وقف العملة الورقية

 

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

إنّ تطوّر الحياة المدنية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية أوجب على الدول الإسلامية اليوم الاهتمام بالوقف, فأنشأت الوزارات والمؤسسات والديوانيات الوقفية لتقوم بعملية تنظيم الإدارة المهمة.

إنّ وقف العملة الورقية يعتبر نوعاً مهماً من أنواع الوقف المعاصر، لما يمتلك وقف العملة الورقية من مقومات وإمكانات تساعده على الانتشار وتؤهله للقيام بدور بارز في تحقيق أهداف وغايات الوقف السامية، ولذا فقد انتشر وقف  العملة الورقية بالفعل في معظم البلدان الإسلامية.

 

 

المبحث الأول

تعريف العملة الورقية

إنّ العملة الورقية التي تتداول اليوم بشكلها ونظامها هي نتيجة امتداد حقبة طويلة من الزمن لم تكن العملة الورقية معروفة بشكلها الحالي عند فقهاء المسلمين القدامى، أما الفقهاء المحدثون فقد تناولوها بالبحث بعد انتشار تداولها في البلاد الاسلامية، وقد اختلفت وجهات نظرتهم تبعاً لاختلافهم في تصور حقيقتها.

وهي نقد ورقي لا يمثل شيئاً مادياً ولا يترتب لحاملها حق من قبل من يصدرها، وتصدرها الحكومات خلال مدة طبيعية بدون رصيد معدني ولا تصرف بالذهب والفضة.

وقد ابتدأ من عام (1930م) عدم قابلية صرف العملة الورقية إلى الذهب والفضة، وتحللت بنوك الإصدار من الارتباط بين إصدار هذه العملة الورقية وكمية الذهب.

وألزمت الدول أفرادها قبول هذه الأوراق فسميت بالعملة الورقية ولا يشترط أن يكون مقابلها نسبة معينة من الذهب بعد أن تحللت بنوك الإصدار من التغطية الذهبية.

كما أن قوتها الشرائية أصبحت تنخفض غالباً وترتفع حسب الكميات التي تطبعها البنوك المركزية([1]).

فيكن تعريف وقف العملة الورقية، إنّه حبس العملة الورقية وتسبيل منفعتها المتمثلة في الأرباح الناتجة عن استثمارها. فتكون المالية هي الموقوفة مع تبدل تجسيدها من عين إلى عين أخرى, فهل يجوز مثل هذا الوقف, مع أن فتاوى الفقهاء صرّحت بأن الوقف إنما يصح في الأعيان المملوكة التي ينتفع بها مع بقاء عينها؟

أولاً: صفات العملة الورقية:

  1. أصبحت العملة الورقية في يومنا الحاضر لا يقابلها غطاء ذهبي وغير قابلة للصرف بالذهب والفضة، فلم تعد قابلة للصرف بالذهب، وإنما أصبحت عملة تمثل قوة قانونية لأداء الالتزامات.

فالعملة الورقية خارجة عن نطاق الذهب والفضة ولا تمثلها بل أثمان عرفية بقوة القانون ولم يعد هنالك مجال لرفضها أو طلب تحويلها إلى ذهب، بل هي ملزمة لطرفي التعامل بحماية الدولة التي أصدرتها.

  1. العملة الورقية تحمل قيمة اعتبارية أكثر من قيمتها الذاتية، لأن نفس الأوراق النقدية لا قيمة معتبرة فيها.
  2. العملة الورقية مال متقوم مرغوب فيه ومدخر، وأصبحت ثمناً لشراء السلع.
  3. العملة الورقية ليس بمكيل ولا موزون وليس من الأجناس الربوية الستة المنصوص عليها.
  4. يمكن للحكومة أو السلطان من اسقاط قيمة العملة الورقية وإبطال التعامل بها.
  5. لا تشملها أحكام عقد الصرف.
  6. عدم جريان ربا البيع فيجوز بيع بعضها ببعض متفاضلة نسيئة.
  7. إن العملة الورقية من المثليات التي لا تتعين بالتعيين بحيث يحل بدلها محلها ويقوم مقامها.

ثانياً: تعريف النقدان (الذهب والفضة):

أ. النقـد لغـة:

النقد لغة: خلاف النسيئة. والنقد والتنقاد: تمييز الدراهم وإخراج الزيف منها. ونقيد: جيد, ونقود: جياد. وتنوقد الورق ونقده إياها نقداً: أعطاه فانتقدها, أي قبضها([2]).

ب. النقد في اصطلاح الفقهاء:

أُطلق النقد على جميع ما تتعامل به الشعوب من دنانير ذهبية ودراهم فضية([3]). فقد عرّف الفراء النقد: (هو من خالص العين والورق – الذهب والفضة – وليس من مغشوشة مدخل في حكمه –أي لا تعدّ نقوداً مستحقة – والمطبوع منها بالسكة السلطانية، الموثوق بسلامة طبعها، المأمون من تبديلها وتلبيسها، فكان هو الثابت في الذمم فيما يطلق من أثمان وقيم المتلفات)([4]).

ومفهوم الذهب مأخوذ من الذهاب، والفضة مأخوذة من انفض الشيء تفرق، وهذا الاشتقاق يشعر بزوالهما وعدم ثبوتهما كما هو مشاهد([5]), فإنهما معدان بأصل الخلقة لأداء وظيفة الثمنية في هذا الكون، وبهما تحدد قيم الأشياء من السلع والخدمات, ويضاف لذلك أنهما أداة للتبادل وإلى هذا أشار فقهاء المسلمين.

قال ابن قدامة([6]): (الأثمان هي الذهب والفضة، والأثمان هي قيم الأموال ورأس مال التجارات، وبهذا تحصل المضاربة والشركة، وهي مخلوقة لذلك، فكانت بأصل خلقتها كمال التجارة).

وقال الغزالي([7]): (إنّ الله تعالى قد خلق الدنانير والدراهم حاكمين ومتوسطين بين سائر الأموال حتى تقدر الأموال بهما). ويشير ابن خلدون إلى أن ثمنيتهما بجعل من الشارع, فيقول([8]): (ثمّ إن الله تعالى خلق الحجرين المعدنيين من الذهب والفضة قيمة لكل متمول([9])، وهما الذخيرة([10]) والقنية([11]) لأهل العالم في الغالب، وان اقتنى سواهما في بعض الأحيان، فإنما هو لبعض تحصيلها([12])، بما يقع في غيرهما من حوالة الأسواق([13])، اللتان هما عنها بمعزل. فهما أصل المكاسب والقنية والذخيرة).

وقال النيسابوري([14]): (وإنما كان الذهب والفضة محبوبين لأنهما جعلا ثمن جميع الأشياء، فمالكها كالمالك لجميع الأشياء).

ومن هذا الاستعراض يشير المعنى اللغوي للذهب والفضة إلى صفة أساسية في وظيفتهما النقدية وهي سرعة الحركة والإنفاق وعدم الركود، كما يشير الفكر الاقتصادي للفقهاء إلى أن النقدين من الذهب والفضة يؤديان وظيفة الثمنية، وهي معدة بأصل الخلقة لأن تكون ثمناً في هذا الكون، أي بهما تحدد الأشياء وأنهما أداة للتبادل.

قال المقريزي([15]): (ولا يعلم في خبر صحيح ولا سقيم عن أمة من الأمم، ولا طائفة من طوائف البشر أنهم اتخذوا أبداً في قديم الزمان، ولا حديثه نقداً غيرهما ــ الذهب والفضة ــ وأن النقود المعتبرة شرعاً وعقلاً وعادة إنما هي الذهب والفضة فقط، وما عداهما لا يصلح أن يكون نقداً، حتى قيل أن أول من ضرب الدينار والدرهم آدم _، وقال: (لا تصلح المعيشة إلا بهما).

فالذهب والفضة هما النقد عند المقريزي وهما عنده مسميات مترادفة لمسمى واحد.

لقد قام النظام النقدي الإسلامي على أساس أن كل من المسكوكات الذهبية والفضية ــ الدنانير والدراهم ــ نقوداً رئيسة لها قوة ابراء غير محدودة في داخل الدولة الإسلامية وخارجها، وذلك لا يمنع أن بعض أجزاء الدولة الإسلامية كمصر كانت نقودها الرئيسية مسكوكات من معدن واحد هو الذهب وبعض الأجزاء الأخرى كالعراق نقودها الرئيسة مسكوكات من معدن واحد آخر هو الفضة. أي أن الدولة الإسلامية كانت تسير في جملتها على نظام المعدنين([16]).

وذكر أن عمر بن الخطاب أراد أن يصنع النقود من الجلود، فلما استشار ذوي الخبرة، لم يقروه على رأيه فأمسك([17]).

إذن فقد عين الإسلام الوحدات النقدية التي يعبر بها المجتمع عن تقدير القيم للأشياء والجهود تعييناً ثابتاً، والتي يتم مبادلتها بالسلع في جنس معين هو الذهب والفضة، لذلك تعدّ النقود من الأشياء التي جاء الإسلام بحكمها، وليست من الأشياء التي تدخل في الرأي والمشورة، فالنقود من حيث كونها وحدة نقدية، ومن حيث جنسها ثابتة بحكم شرعي ترتبط بها الأحكام الشرعية. فالذهب والفضة خصا بالذكر في تحريم كنزهما، لأنهما قانون التمول وأثمان الأشياء([18])، ووجوب الزكاة فيهما، وجعل أحكام الصرف لهما, وإقرار الرسول التعامل بهما, وربط الدية وقطع يد السارق فيهما، كان ذلك دليلاً واضحاً على أن النقد يجب أن يكون من الذهب والفضة، أو أساسه الذهب والفضة. وقد تكلم مفكرو الإسلام عن أنواع النقود وأوزانها الشرعية وسكتها([19]).

يذكر ابن القيّم في أعلام الموقعين أن تغير التعامل بغير النقدين الذهب والفضة هو ضياع لأموال المسلمين([20]).

ومن هذا يتقرر أن الله سبحانه وتعالى أقام الذهب والفضة أثماناً بأصل الخلقة، أي أنه خلقها وجعلها أثماناً للأشياء، فلا يملك الإنسان أن يبطل ثمنية ما أقامه الله ثمناً. أما لماذا خص الذهب والفضة بالثمنية دون غيرهما؟ فالإجابة  أن الشارع الحكيم هو أدرى بمصالح الناس في أحوالهم ومعايشهم ومعاملاتهم، ويكفي هذا الاقتناع المؤمن دون إطالة الجدل بشأن علل اجتهادية قد تقصر عن الوصول إلى درجة الاقتناع والإقناع.

إن الذهب والفضة بوصفهما  نقدان دون سواهما أمر له سند شرعي واقتصادي وتاريخي، فمن حيث الناحية الشرعية فإن أحكام الشريعة كلها متعلقة بالنقدين ــ الذهب والفضة ــ ومن الناحية الاقتصادية فإن علماء الاقتصاد يعدّون الذهب والفضة أكثر المعادن ثباتاً للقيمة.

وأما من الناحية التاريخية، فإن الإسلام أقر التعامل بالذهب والفضة، وإن أباح استعمال غيرهما كوسيط عام للتبادل، فاستعمال الخبز أو الجلود كوسيط للتبادل لا يعدّه الإسلام نقداً وله حكم النقدين, فكون الذهب والفضة وحدهما نقداً لا يعني أنه لا يجوز التبادل بغيرهما, فموضوع النقد غير موضوع التبادل([21]).

ثالثاً: العملة الورقية الإلزامية:

وهي أكثر أنواع النقود انتشاراً في الوقت الحاضر، وليس لهذه العملات من قيمة ذاتية أكثر من ثمن الورق والنقوش التي تطبع بها، وقد أصبحت العملات الورقية الحكومية في جميع بلدان العالم غير قابلة للتحويل أو الصرف بالذهب أو غيره من السلع، وتعتمد في رواجها على قوة القانون الذي يدعمها([22])، وإن قيمتها غير ثابتة؛ وذلك لأنها ليس لها قيمة ذاتية وميدان التعامل بها ضيق، فلا سبيل للانتفاع بها إلا في أرض الدولة التي صدرت فيها، وإن قيمتها كثيرة التقلب؛ لأن الحكومات في وسعها أن تزيد من كميتها ما شاءت([23]).

وقد تبين صعوبة المحافظة على مثل هذه التغطية الذهبية الكاملة للنقود الورقية المتداولة في المدى الطويل، فاحتياجات الأسواق وكثرة المبادلات تتطلب زيادة مستمرة وملموسة في كمية العملات المتداولة، بينما لا ينمو رصيد الذهب سنوياً إلا بمعدلات ضئيلة بفعل القيود الطبيعية.

إن التطور الحتمي في تاريخ النقود أدى إلى اتجاه هيئة الإصدار نحو إنقاص احتياطي الذهب لديها حتى أنه لا يمثل إلا جزءاً يسيرا من قيمة النقود الورقية المتداولة.

إن العملات الورقية أصبحت رمزية حقا في هذهِ الحقبة، بمعنى أن قيمتها السلعية في حد ذاتها لا تساوي شيئا، كما أنها لا تعد قابلة للتحويل إلى معدن نفيس، وتعتمد قيمتها النقدية كلياً على ما تحدده لها هيئة الإصدار. فالوضع القانوني للعملات التي تصدرها الدولة يعطيها حقا وقوة قانونية في تسوية المعاملات وإبراء الديون ولكنه لا يكفل لها بأي حال من الأحوال القبول العام لها من جهة الأفراد الخاصة في حالات انهيار الثقة بها.

وتعتبر العملة الورقية متقومة بالجهة الاعتبارية الصرفة، وذلك بأن تقرر الدولة بأن كل ورقة تحمل ذلك النقش والألوان والتقاطيع المخصوصة بها فإنها بمقدار كذا من المال. وهذه العملة الورقية لا تتعدى حدود البلد الذي يخضع للقانون الذي قضى بجعلها عملة رئيسية. وليس لهذه العملة الورقية قيمة سلعية، ولكن لها قيمة قانونية. إذ هي تستمد قيمتها من إرادة المشرع الذي فرض تداولها، فلو ألغى التعامل بها لأصبحت عديمة الفائدة. وإن العملات الورقية في هذا اليوم من هذا القبيل فلا يتحقق فيها ربا المعاملة البيعية([24])، لأن الربا في المعاملة البيعية إنما يكون إذا اتحد جنس العوضين وكانا من المكيل والموزون. أما العملة الورقية فهي من المعدودات. ولا يجري عليها أحكام الصرف. نعم إنما يتحقق الربا في العملة الورقية في القرض فقط حيث لم يشترط فيه ذلك. فلو باع شخص خمسة دنانير بستة دنانير لمدة ثلاثة أشهر مثلاً صحت المعاملة. بخلاف ما لو أقرضه خمسة دنانير بستة دنانير لمدة ثلاثة أشهر، فإن المعاملة ربوية وتكون باطلة لأنها وقعت بنحو القرض لا البيع.

وقد التبس على بعض النفر بين المعاملة القرضية والمعاملة البيعية([25]). فاتهم القائلين بصحة المعاملة البيعية في العملة الورقية بجواز أخذ الزيادة في العملة الورقية عند المعاملة القرضية. مع أن الإجماع قائم أن المعاملة القرضية باطلة ويقع الربا فيها.

وإن النقود إذا كانت من الذهب أو الفضة أو معتمدة على الذهب أو الفضة فيقع فيها ربا البيع وأحكام الصرف. وإن العملات الورقية التي يكون أساسها الاعتبار القانوني فهي من المعدودات فلا يقع فيها ربا البيع وأحكام الصرف.

رابعاً: الفرق بين النقدين – الذهب والفضّة – والعملة الورقيّة:

  1. لكل دولة عملة ورقية خاصة كالدينار والجنيه والليرة والدرهم والدولار واليورو وغيرها من العملات الورقية قابلة للدفع بين مؤسسات تلك الدولة, سواء كانت مصارف أم مؤسسات انتاجية أم استثمارية أم أفراد, وإنّ العملة الورقية تعمل في السوق الداخلية في شكل معيّن من العملة.

أما النقدان الذهب والفضة فهما معدنان عامان يصلحان أن يكونا نقداً عالمياً.

  1. كثيرٌ ما تنخفض قيمة العملة الورقية في الأزمات الاقتصادية ولم تصمدْ طويلاً فتقل قوتها الشرائيّة، بينما يبقى النقدان الذهب والفضّة لا يتأثران بالأزمات الاقتصاديّة إلا بنسبة لا تعد تحسب لها حساب.

خامساً: الغرض من وقف العملة الورقيّة:

أولاً: توقف العملة الورقية لغرض اقراض المحتاجين أو اقراض من يريد الزواج أو إقامة مشروع خيري وغيرها بحيث يستقرض الواحد من هؤلاء أو نحوهم ممن عيّنه الواقف فيسد حاجته ثم يعيد ما استقرضه إلى ناظر الوقف أو إلى جهة ناظر الوقف إن كان ذا إدارة.

ولاشك إن هذا غرض مهم ومطلب شرعي، وهو أمر تدعو إليه حاجة المجتمع ولا سيما في هذا الزمان الذي قلّ فيه المقرضون وأصبح جلّ القروض في هذا العصر قروضاً بفوائد, سواء عن طريق المؤسسات المالية الربوية أو حتى الأفراد.

ولا يخفى ما يترتب على القرض الحسن من أجر عظيم وأثر حميد في المجتمع.

ثانياً: وقف العملة الورقية لاستثمارها وصرف أرباحها على المحتاجين من طلاب العلم والفقراء والمساكين ومساعدة المتزوجين وجهات البر العامة كوقفها للمضاربة بها وتوزيع أرباحها على جهة الوقف.

سادساً: صور وقف العملة الورقية:

  1. وقفها على هيئة ودائع في بنوك إسلامية لغرض إقراضها لمن يعيّنهم الواقف, وتوضع في حساب جارٍ لدى بنك أو مصرف إسلامي، ويقرض منها من يعيّنهم في وثيقة هذا الوقف, كمن يريد الزواج أو إنشاء مشروع خيري أو من يتعرض لجائحة، سواء أكان الواقف فرداً واحداً أو عدة أشخاص اتفقوا على تكوين هذا المبلغ من العملة الورقية وقفاً.
  2. وقف العملة الورقية على هيئة تكون صناديق وقفية للإقراض الحسِن بحيث يدعى الى الاسهام في وقف العملة الورقية توضع في صندوق تكون له إدارة تتولى الاقراض من هذا الصندوق لمن يعيّنه الواقفون في وثيقة هذا الوقف.
  3. وقف العملة الوقفية في صناديق استثمارية تقوم على فكرة المضاربة، بحيث تستثمر هذه العملة الورقية الموقوفة عن طريق المضاربة او غيرها، ويوزع الربح على الجهات الموقوف عليها هذا الوقف.

 

 

المبحث الثاني

الأدلة على صحة وقف العملة الورقية

ذهب بعض فقهاء المسلمين إلى الحكم بجواز وقف العملة الورقية, منهم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي والسيد محمد الحسيني الشيرازي والشيخ جعفر السبحاني والشيخ يوسف الصانعي.([26])

وليس هناك دليل نقلي أو نص صريح بالمنع من وقف العملة الورقية ولا بصحة وقفها؛ وذلك لأنها من المسائل المستحدثة والأصل أن كل مال متقوم منقول مثلي يجوز وقفه، وذلك لدخول العملة الورقية في عموم الأدلة الدالة على جواز الوقف، ولا مخرج لها من الكتاب الكريم أو السنّة المطهّرة فبقيت داخلة تحت العموم.

كما أن العملة الورقية من المنقولات التي يوجد غرض الوقف منها وهو انتفاع الموقوف عليهم بها في الدنيا، وحصول الأجر والثواب للواقف في الآخرة.

يمكن أن نوقف المالية مع تبديل العين الموقوفة مواكبة للنشاط الاقتصادي العصري التي تقوم به السوق المالية.

إن التمسك بإطلاق روايات الصدقة الجارية,([27]) وذلك إن الصدقة ليس مصداقها هو انحباس العين وتوقيفها عن البيع, بل هنالك مصداق آخر للصدقة الجارية وهو مالية الشيء التي يمكن تجسيدها ضمن أعيان مختلفة متعاقبة, وحينئذ يكون قوام الجريان بالتحبيس ولكن المحبوس قد يكون عيناً وقد يكون المالية.

وهذا البيان لوقف المالية لا يعارضه ما ورد من تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة, حيث إن وقف المالية أيضاً تحبيس لها, وقرضها أو المضاربة بها مع كون النفع للمحتاجين هو نوع تسبيل للمنفعة المرتجاة من المالية, قال صاحب العروة الوثقى: بصحة وقف مالية العين, فهو وإن لم يكن من الوقف المصطلح إلا إنه قد يشمله (أوفوا بالعقود) و(المؤمنون عند شروطهم), فقال: (إذا وقف مالية عين أبدا, يمكن أن يُقال: إنه وإن لم يكن من الوقف المصطلح إلا إن مقتضى العمومات العامة صحته, ونمنع حصر المعاملات في المتداولات, بل الأقوى صحة كل معاملة عقلائية لم يمنع عنها الشارع, ولا مانع من وقف العين بلحاظ ماليتها)([28]).

فالعملة الورقية يمكن للمالك أن يوقف ماليتها, فيتمكن أن يقرضها ثم ترجع ويقرضها مرة أخرى, كما يمكن أن يجعلها مضاربة لينتفع من ربحها من وقفها.

وقد صحح السيد الحائري في فقه العقود وقف مالية العين إذ قال: (يمكن التعدي من الوقف الذي هو تحبيس لعين خاصة إلى تمليك المالية التي يمكن تبديل تجسّدها من عين إلى عين أخرى فراراً من مشكلة حرمة تبديل العين الموقوفة, فيجوز للمتولي البيع والتبديل بما يراه صالحاً في أي وقت أراد, وذلك تمسكاً بإطلاق روايات الصدقة الجارية)([29]), وذلك إن التسبيل والجريان ليس مصداقه الوحيد عبارة عن انحباس العين وتوقيفها عن البيع وهو المصداق الرائج في زمن صدور النص, بل له مصداق آخر أيضاً وهو أن يكون المحبوس على المشروع الخيري مالية الشيء التي يمكن تجسيدها ضمن أعيان مختلفة متعاقبة, لا فرداً معيناً كي يصبح وقفاً لا يجوز تبديله, فقوام الجريان إنما هو بالتحبيس وليس بكون المحبوس فرداً معيناً من العين.

نعم، ادّعى بعض الفقهاء على منع وقف العملة الورقية بدعوى منع وقف الدراهم والدنانير أصلاً، وقالوا إن كل ما جرى على النقدين من الذهب والفضة من احكام يجري على العملة الورقية؛ لأن حكم البدل حكم المبدل عنه.

وهذه دعوى غير صحيحة وذلك أن العملة الورقية جنس يختلف اختلافاً كلّياً عن النقدين الذهب والفضة، فليس لها إلاّ قيمة اعتبارية خلاف النقدين الذهب والفضة اللذان قيمتهما ذاتية. فلا يمكن للحكومة أو السلطان اسقاط قيمة النقدين الذهب والفضة ولا يعتبر أمرهما لأنهما خلقت للثمنية، أما قيمة العملة الورقية يمكن للحكومة أو السلطان اسقاطها وتصبح أوراق عادية لا قيمة لها.

فلا يمكن أن تنزل العملة الورقية في الأحكام منزلة النقدين الذهب والفضة فليس هي بدل عن النقدين الذهب والفضة فتأخذ أحكام المبدل عنه، إنما هما جنسان مختلفان كما أوضحنا.

ومن المعلوم إن الوقف لا يصح إلا على متموّل, والعملة الورقية قيمتها في الاعتبار فيقع الوقف على ماليتها لا على أوراقها, فإنها هي عنوان وحاكية عن المالية الاعتبارية.

أولاً: الاعتراضات على وقف العملة الورقية:

إن أهم اشكالية في وقفِ العملةِ الورقيةِ يعودُ إلى اشتراطِ بقاءِ العين الموقوفَة وذلك للانتِفاعِ بها, وشرط العين الموقوفة التأبيد, والوقف هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.

وفي العملة الورقية بالوقف تذهب العين لأن الانتفاع بها متوقف على ذهابها.

ويمكن الجواب عن هذه الإشكالية: إن الوقف لم يقع على عين العملة الورقية فقد أوضحنا إنها لا قيمة لها فهي عبارة عن ورقة ذات نقوش وعبارات فقط فإذا اسقطتها الحكومة أو السلطان أصبحت عديمة الفائدة، وإنما قيمتها المالية اعتبارية، أي تعتمد على قوة الدولة واقتصادها.

والوقف يقع على مالية العملة الورقية لا على عين العملة الورقية، والأحكام الشرعية اعتبارية وعامل الاعتبار مؤنته واسعة وسهلة يمكن أن يقع الوقف على مالية العملة الورقية. ثم عدم اعتبار شرط كون الأصل في العين الموقوفة عيناً خارجية جزئية مادّية حقيقية, كالعقار والبستان ونحو ذلك, فلم يثبت بدليل معتبر, فهوية الوقف ونصوصه الأصلية لا تنافي جعل المالية أصلاً موقوفاً في مجال النقود.

ولو سلمنا أن الوقف يقع على عين العملة الورقية لا على ماليتها فيمكن أن نقول: بما أنها من المثليات يمكن رد مثلها، وارجاع المثل يحكم عليه عرفاً ببقاء العين، لما حكم الفقهاء بأن رد المثل والبدل بمنزلة بقاء العين، ومعلوم أن العملة الورقية لا تتعين بالتعيين.

قال ابن عقيل من الحنابلة: (الوقف مؤبّد، فإذا لم يكن تأبيده على وجه تخصيصه – أي بعين معنية – استبقينا الغرض، وهو الانتفاع على الدوام على عين أخرى، واتصال الابدال جرى مجرى الأعيان، وجمودنا على العين مع تعطلها تضييع للغرض([30]).

وذكر فقهاء الشافعية أن الوقف لا ينتهي بتلف المنقول وإنما يستبدل به غيره، ويحل هذا البدل محل المنقول عند بدو انتهائه([31]).

وأكد فقهاء المالكية بصحة الموقوف المنقول وعدم اشتراط أن يكون صالحاً للبقاء الدائم الذي لا يتغير، على هذا صححوا وقف الدراهم والدنانير والطعام ويعطى الموقوف عليهم من هذه الأشياء سلفاً، وحينئذ ينزل بدله منزلة بقاء عينه، فمدار الجواز هو المنفعة المتحصلة من الوقف([32]).

ثانياً: المؤيدات في وقف العملة الورقية:

  1. إن المعاملات عرفية والعبادات شرعية، وبما أن العرف لا يرى بأس بوقف العملة الورقية وقد جرى التعامل في عرف الناس فلا بأس بوقفها، وذلك لأن بعض الفقهاء قالوا بصحة الوقف فيما جرى العرف بوقفه([33]). قال صاحب جامع المقاصد: (إنهما –النقدان- إن كان لهما منفعة في نظر الشارع والعرف صحّ وقفهما وإلاّ فلا)([34]), لمّا روي (ما رآه المسلمون حسن فهو عند الله حسن)([35]).
  2. إذا كان فقهاء القدامى نوع عذر في ترددهم في صحة وقف النقدين الذهب والفضة حيث أن صور فرص استثمارهما وكذلك المنافع المتوقعة من وقفها كانت محدودة, ولكن في عصرنا الحاضر وبعد أن طرأت تطورات هائلة على جميع مناحي الحياة من العملة الورقية وطرق استثمار الأموال وكذلك إدارة الاوقاف والخدمات والمنافع التي يمكن أن تقدمها الاوقاف من وقف العملة الورقية بعد كل ذلك لم يعد القول بصحة وقف العملة الورقية سائغاً ومقبولاً فحسب؛ بل أصبح حاجة ماسّة لابد من تلبيتها وبخاصة الأوقاف الجماعية التي يمكن أن تقوم بتنفيذ مشاريع خيرية كبيرة قلما يستطيع فرد واحد القيام بها.

وقد صدرت فتوى المجمع الاسلامي بجدة بجواز وقف العملة الورقية في دورته الخامسة عشرة، والمنعقدة في مسقط سلطنة عمان عام 1425هـ، ضمن قرار (140)/6/15 وفيما يلي طرف من نصّه:

  1. (وقف النقود جائز شرعاً؛ لأن المقصد الشرعي من الوقف هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة متحققا فيها؛ ولأن النقود لا تتعين بالتعيين وإنما تقوم أبدالها مقامها.
  2. يجوز وقف النقود للقرض الحسن وللاستثمار بطريق مباشر أو بمشاركة عدد من الواقفين في صندوق واحد، أو عن طريق إصدار أسهم نقدية تشجيعا على الوقف على المشاركة الجماعية فيها).
  3. إنّ الوقف من عقود التبرعات قائمة على أساس المساواة بين أفراد الأمة، فيه مساعفة المعوزين كما في وقف العملة الورقية ضمان بقاء المال ودوام الانتفاع به والاستفادة منه مدة طويلة, وذلك باستثماره وصرف ريعه في أوجه البر والخير.
  4. إن وقف العملة الورقية تساهم وتساعد في تطوير ودعم عجلة الاقتصاد والتعليم في الدول الإسلامية.
  5. إن وقف العملة الورقية يقوم على مبدأ المشاركة الجماعية أو الوقف الجماعي وذلك من أجل إقامة صندوق وقفي؛ لأنه يقوم على توفير الموارد المالية الوقفية الضخمة, يقوم على تمويل وتسهيل اقامة المشروعات الاقتصادية الضخمة والتعليمية، لذا يعتبر الوقف النقدي الجماعي أكثر ملائمة وأهمية في وقتنا الحاضر من الوقف الفردي.
  6. دور وقف العملة الورقية في مجال القرض الحسن, وذلك بإنشاء صندوق خاص لوقف العملة الورقية وقرضها, حيث تقوم مؤسسة بإنشاء الصندوق يسد حاجات ورغبات المحتاجين, ثم إعادة القرض بعد أن تتيسر الأمور كي يستفيد غيره.
  7. يتحقق في وقف العملة الورقية مقصود الشارع ومصلحة الواقف والموقوف عليه، فيتحقق مقصود الشارع بوقف مال يستثمر مع بقائه ويصرف ربحه في أعمال البر. ومصلحة الواقف يفتح باب من أبواب الوقف المتيسر له إذ ليس كل ما يملك عينا يمكن وقفها, وقد لا يستطيع شراء عقار ونحوه ليوقفه. وهكذا تتحقق مصلحة الموقوف عليهم بفتح باب من أبواب الانفاق المستمر، والعين الجارية عليهم، وهو ربح أو ريع العملة الورقية المستثمرة بوجه من وجوه الاستثمار المباحة الممكنة كالمضاربة وغيرها.
  8. إن القول بجواز وقف العملة الورقية يفتح الباب أمام أصحاب أموال القليلة لإيقاف ما يقدرون عليه من العملة الورقية عن طريق فتح باب المساهمة ولو بالقليل في مشروع وقف العملة الورقية لإقراض هذه العملة الورقية للمحتاج بعد أخذ الاحتياطات لردّه أو لاستثماره في المضاربة وغيرها، وتوزيع الربح على جهة الوقف.

وعلى هذا فوقف العملة الورقية متاح للناس بدرجة أكبر من غيره, فجماهير الناس تملك ثروات أو دخولا نقدية بغض النظر عن قلتها أو كثرتها، بينما الكثير منهم لا يمتلك أراض وعقارات.([36])

  1. إن الوقف المشترك أو الوقف الجماعي أكثر قابلية من غيره للقيام بالوقف من الوقف الفردي وهو أكثر ملائمة، كما أنه أكثر أهمية منه لعظم ما يوفره من موارد وأموال وقفية تمكن من إقامة المشروعات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة.
  2. إن وقف العملة الورقية لغرض استثماره، وتوزيع أرباحه على الموقوف عليهم، ينشط الحركة الاقتصادية في البلد، ويشغل ثلّة من أفراد المجتمع، ويسد حاجة كثير من المحتاجين، ويكون رافداً من روافد مؤسساته العلمية والاجتماعية والصحية.

 

 

المبحث الثالث

استثمار العملة الورقية الموقوفة في عقد الصرف

إن عقد الصرف من العقود المشروعة؛ لأنه نوع من أنواع البيوع، وهو بيع النقد بالنقد من جنسه أي من غير جنسه أو بيع نقد الذهب بالفضة أو بالعكس ويشترط فيه التقايض قبل افتراق المتعاقدين، والتماثل في القدر عند اتحاد الجنس، وخلو العقد عن الخيار الشرط، وعن التأجيل.

أما عقد الصرف في يومنا الحاضر فهو يعقد في العملة الورقية وهو مبادلة عملة ورقية وطنية بعملة أجنبية.

وقد يعترض على عقد الصرف في العملة الورقية بالمحذور الشرعي وهو مخالفة الوقوع في بيوع محرمة ربوية؛ لأن عقد الصرف أقرب البيوع إلى الربا وله شروط خاصة وأي إخلال بأي شرط من شروطه يخرجه من دائرة الجواز.

ويمكن الجواب بأن عقد الصرف من أحكام النقدين الذهب والفضة المسكوكين بسكة المعاملة دون غيرهما والعملة الورقية ليست بدلاً للذهب والفضة وإنما ماليتها اعتبارية وليست ذاتية, فلا تنطوي تحت أحكام عقد الصرف فيجوز بيع عملة ورقية وطنية عراقية بعملة ورقية وطنية كويتية من دون تقابض, وتعتبر العملات الورقية للدول أجناس مختلفة فلو أوقف الواقف العملة الورقية في استثمارها بعقد الصرف ونصّ على ذلك أو لم ينص على وسيلة الاستثمار أو جعل ذلك إلى الناظر ورأى الناظر المصلحة في استثمارها في الصرف، فإنه في هذه الأحوال يجوز استثمارها من دون مراعاة لأحكام الصرف.

 

 

المبحث الرابع

تغيير قيمة العملة الورقية الموقوفة

برزت بعض القضايا على الساحة الاقتصادية على المستوى الاقليمي والعالمي والتي تؤثر بالعملة الورقية تأثيراً مباشراً، ومن جملتها التضخم وتغير قيمة العملة الورقية، مما استدعى الكثير من الهيئات الشرعية لتدارس هذه الاشكالية وأثرها على وقف العملة الورقية.

ومن المعلوم أن تغير العملة الورقية من بلد إلى بلد تختلف ارتفاعاً وانخفاضاً لاعتبارات متعددة، ولا شك أن لتغير قيمة العملة الورقية أسباب متعددة أبرزها تخلي العالم عن قاعدة الذهب والفضة والتوسع في إصدار العملة الورقية وغيرهما من الأسباب.

مثاله: إن قيمة الدينار عبارة عن كمية السلع والخدمات التي يمكن شراءها بالدينار – أي القوة الشرائية للدينار – على أنه لما كانت مقدرة بالدينار في المبادلة بسائر السلع والخدمات تزيد إذا انخفضت الاسعار وتقل إذا ما ارتفعت الاسعار.

فإن من الواضح وجود ارتباط عكسي بين قيمة العملة الورقية ومستوى الأسعار. بل أن قيمة العملة الورقية ليست في الواقع سوى مقلوب مستوى الأسعار، فإذا ارتفع مستوى الأسعار إلى الضعف كان معنى هذا انخفاض العملة الورقية إلى النصف([37]).

ويذكر الاقتصاديون بعض المشاكل الاقتصادية المترتبة على هذا التغيير في قيمة الاسعار ومنها ظاهرة التضخم (inflation). والتضخم هو عبارة عن عملية ارتفاع مستوى الاسعار بصورة متواصلة مما يؤدي إلى خسارة العملة الورقية لقوتها الشرائية، فالتضخم يعكس العلاقة العكسية بين المؤشرين المتغيرين وهما الاسعار والقوة الشرائية للعملة الورقية([38]).

ويعتبر الغلاء من الظواهر الاقتصادية العامة التي يشكو منها أغلب المواطنين فبالرغم من الزيادات التي يحصلون عليها في دخولهم من العملة الورقية مازالوا عاجزين عن الحصول على نفس الكميات التي كانوا يشترونها سابقا بالعملة الورقية قليلة.

 

 

الخاتمة

إن مفهوم تغير العملة الورقية هو عبارة عن تغير القوة الشرائية لها، وتتحدد بتغير الاسعار للسلع والخدمات ارتفاعاً وانخفاضاً، وغالباً كلام الفقهاء المتقدمين عن النقود المتخذة من الذهب والفضة – الدراهم والدنانير – لا نستطيع قياس كل ما قالوه في هذه المسألة بالذات على العملة الورقية؛ لأن كلامهم عن دنانير الذهب ودراهم الفضة يستند في عيار قيمتها إلى خلقة ذاتية، فإذا رخصت او غلت فإنما ترخص وتغلى لذاتها من الذهب والفضة، ولكن العملة الورقية لا تستند إلى عيار الذهب حتى تقاس به في الرخص والغلاء وإنما هي مرتبطة إلى حد كبير بالسلع.

ولهذا فقد اختلف الفقهاء المعاصرون في بيان الحكم الشرعي عند غلاء العملة الورقية أو رخصها من حيث قوتها الشرائية في الالتزامات المالية كالديون وغيرها.

لذا نبحث أثر تغير العملة الورقية الموقوفة, والأصل عند الفقهاء في الالتزامات المالية هي ارجاع المثل في العملة الورقية لأنها من المثليات.

نعم، إذا كان تغيراً فاحشاً بحيث كان انخفاض القوة الشرائية للعملة الورقية كبيراً،([39]) فهنا يجب اثبات قيمة العملة الورقية يوم الأداء, وإلاّ فالواجب المثل والصلح خيراً.

ولا مانع من الاحتياط عند وقف العملة الورقية بتحديد الدين بقيمة العملة الورقية بالذهب, أي ربط الديون الآجلة بالعملة الورقية الموقوفة بالذهب, بأن يكون القرض عبارة أصلاً بقيمة العملة الورقية الموقوفة ذهباً، ويرجع بمقداره من العملة الورقية بقيمة الذهب الذي استلمه, والله العالم.

والحمد لله أولاً وآخراً.

 

 

المصادر

القرآن الكريم.

  1. الأحكام السلطانية للقاضي، أبو يعلى محمد بن الحسين الحنبلي الفراء، صححه وعلق عليه محمد حامد الفقي، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، 1357هـ.
  2. الأحكام السلطانية والولايات الدينية، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي الماوردي, ط1، مكتبة مصطفى الحلبي وأولاده، مصر، 1380هـ-1960م.
  3. أحكام النقود في الشريعة الإسلامية، محمد سلامة جبر، كويت.
  4. إحياء علوم الدين، أبو حامد, محمد بن محمد، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت.
  5. أساس البلاغة، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري, دار ومطابع الشع, القاهرة, 1960م.
  6. الأشباه والنظائر, جلال الدين السيوطي.
  7. الأصول الفكرية للثقافة الإسلامية, محمود الخالدي، ط1، دار الفكر، عمان، 1404هـ-1984م.
  8. أعلام الموقعين، ابن قيم الجوزية، مطبعة المنيرية.
  9. الأعمال المصرفية في الإسلام، مصطفى عبد الله الهمشري، القاهرة، 1973م.
  10. اقتصاديات النقود في إطار الفكر الإسلامي، الدكتور أبو بكر عمر متولي والدكتور إسماعيل شحاتة، ط1، دار التوفيق النموذجية، 1403هـ-1983م.
  11. الأموال، ابن سلام أبو عبيد القاسم، صححه محمد حامد الفقي، المكتبة التجارية الكبرى، مطبعة عبد اللطيف الحجازي، القاهرة، 1353هـ.
  12. الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي،  الدكتور أحمد حسن، ط1، دار الفكر، دمشق، 1422هـ -2002م.
  13. بحوث فقهية للشيخ حسين الحلي، السيد عز الدين بحر العلوم، مطبعة الآداب، النجف، 1964.
  14. تفسير النسفي، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت.
  15. تفسير غريب القرآن, النيسابوري.
  16. الدر المختار، محمد أمين الشهير بابن عابدين الحصفكي, نشر  دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع, بيروت, 1415هـ-1995م.
  17. دراسات في الفقه الإسلامي المعاصر, حيدر حب الله, الجزء الأول,  ط1, 1432هـ-2011م.
  18. شذور العقود في ذكر النقود، تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر الشافعي، نشر المكتبة الرضوية، المطبعة الحيدرية، النجف.
  19. الشرح الكبير على المقنع, عبد الرحمن بن قدامه, طبعة جديدة بالأوفسيت, نشر دار الكتاب العربي للنشر والتوزيع, بيروت.
  20. العروة الوثقى, السيد كاظم اليزدي, تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي, ط1, قم, 1417هـ.
  21. فتح القدير, محمد بن علي الشوكاني الصنعاني, مطبعة عالم الكتب.
  22. فتوح البلدان، أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي البلاذري، شركة طبع الكتب العربية، طبع شركة المصرية للطباعة، مصر، 1318هـ.
  23. فقه العقود, السيد كاظم الحائري.
  24. الفقه, محمد الحسيني الشيرازي, ط1, مؤسسة الوعي الإسلامي, 1420هـ, 2000م.
  25. في القضاء والاقتصاد والاجتماع, أبو الفتوح علي باشا.
  26. مجلة الأزهر, الشيخ علي كاشف الغطاء ، الجزء الأول، السنة (37) القاهرة، المحرم سنة 1385هـ- 1965م.
  27. المسائل المستحدثة, السيد محمد صادق الروحاني، طبعة1، مؤسسة دار الفكر، 1384هـ.
  28. المسائل المنتخبة, السيد أبو القاسم الخوئي، الطبعة9، مطبعة الآداب، النجف، 1394هـ.
  29. مغني المحتاج، الخطيب الشربيني, نشر دار إحياء التراث العربي, بيروت, 1377هـ, 1958م.
  30. المغني, ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد, ط2، مطبعة المنار، مصر.
  31. مفتاح الكرامة, السيد محمد جواد بن محمد الحسيني العاملي, تحقيق محمد باقر الخالصي, ط1, مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي, قم, 1419هـ.
  32. المفردات في غريب القرآن، أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الاصفهاني، ط2, دفتر نشر الكتاب, 1404هـ.
  33. المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الدكتور جواد علي، ط2، دار العلم للملايين، بيروت، الناشر مكتبة النهضة، بغداد، 1978م.
  34. مقدمة ابن خلدون، ابن خلدون, عبد الرحمن المغربي، ط2، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر، بيروت، 1961م.
  35. مقدمة في النقود والبنوك، الدكتور محمد زكي شافعي.
  36. منهاج الصالحين, السيد محمود الهاشمي الشاهرودي, ط7, نشر مؤسسة الفقه ومعارف أهل البيت d, 1434هـ-2013م.
  37. منهاج الصالحين، السيد محسن الحكيم، ط9،  مطبعة النجف، 1387هـ.
  38. المهذب، الشيرازي
  39. النظام الاقتصادي في الإسلام، تقي الدين النبهاني ، ط2، 1372هـ-1953م.
  40. النقد ووظائفه في المذهب الاقتصادي الإسلامي, ابراهيم عبد المنعم إبراهيم زغاوة, أطروحة ماجستير, كلية الشريعة, جامعة بغداد, 1410هـ-1989م.
  41. النقود الإسلامية، محمد علي بحر العلوم، ط5، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف، 1387هـ-1967م،
  42. النقود والائتمان، الدكتور محمد فهمي لهيطة والدكتور محمد حمزة عليش.
  43. النقود والمكاييل والموازين، محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي المناوي، تحقيق الدكتور رجاء محمود السامرائي، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، سلسلة كتب التراث (107)، 1981م.
  44. وسائل الشيعة, محمد بن الحسن الحر العاملي, تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث, ط2, مطبعة مهر, قم, 1414هـ.
  45. الوقف النقدي مدخل التفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرة، الدكتور شوقي دينا، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الاسلامي، العدد (11).

 

 

محتويات البحث

المقدمة 2

تعريف العملة الورقية: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.

صفات العملة الورقية: خطأ! الإشارة المرجعية غير معرّفة.

المبحث الأول- 3

تعريف العملة الورقية 3

أولاً: صفات العملة الورقية: 3

ثانياً: تعريف النقدان (الذهب والفضة): 5

أ. النقـد لغـة: 5

ب. النقد في إصلاح الفقهاء: 6

ثالثاً: العملة الورقية الإلزامية: 12

رابعاً: الفرق بين النقدين – الذهب والفضّة – والعملة الورقيّة: 15

خامساً: الغرض من وقف العملة الورقيّة: 15

سادساً: صور وقف العملة الورقية: 16

المبحث الثاني- 18

الأدلة على صحة وقف العملة الورقية 18

أولاً: الاعتراضات على وقف العملة الورقية: 21

ثانياً: المؤيدات في وقف العملة الورقية: 23

المبحث الثالث- 28

استثمار العملة الورقية الموقوفة في عقد الصرف- 28

المبحث الرابع- 30

تغيير قيمة العملة الورقية الموقوفة 30

الخاتمة 32

المصادر 34

محتويات البحث- 40

 

 


([1]) د. أحمد حسن، الأوراق النقدية في الاقتصاد الإسلامي، الطبعة الأولى، دار الفكر، دمشق، 1422هـ -2002م.

([2]) الزمخشري. أبو القاسم محمود بن عمر، أساس البلاغة، مصدر سابق، ج2, ص309.

([3]) بحر العلوم. السيد محمد السيد علي، النقود الإسلامية، الطبعة الخامسة، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف، 1387هـ-1967م، ص44.

([4]) الفراء. أبو يعلى محمد بن الحسين الحنبلي، الأحكام السلطانية للقاضي، صححه وعلق عليه محمد حامد الفقي، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر، 1357هـ، ص165.

([5]) الراغب الاصفهاني. أبو القاسم الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، مصدر سابق، ص181.

([6]) ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد (ت:630هـ), المغني, الطبعة الثانية، مطبعة المنار، مصر، ج2، ص121.

([7]) أبو حامد, محمد بن محمد (ت: 505هـ)، إحياء علوم الدين، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، ج2, ص92.

([8]) ابن خلدون. عبد الرحمن المغربي، مقدمة ابن خلدون، الطبعة الثانية، مكتبة المدرسة ودار الكتاب اللبناني للطباعة والنشر، بيروت، 1961م، ج1, ص465.

([9]) أي النقود: كمقياس للقيم.

([10]) أي النقود: كأداة لاختزان القيم.

([11]) أي النقود: كوسيط في التبادل.

([12]) أي النقود: كأصل كامل للسيولة .

([13]) أي تغيير أسعارها .

([14]) النيسابوري، تفسير غريب القرآن، ج2، ص162.

([15]) تقي الدين أبو العباس أحمد بن علي بن عبد القادر الشافعي (ت: 845هـ)، شذور العقود في ذكر النقود، الناشر المكتبة الرضوية، المطبعة الحيدرية، النجف، ص67.

([16]) د. متولي. أبو بكر عمر والدكتور إسماعيل شحاتة، اقتصاديات النقود في إطار الفكر الإسلامي، الطبعة الأولى، دار التوفيق النموذجية، 1403هـ-1983م، ص64.

([17]) البلاذري. أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي، فتوح البلدان، شركة طبع الكتب العربية، طبع شركة المصرية للطباعة، مصر، 1318هـ، ص476؛ أيضاً: د. جواد علي، المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، الطبعة الثانية، دار العلم للملايين، بيروت، الناشر مكتبة النهضة، بغداد، 1978م، ج7, ص497.

([18])  النسفي. أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، تفسير النسفي، الناشر دار الكتاب العربي، بيروت، ج2, ص125 .

([19]) ابن سلام. أبو عبيد القاسم (ت: 224هـ)، الأموال، صححه محمد حامد الفقي، المكتبة التجارية الكبرى، مطبعة عبد اللطيف الحجازي، القاهرة، 1353هـ، ص524؛ أيضاً: الماوردي. أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب البصري البغدادي (ت: 450هـ)، الأحكام السلطانية والولايات الدينية، الطبعة الأولى، مكتبة مصطفى الحلبي وأولاده، مصر، 1380هـ-1960م، ص120؛ أيضاً: المناوي. محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي (ت: 1031هـ)، النقود والمكاييل والموازين، تحقيق الدكتور رجاء محمود السامرائي، منشورات وزارة الثقافة والإعلام، الجمهورية العراقية، سلسلة كتب التراث (107)، 1981م، ص125؛ أيضاً: محمد سلامة جبر، أحكام النقود في الشريعة الإسلامية، كويت، ص20.

([20])ابن قيم الجوزية، أعلام الموقعين، مطبعة المنيرية، ج2، ص101.

([21]) النبهاني. تقي الدين، النظام الاقتصادي في الإسلام، الطبعة الثالثة، 1372هـ-1953م، ص218؛ أيضاً: الخالدي. محمود، الأصول الفكرية للثقافة الإسلامية، الطبعة الأولى، دار الفكر، عمان، 1404هـ-1984م، ج3، ص247.

([22]) د. لهيطة. محمد فهمي والدكتور محمد حمزة عليش، النقود والائتمان، مصدر سابق، ص94.

([23]) أبو الفتوح. علي باشا، في القضاء والاقتصاد والاجتماع، مصدر سابق، ص172.

([24]) الحكيم. السيد محسن، منهاج الصالحين، الطبعة التاسعة،  مطبعة النجف، 1387، ج2، ص52؛ أيضاً: الخوئي. السيد أبو القاسم، المسائل المنتخبة، الطبعة التاسعة، مطبعة الآداب، النجف، 1394هـ، ص210؛ كاشف الغطاء. الشيخ علي، مجلة الأزهر، الجزء الأول، السنة (37) القاهرة، المحرم ستة 1385هـ- مايو 1965م، ص109؛ أيضاً: الروحاني. السيد محمد صادق، المسائل المستحدثة، الطبعة الأولى، مؤسسة دار الفكر، 1384هـ، ص33؛ أيضاً: بحر العلوم. السيد عز الدين، بحوث فقهية للشيخ حسين الحلي، مطبعة الآداب، النجف، 1964، ص52.

([25]) الهمشري. مصطفى عبد الله، الأعمال المصرفية في الإسلام، القاهرة، 1973م، ص120.

([26]) الهاشمي, السيد محمود الشاهرودي, منهاج الصالحين, ج2, ص343؛ الشيرازي, محمد الحسيني, الفقه, ج60, ص34؛ حب الله, حيدر, دراسات في الفقه المعاصر, ج1, ص334.

([27]) الحر العاملي, وسائل الشيعة, باب (1) من أبواب الوقوف والصدقات, الحديث (1) و(5) و(10).

([28]) اليزدي, السيد كاظم, العروة الوثقى, ج2, ص264.

([29]) الحائري, السيد كاظم, فقه العقود, ج1, ص94-95.

([30]) ابن قدامة, عبد الرحمن, الشرح الكبير على المقنع، ج6، ص243.

([31]) الخطيب الشربيني، مغني المحتاج، ج2، ص3992؛ الشيرازي، المهذب، ج1، ص440.

([32]) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي عليه، ج4، ص75.

([33]) ابن عابدين، الدر المختار، ج3، ص517؛ الشوكاني, فتح القدير، ج5، ص51.

([34]) العاملي, السيد محمد جواد بن محمد الحسيني, مفتاح الكرامة, ج18, ص127.

([35]) حديث أخرجه أحمد بن حنبل في كتاب السنة، وقد نقل السيوطي عن العلائي، وهو قول عبد الله بن مسعود موقوفاً عليه، انظر: ابن القيم الجوزية، أعلام الموقعين، ج1، ص74؛ السيوطي، الأشباه والنظائر، ص89.

([36]) د. شوقي دينا، الوقف النقدي مدخل التفعيل دور الوقف في حياتنا المعاصرة، بحث منشور في مجلة مجمع الفقه الاسلامي، العدد (11).

([37]) د. محمد زكي شافعي، مقدمة في النقود والبنوك، ص68.

([38]) د.أحمد حسن، الأوراق النقدية، ص323.

([39]) أو اسقطتها الدولة باستبدالها بعملة أخرى.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD