السِّيَاسَةُ العَلَويَّةُ السِّلْمِيَّةُ

دِرَاسَةٌ تَحْلِيْلِيَّةٌ

بحثٌ

تقدَّم به للمؤتمر الدولي لسيرة الإمام علي [عليه السلام], في الحكم بعد أربعة عشر قرناً

العراق - النجف الأشرف

1436هـ - 2015م

مقدمة

الحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام على محمّد خاتم النبيين وسيد المرسلين, وعلى آله الغر الميامين.

إن السِلم كان وما زال حقيقة وأصلاً تنشده الإنسانية أفراد ومجتمعات ودولا, وهدفا تسعى إليه طيلة الأحقاب الزمنية المترامية في تاريخها, كما أنه سعادة البشر التي يهدف إليها الإنسان, وهو حلم كل إنسان ودعوى كل قانون, إنه الغاية لمجتمعه لا يمكنها أن تتحقق إلا في ظل السلام الدائم, فيصبح السلام هو القاعدة الدائمة, والحرب هي الاستثناء.

واليوم العالم بأسره يعيش في قلق, وسلامه مهدد, حيث لم يقم إلا على توازن الرعب النووي, ولم يعد للدول سلام حقيقي مالم تكن لها القوة الكافية التي ترهب وتخيف أصحاب النزعات العدوانية.

وفي هذا البحث نحاول أن نستعرض السياسة العلوية السلمية من خلال بيان فقه السلم عند الإمام علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  ببيان بعض الأحكام, وأبرز المبادئ التي ثبتها في المجتمع الإسلامي ومزاياها العملية الواقعية, وقد قسّمتُ البحث إلى مقدمة وثلاثة مطالب وخاتمة, في المطلب الأول مفهوم السلم في اللغة, والمطلب الثاني مفهوم السلم في المنظور القرآني, والمطلب الثالث سياسة السلم عند الإمام علي بن أبي طالب  (عليه السلام) , وخاتمة قد أوجزت فيها أهم النتائج التي توصلت إليها من خلال بحثي هذا.

وأنا آمل أن أصل ولو إلى بعض ما سَعيتُ من أجله وهو الكشف عن الحقيقة بأن الإمام علي  (عليه السلام)  رجل سلام وسلم, وإنما الحروب فُرضت عليه, ومِن أجل ذلك كان الإمام علي  (عليه السلام)  داعية السلم الأكبر مع كثرة الشغب والفتن التي أثارها النفعيون والوصوليون في طريق سيرته الإصلاحية, فإن أصبت فمن توفيق الله علَيّ, نشكره ونحمده أولاً وآخراً.

اللهم أنت السلام ومنك السلام وإليك يرجع السلام, أحينا بسلام وأمتنا بسلام وابعثنا بسلام وكرمنا برضاك عن عملنا وجازنا بالعفو من الزلل في دار السلام.

 

المدرسة المهدية الدينية في النجف الأشرف

                عباس كاشف الغطاء

    6/ذي الحجة/ 1435هـ

   العراق/ النجف الأشرف

 

المطلب الأول

مفهوم السلم في اللغة

السلم والسلام: التعري من الآفات الظاهرة والباطنة, ومنه قيل للجنة دار السلام؛ لأنها دار السلامة من الآفات, والسلام: اسم من أسماء الله تعالى, قيل: وُصف بذلك من حيث لا يلحقه العيوب والآفات التي تلحق الخلق.

والسلام يكون بمعنى السلامة. وقول الناس: السلام عليكم, أي: السلامة من الله عليكم. والإسلام: الاستسلام لأمر الله تعالى وهو الانقياد لطاعته, والقبول لأمره. والسَّلم: ضد الحرب, ويقال: السَّلم والسَّلم واحد.

والسلام والسِلم والسَلم: الصلح, قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً]([1]), وقال تعالى: [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا]([2]).

وقيل: السِلم بإزاء الحرب, والإسلام: الدخول في السلم, وهو أن يُسلم كل واحد منهما أن يناله من ألم صاحبه.

والسَلم والسلام: شجرٌ عظيم, كأنه سُمي لاعتقادهم أنه سليم من الآفات, والسِلام: الحجارة الصلبة.([3])

وجاء في لسان العرب, إن السَلم, السِلم: الصلح بفتح وكسر ويُذكر ويؤنث, والسَلم: السلام كالسِلم, وقد سالمه مسالمة وسلاماً.

والسِلم: المسالم, تقول: أنا سِلمٌ لمن سالمني, وقومٌ سِلم وسَلمٌ: مسالمون, وكذلك امرأة سِلمٌ وسَلمٌ.

وقال الخطابي: السَلَم بفتح السين واللام: الاستسلام والإذعان, والسِلم: الصلح.

وحُكي: السِلم والسَلم: الاستسلام, وضد الحرب أيضاً.([4])

وورد في المعجم الوسيط: سَلم, سِلم: سلام, أمان, وهو خلاف الحرب.([5])

المطلب الثاني

مفهوم السلم في المفهوم القرآني

الإسلام يوجب على أتباعه حل المنازعات بينهم وبين غيرهم بالطرق السلمية, فنجد الإسلام عبر قرون عديدة في مواجهة حضارات متعددة وديانات مختلفة, فتعامل بالحكمة والتعايش وذلك من خلال التوجيه الحكيم والإرشاد الأمين.

وردت مادة (س ل م) في القرآن الكريم بصيغ ودلالات مختلفة وذلك في مائة وأربعين موضعا.([6])

وقد جاءت في مائة واثني عشر موضعا بصيغة الاسم, منها قوله تعالى: [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا]([7]), فهو أمر بقبول السلم إذا ما مال إليه العدو ورغب فيه, يقول الفخر الرازي في تفسيره: (إذا مالوا إلى الصلح فالحكم قبول الصلح)([8]).

وإنّ تعبير القرآن بالجنوح عن الميل فيه إشارة إلى ترجيح داعي السلم في الإسلام على داعي الحرب, فإن الجنح والجنوح مأخوذ من الجناح, فهو تعبير عن الميل إلى أحد الجانبين المتقابلين داعي السلم وداعي الحرب.([9]) فالآية تلوّح في رغبة الإسلام العميقة في السلام وقوة دعوته إليه.

ووردت في ثمانية وعشرين موضعا بصيغة الفعل, منها قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا]([10]).

وقد وردت هذه المادة اللغوية في القرآن الكريم دالة على ثمانية معان رئيسية, بالإضافة إلى معناها اللغوي وهو الصلح, وهي:

اسم من أسماء الله تعالى, السلام, فقد ورد في قوله عز وجل: [هُوَ اللَّهُ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ]([11]), فالسلام في الآية اسم من أسمائه سبحانه, ومن هذا القبيل قوله تعالى: [لهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ]([12]), فدار السلام هنا تعني دار الله.([13])

أما السلام بمعنى الإسلام فمنه قوله تعالى: [يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ]([14]), أي طرق السلامة من العذاب بالإسلام.([15])

ونحو قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً]([16]), روى العياشي عن الإمام الصادق  (عليه السلام) : (السلم ولاية الإمام علي  (عليه السلام)  والأئمة المعصومين من بعده)([17]).  

وأما السلام بمعنى التحية المعروفة, فقد وردت في قوله تعالى: [وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ]([18]), فالسلام هنا بوساطة رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم)  أو انه من الرسول  (صلى الله عليه وآله وسلم)  مباشرة, وهو على كلا الاحتمالين دليلٌ على القبول والترحيب والتفاهم والمحبة,([19]) ومثل هذا المعنى في قوله تعالى: [فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ]([20]), جاء في تفسير الآية الكريمة عن الإمام الباقر  (عليه السلام)  قال: (إذا دخل الرجل منكم بيته فإن كان فيه أحد يُسلم عليهم, وإن لم يكن فيه أحد فليقل: السلام علينا من عند ربنا, يقول الله: َتحِيَّةً مِنْ عِنْدِ الله مُبارَكَةً طَيِّبَةً)([21]).

والسلام كذلك بمعنى السلامة من كل شر, ومن ذلك قوله تعالى: [قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ]([22]), ومن هذا القبيل قوله تعالى: [ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ]([23]), فالسلام يشير إلى السلامة من أي أذى وألم والأمن من كل خطر.([24])

ومن معاني السلام في المنظور القرآني كذلك الثناء الجميل, ومنه قوله تعالى: [سَلاَمٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ]([25]), فبعد تحمل نوح  (عليه السلام)  كافة الصعاب والآلام منحه الله سبحانه وتعالى وساماً خالداً يفتخر به في العالمين,([26]) ونحو ذلك قوله تعالى: [سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ]([27]).

ومن معاني السلام في القرآن الكريم الخير, ومن ذلك قوله تعالى: [وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاَمًا]([28]), فالسلام هنا لا بمعنى سلام التحية الذي هو علامة المحبة ورابطة الصداقة, بل هو علامة اللامبالاة المقترنة بالعظمة, وليس الناشئ من الضعف, والسلام الدال على عدم المقابلة بالمثل حيال الجهلة والحمقى, سلام الوادع لأقوالهم غير المتروية.([29]) ومثل هذا المعنى في قوله تعالى: [فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلاَمٌ]([30]).

وأما السلام الذي هو بمعنى خلوص الشيء من كل شائبة فمن قبيل قوله تعالى [وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ]([31])، أي خالصاً لواحد ليس لغيره عليه سبيل.([32])

فالملحوظ أن الإسلام يرغب في السلام ويحرص عليه، ويدعو إليه، ويعتبره هدفاً أصيلاً لدعوته، كما يتجلى ذلك في تعاليمه وأحكامه وآدابه, وهو أيضاً يكره الحرب وينفر منها، ويحرص على أن يتفاداها ما استطاع، وإذا ما وقعت يحاول أن يضيّق دائرتها، وأن يقلل خسائرها، ويخفف من آثارها ما وجد إلى ذلك سبيلاً.

ومن دلائل ذلك إن السلام والاسلام مشتقان من مادة واحدة وهي (س ل م) وقد قال تعالى [يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ]([33])، وقد فُسّرت كلمة السلم في الآية بالسلام المقابل للحرب,([34]) وبهذا تكون الآية دعوة للمؤمنين أن يدخلوا في السلام جميعاً, ولا يعرضوا عنه إذا دُعوا إليه.

وفسّرت أيضا كلمة السلم بالإسلام،([35]) أي: ادخلوا في شعب الإسلام كافّة, عقائده وعباداته وأخلاقياته وتشريعاته، فتدخلوا بذلك في السلم الحقيقي سواء أكان ذلك مع أنفسكم أم مع مجتمعاتكم أم مع الناس كافة.

ومن الدلائل على ذلك أيضاً إشاعة كلمة السلام في المجتمع، وجعله تحية الإسلام.

ومن الالتفاتات القرآنية بهذا الشأن أنه سمّى صلح الحديبية بـ(الفتح المبين). ويُعَبر القرآن الكريم عن ذلك بسورة الفتح بقوله تعالى: [وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ]([36]), فهو هنا لا يمتن بكف أيدي المشركين عن المؤمنين فقط، بل يمتن أيضا بكف أيدي المؤمنين عن المشركين أيضاً [وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ]. وهذا من أنصع الدلائل على تحبيب إشاعة السلام بين الطرفين.

ومن ذلك يتبين أن الأمل السلمي هو الركيزة الأساسية في التشريع الإسلامي والقرآني في مختلف مجالات العلاقات الإسلامية, سواء أضاق إطار هذه العلاقات أم اتسع ليشمل الاجتماع الإنساني بأوسع نطاقاته. فالمضمون السلمي من المضامين الثابتة في التشريع الاسلامي.([37])

وهذا ما يدل عليه بوضوح قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ]([38]).

ويؤكد هذا النص القرآني على مبدأ التعارف، وهو مبدأ لا يمكن أن يحصل من الناحيتين النفسية والعملية من دون جو وإطار سلميين. فالذي يجب أن ينبثق من حالة التنوّع هو تنمية العلاقات السامية بين الجماعات المتنوعة ليكون مآل ذلك إلى حالة التكامل بين الناس، وهذا يعني أنه لا يجوز أن يتحول التحول الذي يحمل إمكانية التواصل التكاملي إلى تناقص يُبعد الجماعات الإنسانية عن حالة السلم.([39])

فهذا النص يوجه دعوة إلى الجماعات الإنسانية كافة بتوثيق السلم بينهما, والمحافظة عليه بالتعاون والتعارف والتآلف، ونبذ التعادي والتقاتل, وإن اختلافهما في الإقليمية والشعوب ليس موجباً للتنافر؛ لأنه في الأصل كالأسرة المتكونة من ذكر وأنثى تعيش على المحبة والمودة.([40])

وبمثل هذه الدعوة للتعاون قوله تعالى أيضاً: [لاَ يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ]([41]).

قائمة تطبيقات قرآنية كثيرة تحث على التعامل بأعلى مستويات السلوك السلمي وإن لم يتعامل الآخر سلمياً كما جاء في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا..  وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ]([42]), وبهذا تكون هذه الآية القرآنية قد دعت إلى التعامل مع فعل هدامي لا يحمل معنىً سلمياً بتصرفٍ سلمي بمستوى البر والتقوى.

وفي الوقت الذي يحث القرآن الكريم المؤمنين بالله على الدخول في سلم عام وشامل مع الناس جميعاً، فإنه يعتبر أن مخالفته عمل عدواني من خطوات الشيطان التي يريد بها الوقيعة بين الناس، قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ]([43]).

كما تتضح أولوية السلم في التشريع القرآني في قوله تعالى: [إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلاَيَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]([44]), فالميثاق السلمي محترم في الإسلام ومقدّم، وإن كان فيه بعض الضرر على بعض المسلمين.

كذلك لم يجوّز الإسلام مقاتلة من يلقي السلم، ولا يمارس الحرب على المسلمين. يؤيد هذا المعنى قوله تعالى: [فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً]([45]).

أما في حالة صد العدوان على المسلمين، فقد أباح الإسلام المواجهة بالمثل من أجل ضرورة السلامة والأمن، إلا أنه لم يبح أي فعل يخرج عن حد إطار الفعل العدواني المقابل, يقول الله تعالى: [الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ]([46]).

ومن النصوص التشريعية القرآنية المتقدمة يظهر إن الأولوية والأصالة تكون للسلم, وإنه هو الأصل في العلاقات الدولية للدولة الإسلامية، وإن السلم قاعدة أساسية في النظام الإسلامي، وإن الحرب حالة استثنائية أطلقتها الضرورة. وهذا ما ذهب إليه جمهور الباحثين الإسلاميين المحدثين.([47])

 

المطلب الثالث

سياسة السلم عند الإمام علي  (عليه السلام)

تمتاز سياسة السلم عند الإمام علي  (عليه السلام)  بأعلى مستويات القرب والتماس مع المنظور الإسلامي السلمي- المار الذكر في المنظور القرآني- سواء أكان ذلك على الصعيد النظري أم على الصعيد التطبيقي العملي، ويمكن بيان ذلك في ما يلي:

المبحث الأول

الجانب النظري

كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  رجل السلم ورائده، ففي الوقت الذي يرى نفسه صاحب الحق في الخلافة والإمامة كما عبّر ذلك في إحدى خطبه المروية عنه والمعروفة بالخطبة الشقشقية، فقال: (أما والله لقد تقمّصها فلان, وإنه يعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى, ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير)([48]). وقد كان بإمكانه أن ينبري للدفاع عما يعتقد أنه حق له، وكان يعلم أن في توليه الخلافة مصلحة للأمة والرسالة، ولكنه وجد أن هذا التصدي وهذا الموقف يضر بالسلام للأمة, ويمزق وحدة المسلمين ويضعفها؛ ولذلك لم يطالب بحقه وإنما أعلن: (والله لأسلمنّ ما سلمتْ أمور المسلمين, ولم يكن فيها جور إلاّ عليَّ خاصّة؛ التماسا لأجر ذلك وفضله، وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه)([49]).

فمن الناحية النظرية نجد أن الإمام علي  (عليه السلام)  قد أكد مبدأ السلم بوصفه أصلاً يجب أن يكون له الصدارة في التعامل مع الآخر, وهذا ما يبرز في نصوص عدة أشار بها, ومنها قوله لأحد قادة الجيش لما أنفذه إلى الشام: (.. ولا تقاتلن إلا من قاتلك.. ولا تدنُ من القوم دنوَ مَن يريد أن ينشب الحرب).([50])

وقوله في عهده لمالك الاشتر: (.. ولا تدفعن صُلحاً دعاك إليه عدوك ولله فيه رضى، فإنّ في الصلح دعة لجنودك، وراحة من همومك، وأمناً لبلادك)([51]).

وجاء في تعليق الشيخ محمد مهدي شمس الدين على هذا النص قوله: (في ذلك إشارة إلى أن الحرب ضرورة وليست خياراً.. وإن البديل لها هو أولى منها، وهو السلم، وإن الحرب لا تكون لأجل الحاكم.. وليس لها أهداف عدوانية, ومن هنا تبدو أولوية السلم في نظر الإمام علي  (عليه السلام)  )([52]).

وهكذا فإن الإمام علي  (عليه السلام)  ينظر إلى السلم بحالة من أسس وارتكازات شرعية توجب اعتماده والأخذ به من جهة, وبما له من انعكاسات موضوعية تثمر على العلاقات الإنسانية والاجتماعية وأمن البلاد بنتائج إيجابية من جهة أخرى.

والحاكم الناجح هو الذي يواجه بحزم الأحقاد الاجتماعية، والعقد النفسية, ويصنع لها العلاج من منظار الإنسان المربي والمصلح الاجتماعي.([53])

وهذا ما يتضح في قوله  (عليه السلام)  في عهد الأشتر: (أطلق عن الناس عقدة كل حقد)([54]).

لقد غرس الإمام علي  (عليه السلام)  في أتباعه أخلاق الرحمة والعدل حتى في أشد الحالات مع مخالفيه، فقد سعى سعياً حثيثاً لجمع شتات الأمة وجعلها متحدة ومتآلفة مسالمة.

وتجدر الإشارة أن المسالمة عند الإمام علي  (عليه السلام)  لا تعني – مطلقا – الاستسلام أو الخضوع المذل أمام العدو, بدلالة ما جاء في قوله: (وجدت المسالمة ما لم يكن وهن في الإسلام أنجع من القتال)([55]).

كما لا تعني أولوية الصلح مع العدو – حين يدعو لها – الوقوع في شراكه ومكائده كفريسة يستهدف الإجهاز عليها لاحقا، وهذا ما يظهر في قوله  (عليه السلام)  للأشتر بعد أن دعاه إلى تقديم الصلح على القتال، ولكن بشروط موضوعية للصلح: (.. ولكن الحذر من عدوك بعد صلحه، فإن العدو ربما قارب ليتغفل فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن)([56]).

المبحث الثاني

الجانب العملي

إن الجانب العملي والتطبيقي للسياسة السلمية للإمام علي  (عليه السلام)  تمتد جذورها إلى ما قبل تاريخ قيادته للحكومة الإسلامية، فمنذ رحيل قائدها الأول الرسول الاكرم محمد  (صلى الله عليه وآله وسلم)  وحتى تولي الإمام علي  (عليه السلام)  للقيادة السياسية وعلى طول تلك الفترة الزمنية نرى أن الإمام  (عليه السلام)  كان يتصرّف بمقتضى كونه الإمام المستخلف على حفظ الشرع والرسالة الإسلامية، وعلى صياغة الواقع الإسلامي وإن لم يكن هو الحاكم فعليا.

وتتضح فحوى هذه السياسة بإعلانه الصريح: (لقد علمتم أني أحقُ بها من غيري، ووالله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين, ولم يكن فيها جورٌ إلا عليّ خاصّة, التماساً لأجر ذلك وفضله, وزهداً فيما تنافستموه من زخرفه وزبرجه)([57]).

وقد كلّفه هذا الالتزام المبدئي بضرورة عدم انحدار الواقع الإسلامي إلى ما هو أشد خطراً على الإسلام كعقيدة، وإلى ما هو أكثر فرقة للمسلمين كمجتمع أكلافاً غالية على صعيد حقوقه الدينية والسياسية، وعلى مستوى حقوقه الشخصية كذلك.([58])

ومنذ انطلاق قيادة الإمام علي  (عليه السلام)  للحكومة الإسلامية فقد قاطعه جماعة ولم يبايعوه, إلا أنه تعامل معهم بأعلى حالات السلم.([59])

ولم يكن موقفه من هؤلاء النفر إلا أن يُجيبهم ولا يمسهم بسوء، وكانت سياسته أن يظل متحاججاً معهم بحجة الحق.([60]) 

ومِن أولى مواقف الاضطراب والاختلاف التي واجهتها حكومة الإمام علي  (عليه السلام)  هو الموقف الذي أعقب مقتل الخليفة عثمان؛ إذ جاءته جماعة فقالوا للإمام  (عليه السلام) : (لو عاقبت قوما ممن أجلب على عثمان)([61]),  فأجابهم الإمام  (عليه السلام) : (.. إنّ الناس من هذا الأمر –إذا حُرّك– على أمور, فرقة ترى على ما ترون، وفرقة ترى ما لا ترون، وفرقة لا ترى هذا ولا ذاك، فاصبروا حتى يهدأ الناس وتقع القلوب مواقعها وتؤخذ الحقوق مسمحة)([62]).

وجواب الإمام علي  (عليه السلام)  في الوقت الذي يدل فيه على أولوية المعالجة السليمة لحوادث الاضطراب، فإنه في ذات الوقت يشير إلى درايته العميقة ومعرفته الواسعة باتجاهات المجتمع الإسلامي في تلك الفترة الزمنية، وتصنيفه الدقيق لميولات واصطفافات الجماعات.

وقال  (عليه السلام)  في المناسبة ذاتها: (وسأمسك الأمر ما استمسك, وإذا لم أجد بدا فآخر الدواء الكي)([63]). وهذا النص من أكثر النصوص صراحة على بيان أن ممارسة القمع باتجاه التمرّد لا يمثل إلا الخيار الأخير في سياسة الإمام  (عليه السلام) . بل وحتى عندما اتُخِذ موقف التمرّد من حكومة الإمام علي  (عليه السلام)  صفة جماعية, وتشكيل المعسكرات القتالية المعادية والتي أعلنت جهارا الابتداء بالحرب, حيث تمثّل ذلك بجماعات الناكثين والقاسطين والمارقين، نجد أن سياسة الإمام  (عليه السلام)  تجاه هذه التمردات والانشقاقات المسلّحة قد استفرغت الجهد في اعتماد الحل السلمي قبل الاضطرار إلى الحل العسكري والقتالي.

 إن الإمام علي  (عليه السلام)  عالج حركة التمرّد معالجة تربوية كأب يتعامل مع أبنائه الأشقياء, فهو لم يتعامل على أساس كونه حاكماً يرى أن واجبة تهدئة الأوضاع بالقوة ولو كان الإمام متلهفاً للحكم لواجه المتمردين على حكمه بقوة السلاح ومِن أول لحظة, وأجهز عليهم حتى لا يستشري وجودهم ويطغى).([64])

لقد بذل الإمام علي  (عليه السلام)  كل ما في وسعه أن يجنب الأمة سفك الدماء وتمزق الصف, ومما لا شك فيه أن قيادة الحكم الصالح تتطلب شرطاً مِن أهم الشروط الموضوعية في إدارة الحكم بمختلف شؤونه واستحقاقاته، وهو شرط سعة الصدر في شخصية الحاكم, يقول الإمام علي  (عليه السلام)  في ذلك: (آلةُ الرياسة سعة الصدر)([65]), ويعني هذا ضرورة الحرص على الرعية والتماس العذر لها من الحاكم.([66])

ولقد كان الإمام  (عليه السلام)  –دون شك- بمنتهى سعة الصدر, يفكر بالخصم المسلم باجتهاده السياسي أو الديني، ويحسب جميع الحسابات للعناية به خشية الظلم ودفعاً للنزاع وإعطاءً للفرصة).([67])

هذا وقد أشار أحد الباحثين إلى أن السياسة السلمية التي اعتمدها الإمام علي  (عليه السلام)  في حكومته قد ارتكزت على مبادئ ثلاثة، أولها: تقديم النصح، وثانيها: التحاور, وثالثها: المصالحة.

 إن السياسة السلمية للإمام علي  (عليه السلام)  يمكن تلخيصها بالاتجاهات التالية:

الفرع الأول: حرية البيعة وعدم الإجبار:

إن الإمام علي  (عليه السلام)  لم يجبر أحداً على البيعة له, مسلماً كان أم غير مسلم، بل أطلق الحرية كاملة للناس في البيعة أو عدمها، وذلك ما يشير إليه  (عليه السلام)  بالقول: (.. وبايعني الناس غير مستكرهين ولا مجبرين, بل طائعين مخيّرين)([68]).

 وذكر ذلك أيضاً في صدد حديثه عن جيش الجمل المعادي بالقول: (.. في جيشٍ ما منهم رجلٌ إلاّ وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعاً غير مكره)([69]).

وبنفس هذا المضمون أيضا احتج الإمام علي  (عليه السلام)  على طلحة والزبير([70]), وبهذا المعنى يأتي قوله في أمر البيعة: (لم تكن بيعتكم إياي فلتة)([71]), وأمّا قوله  (عليه السلام) : (.. فإن شغَبَ شاغب استُعتب, فإن أبى قُوتِل ..)([72]),  فإنّه لا يشير إلى عكس ذلك إطلاقاً، وإنّما يُكرّس أصالة المبدأ السلمي في سياسة الإمام الحكومية.

الفرع الثاني: أولوية النصح وتأخير القتال:

فاضت مصادر التاريخ بكراهية الإمام علي  (عليه السلام)  للبدء بالقتال مع الآخر، وإيثاره للهداية والنصح، ودفعه للحرب ما استطاع على ذلك سبيلا, فقد ذكر اليعقوبي في معرض حديثه عن مقدمات حرب الجمل حينما اصطف المعسكران قبالة بعضهما، أن الإمام علي  (عليه السلام)  قال لأصحابه: لا ترموا بسهم، ولا تطعنوا برمح، ولا تضربوا بسيف .. اعذروا، ولم يأذن لأصحابه بالحرب إلاّ بعد أن قُتل منهم ثلاثة نفر رُمُوا بسهامٍ من العدو، فأشهد الله على ذلك، وكانت الحرب.([73])

وفي حرب صفين وجّه الإمام علي  (عليه السلام)  إلى معاوية ويسأله الرجوع، وألاّ يُفرّق الأمة بسفك الدماء، فأبى إلاّ الحرب.([74])

وحينما استبطأ الكثير من جيش الإمام  (عليه السلام)  إذنه لهم بمباشرة القتال ضد الجيش الأموي حتى اتهموه اتهاماً عجيباً، وهو أن الإمام علي  (عليه السلام)  قد كره الموت, فأجابهم حينئذ بالقول: (أمّا قولكم: أكُلّ ذلك كراهية الموت؟ فوالله ما أبالي دخلتُ إلى الموت أو خرج الموت إلي، وأمّا قولكم: شكاً في أهل الشام، فوالله ما دفعتُ الحرب يوماً إلاّ وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشوا إلى ضوئي, وذلك أحبُ إليّ مِن أن أقتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها)([75]).

ويتوفر هذا النص على معنى يمكن أن تستخلص منه قاعدة ذهبية يمكن أن تندرج في إطار المذهب الدفاعي العسكري الإسلامي, بدلالة أن الحرب لا تصح أو لا تكون مشروعة حينما تكون لمصالح عسكرية أو اقتصادية أو جغرافية بهدف التوسع أو زيادة القوة والفعالية أو غيرها من المسوغات التي تعتبر مؤشراً رئيساً في صياغة الخطط العسكرية التي تتحدد على أساسها حركة الجيوش القديمة والحديثة، لا سيما جيوش الدول التي لها تأثير عالمي أو إقليمي على مسرح الأحداث.

كان الإمام علي  (عليه السلام)  حريصا - كل الحرص - على دعوة الآخر إلى الحق قبل مباشرة القتال معه، وقد كان مبدأ عدم الابتداء بالقتال هو المبدأ الحاكم في كل الحروب والواجهات العسكرية التي خاضها الإمام  (عليه السلام)  سواءً تلك التي قادها بنفسه أم التي انتدب إليها أحد قادته أو عمّاله, وقد جاء بهذا المعنى في إحدى وصاياه: (ولا تقاتلنّ إلاّ مَن قاتلك.. ولا تدن من القوم دنوَ مَن يريد أن ينشب الحرب, ولا تباعد عنهم تباعد مَن يهاب البأس حتى يأتيك أمري, ولا يحملنكم شنآنهم على قتالهم قبل دعائهم والاعذار إليهم)([76]).

وهذا النص يؤسّس إلى الحكم بعدم جواز البدء بالقتال أو الحرب مع الآخر - وإن كانت عداوة المعسكر المقابل بادية وفي حالة استعار - من دعوتهم إلى مسالك الحق، وبالمنطق اللين الصريح.

وبخصوص النص العلوي المتقدم يعلّق الشيخ محمد مهدي شمس الدين بالقول: (إن الفكرة التي تسيطر على النص وتشع منه، هي فكرة السلام، فالقتال لا يكون إلاّ ردا على عدوان يكشف عن تصميم العصاة على الانحراف)([77]).

ويشابه المعنى المتقدم ما جاء في وصية الإمام علي  (عليه السلام)  لجيشه قبل لقاء العدو في صفين: (لا تقاتلوهم حتى يبدؤوكم، فإنكم بحمد الله على حجة, وترككم إياهم حتى يبدؤوكم حجة أخرى لكم عليهم)([78]).

وهذا النص يكشف عن مدى حرص الإمام  (عليه السلام)  على عدم البدء بالقتال بالرغم من اليقين الراسخ بأنه وأصحابه على حجة.

وقال  (عليه السلام)  أيضاً في وصف أسس المواجهة بينه وبين حركة الخوارج: (ولكنّا إنما أصبحنا نقاتل اخواننا في الإسلام على ما دخل فيه من الزيغ والاعوجاج والشبهة والتأويل, فاذا طمعنا في خصلة يلمُ الله بها شعثنا ونتدانى بها إلى البقية فيما بيننا، رغبنا فيها، وأمسكنا عمّا سواها)([79]).

وهذا يكشف عن الرغبة الأكيدة لدى الإمام علي  (عليه السلام)  في الاجتماع على قاسم مشترك تحصل من خلاله نتيجة السلم, وتنأى على أساسه أسباب الحرب والقتال.

ويؤكد هذا المعنى ما ورد في مكاتبةٍ أرسلها الإمام علي  (عليه السلام)  إلى أحد عمال الأمصار([80]) بعد انقضاء حرب الجمل, يقول  (عليه السلام)  فيها: (.. فأعذرت في الدعاء, وأقلت العثرة, وناشدتهم عهد بيعتهم، فأبوا إلاّ قتالي، فاستعنت بالله عليهم, فقُتل مَن قُتل وولوا مدبرين إلى مصرهم، وسألوني ما كنت دعوتهم إليه قبل اللقاء, فقبلت العافية ورفعت السيف)([81]).

الفرع الثالث : تصنيف الآخر بين قاصد للباطل وبين مشتبه لا قاصد:

لعل من أهم الصفات الذاتية في شخصية الإمام علي  (عليه السلام)  قدرته الهائلة على التمييز بين محتوى الحق وبين محتوى الباطل، وتلمس الالتباسات التي تجعل من العسير التمييز بينهما بدلالة تعريفه البليغ للشبهة حين سُئل عن علة تسميتها بذلك, إذ يقول  (عليه السلام) : (.. وإنّما سمّيت الشبهة شبهة لأنها تشبه الحق)([82]).

وفي موضع آخر قال  (عليه السلام) : (فلو أن الباطل خَلَص مِن مزاج الحق لم يخف على المرتادين، ولو أنّ الحق خلص لبس الباطل انقطعت عنه ألسن المعاندين, ولكن يؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث فيمزجان)([83]).

ومما لا شك فيه أن هذه المعرفة تكشف عن اختصاصه بالشأن التشريعي، وقد انعسكت هذه المعرفة على مجمل سلوكه القيادي تجاه التمردات والأزمات التي واجهتها حكومته منذ البدء وحتى نهاية المطاف, وأبرز ما يمكن ذكره في هذا الاطار تقييمه وتمييزه الموضوعي بين حركة الخوارج وبين حركة معاوية, إذ صرّح في هذا الخصوص بالقول: (لا تقاتلوا الخوارج بعدي, فليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه)([84]).

أمّا المقصود بقوله  (عليه السلام) : (كمن طلب الباطل فأدركه) ففيه إشارة إلى معاوية وأصحابه.([85])

وجدير بالذكر: الاستفهام عن عِلّة نهي الإمام علي  (عليه السلام)  عن مقاتلة الخوارج بعده؟

وجوابه: هو انتفاء العلّة الموجبة لذلك؛ بمعنى أن عِلّة استحقاق القتل تتمثل في طلب الباطل لأنه باطل، لكنها منتفية في حقهم فينتفي لازمها، وهو استحقاق القتل.([86])

وفي الختام, إن سيرة الامام علي  (عليه السلام)  تؤكد إخلاصه العميق للدين, وحرصه الشديد على وحدة الأمة وسلامتها ونشر السلم والسلام بين ربوعها، فهو صلوات الله وسلامه عليه يتعبّد إلى الله عز وجل بالحفاظ على الوحدة, ويتمسّك بها كطريق إلى ثواب الله ورضوانه. فالوحدة مبدأ ديني وفريضة شرعية قبل أن تكون قضيّة سياسية أو مصلحة وقتية, وصَدَقَ أمير المؤمنين علي بن ابي طالب  (عليه السلام)  حينما قال: (وليس رجل – فاعلم - أحرص على جماعة أمة محمّد  (صلى الله عليه وآله وسلم)  وألفتها منّي, أبتغي بذلك حسن الثواب، وكرم المآب, وسأفي بالذي وأيت على نفسي)([87]).

 

الخاتمة

ومِن خلال ما تمّ بيانه حول السياسة العلوية السليمة, والتي هي – في واقع الأمر – ترجمة وامتداد للمنظور القرآني التشريعي، تبرز أحكام عدّة منها:

إن مبايعة القائد العام للدولة يجب أن تكون على أساس الاختيار المحض, ولا يجوز فيها الإجبار والإكراه تحت أي مسوّغ.

يجب الميل والركون إلى السلم بوصفه الركيزة الأساس في التشريع الإسلامي والقرآني، وعدم الانجرار إلى سُبل الحرب والقتال إلاّ في حال الاضطرار إلى ذلك.

إنّ التشريع الإسلامي، وما أكّده الإمام علي  (عليه السلام)  في سياسته – القولية والفعلية- تؤكّد وتوجب مبدأ هداية الآخر والنصح والإعذار له قبل اللجوء إلى منطق القوة والقتال.

إنّ الاعتقاد باصطفاف الحق وامتلاك الحجة واليقين ببطلان الآخر لا يسوّغ المبادرة على البدء بالقتال، بل لقد أكدت سياسة الإمام علي  (عليه السلام)  السلمية على إكراه الابتداء بالقتال مع الآخر.

يجب التمييز بين النوايا الجوهرية للآخر، أكان معانداً مُصرّاً على كفره وظلاله, أم مشتبهٍ عليه, أو مغرّر به، ولكلٍ حينئذٍ معيارٌ يكال به.

 

المصادر

خير ما نبتدئ به القرآن الكريم.

الإسلام عقيدة وشريعة/ شيخ محمود شلوت/ القاهرة/ دار القلم/ بدون تاريخ.

الإسلام والنصرانية/ الإمام محمد عبده.

أصول النظام الاجتماعي/ ابن عاشور.

الأمثل في كتاب الله المنزل/ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي/ دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الأولى/ 1423هـ-2002م.

تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)/ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الاولى/ 2008م.

تاريخ اليعقوبي/ احمد بن ابي يعقوب بن جعفر اليعقوبي (ت 284هـ)/ تحقيق عبد الأمير مهنا/ شركة الاعلمي للمطبوعات/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الاولى/ 2001م.

التشريع الإسلامي لغير المسلمين/ الشيخ المراغي.

تفسير الصافي/ محمد محسن الفيض الكاشاني (ت 1091هـ)/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الأولى/ 2008م.

التفسير الكبير/ الفخر الرازي محمد بن عمر (ت 606هـ)/ طهران/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الثانية/ بدون تاريخ.

تفسير المنار/ محمد رشيد رضا/ بيروت/ دار المعرفة/ الطبعة الثانية/ بدون تاريخ طبع.

دراسات في نهج البلاغة/ الشيخ محمد مهدي شمس الدين/ الطبعة الثانية/ دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان/ 1392هـ - 1972م.

الدستور القرآني/ عبد الله دروزه.

الرسالة الخالدة/ عبد الرحمن عزام.

السبيل إلى دعوة الحق والقائم بأمرها/ محمد البهي.

السلام في الإسلام/ حسن البنا.

السياسة الشرعية/ عبد الوهاب الخلاق.

شرح نهج البلاغة الجامع لخطب وحكم ورسائل أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب  (عليه السلام) / جمع الشريف الرضي/ ابن ابي الحديد المعتزلي (ت 656هـ)/ بيروت/ لبنان/ 2004م.

شرح نهج البلاغة/ كمال الدين ميثم علي البحراني (ت 679هـ)/ بيروت/ بدون تاريخ.

العلاقات الدولية في الاسلام/ محمد أبو زهرة/ القاهرة/ دار القوصية/ 1964م.

علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  رجل المعارضة والدولة/ الدكتور حسن باقر القزويني/ دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى/ بيروت/ لبنان/ 2004م.

علي سلطة الحق/ عزيز السيد جاسم/ تحقيق وتعليق صادق جعفر الروازق/ الغدير للطباعة والنشر والتوزيع/ الطبعة الاولى/ 2000م.

عهد الاشتر/ الشيخ محمد مهدي شمس الدين/ المؤسسة الدولية للدراسة والنشر/ الطبعة الثانية/ 2000م.

غرر الحكم ودرر الكلم/ عبد الواحد الآمدي التميمي/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ الطبعة الأولى/ بيروت/ 1407هـ.

الفتنة الكبرى/ طه حسين/ دار المعارف/ القاهرة/ الطبعة التاسعة/ 1978م.

فقه السنة/ السيد سابق.

لسان العرب/ جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الافريقي (ت 711هـ)/ الطبعة الأولى/ دار صادر/ بيروت/ 1990م.

المعجم المفهرس لألفاظ القرن الكريم/ محمد فؤاد عبد الباقي/ ضبطها ورتبها محمد سعيد الفحام/ دار المعرفة/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الخامسة/ 2007م.

المعجم الوسيط/ الدكتور أنصار أحمد وآخرون/ دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى/ 2008م.

المفردات في غريب القرآن/ ابو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني (ت 502هـ)/ ضبط هيثم طعيمي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الأولى/ 2008م.

الميزان في تفسير القرآن/ العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي (ت 1402هـ)/ تحقيق اياد باقر سلمان/ قدم له السيد كمال الحيدري/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ الطبعة الاولى/ 2006.

[1]. سورة البقرة/ من الآية 208.

[2]. سورة الأنفال/ من الآية 61.

[3]. المفردات في غريب القرآن/ ابو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني (ت 502هـ)/ ضبط هيثم طعيمي/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الأولى/ 2008م/ ص248.

[4]. لسان العرب/ جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الافريقي (ت 711هـ)/ الطبعة الأولى/ دار صادر/ بيروت/ 1990م/ ج12/ ص293.

[5]. المعجم الوسيط/ الدكتور أنصار أحمد وآخرون/ دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى/ 2008م/ ج1/ ص217.

[6]. المعجم المفهرس لألفاظ القرن الكريم/ محمد فؤاد عبد الباقي/ ضبطها ورتبها محمد سعيد الفحام/ دار المعرفة/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الخامسة/ 2007م.

[7]. سورة الأنفال/ من الآية 61.

[8]. التفسير الكبير/ الفخر الرازي محمد بن عمر/ طهران/ دار الكتب العلمية/ الطبعة الثانية/ بدون تاريخ/ ج15/ ص187.

[9]. تفسير المنار/ محمد رشيد رضا/ بيروت/ دار المعرفة/ الطبعة الثانية/ بدون تاريخ طبع/ ج10/ ص69.

[10]. سورة الأحزاب/ 56.

[11]. سورة الحشر/ من الآية 23.

[12]. سورة الأنعام/ من الآية 127.

[13]. تفسير الصافي/ الفيض الكاشاني/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الأولى/ 2008م/ ج1/ ص502.

[14]. سورة المائدة/ من سورة 16.

[15]. تفسير الصافي/ الفيض الكاشاني/ ج1/ ص402.

[16]. سورة البقرة/ من الآية 208.

[17]. تفسير الصافي/ الفيض الكاشاني/ ج1/ ص178.

[18]. سورة الأنعام/ من الآية 54.

[19]. الأمثل في كتاب الله المنزل/ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي/ دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الأولى/ 1423هـ-2002م/ج4/ ص211.

[20]. سورة النور/ من الآية 61.

[21]. تفسير الصافي/ الفيض الكاشاني/ ج2/ ص540.

[22]. سورة هود/ من الآية 48.

[23]. سورة الحجر/ الآية 46.

[24]. الأمثل في كتاب الله المنزل/ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي/ ج8/ ص60.

[25]. سورة الصافات/ الآية 79.

[26]. الأمثل في كتاب الله المنزل/ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي/ ج14/ ص248.

[27]. سورة الصافات/ الآية 109.

[28]. سورة الفرقان/ من الآية 63.

[29]. الأمثل في كتاب الله المنزل/ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي/ ج11/ ص221.

[30]. سورة الزخرف/ من الآية 89.

[31]. سورة الزمر/ من الآية 29.

[32]. تفسير الصافي/ الفيض الكاشاني، ج3، ص242.

[33]. سورة البقرة/ الآية 208.

[34].  الميزان في تفسير القرآن/ العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي/ تحقيق اياد باقر سلمان/ قدم له السيد كمال الحيدري/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ الطبعة الاولى/ 2006/ ج2/ ص85.

[35]. الميزان في تفسير القرآن/ العلامة محمد حسين الطباطبائي/ ج2/ ص85.

[36]. سورة الفتح/ من الآية 24.

[37]. دراسات في نهج البلاغة/ الشيخ محمد مهدي شمس الدين/ الطبعة الثانية/ دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ لبنان/ 1392هـ - 1972م/ ص24.

[38]. سورة الحجرات/ الآية 13.

[39]. دراسات في نهج البلاغة/ الشيخ محمد مهدي شمس الدين/ ص23.

[40]. الإسلام عقيدة وشريعة/ شيخ محمود شلوت/ القاهرة/ دار القلم/ بدون تاريخ/ ص464؛ العلاقات الدولية في الاسلام/ محمد أبو زهرة/ القاهرة/ دار القوصية/ 1964/ ص20.

[41]. سورة الممتحنة/ الآية 8.

[42]. سورة المائدة/ من الآية 2.

[43]. سورة البقرة/ الآية 208.

[44].  سورة الانفال/ الآية 72.

[45].  سورة النساء/ الآية 90.

[46]. سورة البقرة/ الآية 194.

[47]. من العلماء والباحثين المحدثين المؤيدين لرأي الأصل في الإسلام السلم: الإمام محمد عبده/ الإسلام والنصرانية/ ص22؛ الشيخ محمد رشيد رضا/ تفسير المنار/ ج10/ ص210؛ ابن عاشور/ أصول النظام الاجتماعي/ ص220؛ الشيخ المراغي/ التشريع الإسلامي لغير المسلمين/ ص23؛ أبو زهرة/ العلاقات الدولية في الإسلام/ ص47؛ عبد الله دروزه/ الدستور القرآني/ ص286؛ عبد الوهاب الخلاق/ السياسة الشرعية/ ص76؛ الشيخ محمود شلتوت/ الإسلام عقيدة وشريعة/ ص465؛ ‰ Y حسن البنا/ السلام في الإسلام/ ص25؛ عبد الرحمن عزام/ الرسالة الخالدة/ ص48؛ محمد البهي/ السبيل إلى دعوة الحق والقائم بأمرها/ ص31؛ السيد سابق/ فقه السنة/ ج3/ ص5.

[48].  نهج البلاغة/ خطبة رقم (3).

[49].  نهج البلاغة/ خطبة رقم (73).

[50].  شرح نهج البلاغة الجامع لخطب وحكم ورسائل أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب  (عليه السلام)  / جمع الشريف الرضي/ ابن ابي الحديد المعتزلي/ بيروت/ لبنان/ 2004م/ ج15/ ص65.

[51].  عهد الاشتر/ الشيخ محمد مهدي شمس الدين/ المؤسسة الدولية للدراسة والنشر/ ط2/ 2000م/ ص177.

[52].  عهد الاشتر/ الشيخ محمد مهدي شمس الدين/ ص177.

[53]. علي بن أبي طالب  (عليه السلام)  رجل المعارضة والدولة/ الدكتور حسن باقر القزويني/ دار العلوم للتحقيق والطباعة والنشر والتوزيع/ الطبعة الأولى/ بيروت/ لبنان/ 2004م/ ص219.

[54].  عهد الأشتر/ الشيخ محمد مهدي شمس الدين/ ص85.

[55].  غرر الحكم ودرر الكلم/ عبد الواحد الأمد التميمي/ مؤسسة الأعلمي للمطبوعات/ الطبعة الأولى/ بيروت/ 1407هـ/ الحديث 1587/ ص366.

[56]. عهد الأشتر/ الشيخ محمد مهدي شمس الدين/ ص177.

[57].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج6/ ص287.

[58]. دراسات في نهج البلاغة/ الشيخ محمد مهدي شمس الدين/ ص28.

[59].  الفتنة الكبرى/ طه حسين/ دار المعارف/ القاهرة/ الطبعة التاسعة/ 1978م/ ج2/ ص19.

[60]. علي بن ابي طالب  (عليه السلام)  رجل المعارضة والدولة/ القزويني/ ص342.

[61].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج9/ ص192.

[62].  تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك)/ أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310هـ)/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الاولى/ 2008م/ ج4/ ص297.

[63].  شرح نهج البلاغة/ ابن أبي الحديد/ ج9/ ص192.

[64].  علي بن ابي طالب  (عليه السلام)  رجل المعارضة والدولة/ القزويني/ص290.

[65]. شرح نهج البلاغة/ ابن أبي الحديد/ ج18/ ص432.

[66]. شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج18/ ص432.

[67]. ليُنظر:  علي سلطة الحق/ عزيز السيد جاسم/ تحقيق وتعليق صادق جعفر الروازق/ الغدير للطباعة والنشر والتوزيع/ الطبعة الاولى/ 2000م/ ص239.

[68].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج14/ ص222.

[69].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج9/ ص203.

[70].  م . ن/ ج10/ ص94.

[71].  م . ن/ ج9/ ص215.

[72].  م . ن/ ج9/ ص215.

[73].  ليُنظر: تاريخ اليعقوبي/ احمد بن ابي يعقوب بن جعفر اليعقوبي (ت 284هـ)/ تحقيق عبد الأمير مهنا/ شركة الاعلمي للمطبوعات/ بيروت/ لبنان/ الطبعة الاولى/ 2001م/ ج2/ ص80.

[74].  م . ن/ ج2/ ص87.

[75].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج4/ ص248.

[76].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج15 / ص65.

[77].  دراسات في نهج البلاغة/ الشيخ محمد مهدي شمس الدين/ ص35.

[78].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج15/ ص73.

[79].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج7/ص202.

[80].  وهو جرير بن عبد الله البجلي/ كاتبه الإمام علي  (عليه السلام)  مع زحر بن قيس الجعفي/ ينظر: شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج3/ ص52.

[81].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج3/ ص52.

[82].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج2/ص461.

[83].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج3/ ص166.

[84].  شرح نهج البلاغة/ ابن ابي الحديد/ ج5/ ص52.

[85].  شرح نهج البلاغة/ كمال الدين ميثم علي البحراني/ بيروت/ بدون تاريخ/ ج2/ ص325.

[86].  م . ن/ ج2/ ص325-326.

[87]. نهج البلاغة/ كتاب رقم (78). 

 

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD