فوائد رمضانية

قال تعالى في محكم كتابه العزيز:

[ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ  عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]

وقال تعالى:

[وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ].

1.     إن الله اصطفى أشخاصاً معينين وأمكنةً معينة، فاصطفى لقيادة البشر من شاء من الأنبياء والمرسلين [إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ] واصطفى من الأمكنة منذ خلق الله الأرض مهابط للوحي ومنها مثابة التقديس والعبادة، وجعل أفئدة من الناس تهوي إليها، وقد اصطفاها الله من سائر الأماكن [إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا] و[يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى]. فالأمكنة المصطفاة مثل وادي طوى، والمسجد الحرام ومسجد الكوفة ومسجد الأقصى، واصطفى من الأزمنة منذ خلق الله الليل والنهار تتابع أياماً بعد أيام وأعواماً بعد أعوام وكلها متشابهة متناسقة تطلع شمسها وتغيب، ولكن اصطفى منها أياماً وليالي لنعمه وأفضاله [والفجر وَلَيَالٍ عَشْرٍ] [إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا] [لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ] [إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ]، واختار من الأشهر لرحمته شهر رمضان المبارك فهو الشهر الوحيد الذي صرّح باسمه القرآن الكريم بقوله تعالى: [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ].

2.  شهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي أفاض الله فيه أكثر نعمه على عباده، وهي كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد [شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنْ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ].

3.  يتوحد المسلمون في أوقات العمل والفراغ في شهر رمضان وأوقات الطعام والشراب، ويفرغ عليهم جميعاً صبغة الإنابة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، ويرطب ألسنتهم بالتسبيح والتقديس، وشهر رمضان قد أضل المسلمين ووحد بينهم في مشارق الأرض ومغاربها على اختلاف ألسنتهم وألوانهم، ووحد بينهم في شعورهم وسرورهم، وحد بينهم في ليلهم ونهارهم، وفي وقت طعامهم وشرابهم. جعل فقراءهم وأغنيائهم وحكامهم ومحكوميهم ورجالهم ونسائهم في ذلك سواء.

4.  فرضت فريضة الصوم في شهر رمضان المبارك التي أنعم الله بها على عباده، والتي جعلها ركناً من أركان دين الإسلام، وعنصراً من عناصر الشخصية الإسلامية، فإن الله سبحانه وتعالى قد رفع شأن شهر رمضان، فرسم بنفسه أسلوب تكريمه ومظهر تعظيمه، فافترض على المسلمين في جميع بقاع الأرض صومه.

5.  يخلع المؤمن في شهر رمضان نفسه من حياة مادية مظلمة إلى حياة روحية مضيئة، فيخلع نفسه من هموم الدنيا وأكدارها إلى لذة لا يعتريها ألم وسعادة لا يعرفها شقاء، فيبدأ يومه: باسمك اللهم صمت، ويختم نهاره: باسمك اللهم افطرت، وفيما بين الوقتين يقوم لله قانتاً يركع مسبحاً ويسجد داعياً، مرتلاً وحيه وقرآنه حتى مطلع الفجر إذ إن روح الإنسان في هذا الشهر المبارك متغلبة على ما سواها، قاهرة لشهوات الجسم ومطالبه المادية.

6.  يوحي شهر رمضان بعوامل النصر والغلبة، بأن النصر معقود بالصبر والإخلاص والتقوى، ففي هذا الشهر المبارك زعزعت حصون الشرك والضلال والبهتان في غزوة بدر قال تعالى:[وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ]، كما يوحي هذا الشهر المبارك بالفتح الأعظم الذي عاد به أنصار الله وأولياءه إلى أوطانهم بعد أن أخرجوا منها بغير حق إلا أن قالوا ربنا الله، ذلك الحادث الذي طهر فيه بيت الله من الأصنام والأوثان وأصبحت كلمة الله هي العليا وكلمة الضلال والبهتان هي السفلى [إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا].

7.  جرى الإسلام في تشريعه للصوم على سنته في تكليف الناس بما لا يعنتهم [مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] فلا وجوب على المسافر والمريض وكل من يشق عليه الصوم من الشيخ الكبير والمرأة العجوز.

8.  الصوم علاج نافع لكثير من العادات المألوفة، وتمرين على التخلص من سلطانها، والتخفف من أعبائها وأثقالها، وتذكير للإنسان بأن هذه العادات ليست أموراً طبيعيةً لا مناص له منها، وإنما هي أشياء فرضها على نفسه أو فرضتها عليه ظروف حياته ولو عزم وصمم فإنه يستطيع أن يتركها ويتخلى عنها دون أن يصيبه أذى أو يلحقه ضرر.

9.  الصوم تعويد على الصبر وتمرين عليه، والصبر هو خلق الأخلاق وروح الفضائل الإنسانية، فقد ورد أن الصوم نصف الصبر والصبر نصف الإيمان حيث يدع الصائم طعامه وشرابه وكل ما تشتهيه نفسه، ويرى بعينه أطايب ما ترك فيكبح جماح نفسه امتثالاً لأمر الله. أمّا هؤلاء الذين يغضبون في شهر رمضان ويثورون لأتفه الأسباب ولا يتسلحون بالصبر، فهم الذين ظنوا أن الصيام عقوبة وحرمان، فثارت لذلك نفوسهم واضطربت أعصابهم وخرجوا عن اتزانهم. ومن العجيب أن الناس إذا رأوا رجلاً ثائراً وقد أخرجه الغضب عن حده في شهر رمضان قالوا: لا عتب عليه ولا ملامة فهو صائم، كأن الصيام مبرر للغضب والسخط ومساوئ الأخلاق ألا ساء ما يحكمون.

10. إن في الصوم تعويد النفس على المراقبة والخوف من الله في السر والعلن، فترى الصائم أميناً رقيباً في الصغيرة والكبيرة، وتتمثل فيه هيبة مولاه ومراقبته كأتم ما تكون. فجدير بالمسلمين أن يفقهوا إيحاءات هذا الشهر المبارك وأن يذكروه ويعملوا بمقتضاه فمرحباً بك أيها الشهر الكريم، وهنيئاً لكم أيها الصائمون المؤمنون المحتسبون.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD