البِدْعَةُ مَفْهُومُها.. وَحُدُوْدُها

 إن الإحداث في الدين مِعْوَلٌ هَدّامٌ في صرح التشريع الإسلامي الوثيق وهو من أخطر ما يهدد كيان الأمة بالانهيار والتفرقة ومن هنا أكد الشرع القويم على خطورة البدعة على معالم الدين ووحدة المسلمين قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (من أدى أمتي حديثا يقام به سنة أو يثلم به بدعة فله الجنة) فلابد من مواجهة البدعة وإلا اندرست السنة قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (لا يذهب من السنة شيء حتى يظهر من البدعة مثله) ولذلك أمر الشارع المقدس بمقاطعة المبتدع في الدين بقوله: (من أتى ذا بدعة فعظمه فإنما يسعى في هدم الإسلام) وأمر بإظهار العالم عمله ليكون حدا فاصلا بين السنة والبدعة قال (إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله) ومع 

تأكيد الإسلام على نفي البدع عنه فقد حدثت فيه ولها أتباع؛ بل هنالك قوم توسعوا في مفهوم البدع فزعموا شموله إلى كل أمر حادث بعد حياة الرسول إلى ثلاثة قرون من بعد لحوقه بالرفيق الأعلى وأدى ذلك إلى عزل الشريعة السمحة من التفاعل مع حياة الناس وكأنها لا تمتلك مقومات الديمومة والاستمرار.

وتعتبر البدعة من المعاصي الكبيرة التي نص على حرمتها الكتاب الكريم والسنة الشريفة وهي ضلالة تؤدي بصاحبها إلى سوء الجحيم وذلك لأنّ المبتدع في الدين مُفْتَرٍ على الله ورسوله ولأنه يسوق الأمة وفقا لأهوائه ينتهي إلى الفرقة والتناحر قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ] وقد عرف علم الهدى السيد المرتضى البدعة بأنها (الزيادة في الدين أو النقصان من غير إسناد إلى الدين) فإحدث أمر في الشريعة لم يرد فيه نص بدعة سواء كان أصلها مبتدعا أو خصوصياتها مبتدعة ومثال الخصوصيات المبتدعة بأنا نعلم أنّه يستحب فعل الصلاة في كل وقت ولكن لو عين عدد ركعات معينة مخصوصة على وجه مخصوص في وقت معين صارت بدعة بلا نص ورد فيها.

وقد استدل الفُقَهاءُ على حرمة الابتداع في الأحكام الشرعية بقوله تعالى: [وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ] فإنّ الكذب من المحرمات والموبقات التي وعد الله عليه النار والبدعة من أفحش الكذب لأنها افتراء على الله ورسوله والمفتري مبتدع لأنه يريد أن يقول عن شيء ليس من الدين أنه منه فيزيد فيه ما ليس منه أو يقول عن شيء أنه ليس من الدين وهو من الدين فينقض من الدين شيئاً هو منه كما أكدت السنة الشريفة على حرمة البدعة فعن الصحابي جابر الأنصاريرضي الله عنه قال خطبنا رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد فإنّ أصدق الحديث كتاب الله وإن أفضل الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثها وكل بدعة ضلالة) وعنه (صلى الله عليه واله وسلم) أنه قال: (يأتي على الناس زمان وجوههم وجوه الآدميين وقلوبهم قلوب الشياطين السنة فيهم والبدعة سنة)وروى عن أهل بيت العصمة e: (إذا ظهرت البدع في أمتي فليظهر العالم علمه فمن لم يفعل فعليه لعنة الله) و(من مشى إلى صاحب بدعة فوقره فقد مشى إلى هدم الإسلام). فالأحاديث الشريفة طائفة منها حرمت الابتداع في الدين وبعضها الآخر حدد أسلوب التعامل الاجتماعي مع صاحب البدعة وحذرت طائفة أخرى من التعامل مع صاحب البدعة ونستخلص أن البدعة تتقوم بأمرين هما الأول الاختصاص بالأمور الشرعية فلا تكون من البدعة العادات المتغيرة والأعراف المتباينة لدى الناس فإنّ الأجهزة في الكتابة كجهاز الحاسوب مثلا أو غيره من أجهزة الكتابة بعد أن كان يستخدم الدواة والقلم لا يعد بدعة بمفهومها الشرعي.

وقد حاول البعض توسيع معنى البدعة إلى مدى أوسع ليشمل كل أمر حادث لم يكن وقع في زمن الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) حتى وإن كان بنحو من الأنحاء يهدف إلى خدمة الدين وأهدافه المقدسة فقد دفع التحجر بعض هؤلاء ممن قصروا عن فهم الدين والسنة الشريفة إلى الاعتقاد بأن كل أمر لابد أن يأتي فيه نص الخاص الذي يشير إليه بشكل صريح وإن كل ما لم يرد بشأنه دليل خاص فإنّه يندرج في قائمة الابتداع وكأنّ الشريعة الإسلامية عقيمة جامدة لا تملك الضوابط العامة والقوانين الكلية التي يمكن تطبيقها على الموضوعات والحوادث المستجدة.

وقد قسم البعض البدعة إلى حسنة وسيئة وذلك لخلطهم بين البدعة بمعناها اللغوي والتي معناها إحداث شيء ليس على مثال سابق ومعناها الاصطلاحي الشرعي فإنّ البدعة بالمعنى اللغوي مثل الاحتفال بيوم الاستقلال أو الاحتفال التأبيني لتكريم بطل من الأبطال فإنّ هذا حلال بالذات لا مانع منه إذا لم يرد فيه نهي من الشارع المقدس أما شأن البدعة في المصطلح الشرعي فهي محرمة مطلقا تأبى التقسيم فإنّ اقتصار النصوص الشرعية في ذكر البدعة على الذم والانتقاد الشديد يبطل مقولة البدعة الحسنة كما أنّ الحديث المتفق عليه (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة بالنار) شمول جميع أنواع البدع وقد أوضح الشهيد الأول في قواعده على أن البدعة لا تطلق إلا على ما هو محرم بقوله: (محدثات الأمور بعد النبي (صلى الله عليه واله وسلم) تقسم أقساماً لا تطلق اسم البدعة عندنا إلا على ما هو محرم منها).

وهنالك عدة أسباب في نشوء البِدَع منها توهم المبالغة في التعبد لله تعالى وذلك بأن يعتزل النساء أو يصوم الدهر كله أو لا يكلم أحد ويعتزل الناس أو لا يستظل من الشمس وغيرها ظانا بإجهاد نفسه إنما يتقرب إلى الله تعالى أكثر من غيره.

وقد شجب القرآن الكريم في أماكن متعددة ظاهرة الرهبنة وتحميل النفس المشاق والصعوبات ورد على هذا المنهج المنحرف في الحياة الاجتماعية: [قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ].

ومن أسباب نشوء البدع اتباع الهوى فقد خطب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب _ فقال: (أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن: أهواء تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله).

نسأل الله تعالى بجاه من لذنا بجواره مولى الثقلين مولانا أمير المؤمنين _ أن ينجينا عن البدع والفتن ويحرسنا عن زيغ الهوى وطول الأمل.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD