الدين المعاملة

 الحمد لله الذي أمرنا باتباع طريق الحق والاستقامة، والتمسك بالصدق والأمانة،ونهانا عن الكذب والغش والتدليس والخيانة، والصلاة والسلام على سيد الخلق رافع منار الحق سيدنا محمد أفضل المرسلين وخاتم النبيين وعلى آله الغر الميامين وصحبه المنتجبين الحافظين لحدود الله والمتمسكين بأحكام الدين. اعلم إن الله (سبحانه وتعالى) خلق الإنسان مدنياً بالطبع، أي محتاجاً إلى من يتبادل معه المنفعة إذ لو لزم كل إنسان العزلة وابتعد عن إخوانه لصعب عليه الحصول على ما يقوم به أَوْدَ حياته وساءت معيشته. ولما كان الإنسان ذا نفس أمارة بالسوء، والحرص والطمع من عاداتها المتأصلة فيها، وضع الشارع الحكيم قانونا للمعاملات وحداً للتصرفات حتى لا يأخذ المرء ما ليس له بحق، ولا يضيع عليه حقه لكي تستقيم أحوال العالم، ولا تضيع الحقوق، وتكون المنافع متبادلة على أحسن الوجوه وأتمها. ثم إن من نظر في أحوال العالم وجد أن المنازعات والمخاصمات الحاصلة بين الأفراد والجماعات سببها سوء المعاملات وسوء التصرفات. فلو أحسن الإنسان معاملة أخيه، والابن معاملة أمه وأبيه، والأب معاملة بنيه، والتاجر والصانع والزارع وغيرهم معاملة بعضهم بعضاً لعاش الناس جميعاً في هناء وصفاء، وزالت بينهم العداوة والشحناء، وساد النظام واستتب الأمن العام. ولكن مع الأسف الشديد أصبحت معاملة الناس كلها في هذا الزمن غشاً ونفاقاً، ولهذا انحطت الأسواق وتدهورت الأخلاق، وصارت الحالة لا تطاق. ولا علاج لهذا الداء الدفين سوى اتباع أحكام الدين، والتمسك بحسن المعاملة بين طبقات الناس على اختلاف الملل والأجناس. ولهذا وإجابة لطلب بعض الأخوان أن اكتب ما هي المستحبات التي نتبعها في الأسواق لتكثير الأرزاق فحررت هذه السطور مستعيناً بالحي القيوم: فلقد ورد عن الرسول الكريم f (العبادة سبعون جزءاً أفضلها طلب الحلال) لاما يفعله بعض التجار الذين يفصلون بين الدين والمعاملة والتي تكون معاملاتهم مشبوهة بالشبهة والحرام. ولذا حث الإسلام حكم باستحباب التفقه لصاحب التجارة، فقد روي عن أهل بيت العصمة (الفقه ثم المتجر) و(من اتجر بغير علم فقد ارتطم بالربا). كما أوضحت الأحاديث الشريفة بأن هنالك آداباً ومستحبات في المعاملة لكل من البائع والمشتري مما يزيد في الرزق.فيستحب للبائع أن يقيل المشتري النادم على شراءه للسلعة لما روي (من أقال مسلماً نادماً أقال الله عثرته يوم القيامة) ويستحب للبائع التسوية بين المشترين في الثمن. ولا بأس بترجيح أهل الدين ولكن مع الأسف إن بعض البائعين يختار السلعة الرديئة لرجل الدين، لأنه ممن يأمن منه، وأن يكون الربح يسيراً على المؤمن بحيث يربح عليه قوت يومه فقط فيما إذا كان ثمن السلعة (20) ألف دينار فما زاد. وأن يخير المشتري فيما يأخذه من البيع -السلعة-  لا ما يفعله البائعون في الوقت الحاضر من رفضهم لمس المبيع فضلاً عن تخيير في أخذ السلعة، وابتداء صاحب السلعة بالسوم كما هو المألوف. والرجوع في طريق لم يذهب فيه لأنه أكثر رزقاً، وأحكام المعاملة بإيقاع الصيغة اللازمة. ووضع كل شيء وعرضه في سوقه وعمل كل عامل في السوق المعدة لعمله لأنه أَدَرُّ رزقاً، والمعاملة مع من نشأ في الخير، واتخاذ مكسبه في بلده والإتيان بجيد السلعة وترك رديئها. كما يستحب المماكسة 

-وهي المعاملة- إلا في أربعة: الأضحية والنسمة والأجرة إلى مكة المكرمة. ونصح المستشير وقبول نصحه فإن المؤمن مرآة أخيه، ومشاركة أرباب الحظوظ فأنها تزيد في الحظ وتبديل الصنائع حتى يوافق حاله فيها طالع سعد. كما في المشتري في أيام الغلاء أن يشتري قوته يوماً فيوماً. ومما يزيد الرزق هو الاستعانة بدعاء الإخوان إذا جار الزمان، والمحافظة على التعقيب إلى ما بعد طلوع الشمس فإنه أجلب للرزق من الضرب في البلاد، وقراءة سورة (إنا أنزلناه) أو الآيات التي ترتبط بالرزق. وينبغي أن يجعل آخر الدعاء إذا فرغ من صلاة الفجر (سبحان الله العظيم، استغفر الله وأتوب إليه واسأله من فضله) عشر مرات. ومنها إطلاق الوجه مع العاملين وحسن السلوك معهم، واستعمال الحلم ومكارم الأخلاق فانه ادعى للرزق، واتخاذ مكسبه مجاوراً لأهل الدين، وإنظار([1])الديون وهو مستحب كإبرائه لقول الإمام الصادق _: (من أراد أن يظله الله يوم لا ظلَّ إلا ظلّهُ؟) قالها ثلاثاً فهابوا أن يسألوه حتى قال: (فَلْيُنْظِرْ معسراً أو يدع له من حقه).

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD