته, ويتلطف في وصول الدواء إليه بكل ممكن, فهذا شأن الناصح.

وأما (التأنيب): فهو التعبير في صورة النصيحة, بقصد إهانة وذم وشتم من أنبّه, فهو يقول له مثلا: يا فاعل كذا وكذا, يا مستحقاً للذم والإهانة, في صورة ناصح مشفق، وعلامة المؤنب انه لو رأى من يحبه, ويحسن إليه على مثل عمل المؤنب, أو شر منه, لم يعرض له, ولم يقل له شيئاً, ويطلب له وجوه المعاذير، فان غلب طلب له وجوه المعاذير, فمثلاً يقول:

الإنسان عرضة للخطأ, ومحاسنه أكثر من مساويه, والله غفور رحيم, ونحو ذلك. ومن الفروق بين الناصح والمؤنب، ان الناصح لا يعاديك إذا لم تقبل نصيحته، ويقول: قد وقع أجري على الله, قبلت أم لم تقبل، ويدعو لك بظهر الغيب, ولا يذكر عيوبك, ولا يبينها في الناس، والمؤنب بَعُدَ عن ذلك([15]).

أما (المداراة) فهي بذل الدنيا لصلاح الدنيا, أو الدين, أو هما معاً، وهي مباحة. وربما استحسنت, فإن مداراة الظالم والفاسق اتقاء شرهما من باب المداراة لا التقية. قال بعض الصحابة: (إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم)([16]). وينبغي للمداري التحفظ من الكذب, فإنه قل ان يخلو أحد من صفة المدح.

أما (المداهنة) فهي بذل الدين لصلاح الدنيا, مثل إهانة شعائر الإسلام من أجل التقرب عند بعض الظلمة لتحصيل صداقته، أو من يشكر ظالماً على ظلمه ويصوره بصورة العدل، أو مبتدعاً على بدعته ويصورها بصورة الحق، والمداهنة معصية؛ لأنها وسيلة لتكثير الظلم والباطل عند أهله([17]). قال الله تعالى في محكم كتابه: [وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ]([18]).

أما (التقية): فهي مجاملة الناس بما يعرفون, وترك ما ينكرون, حذراً من غوائلهم في أمور الدين. وقد دل كتاب الله الكريم والأحاديث الشريفة على مشروعية التقية. قال الله تعالى: [لا يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً]([19]). وروي عن أئمة أهل البيت  (عليهم السلام) : (تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له)([20]) و(التقية من ديني ودين آبائي ولا إيمان لمن لا تقية له)([21]).

المبحث الرابع: النصيحة في الآثار الشرعية:

إن الدين  - بكسر الدال - هو دين الإسلام، ودين الإسلام النصيحة, أي عماده وقوامه, كما قيل: ان الحج عرفة، فالنصيحة لم تبق من الدين شيئاً، وهي كلمة يعبر بها عن جملة, هي إرادة الخير للمنصوح له، ولا يمكن ان يعبر عن هذا المعنى بكلمة واحدة, تجمع معناها غيرها([22]).

فالنصيحة تشمل خصال الإسلام والإيمان والإحسان، ولذلك سمّي الدين النصيحة. واعتبرها بعض العارفين من علامات اليقين، وبعضهم من أركان الدين، وتطلب النصيحة عند الأبرار, فان المشاركة في الإيمان يجب ان يكون أدعى شيء إلى النصيحة, وان تباعدت الأجناس والأماكن.

 إن القرآن الكريم ذكر ان الوظيفة الأساسية لبعثة الأنبياء  (عليهم السلام)  هي النصح لأممهم, كما ان الأولياء والصالحين لم يفق بعضهم على بعض بالصوم والصلاة, بل بالنصيحة ففي المأثور عن النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  قال: (يقول الله تعالى من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة، يا ابن آدم إنك لم تدرك ما عندي إلاّ بأداء ما افترضت عليك ولا يزال عبدي يتقرب بالنوافل حتى أحبه فأكون قلبه الذي يعقل به ولسانه الذي ينطق به وبصره الذي يبصر به فإذا دعاني أجبته وإذا سألني أعطيته وإذا استنصرني نصرته، وأحب عبادة عبدي إليَّ النصيحة)([23]).

وقال الإمام الحسن  (عليه السلام) : (إن أحب عباد الله­ إلى الله الذين يسعون في الأرض بالنصيحة والذين يمشون بين خلقه بالنصائح ويخافون عليهم يوم تبدو الفضائح)([24]).

وورد عن النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  أنه قال لرجل من أهل الصُفَّة يكنى أبا رزين: (يا أبا رزين إذا خلوت فحرك لسانك بذكر الله فإنك لا تزال في صلاة ما ذكرت ربك ان كنت في علانية فصلاة علانية، وان كنت خالياً فصلاة خلوة. يا أبا رزين إذا كابد الناس قيام الليل وصيام النهار فكابد أنت النصيحة للمسلمين)([25]). وتعتبر النصيحة من أفضل الأعمال عند الله في يوم القيامة، ففي خبر سفيان بن عُيَيْنَة قال: (سمعت أبا عبد الله  (عليه السلام)  يقول: عليكم بالنصح لله في خلقه فلن تلقاه بعمل أفضل منه)([26]). كما ان أعظم الناس منزلة يوم القيامة عند الله أكثر الناس نصيحة لخلق الله, ففي خبر السكوني عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  قال: (قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : ان أعظم النـــاس منزلة عند الله يوم القيـــامة أمشاهم في أرضه بالنصــيحة لخلقه)([27]).

والمشي هنا في الحديث الشريف إما المشي حقيقة, أو كناية عن شدة الاهتمام، والباء في قوله (بالنصيحة) للملابسة أو السببية.

والنصيحة التي تتعلق بحقوق المسلمين للحكام والأمراء والسلاطين وغيرهم أعظم من نصيحة الرجل التي تتعلق بمعاملته ووكالته ووصيته, فإن نصيحة العموم أعظم من نصيحة الخصوص, وإن من جلس على الوسائد وجب عليه النصيحة. وذكر بعض العارفين: (ان كنت تحب الناس ان يكونوا مثلك فما أديت النصيحة لربك وكيف أنت تحب أن يكونوا دونك)([28]). فهذا النص فيه إشارة إلى ان النصيحة للآخرين لا تكون إلاّ ان يجب فيها ان يكونوا فوقه، وهذه منزلة عالية, ودرجة رفيعة في النصح. كما أن النصيحة لها درجة عالية على الصداقة, فليس كل صديق ناصحاً, ولكن كل ناصح صديق فيما نصح فيه. فالناصح هو ان يسوء المرء ما ضّر الآخر ساء ذلك الآخر, أو لم يسوءه، وان يسره ما نفعه سرّ الآخر, أو ساءه، فهذا شرط في النصيحة زائداً على شروط الصداقة([29]). واعتبرت النصيحة هي معيار الأخوة, فلم تنعقد الأخوة ما لم تكن النصيحة رائدها وباعثها، ومن لم يكن ناصحاً لأخيه فليس بأخ. قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (خير إخوانك من يصدقك النصيحة، ويزينك في المحافل، وينصرك على عدوك)([30]). والنصيحة من علامات العالم العامل, فعن جابر الأنصاري S عنه عن رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لا تجلسوا عند كل عالم إلاّ إلى عالم يدعوكم من خمس إلى خمس من الشك إلى اليقين ومن الرياء إلى الإخلاص ومن الرغبة إلى الزهد ومن الكبر إلى التواضع ومن العداوة إلى النصيحة)([31]). ومن بذل النصيحة من التجار فهو من أعلام الخير لما بذله, حذراً من خيانة المسلمين؛ لما ورد عن ذي النون العارِفِ المِصْرِيّ: (ثلاثة من أعلام الخير في التاجر ترك الذم إذا اشترى، والمدح إذا باع خوفاً من الكذب، وبذل النصيحة للمسلمين حذراً من الخيانة والوفاء في الوزن إشفاقاً من التطفيف)([32]).

وإن النصيحة تقبل من الغني والفقير. قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (الذي يصح للغني من الفقير النصيحة)([33])، فمن قبل النصيحة آمن الفضيحة, ومن أبى فلا يلومن إلاّ نفسه.

 

الفصل الثاني

شروط النصيحة وكيفيتها وأنواعها

المبحث الأول: شروط النصيحة

هنالك شروط معينة للنصيحة([34]) وهي:

  1. يُشْتَرَطُ الإخلاصُ في النصيحة, وابتغاءُ وجْهِ الله تعالى، وان يكون الباعث لها قصد النصيحة لا الوقيعة بالمنصوح, كأن يكون بينهما عداوة دنيوية, أو تحاسد, أو تباغض, أو تنازع على منصب, أو وظيفة, فيتكلم بمساوئه مظهراً النصح وقصده في الباطن النقص من الشخص واستيفاؤه منه، فهذا من عمل الشيطان, (وإنما الأعمال بالنيات، وان لكل أمريء ما نوى)([35])، بل يكون قصد الناصح ان يصلح الله ذلك الشخص, وان يكفي المسلمين ضرره في دينهم ودنياهم، ويسلك في هذا المقصود أيسر الطرق التي تمكنه، وكثيراً ما يغفل الإنسان عن ذلك, فيلبس عليه الشيطان, ويحمله على التكلم لا نصحاً ويزين له أنه نصح وخير. والحاصل ان النصيحة إذا كانت من أجل التقرب إلى الله عز و جل فهي من جملة الحسنات، وإذا وقعت على وجه ذم أخيك, وتمزيق عرضه, والتمعك بلحمه والعض منه لتضع منزلته من قلوب الناس فهي الداء العضال, ونار الحسنات التي تأكلها كما تأكل النار الحطب.
  2. ان تكون النصيحة لحاجة ماسة لحفظ مقاصد الشريعة من الدين والنفس والعقل والعرض والمال.
  3. ان تقتصر النصيحة على المقدار اللازم منها, فلا يذكر أو يتعرض الناصح لعيوب أخرى, فمثلا لا يذكر في عيب التزويج ما يخل بالشركة أو المضاربة أو المزارعة أو السفر مثلا، بل يذكر ما يخص الأمر الذي فيه النصح, ولا يتجاوزه والتي حصلت المشاورة فيه خاصة. فالزيادة على العيوب المخلة بما استشير فيه حرام، فمثلا لو توقفت النصيحة على ذكر عيب واحد ذكره, ولا تجوز الزيادة عليه, أو عيبين اقتصر عليهما وهكذا؛ لأن ذلك كإباحة الميتة للمضطر, فلا يجوز تناول شيء منها إلاّ بقدر الضرورة.

المبحث الثاني: شروط الناصح

لابد من توفر عدة علوم في الناصح والمستشار, أهمها علم الشريعة والمعرفة بأحوال الناس, وما يحيط بهم من الظروف والأحوال والمصلحة في ذلك الزمان والمكان, وعلم الترجيح فيما لو تزاحمت أو تعارضت بعض الأمور, فمثلا يكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان أو العكس، فعليه ان ينصح بحسب الأرجح أو بالأهم من الأمرين. كما ان الناصح أو المستشار ينبغي ان يكون على معرفة وإطلاع بالمنصوح له من حيث قبول نصحه وعدمه، فإذا عرف من حاله مثلا: أنه إذا نصحه لشيء فعل ضده فإنه عليه ان ينصحه بما لا ينبغي ليفعل ما ينبغي، فلذا يحتاج الناصح أو المستشار إلى علم وعقل وفكر صحيح ورؤية حسنة واعتدال مزاج وتوءدة وتأن، فان من لم يجمع هذه الخصال فخطؤه أسرع من إصابته, فلا يستشار ولا ينصح, فلا أعظم شيء من النصيحة، فإن بعض الأشخاص الفارغين من أحكام الشريعة 
- سامحهم الله - نصبوا أنفسهم نصحاء لكل أمر, فأخذوا يوزعون بنصائحهم على أغْرارِ الناس ظانين بعملهم هذا الصواب, مما أدى إلى خلط الحابل بالنابل، فأفسدوا أكثر مما نفعوا, بينما الملحوظ بين ظهرانينا من هو أهل لهذه الوظيفة, قد انعزل وانزوى وحجب نفسه عن المجتمع؛ تعففاً عن الناس بحجج وذرائع منها: انه لا يتحمل سلوك الناس, وأصبح المجتمع غريبا عليه, فأصبحنا بين الإفراط والتفريط. والله المستعان.

ولا ­يكون الرجل ناصحاً لغيره إلاّ إذا بدأ بنصح نفسه, واجتهد في معرفة ما يجب له وعليه؛ ليعرف كيف ينصح. وهنالك ثلاث علامات للناصح, وهي (إغمام القلب بمصائب المسلمين، وبذل النصيحة لهم متجرعاً لمرارة ظنونهم، وإرشادهم إلى مصالحهم وان جهلوه وكرهوه)([36]).

وأوضح سيد الساجدين الإمام علي بن الحسين  (عليه السلام)  في صحيفة الحقوق حق الناصح: (ان تلين له جناحك وتصغي إليه بسمعك، فإن أتى بالصواب حمدت الله عز وجل، وان لم يوفق رحمته ولم تتهمه وتؤاخذه بذلك)([37]). كما ان للمنصوح حقاً قد بينه الإمام كذلك بقوله: (وأما حق المستنصح فأن تؤدي إليه النصيحة، وتكلمه من الكلام بما يطيقه عقله وليكن مذهبك الرحمة)([38]). فعلى المنصوح توجيه سمعه وقلبه إلى الناصح، وإبداء السرور للناصح بنصيحته وقبولها وشكره, كما قال سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (عليه السلام) : (أقبل النصيحة ممن نصحك، وتلقها بالطاعة ممن حملها إليك)([39]) فإن كل مؤمن لابد له من ناصح. قال الإمام الجواد  (عليه السلام) : (المؤمن يحتاج إلى ثلاث خصال: توفيق من الله، وواعظ من نفسه، وقبول ممن ينصحه)([40]). وان مخالفة الناصح الشفيق الصادق المخلص في نصيحته تورث الحسرة والندامة كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (عليه السلام) : (فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة وتعقب الندامة)([41]).

المبحث الثالث: كيفية النصيحة

ينبغي ألا تترك النصيحة في كل حال من الأحوال، وتكون على حسب مقتضى الحال، وعلى الوجه اللائق بحسب ما يقتضيه المقام من الإسرار أو الإعلان، فإذا أقتضى الحال ان تكون النصيحة بالإسرار فلا يعلن في الملأ بالنصيحة، فتكون النصيحة على رؤوس الأشهاد فضيحة ولا يفعلها
إلاّ الجهلاء، لذلك قال إمامنا الحسن العسكري  (عليه السلام) : (من وعظ أخاه سّراَ فقد زانه، ومن وعظه علانية فقد شانه)([42]). وقال بعضهم: من وعظ أخاه بينه
وبينه فهي نصيحة، ومن وعظه أمام رؤوس الناس فإنما وبخه, وقال الفضيل
بن عياض: (المؤمن يستر وينصح والفاجر يهتك ويعير), إذ فائدة النصيحة حصول النفع, وثبوت الود، فإذا كانت في الملأ لا تقبل بل تثمر عداوة
فتكون مذمومة بل في بعض الأحيان إذا كانت النصيحة في الإعلان تخجل المنصوح له وتلجئه إلى الكذب في اعتذاره, أو خذله فتكون سبباً لفساد
كثير، فما كل ما هو راجح يجري على ظاهره([43]), وان تكون النصيحة
بالرفق والرحمة، ويتأكد هذا المعنى في نصيحة العلماء، ويحسن التلطف فيها كذلك في مخاطبة السلطان والرؤساء والملوك؛ ليكون أدعى إلى قبولهم، وان هؤلاء لا يخاطبون إلاّ بعد استئذانهم, ولا سيما إذا كان في أمر يعترض به عليهم، فترك ذلك, والغلظة لهم قد يكون سببا لإثارة نفوسهم ومعاندة من يخاطبهم([44]).

وقد أكد الإسلام نصيحة زعماء القوم ورؤسائهم وولاة الأمور خاصة, فان النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  اشترط في البيعة بعد إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة النصيحة لرؤساء الأقوام خاصة؛ لأن القوم في أمس الحاجة إلى نصيحة سيدهم([45]). ولا تخشن كلامك في النصيحة فذلك إغراء وتنفير, وقد قال الله تعالى في محكم كتابه [فَقُولا لَهُ قَوْلا لَيِّنًا]([46])؛ لأن النصيحة بالقول اللين والرفق أقرب إلى قبولها, كما قال الله تعالى: [وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ]([47]).

ثم ان النصيحة مرتان: الأولى فرض وديانة، والثانية تنبيه وتذكير, وأما الثالثة فتوبيخ وتقريع, وليس وراء ذلك إلاّ التركل واللطام إلاّ في الدين. فالواجب على المرء تكرار النصيحة, رضي المنصوح أو سخط، تأذى الناصح بذلك أو لم يتأذ, وأعظم مانع من قبول النصيحة هو الحسد، ولا تنصح على شرط القبول منك, فأن فعلت ذلك فأنت ظالم، ولعلك مخطيء في وجه نصحك فتكون مطالبا بقبول خطئك وبترك الصواب، فإن تعديت هذه الكيفية في النصيحة فأنت ظالم لا ناصح, وطالب طاعة وملك لا مؤدي حق وأمانة وأخوة، وليس هذا حكم العقل ولا حكم الصداقة, لكن حكم الأمير مع رعيته والسيد مع عبيده، وإذا أردت النصيحة فانصح سراً لا جهراً, وبتعريض لا تصريح, إلاّ ان لا يفهم المنصوح تعريضك فلابد من التصريح([48]).

وإذا بذلت النصيحة لقلب مَلآن ضدها لا منفذ لها فيه فإنه لا يقبله, ولا تلج فيه لكن تمر مجتازة لا مستوطنة, فلا تطلب مشورة البخيل في العطاء, ومشورة الجبان في القتال, ومشورة الحريص في الإباء، وهذا ما أشار إليه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  في عهده لصاحبه مالك الأشتر S بقوله: (ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ويعدك الفقر، ولا جبانا يضعفك، ولا حريصا يزين لك الشره بالجور، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله)([49]).

ثم إذا عرف من شخص المخالفة واللجاج، وأنه إذا دلّ على أمر فيه نصيحته عمل بخلافه، فالنصح عدم النصح, قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لا تشر على المستبد برأيه)([50]) بل قد يشير عليه بخلاف ذلك فيخالفه فيفعل ما ينبغي، وهذه النصيحة لا يشعر بها كل أحد، وهي تسمى علم السياسة, فأنه يسوس به النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها, ولكن ضابط هذه الحالة بأن لا ينصحه بمحرم. قال بعض العارفين: أوصيك بالنصح نصح الكلب لأهله فإنهم يجيعونه ويطردونه ويأبى إلاّ ان يحوطهم ويحفظهم([51]).

المبحث الرابع: أنواع النصيحة

ان النصيحة على أنواع:

النوع الأول: النصيحة لله تعالى:

ان النصيحة لله تعالى تقتضي إخلاص الاعتقاد في توحيده، ونفي الشريك عنه وترك الإلحاد في صفاته, ووصفه بصفات الكمال والجلال, وتنزيهه عما يضادها، والقيام بأداء واجباته على أكمل وجوهها، وهو مقام الإحسان, فلا يكمل النصح لله من دون ذلك، ولا يتأتى ذلك من دون كمال المحبة الواجبة والمستحبة، ويستلزم ذلك الاجتهاد في التقرب إليه بنوافل الطاعات على هذا الوجه، وترك المحرمات والمكروهات على هذا الوجه أيضاً, فقد ورد عن الإمام الحسن  (عليه السلام) : (أرأيتم لو كان لأحدكم عبدان فكان أحدهما يطيعه إذا أمره ويؤدي إليه إذا ائْتَمَنَهُ وينصح له إذا غاب عنه وكان الآخر يعصيه إذا أمره ويخونه إذا ائتمنه، ويغشه إذا غاب عنه كانا سواء؟ قالوا: لا، قال: فكذا أنتم عند الله عز وجل)([52]).

وقد سأل الحواريون النبي عيسى  (عليه السلام) : (ما الخالص من العمل؟ قال: ما لا تحب أن يحمدك الناس عليه، قالوا: فما النصح؟ قال: ان تبدأ بحق الله قبل حق الناس، وإن عرض لك أمران أحدهما لله تعالى والآخر للدنيا بدأت بحق الله تعالى)([53]). فالرغبة في محابه, والبعد عن مساخطه, والجهاد من كفر بالله تعالى, والدعوة إلى ذلك, والحث عليه, والاعتراف بنعمه وشكره عليها, والإخلاص في جميع الأمور, وحقيقة النصيحة لله تعالى عز وجل راجعة إلى العبد في نصحه نفسه, فالله تعالى غني عن نصيحة الناصح.

النوع الثاني: النصيحة لكتابه الكريم:

إما النصيحة لكتاب الله العزيز فالإيمان بأنه كلام الله تعالى وتنزيله، لا يُشْبِهُهُ شَيءٌ من كلام الخلق, ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، وتعظيمه وتنزيهه وتلاوته حق تلاوته والخشوع عندها، والوقوف على أوامره ونواهيه، وتفهم علومه وأمثاله، وتدبر آياته والذب عن الشبهات عنه وطعن الملحدين به والتصديق بما فيه، والاعتبار بمواعظه والتفكر في عجائبه والعمل بمحكمه والتسليم لمتشابهه.

النوع الثالث: النصيحة لرسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) :

وأما النصيحة لرسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته، ونشر شريعته والتفقه في معانيها والدعوة إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابهم إليها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته  (عليهم السلام)  وأصحابه المنتجبين الأخيار، ومجانبة من ابتدع في سنته.

النوع الرابع: النصيحة لأهل البيت  (عليهم السلام) : 

النصيحة لأهل البيت  (عليهم السلام)  هو اتباع أحاديثهم الشريفة, والاهتداء بهديهم, والموالاة لمن والاهم, والمعاداة لمن عاداهم، والقول في شأنهم ما يليق، والانقياد لهم في أوامرهم ونواهيهم وآدابهم وأعمالهم، والإطاعة لهم في جميع ذلك، وإجراء أحكامهم على الأمة, وحقيقة نصيحة المؤمن النصيحة لأهل البيت (عليهم السلام)  , في خبر بُرَيد بن معاوية عن أبي جعفر الباقر  (عليه السلام)  قال: (قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما نظر الله عز وجل إلى ولي يجهد نفسه بالطاعة لإمامه وينصحه إلاّ كان معنا في الرفيق الأعلى)([54]).

وتختص نصيحة العلماء لله تعالى وكتابه الكريم ورسوله العظيم وأهل بيته الكرام بالرد على الأهواء المضلة على الكتاب والسنة الشريفة, وبيان دلالتهما على ما يخالف الأهواء، وكذلك رد الأقوال الضعيفة من زلات العلماء، وبيان ما صح من الأحاديث الشريفة عن أهل البيت  (عليهم السلام)  وما لم يصح بتبين حال الرواة, ومن تقبل روايته منهم ومن لا تقبل.

النوع الخامس: النصيحة لأئمة المسلمين:

النصيحة لأئمة المسلمين العادلين وهم أصحاب الولايات وعلماء الدين المجتهدون الذين يجب تقليدهم, وإحسان الظن بهم, ومعاونتهم على الحق, وطاعتهم فيه وأمرهم به, وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، واعلامهم بما غفلوا عنه ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وتألف قلوب الناس لطاعتهم, فقد روي عن النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  قال: (ان الله يرضى لكم ثلاثاً يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وان تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا، وان تناصحوا من ولاه الله أمركم)([55]). كما روي عن أبي يعفور عن أبي عبد الله  (عليه السلام) : ان رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  خطب الناس في مسجد الخيف في حجة الوداع فقال: (نَضَّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها من لم يسمعها فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب أمريء مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المسلمون أخوة تتكافأ دِماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم)([56]). ومن النصيحة لهم الجهاد معهم, والصلاة خلفهم, وأداء الحقوق إليهم، وان يدعى لهم بالصلاح، ولا يغروا بالثناء الكاذب عليهم.

النوع السادس: النصيحة لعامة المسلمين:

أما النصيحة للمسلمين عامة فإرشادهم لمصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم, وتعليمهم ما يجهلونه من دينهم, وإعانتهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم, وسد خلاتهم, ودفع المضار عنهم, وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف, ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم, وتوقير صغيرهم واحترام كبيرهم، وإبداء الموعظة الحسنة لهم, وترك غشهم وحسدهم، وان تحب لهم ما تحب لنفسك من الخير، وتكره لهم ما تكره لنفسك من المكروه والذب عن أموالهم وأعراضهم وغير ذلك من أحوالهم, وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه من أنواع النصيحة، وتنشيط هممهم إلى الطاعات، حتى ان المتقين والصالحين والعلماء الأبرار من تبلغ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه([57]).

روي عن جرير بن عبد الله البَجَلِيّ قال: (بايعت النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)([58]), وروي (حق المؤمن على المؤمن ست) فذكر منها (وإذا استنصحك فانصح له) وروي هذا الحديث من وجوه أُخَر عن النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  قال: (إذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له)([59]).

 

الفصل الثالث

النصيحة في الفقه الإسلامي

المبحث الأول: النصيحة في الأدلة الشرعية

أولًا: الآيات الكريمة

لقد ذكر القرآن الكريم مادة النصح في الآيات الشريفة التالية:

  1. قوله تعالى: [فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ]([60]).

 لقد تولى النبي صالح  (عليه السلام)   عن قوم ثمود بعدما عقروا الناقة, قال لهم: لقد أبلغتكم رسالة ربي, وأديت إليكم ما أمرني بأدائه إليكم من أمره ونهيه، ونصحت لكم في أداء رسالات الله إليكم في تحذيركم بأسه بإقامتكم على كفركم به, وعبادة الأوثان, ولكن لا تحبون الناصحين لكم في الله, الناهين عن اتباع أهوائكم، الصّادِّينَ لكم عن شهوات أنفسكم([61]).

  1. قوله تعالى: [فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ]([62]).

يقول تعالى ذكره: فأدبر النبي شُعَيْبٌ  (عليه السلام)  عن قومه شاخصاً من بين أظهرهم حين أتاهم عذاب الله, وقال لما أيقن بنزول نقمة الله بقومه الذين كذبوه حزنا عليهم: يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي, وأديت إليكم ما بعثني به إليكم من تحذيركم غضبه على إقامتكم على الكفر به, وظلم الناس أشياءهم، ونصحت لكم بأمري إياكم بطاعة الله, ونهيكم عن معصيته([63]).

فان الآيتين تشيران إلى ان نزول العذاب بعد النصيحة.

  1. قوله تعالى: [وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنْ النَّاصِحِينَ]([64]).

والمقاسمة لا تكون إلاّ بين اثنين، والقَسَمُ كان من إِبليس لا من آدم, فهو من باب عافاه الله, والمعنى (وقاسمهما) أي حلف لهما بالله تعالى حتى خدعهما وقال: (إني لكما لمن الناصحين) أي المخلصين النصيحة في دعائكما إلى التناول من هذه الشجرة، وظن آدم وحواء لا يقدر على اليمين بالله تعالى إلاّ صادقاً, فدعاهما ذلك إلى تناول الشجرة([65]).

  1. قوله تعالى: [أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ]([66]).

أدى النبي نوح  (عليه السلام)  تبليغ رسالة الله عز وجل إلى قومه, ونصح لهم في تبليغ الرسالة على وجهها من غير تغيير, ولا زيادة, ولا نقصان.

  1. قوله تعالى: [أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ]([67]).

بلغ النبي هود  (عليه السلام)  رسالات ربه أي نبوات الله تعالى، وهو في تبليغه ثقة مأمون في تأدية الرسالة.

  1. قوله تعالى: [ولا ينفعكم نصحي إن أردت أنْ أنَصَحَ لكم إن كان الله يريُدان يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون]([68]).

حكي النبي نوح  (عليه السلام)  عن قومه: انه ان كان الله يريد أن يخيبكم من رحمته, بأن يحرمكم ثوابه ويعاقبكم به، فلا ينفعكم نصحي إن أردت ان أنصح الكم.

  1.  قوله تعالى: [لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ]([69]).

ذكر الله سبحانه أهل العذر, وهم الذين لا يقدرون على الخروج للجهاد؛ للعلل المانعة عن الخروج كالمرض، وممن لا نفقة له للخروج وآلة السفر، فلا حرج وضيق وجناح في التخلف, وترك الخروج مع الرسول  (صلى الله عليه وآله وسلم) , بان يخلصوا العمل من الغش, وينصحوا لله ورسوله  (صلى الله عليه وآله وسلم) .

  1. قوله تعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا]([70]).

النَّصْحُ تَحَرّي فِعْل, أو قَوْلٌ فيه صَلاحُ صاحِبه, والتوبة النصوح ما­ يصرف صاحبه عن العَود إلى المعصية, أو ما يخلص العبد للرجوع إلى الذنب, فلا يرجع إلى ما تاب منه. فالتوبة النصوح أي الصادقة.

  1. قوله تعالى: [وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ]([71]).

قوله تعالى: [وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى] قيل هو مؤمن آل فرعون، قال يا موسى ان الملأ يأتمرون بك ليقتلوك, أي يرتاءون لقتلك, فاخرج إني لك من الناصحين، حكاية ما قال الرجل لموسى  (عليه السلام)  يحذره من أعدائه.

  1. قوله تعالى: [وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ]([72]).

ذكرت الآية إرجاع النبي موسى  (عليه السلام)  إلى أمه, فقوله تعالى [وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ] وهي جمع مرضعة, معناه منعناه منهن, وبغضناهن إليه, لا أن هنالك نهيا عن فعل الرضاع, وقوله تعالى [مِنْ قَبْلُ] أي من قبل رده إلى أمه. [فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ] معناه يضمونه برضاعِه ِوالقيام عليه, وينصحونه في ذلك، فقيل لأخته من أين قلت: أنهم ناصحون لهُ, أعرفت أهله؟ فقالت: إنما عنيت ناصحون([73]) للملك.

ثانياً: الأحاديث الشريفة

ان الأخبار التي تعرضت إلى النصيحة على أَرْبَع طوائف:

 

النصيحة في الاحاديث الشريفة..………..………………………

الطائفة الأولى: مطلق النصيحة

وهي الأخبار الدالة على نصيحة المؤمن ابتداء دون سبق استشارة, منها:

  1. محمد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن النوفلي عن السكوني عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  قال: قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أنسك الناس نسكاً أنصحهم جيباً وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين)([74]). الرواية ضعيفة بالنوفلي, وضعفها المجلسي, ومعناها ان أشدهم عبادة أكثرهم أمانة، يقال رجل ناصح الجيب, أي أمين، وفي بعض النسخ (أنصحهم حبا)، ولعل الأول هو الصواب.
  2. محمد بن يعقوب عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن علي بن الحكم عن عمر بن أبان عن عيسى بن أبي منصور عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  قال: (يجب للمؤمن على المؤمن أن يناصحه)([75]). الرواية صحيحة السند، والمراد بنصيحة المؤمن للمؤمن ارشاده إلى مصالح دينه ودنياه, وتعليمه إذا كان جاهلا, وتنبيهه إذا كان غافلا، والذب عنه وعن أعراضه إذا كان ضعيفا، وتوقيره في صغره وكبره, وترك حسده وغشّه, ودفع الضرر عنه وجلب النفع إليه, وبالجملة كلما يريد لنفسه يريد لأخيه المؤمن. ولو لم يقبل نصيحته سلك طريق الرفق حتى يقبلها ولو كانت متعلقة بأمر الدين سلك به طريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على وجه المشروع. ويمكن إرادة النصيحة للرسول والأئمة  (عليهم السلام)  أيضاً لأنهم أفضل المؤمنين([76]).
  3. وعنهم عن أبي أحمد عن ابن محبوب عن معاوية بن وهب، عن ابي عبد الله  (عليه السلام)  قال: (يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والغيب)([77]). الرواية صحيحة السند. قوله: (في المشهد والمغيب) أي في وقت حضوره وفي غيبته بالكتابة أو الرسالة, وحفظ عرضه والزجر عن غيبته، وبالجملة رعاية جميع المصالح له, ودفع المفاسد عنه على أي وجه كان. قال المجلسي في البحار بعد نقله للرواية ان معنى (يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له) يحتمل ان يكون الوجوب في بعض الأفراد محمول على السنة المؤكدة وفاقاً للمشهور بين الأصحاب.
  4. وعن أبي محبوب بن عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر  (عليه السلام)  قال: قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لينصح الرّجل منكم أخاه كنصيحته لنفسه)([78]). هذا الحديث جامع لجميع أفراد النصيحة، فهو ناظر إلى وحدة الكيفية بعد الفراغ عن حكم نفس النصيحة, وأنه يجب أن ينصح أخاه كما ينصح لنفسه, سواء كان النصح واجباً أو استحبابياً.
  5. خبر تميم الداري قال: قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  ثلاثاً: (الدين النصيحة، قيل لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة الدين ولجماعة المسلمين)([79]), وقد ذكر علماء الحديث بان هذا الحديث له شأن عظيم, وعليه مدار الإسلام، وأعتبره جماعة من العلماء أنه أحد أرباع الإسلام, أي أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور المسلمين, بل خصّ بعض العلماء مدار الإسلام به وحده، قال أبو داود: (ان هذا الحديث أحد الأحاديث التي يدور عليها الفقه)([80]), وهو من وجيز الأسماء, ومختصر الكلام, وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفي بها هذا المعنى سوى كلمة (النصيحة)، كما أنه لا يوجد في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة من كلمة (الفلاح).
  6. خبر زياد بن علاقة قال: سمعت جرير بن عبد الله يقول: (بايعت رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  فاشترط عليّ النصح لكل مسلم)([81]).
  7. ما روي في وسائل الشيعة: (للمسلم على المسلم من الحق ان يسلّم عليه إذا لقيه ويعوده إذا مرض، وينصح له إذا غاب، ويسمته إذا عطس، ويجيبه إذا دعاه، ويتبعه إذا مات)([82]).

عدّ الإمام  (عليه السلام)  النصيحة من الحقوق المستحبة، ومعلوم ان هذه الحقوق ليست واجبة، بل إنما هي في ذاتها مستحبة, فعدّ النصيحة منها دليل على استحبابها. فالمستفاد من متون هذه الطائفة من الأخبار الكثيرة والمعتبرة هو الجانب الأخلاقي, فتحمل على الاستحباب، وحمل لفظ (يجب) فيها على الوجه الشرعي بعيد، والوجه في ذلك لزوم العسر الأكيد, والحرج الشديد من القول بوجوب النصيحة على وجه الاطلاق, كما ذهب إليه بعض الفقهاء كالمحدث العاملي صاحب الوسائل, والمحدث النُّورِي صاحب المستدرك, والشيخ مهدي كاشف الغطاء في مخطوطته المكاسب المحرمة بقوله: (الأخبار المتكررة الدالة على وجوب نصيحة المؤمن التي منها خبر عيسى بن منصور, وخبر معاويه بن وهب, وخبر السكوني, وخبر سفيان بن عيينة الدالة على وجوب نصيحة المؤمن مع السبق بالاستشارة وعدمه؛ لتعبير أكثرها بلفظ (يجب)، هذا مضافا إلى قوله  (عليه السلام) : (المؤمن مرآة أخيه)([83]) وإلى ان تركها خيانة وهي من أعظم المحرمات)([84]).

ويمكن الجواب عما أفاده الشيخ مهدي, بان الوجوب في هذه الطائفة هو ثبوت هذا الحق للمؤمن على المؤمن ثبوتاً أخلاقياً، لأن العمدة في هذه الطائفة ما كان مشتملا على لفظ (يجب للمؤمن), ومن المعلوم ان الوجوب إذا تعدى باللام يكون معناه ثبوت الحق لا التكليف الشرعي, فانه لا يتعدى باللام, بل يتعدى الوجوب الشرعي بـ (على)، فلو كان المراد به التكليف الشرعي الإلزامي لقال: (يجب على المؤمن أن ينصح أخاه) من دون حاجة إلى ذكر (للمؤمن)، وكم فرق بين ان يقال: يجب على المؤمن كذا وكذا وبين ان يقال: يجب للمؤمن على المؤمن فهذا اللسان أشبه بلسان الاستحباب, والحاصل ان هنا حكم أخلاقي. أضف إلى ذلك: ان رواية جابر ناظرة إلى وحدة الكيفية بعد الفراغ عن حكم نفس النصيحة، وإنه يجب ان ينصح أخاه كما ينصح لنفسه, سواء كان النصح واجباً أم مستحبا، كما ان باقي الأخبار بين ضعيفة السند وبين غير واضحة الدلالة على الوجوب. نعم الاستحباب هو القدر المتيقن منها. كما أنه من المحتمل قوياً ان المراد بالمؤمن الذي تجب له النصيحة هو الذي وصفه ائمة أهل البيت  (عليهم السلام)  (بأنه إذا ضرب على رجل أخيه عرق سهر له، وأنه إذا أصاب أخاه شيء في بلد حزن له، وأنه من أخيه بمنزلة الجسد الواحد إذا اشتكى وجد ألَمَ ذلك في سائر جسده)([85]), وهذا المؤمن كالكبريت الأحمر, وأعز من الذهب الأصفر، فإن مثل هذا لا يبعد أن يوجب له الله ما يوجب، فقد روي (من لا يوجب لك فلا توجب له ولا كرامة)([86]), وقد ورد وصف المؤمن في كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  لهمام، وفي كلام الإمام علي بن الحسين  (عليه السلام)  وغيرهما, مما يدل على أن المؤمن لا يوجد إلاَّ ما ندر([87]).

الطائفة الثانية: نصيحة المستشير

لابد من مقدمة في تعريف الاستشارة أو المشورة, وحكمها في الفقه الإسلامي الاستشارة أو المشورة, هي استخراج صواب الرأي، واشتقاق الكلمة من قولهم: شور العسل أستخلصه من موضعه وصفاه من الشمع, والمشاورة حصن من الندامة, وأمن وسلامة, وعين الهداية, قال الإمام علي بن أبي طالب  (عليه السلام) : (فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب تورث الحسرة وتعقب الندامة)([88])، وقيل نعم المؤازرة المشاورة، ومن شاور ذوي الألباب دل على الرشاد، ومن أعظم أنواع النصيحة أن ينصح لمن استشاره, وقد مدح الله المؤمنين بقوله عز وجل [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ]([89]), وروي عن أبي جعفر الثاني  (عليه السلام)  عن آبائه عن أمير المؤمنين  (عليه السلام)  قال: بعثني رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  إلى اليمن فقال وهو يوصيني: (يا علي ما حار من استخار ولا ندم من استشار)([90]), ولقد أحسن القائل:

شاوِرْ صَدِيْقَكَ في الخَفِيِّ المُشْكِلِ        وَاقْبَلْ نَصِيْحَةَ نــــاصِحٍ مُتَفَضِّلِ

وفي حديث فاطمة بنت قيس حين شاورت الرسول الأعظم  (صلى الله عليه وآله وسلم)  لما خطبها معاوية وأبو جهم وقوله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له، وأبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه)([91]) دليل على استشارة ذوي الرأي وأنه جائزٌ ان يستشير الرجل من يرضى دينه في امرأتين يسميهما له أيتهما يتزوج، وكذلك للمرأة في رجلين أيهما تتزوج، وفيه أن للمستشار أن يشير بغير من أستشير فيه؛ لأنه أشار  (صلى الله عليه وآله وسلم)  إلى أسامة, ولم تذكر له إلاَّ أبا جهم ومعاوية([92]), وروي عن الإمام موسى بن جعفر  (عليه السلام) : (وإذا استشار عليك العاقل الناصح فإياك والخلاف فإن في ذلك العطب([93]))([94]), وروي عنه  (عليه السلام) : (مَنِ استشار لم يعدم عند الصواب مادحاً وعند الخطأ عاذراً)([95]) وقال أمير المؤمنين  (عليه السلام) : (ومشاورة العاقل الناصح يُمْنٌ وبَرَكَةٌ وَرُشْدٌ وتوفيقٌ من الله)([96]), (والمستشار مؤتمن)([97]) أي أمين فيما يسأل من الأمور لأنه قلد الأمر الذي استشير فيه، فمن أفضى إلى أخيه بسره وأمّنه على نفسه فقد جعله بمحلها، فيجب عليه أن لا يشير عليه إلاّ بما يراه صواباً لأنه قلده أمره، فان غشه فيما استشاره فيه فقد خان الله ورسوله ويسمى الغرور وهو إخفاء الخدعة في صورة النصيحة, وان ترك النصيحة لا يعتبر خيانة, نعم الخيانة إنما تلزم فيما لو نصحه بخلاف ما يعتقده من المصلحة, فمن علم عدم عدالة إمام الجماعة فلا يجوز إعلام غيره به، نعم لو استشير وسأل عن عدالته فهنا المستشار مؤتمن, وعليه ان لا يخون لما روي: (المستشار مؤتمن) والمستشار ان شاء أشار وان شاء لم يشر، فهو مخير لا يتعين عليه النصيحة ما لم يتحقق بترك مشورته حصول ضرر لمحترم من نفس أو مال, أو عرض, وإلاّ تعين نصحه بل لو تعلق به علمه به وجب وإن لم يستشره, ولا تطلب المشورة من كل احد, فقد تكون نتيجتها المهالك, قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  في وصيتـه لأمير المؤمنين علي بن أبي طــالب  (عليه السلام) : (يا علي لا تشاورن جباناً فإنه يضيق عليك المخرج، ولا تشاورن بخيلا فإنه يقصر بك عن غايتك، ولا تشاورن حريصاً فإنه يزين لك شرها)([98]), بل لا تشاور إلاّ من كان أهلا للمشورة, وتوافرت فيه هذه الصفات التي ذكرها الإمام الصادق  (عليه السلام)  بقوله: (إن المشورة لا تكون إلاّ بحدودها فمن عرفها بحدودها وإلاّ كانت مضرتها على المستشير أكثر من منفعتها فأولها: أن يكون الذي تشاوره عاقلاً، والثانية: أن يكون حراً متديناً، والثالثة: أن يكون صديقاً مؤاخياً، والرابعة: إن تطلعه على سرك فيكون علمه به كعلمك بنفسك ثم يسر لك ويكتمه، فإنه إذا كان عاقلاً انتفعت بمشورته، وإذا كان حراً متديناً أجهد في النصيحة لك، وإذا كان صديقاً مؤاخيا كتم سرك إذا أطلعته عليه، وإذا أطلعته على سرك فكان علمه به كعلمك به تمت المشورة وكملت النصيحة)([99]).

وأما الأخبار الواردة في خصوص نصيحة المستشير فمِنها: 

1. عن ابن خالد عن بعض أصحابه عن حسين بن حازم بن عمر بن يزيد عن أبيه عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  قال: (من استشار أخاه فلم يمحضه محض الرأي سلبه الله عز وجل رأيه)([100]), الرواية مجهولة للحسين بن حازم والحسين بن عمر. محضه كمنعه سقاه المحض, وهو اللبن الخالص، وأمحضه الود أخلصه كمحضّه الحديث: صدقه، والأمحوضة: النصيحة الخالصة, وقوله  (عليه السلام) : (محض الرأي) مفعول مطلق, أو مفعول به, والرأي: العقل والتدبير, ورجل ذو رأي, أي بصيرة.

2. رواية النوفلي قوله  (عليه السلام) : (من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة سلبه الله لُبَّهُ)([101]).

إن هاتين الروايتين قد تعرضتا إلى الوعيد بالعقوبة الدنيوية من سلب الرأي واللب, وهي لا تدل على أزيد من الاستحباب ورجحان العمل،
فإن العقل من أعظم النعم الإلهية, وقد مَنَّ به سبحانه على عباده لهدايتهم, فصرفه إلى غير ما خلق من أجله يوجب الزوال, وهو من النقمات الشديدة، كما أن صرفه إلى ما خلق لأجله يوجب المزية والاستكمال, ولا شبهة
 في رجحانه. فالروايتان محمولتان على الاستحباب، فإن نصح المؤمن
مستحب, كقضاء حاجته, وإن أدلة النصح كأدلة قضاء الحاجة تدل على الاستحباب.

3. رواية عباية قوله: (وانصح لمن استشارك). تفيد هذه الرواية إلى الإرشاد إلى الرجحان، فهي محمولة على الاستحباب, وقد أدعى غير واحد
من المحدثين وغيرهم ظهور هذه الطائفة من الأخبار على وجوب نصيحة المستشير, على أن الروايات المذكورة كلها مجهولة الرواة، ويدل على عدم وجوب نصح المستشير من جواز إرجاع المستشير إلى غيره, فإنه ينافي وجوب نصح المستشير([102]).

الطائفة الثالثة: إعانة المؤمن

الأخبار الآمرة بإعانة المؤمن, وكشف كربته, وقضاء حاجته، ومن الواضح أن نصيحة المؤمن نوع منها، ومن الروايات:

  1. محمد بن يعقوب بن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن النعمان، عن أبي حفص الأعشى عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  قال: قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (من سعى في حاجة لأخيه فلم ينصحه فقد خان الله ورسوله)([103]), الرواية مجهولة بالأعشى, ولم يذكر له غير هذا الحديث, قوله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (فلم ينصحه) وفي بعض النسخ (فلم يناصحه) أي لم يبذل الجهد في قضاء حاجته ولم يهتم لذلك، ولم يكن غرضه حصول ذلك المطلوب, هذه الرواية ناظرة الى حرمة الخيانة في مقام النصيحة, فلا صلة لها ببيان حكم النصيحة وجوباً أو استحباباً، وإنما يستفاد منها أنه إذا سعى بإعانة المؤمن في حاجته يجب أن ينصحه, ولا يخونه.
  2. عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد، وأبو علي الأشعري عن محمد بن حسان جميعاً عن أدريس بن الحسن عن مصبح بن هلقام قال: أخبرنا أبو بصير قال: سمعت أبا عبد الله  (عليه السلام)  يقول: (أيما رجل من أصحابنا استعان به رجلٌ من إخوانه في حاجة فلم يبالغ فيها بكل جهد فقد خان الله ورسوله، قال أبو بصير: قلت لأبي عبد الله  (عليه السلام) : ما تعني بقولك: والمؤمنين؟ قال من لدن أمير المؤمنين إلى آخرهم)([104]).

الرواية مجهولة بإدريس بن الحسن.

قوله  (عليه السلام) : (من لدن أمير المؤمنين) يحتمل أن يكون المراد بهم الأئمة  (عليهم السلام)  كما فسرت الأخبار الكثيرة (المؤمنين) في الآيات بهم  (عليهم السلام)  فإنهم المؤمنون حقاً، ويحتمل أن يراد سائر المؤمنين.

وأما خيانة الله فلأنه خالف أمره, وأدعى الإيمان, ولم يعمل بمقتضاه، وخيانة الرسول والأئمة  (عليهم السلام) ؛ لأنه لم يعمل بقولهم، وخيانة سائر المؤمنين, لأنهم كنفس واحدة، ولأنه إذا لم يكن الإيمان سببا لنصحه فقد خان الإيمان واستحقره, ولم يراعه وهو مشترك بين الجميع فكأنه خانهم جميعاً.

إن الروايات الواردة في هذه الطائفة من إعانة المؤمن جميعها هي في حقوق الإخوان محمولة على الجهات الأخلاقية, فتحمل على الاستحباب المؤكد، ضرورة أنه لم يلتزم أحد فيها بالوجوب بل قامت الضرورة على عدم الوجوب, فتكون الضرورة قرينة على رفع اليد عن ظهورها في الوجوب, ومن المحتمل أن المراد بالمؤمن المؤمن الكامل, فإنه هو الأخ الحقيقي, والذي تكون ترك مناصحته خيانة لله ولرسوله, كما وصف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  المؤمن لهمام أحد أصحابه ذكر فيها: (لا يطلع على نصح فيذره)([105]). كما أنه من المحتمل هو أن يكون المراد من الرواية هو السعي معه, على نحو يوقعه في خلاف مصلحته كما هو مقتضى التشبيه بالخيانة لله ولرسوله.

الطائفة الرابعة: حرمة خيانة المؤمن

الأخبار الواردة على حرمة خيانة المؤمن لأخيه الموهمة بوجوب النصح أليه منها:

  1. رواية أبي المأمون الحارثي عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  قال: (حق المؤمن على المؤمن أن لا يخونه)([106]) الرواية مجهولة بالحارثي.
  2. رواية علي بن عقبة عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  قال: (إن المؤمن أخو المؤمن عينه ودليله لا يخونه)([107]). الرواية صحيحة.
  3. رواية الحارث عن أبي عبد الله  (عليه السلام) : (المسلم أخو المسلم لا يخونه)([108]). ضعيفة لسهل, ومجهولة للمثنى الحناط.
  4. وفي المستدرك (وانصح لمن استشارك)([109]).
  5. قـــال أمير المؤمنين  (عليه السلام) : (مـــن غش المسلمين بمشورة برئت منه)([110]).

إن هذه الطائفة من الروايات تعرضت إلى الخيانة وترك النصيحة حتى مع الاستشارة, ولا ملازمة بينها وبين وجوب النصيحة, فهي أجنبية عن معرفة حكم النصيحة استحباباً أو وجوباً، كما أنه لو كانت النصيحة واجبة لما جاز لمن استشير أن يرده إلى غيره, مع إمكان رد المستشير إلى غيره, سواء أكان ذلك الغير أعرف منه بحال المستشير أم لا. إضافة إلى ذلك إن هذه الطائفة من الأخبار تدل على أن الناصح يجب  أن لا ينصح بخلاف ما يعتقده, لا على وجوب النصح نفسه لمن استشار.

ثالثاً: سيرة المتشرعة

إن سيرة المتدينين والعلماء الروحانيين على عدم الالتزام بالنصيحة مطلقا يؤيد استحباب النصيحة، مضافاً أَنَّ النصيحة من الأمور التي تعم بها البلوى, وتكثر إليها الحاجة كثرة شديدة, فلو كانت واجبة لاشتهر وجوبها, وتضافرت الأخبار بها؛ لتوافر الدواعي إلى نقلها, ولا مانع من التصريح بوجوبها، فعدم ذلك دليل على عدم وجوبها([111]).

المبحث الثاني: توقف النصيحة على محرم

قد تتوقف النصيحة على محرم كأن تكون بالغيبة أو بإفشاء سر ما أو النميمة أو السعاية وغيرها من المحرمات، فلا بد من الكلام عن كل محرم من هذه المحرمات التي تتوقف النصيحة عليها.

الفرع الأول: النصيحة مع الغِيْبة([112])

إن الله تعالى جعل لحضور المؤمن حرمة وهيبة فحرَّم النيل من كرامته وعرضه بحضوره وحرَّم الغمز عليه واللمز له والاستهزاء به والتسخيف والإساءة له، وكذلك جعل الله تعالى لغيابه حرمة فلا يجوز النيل منه في غيابه ولا يجوز تسقيطه والتشهير به, قال الله تعالى: [وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ]([113]), فالآية الشريفة تصور المغتاب يأكل لحم أخيه ميتاً وهو أمر يكرهه الإنسان وينفر منه ويستبشعه وكذلك حقيقة الاغتياب. وفي الآية الشريفة إشارة دقيقة إلى أن الذي يغتاب مؤمنا وينال منه في غيابه حيث لا يتمكن من الدفاع عن نفسه إنما يقتله فيأكل لحمه وهو ميت، وذلك أن الذي يغتاب المؤمن يسقطه في المجتمع ويسلب عنه ثقة الناس واحترامهم، ومن يفقد ثقة الناس وحبهم واحترامهم وتعاونهم إنما هو ميت من الأحياء، والذي اغتابه مَسْؤُوْلٌ عن هذه الجريمة. روي أن رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  قال في خطبة الوداع المشهورة: (أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، وإن الله حرم الغيبة كما حرم المال والدم)([114]).

وهنالك ثلاثة اتجاهات في مشروعية النصيحة بالغيبة:

الاتجاه الأول: ترجيح ملاك النصيحة على ملاك الغيبة

وهُنا ينبغي بيان بعض الأمور:

الأمر الأول: النسبة بين أدلة الغيبة وأدلة النصيحة

إن النسبة بين أدلة النصيحة وأدلة الغيبة عموم من وجه، وذلك لاجتماع الغيبة والنصيحة في مورد يكون النصح بالغيبة كما لو أراد شخص التَزَوُّج بامرأة معلومة وفيها عيب مستور فنصح بذلك أو استشارة في مصاحبة رجل في السفر أو التجارة أو المجالسة وهو يعلم أنه خائن وسيئ الخلق  وشارب الخمر مرتكب الفجور وآكل أموال الناس بالظلم والعدوان، أو استشارة في التلمذة عند شخص وهو يعلم أنه سيء العقيدة أو سيئ العمل، كان النصح في الموارد المذكورة يتوقف على الغيبة. وتفرق النصيحة أو النصح عن الغيبة في صورة ما إذا كانت النصيحة لم يكن فيها غيبة مثل لو أراد شراء دار سكن فيها عيب لأن نصيحته دون غيبة حيث لم يتوقف على ذكر أحد بسوء. وتفرق الغيبة عن النصيحة كما في صورة ما إذا استغاب شخصاً لانتقاصه مثلاً. وذلك بإظهار العيوب المستورة حيث لا يتحقق النصح كما هو الكثير.

الأمر الثاني: التعارض أم التزاحم بين أدلة الغيبة والنصيحة

وقع الكلام هل هناك تعارض بين أدلة الغيبة والنصيحة أو تزاحم؟

الرأي الأول: التعارض بين أدلة الغيبة والنصيحة

إن من ذهب إلى أن أدلة النصح والنصيحة من المستحبات فالتعارض ممنوع بين أدلة النصح أو النصيحة وأدلة حرمة الغيبة لأنه تعارض بين أدلة المستحبات وأدلة المحرمات.

أما لو كانت أدلة النصيحة أو النصح دالة على الوجوب فيقع التعارض بين دليل وجوب النصيحة أو النصح ودليل حرمة الغيبة فذهب بعض الفقهاء إلى التساقط بين الدليلين المتعارضين معاً في مادة الاجتماع وكان المرجع إلى أَصالة الإباحة، ومنهم من ذهب إلى الرجوع إلى المرجحات كالشيخ مهدي كاشف الغطاء R بعدما ذهب إلى أن الأدلة دالة على وجوب النصيحة مطلقاً فلا وجه لعدم عدّ ذلك من التعارض، واقتضاء ذلك التعارض بين أدلة المستحبات والمحرمات ممنوع، فحينئذ يكون التعارض بين ما دل على وجوب نصح المؤمن وما دل على حرمة الغيبة عموم وخصوص من وجه فلابد من الرجوع إلى المرجحات كما لو تعارض دليل الوجوب والتحريم، فهنا نقول بشمول الأخبار العلاجية لهذا النحو من التعارض فيرجع إلى المرجحات، وان قلنا بانصراف الأخبار العلاجية عن هذه الصورة واختصاصها بما إذا كان التنافي بينهما من حيث المعنى المطابقي والعامّانِ من وجه ليس كذلك فليس بينهما تَنافٍ من جهة المعنى المطابقي وإنما حصل التعارض بينهما بالعرض، واتفاق اجتماع العنوانين في مورد يتساقطان ويرجع إلى الدليل الآخر من حكم اجتهادي أو أصل فقهاتي.

ودعوى كون الترجيح لدليل الوجوب مطلقاً مشكل بل لابد من الرجوع إلى ميزان الموضوعات مع المحافظة على مقدار ما يتوقف عليه النصح من غير تعد وتجاوز. كما إن دعوى دليل التحريم أرجح مطلقاً من جهة أنه دفع مفسدة كلام لا معنى له، بل ينبغي له الرجوع إلى ميزان المواضيع.

الرأي الثاني: التزاحم بين أدلة الغيبة والنصيحة

عند التأمل يمكن القول بوقوع التزاحم بين أدلة الغيبة والنصيحة، والظاهر من قبيل الحكمين المتزاحمين، فلابد من ترجيح أحدهما على الآخر من ملاحظة أقوى الملاكين وصيرورة القوي منها فعليا والآخر شأنياً، فما نحن فيه من صغريات باب التزاحم لا التعارض، فإن الغيبة في موارد الاجتماع مأخوذة في مقدمات النصح أو النصيحة وأنه يتوقف عليها نظير توقف إنقاذ الغريق والإتيان بالصلاة على التصرف في ملك غيره, وعليه فيتصف كل من النصح والغيبة بالأحكام الخمسة بحسب اختلاف الموارد بقوة الملاك وضعفه، فان تساوى الملاكان كان النصح والغيبة مباحين، وان زاد أحدهما على الآخر كان الزائد متصفا بالوجوب أو الاستحباب بقدر ما فيه من زيادة الملاك، وكان الناقص محرماً أو مكروهاً بمقدار ما فيه من نقصه. هذا كله مع تسليم وجوب النصيحة وإِحرازه في مقام التزاحم المصلحة الملزمة للنصيحة ووجود المصلحة في مورد التزاحم مع حكم الغيبة وكون المصلحة مقطوعة الأهمية أو مُحْتَمِلتَها أو متساوية مع مفسدة الغيبة.

الأمر الثالث: ملاك حرمة الغيبة

إختلف الفقهاء في تحديد ملاك حرمة الغيبة بسبب اختلافهم في تعريف وتحديد الغيبة، فمنهم من اعتبر أن مناط حرمة الغيبة هو الانتقاص من المؤمن وذلك لأن المستفاد من الأخبار هو ستر العيب فإن إظهاره يكون موجبا لانتقاص المؤمن سواء قصد ذلك أم لا، ومنهم من شرط وجود قصد الانتقاص في تحقق الغيبة, واعتبر آخرون أن مناط حرمة الغيبة هو تأذي المؤمن الذي يستفاد من الأخبار الدالة على اعتبار كراهة الذكر والظهور في الغيبة، فإن الشيء المكروه يكون موجباً للتأذي. ولكن لا يخفى ما فيه لأن الانتقاص والتأذي لازمان للغيبة ولا يستفاد منها الحرمة الثابتة من جهة هذين اللازمين. نعم قد يشعر كون علة حرمة الغيبة من الآية الشريفة [أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ]([115]) التي اشتملت على تشبيه الغيبة بأكل لحم الميتة
 فإنها تشعر بكون علة حرمة الغيبة هو إنتقاص المؤمن الغائب، بل قد يدعى ظهورها في ذلك، فإن تشبيه شيء بشيء في مقام الحكم يدل على أن
وجه الشبه هو علة الحكم فإن من قال: (أكرم محمداً وإكرامه كإكرام العالم) يستفاد منه أن سبب وجوب إكرام محمد هو لعلمه الذي يشبه العالم, وكذا يمكن أن يستفاد ذلك من الأخبار الدالة على أن غفران الغيبة لا يكون إلاّ بغفران صاحبها، فإنها ظاهرة في كون إثمها من جهة التعدي على حق صاحبها، ومن المعلوم أن التعدي عليه إنما كان من جهة انتقاصه وتأذيه. ويمكن الاستفادة من طائفة الأخبار الدالة على نصرة المؤمن المغتاب بأن مناط حرمة الغيبة هو الانتقاص والتعدي على المؤمن مثل قوله  (عليه السلام) : (من تطوع على أخيه في غيبة سمعها عنه في مجلس فردها عنه رد الله عنه ألف باب من الشر، وان هو لم يردها وهو قادر على ردها كان عليه كوزر من إغتابه سبعين مرة)([116]), وما روي عن الإمام الباقر  (عليه السلام) : (من إغتيب عنده أخوه المؤمن فنصره وأعانه نصره الله في الدنيا والآخرة)([117]), فإن تحريض الشارع المقدس على
 ردها عن أخيه لنصرته وإن مبغوضيتها من جهة التعدي بها على أخيه بانتقاصه.

فالحاصل ان ملاك الحرمة الشرعية للغيبة هو انتقاص المؤمن، وأما مناط حرمة الغيبة العقلية بناء على حكم العقل بحرمتها فهو الظلم، والظلم إنما كان من جهة الانتقاص بها والتأذي منها.

 الأمر الرابع: تقسيم المحرمات حسب الأخبار الناظرة إلى المصلحة في ارتكابها وعدمها 

تنقسم المحرمات إلى قسمين:

القسم الأول: حرمة الشيء إذا لم تكن مصلحة في ارتكابه

قد يستفاد من دليل المحرم أنه يكون محرماً إذا لم تكن هنالك مصلحة في ارتكابه كالكذب محرم من دون مصلحة في ارتكابه، وقد توجد مصلحة في ارتكابه وهي مباحة غير واجبة كما في الكذب لإدخال السرور على الغير. ففي هذا القسم إذا وجدت مصلحة في ارتكاب المحرم جاز الإرتكاب ولا يلاحظ كون تلك المصلحة أهم من مصلحة ترك المحرم، كما لا يلاحظ كون تلك المصلحة ملزمة من قبل الشارع لارتكاب المحرم أم لا، بمعنى أنه لا يرجع إلى باب التزاحم. وظاهر عبارة صاحب جامع السعادات([118]) وكشف الريبة([119]) وجامع المقاصد هو ان الغيبة حرمتها من هذا القسم، فإنه عندهم يباح هتك عرض المؤمن لغرض صحيح, ولكن لم أجد وَجهاً وجيهاً لذلك أصلا إلاّ إذا قلنا باعتبار قصد الانتقاص موضوع الغيبة.

القسم الثاني: حرمة الشيء مطلقاً

وقد يستفاد من دليل المحرم أنه محرم مطلقاً سواء أكانت مصلحة في ارتكابه أم لا، كما هو الحال في أغلب المحرمات، فإذا وجدت مصلحة في الارتكاب للمحرم فلابد ان يلاحظ ان مصلحة الارتكاب للمحرم أقوى من مصلحة ترك المحرم أولاً، وثانيا إنها ملزمة عند الشارع المقدس للشخص بان يرتكب المحرم أم لا، بمعنى يرجع إلى باب التزاحم فيرتكب أقوى المصلحتين الذي ألزم الشارع المقدس به، فإنه لو فرض مثلا ان إيذاء زيد للمؤمن محمد يترتب عليه قيام محمد بالحج فإن هذه المصلحة ليست بملزم بها زيد، وهي ليست أقوى ملاكاً من مصلحة ترك الإيذاء فهي لا تبيح الإيذاء، ومثال آخر فإن شراء الخمر من خالد يوجب عدم شربه له، فان مصلحة ترتب الشراء أقوى من مصلحة ترك الشراء لكنها ليست بملزمة شرعاً على المشتري، فهو ليس بلازم عليه أن يحقق عدم الشرب من خالد إلاّ من باب النهي عن المنكر، والفرض أن شرائط النهي عن المنكر غير موجودة.

فتلخص ان المصلحة في فعل المحرم من القسم الثاني لا تقدم إلاّ اذا كانت أقوى من مصلحة ترك المحرم وكانت ملزمة بحيث ان الشارع المقدس ألزم العبد بفعلها في كل مورد تحققت فيه, وفي محل البحث فان مجرد وجوب النصيحة لا يوجب تقديمها على حرمة الغيبة إلاّ اذا ضعفنا ملاك حرمة الغيبة وقلنا ان ملاك وجوب النصيحة أقوى من ملاك حرمة الغيبة.

والغيبة من هذا القسم فهي على حد سائر المحرمات لا تسقط حرمتها إلاّ إذا عارضتها مصلحة ملزمة أهم في نظر الشارع من مصلحة ترك الغيبة.

الإتجاه الثاني: خروج النصيحة عن الغيبة موضوعاً

ذهب صاحب جامع المقاصد وصاحب كشف الريبة إلى أن موضوع الغيبة يعتبر فيه قصد الانتقاص، بينما النصيحة أو النصح لا يكون فيه قصد الانتقاص، واستفادة ذلك من قوله  (عليه السلام) : (من مشى في غيبة أخيه أو كشف عورته), وكذلك من قوله  (عليه السلام) : (وثبت عليه أمراً)، وقوله  (عليه السلام) : (يريد أن يفضحه بها). وقد يستفاد من خبر الإمام الصادق  (عليه السلام)  في ذكر دواعي الغيبة، وكذا يستفاد من السيرة القطعية في بعض المستثنيات، ومن عدم وجود ردع للأئمة  (عليهم السلام)  لشخص ذكر عيب شخص قصد انتقاصه كما في أخبار الحدود والتعزيرات فإن فيها ما يشمل على نقل قصة للإمام  (عليه السلام)  مع اشتمالها على ذكر العيب وعدم الردع, ويمكن أن يستفاد أيضاً من التعبير بـ (اغتابَ) فإنْ من باب (أفتعل) ظاهر في القصد نحو العمل نحو أكتب. كما يستفاد أيضاً من التعبير (بذكرك أخاك بما يكرهه), ويؤيد ما استفاده الشيخ الأنصاري S من اعتباره في كلام أهل اللغة.

فاعتبر جامع المقاصد الملاك في الغيبة القصد إلى هتك عرض المؤمن والتفكه به أو إضحاك الناس فإذا قصد بالقول غرض صحيح كالنصح أو النصيحة ونحوهما لم يتحقق قصد الهتك أو التفكه فلا يكون من الغيبة المحرمة. فاستثناء النصح أو النصيحة من الغيبة ليست من جهة المزاحمة وترجيح أقوى المصلحتين بل من جهة ارتفاع موضوع الغيبة، ولذا لم يعتبر أقوائية الغرض الصحيح  - أي ملاك النصيحة - وهكذا في كشف الريبة، فانه اعتبر في الغيبة ان تكون في مقام الانتقاص، فإن قصد الإنسان غَرضاً صحيحاً كالنصح ونحوه لم يكن في مقام الانتقاص فالتقديم عنده من باب ارتفاع موضوع الغيبة لا من جهة مزاحمة الغرض.

الإتجاه الثالث: إستثناء النصيحة عن الغيبة تخصيصاً

إن النسبة بين أدلة الغيبة وأدلة النصح أو النصيحة عموم من وجه فان وجد المخصص للغيبة أخذنا به، وينبغي له الوقوف على القدر الذي ينصح به المستشير أو النصيحة الذي يمكن تخصيص عموم أخبار النهي عن الغيبة به([120])

تحقيق المقام:

ينبغي ان يقال في المقام ان أدلة الغيبة ان كانت مقيّدة بإرادة الانتقاص كما هو الظاهر من المحقق الكركي والشهيد الثاني، فأدلة النصح أو النصيحة مقدمة عليها لأنه في مورد النصيحة لا تكون إرادة الانتقاص.

وإن قلنا إن أدلة النصح أو النصيحة دالة على الإستحباب فلا وجه لتقديمها على أدلة الغيبة لأن ملاك المستحب لا يعارض ملاك المحرم.

وإن قلنا أن أدلة النصح أو النصيحة دالة على الوجوب، فإن الغيبة على حد سائر المحرمات لا تسقط حرمتها إلاّ إذا عارضتها مصلحة ملزمة أهم في نظر الشارع من مصلحة ترك الغيبة, ولما تقدم ان النسبة بين الغيبة والنصح أو النصيحة عموم من وجه، فان عرفنا ملاك النصح أو النصيحة كأن قلنا إنه عبارة عن عدم وقوع المؤمن في خلاف مصلحته فحينئذ نأخذ بأقوى الملاكين، فقد يكون ملاك الغيبة أقوى من ملاك النصيحة، وقد يكون العكس.

وإن لم نعرف ملاك وجوب النصيحة فإن قلنا بوقوع التعارض بين أدلة النصح وأدلة الغيبة ورجحنا دليل الوجوب فلا يلزم الناصح تحري ما لا غيبة فيه من النصيحة، بل لو كان له في النصيحة طريقان أحدهما يستلزم الغيبة والآخر لا يستلزمها جاز له سلوك أيهما شاء كما لو كان طريقان أحدهما أقل غيبة من الآخر.

وإن قلنا بوقوع التزاحم بين أدلة النصيحة وأدلة الغيبة، فمقتضى القاعدة هو تقديم أدلة الغيبة لكونها موافقة للكتاب الكريم لأنها أقوى وأكثر دلالة، لأن أغلبها نكرة في سياق النفي تفيد العموم بخلاف أدلة النصح أو النصيحة فان عمومها الإطلاق، أما إذا كانت في الغيبة مصلحة تزاحم مفسدة تركها كما إذا توقف حفظ النفس المحترمة أو الأموال الخطيرة أو صيانة العرض عن الخيانة على الغيبة فلابد حينئذ من ملاحظة قواعد التزاحم، والعمل على طبق أقوى الملاكين، وعليه فتتصف الغيبة بالأحكام الخمسة كما هو واضح، فإن كان عندنا طريقان للنصيحة أو النصح أحدهما لا غيبة فيه تعين هو دون الآخر الذي فيه الغيبة، وكذا لو كان أحدهما أقل غيبة.

والمتجه مراعاة الميزان في الموضوعات مع المحافظة على ما يتوقف عليه النصح من غير تعد وتجاوز بل لو أمكن النصيحة أو النصح من دون ذكر العيوب لزم، وإن أطلق جماعة ذلك، ومن هذا كان المتجه الاقتصار في هذا الباب على خصوص ما جرت السيرة به، وما دلت عليه الأدلة المخصوصة لا مطلقاً، وإن أوهمه بعض العبارات استناداً إلى ما ورد في نصح المؤمن المعلوم كونه من قبيل ما ورد في قضاء حاجة المؤمن لا يراد منه الأفراد المحرمة أو المستلزمة لها فتأمل جيداً. وأما إذا قلنا بتقديم أدلة النصح أو النصيحة على أدلة الغيبة من جهة اعتبار إرادة الانتقاص في الغيبة أو المخصصة لأدلة الغيبة بمورد النصح أو من جهة الدلالة أو من جهة التعارض وسقوط أدلة الغيبة في مقابلها فإنه لا يتعين ذلك.

ولا يخفى عليك ان القدر المتيقن من وجوب النصيحة مع الغيبة هو نصيحة المؤمن فيما لو لم ينصحه لآل الأمر إلى التهلكة في دينه أو نفسه أو عرضه أو ماله. كما انه لا يكون تقديم أدلة النصيحة على أدلة الحرمة مطلقاً فَلَرُبما ان تكون الشخصية المستغابة أهم من شخصية المستشير أو المنصوح له فلابد من ملاحظة الأهم فالأهم.

الرأي الراجح:

إنه لا دليل على وجوب النصح أو النصيحة بالعنوان الأولي، بل هما مستحبان فلا يكون المقام من باب التزاحم لعدم ثبوت الوجوب من أصله، كما أنه لم يحرز كون ملاك النصيحة أو النصح أقوى من ملاك الغيبة إلاّ إذا كان تركهما موجبا لتلف النفس أو هتك العرض وذهاب المال الخطير فحينئذ يوجبان بالعنوان الثانوي لأهمية الأمور المذكورة, ثم هل تتوقف النصيحة للغير المسبوق بالاستشارة على القطع بسلوك جادة الضرر أو يكفي الظن والاحتمال؟ لا أستبعد الثاني, ولا يعتبر في وجوب النصيحة القطع بالقبول بل يكفي الظن والاحتمال, وهل تجب مع القطع بعدم القبول؟ الظاهر عدم الوجوب, ولا فرق بين الضرر النفسي أو المالي والعرضي كما يقضي بذلك إطلاق الأدلة. نعم يختلف الضرر المالي باختلاف الأشخاص فلابد من مراعاة النسبة.

الفرع الثاني: النصيحة بإفشاء السر

الإفشاء لغة: الإظهار، يقال: أفشى السر، إذا أظهره، ففشا فشواً, والسر: هو ما يكتم، والاسرار خلاف الاعلان, ولا يخرج المعنى الاصطلاحي عن المعنى اللغوي، ولما كانت بعض النصيحة  تتوقف على إفشاء السر فلابد من بيان بعض الأمور:

الأمر الأول: كتمان السر

كتمان السر ضد إفشائه، وهو من الأفعال المحمودة، وقد أُمر به في الأخبار الشريفة منها:

  1. قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (طوبى لعبد نُومَة عرفه الله ولم يعرفه الناس، أولئك مصابيح الهدى وينابيع العلم تتجلى عنهم كل فتنة مظلمة ليسوا مذاييع البذُر ولا الجفاة المرائيين)([121]).
  2. وقال  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إنما المجالس بالأمانة، ولا يحل لأحدهما ان يفشي على صاحبه سراً)([122]). في الحديث إطلاق عدم جَوازِ إفشاء ما لا يرضى به أهل المجلس بل الأصل عدم الجواز إلا إذا أحرز رضاهم بالإفشاء، ومع عدم ذكر الإفشاء يصير عدم الجواز آكد، وأخذ الميثاق يجعله أشد تأكيداً والظاهر عدم خصوصية للمجلس فيشمل الحكم المكالمات الهاتفية والمكاتبة وأمثالها، نعم في شمول الحديث لغير المسلمين نظر لاحتمال الانصراف أو لما يفهم من مذاق الشرع في غير أهل الذمة، فمن لا يرضى بإذاعة صلاة ليله مثلاً يشكل أو يحرّم اذاعته فضلاً عن حرمة إذاعة ما يضر بماله وعرضه ونفسه.
  3. وقال أمير المؤمنين  (عليه السلام)  في وصيته لأبي ذر  (رضي الله عنه) : (يا أبا ذر: المجالس بالأمانة وإفشاء سر أخيك خيانه)([123]).
  4. وروي عن الإمام الباقر  (عليه السلام)  قال: (يجب للمؤمن على المؤمن ان يستر عليه سبعين كبيرة)([124]).
  5. وقال  (عليه السلام) : (من الخيانة أن تحدث بسر أخيك)([125]).

فإذا ستر العبد عيوب أخيه ستر الله عيوبه يوم القيامة بان يستر معاصيه وعيوبه عن إذاعتها في يوم الحساب أمام أهل الموقف أو يترك محاسبته على عيوبه ومعاصيه وترك ذكرها، والأول أظهر لأنه يستر عليه ذنوبه بعد إقراره عليه ثم يغفرها الله له.

الأمر الثاني: الأصل ستر القبيح

إن الأصل في الإسلام هو ستر القبيح وعدم إظهاره للناس في معصية قد انقضت فان الوارد في الأدلة المستفيضة من فضل الله سبحانه وتعالى على المؤمن هو كشف فضائله وستر معايبه، وورد فيما ورد من ذلك: (يا من أظهر الجميل وستر القبيح)([126]) و(إن الله يكشف العائدة ويخفي العائبة) وورد: (وكم من ثناءٍ جميل لست أهلاً له نشرته)([127]) بإزاء قوله  (عليه السلام) : (وكم من عيب سترته)([128]) نهانا الله تعالى من إشاعة الفاحشة بقوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ]([129]) وإشاعة الفاحشة ليست أن يفتري على أخيه فيقول فيه ما لا يعرف فتلك التهمة وإنما إشاعة الفاحشة أن يقول فيه ما يعرف وما أطلع عليه مما ستره الله تعالى على غيره.

وقد روي عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  أنه قال: (لو وجدت مؤمناً على فاحشةٍ لسترته بثوبي)([130]), وعنه أيضاً  (عليه السلام)  أنه قال: قال لي النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لو رأيت رجلاً على فاحشة؟ قلت: أستره, قال: إن رأيته ثانياً؟   قلت: أستره بأزاري وردائي إلى ثلاث مرات, فقال النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا فتى إلا علي)([131]).

وإذا أحب الإنسان أن يستره الله تعالى في الدنيا والآخرة ولا يفشى سره فعليه أن يستر المؤمنين ولا يفشي أسرارهم فيما يعرف عنهم وفيما انكشف له من عيوبهم وعوراتهم، فعن رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  أنه قال: (من علم من أخيه سيئة فسترها ستر الله عليه يوم القيامة)([132]).

وسأل رجل رسول الله فقال أحبُ أن يستر عليَّ عيوبي، فقال  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إسْتُرْ عُيُوْبَ إخْوانِكَ يَسْتُرِ اللهُ عَلَيْكَ عُيُوْبَك) فإذا كَشَفَ سرَّ المؤمن وأفشاه فإن الله يفضحه في عيوبه وعوراته ولو في جوف بيته, قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لا تتبعوا عورات المؤمنين فإنه من تتبع عورات المؤمنين تتبع الله عوراته، ومن تتبع الله عوراته فضحه الله ولو في جوف بيته)([133]).

وإفشاء السر وإذاعته هو أعم من كشف العيب، إذ السر قد يكون عيباً وقد لا يكون عيباً ولكن في إفشائه إيذاء وإهانة بحق الأصدقاء أو غيرهــم من المسلمين, قـــــال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إذا حدّث الرجل الحديث ثم التفت فهي إهانة)([134]). وسأل عبد الله بن سنان الإمام الصادق  (عليه السلام) : عورة المؤمن على المؤمن حرام؟ فقال: نعم, قلت: يعني سفلته؟ قال: (ليس حيث تذهب إنما هو إذاعة سرّه)([135]).

وحرمة إذاعة سر المؤمن وإفشاؤه يعم المتكلم والسامع، وذلك لأن (الإذاعة) بالمعنى المصدري وإن كانت قائمة بفعل المتكلم لكنها بمعنى الإسم المصدري متوقفة على عدل ووجود طرفين، والحرام ليس نفس الصدور بل نفس الفعل القائم بالطرفين.

وإفشاء السر هو من رذائل قوة الغضب إن كان مَنْشَؤُهُ العداوة، ومن رذائل قوة الشهوة إن كان مََنْشَؤُهُ تصور نفعٍ ماليّ، أو مجرد اهتزاز النفس بذلك لخبائثها وهو مذموم منهي عنه شرعاً([136]).

الأمر الثالث: أنواع السر

يتنوع السر إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول: ما أمر الشارع بكتمانه

هنالك أمور حظر الشارع المقدس إفشاءَها لمصلحة دينية أو دنيوية حسب الضرر المترتب على إفشائها:

أولاً: ما يجري بين الزوجين حال الوقاع، فإن إفشاء ما يقع بين الرجل وزوجته حال الجماع أو ما يتصل بذلك حرام منهي عنه لقول النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إن من شرّ الناس عند الله منزلة يوم القيامة الرجلُ يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرّها)([137]).

والمراد من نشر ذكر ما يقع بين الرجل وامرأته من أمور الوقاع ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة من قول أو فعل أو نحو ذلك. وإما مجرد ذكر الوقاع فإذا لم يكن لحاجة فذكره مكروه لأنه ينافي المروءة، فقد قال النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)([138]), فإن دعت إلى ذكره حاجة وترتب عليه فائدة فهو مباح، كما لو ادعت الزوجة على زوجها أنه عنين أو معرض عنها أو تدعي عليه العجز، فإن لم يكن ما ادعته صحيحاً فلا كراهة في الذكر, والمرأة كالرجل في عدم جواز إفشاء ما يجري حال الوقاع.

ثانياً: كتمان أسرار جيش المسلمين من العدو، لأن السر قد يصل إلى العدو فيستفيد من ذلك ولذلك جاز الكذب في الحرب تجنباً لإفشاء أسرار المسلمين للعدو. أما السعي للحصول على أسرار العدو فهو مطلوب لاتقاء شره, وقد كان النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم)  يستطلع أخبار العدو.

ثالثاً: إن ولي المرأة يجب عليه أن يكتم الخنا أي الفواحش التي تَشِيْنُ العرض كالزنا، فلو اشترط الخاطب السلامة من ذلك، فيجب على ولي المرأة أن يكتم للستر وينصح الخاطب بان يمتنع من تزويجها بان يقول للخاطب (هي لا تصلح لك).

النوع الثاني: ما طلب صاحبه كتمانه

ما استكتمك إياه الغير وائتمنك عليه فلا يجوز بثه وإفشاؤه للغير حتى أخص أصدقاء صاحب السر، فلا يكشف شيئاً منه ولو بعد القطيعة بين من أسرّ ومن أُسّر إليه، فان ذلك من لؤم الطبع وخبث الباطن. هذا إذا التزمت بالكتمان، وأما إذا لم تلتزم فلا يجب الكتمان، وقد يتضمن إفشاء السر الغيبة إذا كان إفشاء السر بأمر مكروه للغير في غيابه.

النوع الثالث: ما من شأنه الكتمان

وهو ما أطلع عليه صاحب السر بمقتضى المهنة كالطبيب والمفتي والقاضي والمحامي وغيرهم, فلا يجوز إفشاء أسرار الناس التي بين أيديهم, ومن مسائله المهمة هي:

  1. إذا علم الطبيب بعد الفحوصات الطبية أن الرجل لن يستطيع الإنجاب وذلك لعدم وجود حيوانات منوية في منيه، ثم يأتي بعد ذلك ويخبر الطبيب أنه بعد العلاج استطاع أن ينجب طفلاّ([139])، فهل يجوز أو يجب على الطبيب أن يخبره على استحالة الإنجاب في حقه أم لا يجوز؟ لا يجوز اخباره إذا احتمل الطبيب إقدام الزوج على قتل زوجته وفضحها وهتك شرفها، حتى وإن فرضنا ان الطبيب قسم وحلف عند تخرجه من كلية الطب على عدم إخفاء الحال على المريض.
  2. يجوز اخبار الطبيب الزوج بزنا الزوجة، كما انه لا يجوز للطبيب وغيره عند سؤال الزوج عن فجور زوجته أن يكذب، بل أما يسكت أو يواري.
  3. لا يجوز إفشاء الطبيب عيب الزوج لزوجته عندما يطلب من الطبيب كتمانه لئلا تفارقه زوجته أو خطيبته، وإن لم يجز الطبيب غرها والتدليس بل يقول لها: اذهبي به إلى طبيب آخر، وأما إذا استشارت الخطيبة الطبيب لان تتزوج بالرجل المذكور، فإنه يجب عليه أن يخبرها بترك الزوج وعدم ذكر عيب الرجل.
  4. يجوز إفشاء مرض المريض الخطير المُعْدِيْ كالأيدز أو الكوليرا أو الأمراض السارية من قبل المريض فيما يضر مثلاً الزوج أو الزوجة أو غيرهما فيما أحرز الطبيب سراية المرض والإضرار بالناس فلا يحسن الكتمان لتقديم الأهم على المهم.
  5. يجب على الطبيب كتمان حقيقة مرض المريض إذا علم الطبيب بان المريض إذا علم بمرضه، يصاب بالانهيار العصبي إذا واجهته الحقيقة كمرض السرطان أعاذنا الله منه، أما اذا علم الطبيب ان كتمان حقيقة المرض عن المريض يوجب ضرراً أكبر، فان أمكن دفع الضرر الأكبر بالتداوي أو باخبار من يلي أمر المريض فلا يجوز إخبار المريض وإلاّ وجب إخباره تقديماً للأهم على المهم.
  6. لا يجوز للطبيب إفشاء الأمراض الخفية في المخطوبة للخاطب فيما إذا سأل الخاطب الطبيب عن حالها ومدى صلاحيتها للزواج، وكذلك لا يجوز للطبيب اغرار الخاطب بل يشير عليه بأنها لا تصلح للزواج.

وهكذا بالنسبة إلى المحامي والمفتي وغيرهما، والأصل في مسائل إفشاء السر أو كتمانه هو أنه لا يجب إِعلام من أخطأ في الموضوعات كمن صلى إلى غير جهة القبلة وهو يزعم أنها قبلة، أو يفطر يوماً من شهر رمضان وهو يزعم أنه يوم عيد.

واستثنى من ذلك النفوس والأعراض بل الأموال الخطيرة، فمن زعم ان زيداً قاتل ويريد القصاص منه فيجب على من يعرف الحقيقة بيان الواقع وأنه غير قاتل، أو اعتقد ان امرأة ما أجنبية عليه وهي في الواقع محرمة عليه فيجب بيان ذلك.

النوع الرابع: ما يجوز فيه الإفشاء والستر

نص الفقهاء على أنه يجوز في الحدود والشهادة الإفشاء والستر ولكن الستر أفضل فيما كان حقاً لله عز وجل كالزنا أو شرب الخمر وإن تعلق به حكم شرعي، واستثنوا من ذلك المتهتك الذي لا يبالي بإتيان المحظورات ولا يتألم لذكره بالمعاصي، ويقول الشاهد على السرقة (أخذ لا سرقة) إحياء للحق ورعاية للستر.

وأما إذا كان السر قد تعلق به حق العبد فان تعلق به ضرر مالي أو حكم شرعي كالقصاص والتضمين فعليه الإعلام إن جهل السر، والشهادة إن طلب منه وإلاّ فالكتم، ويجوز لصاحب السر التوجه للحاكم الشرعي وإخباره بذلك.

والحاصل إذا توقف نصح المستشير أو النصيحة على إفشاء السر وكان ملاك النصيحة أو النصح أهم من ملاك إفشاء السر كمن اطلع على أحد عند شخص سلاحاً يريد قتل آخر به، فهنا ملاك النصيحة ونصح المستشير أهم من إفشاء السر فيجب أن ينصحه بإفشاء السر.

الفرع الثالث: النصيحة بالنميمة

النميمة هي كشف ما يكره كشفه سواء كره المنقول عنه أم المنقول إليه أم كرهه ثالث، وسواء أكان الكشف بالقول أم بالكتابة أم بالرمز أم الإيماء، وسواء أكان المنقول من الأعمال أم الأقوال وسواء أكان ذلك عيبا أم نقصانا عنه أم لم يكن, وهي نوع من إفشاء السر وهتكه, وتطلق في الأكثر على أن ينَّم قول الغير إلى المقول فيه كأن يقال فلان تكلم فيك كذا وكذا وفعل فيك كذا وكذا، والذي تتضمن فساداً, وحينئذ كل ما يرى من أحوال الناس ولم يرضوا بإفشائه فإذاعته نميمة، واللازم على كل مسلم أن يسكت عما يطلع عليه من أحوال غيره كما إذا رآه يخفي مالاً لنفسه فحكايته نميمة, وقد تكون النميمة لمن يخاف جانبه كالسلاطين والأمراء والحكام والرؤساء وأمثالهم وتسمى بالسعاية، فهي أشد أنواع النميمة إثماً ومعصية, قال رسولُ الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (الساعي بالناس إلى الناس لغير رشده)([140]), يعني ليس ولد حلال.

وذكر إن أول ما يقضي يوم القيامة من حقوق الله الصلاة ومن حقوق العباد الدماء ومفتاح الصلاة التطهر من الحدث والخبث، ومفتاح الدماء الغيبة والسعي بين الناس بالنميمة بنشر الفتن التي يسفك بها الدماء.

والأدلة على حرمة النميمة وذمها من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة منها:

1. قوله سبحانه: [هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12)  عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ]([141]) همز الإنسان اغتيابه، والنم إظهار الحديث بالوشاية، وأصل النميمة الهمس والحركة، والزنيم ولد الزنا، فيستفاد من الآية المباركة إن كل من يمشي بالنميمة فهو ولد زنا.

2. قوله سبحانه وتعالى: [وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ]([142]), أي النمام المغتاب، واللمز العيب في الوجه والهمز في القفا، وقيل العكس، وقيل الهمز الكسر واللمز الطعن، فعلى هذا هما بمعنى واحد، لأن المراد بالكسر الكسر من الأعراض وبالطعن الطعن فيها وقيل إن الهمز بالعين والشدق واليد، واللمز باللسان، وحكي في ميم يهمز ويلمز الضم والكسر([143]).

3.  قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (لا يدخل الجنة نمام)([144]) وفي خبر آخر (لا يدخل الجنة قتات)([145]) أي نمام, والفرق بين النمام والقتات أن النمام الذي يحضر القصة فينقلها، والقتات الذي يتسمع من حيث لا يعلم به ثم ينقل ما يسمعه.

4. وقال الرسول الأعظم  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إلا أنبئكم بشراركم؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال: المشاءون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء المعايب)([146])

5.  قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إن الله خلق الجنة قال لها: تكلمي, قالت سَعُدَ من دخلني, قال جل جلاله: وعزتي وجلالي لا يسكن فيك ثمانية نفر من الناس، لا يسكنك مدمن خمر، ولا مصرّ على الزنا، ولا قتات وهو النمام، ولا ديوث، ولا شرطي، ولا مخنث  ولا قاطع رحم، ولا الذي يقول عليّ عهد الله أن افعل كذا وكذا ثم لم يفِ به)([147]).

6. وروي عن النبي الكريم  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (يحشر العبد يوم القيامة وما ندا دماً فيدفع إليه أشبه المحجمة أو فوق ذلك فيقال له هذا سهمك من دم فلان، فيقول يارب: إنك لتعلم أنك قبضتني وما سفكت دماً، فيقول: بلى سمعت من فلان رواية كذا كذا فرويتها عليه، فنقلت حتى صارت الى فلان الجبار فقتله عليها وهذا سهمك من دمه)([148]).

7.  وروي: (إن الغيبة والنميمة تحتان الإيمان كما يعضد الراعي الشجر)([149]).

 فلا ريب في كون النميمة من المهلكات المؤدية إلى النار, ولكن قد تجب النميمة في ما إذا كان ملاك مصلحة النصيحة بالنميمة أقوى من ملاك حرمة النميمة كما إذا سمع إنسان شخص يتحدث بإرادة إيذاء إنسان ظلماً وعدواناً، فيجب على من سمع أن يحذر المقصود بالإيذاء، فإن أمكن تحذيره بغير ذكر من سمع منه فيقتصر على التحذير وإلا ذكره باسمه, وهذه من النصيحة الواجبة.

المبحث الثالث: النصيحة في المذاهب الإسلامية

أولاً: المالكية: عدَّ فقهاء المالكية النصيحة ليست من الغيبة, وهنالك أربعة آراء لهم في حكم النصيحة وهي:

  1. وجوب النصيحة مطلقاً حيث مست الحاجة اليها بأن كان المنصوح شرع في تلك المصلحة، ولا فرق بين أن يكون هنالك من يعرف حاله أم لا، وهذا ما ذهب إليه القرافي وشرط ان يقتصر الناصح على ذكر الوصف المخل بتلك المصلحة فلا يتجاوزه لعيب آخر  وخصَّ ابن عبد البر وجوب النصيحة مطلقا على العامة لولاة الأمر([150]), وأدلتهم قول الرسول الأعظم  (صلى الله عليه وآله وسلم)  لفاطمة بنت قيس حين شاورته  لما خطبها معاوية وأبو جهم: (أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له وأما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه)([151]), والإجماع على وجوب النصيحة([152]) ولقوله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (الدين النصيحة)([153]).
  2. استحباب النصيحة مطلقا سواء أكان بطلب من المنصوح أم لا, وهذا ما ذهب إليه القرطبي([154]).
  3. وجوب نصح المستشير أي وجوب النصيحة بعد طلب الاستشارة. جاء في حاشية العدوي (بأن النصيحة فرض عين إذا طلبت لزمه القول بالحق وليس ذلك من الغيبة)([155]).
  4. وجوب النصيحة فرض عين إذا اختص بها الناصح دون غيره بأن يعرف حال المسؤول عنه وحده دون غيره، ووجوب النصيحة فرض كفاية فيما إذا كان هنالك من يعرف حال المَسْؤُوْلِ عنه, وهذا ما ذهب إليه الجزولي في شرح الرسالة وما نص عليه ابن يونس، ورجح العدوي القول الأول بينما رجح ابن العربي القول الثاني([156]).

ثانياً: الشافعية: إستدل فقهاء الشافعية بأن النصيحة ليست من الغيبة بحديث فاطمة بنت قيس([157]) وأوجبوا نصح المستشير بدليل قوله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (حق المسلم على المسلم ست إذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فإتبعه), قال النووي: (إذا استنصحك فمعناها إذا طلب منك النصيحة فعليك أن تنصحه ولا تداهنه وتغشه ولا تمسك عن بيان النصيحة)([158]) وقد حصر مالا يعد غيبة في ستة أشياء بقوله([159]):

القــــدح ليس بغيبـــة في ستـــة        متظلـــم ومعــــــرف ومحــــــذر

ولمظهر فسقـــــاً ومستفت ومن        طلب الإعانة في إزالـــــة منكر

وقوله (ومعرف) وهو المستشار وذلك لأنه يعرف المستشير عيوب من استشير فيه.

وذهب ابن الصلاح والشربيني إلى وجوب النصيحة ابتداء حتى من دون طلب استشارة([160])، وأوضح الأذرعي على أن النصيحة واجبة في الأموال والأعراض رداً على من فرق بينهما بأن النصيحة تجب في الأموال دون الأعراض، وقال (وما يتوهم من الفرق بين البابين خيال بل النصيحة هنا - الأعراض - أكد وأحب)([161]), وقال ابن البطال من فقهاء الشافعية بأن (النصيحة فرض كفاية من قام بها يجزي عن الباقين، وهي لازمة على قدر الطاقة، فإن خشى أذى على نفسه فهو في سعة)([162]).

ثالثاً: الحنفية: ذهب بعض فقهاء الحنفية إلى وجوب النصيحة مطلقاً استدلالاً بالخبر (الدين النصيحة) وإن علم الناصح ان نصيحته لا تفيد المنصوح، ولكن بعضهم ذهب بوجوب نصح المستشير إذا تحقق المستشار بان ترك النصيحة يؤدي إلى ضرر محترم في نفس أو مال أو عرض المستشير بل لو تعلق علم الناصح بالنصيحة دون غيره وجبت عليه النصيحة مطلقاً وإن لم تكن باستشارة([163]).

رابعاً: الحنابلة: ذهب الفقهاء الحنابلة إلى وجوب النصيحة مطلقاً سواء أكانت بطلب من المستشير أم دون طلب لحديث (الدين النصيحة) في الأمور الدنيوية، وأما إذا كانت النصيحة تتعلق بأمور دنيوية ففي وجوب النصيحة من دون استشارة أو طلب نظر([164]).

خامساً: الظاهرية: ذهب فقهاء الظاهرية بوجوب النصيحة مطلقاً, فأوجبوا النصيحة لمن رأى شخص يساوم على سلعة أو مبايع يريد غبن صاحبه بغير علمه, واستدلوا على ذلك بحديث (الدين النصيحة) وحديث (فإذا استنصح الرجل أخاه فلينصح له)([165]).

المبحث الرابع: أخذ العوض على النصيحة

إذا قلنا إن حكم النصيحة الاستحباب فلا إشكال في أخذ الأجرة على المستحبات، وإن كان أخذ الأجرة على المستحب ينقص ثوابه، ولكن وقع الكلام فيما إذا قلنا ان النصيحة واجبة سواء أكانت بالعنوان الأولي أي حكم النصيحة هو الوجوب أم بالعنوان الثانوي فيما إذا توقف دفع الضرر على النصيحة, فقد اختلف الفقهاء في جواز أخذ العوض على النصيحة الواجبة إلى طائفتين:

الطائفة الأولى: منع أخذ العوض على النصيحة لأنها واجبة ولا يجوز أخذ العوض فيما هو واجب على الناصح, قال مالك: (من قال دلني على من يشتري مني جاريتي ولك كذا أو من أؤجره نفسي فدل عليه فذلك لازم له لأنه لا يجب الإدلاء عليه، بخلاف ما لو قال دلني على امرأة تصلح لي أتزوجها ولك كذا فدلّه فلا شيء له، والفرق بين الدلالة على من يشتري أو يستأجر وبين الدلالة على من تصلح للنكاح في لزوم العوض في الأول دون الثاني لوقوع العوض في الأول في مقابلة ما لا يلزم العامل وهو التفتيش على من يشتري أو يستأجر بخلاف الثاني فإنه في مقابلة ما يجب على العامل وهو النصيحة لأنه لما استنصحه صارت النصيحة واجبة عليه، ولا يجوز لأحد أخذ العوض في واجب عليه)([166]).

الطائفة الثانية: إذا قلنا ان النصيحة الواجبة من الواجبات التوصلية الكفائية أو العينية كقضاء حوائج المحتاجين أو إزالة الأذى عن طريق المسلمين جاز أخذ الأجرة عليها، وذلك لأن السيرة منعقدة عقلائياً وعرفا ولا تنافي العمومات
 في أخذ الأجرة, فإن استشكل بان الواجب إنما هو مستحق لله عز وجل وليس ملكاً للفاعل لأنه ملزم به شرعاً فهو كالمقهور عليه فما كان مقهوراً عليه فهو خارج عن اختياره، وما كان خارجاً عن الاختيار لا يمكن أخذ الأجرة عليه, فالجواب عن ذلك: ان المقهورية على الفعل من قبل الشارع وكونه واجبا لا تنافي الأجرة فإنه يجوز للناصح أخذ الأجرة, وما ادعي بان الإجماع على عدم جواز أخذ الأجرة على الواجبات في الجملة بل مطلقا يعني الواجب بما هو الواجب غير منعقد إذا لم يحرز الإجماع على مطلق الواجبات، بل أحرز الجواز على الواجبات الكفائية التوصلية بلا إشكال مع وجود الاختلاف في الباقي ومع تسليمه فليس هو بالإجماع المنقول وهو ليس بحجة. فالحاصل جواز أخذ الأجرة على سائر الواجبات ومنها النصيحة الواجبة إلاّ ما يعود إلى العبادات العينية الفردية التي لا تعود بها الفائدة إلى الآخرين بالمرة.

 

الفصل الرابع

النصيحة في التطبيقات الفقهية

أولا: النصيحة في أهل البدع

ينبغي أن يُشهّر بأرباب البدع وتصانيفهم المضلة المخالفة لكتاب الله وسنة نبيه و أهل بيته  (عليهم السلام)  وذلك لفسادها، ويُبَيَّن إنهم على غير الصواب ليحذرها الناس فلا يقعوا فيها، وُينفر عن تلك المفاسد ما أمكن، فان بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين حتى قيل لبعض العلماء: الرجل يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع، فقال : إذا قام وصلى وصام واعتكف فإنما هو لنفسه، وإذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين وهذا أفضل, والنصيحة للمسلمين في دينهم من جنس الجهاد في سبيل الله، ولولا بيان مفاسد أهل البدع لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن أهل الحرب إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلاّ تبعاً، وأما أهل البدع فهم يفسدون القلوب ابتداء. فكلما كانت مصلحة لحفظ الدين ولو في إطار صغير أهم من مصلحة حفظ عرض المبتدع جاز اغتيابه، والقدر المتيقن من جواز غيبته هو ذكر بدعه التي أوردها في الدين لا ذكر سائر عيوبه. والأدلة على جواز النصيحة في أهل البدع منها ما رواه داود بن سرحان عن أبي عبد الله  (عليه السلام)  قال: قال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الإسلام ويحذروهم ولا يتعلمون من بدعهم يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم به الدرجات في الآخرة)([167]). وما روي في قرب الإسناد عن جعفر بن محمد عن أبيه L قال: (ثلاثة ليس لهم حرمة، صاحب هوى
مبتدع، والإمام الجائر، والفاسق المعلن بالفسق
)([168]), وقال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (أترعوون عن ذكر الفاجر حتى لا يعرفه الناس إذكروه بما فيه يحذره الناس)([169]).

وهذا القسم من النصيحة غير متوقف على المشاورة ولا مقارنة الوقوع في المفسدة، فإذا رأى مُتًفًقّهاً يتردد إلى مبتدع أو فاسق يأخذ عنه العلم وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك فعليه نصيحته ببيان حاله بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا مما يغلط فيه وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد فيلتبس الشيطان عليه ذلك ويخيل إليه أنه نصيحة فليتفطن في ذلك، وينبغي للمتصدي لهذه الأمور ان يلاحظ نفسه فيما بينه وبين ربه, ولا يحل ان يتكلم في هذا الباب إلاّ قاصداً بذلك وجه الله تعالى، وان تكون كلمة الله هي العليا، وان يكون الدين كله لله فمن تكلم في ذلك بغير علم او بما يعلم خلافه كان آثماً. ثم إن المتصدي بالنصيحة لأهل البدع لابد له من حسن النية فلو تكلم بحق لقصد العلو في الأرض أو الفساد كان بمنزلة الذي يقاتل حمية ورياء، وان تكلم لأجل الله تعالى مخلصاً له الدين كان من المجاهدين في سبيل الله من ورثة الأنبياء فهو منزلته أفضل من الشهداء كما ورد (ان مداد العلماء أفضل من دم الشهداء)([170]), وان لا يتعدى الناصح في أرباب البدع الصدق ولا يفترى عليهم من الفسوق والفواحش ما لم يفعلوه بل يقتصر على ما فيهم من المنفرات خاصة، فلا يقال على المبتدع أنه يشرب الخمر، ولا أنه يزني ولا غير ذلك مما ليس فيه.

ومن مات من أهل البدع ولا طائفة أو جماعة أو فرقة أو شيعة له تعظمه، ولم يخلف كتبا تقرأ ولا ما يخشى إفساده لغيره، فالأولى أن يستر بستر الله عز وجل ولا يذكر عيب وحسابه على الله عز وجل، قال  (صلى الله عليه وآله وسلم) : (إذكروا محاسن موتاكم)([171])

وفي خبر آخر (لا تقولوا في موتاكم إلاّ خيراً)([172]).

وأما نصيحة المستشير في مقالة أو كتاب أو مجلة أو غير ذلك ممن تكون باطلة فهي إما ان تمس الدين او في مسألة وموضوع علمي, فلا إشكال في وجوب النصيحة للمستشير في ما إذا كانت تمس الدين وإن استلزم نقصان وقدح القائل بتلك المقالة أو المجلة أو الكتاب لعموم أدلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو بما دل على لزوم صيانة الدين.

وأما إذا كانت النصيحة في مسألة أو موضوع علمي لا يمت إلى الدين بصلة، فيجوز نصح المستشير إذا كان على منهج البحث الصحيح لجريان السيرة على ذلك، وقد اشتهر (الحقيقة بنت البحث), ودلالته على النقصان والقدح لا تمنع منه، لأن الإنسان قرين النقصان ولم يخلق مصوناً من الخطأ والاشتباه، وليس إظهار مثل هذا النقصان عيباً شرعياً حتى يكون إظهاره غيبة.

ثانياً: النصيحة في تفضيل العلماء

يجوز النصيحة للمستشير بتفضيل بعض العلماء على بعض ولا يعد ذلك غيبة والله سبحانه وتعالى يقول [وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا]([173])، وقال سبحانه وتعالى [خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا]([174]), ولو فضل بعض العلماء على بعض بالأعلمية والأورعية مع التحفظ بعدم الكلام الباطل فلا يدخل في الغيبة ولو كرهه المحدث عنه لأنه ليس بقدح فيما كان عالماً بأحوالهم لينبه على فضل الفاضل ومن لا يلحق بدرجته في الفضل، وتنزيل الناس منازلهم. أضف إلى ذلك أنه جرت سيرة العلماء وديدن الأصحاب على ذلك, ويجوز النصيحة للمستشير حتى لو أدى إلى سلب الاجتهاد عن شخص على أن لا يؤدي إلى استلزام إهانة المسلوب عنه كما إذا كان الرجل شاغلاً منصب الإفتاء سنين متمادية، فسلب هذا الاجتهاد عن هذا الرجل إهانة لا تجوز إلاّ إذا كان هناك مصلحة غالبة على مفسدة الغيبة. نعم يجوز نصح المستشير فيما إذا رأيت متفقها يتلبس بما ليس من أهله فلك أن تنبه الناس على نقصه وقصوره مما أهل نفسه له، وتنبههم على الخطر اللاحق لهم بالانقياد إليه. وفي هذا المقام لابد من الحذر في مزالق الشيطان الذي قد يصور لبعض الجهال إنه ناصح في ثلب واغتياب العلماء، فإن اغتياب العلماء ليس كاغتياب الجّهال لشرف وصف العلم القائم بالعلماء على الجهل القائم بالجُهال، لأن فضل العلم على الجهل من الضروري الذي لا يكابر فيه ذو عقل سليم، كما أن فضل المساجد على غيرها من سائر البقاع كذلك، فإن لحوم العلماء مسمومة وعادة الله في هتك أستار منتقصهم مشهورة معلومة، وإن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب بلاهُ الله قبل موته بموت القلب, وغيبة العلماء منبعها من خدعة النفس على ابداء النصيحة([175]). نعم يجوز بيان الأغلاط الواقعة من العلماء, كما يجوز نصح المستشير بالنسبة إلى إمام الجماعة والسؤال عن بيان حاله فيجوز وصفه بالذي يكره لتنفير المصلين عنه وبيان حاله كما هو الواقع لأن المستشار مؤتمن, إما بيان حاله من دون طلب النصيحة فهو حرام.

ثالثاً: النصيحة في النسب

قد يترتب على النسب آثار شرعية عاجلة وآجلة، فمن الآثار التي يترتب عليه هو التوارث والمحرمية وأخذ الأخماس والنفقات وغيرها, ولاشك في وجوب النصيحة للمستشير في رد مدعي النسب الذي ليس له وإن كان مدعي النسب معذوراً في ادعائه لخطئه، فإن مصلحة حفظ الأنساب أولى مراعاة مِن حرمة المغتاب تحفظا من اختلا ط الأنساب ووقوع الخلل في المواريث والنفقات والأنكحة وغيرها([176]).

أما لو كان مدعي النسب لا يترتب عليه آثار شرعية كما إذا ادعى أنه من قبيلة مضر مثلاً وهو ليس منها فلا وجه لجواز اغتيابه وإن كان كاذباً في ادعائه.

رابعاً: النصيحة في الزواج

جواز النصيحة لمن استشير في خاطب أو مخطوبة ولو استلزم بان يذكر ما فيه أو فيها من مساويء العيوب وغيرها خوفاً من ضرر التدليس وما يترتب عليه إلى غير ذلك مما أريد به دفع المضار المتعلقة بأحد المقاصد الخمسة لحديث (المستشار مؤتمن) وحديث (الدين النصيحة), بل لا يبعد جواز ذلك ابتداء من دون استشارة إذا علم بترتب مفسدة عظيمة على ترك النصيحة([177]), بل تجب النصيحة حتى لو علم الناصح بان المنصوح يمتنع من الزواج لو علم بالنصيحة, وفي هذا المقام يجب مراقبة النفس وتصفية النية والقصد والاختصار في الغيبة, وذكر العيوب على قدر الحاجة وما يندفع به الضرر فإن الضرورة تقدر بقدر الحاجة إليها، فلو أغنى التعريض والتلويح لحرم التصريح والتنصيص ولو استشير في أمر نفسه كأن استشارت المرأة خاطبها في أمر نفسه هل يصلح لها أو لا؟

فان كان فيه ما يثبت الخيار وجب ذكره للمخطوبة، وإِنْ كان فيه ما يقلل الرغبة ولا يثبت الخيار كسوء الخلق والشح أستحب، وإن كان من المعاصي وجب عليه التوبة في الحال وستر نفسه كما يجوز استشارة ذوي الرأي في امرأتين يسميهما له أيتهما يتزوج وكذلك للمرأة في الرجلين أيهما تتزوج([178]).

خامساً: النصيحة في البيع

حمل جمهور الفقهاء حديث (الدين النصيحة) على عمومه إلاّ في بيع الحاضر للبادي فهو خاص، والمراد ببيع الحاضر للبادي ان يقدم غريب من البادية أو من بلد آخر بمتاع تعم الحاجة إليه ليبيعه بسعر يومه فيقول له البلدي: أتركه عندي لأبيعه بالتدريج بأغلى.

وقد جمع بعض الفقهاء بين حديث (الدين النصيحة) و(لا يبيع الحاضر للبادي)([179]بتخصيص النهي بمن يبيع بالأجرة كالسمسار لأن الذي يبيع بالأجرة لا يكون غرضه نصح البائع غالباً وإنما غرضه تحصيل الأجرة فاقتضى ذلك إجازة بيع الحاضر للبادي بغير أجرة من باب النصيحة وأما إعلامه بالسعر فقط فلا يدخل في النهي([180]).

وحرم فقهاء الشافعية والمالكية بيع الحاضر للبادي إذا كان عالماً بالنهي فلو لم يعلم النهي وكان المتاع مما لا يحتاج في البلد أو لا يؤثر فيه لقلة ذلك المتاع لم يحرم، ولو خالف وباع الحاضر للبادي صح البيع مع التحريم, ويفسخ البيع عند المالكية ما لم يفت([181]), وجوز فقهاء الحنفية وعطاء ومجاهد بيع الحاضر للبادي مطلقا لحديث (الدين النصيحة) وقالوا ان حديث النهي عن بيع الحاضر للبادي منسوخ. وقال بعضهم إنه على كراهة، واستدلوا على جواز البيع بحديث (دعوا الناس يرزق بعضهم من بعض)([182]).

وأوجب فقهاء الحنابلة النصيحة على الحاضر للبادي الجاهل بالسعر إذا طلب بيان السعر إذا استشاره في ذلك لحديث (الدين النصيحة)، وإن لم يستشر البادي الحاضر ففي وجوب إعلامه إن اعتقد جهله به نظر([183]).

واختلف فقهاء الشافعية في طلب نصيحة البدوي للحاضر فيما فيه حظه في متاعه على رأيين:

الأول: وجوب النصيحة له وهذا ما ذهب إليه الأذرعي.

الثاني: لا يجب نصيحته وإرشاده توسيعاً على الناس، ومعنى عدم وجوب إرشاده أنه يسكت، ولو قال الحاضر للبادي من دون طلب النصيحة: إستشارة بيعك له على التدريج أحظ حرم.

وأفتى فقهاء الشافعية بوجوب نصيحة المغبون بغبنه الذي نشأ من غش لتقصير البائع ولذلك أجازوا أن يزيد الرجل سعر سلعة رأى إنها تباع دون قيمتها فزاد فيها لينتهي إلى قيمتها لم يكن ناجشاً عاصيا بل يؤجر على ذلك بنيته، لأنه يريد النصيحة لصاحب السلعة بل أجازوا البيع على البيع والسوم على السوم لحديث (الدين النصيحة) إذا كان البائع مغبونا غبنا فاحشاً([184]), وتنظر بعض فقهاء الحنفية في ذلك بأن يعلم البائع بان قيمة السلعة أكثر من ذلك، فيكون بعد ذلك له الاختيار ولهذا أفتوا بحرمة البيع على البيع والشراء على الشراء بان يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار إفسخ لأبيعك بأنقص أو يقال للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد, واحتمل بعضهم ان لا يتعين على الناصح إعلام البائع بقيمة السلعة حتى يسأله لحديث (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، فإذا استنصح أحدكم أخاه فلينصح له)([185]).

وأفتى فقهاء الشافعية والحنفية بوجوب إِعلام المشتري بالسلعة المبيعة لو علم البائع العيب وذلك (لا خلابة في الدين)([186]) أي لا خديعة في الدين ولأن الدين النصيحة.

وجوز فقهاء الشافعية نصيحة من يشتري شيئاً معيبا أو مسروقا إذا لم يعلمه وإن كرهه البائع حفظا للمشتري من الضرر، فمن يشتري سيارة مسروقة أو فيها عيب مثلا يجوز نصيحته([187]).

سادساً: النصيحة في الشهود

شهادة المؤمن تارة يتوقع حكم الحاكم عليها ولو في المستقبل فيجوز هنا نصح المستشير عند الحاكم لإثبات جرح الشاهد إذا علم الناصح بكذب الشهادة لأن أدلة لزوم التحفظ على ستر المؤمن منصرفة إلى ما لم يتخذه ذريعة إلى الحكم بالزور والباطل، واشترط في نصح المستشير في الشهود والاقتصار على القوادح المخلة بالشهادة فقط فلا يقول: هو ابن زنا ولا أبوه لاعن منه إلى غير ذلك من القوادح التي لا علاقة لها بالشهادة، وان تكون نصيحة المستشير خالصة لله تعالى عند الحاكم فمتى كانت لأجل عداوة أو تفكه بالأعراض وجرياً مع الهوى فذلك حرام([188]).

وأما شهادة المؤمن عند غير الحاكم ولا يترتب عليها حكم فلا يجوز هنا غيبة الشاهد وجرحه لعدم الحاجة إلى ذلك، والتفكه بأعراض المسلمين حرام، والأصل فيها الستر كمن شهد بوجود قصر في صحراء ما وشهادته لا يترتب عليها أي شيء.

ثم وقع الكلام فيما إذا كان الشاهد فاسقاً ولم نعلم بكذبه في الواقعة، فهل يجوز نصح المستشير عند الحاكم أو لا؟ استدل على جواز نصيحة المستشار بوجوه:

الأول: السيرة فقد جرت سيرة المسلمين على جرح الشهود عند القضاة حتى كان القضاة يفسحون للمشهود عليه أن يأتي بمن يجرح شهود المشهود له.

الثاني: ان دفع مفسدة الحكم بشهادة الفاسق أولى من الستر عليه إذ ربما ينجر الحكم إلى قتل الأبرياء وهتك نواميسهم وهو ليس بأهون عند الله من الستر على الفاسق وإن كان كذبه غير معلوم، بل ادعى بعضهم الإجماع على ذلك([189]).

وربما يستأنس بجواز نصح المستشير في نقد الشهود وجرحهم بقوله سبحانه وتعالى: [وَلا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ]([190]). وقوله تعالى: [وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلاَ تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ]([191]).

ولا يخفى عليك ان البحث إنما هو في جرح الشاهد ونقده لا في كتمان الشهادة على الواقعة، فدعوى الاستدلال بالآيتين على جواز نصح المستشير في نقد الشاهد وجرحه غير صحيحة فلا يعد الناقد والجارح شاهداً حتى يدخل في الآيتين الشريفتين.

سابعاً: نصيحة الكفار والمشركين وأهل الكتاب

قال الله سبحانه وتعالى: [مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ]([192]).

ان هذه الآية الكريمة بينت نهي الله تعالى المؤمنين الركون إلى أعدائهم من أهل الكتاب والمشركين والاستماع من قولهم وقبول شيء مما يأتونهم به على وجه النصيحة لهم منهم بإطلاعه جل ثناؤه إياهم على ما يستنبطه لهم من أهل الكتاب والمشركين من الضغن والحسد وإن أظهروا بألسنتهم خلاف ما هم مستبطنون([193]).

أما نصيحة المسلمين لأهل الكتاب فقد اختلف الفقهاء فيها فالذي جوز ذلك استدل بنصح الرسول  (صلى الله عليه وآله وسلم)  ليهود خيبر في خرص النخل مع شدة بغضه إياهم، فدل على أنه لا ينبغي للمسلم أن يترك النصيحة لأحد من ولي أو عدو إذا كان لا يخاف على نفسه لأن نصيحته بحق الدين([194]).

والذي لم يوجب نصح المستشير الكافر أو الكتابي لحديث (الدين النصيحة قلنا: لمن يا رسول الله، قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)([195]) لأن النصيحة خاصة بالمسلم وإلحاق غيره إنما يصح إذا كان مثله، وليس الكافر والكتابي كالمسلم ولا حرمته كحرمته([196]), والراجح ان القدر المتيقن من النصيحة هو نصح المؤمن لا مطلقاً.

ثامناً: النصيحة في الولاية

من له الولاية يجب نصيحته لمن لا يقوم بالنيابة أو الوكالة من قبله على وجهها الصحيح, إما لأنه لا يكون صالحاً لها أو لعدم أهليته أو لفسقه أو لأنه مغفل ونحو ذلك ليزيله ويولي من يصلح، او يعرف حاله فلا يعتبر به أو يلزمه الاستقامة([197]).

وفي الختام نسأل الله تعالى أن يتقبل هذا اليسير وينفعنا به يوم لاينفع مال ولا بنون, والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهداة من خلقه خاتم الأنبياء وأهل بيته الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

 

المصادر

1. القرآن الكريم.

2. ابن الأثير، أبو السعادات محمد بن محمد بن عبد الكريم الجزري (ت: 606هـ)/ النهاية في غريب الأثر/ تحقيق: طاهر أحمد الزواوي ومحمود محمد الطناحي، دار الفكر بيروت 1399 هـ/1979م.

  1. الاصبهاني، أبو نعيم أحمد بن عبد الله (ت: 430هـ)/ حلية الأولياء، ط4، دار الكتاب العربي، بيروت 1405 هـ.

4. الآلوسي, شهاب الدين السيد محمود بت عبد الله (ت: 1270هـ)/ روح المعاني.

5. الأنصاري، مرتضى (الشيخ الأعظم)، (ت: 1281هـ)/ المكاسب، تحقيق السيد محمد كلانتر، طبع النجف.

6. البجيري، سليمان بن عمر بن محمد/ حاشية البجيري، طبع المكتبة الإسلامية، ديار بكر، تركيا.

7. البحراني، يوسف (المحدّث الشيخ)، (ت: 1186هـ)/ الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، نشر الشيخ علي الأخوندي، دار الكتب الإسلامية، قم.

8. البخاري، (ت: 256هـ)/ فتح الباري، المطبعة السلفية.

9. ابن عبد البر، أبو عمر يوسف بن عبد الله (ت:463هـ)/ التمهيد، تحقيق: مصطفى بن احمد العلوي ومحمد عبد الكبير البكري، طبع وزارة عموم الأوقاف والشؤون الدينية، المغرب، 1387 هـ.

10. البهوتي، منصور بن يونس بن إدريس/ كشاف القناع، تحقيق: هلال مصيلحي ومصطفى هلال، دار الفكر بيروت 1402 هـ.

11. البيهقي، ابو بكر احمد بن الحسين (ت:458هـ)/ شعب الايمان، تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت 1410 هـ.

12. التلمساني، ابو عبد الله محمد بن احمد بن قاسم بن سعيد العقباني (ت:871هـ)/ تحفة الناظر وغنية الذاكر في حفظ الشعائر وتغيير المناكر، تحقيق: علي الشنوفي.

13. ابــــن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت:597هـ)/ تلبيس ابليس، تحقيق: د. السيد الجميلي، ط1، دار الكتاب العربي، بيروت 1405 هـ/ 1985م.

14. ابــن حزم، أبو محمد علي بـــن احمــد بـــن سعيد الظاهري (ت:456هـ)/ الأخلاق والسير، ط2، دار الأوقاف العربية، بيروت 1399هـ/ 1979م.

15. ابن رجب الحنبلي، أبو الفرج عبد الرحمن بن احمد (ت:750هـ)/ جامع العلوم والحكم، ط1، طبع دار المعرفة، بيروت 1408هـ.

16. الخوئي، السيد أبو القاسم الموسوي (آية الله العظمى)/ المسائل الشرعية، العبادات، طبع مؤسسة المنار، بيروت.

17. الحنفي، أحمد بن محمد بن إسماعيل (ت:1231هـ)/ حاشية الطحاوي على مراقي الفلاح، ط3، مكتبة البابي الحلبي، مصر/ 1318هـ.

18. الدردير، سيدي أحمد أبو البركات/ الشرح الكبير، تحقيق: محمد عليش، طبع دار الفكر، بيروت.

19. الزرقاني، محمد بن عبد الباقي بن يوسف (ت:1122هـ)/ شرح الزرقاني، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت 1411هـ.

20. الزرعي، ابو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب (ت:751هـ)/ الروح، طبع دار الكتب العلمية، بيروت 1395 هـ/ 1975م.

21. بدائع الفوائد، ط1، تحقيق هشام عبد العزيز عطا، وعادل عبد الحميد العلوي وأشرف أحمد، طبع مكتبة نزار مصطفى الباز، مكة المكرمة 1416هـ – 1996م.

22. زين الدين ابراهيم بن محمد بن محمد بن بكر (ت:970هـ)/ البحر الرائق، طبع دار المعرفة، بيروت.

23. السجستاني، أبو داود/ السنن، طبعة عزت عبيد دعاس.

24. السرخسي، أبو بكر محمد بن أبي سهل/ المبسوط، طبع دار المعرفة، بيروت، 1406 هـ.

25. السيستاني، السيد علي الحسيني (أية الله العظمى)/ منهاج الصالحين، طبع دار المؤرخ العربي، بيروت 1414 هـ/ 1993م.

26. السيوطي جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر، أبو الفضل (ت:911هـ)/ الديباج، تحقيق: أبو اسحق الحويني الأثري، طبع دار ابن عفان، السعودية 1416 هـ/ 1996م.

27. الشربيني، محمد الخطيب (من علماء القرن العاشر الهجري)/ مغني المحتاج، دار الفكر، بيروت.

28. الطبرسي، أبو الفضل علي بن الحسن/ مجمع البيان في تفسير القرآن، منشورات دار مكتبة الحياة، بيروت.

29. الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن (ت:460هـ)/ تفسير التبيان، تحقيق: احمد حبيب قصير العاملي، مطبعة النعمان، النجف.

30. الطبري، محمد بن جرير (ت310:هـ)/ جامع البيان في تفسير القرآن.

31. ابن ضريان، ابراهيم بن محمد بن سالم (ت:1353هـ)/ منار السبيل، تحقيق: عصام القلعجي، ط2، مكتبة المعارف، الرياض 1405هـ.

32. العاملي، محمد بن الحسن الحر (المحدّث الشيخ) (ت:1104هـ)/ وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، ط2، دار إحياء التراث، بيروت.

33. الشهيد الأول، أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي (ت:786هـ)/ القواعد والفوائد في الفقه والأصول والعربية، تحقيق السيد عبد الهادي الحكيم، القسم الثاني، طبع جمعية منتدى النشر، النجف الأشرف.

34. العبـــدري، أبو عبد الله محمد بن يوسف بــــن أبي القاسم (ت:897هـ)/ التاج والإكليل، ط2، دار الفكر، بيروت 1398هـ.

35. ألعدوي، علي الصعيدي (المالكي)/ حاشية العدوي، تحقيق: يوسف الشيخ محمد البقاعي، طبع دار الفكر، بيروت 1412هـ.

36. الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد (ت:505هـ)/ إحياء علوم الدين وبذيله كتاب المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الاحياء من أخبار، لزين الدين أبي الفضل عبد الرحيم الحسيني العراقي، نشر دار المعرفة، بيروت.

37. الغروي، الميرزا محمد علي التوحيدي/ مصباح الفقاهة (تقريرات السيد أبو القاسم الخوئي. المطبعة الحيدرية، النجف الأشرف 1374هـ، 1954م.

38. الفيروز آبادي، مجد الدين محمد بن يعقوب/ القاموس المحيط، المؤسسة العربية للطباعة والنشر، دار الجيل، بيروت.

39. القرافي، شهاب الدين ابو العباس أحمد بن إدريس بن عبد الله الصنهاجي/ الفروق، وبهامشه كتابي تهذيب الفروق والقواعد السنية، طبع عالم الكتاب، بيروت.

40. القرطبي, أبو عبد الله بن أحمد الأنصاري الأندلسي (ت:671هـ)/ الجامع لأحكام القرآن.

41. القرشي، أبو بكر عبد الله بن محمد (ت:281هـ)/ المرض والكفارات، تحقيق عبد الوكيل الندوي، ط1، الدار السلفية، بومباي 1411هـ/ 1991م.

42. كاشف الغطاء، الشيخ محمد الحسين (آية الله العظمى)/ سؤال وجواب.

43. كاشف الغطاء، الشيخ حسن الشيخ جعفر (آية الله العظمى)/ أنوار الفقاهة (مخطوط في مكتبة الشيخ علي كاشف الغطاء.

44. كاشف الغطاء، الشيخ علي (آية الله العظمى)/ توضيح المكاسب.

45. الكليني، ابو جعفر محمد بن يعقوب (ثقة الإسلام) (ت:328هـ)/ الأصول في الكافي، نشر الشيخ محمد الأخوندي، دار الكتب الإسلامية، طهران.

46. الكوفي، هناد بن السري (ت:243هـ)/ الزهد، تحقيق: عبد الرحمن عبد الجبار الغريواني، ط1، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت 1406هـ.

47. المازندراني، المولى محمد صالح (ت:1086هـ) شرح الجامع للكافي، المكتبة الإسلامية، طهران 1387هـ.

48. المالكي، أبو الحسن/ كفاية الطالب، تحقيق يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر، بيروت 1412هـ.

49. المباركفوري، أبو العلاء محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم (ت:1353هـ)/ تحفة الاحوذي، دار الكتب العلمية، بيروت.

50. المجلسي، المحدث محمد باقر/ بحار الأنوار.

51. مجمع اللغة العربية/ معجم ألفاظ القرآن الكريم، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، ط1، القاهرة 1390هـ/ 1970م.

52. المناوي، عبد الرؤوف/ فيض القدير، ط1، المكتبة التجارية الكبرى، مصر 1356هـ.

53. النجفي، محمد حسن (الشيخ)/ جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، نشر الشيخ علي الأخوندي، ط6، دار الكتب الإسلامية، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.

54. المحدث النراقي، محمد مهدي (ت:1209هـ)/ جامع السعادات، تحقيق وتعليق الشيخ محمد رضا المظفر، نشر وتصحيح السيد محمد كلانتر، مطبعة الزهراء، النجف 1368هـ/ 1949م.

55. النفراوي، أحمد بن غنيم بن سالم المالكي (ت:1125هـ)/ الفواكه الدواني، طبع دار الفكر، بيروت 1415هـ.

56. النووي، أبو زكريا، يحيى بن شرف بن مري (ت:676هـ)/ شرح النووي على صحيح مسلم، ط2، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت 1392هـ.

57. وزارة الأوقاف والشؤون الديني (الكويت)/ الموسوعة الفقهية، ط1، مطبعة الموسوعة الفقهية، الكويت 1405 - 1984م.

58. السبحاني, الشيخ المحقق جعفر/ المواهب في تحرير أحكام المكاسب، بقلم سيف الله اليعقوبي الاصفهاني، نشر مؤسسة الإمام الصادق  (عليه السلام) ، ط1، مطبعة الخيام، قُم/ 1410هـ.

59. ملا جواد ملا كتاب (الشيخ المحقق)/ الأنوار الغروية في شرح اللمعة الدمشقية (مخطوط).

60. الإمام علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  (ت:40هـ)/ نهج البلاغة/ دار الهجرة/ قم.

61. الشهيد الثاني (ت:966هـ)/ كشف الريبة/ دار المرتضوي للنشر/ 1390هـ.

62. الحميري، عبد الله بن جعفر/ قرب الإسناد/ مكتبة نينوى/ طهران.

 

 

 

 


([1])  سورة الأعراف، آية: 68.

([2]) روضة الواعظين 2/ 425.

([3]) سورة النازعات، آية: 40.

([4]) سورة الأعراف، آية: 62.

([5]) الفوائد 3/ 306.

([6]) النهاية في غريب الأثر 5/ 62.

([7]) لسان العرب 5/615؛ مختار الصحاح 1/ 276؛ معجم ألفاظ القرآن الكريم 2 /718؛ القاموس المحيط 1/ 261 فصل النون باب الحاء؛ بدائع الفوائد 3/ 306؛ فيض القدير 3/ 556.

)[8]( تفسير البيان 4/ 438؛ مجمع البيان3/ 29؛ تفسير القرطبي 2/ 227.

)[9]( تفسير القرطبي 2/ 227؛ مجمع البيان 3/ 118.

)[10]( تفسير البيان 6/ 104.

)[11]( روح المعاني 5/ 69.

)[12]( المصدر نفسه.

([13])  فتح القدير 2/ 216؛ شرح الزرقاني 4/ 509.

([14]) الغَيْرة, بفتح الغَينِ المعجمة لكن الناس اليوم يَلفظونها بِكَسْرِ الغَيْنِ وهو خَطَأٌ فاحِشٌ. ومِثلُها الحَيْرَةُ.

([15]) الروح  1/ 257.

([16]) البحار 75 / 401, باب 87 من أبواب العشرة حديث 42.

([17]) الفروق  4 /236؛ التعاريف 1 /537؛ شرح الزرقاني  4 /318؛ تحفة الأحوذي 6 /113.

([18]) سورة القلم، آية: 9.

([19]) سورة آل عمران، آية: 28.

([20]) أصول الكافي  9/ 110، باب التقية من كتاب الأيمان حديث 2.

([21]) المصدر نفسه 9 /115، حديث 12.

([22]) فيض القدير  2 /327؛ حلية الأولياء  10 /192.

([23]) رواه الطبراني عن عثمان بن أبي عاتكة عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة، جامع العلوم والحِكَم 1/ 359.

([24]) جامع العلوم والحكم 1/ 81.

([25]) حلية الأولياء 1/ 266.

([26]) الأصول في الكافي 2 /208؛ وسائل الشيعة 11/ 595.

([27]) الأصول في الكافي 2/ 208؛ وسائل الشيعة 11/ 595.

([28]) جامع العلوم والحكم 1/ 123.

([29]) الأخلاق والسير  1/ 42.

([30]) جامع العلوم والحكم 1/ 123.

([31]) إحياء علوم الدين  1/ 63.

([32]) شعب الإيمان 5/ 332.

([33]) فيض القدير 3 /556.

([34]) القواعد والفوائد 2/ 150؛ الحدائق الناضرة 18/ 165؛ حاشية البيجرمي3/ 331؛ الفروق 4/ 205.

([35]) وسائل الشيعة 1/ 49/ باب وجوب النية في العبادات.

([36]) شعب الإيمان 7/ 523.

([37]) وسائل الشيعة 15/ 177/ حديث (20226).

([38]) المصدر نفسه.

([39]) غرر الحكم ودرر الكلم 226/ حديث (4583).

([40]) وسائل الشيعة 12/ 25/ حديث (15548).

([41]) نهج البلاغة 79.

([42]) تحف العقول 489.

([43]) فيض القدير 6/ 256؛ إعانة الطالبين 1/ 191؛ روضة الطالبين 1/ 219؛ جامع العلوم والحكم 1/ 82؛ تحفة الأحوذي 6/ 47.

([44]) فيض القدير 4 /43.

([45]) المصدر نفسه 4/ 43.

([46]) سورة طه، الآية: 44.

([47]) سورة النحل، الآية: 125.

([48]) مواهب الجليل 3 /418، الأخلاق والسير 45.

([49]) نهج البلاغة 430.

([50]) بحار الأنوار 72/ 15.

([51]) الفوائد 1/ 30.

([52]) خرجه ابن أبي الدنيا، وخرج أحمد معناه من حديث أبي الأحوص عن أبيه.

([53]) جامع العلوم والحكم 1/ 79؛ شرح النووي 2/ 37؛ الديباج 1/ 76.

([54]) شرح الكافي 9/ 94؛ الشافي 4/ 498.

([55]) رواه مسلم، وجامع العلوم والحكم 1/ 79.

([56]) الشافي 4/ 498؛ جامع العلوم والحكم 1/ 79.

([57]) التاج والإكليل 5/ 422.

([58]) رواه مسلم والبخاري, جامع العلوم والحكم 1 /76.

([59]) وسائل الشيعة  11 /594 / باب 35/الحديث 4؛ شعب الإيمان 4/ 323.

([60]) سورة الأعراف، آية: 93.

([61]) تفسير الطبري 8/ 234.

([62]) سورة الأعراف، آية: 79.

([63]) تفسير الطبري 9/ 6.

([64]) سورة الأعراف، آية: 21.

([65]) مجمع البيان 3/ 30.

([66]) سورة الأعراف، آية: 62.

([67]) سورة الأعراف، آية: 68.

([68]) سورة هود، آية: 34.

([69]) سورة التوبة، آية: 91.

([70]) سورة التحريم، آية: 8.

([71]) سورة القصص، آية: 20.

([72]) سورة القصص، آية: 12.

([73]) بالرّفعِ على الحِكايَةِ.

([74]) الوافي 2/ 99؛ أصول الكافي بهامش مرآة العقول/ باب الاهتمام بأمور المسلمين2/ 166؛ وسائل الشيعة 11 / 562.

([75]) أصول الكافي بهامش مرآة العقول 2/ 190 باب نصيحة المؤمن؛ وسائل الشيعة 11 /595/ باب 35 من أبواب فعل المعروف؛ الأصول/ 414/ باب نصيحة المؤمن.

([76]) شرح الكافي/ المازندراني 9/ 945.

([77]) الوافي 3/ 164؛ وسائل الشيعة 11/ 595 باب 36 من فعل المعروف؛ أصول الكافي بهامش مرآة العقول 2/ 353؛ المستدرك 2 / 92/ باب 105 وجوب اداء حق المؤمن وباب 34 وجوب نصيحة المؤمن وباب 35 تحريم ترك نصيحة المؤمن/ 412.

([78]) وسائل الشيعة 11/ 594/ باب 35 من أبواب فعل المعروف/ الحديث 4.

([79]) وسائل الشيعة 11/ 595/ باب 35 من أبواب فعل المعروف/ الحديث 7؛ شعب الإيمان 4/ 323، وأخرجه مسلم في الصحيح من حديث عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري وأخرجه النسائي وأبو داود.

([80]) جامع العلوم والحكم 1/ 76.

([81]) شعب الإيمان/ كتاب فض الدعاء 4/ 323، رواه البخاري عن أبي نعيم وأخرجه مسلم من حديث ابن عيينة عن زياد.

([82]) وسائل الشيعة 12/ 86 / باب 57 استحباب تسمية العاطس المسلم.

([83]) وسائل الشيعة 12/ 210/ حديث (16108).

([84]) مخطوطة المكاسب المحرمة/ الشيخ مهدي كاشف الغطاء 1/ 891.

([85]) الكافي 2/ 166؛ بحار الأنوار 71/ 264.

([86]) وسائل الشيعة 12/ 49/ باب 28 جملة (ممن ينبغي معاشرته).

([87]) التمهيد 19/ 160؛ جامع العلوم والحكم 1/ 81، وراجع كتاب الوافي صفة المؤمن.

([88]) نهج البلاغة 79.

([89]) سورة الشورى، آية: 38.

([90]) بحار الأنوار  72/ 102.

([91]) تهذيب الفروق 4/ 231؛ تحفة الأحوذي 4/ 241؛ شرح الزرقاني 4/ 319؛ مواهب الجليل 3/ 418 أخرج مسلم الحديث كاملاً والبخاري مختصراً.

([92]) التمهيد 19/ 160.

([93]) العطب: الهلاك.

([94]) بحار الأنوار 75/ 311.

([95]) بحار الأنوار 72/ 104.

([96]) نهج البلاغة 79.

([97]) عوالي اللآلي 1/ 104.

([98]) من لا يحضره الفقيه 4/ 409.

([99]) بحار الأنوار 72/ 102.

([100]) وسائل الشيعة 11/ 596/ باب 13 وجوب نصح المستشير من العشرة؛ الأصول 474؛ الشافي في شرح أصول الكافي 5/ 479.

([101]) مجهولة لعبد الله بن سليمان النوفلي. مستدرك الوسائل 2/ 66/ باب 22 وجوب نصح المستشير من العشرة.

([102]) مصباح الفقاهة 1/35.

([103]) وسائل الشيعة 11/ 596/ باب (36) من أبواب فعل المعروف/ الحديث (1)؛ الأصول 474؛ عقاب الأعمال 28؛ المحاسن/ 98؛ الشافي في شرح أصول الكافي 5/ 478.

([104]) الأصول في الكافي 2/ 362.

([105]) الكافي 2/ 226.

([106]) الوافي3/ 102 باب حقوق الأخوة، وسائل الشيعة 2/ 228/باب (122) وجوب أداء حق المؤمن من العشرة.

([107]) الوافي 3 /101/ باب أخوة المؤمنين.

([108]) الكافي/الأصول 9/ 135.

([109]) مستدرك الوسائل 8/ 346.

([110]) بحار الأنوار  72/ 99.

([111]) م. توضيح المكاسب 1 /892، م؛ أنوار الفقاهة/ كتاب المكاسب المحرمة.

([112]) إِختلف الفقهاء في تعريف الغيبة منها: هي ذكر الإنسان الغائب بسوء مع قصد نقصه وحصول النقص ولو عند السامع  لإطلاعه ما لم يعلمه، فجامع القيود المذكورة فهو منها موضوعاً وكلما لم يجمع القيود المذكورة فليس منها موضوعاً وإن شاركها حكماً بل كان أشد منها تحريماً. (المكاسب المحرمة، الشيخ مهدي كاشف الغطاء). ومنها: وهي أن يذكر المؤمن بعيب في غيبته سواء أكان بقصد الإنتقاص أم لم يكن، وسواء العيب في بدنه أم في نسبه أم في خلقه أم في فعله أم في قوله أم في دينه أم في دنياه أم في غير ذلك مما يكون عيباً مستوراً عن الناس، كما لا فرق في الذكر بين أن يكون بالقول أم بالفعل الحاكي عن وجود العيب، والظاهر اختصاصها بصورة وجود السامع بقصد إفهامه وإعلامه أو ما هو في حكم ذلك.

([113]) سورة الحجرات، آية: 12.

([114]) وسائل الشيعة 29/ 10/ باب تحريم القتل ظلماً.

([115]) سورة الحجرات, آية: 12.

([116]) وسائل الشيعة / 12/ 283/ باب تحريم اغتياب المؤمن.

([117]) المصدر نفسه / 12/ 291/ باب وجوب رد غيبة المؤمن.

([118]) جامع السعادات 2/ 269.

([119]) كشف الريبة 5.

([120]) الحدائق الناضرة  18/ 165.

([121]) بحار الأنوار 4/ 15 / باب فضل كتمان السر؛ جامع السعادات 2/ 269.

([122]) وسائل الشيعة 8/ 471.

([123]) المصدر نفسه 11/ 593/ باب وجوب السر على المؤمن.

([124]) المصدر نفسه والجزء والصفحة.

([125]) وسائل الشيعة 11/ 593/ باب وجوب السر على المؤمن.

([126]) الكافي 2/ 578.

([127]) مصباح المتهجد 844.

([128]) شرح نهج البلاغة 6/ 180.

([129]) سورة النور، آية: 19.

([130]) مستدرك الوسائل 2/ 411.

([131]) بحار الأنوار 59/ 109

([132]) الترغيب والترهيب 2/ 293.

([133]) بحار الأنوار 75/ 214.

([134]) سنن أبي داود 4 /189؛ فيض القدير 1/ 329.

([135]) بحار الأنوار 15/ 175/ باب تتبع عيوب الناس؛ وسائل الشيعة 18/ 608 باب (157) من أبواب العشرة.

([136]) جامع السعادات 2/ 286.

([137]) مسلم 2/ 1060/ طبعة الحلبي.

([138]) فتح الباري 10/ 445/ الطبعة السلفية؛ مسلم 1/ 272/ طبعة الحلبي.

([139]) جَرَينا فيه على الاستعمال الشائع اليَوْم؛ لأن المذكورَ في معجمات اللغةِ أنّه إذا قيل: أنْجَبَ الرَّجُلُ, فمعناه أوْلَدَ أولاداً نُجَباء, وقد يكون له أولادُ غير نُجَباء فلا يُقالُ أنّه منجبٌ, راجع (لسان العرب) و(القاموس المحيط) و(تاج العرب) مادة (نَجب).

([140]) جامع السعادات 2/ 374.

([141]) سورة القلم، آية: 13.

([142]) سورة الهمزة، آية: 1.

([143]) تهذيب الفروق 4/232؛ فتح الباري 1 /472، م؛ المكاسب المحرمة/ الشيخ مهدي كاشف الغطاء.

([144]) البخاري 10/ 472/ الطبعة السلفية؛ مسلم 1 /101/ مطبعة الحلبي.

([145]) المصدر نفسه.

([146]) وسائل الشيعة/ كتاب الحجج/ أبواب أحكام العشرة/ 164؛ مستدرك الوسائل/ كتاب الحجج/ 110، أصول الكافي/ باب النميمة.

([147]) جامع السعادات 2/ 271.

([148]) جامع السعادات 2/ 271.

([149]) الأخلاق والسير 1/ 44.

([150]) الفروق 4/ 231؛ شرح الزرقاني 4/ 319؛ مواهب الجليل 3/ 418.

([151]) بحار الأنوار 72/ 232.

([152]) التمهيد 19/ 159.

([153]) روضة الواعضين 2/ 425.

([154]) كفاية الطالب 2 /555؛  مواهب الجليل 3/ 418.

([155]) حاشية العدوي 2/ 555.

([156]) الفواكه الدواني 2/ 291؛ التمهيد 19/ 159؛ شرح الزرقاني 4/ 319.

([157]) تحفة الأحوذي 4/ 241.

([158]) شرح النووي 14/ 143.

([159]) إعانة الطالبين

([160]) مغني المحتاج 3/ 173.

([161]) المجموع 4/ 323.

([162]) شرح النووي 14/ 143.

([163]) فيض القدير  6/ 268.

([164]) كشاف القناع 3/ 184؛ منار السبيل  1/ 20.

([165]) المحلى 8/ 448.

([166]) الفواكه الدواني 2/ 112.

([167]) وسائل الشيعة  16/ 267 / باب 39 وجوب البراءة من أهل البدع.

(1) قرب الإسناد 82.

(2) جامع السعادات 2/ 306؛ أحياء علوم الدين 3/ 152.

(3) بحار الأنوار 2/ 14/ باب 8 ثواب الهداية والتعليم.

(1) سنن أبي داود 2/ 573/ كتاب الأدب/ باب النهي عن سب الموتى؛ سنن الترمذي 3/ 239/ باب 34 من كتاب الجنائز/ حديث 1019.

(2) كنز العمال  8/ 105/ حديث 2011.

(3) سورة الإسراء، آية: 55.

(4) سورة نوح، آية: 14.

([175]) مفتاح السعادة 1/ 72.

([176]) جامع السعادات 2/306، م؛ الأنوار الغروية.

([177]) المكاسب 4/ 45؛ مغني المحتاج 1/ 137.

([178]) سؤال وجواب 310.

([179]) فتح الباري 4/ 371.

([180]) المصدر نفسه.

([181]) تحفة الأحوذي  4/ 347؛ شرح النووي 10 / 164؛ التمهيد 18/ 198.

([182]) فتح الباري 7/ 371.

([183]) كشاف القناع 3/ 184.

([184]) حاشية البجيرمي 2/ 224؛ حاشية الشيرواني  4/ 315.

([185]) فتح الباري 7/ 371.

([186]) فتح الباري  4/ 356، رواه البيهقي وأخرجه مسلم ورواه أحمد بن حنبل، البحر الرائق.

([187]) روضة الطالبين 7/ 33.

([188]) المواهب539؛ الفروق 4/ 206.

([189]) روضة الطالبين 7/ 33.

([190]) سورة البقرة، آية: 283.

([191]) سورة البقرة، آية: 282.

([192]) سورة البقرة، آية: 105.

([193]) تفسير القرطبي  1/ 474.

([194]) المبسوط 23/ 9.

([195]) بحار الأنوار 86/ 242.

([196]) كشاف القناع 5/ 19.

([197]) رياض الصالحين  1/ 346؛ روضة الطالبين  7/ 33.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD