الفساد الإداري

 في المنظور الإسلامي  (الجريمة المجهولة)

 

 

تأليف

 

المقدمة

الحمد لله الذي دعا إلى الصلاح والإصلاح وشَرَعَ في كتابه الكريم مناهجَ العلمِ والعمل المُفضية إلى مدارج السعادة ومعارج الفلاح والصلاة والسلام على من هدى إلى الصراط المستقيم وعلى آله الهداة الطيبين.

كل فرد عراقي واعٍ لا يَختلجه الرَّيبُ بأن العراق بات يعاني من آفة الفساد الإداري المستفحلة والخطرة في جميع مفاصل الدولة والمجتمع، ويطالب بمعالجته وإنقاذ الشعب العراقي المظلوم من هذا الداء الوبيل والوباء الخطر. وهذا أمر لا يختلف عليه اثنان فكثير من آثار الفساد ظاهرة للعيان ولو لم يقم الدليل القانوني عليها.

ومما ابتلي به هذا البلد وجود أكثر من مضيف لهذا الطفيلي وتوافر البيئة المناسبة لنموه وانتشاره، إضافة إلى ما هيأته المرحلة المظلمة من حكم النظام الدكتاتوري البائد من أجواء وغذاء وعوامل مساعدة أخرى كفيلة بأن تجعل منه داء مزمناً لا سبيل للخلاص منه، ففي المرحلة المظلمة كان الهم الأول للمسؤولين هو (كم سأضع في جيبي) لا كيف أخدم الوطن والمواطن، وسببه عدم ثقة ذلك المسؤول بالدولة وقراراتها إضافة إلى غياب الرقيب النزيه والحريص على مصلحة الوطن، ونتيجة هذا الموقف غير المسؤول فَشَت الرشوة وتعددت وسائل التفنن في استغلال المواطن، بسبب غياب الإحساس الوطني والديني لدى الموظفين مما افرز إهمالا وعبثاً بممتلكات الدولة وسرقة لموارد البلاد، وتمرير مشاريع الغرض منها النهب بدعوى البناء والعمران.

والأنكى في ذلك هو استشراء الفساد الإداري في مفاصل وأجهزة الدوائر المسؤولة على القضاء على الفساد الإداري، فيصبح هذا المرض الخطر مما يصعب السيطرة عليه. وكلما دخلت أمة لعنت أُختها، وهكذا الفساد الإداري كلما جاءت حكومة أعلنت الحرب على الفساد الإداري وذلك من خلال تصريح المسؤولين فيها، ولكن الجميع متفقون ان الفساد الإداري والمالي في العراق وصل إلى درجاته القصوى. وللأسف الشديد كان اللازم توقف الفساد الإداري عند حدّه قبل الإعلان عن هذه الفضائح التي زاد من تأثيراتها السلبية باعتراف الحكومة، والذين حاولوا في البداية وقف الفساد تعرضوا للاغتيالات والخطف والتهديد، وخلال العامين الماضيين لم تَبْدُ في الأفق أي تغيرات ايجابية تذكر بالرغم من إعلان الشعارات واقتباس الآيات القرآنية الكريمة التي ما فَتئتْ تملأ حيطان ومكاتب مؤسسات الدولة.

علماً أننا لا نرى أن يكون القضاء على الفساد الإداري من خلال جهات أمنية قمعية استخباراتية كما كان يفعل النظام البائد على طائفة وفئة من المجتمع دون غيرها. وإنما نريد اليوم دولة القانون الذي يتطلب أولاً وقبل كل شيء الوقوف عند حدود النصوص وحرماتها واحترام حرية الإنسان وصيانة كرامته بالتطبيق والأفعال لا بالشعارات والأقوال.

ويمكن الإشارة إلى ان الفساد الإداري قد يكون من العوامل الرئيسة في إسقاط الدولة والتاريخ خير شاهد على ذلك فالفساد الإداري الذي استشرى في زمن عثمان بن عفان أدى إلى الثورة عليه وقتله، كما إن الإمام علي بن أبي طالب  ( عليه السلام )  لما أراد أن يقتلع العناصر الفاسدة من النظام كانت النتيجة قيام المؤامرات والحروب كالجمل وصفين والنهروان وغيرها.

ان المجتمعات الغربية توجد مظاهر وحالات من الفساد الإداري لكنه فساد فردي يتحمله مسؤول معني مثلاً، ولكن ليس النظام كله فاسداً من أساسه، فقد حصل بعض المسؤولين على امتيازات اقتصادية شخصية ضمن عقود للشركات باستخدام صلاحياتهم ومسؤولياتهم، وقد أطيح بهم وحوسبوا وغادروا وظائفهم ومؤسساتهم وبقي النظام قائماً.

لقد تكلم الباحثون وكتبوا المقالات عن حجم الفساد الإداري وحكاياته المؤلمة، ولكن حينما يصل الأمر لمعالجته يجف القلم وتخرس الألسن، فبقيت طرائق وأساليب مكافحة هذه الآفة من دون تحدث بها. نعم، أنشأت جهات رقابية لمكافحة الفساد كمفوضية النزاهة العامة، ومكاتب المفتشين العموميين وديوان الرقابة المالية، وهذه وإن كانت من الجهات المسؤولة عن ذلك إلاَّ أنها غير كافية للقضاء على هذه الآفة، فكان هذا البحث محاولة لتسليط الضوء على وسائل مكافحة الفساد الإداري.

وفي الختام نسأل الله تعالى بجاه من لذنا بجواره مولانا أمير المؤمنين  ( عليه السلام )  أن يجعل هذا البلد آمناً ويرزقه من الثمرات وأن يعمه الصلاح والإصلاح فإنه نعم المولى والمجيب.

 

المدرسة المهدية الدينية/ النجف الأشرف

 

أهمية المال في الإسلام:

لما كان الفساد الإداري يقع في الأموال، فلا بد من بيان أهمية المال في الإسلام. قال الله تعالى في كتابه العزيز [الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً]([1]).

أخبر الله سبحانه وتعالى عن المال بأنه زينة الحياة الدنيا، فهو محور السعادة متى أخذ من مصادره المشروعة وصرف في مواضعه المطلوبة شرعاً، ومن أكبر أسباب الشقاء إذا عدل به عن الصراط السوي. وهو مدعاة الحضارة والعمران، كما أنه مجلبة الدمار والخسران. عليه تزدحم المطامع وبه تنال المآرب، وبينما تجده مثار الفتن ومعترك النزاع إذ تراه يصارع الضغائن فيصرعها، ويستأصل الأحقاد من منابتها فيجتثها، لولاه لاستراح القضاة من أكثر القضايا ولأمن من العطب كثير من نفوس البرايا، لفظ ضئيل ومعنى كبير، بنيت عليه المعاملات وتفرعت منه أكثر المخاصمات. وقد ذكر القرآن الكريم لفظ المال ستاً وثلاثين مرة([2]).

وقد قرن الإسلام حرمة المال مع حرمة النفس، وقد انصبت مقاصد الشريعة الإسلامية على حفظ الدين والعقل والنفس والمال والعرض.

تعريف الفساد الإداري([3]):

لا بد من تعريف بعض المصطلحات لتوضيح مصطلح الفساد الإداري ومنها:

1- النظام الإداري: هو مجموعة المؤسسات التي تملك وسائل المشروع وتحتكر سلطة وضع القوانين والأنظمة لتدبير هذه الدوائر في رقعة جغرافية معينة.

2- الإصلاح الإداري: هو التغيير الجوهري الذي يضمن إدخال تحسينات أساسية على الجهاز الإداري ومعالجة مشكلاته بأسلوب علمي دقيق على الوجه الذي يجعل هذا الجهاز قادراً على انجاز مهماته بكفاءة أكبر وبوقت أسرع وبكلفة أقل وذلك لتحقيق الأهداف العامة للدولة وبلوغ رضا المواطنين.

وبعدما عرفت ما المقصود من النظام الإداري والإصلاح الإداري يمكننا الآن تعريف الفساد الإداري.

3- الفساد الإداري: هو تجاوز المصلحة العامة لغرض مصلحة خاصة، وتتميز الدولة النامية بتفشي ظاهرة الفساد الإداري نسبياً أعلى ما هو موجود في الدول المتطورة، ويرجع ذلك إلى الهيئات الملائمة لنموه في الأجهزة الإدارية لتلك الدولة.

أسباب الفساد الإداري:

1- شرعنة وسائل الفساد الإداري وطرقه كعدِّ الرشوة هدية مما يؤدي إلى وصول المجتمع إلى ممارسة صور الفساد علناً.

2- سوء استغلال المنصب والنفوذ فقد تأكد ان عملية إهدار الأموال الطائلة جرت في الفترة الماضية نتيجة سوء استغلال المنصب وعدم الشعور بالمسؤولية.

3- توسل بعض أفراد المجتمع بالوسائل غير المشروعة علناً في الوصول لمبتغاه فلا يتردد الكثيرون مثلاً من دفع المال رشوة أو بالوساطة أو القرابة للحصول على فرصة تعيين في القطاع العام، ولا يجد مثل هؤلاء المفسدين حرجاً.

4- عدم الحرص والتبذير والاختلاس للمال العام وذلك بالتزوير لأسماء وهمية لقوائم رواتب وبأعداد غفيرة يؤدي إلى هدر أموال طائلة.

5- تعيين الأقارب والمحاسيب في المناصب الإدارية التي لا يستحقونها ولم يكونوا مؤهلين.

6- الحكم الفردي الذي هو أساس الفساد الإداري المقرون دائماً بالدكتاتورية، وذلك باحتكار السلطة الذي يؤدي إلى عدم العدالة والحرية والتعددية بإدارة الدولة. فإن غياب الحريات ومصادرة الحقوق والواجبات يؤدي إلى الفساد الإداري حتماً.

7- وجود البطالة المقنعة في دوائر الدولة بسبب وجود عدد كبير من الموظفين في دوائر ليس لها وظيفة إلاَّ التمجيد بأشخاص معينين أو للمراقبة والتجسس على المجتمع.

 8- سيطرة طائفة معينة من المجتمع أو فئة عنصرية معينة أو طيف من أطيافه أو عشيرة أو حزب من الأحزاب على إدارة الدولة والجهاز الإداري مما يُسبب حالة عدم التوازن بين فئات المجتمع وبالتالي يولد حالة الشعور بالغبن والظلم عند أغلبية المجتمع والكراهية فيما بينهم.

9- الجشع والطمع، الخصلتان اللتان ان التصقتا بشخصية إنسان فإنهما تتركان أثراً واضحاً وإنهما يبدءان من نقطة ولا ينتهيان.

10- المحسوبية حيث التلاعب في تنفيذ المشاريع لعدم توافر الرقابة الأفقية لكل المشاريع إضافة إلى موضوع المسايرات السياسية لبعض مراكز القوى في الأجهزة والإدارات والوزارات والشركات والمحسوبيات وهذا ما جَعَل كل العقود مشكوكاً في صحتها بسبب عدم دقة المراقبة.

11- عدم الشعور الوطني لدى بعض الموظفين والمسؤولين في مفاصل الدولة وعدم تَشبُّعهم بالحرص على الأموال العامة أو مال الدولة.

ومما يحز في النفوس ويحير الألباب أن أغلبية الذين قدموا من الخارج عند سقوط الدكتاتور والذين تبوَّؤا مناصب قد اعترفوا بأن العراق أكثر دول العالم فساداً إدارياً، فقد أجازوا لأنفسهم النهب والسرقة لغياب الرقيب والفوضى في ضبط الأمور المالية للدولة([4]).

12- الروتين أي تمديد العمل لإنجازه بأكثر من القدر اللازم، فمثلاً في دوائر الدولة يحتاج لعمل إلى ساعة حتى يحل بينما نرى أن الحل لا يكون إلا في خلال عشرة أيام مثلاً أو أكثر، والروتين أحد أسباب تبرم الجماهير وسَخَطهم على الدولة، وتنشأ مشكلة الروتين من المركزية وتعدد المراحل والمراجع للبت في أي موضوع واللامبالاة والتسيب والاتكالية، وقد تنشأ مشكلة الروتين نتيجة تضخم الموظفين في الدائرة وهو عبارة عن البطالة المزدوجة أو قد يهتم الموظف بشكل القانون أكثر من مضمونه ومحتواه، فبعضهم يهتم بصورة القانون لا بروحه مع العلم ان اللازم العمل بروح القانون لا بالجسد.

الفساد الإداري مؤشر سلبي في المجتمع:

إن الفساد الإداري يكشف عن مؤشرات سلبية موجودة في المجتمع والدولة منها:

1- إن الفساد الإداري مؤشر على ضعف ثقة الشعب بالحكومة وكما إنه يخلق حالة تذمر لدى المواطنين وهذا مؤشر على ضعف الدولة والنظام. فالفساد الإداري مؤشر على الفساد السياسي ونعلم بالضرورة أنَّ هنالك معادلة مُطَّردة فَحواها: أن الفساد السياسي في أداء الدولة ينتج بالضرورة الفساد الإداري.

2- إن الفساد الإداري مؤشر على أن العمل الجماعي والتنظيم الجماعي مازالا ضعيفين في المجتمع ودوائر الدولة.

3- الفساد الإداري مؤشر على عدم سيطرة الحكومة على التمويل الأساسي وانفاقه وعدم وجود آليات حول المدخولات والانفاق ولا يوجد ديوان رقابة أو محاسبة يمارس مهمات  دوائر الدولة.

4- الفساد الإداري مؤشر على غياب الكفاءة الإدارية وعدم استقرار الاقتصاد والفساد السياسي والبيروقراطية والمحسوبية في التوظيف والتفضيل على أساس القرابة أو الانتماء الحزبي.

5- الفساد الإداري مؤشر على اصطياد الدولة من قبل الشركات التي تدفع رشاوي للمسؤولين للتأشير على صياغة القوانين. وعلى العمولات غير الشرعية على الصادرات والواردات.

الفساد الإداري والإرهاب:

إن استخدام أدق الوسائل والخبرات في جريمة الفساد الإداري، وكثرة أعداد المفسدين الإداريين أصبح كالسرطان ينتشر بصورة سريعة. وأصبحنا نقرّ أن التصدي للفساد الإداري هو من أصعب الأمور، والعائق الأول في إعمار عراقنا الجديد، بل أصبح هو الظهير القوي للإرهاب. فهنالك ارتباط وثيق بين الفساد الإداري والإرهاب، فحينما ينحرف المسؤول أو الموظف عن حماية وطنه أو أداء واجبه بتقبله حفنة من المال فبإمكانه بيع الوطن لأعدائه.

فالفساد الإداري يمثل الخطر الثاني الذي يفتك بمفاصل الدولة بعد الإرهاب بل هو الاحتلال الآخر وبطريقة أخرى، فالاعتراف بوجود الفساد الإداري ليس كافياً بل لابد من اتخاذ خطوات فورية للحد منه لأن تأثيره لا يقع فقط ضمن تخريب الاقتصاد الوطني، وإعاقة إعمار العراق وانهيار الدولة وتوقف التطور الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بل يتعدى ذلك إلى تغذية وإدامة الشبكات الإرهابية التي تعمل في العراق. ومثال لعلاقة الفساد الإداري والإرهاب هو صرف الجوازات التي يستخدمها الإرهابيون في تحقيق مآربهم الإجرامية في عراقنا الجديد وتجنيد بسطاء الشباب في صفوف الإرهابيين.

الجهات المعالجة للفساد الإداري:

نعتقد بأن الإصلاح الإداري لا يتم فقط عن طريق الجهات الرسمية لمعالجة الفساد وذلك من خلال مؤسسات أنشأتها القوانين لمكافحته من مفوضية النزاهة العامة ومكاتب المفتشين العموميين وديوان الرقابة المالية. فهنالك وسائل أكثر فعالية من وسائل الردع العام بالعقوبات. ولكن هذه الوسائل وإن كان تأثيرها بطيئاً وتتطلب زمناً طويلاً لتُؤتي ثمارها، ولكن لا خيار في ذلك فلابد أولاً من إصلاح النفوس والتثقيف دينياً في حب الوطن والإصلاح ورفض الفساد من خلال مفهوم الإسلام، والتأكيد على ان مكافحة الفساد الإداري مهمة دينية أخلاقية وطنية لأنها تتعلق بمستقبل أجيالنا بالإضافة إلى حاضرنا.

وإن من يظن أنَّ هنالك طريقاً واحداً لمعالجة الفساد الإداري وهو ملاحقة المفسدين بالتدقيق والتحقيق والعقوبات الرادعة فهو مخطئ، لأن الفساد الإداري في العراق مرض مستفحل لا يمكن أبداً علاجه بالملاحقة الفردية للمفسدين لأن أعدادهم أكبر من أنْ تطولها أيدي آلاف المحققين، ولأن وسائلهم وخبراتهم في الجريمة والفساد الإداري أعظم وأدق من أن تصل إلى مستواها أعتى المؤسسات التحقيقية. كما نعتقد ان الملاحقات التحقيقية والقضائية والجزائية للمفسدين لا تكون كافية في القضاء على المفسدين، وإن أحداً لا ينكر ما لها من دور فاعل للردع الجزائي، كما إن للمؤسسات التحقيقية والرقابية الدور الفاعل في إيقاف الجريمة بشكل عام سواء أكانت جريمة عادية أم جريمة فساد إداري. إلاَّ أننا نؤمن إن تلك المعالجة لن تغني وحدها أبداً في القضاء على الفساد والمفسدين، ولو كان لها أثر ما في ذلك فإننا لا نقدره بأكثر من 20% من احتياجات مكافحة الفساد في مجتمعنا الذي وصل الأمر فيه أحياناً إلى شرعنة وسائل الفساد وطرائقه. بل نعتبر ان مسؤولية الوقاية والعلاج من مرض الفساد الإداري تدخل في وظائف ومهمات جميع السلطات والمسؤولين في الدولة بلا استثناء، فهي تعمل في ميدان مكافحة الفساد من موقعها الوظيفي قال رسول الله r (كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)([5]).

أهمية العامل الديني:

إن المجتمع العراقي لا يتجاهل قيمه الدينية والأخلاقية السائدة في مجتمعه، وهذه القيم التي تسود المجتمع ليست مجرد شيء عابر غير مرتبط بسلوك الفرد في مجتمعه فهي تدخل في الدولة وتعيش فيها عن طريق الموظفين. وهذه القيم مهمة للقضاء على الفساد الإداري، ولكن يجب استحضارها عند كل موظف، وأن يكون متسلحاً بها عقائدياً ومؤمناً بها من خلال التثقيف والتوعية. ولكن للأسف طغت المادية العمياء على القيم الدينية والأخلاقية لسلوك بعض الموظفين بل المجتمع مما أدى إلى انحرافه عن الطريق المستقيم وسحق حقوق المواطنين وانتشار الفساد الإداري.

ومعلوم إن الإسلام جاء بالوسطية بين المادة والروح وهما جناح الإنسان في التقدم والازدهار، لذا دعا إليها الإسلام كل حسب مورده بقوله تعالى [وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا]([6]).

وفي الحديث الشريف: (ليس منّا من ترك دنياه لآخرته ولا آخرته لدنياه)([7])، إن الوازع الديني هو الذي يلزم الفرد لأن (يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكره لها) وانه مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن إساءته إلى العمل وإلى سائر الناس. وهو ــ بحُكم هَيمنتهِ المولوية - يزرع في الموظف روح الإيثار بحيث لا يقدم مصلحته الشخصية على المصلحة العامة، والقيم الدينية التي يجب نشرها وتثقيفها للموظف ان لا تقتصر على العبادات والفروض بل لابد من التركيز على فقه المجتمع كالدين المعاملة والدين النصيحة، ولا تقتصر على فقه الأفراد، وبيان ان المال ليس هدفاً بل هو وسيلة لطرق تأمين الحياة الكريمة من مسكن ومأكل وملبس وغيرها، ولكن قِسْماً
من الأثرياء جعلوه هدفاً لا وسيلة مما أدى إلى تحطيمهم بل تحطيم
المجتمع، وإليه أشار الإمام أمير المؤمنين  ( عليه السلام )  في قوله: (حب الدنيا
يفسد العقل، ويصم القلب عن سماع الحكمة)([8]). كما ان الحديث الآخر (حب الدنيا رأس كل خطيئة)([9]) وإن الإسلام يرى ان المال لله سبحانه وتعالى، وإنما أعطاه للإنسان برسم الأمانة ليمتحن الإنسان، ففي القرآن الكريم [وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ]([10])، وقوله تعالى: [وَهُوَ الَّذِي
جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ]([11]).

وفي الحديث الشريف: (ليس لك من مالك إلاَّ ما أكلت فأفنيت ولبست فأبليت وتصدقت فأبقيت)([12]).

العامل الديني للقضاء على الفساد الإداري:

لقد قيل من شبَّ على شيء شاب عليه وهو صحيح إلى حد ما إذا لم يعالج عقائدياً فمن أدمن على ارتكاب المنكر وامتطاء الفحشاء ليس من السهولة إجباره على الإقلاع عمّا اعتاد ممارسته في حياته اليومية إلاَّ عن طريقٍ إصلاحه عقائدياً وعلاجه جذرياً.

وليس أشد منكراً وأبغض فحشاء من امتصاص دماء الناس والاستيلاء على أرزاقهم والتلاعب بها إذا ما علمنا سابقاً ان الطمع والجشع خصيصتان إن التصقتا بشخصية إنسان فإنهما تتركان أثراً واضحاً عند محاولة إزالتهما.

لقد رأينا وقرأنا وسمعنا بأن أكثر من نهبوا وسرقوا أموال العراق واختلسوها واتهموا بالفساد الإداري هم من طبقة المثقفين والمتعلمين الذين وفدوا علينا من بلاد الثقافة والعلم كما يقال وهي بلاد الغرب وممن حملوا الشهادات في بعض الأحيان، ولكن أصيبوا بمرض الجشع والطمع بسبب عدم الوازع الديني عندهم فلما غاب القانون عنهم ولم يكونوا تحت طائلة القانون مدّّتْ أيديهم إلى المال العام. بينما كشفت لنا الأيام ان بعض المؤمنين من أصحاب المهن البسيطة مثل الحراس والسواق في دوائر الدولة وبعضهم لا يقرءون ولا يكتبون قد دافعوا عن أموال الدولة والمال العام وإنْ أدّى في بعض الأحيان إلى تعرض حياتهم للخطر بسبب الوازع الديني والضمير الحي الذي كان متوقداً.

لذلك تُلاحظ ان العامل الديني هو الأهم في القضاء على الفساد الإداري، وخير ما نستشهد به في هذا المجال ما كتبه الإمام علي  ( عليه السلام )  إلى بعض عماله بقوله: (فولِّ من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك وأنقاهم جيباً وأفضلهم حلماً ممن يبطئ عن الغضب، ويرأف بالضعفاء، وينبو على الأقوياء، وممن لا يثيره العنف، ولا يعقد به الضعف، ثم ألصق بذوي المروءات والأحساب، وأهل البيوتات الصالحة، والسوابق الحسنة، ومن أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة فإنهم جماع من الكرم، ثم تفقد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الأمور ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلة ولا تشرف نفسه على الطمع، وأقلهم تبرماً بمراجعة الخصم، وممن لا يزدهيه اطراء ولا يستميله إغراء، ثم أسبغ على عمالك الأرزاق فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم، وغنى لهم عن تناول ما تحت أيديهم وحجة عليهم من خالف أمرك، أو ثلموا أمانتك)([13]).

وهنالك بعض المعالجات التشريعية والتنظيمية والقانونية لسد مداخل الفساد الإداري ومخارجه في كل ميدان يظهر فيه، منها:

أولاً: الفتاوى الشرعية:

1- الإفتاء بحرمة الاعتداء على أموال الدولة.

وإليك أيها القارئ الكريم فتاوي سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني في ذلك([14]):

السؤال: هل أخذ أموال الدولة من دون وجه حق حلال أو حرام؟

الجواب: لا يجوز.

السؤال: ما حكم من استأجر سيارات الدولة من قبل أصحابها علماً إنهم غير مخولين باستخدامها لأغراضهم الشخصية وما حكم الأموال المدفوعة على كلا الطرفين؟

الجواب: لا يجوز ولا تحلّ الأموال.

السؤال: ما حكم سرقة أموال الدولة التي لا تحكم بالشريعة الإسلامية ولا تعطي الشعب حقه؟

الجواب: لا يجوز.

السؤال: ما حكم الأدوات التي تأخذها من المستشفى مثل المناديل الورقية والقفازات والأدوات الغالية الثمن التي لا علاقة لها بالدراسة (أي أدوات يحتاج إليها في حياتنا عند المرض مثل العكازات) وغيرها من دون إذن من المستشفى وماذا يجب علي تجاهها وهل فيها كفارة؟

الجواب: لا يجوز إلاَّ بأذن المسؤولين في المستشفى أو الكلية ويجب إرجاعها مع الإمكان وإلاَّ فتصدق بمبلغها إلى الفقير المتدين.

السؤال: هل يجوز استخدام بعض الأجهزة كالهاتف أو آلة الطابعة في الدوائر لغرض شخصي وإن كان لضرورة؟

الجواب: يتبع الشرط في عقد التوظيف فإن كان عدم الاستخدام شرطاً في العقد الوظيفي ولو بنحو العموم فلا يجوز.

السؤال: إني مواطن عراقي لا يملك قطعة أرض سكنية ولدي عائلة وأطفال واسكن حالياً في بيت مع أهلي قديم قمت بالتجاوز على قطعة أرض فارغة عائدة للدولة ما حكم عملي؟

الجواب: سماحة السيد لا يجيز إحياء الأرض إلاَّ بإذن الجهات المسؤولة ذات الصلاحية.

السؤال: ما حكم استخدام القرطاسية والحاسوب والانترنت في المكتب الوظيفي العام لبعض الأغراض الشخصية؟

الجواب: يجوز بإذن المسؤول ولابد من التنسيق معه بالنسبة لما مضى إن لم يكن بإذنه.

السؤال: هل يجوز أخذ شتلة (زرع) (فسيلة) أو الورد أو بذورها من دوائر حكومية؟

الجواب: لا يجوز من دون إذن المسؤول.

السؤال: ما رأي سماحتكم في أن البعض في العراق قد أخذ من الدوائر الحكومية مكاناً له ويقوم بجمع الإيجارات التابعة للدائرة التي يسكنون فيها بحجة أنها تابعة لهم؟

الجواب: لا يجوز التصرف في ممتلكات الدولة إلاَّ بإذن الجهة المسؤولة عن ذلك بحسب القانون.

2- الإفتاء بوجوب حفظ النظام واحترام القوانيـن الوضعية في الدولة.

وإليكم نص استفتاء سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني:

السؤال: هل يجوز مخالفة القوانين الوضعية في الدولة؟

الجواب: لا يجوز مخالفة القوانين التي تجعل لمصلحة الناس.

3- الإفتاء بحرمة سرقة الوقت في الوظيفة.

وإليكم نص استفتاء سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني:

السؤال: ما رأيكم بالموظف الذي يعمل في دوائر الدولة ويخرج قبل الدوام المحدد له بذريعة انه لا عمل لديهم، علماً ان الوقت المتعارف اليوم هو يبدأ من الساعة الثامنة صباحاً وينتهي بالثانية ظهراً؟

الجواب: لا يجوز مخالفة القانون كما لا يجوز مخالفة العقد وشروطه عند التوظيف.

بل الواجب على الموظف أن يصرف جميع وقت الدوام في الوظيفة المطلوب أداؤها، فلا يجوز حتى النوم مثلاً في أثناء وقت الدوام في الوظيفة، وإليك نص استفتاء سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني:

السؤال: أنا أعمل في الليل هل يجوز أن أنام بضعة ساعات أثناء الدوام الرسمي  حيث لم نأخذ الاستئذان من المسؤول المباشر على ذلك؟

الجواب: لا يجوز التخلف عن القانون المرعي في المجال إلاَّ بإذن المسؤول. بل لا يجوز للموظف أن يترك دائرته في أثناء الدوام الرسمي بأي ذريعة حتى لو كان القيام بمستحب مثل زيارة الأماكن المقدسة أو زيارة مريض أو لسماع مجلس تعزية للإمام الحسين  ( عليه السلام ) ، كما لا يجوز له أيضاً ترك دائرته أو وظيفته في أثناء الدوام للحضور إلى اجتماع أو إقامة مهرجان أو احتفالية. وإليك نص استفتاء فتوى سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني.

السؤال: ما رأيكم بالذي يترك العمل بذريعة أنه يخدم المنبر الحسيني وأيام شهر رمضان وأيام شهر عاشوراء ويجب عليه أن يحضر المجالس الحسينية علماً انه لم يأخذ إجازة ولكن ترتيب مع المسؤول.

الجواب: لا يجوز مجرد ذلك إلاَّ إذا كان المسؤول مجازاً في الإذن من قبل رئيس الإدارة.

نعم، يجوز للموظف أخذ الإجازة عن الدوام أو يترك العمل في دائرته بأخذه بالإجازة من مسؤوله أو مديره فيما إذا كان ذلك المسؤول والمدير مخوّلاً باعطاء الإجازة حسب قوانين الوظيفة. وإليك نص استفتاء سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني.

السؤال: ما رأيكم بالموظف الذي ينسق عمله مع المدير أو أحد زملائه ولا يداوم بذريعة أنه أخذ الإذن من المدير أو المسؤول؟

الجواب: إذا كان المدير له حق إعطاء الإجازة يجوز الاستئذان منه وإلاَّ فلا.

4- الإفتاء بحرمة أخذ الأجرة على الوقت الذي تغيب الموظف عن وظيفته من دون إذن ممن له الحق في إعطاء الإجازة، وإن كان عدم دوامه لا يؤثر في سير الدائرة.

وإليك نص استفتاء سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني:

السؤال: ما هو رأيكم في اتساع ظاهرة ترك العمل في دوائر الدولة قبل الدوام الرسمي بحجة ان ترك العمل لا يؤثر بصورة فعلية في اتزان الدوام الرسمي علماً بأن هناك دوائر دوامها مناوبة ثنائية وثلاثية وبالرغم من ذلك يترك الموظف العمل.

الجواب: لا يجوز ولا يستحق الأجرة في فترة الغياب.

ولذا على الموظف ان يسترجع من راتبه بنسبة ما فوته من الدوام في دائرته، فأن أكله لهذا المال من دون مقابل سحت، لعدم استحقاقه إليه. وإليك نص استفتاء سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني:

السؤال: وإذا كان العمل لا يجوز فهل المرتب الذي يأخذه فيه أشكال؟ وهل يقطع منه شيء للحسابات في الدائرة نفسها حتى تبرأ ذمته؟

الجواب: يقطع منه بنسبة ما فوته من الحضور في الدائرة في مفروض السؤال.

5- الإفتاء بحرمة تصرف الموظف في أموال دائرته وأجهزتها للأغراض الشخصية أو في أطار غير مسموح به قانوناً، وإن كان لا يؤثر في الدائرة مادياً وإدارياً.

وإليك نص استفتاء سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني:

سؤال: أنا موظفة في قسم الحسابات يطلب مني زملائي بعض الأموال في حاجة ملحة، وأنا اسألهم أن تكون الحاجة ملحة بصورة صحيحة، فهل يجوز ذلك وما هو الحكم؟

الجواب: إذا كان يخالف القوانين المرعية في هذا المجال فلا يجوز.

سؤال: هل يجوز استخدام بعض الأجهزة كالهاتف أو آلة الطابعة في الدوائر لغرض شخصي وإن كان لضرورة؟

الجواب: يتبع ذلك قانون البلد ونظام الإدارة.

6- الإفتاء على حرمة دفع الرشوة للموظف من أجل التعييـن في الوظيفة، وإن انحصر التعييـن بدفعها، أو لتخليص المعاملة أو لتسريعها كما يحرم للموظف أخذ ذلك المال.

وإليك نص استفتاء سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني:

سؤال: هل يجوز دفع رشوة من أجل الحصول على وظيفة في القطاع الحكومي على أنه لا توجد طريقة أخرى في الوقت الحاضر؟

الجواب: لا يجوز.

سؤال: أعمل في دائرة حكومية وآخذ راتباً على عملي من الدائرة وأستطيع تخليص بعض المعاملات مقابل مال معين مثل استخراج فيزة عمالة أكثر من المسموح به عند الدولة وهكذا بعض المعاملات في الدوائر الحكومية، فهل في أخذ هذه الأجرة إشكال مع العلم أن غيري يعملها بالوساطة؟

الجواب: إذا كان عملك مخالفاً للقانون فلا يجوز.

ولقد صدر من مكتب سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله) استفتاءان عن الفساد الإداري وإليك نصهما:

الاستفتاء الأول:

بسم الله الرحمن الرحيم

مكتب سماحة المرجع الأعلى السيد السيستاني (دام ظله).

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..

وبعد: لقد تفشى ما يسمى بـ(الفساد الإداري) في أوساط الموظفين الحكوميين بحد لم يسبق له مثيل، ويتخذ أشكالا مختلفة:

منها تخلف الموظف عن أداء واجبه القانوني تجاه المراجع إلاَّ بعد أخذ مبلغ من المال.

ومنها قيام الموظف بالتجاوز على القوانين والقرارت الرسمية لصالح المراجع إذا دفع له الرشوة على ذلك.

ومنها منح الموظف مقاولة المشاريع الخدمية وغيرها بمبالغ تفوق بكثير متطلبات انجازها إلى من يوافق على إعطائه جزءاً من مبلغ المقاولة.

ومنها تولي مجاميع من الموظفين مهمة القيام بمشروع ما ويتقاضون أموالاً طائلة عليه في حين انه من ضمن واجباتهم الوظيفية التي يمنحون بإزائها الرواتب الشهرية. وهنالك الكثير من الأشكال الأُخر، نرجو بيان الحكم الشرعي في جميع ذلك أدام الله تعالى سيدنا المرجع ذخراً وملاذاً.

مجموعة مواطنين

 10 صفر 1426هـ

باسمه تعالى

يحرم على الموظفين التخلف عن أداء واجباتهم بمقتضى عقود توظيفهم النافذة عليهم شرعاً، كما يحرم عليهم تجاوز القوانين والقرارت الرسمية مما يتعين رعايتها بموجب ذلك، وما يأخذه الموظف من المال من المراجع وغيره - خلافاً للقانون-  فهو سحت حرام، كما ان إهدار المال العام والاستحواذ عليه بل مطلق التصرف غير القانوني فيه حرام ويستوجب الضمان واشتغال الذمة. والله الهادي.

               15 صفر 1426هـ

مكتب السيد السيستاني في النجف الأشرف

الاستفتاء الثاني:

بسم الله الرحمن الرحيم

سماحة آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله).

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:

لقد أخذ الفساد الإداري مأخذه في مؤسساتنا الحكومية من هدر الأموال العامة تحت عنوان بناء المشاريع الخدمية وتصليح البنية التحتية، ومنح الأموال بحجة الأعمال الإضافية في حين يوجد فائض بنفس الدائرة من الموظفين والفنيين فالأجدر استخدامهم ان كانت أعمال كثيرة وبرواتبهم الاعتيادية، وقيام بعض الموظفين بتأليف مجموعة منهم لبناء أو إصلاح مشروع وأخذ أموال طائلة على هذا الشيء في حين يمكن القيام به أثناء واجبهم في الدوام الرسمي وهم يتقاضون رواتب لا بأس بها.

فما هو موقفنا من هذه المعضلة علماً أننا أبدينا امتعاضنا ولم نسكت فأطلقنا ألسنتنا ضد هذا الداء فهل يكفي أم نلجأ إلى أمور أخرى. وما الموقف الشرعي من هؤلاء؟.

أفتونا مأجورين وفقكم الله.

مقلدكم/ أبو محمد

14/صفر/1426هـ

باسمه تعالى

إن تخلف الموظفين عن واجباتهم بمقتضى عقد التوظيف حرام، وما يأخذونه من المال سحت. والله الهادي.

مكتب السيد السيستاني في النجف الأشرف

                                 أجوبة المسائل الشرعية

                                                    15/صفر/1426هـ

ثانياً: الوسائل التشريعية:

1- استخدام النظام اللامركزي في العملية الإدارية وذلك لنجاحها في الدول المتطورة مدنياً واقتصادياً، لأن المركزية في الإدارة من الأسباب الرئيسة لهدر الوقت، فإن الحكومة المركزية بمعنى ان كل شيء مرتبط بها مما يؤدي إلى هدر الوقت، فإن كل معاملة أو طلب أو لائحة يرجع فيها من أدنى البلاد وأقاصيها إلى المركز، وهذا خلاف حرية الناس وغالباً ما تكون المركزية دكتاتورية، فإن المركزية معناها عدم تفويض السلطة، مما يؤدي إلى ان المراتب الدنيا من الدوائر تتهرب إلى التسويف والتأجيل والفرار من المسؤولية والرجوع دوماً إلى الرؤساء وذلك مما يسبب هدر الوقت أكثر فأكثر.

2- تشريع قوانين الضمان الاجتماعي التي تعد من أهم الوسائل التي تحصن الموظف من الفساد الإداري.

3- تكوين نظام اقتصادي متطور وذي نمو متصاعد مما يجعل مستوى دخل الفرد جيداً ليكون ضماناً تجاه كل أمراض الفساد الإداري مثل الرشوة والمحسوبية واستغلال النفوذ.

4- وضع دوائر رقابة شديدة تساهم في القضاء على الرشوة والفساد إضافة إلى وجود برلمان تشريعي قوي وصحافة حرة يجعل من الصعوبة التستر على عمليات الفساد الإداري.

5- وضع قوانين وإجراءات متشددة بحق المفسدين بممتلكات المواطنين والصالح العام، ويتساءل العراقي لماذا يطرد موظف يشتغل في القطاع الخاص أو المهن الأهلية عند اكتشافه بالسرقة أو التقصير بينما يبقى الموظف الحكومي في وظيفته حتى لو ثبت عليه التقصير أو السرقة مع العلم ان الموظفين في دوائر الدولة بعضهم يتستر على الآخر وهذا عكس ما يجري في القطاع الأهلي.

6- تأليف مجلس الخدمة العامة المختص بتعيين الموظفين في جميع دوائر الدولة، وسلب تلك الصلاحية ممن سواه، وينبغي لهم التحرز في اختيار منتسبي هذا المجلس ووضع التحرزات القانونية والرقابية التي تمنع الفساد والتجاوزات فيه. فإذا احتاجت أية وزارة أو دائرة  إلى تعيين موظفين لديها فتكتب بذلك إلى مجلس الخدمة العام ليتولى نشر إعلان لدعوة من تتوافر فيه الشروط للتعيين تطبيقاً لمبدأ المساواة بين المواطنين في تولي الوظائف العامة، ثم إخضاع المتقدمين للمنافسة أو لامتحانات تحريرية أو شفوية يحددها المختصون، أو الأولية لمن يملك امتيازات معينة يتفق عليها أعضاء مجلس الخدمة العامة حسب الوظيفة والموظف. ويحصل على الوظيفة الشاغرة من تفوق على غيره من المتقدمين. وتفعيل هذا المقترح يتطلب تدخلاً تشريعياً من الجمعية الوطنية بإصدار قانون بإنشاء أو إعادة تأليف المجلس المذكور.

إن تعدد الجهات التي لها سلطة في تعيين الراغبين بالوظائف كالوزراء والمُديرين العامين يؤدي إلى عدم احترام القواعد القانونية في تعيين الموظفين.

7- عدم قبول جميع التبريرات والحجج الواهية التي يتم بها تعيين الموظفين دون شمولهم بالضَّوابِطِ القانونية كذريعة الوضع الأمني وغيرها.

8- الاعتماد في التوظيف على الكِفايَةِ والأمانة. قال تعالى في محكم كتابه في قصة بنات النبي شُعَيْبٍ مع النبي موسى  ( عليه السلام ) : [قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنْ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ]([15]). تشير الآية الكريمة باستئجار الكفؤ والأمين وفسرت القوة بالكفاية. وحرمة التوظيف على أساس المحسوبية أو بالرشوة أو صلة القرابة. وقد سمعنا وشاهدنا هنالك من توظفوا في أماكن حساسة في الدولة وتسلموا المناصب الإدارية دون كفايَتِهم فيها.

9- إلغاء جميع القوانين التي مازالت تشكل غطاءً حقيقياً للمفسدين من عدم استطاعة القانون ان يَطُولَ منهم في أثناء تأدية وظيفتهم الرسمية إلاَّ بموافقة الوزير التابع له فإن هذا يكون له غطاء في فساد الموظف الإداري، فلا يجوز لأي عنوان رسمي أو سياسي أن يمنع من تحقيق مفوضية النزاهة أو مجلس الخدمة العامة من أن يحقق مع الموظف وأن يحيل الموظف إلى لجنة تحقيقية.

 10- لا يتمتع أي مسؤول أو موظف في الحكومة العراقية بالحصانة عن أفعال جنائية يرتكبها خلال قيامه بوظيفته. ويتمتع القضاء بالصلاحية التامة حصراً لتقرير براءة المتهم أو إدانته وفقاً للقانون من دون تدخل السلطتين التشريعية أو التنفيذية.

11- أن تكون القوانين التي تسن للقضاء على الفساد الإداري من الشفافية والوضوح والدقة بحيث لا يستطيع أحد أن يتجاوز عليها أو يتخطاها بأتباع أساليب ملتوية غير شفافة التي تثير الشك ويلتف خلفها من أجل المنفعة الشخصية على حساب المنفعة العامة.

12- العمل بمبدأ من أين لكَ هذا؟ وذلك لازمٌ على كل موظف من مدير عام فصاعداً في أن يقدم كشفاً سنوياً عن أمواله وأموال زوجته وأولاده المعيلين عند تعيينه أول مرة في المنصب المشمول بتقديم التقرير وملئه سنوياً وملئه في ختام خدمته ولهذا أهمية في الحد من الفساد الإداري.

13- ان تكون المناقصات علنية ومعلنة من قبل وسائل الإعلام المحلية، ولا يجوز إعطاء المناقصات والمقاولات من دون التنافس العلني، وان تكون العقود المبرمة عليها علنية، والجهة المنفذة لها كفوءة وأمينة ومسؤولة، وللأسف بأن كثيراً من العقود التي أبرمت بعيدة عن أبسط التعليمات، وقد تدفع قيمة العقد قبل أن يصل أي شيء للعراق أو يكمل المشروع.

ثالثاً: الوسائل الثقافية:

لابد من وسائل ثقافية لمعالجة الفساد الإداري حينما يصل المجتمع إلى ممارسة صور الفساد علناً بل وشرعنتها أحياناً فلابد من أن خللاً اجتماعياً وأخلاقياً أصاب ضميره أو ضمائر جزء كبير من أفراده، وهذا الشكل من الخلل يتطلب ما يلي:

1- العمل الجاد على إعادة بناء الإنسان وتوعيته وإيقاظ ضميره وغرز وزرع القيم الحميدة التي يجب ان يتحلى بها الإنسان ويتنزه عن الصفات الشائنة من خلال بيئته ووالديه ومدرسته وجامعته حتى تصبح من طبيعته وعادته. وإشاعة قيم المسؤولية والاستقامة والخوف من الله.

2- التوعية الإعلامية والصحفية وإصدار الكتب والمجلات وعقد المؤتمرات والندوات والمحاضرات وإلقاء الخطب وإيجاد مناهج دراسية تمجد خلق التعفف والنزاهة واحترام الذات وطاعة القوانين وبيان آثار الفساد الإداري وانعكاساته.

3- نشر ثقافة النزاهة والشفافية والخضوع للاستجواب والرقابة وفق ما نصت عليه القوانين وربط هذه الثقافة بمبادئ الدين والأخلاق والكتب المقدسة مثل أداء الشهادة وما يترتب عليها من ثواب، وتوعية المجتمع على وجوب النصيحة بالنسبة لبناء المجتمع، وإن المقصر فيها مأثوم وهو في حكم الخائن لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم  فإن نصيحة الموظف بالنسبة لمن يستشيره تكون واجبة لأنها مما تتوقف عليها حقوق الناس العامة، فإن ما يتعلق بالأمة والمجتمع أخطر شأناً مما يتعلق بالفرد.

4- استخدام الجهاز الإداري للدولة سُبلَ تقنية المعلومات الحديثة من الشبكة العالمية للمعلومات (الانترنت) ووسائل الاتصال الأخرى التي تساهم بسرعة في نقل المعلومات وتوفير الخدمات الضرورية للمجتمع خوفاً من هدر الوقت.

5- بناء مؤسسات المجتمع المدني من منظمات حقوق الإنسان ومنظمات ضد التمييز العنصري والطائفي ومعاهد التأهيل الاجتماعي التي تزيد من توعية المجتمع مدنياً وسياسياً وإداريا.

6- توعية الجماهير بحرمة الاعتداء على الأموال العامة وأموال الدولة وإن حرمتها أشد من حرمة الاعتداء على الأموال الخاصة أي أموال الأفراد، ونشر ثقافة فقه المجتمع بمستوى نشر ثقافة فقه الأفراد، وإن عنوان صفة الإيمان للفرد تكون منطبقة عليه عندما تكون معاملاته صحيحة وليست متوقفة على عباداته فقط فإن الدين المعاملة والدين النصيحة([16]).

7- اختيار لجان المشتريات لدوائر الدولة بصورة دقيقة وفاحصة من أهل الكفاية والأمانة، فلا يخفى على أحد أن أسوء صور هدر المال العام هو ما يقع من نهب وسرقة من خلال لجان المشتريات، فلابد من وضع قوانين للجان المشتريات لسد جميع ثغرات الفساد الإداري، وان تشكل لجنة سلامة التصرف بالمال العام في كل دائرة تراقب تصرفات لجان المشتريات. وإن يكون موظفو المخازن مما يوثق بدينه وأمانته فإن كثيراً ما تأتي مواد إلى المخازن ثم تخرج ولا يعلم أين تذهب؟! ولا يعلم توزيعها وكيف؟!.

كما على الدوائر ان تعلن الكشف عما أخذته من منح أو ميزانية وأين صرفتها وما هي المشاريع التي قامت بها؟.

8- إنشاء صندوق الشكاوي أو مكتب الشكاوي للمواطنين، ويعطى له الاهتمام ويشرف عليه من قبل رئيس الدائرة ومديرها مباشرة حيث تسمع فيه شكاوي المواطنين ومشكلاتهم.

الصفات التي يتحلى بها الموظف:

ان المؤسسات الدينية والمجتمع المدني والجامعات تقوم بدور تثقيف وتعليم أفراد المجتمع الصفات الحميدة وغرسها فيه حتى تكون جزءاً من كيانه وثقافته، كما إن على علماء الدين وأساتذة الجامعات والمدرسين والمعلمين المسؤولية في استحضار هذه الصفات من خلال الندوات والمقالات واللقاءات وخاصة علماء الدين مع الموظفين في دوائر الدولة لتركيز الصفات الحميدة لخلق موظف مثالي محصن ذاتياً قادر على حمل الأمانة التي تسلّمها على عاتقه، ومن هذه الصفات هي:

1- ان يكون الموظف متحلياً بصفة نفع المراجعين وقضاء حاجاتهم ومحباً للخير لهم، فلقد ورد مستفيضاً في الأحاديث الشريفة عن الأئمة الأطهار: (من أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس)([17])، (وإن خصلتين ليس فوقهما شيء: الإيمان بالله ونفع الأخوان)([18])، وقال سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام ) : (ليكن أحب الناس إليك، وأحظاهم لديك أكثرهم سعياً في منافع الناس)([19])، وفي هذا الحديث الشريف وضع الإمام علي بن أبي طالب ضابطاً مؤدّاهُ أن يكون مقدار محبة الناس على أساس مقدار ما يقدمه للآخرين وليس على أساس ما يملكه من حطام الدنيا والعناوين الأُخر كما في زماننا.

وقد ورد عن نبي الرحمة  (صلى الله عليه وآله وسلم ) : (ان الخلق عيال الله، فأحب الخلق إلى الله من نفع عيال الله)([20]).

2- ان يكون الموظف عفيفاً، فإن أفضل العبادة عند الله فيما عفَّ الإنسان بطنه وفرجه، فقد ورد عن الأئمة الأطهار  ( عليهم السلام )  انه: (ما من عبادة أفضل عند الله من عفة بطن وفرج)([21]) وقال رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم ) : (أكثر ما تلج به أمتي النار الأجوفان البطن والفرج)([22])، فعلى الموظف ان لا يكون مؤدياً للعبادات أبداً، بل ان يكون عفيفاً عن أموال الدولة مستغنياً عما في أيدي المراجعين، فإن الامتحان عليه عسير نتيجة اختلاطه ومُماسَّته مباشرة بالمراجعين وتحت يده أموال الدولة. ولذلك جعل الإمام الصادق  ( عليه السلام )  من عفَّ بطنه وفرجه منزلته في الجنة منزلة الملك المحبور بقوله  ( عليه السلام ) : (من عفّت بطنه وفرجه كان في الجنة ملكاً محبوراً)([23]).

بل نسب الإمام الصادق  ( عليه السلام )  شيعته واتباعه إليه فيما إذا عفّت بطونهم وفروجهم، فالذي لا يعف بطنه وفرجه فليس من شيعة جعفر بن محمد بشيء بقوله  ( عليه السلام ) : (إنما شيعة جعفر من عفَّ بطنه وفرجه واشتر جهاده، وعمل لخالقه ورجا ثوابه وخاف عقابه، فإذا رأيت أولئك فأولئك شيعة جعفر)([24]).

3- ان يكون الموظف قنوعاً راضياً بما رزقه الله، وليكن في حسبان الموظف انه بمقدار ما يرضى بما قسمه الله من الرزق فإن الله سبحانه وتعالى يرضى منه العمل. ومعلوم أن القناعة من مكارم الأخلاق كما أشار الإمام الصادق  ( عليه السلام )  فقد ورد: (أن من قنع بما قسم الله له فهو أغنى الناس، وإن من رضي من الله باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل)([25]).

قال الاسكندر الرومي([26]):

هي القناعة فالزمها تعش ملكاً
وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها
لو لم يكن منك إلاَّ راحة البدن
هل راح منها بغير القطن والكفن
 

 

4- ان يكون الموظف مجتنباً للحرام، والمراد هنا ان تكون معاملاته على طبق الشريعة الإسلامية فلا يفصل ما بين الدين والمعاملة، ولا يقصر تدينه على العبادات، فقد ورد عن رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم ) : (إن قوماً يجيئون يوم القيامة ولهم من الحسنات أمثال الجبال فيجعلها الله هباءاً منثوراً. ثم يؤمر بهم إلى النار، فقال سلمان: صفهم لنا يا رسول الله  (صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟ فقال: إما انهم قد كانوا يصومون ويصلّون ويأخذون أهبة من الليل، ولكنهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام وثبوا عليه)([27]).

5- ان يكون الموظف مهتماً بالمراجعين وقاضياً لحوائجهم وطلباتهم المشروعة وان لا يفرق بينهم في تقديم الخدمة لهم، ولهذه الوظيفة أجر عظيم وفضل كبير فقد ورد عن الرسول الكريم  (صلى الله عليه وآله وسلم ) : (المؤمنون أخوة، يقضي بعضهم حوائج بعض)([28])، وإن ( من قضى لأخيه المؤمن حاجة كان كمن عبد الله دهره)([29]). وإن (من قضى لأخيه المؤمن حاجة قضى الله له يوم القيامة مائة ألف حاجة من ذلك أولها الجنة)([30]).

ومقتضى إطلاق جملة من الأخبار الواردة في فضل قضاء حاجة المؤمن والسعي فيها سواء أكانت قضيت أم لا هو وجوب التزام المكلّف بها وعدم التفريط بحقها.

وعلى الموظف ان لا يستهين بحقوق فقراء الأمة وضُعفائها ولا يُفرق بين المراجعين فإنَّ الأمة التي تستهين بحقوق فُقرائها مصيرها نزول العذاب عليها، فقد بشرت الأمم بنزول العذاب عليها عند استهانتهم بحقوق الفقراء، فقد ورد في الأخبار (وما عذب الله أمة إلاَّ عند استهانتهم بحقوق فقراء إخوانهم)([31]).

وقد ذكرت الأحاديث الشريفة بان قضاء حوائج المنافقين من قبل الموظفين والاهتمام بالمحسوبين والجشعين فكأنما عبد غير الله تعالى، فقد ورد (ان من قضى حق من لا يقضي الله حقه فكأنما قد عبده من دون الله تعالى)([32]).

الصفات التي يتنزه عنها الموظف:

هنالك صفات على الموظف ان يتنزه عنها لما ورد من النهي الأكيد عنها والذم الكثير لمن ابتلي بها؛ منها:

1- ان لا يكون الموظف سيء الخلق مكفهر الوجه أمام المراجعين، ولا ينظر إلى المراجع له نظرة دونية وينفرهم عنه، فقد ورد في أخبار الأئمة الأطهار  ( عليهم السلام ) : (ان الخلق السيء يفسد العمل كما يفسد الخل العسل)([33]).

2- ان لا يكون الموظف طماعاً، فإن من لم ينزه نفسه عن دناءة المطامع فقد أذل نفسه، وإن الطمع الفقر الحاضر، ويخرج الموظف من الإيمان ويجعله أسيراً لطمعه. قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  ( عليه السلام ) : (إذا أحببت ان تجمع خير الدنيا والآخرة فأقطع طمعك عمّا في أيدي الناس)([34]).

3- أن لا يكون الموظف مُصاباً بصفة الكسل والضجر، فقد ورد في الأحاديث الشريفة إنهما يمنعان حظ صاحبهما من الدنيا والآخرة. وإن الموظف المصاب بداء الضجر والكسل لم يصبر على حق ولم يؤده فيكون مفرطاً في حق نفسه مجحفاً في حقوق المراجعين، ورحلت عنه الراحة. وإن للكسل علامات يتوانى حتى يفرّط، ويفرّط حتى يضيع، ويضيع حتى يأثم ويضجر، وإن التواني إضاعة في الدنيا وفي الآخرة حسرة([35]).

4- ان لا يكون الموظف مرتشياً، وإن الموظف المرتشي يرتكب كبيرة من الكبائر عند أخذه للرشوة ومن أخذها فقد كفر بالله العظيم هذا ما صرحت به الروايات الشريفة، ومال الرشوة سحت وهو مال حرام وأخذه ملعون على لسان الرسول  (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، روي عن النبي  (صلى الله عليه وآله وسلم ) : (لعن الله الراشي والمرتشي وما بينهما يمشي)([36]).

5- ان لا يكون الموظف غاشاً في جميع المهمات المكلف بها في وظيفته. فلو غشَّ مثلاً في عقد من العقود التي يبرمها مع شركة ما أو مؤسسة أو جهة ما فقد خرج من ذمة الإسلام وباء بسخط من الله، ونزع الله بركة رزقه وأفسد عليه عيشه. وهذا ما أشارت إليه الأخبار المروية عن الأئمة الأطهار منها: (إن من غشَّ الناس فليس بمسلم)([37])، و(إن من غشَّ أخاه المسلم نزع الله بركة رزقه وأفسد عليه معيشته ووكله إلى نفسه)([38]) فكيف إذا غشَّ المسلمين كافة خلال عقود مزورة أو مخلة بالشروط المطلوبة أو ليست على المواصفات المطلوبة أو إعطاء العقود إلى من لا يستحقها من أجل حفنة من النقود.

6- أن لا يكون الموظف حريصاً على دنياه، فمن كان حريصاً حرم القناعة وافتقد الراحة وحرم الرضا وافتقد اليقين، والموظف الحريص على الدنيا يصاب بالذل والعناء والفقر، لأن الحرص مفتاح التعب ومطية النصب وداعِ إلى التقحم في الذنوب والموقع في كبير الذنوب وعلامة الأشقياء ويزري بالمروءة وينقص قدر الموظف ولا يزيد في رزقه([39]).

والموظف الحريص بين سبع آفات صعبة، فكر يضر بدنه ولا ينفعه، وهمّ لا يتم له أقصاه، وتعب لا يستريح منه إلاَّ عند الموت، وخوف لا يورّثه إلا الوقوع فيه، وحزن قد كدر عليه عيشه بلا فائدة، وحساب لا يخلصه من عذاب الله إلاَّ ان يعفو الله عنه، وعقاب لا مفرَّ منه ولا حيلة([40]), ونختم الكلام بالحمد لله أولاً وآخراً.

المصادر

أولاً : الكتب

1- القرآن الكريم.

2- الكافي/ ثقة الإسلام الكليني (ت: 329هـ)/ دار الكتب الإسلامية/ طهران/ 1365هـ.

3- مستدرك وسائل الشيعة/ المحدث النوري (ت: 1320هـ)/ مؤسسة آل البيت/ قم/ 1408هـ.

4- الجعفريات (الاشعثيات)/ محمد بن محمد الاشعث الكوفي/ مكتبة نينوى الحديثة/ طهران.

5- وسائل الشيعة إلى معرفة تحصيل مسائل الشريعة/ المحدث محمد بن الحسن الحر العاملي (ت: 1104هـ)/ مؤسسة آل البيت/ قم/ 1409هـ.

6- الأمالي/ الشيخ الطوسي (ت: 460هـ)/ دار الثقافة والنشر/ قم/ 1414هـ.

7- مرآة الكمال لمن رام درك مصالح الأعمال/ آية الله العظمى الشيخ عبد الله المامقاني/ تحقيق: نجله الشيخ محي الدين المامقاني/ الطبعة الثانية/ قم/ 1413هـ.

8- مُصادَقَةُ الإخوان/ الشيخ الصدوق (ت: 381هـ)/ مطبعة الكرماني/ قم/ 1403هـ.

9- الاختصاص/ الشيخ المفيد (ت: 413هـ)/ المؤتمر الشيخ المفيد/ قم/ 1413هـ.

10- من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق (ت: 381هـ)/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم/ 1413هـ.

11- عيون أخبار الرضا/ الشيخ الصدوق (ت: 381هـ)/ دار العالم للنشر/ 1378هـ.

12- معاني الأخبار/ الشيخ الصدوق (ت: 381هـ)/ مؤسسة النشر الإسلامي/ قم/ 1403هـ.

13- المال المثلي والمال القيمي في الفقه الإسلامي دراسة مقارنة مع القانون العراقي/ الدكتور الشيخ عباس كاشف الغطاء/ رسالة دكتوراه/ جامعة بغداد.

14- في ظلال القرآن/ سيد قطب/ الطبعة الأولى/ عيسى البابي الحلبي وشركاه.

15- الفقه/ آية الله السيد محمد الحسيني الشيرازي/ دار العلوم/ لبنان/ 1410هـ - 1989م.

16- شبكة رافد للتنمية الثقافية/ مؤسسة آل البيت  ( عليهم السلام )  لأحياء التراث/ استفتاءات سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني (دام ظله).

ثانياً: المقالات

17- تهديد الشهود بالقتل يعرقل التحقيق في فساد الوزراء/ د. أسامة مهدي/ إيلاف/ العدد (1545)/ 14-8-2005م.

18- بسبب الغام الفساد الإداري التي غرسها النظام المباد: العراق يتصدر قائمة الدول الأكثر فساداً.. فما العمل؟/ جلال حسن/ جريدة الهدى/ تصدر عن مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون/ 14-8-2005م.

19- هل تستطيع الحكومة اللبنانية الجديدة البدء بعملية الإصلاح؟/ حسين عبد الله/ نشرة بيّنات/ موقع السيد محمد حسين فضل الله/ 7 رجب 1426هـ الموافق 2-8- 2005م.

20- 332 لجنة تحقيق عن الفساد الإداري في الداخلية/ صحيفة المدى/ العدد (22)/ 24 جمادي الثاني 1426هـ المصادف 30-7-2005م.

21- الأمن أبرز ما يعيق إعادة الإعمار/ كمال طه/ بغداد/ البرلمان العراقي يريد تحريك ملفات الفساد الإداري والمالي.

22- الفساد الإداري في العراق مظاهره وسبل إصلاحه/ د. جواد الموسوي/ جريدة الصباح/ 110-8-2005م.

23- الفساد الإداري/ سعد العمري/ البرلمان الثقافي/ إصدار 18-6- 2005م.

24- الفساد الإداري آفة مستشرية في دوائر الدولة/ حوار جريدة كل العراق مع اللواء نوري النوري المفتش العام في وزارة الداخلية/ العدد (160)/ الأربعاء 10- 8  2005م الموافق 4 رجب 1426هـ.

25- القضاء على الفساد الإداري بين الواقع والحلم/ الحوار المتمدن/ العدد (1195)/ 12- 5- 2005م.

26- معضلة الأمن بين العملية السياسية والفساد الإداري/ علاء غزالة/ جريدة الإيلاف/ العدد (1541)/ الأربعاء 10 اغسطس 2005م.

27- وزارة الكهرباء عقود كتب نصوصها رجال أعمال وتجار/ جريدة المؤتمر الوطني العراقي تبدأ بنشر ملف الفساد الإداري في الوزارات العراقية.

28- وسائل وسبل مكافحة الفساد الإداري/ القاضي رحيم حسن العكيلي نائب رئيس مفوضية النزاهة العامة/ جريدة الصباح/ 10- 8- 2005م.

([1]) سورة الكهف، آية: 46.

([2]) المال المثلي والمال القيمي في الفقه الإسلامي/1.

([3]) جريدة الصباح/ د. جواد الموسوي10/ 8/ 2005م.

([4]) جريدة كل العرب/ العدد (160)/ الأربعاء/ 10/ 8/ 2005م/ الموافق 4/ رجب/ 1426هـ.

([5]) بحار الأنوار 72/ 38.

([6]) سورة البقرة، آية: 201.

([7]) وسائل الشيعة/17/76، باب: 28، حديث: 22025.

([8]) غرر الحكم 1/ 381.

([9]) وسائل الشيعة 11/ 309.

([10]) سورة المنافقون، آية: 7.

([11]) سورة آل عمران، آية: 165.

([12]) شرح نهج البلاغة 16/ 91.

([13]) نهج البلاغة 427، حديث: 53.

[14]) شبكة رافد للتنمية الثقافية/ استفتاءات سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني.

([15]) سورة القصص/ آية: 26.

([16]) كتاب نشرناه بعنوان الدين النصيحة ومقالة الدين المعاملة.

([17]) أصول الكافي/2/164 ، باب الاهتمام بأمور المسلمين، حديث: 7.

([18]) مستدرك وسائل الشيعة/2/403/باب (22)/ حديث: 11.

([19])  المصدر نفسه/ 2/ 403/ باب (22)/ حديث: 16.

([20]) الأشعثيات أو الجعفريات/ 193.

([21]) أصول الكافي/2/ 80، باب العفة، حديث: 7.

([22]) مستدرك وسائل الشيعة/ 2 / 301، باب: 22، حديث: 3.

([23]) وسائل الشيعة/ 11 / 199/ باب 22، حديث: 10.

([24]) المصدر نفسه/ 11 / 199، باب 22، حديث: 13.

([25]) الأمالي/ الشيخ المفيد/ 192، حديث: 22، أصول الكافي/ 2/ 56/ باب مكارم الأخلاق، حديث: 2، أصول الكافي/ 2 / 138/ باب القناعة/ حديث: 3.

([26]) مرآة الكمال/ المامقاني/ 2 / 361/ حاشية.

([27]) أصول الكافي/ 2/ 481/ باب اجتناب المحارم/ حديث: 5.

([28]) مصادقة الأخوان/ 26.

([29]) وسائل الشيعة/ 11/ 579/ باب: 25، حديث: 11.

([30]) أصول الكافي/ 2/ 192/ باب قضاء حاجة المؤمن، حديث: 1.

([31]) مستدرك وسائل الشيعة/ 2/ 408/ باب 27/ حديث: 11.

([32]) الاختصاص 243.

([33]) أصول الكافي/ 2/ 321/ باب سوء الخلق: حديث: 1.

([34]) الفقيه/ الصدوق/ 4/ 280/ باب: 176، حديث: 830.

([35]) مستدرك وسائل الشيعة/ 20/ 336/ باب: 66، حديث: 2، الفقيه/ 4/ 256/ باب: 176/ حديث: 821، الكافي/ 5/ 85/ باب كراهية الكسل، حديث: 2.

([36]) مستدرك وسائل الشيعة/ 3/ 196/ باب: 8، حديث: 8.

([37]) عيون أخبار الرضا/ 198.

([38]) عقاب الأعمال/ 334/ باب يجمع عقوبات الأعمال.

([39]) معاني الأخبار/ 197/ باب معنى الغايات، حديث: 4، مستدرك وسائل الشيعة/ 2/ 336/ باب: 64، حديث: 10.

([40]) مستدرك وسائل الشيعة/ 2/ 335/ باب: 64، حديث: 9.

 
 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD