كتاب الصلاة

 

تأليف آية الله العظمى

 الشيخ

 علي كاشف الغطاء

(1331 هـ – 1411هـ )

 

ذي الحجة 1405هـ                                                                 آب 1985

 

مكتبة كاشف الغطاء                                                              النجف الأشرف

1423 هـ                                                                                      2002م

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كتاب الصلاة

مقدمة

الصلاة هي عمود الدين، إن قُبلت قُبل ما سواها وإن رُدت رُد ما سواها, وبها للصدور المصدوعة المكلومة شفاء, وبها نهي النفس الأمارة بالسوء عن المنكر والفحشاء. فيا لها من عملٍ جليل هو فعلاً ذو أثرٍ جميل, تعرجُ به النفس نحو الملكوت الأعلى، وتستنشق به شذا السعادة المثلى التي يركض لها المتقون, والمنهل العذب الذي يكرع من رحيقه الصالحون حيث يقف المصلي امام الجلال والجبروت, أمام ربه وخالقه بخضوعٍ وخشوع ثم يتصوّر عظمته وعزتَهُ وجلالَهُ ونعَمِه وجَماله وآلاءهُ وألطافه, ويقيسه بسائر الكائنات والموجودات فيقول (الله أكبر) صرخة في وجه من طغى وتكبَّر, ثمَّ يستعين به على حمده والشكر على المزيد من رحمته والثناء على سمو قداسته بقوله (بسم الله الرحمن الرحيم), ثم يتصوّر ألطافه السابقة وأياديه الواسعة وجلائل نعمه الظاهرة والباطنة فيحمده قائلاً (الحمد لله) واصفاً له بأجلى نعوته فيقول (رب العالمين) ثم يدرك الحنان والرحمة من ذلك المبدأ الفيّاض عليه وعلى العالمين فيقول (الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) فهو إليه ترجع السعادة الأبدية والشقاء الخالد, ثم سوقه الشعور بالواجب الى البراءة عمن سواه ممن ألبسه الجهل والغباوة الإلهية وأنه هو المحمود بتلك الصفات العظيمة المخصوص بتلك العبادة الجليلة، لا ما ينحتونه من الأصنام والأوثان لقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) فيستعين بتلك الرحمة المطلقة والسلطان القاهر على كل ما لا يستطيع له صُنْعاُ ولا يقدر عليه استقلالاً, وكيف يستعين بغيره من مصنوع كيَّفه الهوى ونحته الخيال وهو جلت عظمته وعلا سلطانه بيده ملكوت السموات والأرض وإليه ترجع الأمور وتتبدل الأحوال, ثم يستجدي ذلك الرب للعالمين المالك ليوم الدين يستجديه الهداية الى الصراط الذي يوصله لسعادة الدارين والفوز بالنشأتين ذلك الصراط المستقيم صراط الهداية والرشاد بقوله (إهدنا الصراط المستقيم) فإنه خير ما يرغب إليه الراغبون ويتطلبه الطالبون, ثم حرصاً على الوصول الى الغاية يخص ذلك الصراط بنعتٍ آخر يوجّه إليه دون ما عداه بقوله (صراط الذين أنعمت عليهم) وحيث إن نعمه شاملة للضال والمهتدي والمغضوب عليه والمرْضّي عنه خصَّ الذين أنعم عليهم بقوله (غير المغضوب عليهم ولا الضالين).

 

 ثم إذا انتهى به الحديث في الوصف والطلب صَعقَهُ ذلك الجلال وراعته تلك الهيبة انحنى راكعاً خاشعاً مستشعراً لعظمةٍ لا توصف منزهاً لها في حمدهِ قائلاً (سبحان ربي العظيم وبحمده) ثم عاد مشتاقاً الى ذلك الجمال والجلال مادّاً طرفه نحو الرحمة المطلقة مشبهاً للعلو في العظمة بالعلو المادي مُصَرّحاً بأن هذا المحمود لا يضيع عنده حمد الحامدين ولا شكر الشاكرين، قائلاً :(سمع الله لمن حمده) وإذا امتلأ شعور من تلك العظمة خرّ ساجداً لها وهو معترف بعلوٍ فوق ما أدرك قائلاً (سبحان ربي الأعلى وبحمده), ثم يرفع رأسهُ مستغفراً تائباً من كل خطيئة قائلاً (أستغفر الله وأتوب إليه), وهكذا يكرر ذلك بمقدار ما يشعر به من عظمته وجلاله, ثم يرفع يديه قانتاً لله يستنزل ألطاف الله الربانية ويستدر من ربه الرحمة الإلهية في قضاء حوائجه وتيسير أموره ثم ينهي العمل بحمده الذي لا يُمَلّ ويشهد بأنه هو الإله وحده لا شريك له وأنّ محمداً هو عبده ورسوله الذي هداه لطريق النجاح وعرفه الوسيلة للفلاح وحيث قد انقطع عن الخلق وغاب عن العالم المادي منذ أحرم بصلاته فإذا عاد من ذلك الانقطاع وتلك الغيبة حيّا نبيه الصالحين من العباد ومن كان لديه بالتسليم بما يحي به القادم مع من يقدم عليه والوافد من يفد عليه. فالصلاة نِعمَ الصلة بالخالق عز وجل, وإنها بمنزلة السفر لربه الكريم يستنزل بها الألطاف الربانية ويستدر بها الرحمة الإلهية يناشد بها رب السموات والأرضين بكبريائه وعظمته ويستنجد بجوده وجبروته ويستعطفه بعفوه ورحمته أن يدخله في كل خيرٍ دنيوي وأخروي أُدخل فيه محمد وآل محمد ويخرجه من كل سوءٍ وشر أخرج منه محمداً وآل محمد, فهي السعادة التي يركض إليها المتقون والمنهل العذب الذي يكرع من رحيقه الصالحون.

 

     قدس الله روح الوالد وجعل قبره روضة من رياض الجنة, وقد استفدنا من درسه هذا الوصف لهذا العمل الجليل وكم له من فوائد قيمة وآثار طيبة.

الصلاة لغة وشرعاً

الصلاة مفرد صلوات، وهي أسم يوضع موضع المصدر، يقال صلى صلاةً وكان القياس تصليةً([1]) نظير ذكى تذكيةً.

 وعند معاشر المسلمين هي الأفعال المأتي بها قربةً الى الله تعالى المفتتحة بالتكبير للإحرام والمختتمة بالتسليم للإحلال, ذات الركوع والسجود أو ما يقوم مقامهما.

أما الصلاة على الميت فهي ليست بصلاة، وإنما تكبيرات وتمجيد لله تعالى ودعاء.

منزلة الصلاة بالنسبة للعبادات

هي نعم الصلة للعبد بخالقهِ، وعندما يحُاسب العبد فهي أول ما يُحاسَب عليها فإن قُبلت قُبل ما سِواها وإن رُدت رُدَّ ما سواها, وهي عَمود الدين.

ثواب الصلاة

قال الله تعالى [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّىوَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى]([2]) وقال تعالى [قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ]([3]) وقال تعالى [وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ  الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ ]([4]) وقال تعالى [وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ]([5]).

وعن الخصال بسنده عن ضمرة بن حبيب، قال سُئل النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) عن الصلاة فقال( صلى الله عليه وآله وسلم) : (الصلاة من شرائع الدين وفيها مرضاة لرب العالمين، فهي منهاج الأنبياء، وللمصلي حب الملائكة. وهدى وإيمان ونور المعرفة وبركة في الرزق وراحة للبدن وكراهة للشيطان وسلاح على الكافر وإجابة للدعاء, وقبول للأعمال وزاد للمؤمن من الدنيا الى الآخرة وشفيع بينه وبين ملك الموت، وأنيس في قبره وفراش تحت جنبهِ وجواب لمنكر ونكير وتكون صلاة العبد عند المحشر تاجاً على رأسه, ونوراً على وجههِ ولباساً على بدنه وستراً بينه وبين النار وحجةً بينه وبين الرب جلَّ جلاله، ونجاة لبدنهِ من النار وجوازاً على الصراط ومفتاحاً للجنة ومهوراً للحور العين وثمناً للجنة. بالصلاة يبلغ العبد الى الدرجة العليا لأن الصلاة تسبيح وتهليل وتحميد وتكبير وتمجيد وتقديس وقول ودعوة)([6]).

وعن الرضا (عليه السلام  ): (علة الصلاة أنها "إقرار بالربوبية لله عزَّ وجلَّ وخلع الأنداد وقيام بين يدي الجبار جل جلاله بالذل والمسكنة والخضوع والأعتراف)([7]).

عقاب تارك الصلاة

قال الله تعالى [فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ]([8])، وعن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم): (حافظوا على الصلوات فإن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة يدعى بالعبد فأول شيء يسأله عنه الصلاة فإن جاء بها تامة وإلا زج في النار)([9]) وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم): (من ترك الصلاة لا يرجو ثوابها ولا يخاف عقابها فلا أبالي أيموت يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً)([10]).

وعن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم): (لا تضيعوا صلاتكم فإن من ضيع صلاته حشر مع قارون وهامان وكان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين)([11]).

وعن كتاب العلل في البحار (أعلم أن تارك الصلاة مستحلاً كافراً إجماعاً)([12]) كما ذكره في المنتهى، قال: (ولو تركها معتقداً بوجوبها لم يكفر وإن أستحل القتل بعد ترك ثلاث صلوات، والتعزيز فيهن) ثم قال: (ولا يقتل عندنا في أول مرة ولا إذا ترك الصلاة ولم يعزر وإنما يجب القتل إذا تركها مرة فعزر ثم تركها ثانية فعزر ثم تركها ثالثةً فعزر فإذا تركها أربعة رابعة فأنه يقتل، ونسب الى بعض الجمهور يقتل أول مرة).

 

حكم تارك الصلاة

لا ريب أنّ ترك الصلاة إنكاراً لتشريعها من الله تعالى وجحوداً لفرضها على العباد كفر عند المسلمين وخروج عن الإسلام بإجماع علماء الدين، وأما من تركها تكاسلاً أو تشاغلاً عنها أو لأعتقاده بعفوه عنها مع إيمانه بتشريعها واعتقاده بوجوبها فهو لم يخرج عن الإسلام.

ويدل على ذلك ما عن الكافي في الصحيح عن ابن سنان أن الأمام أبا عبد الله (عليه السلام  ) قال: (من أرتكب كبيرة من الكبائر فزعم أنها حلال أخرجه ذلك من الإسلام وعذب أشد العذاب ،وإن كان معترفاً أنه أذنب ومات عليه أخرجه من الإيمان ولم يخرجه من الإسلام وكان عذابه أهون من عذاب الأول)([13]). نعم يستحق تاركها المعتقد لوجوبها التعزير والقتل بعد الثلاث أو الأربع على ما سيجيء بيانه في كتاب الحدود والتعزيرات، والحاصل أن حال تركها من المعتقد لوجوبها كحال غيره من الكبائر الموجبة لذلك، وأما إطلاق الكفر عليه ليس إلاّ كإطلاقه على غيره من فعل الكبائر وترك الفرائض ليس المراد به إلاّ المبالغة في عظم الذنب.

وقد روي عن علي (عليه السلام  ) إنه قال: (علموا صبيانكم الصلاة وخذوهم بها اذا بلغوا ثماني سنين)([14]).

واحتمال اختصاص الصلاة بهذا الحكم أعني كون تركها موجباً للكفر الحقيقي المرتّب عليه وجوب القتل والنجاسة واستحقاق الخلود في النار لا وجه له, إذ ليس للإسلام حقيقة سوى الإقرار باللسان والاعتقاد بالجنان وهو متحقق في تاركها فيكون مسلماً لا كافراً، نعم لو تركها على جهة الاستحلال وإن فعلها غير داخل في الإسلام كان كافراً لأن يستلزم الجحود بالرسالة وعدم الإقرار بالإسلام، نعم قد نعتبر عدم ترك الصلاة في مفهوم الإيمان إذ لو اعتبر في الإسلام لأستلزم كفر غالب المسلمين، فالعمل على ما عليه أصحابنا من عدم الكفر بمجرد الترك وحمل الكفر الوارد في تركها على معنى الكفر الوارد في غيرها من الكبائر فالمراد من الكفر المبالغة في عظم الذنب وكفى العقل شاهداً بفضلها على سائر الأعمال من حيث اشتمالها على أكثر الطاعات من الإقرار بالعقائد الدينية ومكارم الأخلاق من الخضوع والخنوع والتذلل بالقيام والركوع والسجود، ووضع أشرف أعضاء البدن على التراب واشتمالها على أكثر المستحبات كقراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل والتكبير والمدح والشكر والصلاة على النبي وآله الى غير ذلك من أفعال القلب واللسان وأفعال سائر الأركان والمحكي عن خبر مسعدة بن صدقة سأل الأمام أبا عبد الله (عليه السلام  ): (ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة قد سميته كافراً وما الحجة في ذلك, فقال(عليه السلام  ): (لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة, لأنه تغلبه, وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافاً بها, لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذ لأتيانه أياها وقاصداً إليها, وكل من ترك الصلاة قاصداً لتركها فليس يكون قصده لتركها اللذة, فإذا انتفت اللذة وقع الاستخفاف, وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر)([15]).

الصلاة قبل الإسلام

إن الصلاة قد شرعت قبل الإسلام كما قد دل على ذلك صريح القرآن الكريم, ولابد أن يكون تشريعها بكيفيات خاصة وبأعداد مخصوصة، وفي التحفة الأحمدية ما حاصله: أن أول من صلى الصبح آدم (عليه السلام  ) وكان لا يعرف ظلمة الليل فلما رآها خاف أن تكون من أجل خطيئتهِ فبات مغشياً عليه، فلما أصبح رأى ضوء الفجر صلى ركعتين شكراً لله تعالى.

وأول من صلى الظهر إبراهيم (عليه السلام  ) لما فدى ولده بذبح عظيم, وكان قد أصابته هموم أربعة: ذبح ابنه, وخوفه من عدم رضوان ربه, ووجد والدة ابنه, وشماتة عدوه أبليس, فلما زالت همومه الأربعة صلّى في الظهر أربع ركعات شكراً لله تعالى على زوالها.

وأول من صلى العصر سليمان (عليه السلام  ) لما رد الله تعالى عليه ملكه, وكبت عدوه, وأسال له عين القطر وتاب عليه فصلى في العصر أربع ركعات لهذه النعم الأرْبعَ، وأول من صلى المغرب عيسى(عليه السلام  ) لما قيل له أنه ثالث ثلاثة ليظهر كذبهم وافترائهم وليظهر عبوديته.

وأول من صلى العشاء يونس (عليه السلام  ) لما أخرجه الله من الظلمات الثلاث وأنبت عليه شجرة اليقطين.

 

وفي البحر الرائق أن صلاة الفجر أول من صلاها آدم (عليه السلام  ) حين أهبط من الجنة. وعن الإقناع عن شرح المسند أنّ الظهر كانت صلاة داود, والعصر كانت صلاة سليمان والمغرب كانت صلاة يعقوب, والعشاء كانت صلاة يونس, وقيل أن الظهر كانت صلاة إبراهيم (عليه السلام  ) والعصر للعزير, وقيل ليونس والمغرب لعيسى وقيل لداود, والعشاء لموسى وقيل أن العشاء خاصة بنبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم), وليس لنا ولا لهم دليل على ذلك يمكن الاعتماد عليه إلاّ أن الذي ظهر لنا من دراستنا للأناجيل والتوراة أن الصلاة عبارة عن التكلم مع الله ( عز وجل  ) وطلب ما يحتاج إليه الإنسان لجسده ولروحه مع تمجيد الله تعالى والشكر له وخلوص النية وطهارة التفكير ولا يشترط فيها أن يكون جسد الإنسان بكيفية خاصة فيجوز لمن يصلي عندهم أن يركع أو يقف أو يسجد أو يغمض عينيه أو يرفعهما الى السماء أو يبسط كفيه نحو السماء أو يجمعهما، وهي عندهم تتنوع حسب الظروف وتتغير حسب تقدم الناس في الحياة واختلاف آراءهم وأفكارهم, وعندهم خير الصلاة هو شدة التوجه فيها لا بطولها ولا بكثرة كلماتها, ويأتون بها لنوال البركة من الله تعالى والنصر على الأعداء ولطلب الولد ولرفع الجوع وكفارة عن المعصية كالقتل, ولغير ذلك من حوائجهم, كما إنه يظهر منهم أن الصلاة التي تكون فيها النيابة عن الغير وباسم الغير تقتضي أن يتصوّر نفسه نفس الغير وأنه تجسدت روح الغير فيه, ولا تنحصر الصلاة عندهم في موضع خاص ولا في زمن معين بل تجوز عندهم في أي موضع كان وفي أي وقت يكون ولكن اللائق عندهم حفظ أوقات معينة للصلاة, فأن اليهود يصلون عند الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة من النهار وعند بداءة الليل ونهايته وعند متناول الطعام, وعند المسيحيين في طقس الشرقيين الروم الصلاة المسماة بالباركليسي، المفروضة إقامتها عندهم كل يوم بعد صلاة الغروب في مدة الأربعة عشر يوماً التي يصومونها للسيدة مريم العذراء مبتدئين بها من أول شهر آب، تتضمن طلبات وتوسلات ثم في أواسط هذه الصلاة يصرخ المرتل بأعلى صوته قائلاً: (فلتخرس شفاه الذين لا يسجدون لأيقونتك المقدسة يا والدة الإله التي صوّرت من لوقا الإنجيل الكلي الطهر التي بها اهتدينا الى الأمانة المستقيمة), وحينئذ كل من في الكنيسة يسجد ويقبل الأرض أمام تلك الصورة لمريم المنصوبة أمام الهيكل على مائدة مرتفعة وهي مغطاة الرأس والشموع متقدة أمامها.

وقت تشريع الصلاة في الإسلام

     والذي يظهر من الأخبار أن الصلاة شرعت في أول البعثة، فأنها دلت على أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) لما أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأن آتياً أتاه فيقول يا رسول الله فينكر ذلك، فلما طال عليه الأمر كان يوماً يرعى غنماً لأبي طالب بين الجبال فنظر الى شخص يقول له يا رسول الله فقال له من أنت قال أنا جبرائيل أرسلني الله إليك ليتخذك رسولاً، فأخبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) خديجة بذلك, فقالت: يا محمد أرجو أن يكون كذلك، وكان يكتم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك فنزل عليه جبرائيل بماء من السماء وعلمه الوضوء بأن يغسل الوجه واليدين من المرفقين ومسح الرأس والرجلين الى الكعبين, وعلّمه الركوع والسجود، ولما تمَّ عمره الشريف أربعين سنة بعثه الله للعالمين رسولاً يوم الأثنين سبعة وعشرين من رجب, وعلّمه جبرائيل إذ ذاك حدود الصلاة ولم ينزل عليه أوقاتها فكان يُصلي ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي, وكانت الصلاة فرضاً عليه وسنة لأمته، ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسراءه ومعراجه, وفي اليوم الثاني من البعثة وهو يوم الثلاثاء دخل عليه علي(عليه السلام  ) فلما نظر إليه يصلّي قال: يا أبا القاسم ما هـذا؟ قال: هذه الصلاة التي أمرني الله بها فدعاه الى الإسلام فأسلم وصلى معه, وأسلمت خديجة، فكان لا يصلي إلاّ رسول الله وعلي الى جنبه وخديجة الى خلفه. ولما مضى على ذلك أيام دخل أبو طالب الى منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه جعفر, فنظر الى رسول الله وعلي بجنبه يصلّيان فقال أبو طالب لجعفر: (صل جناح ابن عمك) أي قف بجنب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) في الجانب الآخر ليتم جناحاً رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم), فكان علي (عليه السلام  ) الى جانب رسول الله (  صلى الله عليه وآله وسلم) وجعفر الى جانب رسول الله الآخر، وقد تكرر هذا العمل من أبي طالب (عليه السلام  )، ففي الخبر أنّ أبا طالب خرج من منزله في شدة القيظ متفقداً النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) وعلياً (عليه السلام  ) حتى صار الى جبل من جبال مكة فصعد مع جماعته الى قمته فإذا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) وعلي (عليه السلام  ) عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان, فقال أبو طالب لجعفر ابنه: (صل جناح ابن عمك ففعل)([16]). وفي خبر آخر: مرّ أبو طالب ومعه ابنه جعفر بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) وهو يصلي وعلي (عليه السلام  ) عن يمينه فقال أبو طالب لجعفر :(صل جناح ابن عمك ففعل)([17]).

ثم أسلم زيد بن حارثة عبد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) فكان يصلي خلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) علي (عليه السلام  ) وجعفر وخديجة وزيد بن حارثة وأتى على ذلك ثلاث سنين بعد البعث متخفياً خائفاً من قريش وطواغيتها ومن الناس وجبابرتهم, ويترقب أمر ربه لينجز رسالته على الوجه الأكمل فأنزل الله تعالى [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ )إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ]([18]) وكان الذين استهزئوا برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) خمسة، الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل, والأسود بن المطلب, والأسود بن عبد يغوث, والحارث بن طلاطلة الخزاعي، فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) على الحجر وقال: ( يا معشر قريش يا معشر العرب أدعوكم الى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وآمركم بخلع الأنداد والأصنام فأجيبوني تملكون بها العرب وتدين لكم العجم وتكونون ملوكاً في الجنة) فاستهزؤا منه وقالوا: (جُنَّ محمد بن عبد الله ولم يجسروا عليه خوفاً من أبي طالب ( رحمه الله ), وكان النبي( صلى الله عليه وآله وسلم)إذا صلى صلى بين الركنين الأسود واليماني وجعل الكعبة بينه وبين الشام بحيث يكون اتجاهه ( صلى الله عليه وآله وسلم) في صلاته للكعبة وبيت المقدس ما دام في مكة المكرمة. وفي ذات يوم دخل ( صلى الله عليه وآله وسلم) الكعبة وافتتح الصلاة فقال أبو جهل: من يقدم الى هذا الرجل فيفسد صلاته عليه فقام ابن الزبعري وألقى عليه فرثاً, وجاء أبو طالب ( رحمه الله ) وقد سل سيفه وأمر عبيده أن يلقوا السلا عن ظهره ويغسلوه, ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروا على أسبلتهم بذلك)([19]). ويروى عن عفيف التاجر أنه قال: (قدمت منى أيام الحج وكان العباس بن عبد المطلب تاجراً فأتيته أبتاع منه وأبيعه فبينما نحن كذلك إذ خرج رجل من خباء فنظر الى السماء, فلما رأى الشمس قد زالت قام يصلي تجاه الكعبة ثم خرجت امرأة فقامت تصلّي وخرج غلام يصلي معه فقلت: (يا عباس ما هذا الدين، فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وهذه امرأته خديجة آمنت به, وهذا علي بن أبي طالب آمن به)([20])، وعن المناقب لابن شهر آشوب أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) لم يشرع من العبادات مدة إقامته بمكة إلا الطهارة والصلاة, وكانت فرضاً عليه وسنة لأمته, ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسراءه الى أن قال: فلما تحوّل ( صلى الله عليه وآله وسلم) للمدينة فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية عشر من الهجرة في شعبان, وفي هذه السنة حوّلت القبلة وفرض زكاة الفطر وشرع فيها صلاة العيد، وكان فرض الجمعة في أول الهجرة بدلاً من صلاة الظهر, ثم فرضت زكاة الأموال, ثم الحج والعمرة, ثم فرض الجهاد, ثم ولاية أمير المؤمنين (عليه السلام  ) ونزل قوله تعالى [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ]([21]).

والحاصل: أن الصلاة قد شرعت في الإسلام في أول البعثة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي فرضاً على النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) وسنة على أمته، ولكن تشريع وجوبها وعددها الخمس بهذه الكيفية في ليلة الإسراء والمعراج، وقد كان إسراؤه بعد وفاة عمه أبي طالب (عليه السلام  ) ووفاة زوجته خديجة ( عليها السلام )، وعليه فلا وجه لما ذكره بعضهم من أنه افتقده في هذه الليلة أبو طالب وجعل يبحث عنه. وتوضيح الحال أن أبا طالب قد مات قبل الهجرة بثلاث سنين وأربعة أشهر, ثم ماتت زوجته خديجة ( عليهما السلام ) بعده بثلاثة أيام وقد سمى النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) هذا العام بعام الحزن، وبعد موت أبي طالب بقي النبي بمكة خائفاً من الناس مترقباً لأمر ربه ثلاثة أشهر وثلاثة أيام, ثم خرج الى الطائف ومعه زيد بن حارثة، فأقام بها شهراً ورجع الى مكة لما لاقاه من الأذى في الطائف, ثم بقي في مكة سنة ونِصْفَ السنة فأسري به الى بيت المقدس ورجع في الليلة نفسها لمكة المكرمة, وبقي بها سنة وأربعة أشهر إلا ثلاثة أيام, ثم أمره الله تعالى بالهجرة بعد أن قام بمكة ثلاث عشرة سنة من مبعثه( صلى الله عليه وآله وسلم).

 

ليلة الإسراء والمعراج وتحقيقها وبيان المعراج

إنّ ليلة الإسراء هي الليلة التي أسرى الله تعالى نبيه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم) من المسجد الحرام الى المسجد الأقصى بأخذ جبرائيل له( صلى الله عليه وآله وسلم), فلما انطلق به جبرائيل مرّ به على مسجد الكوفة فقال له جبرائيل: (يا رسول الله أنت الساعة مقابل مسجد كوفان فانزل فصّلِ فيه) فنزل ( صلى الله عليه وآله وسلم) وصلى فيه ركعتين, ثم انطلق به نحو بيت المقدس فصلى فيه ثم عرج به نحو السموات العلى, ولما بلغ البيت المعمور وحضرت الصلاة أذن جبرائيل وأقام، فتقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) فصلى ( صلى الله عليه وآله وسلم) بالصفوف التي خلفه من الملائكة والنبيين ثم لما وصل به الى سدرة المنتهى قال: (تقدم يا محمد فليس لي أن أجوز هذا المكان) فتقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) ما شاء الله أن يتقدم الى أن دنا من مقام النور الإلهي فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى, ثم نزل ( صلى الله عليه وآله وسلم) حتى تلقاه جبرائيل عند السدرة المذكورة فصحبه حتى هبط به الى الأرض في الليلة المذكورة نفسها للمكان الذي أخذه منه وهو مكة المكرمة، وأوى ( صلى الله عليه وآله وسلم) الى فراشه، حتى روي أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم) صلى الفجر من تلك الليلة بمكة المكرمة، ثم أنهم اختلفوا في تعيين الليلة التي وقع فيها الإسراء المذكور فعن الحسن وقتادة أنها ليلة الاثنين من شهر ربيع الأول بعد النبوة بسنتين, وقيل بستة أشهر، وفي رواية مرسلة عن أمير المؤمنين (عليه السلام  ) أنها بعد البعثة بثلاث سنين، وفي البحر الرائق أنها ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خَلَت من شهر رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً)([22]), وعن السدي والواقدي أنها ليلة السبت السابع عشر من شهر رمضان قبل الهجرة بستة أشهر بعد العتمة(2).

والظاهر أنها هي الليلة السابعة والعشرون التي قبل الهجرة بسنة، وهو الذي بنى عليه أكثر أهل السنة إن لم نقل كادَ أن يكون متفقاً عليه, وهو الذي يظهر من صاحب البحار حيث عبر: (أنهم قالوا كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة)(3), فإن إتيانه بضمير الجمع يوجب الظهور في ذهاب نوع العلماء الى ذلك.

وذكره صاحب الإقناع على سبيل إرسال المسلمات، وذهب الى ذلك ابنا طاووس من أنه قبل الهجرة بسنة إلا إنهما ذكروا أن ذلك كان في الليلة السابعة عشرة من شهر ربيع الأول, ولكن بيان أنّ من قال بكونه قبل الهجرة بسنة والتزم بكون مبعثه ( صلى الله عليه وآله وسلم)في اليوم السابع والعشرين من رجب لابد له من القول بكون إسراءه ( صلى الله عليه وآله وسلم) وعروجه ( صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلة هذا اليوم، أعني اليوم السابع والعشرين من رجب، وهما ممن يلتزمان بذلك لكون الشيعة اتفقت على أن مبعثه في ذلك اليوم، وإذا ثبت أن المشهور هو ذلك، فالعمل عليه حيث أن أرباب التواريخ والسَير يأخذون بما اشتهر إذا لم تقم الحجة المعتبرة على خلافه, بل لعل الكثير من القضايا ما يؤيد ذلك ويؤكده, ثم أن الظاهر أن المعراج قد وقع في ليلة اليوم السابع والعشرين من رجب وقد ذهب الى ذلك جماهير أهل السنة ولذا نجدهم يقيمون معالم الفرح والزينة في البلاد الإسلامية في هذه الليلة بهذه المناسبة.

وأما عند الشيعة فلابد لهم من الالتزام بذلك لأنه لا ريب عندهم في كونه مبعثه ( صلى الله عليه وآله وسلم) في اليوم السابع والعشرين من رجب، وهجرته ( صلى الله عليه وآله وسلم) بعد مبعثه ( صلى الله عليه وآله وسلم) بثلاث عشرة سنة عند جماهير المؤرخين فلا محالة تكون هجرته ( صلى الله عليه وآله وسلم)في اليوم السابع والعشرين من رجب، وإذا كانت ليلة المعراج قبل الهجرة بسنة كانت لا محالة واقعة ليلة اليوم السابع والعشرين من رجب وإلا لم تكن قبلها بسنة، هذا وقد عيّن بعض المؤرخين هذه السنة التي وقع فيها المعراج بالتأريخ الميلادي بعام (621) ميلادية.

ويمكن أن يقال، بل قد قيل أن اختلاف الأخبار في سنة المعراج وشهره ويومه من جهة تعدده، فإن في بعض الأخبار أنه عرج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) مائة وعشرين مرة وعلى هذا الأساس سمي المعراج الأول بمعراج العجائب وما عداه بمعراج الكرامة، وكيف كان فتشريع الصلوات الخمس كان في معراج الأول في مكة المكرمة قبل الهجرة بسنة، فهي أول عبادة كانت مفروضة على المسلمين.

كما أن الظاهر أن المعراج كان من دار أم هانيء أخت علي بن أبي طالب ( صلى الله عليه وآله وسلم) وأخت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) من الرضاعة, وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي، وأنه كان هبوطه ( صلى الله عليه وآله وسلم) بعد المعراج في دارها أيضاً وآوى الى فراشه, وعلى ذلك أكثر المفسرين والمؤرخين ولذا التجأ بعضهم كصاحب البحار الى تأويل المسجد الحرام في الآية المباركة بمكة لأن دار أم هاني ليست في المسجد الحرام وإنما هي في مكة خارج المسجد الحرام.

 والتحقيق أنه لا حاجة لهذا التأويل لما ذكره جمهور المتأخرين من أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم) بعد أن صلى العشاء نام في بيت أم هاني فهبط عليه الأمين جبرائيل وايقظه وأخذ بيده مسرعاً الى حيث الحطيم حول الكعبة فعرج به الى المسجد الأقصى وبهذا نجمع بين القول بكونه ( صلى الله عليه وآله وسلم) أسري به من المسجد الحرام وبين القول بكونه ( صلى الله عليه وآله وسلم) أسري به من خارج المسجد، والمراد بالمسجد الأقصى هو بيت المقدس، ولقب بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام. وذكر بعضهم أن الصلاة كانت قبل الإسراء صلاتين, صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها ،وأول صلاة فرضت وصلاها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) هي الصلاة الواقعة في الظهر وهي المسماة بالصلاة الوسطى لأنها وسط النهار ،وقيل أن أول صلاة فرضت وصلاها جبرائيل(عليه السلام  ) بالنبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليلة المعراج هي الظهر، وفي يوم الجمعة تكون صلاة الوسطى هي الجمعة لو تم شرائط وجوبها لأنها هي التي تكون وسط صلاتين. وأن الله تعالى أول ما بدأ بصلاة الظهر بقوله تعالى [أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ]([23]).وهذا لا ينافي كون المعراج ليلاً إذ لعل الصلوات الخمس قد صلاها جبرائيل بالنبي لتعليمه. وفي الخبر(أنه لما أُسري بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) كان أول صلاة فرضها الله عليه هي صلاة الظهر وقد صلاها بالملائكة)([24]).

     وأما عن العلل بسنده عن سعيد بن المسيب قال: (سألت علي بن الحسين (عليه السلام  ) فقلت: متى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم اليوم عليه، فقال (عليه السلام  ): بالمدينة حيث ظهرت الدعوة وقوي الإسلام وكتب الله على المسلمين الجهاد)([25]) فالظاهر أن المراد من هذا الخبر ليس خصوص الصلوات الخمس، وإلا فالإجماع كاد أن ينعقد على أنها قد فرضت بمكة ليلة الإسراء، وإنما المراد به الصلوات بجميع أنواعها حتى صلاة العيد وحتى بجميع شرائطها كالتوجه للكعبة ونحوه.

أو المراد منه فرضها بمظهرها الجذاب وعدم التخوف والتحرج في فعلها، ولذا نجده (عليه السلام  ) قد قرن ذلك بالجهاد، وإلاّ فلا إشكال في أن الجهاد كان فرضه بعدها.

ثم أنه عن جماعة أنه لما نزل قوله تعالى [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ]([26]) كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر وقت كل صلاة فيقول: (الصلاة يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً)([27]). وذكر بعض المؤرخين أنه لما توجه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) للمدينة ومرّ بقرية قباء وبقي فيها أربعة أيام إرتحل منها يوم الجمعة وصلى بالمهاجرين والأنصار أول جمعة بمسجد بني سليم، ثم صلى أول جمعة بالناس بمسجد الجمعة الواقع في بطن وادي إنما أضاف إليها عن يسار الذاهب الى قباء.

كما أن الظاهر أنّ صلاة الأموات لم تفرض إلاّ في المدينة، ولذا لم يصلِّها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) على زوجته خديجة ولا على عمه أبي طالب وإنما دعا لهما, وكان الدعاء للميت في صدر الإسلام هو الصلاة عليه, وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم) يصلي في مكة الى بيت المقدس مدة إقامته بها ثلاث عشرة سنة ولا يجعل الكعبة بينه وبينه بحيث تكون صلاته لهما.

 

تحويل القبلة من المسجد الأقصى الى الكعبة المشرفة

      ولما هاجر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) الى المدينة صلّى الى بيت المقدس وكان يجعل الكعبة خلف ظهره، وبعد رجوعه من بدر حول الله تعالى وجه نبيه الى الكعبة في مسجد بني سالم بن عوف من الأنصار فأنه لما صلى من الظهر ركعتين نزل عليه جبرائيل فأخذ بِعُضديهِ وحوّله الى الكعبة واستقبل الميزاب, وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم) صلى ركعتين الى بيت المقدس وركعتين الى الكعبة فلذلك سمي المسجد بمسجد القبلتين، وقد بلغ الخبر مسجد بني عبد الأشهل وهم من الأنصار أيضاً ،وقد صلى أهله من العصر ركعتين الى بيت المقدس فقيل لهم أن نبيكم قد صرف الى الكعبة ،فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلوا الركعتين الباقيتين الى الكعبة فصلوا صلاة واحدة الى القبلتين، وقد سمي مسجدهم بمسجد القبلتين كما في رواية أبي بصير. وروي عن الصدوق أنهم قد تخيلوا أن صلاتهم لبيت المقدس كانت فاسدة فأنزل الله تعالى [وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ]([28])، والمحكي عن محمد بن حبيب الهاشمي مولاهم المتوفى في سنة 245 أن الصلاة حُولت في الظهر الى الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان فقد زار رسول الله أم بِشر بن البَراء بن معرور في بني سَلَمة فتغدى هو وأصحابه وجاء الظهر فصلى بأصحابه في مسجد القبلتين ركعتين من الظهر الى الشام ثم أمر أن يستقبل الكعبة وهو راكع في الركعة الثانية، فأستدار الى الكعبة فدارت الصفوف خلفه, ثم أتم الصلاة فسمي مسجد القبلتين، والمحكي عن الواقدي أن هذا كان يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهراً بعد الهجرة للمدينة المنورة، وعن علي بن ابراهيم القمي باسناده الى الصادق (عليه السلام  ) (بعد سبعة أشهر), وعن الصدوق في الفقيه بعد تسعة عشر شهراً. وعن البراء بعد ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وعن السُّدي بعد ثمانية عشر شهراً من الهجرة، وعلى كلٍ فالظاهر هو أنه كان في السنة الثانية من الهجرة للمدينة المنورة بعد رجوعه من غزوة بدر الصغرى، وفي هذه السنة الثانية كان بناء مسجد قباء فقد روي عن أبي سعيد الخدري أنه لما صرفت القبلة الى الكعبة أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) مسجد قباء فقدم جدار المسجد الى موضعه اليوم وأسسه بيده، وكان ينقل الحجارة بيده الشريفة وكذا أصحابه لبناءه، وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم) يأتيه كل سبت ماشياً. وقال أبو أيوب الأنصاري أنه هو المسجد الذي أسس على التقوى. وفي هذه السنة فرض صوم شهر رمضان في شعبان بعد ما صرفت القبلة الى الكعبة بشهر وفي هذه السنة أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) بزكاة الفطر قبل أن يفرض الزكاة في الأموال، وفي هذه السنة خرج رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم) يوم العيد فصلى بالناس صلاة العيد وحملت بين يديه العنزة الى المصلى فصلى إليها، وفي هذه السنة كانت غزوة بدر كما عرفت.

الصلاة الوسطى

والظاهر أن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر(1). وفي بعض الأخبار ما يدل على أن صلاة العصر إنما أمر الله تعالى بها لأن العصر هي الساعة التي أكل فيها آدم (عليه السلام  ) من الشجرة وأخرجه الله ( عز وجل  ) من الجنة.

رد الشمس للإمام علي (عليه السلام  )

كاد يبلغ حد التواتر من طرق العامة والخاصة أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) صلى الظهر بالصهباء, ثم أرسل الإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام  ) في حاجة، فرجع وقد صلى النبي( صلى الله عليه وآله وسلم) العصر, فوضع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) رأسه في حجر علي( صلى الله عليه وآله وسلم) فلم يحركه حتى غابت الشمس وصلى ( صلى الله عليه وآله وسلم) بالإيماء صلاة العصر، فلما أفاق النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) قال: اللهم أردد الشمس لعلي، فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض ثم قام علي(عليه السلام  ) فتوضأ وصلى العصر ثم غابت. وقد رأى هذه الكرامة جملة من علماء العامة منهم الطحَّاوي الحنفي وابن المغازلي الشافعي والحافظ الشافعي والطبري والمحقق القوشجي والسخاوي و السيوطي وغيرهم من علماء الحديث، وقد صنف الحافظ السيوطي في هذا الحديث رسالة مستقلة سماها (كشف اللبس عن حديث رد الشمس). وصححه جملة من العلماء كالقاضي عياض وأبي القاسم العامري والحاكم النيسابوري والصالحي وغيرهم.

 

 

أقسام الصلاة

     الصلاة على قسمين :

الأول: الواجبة التي لا يجوز تركها وتسمى بالفريضة والمفروضة.

الثاني: المندوبة التي يجوز تركها ويطلب فعلها وتسمى بالنافلة والمسنونة والمستحبة والمتطوّع بها والمرغّب فيها.

أما القسم الأول وهو الصلاة الواجبة أي ما يلزمه الإنسان فتنقسم بحسب أسباب وجوبها الى أثنى عشر قسماً، صلاة الظهر وهي الصلاة الوسطى كما هو المشهور عند أصحابنا ولصحيح زرارة عن أبي جعفر قال: (والصلاة الوسطى هي صلاة الظهر)([29]) والعصر والمغرب والعشاء وتسمى بالعتمة, والصبح وتسمى بصلاة الفجر, والغداة وصلاة الجمعة والعيدين عند اجتماع شروط وجوبها منها حضور الإمام (عليه السلام  ) أو نائبه, والآيات من كسوف وخسوف والزلزلة وسائر أخاويف السماء والطواف الواجب, وما يلتزمه الإنسان بإجارة أو بنذرٍ أو بشبهة أو بإفساد أو بإشتراط في عقد لازم أو نحو ذلك.

والصلاة الواجبة قضاء من تلك الفرائض والصلاة التي تجب على الولد قضاءً عن والده. وأما صلاة الأموات فهي ليست بصلاة وإنما هي تكبيرات وصلوات على الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم) وسائر الأنبياء ودعاء. وفاقاً لأكثر المتأخرين ويدل على ذلك قوله (عليه السلام  ): (لا صلاة إلا بطهور ولا صلاة إلا بفاتحة الكتاب ولا صلاة لجار المسجد إلا بالمسجد)([30]) وروي عنهم (عليه السلام  ) في تعريف الصلاة (تحريمها التكبير وتحليلها التسليم)([31]) هذا في الحضر وعند الأمان.

 وأما في السفر والخوف فتقصر الظهر والعصر والعشاء ولا خلاف بين المسلمين في ذلك للكتاب والسنة والإجماع, بل يجب التقصير فيما عدا الأماكن الأربعة, بل يجب التقصير في السفرعند الإمامية ووافقهم الكثير من أهل الخلاف. وفي صحيح  ابن سنان عن الصادق (عليه السلام  ): (الصلاة ركعتان في السفر ليس قبلهما ولا بعدهما شيء إلا المغرب ثلاث ركعات)([32]). أن قلت أن قوله تعالى [فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا]([33]).يدل على الجواز قلنا قد أجاب عن ذلك الإمام أبي جعفر(عليه السلام  ) بما يدل أن هذا التعبير قد استعمل في القرآن الكريم في الوجوب كما في قوله تعالى [فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا]([34]) والطواف واجب فكذا التقصير في السفر.

 وأما القسم الثاني وهو النوافل وتسمى بالصلاة المندوبة وبالمرغبات فهي تنقسم بحسب أسباب استحبابها الى نوعين, لأن ما كان منها تابع للفرائض اليومية في المشروعية قبلاً أو بعداً وتسمى بالرواتب وما كان منها ليس كذلك فغير رواتب. والرواتب اليومية في الحضر أربع وثلاثون ركعة ضعف الفرائض اليومية في الحضر وفي الحسن عن الفضل بن شاذان عن الصادق (عليه السلام  ) قال: (الفريضة و النافلة إحدى وخمسون ركعة منها ركعتان بعد العتمة تعدان بركعة والنافلة أربعة وثلاثون) ودل على ذلك كثير من الأخبار معتضدة بعمل الأصحاب وما خالفها من الأخبار يقتضي الحمل على تأكد الاستحباب ومراتب الفضيلة وهي ثماني ركعات لصلاة الظهر قبلها بعد الزوال وثمان ركعات لصلاة العصر قبلها بعد دخول وقت العصر كما هو المشهور واستفاضت به النصوص،  وهي نوافل للفريضة لا للوقت فعن المهذب البارع أن عليه عمل الطائفة على أن اعتبار القبلية يقتضي كونها نافلة للفريضة لا للوقت إذ لو كانت للوقت لصح وقوعها في الوقت بعد الفريضة.

 

 ودعوى أنه ورد في بعض الروايات إضافة النوافل المذكورة الى الزوال تقتضي كونها نوافل للوقت فاسدة إذ لا ريب في صحة اضافتها للوقت لتوقيتها به وعدم صحتها قبله، وأربع ركعات لصلاة المغرب بعدها وعليه عمل الطائفة وفي رواية الحارث النضري عن أبي عبد الله وأربع ركعات بعد المغرب وركعتان من جلوس تعدان بركعة واحدة ويسميان بالوتيرة لصلاة العشاء كما قضت به النصوص والاجماعات المحكية وما ورد بأن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) لا يصلي بعد العشاء لا ينهض في معارضة ذلك على أنه يحتمل أنه من خصائص تتعلق بالوحي كما هو ظاهر المحكي خبر أبي بصير في العلل ويجوز القيام فيهما لصحيح عن الصادق (عليه السلام  ) ركعتان بعد العشاء الآخرة كان أبي يصليها وهو قاعد وأنا أصليها وأنا قائم، وثمان ركعات صلاة الليل وركعتا الشفع وركعة الوتر وركعتان لصلاة الصبح قبلها وعليه عمل الطائفة وعن الخصال عن الأعشى عن الصادق (عليه السلام  ) قال ثمان ركعات صلاة الليل والشفع ركعتان والوتر ركعة وركعتا الفجر وقد أفتى بمضمونها الأصحاب وادعى الإجماع في الغنية وفي السفر تسقط النوافل الظهرية والعصرية والعشائية ولا ينافي ذلك ما في رواية الفضل بن شاذان عن الرضا (عليه السلام  ): (أنه ليس يترك نافلتها) لما في سندها من الضعف، وتزيد النوافل في نهار الجمعة أربع ركعات ففي صحيحة يعقوب عن الأمام موسى الكاظم (عليه السلام  ) قال: (سألته عن التطوع يوم الجمعة قال: إذا أردت أن تتطوّع في يوم الجمعة في غير سفر صليت ست ركعات ارتفاع النهار, وست ركعات قبل نصف النهار, وركعتين إذا زالت الشمس قبل الجمعة وست ركعات بعد الجمعة)([35])، والمشهور فسروا: (الركعتين إذا زالت الشمس)بكونهما عند قيام الشمس قبل أن يتحقق الزوال.

 وأما غير الرواتب فهي أما ذات سبب كصلاة الزيارة والاستخارة والحاجة والأيام ونحوها، وأما غير ذات سبب وهي التي لم يرد فيها نص بخصوصها وإنما يستحب الإتيان بها لكون كل صلاة يستحب الإتيان بها لأنها خير موضوع, وقربان كل تقي وتسمى بالنوافل المبتدأة, وهي لا حصر لها فقد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم): (أن الصلاة خير موضوع من شاء استكثر ومن شاء استقل)([36]).

أحكام النوافل

     أحدها: أن النوافل لا تزيد مطلقاً على الركعتين فيتشهد ويسلم على كل ركعتين, وهو المعروف بين أصحابنا ولما في كتاب حريز عن أبي بصير عن الأمام أبي جعفر (عليه السلام  ): (وافصل بين كل ركعتين من نوافلك بالتسليم)([37]).

ويستثنى من ذلك الوتر فلا كلام لهم فيه لما تقدم من أن الوتر عندنا ركعة واحدة, ويستثنى من ذلك صلاة الأعرابي واستثناؤها مبني على مشروعيتها ودليلها منحصر بما رواه الشيخ في المصباح عن زيد بن ثابت قال: (أتى رجل من الأعراب الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله إنا نكون في البادية بعيداً من المدينة ولا نقدر أن نأتيك في كل جمعة فدلني على عمل فيه فضل صلاة الجمعة فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم): إذا كان ارتفاع النهار فصلِّ ركعتين تقرأ في الأولى سورة الحمد, وقل أعوذ برب الفلق سبع, وفي الثانية الحمد مرة وقل أعوذ برب الناس سبع فإذا سلمت فأقرأ آية الكرسي سبع, ثم قم فصلِّ ثماني ركعات بتسليمتين وأقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة وإذا جاء نصر الله مرة وقل هو الله أحد خمساً وعشرين مرة فإذا فرغت من صلاة فقل سبحان الله رب العرش الكريم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم سبعين مرة, فو الذي اصطفاني بالنبوة ما من مؤمن ولا مؤمنة يصلي هذه الصلوة يوم الجمعة إلا وأنا ضامن له الجنة ولا يقوم من مقامه حتى غفر له ذنوبه ولأبويه)([38]), ولا بأس بالعمل بهذا الخبر وإن ضعف إسناده لأعتضاده بفتوى مشاهير الأصحاب وللشهرة المصرّح بها الفاضل الشارح في الروضة والصيمري في شرح الموجز.

ومما آستُثِني من ذلك ركعة الاحتياط لو قدر زيادتها في نفس الأمر ولعل تَرَك بعض أجلّة الفقهاء استثناءها لكونها تابعة للفريضة ومنزلة منزلة الجزء منها.

واستثنى من ذلك ما رواه الشيخ في المصباح من أربع ركعات ليلة الجمعة بتسليمة واحدة ولا أعرف عاملاً بها عدا ما يحكى عن الموجز, ومما استثني من ذلك ما عن ظاهر الصدوق من صلاة التسبيح أربعاً بتسليمة واحدة وهو خلاف ما نص عليه في الفقيه والهداية على ما حكي, ويستثنى من ذلك صلاة العيد بغير خطبة فأنه حكي عن الأسكافي أنها أربع بتسليمة وسيجيء ما فيه بعون الله وتكليفه.

واستثني من ذلك ما رواه الشيخ أيضاً في محكي المصباح عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) في ليلة الجمعة صلاة أحدى عشر ركعة بتسليمة واحدة ويقرأ في كل ركعة الحمد والأخلاص والمعوذتين مرة مرة, ويقول بعد الفراغ ساجداً لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، واستثني من ذلك ما حكي عن السيد ابن طاووس في عمل أول رجب عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) يصلى في أربع ركعات بتسليمة في الأولى يقرأ الحمد مرة والإخلاص إحدى عشر مرة, وفي الثانية الحمد مرة والإخلاص إحدى عشر مرة والجحد ثلاث مرات, وفي الثالثة الحمد مرة والإخلاص عشر مرات وألهاكم التكاثر مرة, وفي الرابعة يقرأ الحمد مرة والإخلاص خمساً وعشرين مرة وآية الكرسي ثلاث مرات.

واستثني بما حكي عن الشهيد في القواعد أنه قال ظاهر الصدوق أن صلاة التسبيح أي صلاة جعفر بتسليمة. لكن لا يخفى أن استناد ذلك كله الى روايات مرسلة ولم تثبت الشهرة في شيء منها حتى تكون لها جابرة فيشكل تخصيص عموم الكلية ولذا ترك القوم استثناءها لعدم اشتهارها.

ثانيها: أن النوافل لا تنقص عن الركعتين من قيام أو جلوس إلا في الوتر التي هي بعد الشفع في صلاة الليل فأنها ركعة واحدة من قيام .

ثالثها: قد حكى جماعة الأجماع على جواز الجلوس في جميع النوافل كالوتيرة. ويدل عليه الحسن عن سهل بن الحسن أنه سأل أبا الحسن الأول (عليه السلام  ): (عن الرجل يصلي النافلة قاعداً وليس به علة في سفر أو حضر قال (عليه السلام  ): لا بأس)([39]).

رابعها: يستحب القنوت في النوافل كلها في الركعة الثانية منها قبل الركوع وبعد القراءة, ويدل عليه ما روي عن الأمام الصادق (عليه السلام  ): (اقنت في كل ركعتين فريضةً أو نافلة)([40]) .وصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام  ): (القنوت في كل صلاة في الركعة الثانية)([41]), ويعضد ذلك أنه هو المعروف بين الأصحاب، ولعموم ما ذكرنا يستفاد استحباب القنوت في الوتر كما تدل عليه بعض الأخبار.

خامسها: يجوز قطع النوافل.

سادسها: تسقط عند قصر الصلاة الرباعية نافلتها دون التي لا قصر فيها كالمغرب والصبح للإجماع، والمشهور في ركعة الوتيرة أيضاً السقوط, بل عن السرائر الإجماع عليه وكذا عن الغنية، ولما في صحيح حذيفة بن منصور وعبد الله بن سنان وصحيحتي أبي بصير وسيف التمار وغيرهما من قول الصادق (عليه السلام  ): ( الصلاة في السفر ركعتان ليس قبلهما ولا بعدهما شيء )([42]) ولا يعارضها ما في خبر سدير من أنه (عليه السلام  ) قال: (كان أبي يقضي في السفر نوافل النهار بالليل)([43]),لأحتمال أن المراد قضاء ما فاته في الحضر، أو على استحباب القضاء, ولا ملازمة بين مشروعية القضاء ومشروعية الأداء إذ هو تابع لفوات سبب الأداء, ولذا وجب على الحائض قضاء الصوم مع عدم صحته منها.

كما لا يعارضها ما في رواية الفضل بن شاذان من قول الأمام الرضا قال (عليه السلام  ): (إنما صارت العتمة مقصورة وليس تترك ركعتيها)([44]) لما ذكرناه من الإجماعين والصحيح المذكور, ولما في المحكي عن حديث رجاء من عدم فعل الرضاع لها في طريق خراسان فلا إلتفات بعد هذا كله الى عموم إجماع الخلاف والأمالي على عدم السقوط لأحتمال عدم شمولها للوتيرة, وأن المراد بها نوافل الليل وهي الثماني ركعات أو الأحدى عشرة أو الثلاث عشرة مع أن في سند رواية الفضل من الكلام حيث اشتمل على ابن عبدوس وعلي بن محمد, لعدم النص على توثيقهما وأن اعتذر بأنهما من مشايخ الإجازة مع شذوذ العامل به, بل لا يُعرَف غير الشيخ عامل به وقد أعرض عن ذلك فيما تأخر من كتبه على ما حكي. فلو فرض القصر للصلاة من جهة الخوف سقطت نافلة المقصورة، ولو فرض الأتمام في السفر لكونه سفر معصية لم تسقط النافلة، ولو كان مخيراً بين القصر والأتمام كالمسافر في أحد الأماكن الأربعة كانت النافلة تابعة لإتمامه للصلاة.

سابعها: يقضي النوافل من فاتته في أي ساعة شاء ليلاً أو نهاراً ما لم يخف أو تفُته الفريضة الحاضرة، وإلا لقي الله تعالى مستخفاً متهاوناً مضيعاً لسنة رسوله, وورد الأمر بالكفارة ممن لا قدرة له على القضاء وكل ذلك شاهد على فضلها. ونقل اتفاق الأصحاب على استحباب قضاء النوافل الرواتب ونقل إجماعهم على ذلك عن المعتبر والمنتهى والروض ونقل اتفاق الأصحاب على أن تقضي نوافل النهار في النهار ونوافل الليل في الليل ويؤكد ذلك ما في الصحيح الذي حكي عن ثقة الإسلام بإسناد عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السلام  ): (إقضِ ما فاتك من صلاة النهار بالنهار وما فاتك من صلاة الليل بالليل)([45]).

ثامنها: تكره النوافل المبتدأة بعد صلاة الصبح حتى ترتفع الشمس وتصفى, عند استواء الشمس في السماء إلى  ان تزول, وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس, ولا تكره في هذه الأوقات ولا في غيرها قضاء النوافل والنوافل ذات الأسباب أو قضاء الصلاة أو نحو ذلك.

تاسعها: النوافل وإن وجبت بنذرٍ ونحوه لا يجب فيها الاستقبال في حال المشي أو الركوب من غير فرق بين الحضر والسفر ومن غير فرق بين تكبيرة الإحرام أو غيرها ومن غير فرق بين ركوبه المحل أو الطائرة أو السيارة ونحوها وبين ركوب البعير والفرس والحمار ونحوها، وبين كيفية الركوب والمشي المتعارفة وبين غيرها, ويجب الاستقبال في النوافل حال الاستقرار على الأحوط.

 عاشرها: حكي عن الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) دعوى الإجماع على أن ركعتي الفجر أفضل من الوتر, وقد ورد عن الإمام علي (عليه السلام  ) في قوله تعالى: [إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُود]([46]), ركعتان تشهدهما ملائكة النهار وملائكة الليل([47])، إلا أن الأخبار الكثيرة تدل على أن المراد بقرآن الفجر هو صلاة الفجر الواجبة.

شروط الصلاة

ويشترط في الصلاة شروط:

 

الأول: الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر للإجماع وللأخبار الكثيرة.

الثاني: الطهارة من الخبث لمسجد الجبهة, فلو صلى على النجس سواء كانت نجاسته متعدية أو لا كانت فاسدة, وحكي عدم الخلاف في ذلك عن مشاهير العلماء, وقد استدل عليه بموثقة عمار عن الأمام الصادق (عليه السلام  ) عن الموضع القذر يكون في البيت أو غيره فلا يصيبه الشمس ولكن قد يبس الموضع القذر قال (عليه السلام  ): (لا يصلي فيه وأعْلِمْ الموضع حتى تغسله)([48]).

الثالث: طهارة الثوب والبدن من النجاسات ساتراً كان الثوب أو غير ساتر, وقد حكي الاجماع على ذلك في المعتبر كما حكي الشهرة على أنه لا فرق بين القليل من النجاسة أو كثيرها للأحاديث المطلقة الدالة على وجوب الإزالة من غير تفصيل, ولصحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد الله قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام  ) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنوّر أو كلب فقال (عليه السلام  ): (إن كان لم يعلم فلا يعيد)([49]). ولا يخفى أنه يعلم الحكم في باقي النجاسات بالأولوية ومثلها ورد في الدم والمني ومقتضى إطلاقها عدم الإعادة في الوقت وخارجه. ويستثنى من ذلك أمور:

 أحدها: الشيء الذي لم يعلم نجاسته كما لو لم يَدْرِ أنه وقع عليه ماء أو بول أو فضلة حيوان له نفس سائلة أو ليس له نفس سائلة كالخنفساء أو شك في نفس الحيوان عن قصور لا عن تقصير كأن وقع عليه دم حية ولكن لا يدري أن الحية لها نفس سائلة حتى يكون الدم نجساً أو ليس لها ذلك فيكون طاهراً فأنه يبني على ذلك على الطهارة لقاعدتها.

ثانيها: الجورب والتكه ونحوه مما لا تتم الصلاة به حال كونه منفرداً أي لا يصح إيقاع الرجل في حال الأختيار صلاته به منفرداً لعدم تحقق الستر به ولو تنجس بغير الدم كالخف والنعل والخاتم والخلخال والمنطقة والسيف والسكين، وكذا العمامة بهيئتها كالقلنسوة فإن المراد بما لا تتم الصلاة به إنما هو ما لا تتم الصلاة به من كونه باقياً على حالته وهيئته من دون تغيير وتبديل، فأنه يجوز الصلاة فيه ولو تنجس ولأنه يكون في مثل ذلك حاملاً للنجاسة للموثق عن زرارة عن أحدهما([50])(H )قال: (كل ما كان لا يجوز فيه الصلاة وحده فلا بأس بأن يكون عليه الشيء مثل القلنسوة والتكة والجورب)([51])، وفي الصحيح عن حماد عمن أخبره عن الأمام أبي عبد الله (عليه السلام  ) في الرجل يصلي في الخّف الذي أصابه قذر فقال (عليه السلام  ): (إذا كان ما لا تتم الصلاة فيه فلا بأس)([52]) , وقد أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه لأنه لا يروي إلا عن الثقات، ولا فرق في ذلك بين كونه من الملابس أم لا ولا في الملابس بين كونها في محلها أولاً.

ثالثها: دم القروح والجروح فأنه لو كانت على الثوب أو البدن فلا تفسد الصلاة بها, وقد نقل عدم الخلاف في ذلك، ويدل عليه أخبار كثيرة منها صحيحة ليث المرادي، (قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام  )، الرجل يكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوءة دماً وقيحاً، فقال (عليه السلام  ): يصلي في ثيابه ولا يغسلها ولا شيء عليه)([53])، وهذه الصحيحة مع ما ماثلها من الأخبار تدل على العفو عن ذلك الى أن يبرء الجرح والقرح, ويدل عليه ما في موثقة سماعة (إذا كان بالرجل جرح فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسل حتى يبرء أو ينقطع الدم)([54]), كما أنها تدل على العفو سواء شقت إزالته أم لا وسواء كان له فترة ينقطع فيها أم لا، ونقل عن الشيخ الإجماع على عدم وجوب العصب للجرح وتقليل الدم, بل يصلي كيف كان وإن سال وتفاحش, ويدل عليه ما في صحيح مسلم من قوله: (وإن كانت الدماء تسيل)([55]) وعموم الأخبار وإطلاقها يدل على العفو لو تعدى الدم عن محل الضرورة في الثوب والبدن بأن أصاب الطاهر من ثوبه والسليم من بدنه أو ما وضع عليه من الضمادات كما هو ظاهر صحيحة ليث المذكورة، ثم أن هذا الدم لو أصاب إنساناً آخر وجب التطهير منه لأن الحكم خلاف القاعدة فيقتصر على محله, ثم أنها تدل على العفو من دم البواسير لشمول الأدلة له دون دم الرعاف للأدلة الدالة على التطهير منه. وإذا شك في دم أنه من القروح والجروح فالأصل العفو عنه لأنه شك في وجوب التطهير منه، والأصل البراءة كما حققناه في الشك في المانع في مبحث اللباس المشكوك.

رابعها: الدم الذي دون الدرهم البغلي, ونقل إجماع الفرقة عليه ويدل عليه صحيحة عبد الله بن يعفور قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام  ): ما تقول في دم البراغيث، قال (عليه السلام  ): ليس به بأس, قال: قلت أنه يكثر ويتفاحش، قال (عليه السلام  ): وإن كثر، قال: قلت فالرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى أن يغسله فيصلي ثم يذكر بعدما صلى أيعيد صلاته؟ قال (عليه السلام  ) يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد الصلاة)([56])، ثم انه لا فرق في العفو بين أن يكون دم نفسه أو دم غيره لعموم الأدلة، والظاهر أنّ المراد مقدار الدرهم سعة وأن مقدارها هو مقدار أخمص الراحة والأخمص هو ما دخل من باطن الراحة ولم يصب الأرض ويستثنى من هذا الأمر الرابع الدماء الثلاثة, دم الحيض والاستحاضة والنفاس فأنها لا يعفى عن كثيرها ولا قليلها في الصلاة ولكن لم نظفر بدليل على ذلك تطمئن له النفس، نعم حكي الإجماع على ذلك عن الغنية وعن السرائر نفي الخلاف عنه وعن المعتبر نسبة القول به للأصحاب، واستدل له بما رواه سورة بن كليب عن الصادق (عليه السلام  ) عن الحائض قال: (تغسل ما أصاب ثوبها)([57]).

ورواية أبي سعيد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام  ): (لا تعاد الصلاة من دم لا تبصره إلا دم الحيض فإن قليله وكثيره في الثوب إن رآه وإن لم يره سواء)([58])، وضعفهما دلالةً وسنداً منجبر بعمل الأصحاب. وأما دم النفاس والاستحاضة المشهور إلحاقهما بدم الحيض في عدم العفو, وعن جامع المقاصد أنه عليه الأصحاب وعن السرائر نفي الخلاف عنه وفي الغنية والمختلف الإجماع ويحكى عن علم الهدى في الانتصار التردد في إلحاق دم النفاس بالحيض، فالعمدة هي الاجماعات.

ويستثنى من ذلك أيضاً دم نجس العين كدم الكلب والخنزير والكافر الجاحد، وحكي عن المحقق أنه ألحق بعض فقهاء العجم منا دم الكلب والخنزير ولم يعطنا العلة، وعن أبن إدريس منعه مدعياً أنه خلاف إجماع الإمامية والحق مع المحقق في أن أدلة العفو تشملها لأن نجاسة العين ليست نجاسة أخرى لطبيعة أخرى غير نجاسة الدم بل هي عينها. يستثنى من ذلك المحمول، وينبغي التنبيه على أمور:

الأول: أن مورد الروايات وإن كان هو الثوب إلا أنه بضميمة عدم الفصل يتم المطلوب ومحكي في المنتهى لا فرق بين الثوب والبدن وأسنده الأصحاب، وحكي الإجماع عن الانتصار ويشهد لذلك رواية المثنى بن عبد السلام عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قلت: (حككت جلدي فخرج منه الدم فقال (عليه السلام  ) إن اجتمع منه قدر حمصة فأغسله وإلا فلا)([59]).

الثاني: إذا أصاب الدم المعفو عنه وجهيَ الثوب فإن كان في التفشي فهو دم واحد وإلا فدمان وعلى ذلك نقل قوله جماعة من الأصحاب.

الثالث: لو أصاب الدم المعفو عنه شيئاً رطباً ففي إنسحاب العفو عنه, كلام الظاهر هو إنسحاب العفو عنه لشمول أدلة العفو له.

الرابع: لو أزال عين الدم المعفو عنه بما لا يطهره فالظاهر بقاء العفو.

الخامس: لا يشترط العفو بمشقة الإزالة ولا يجب عصب موضع الدم ولا منعه ولا تغيير الثوب ولا بالبرء ولا بالاندمال والانقطاع لإطلاق صحيحة ليث المتقدمة، نعم مع برئه لو خرج الدم بآلة فلا يعفى عنه.

 

السادس: لو اشتبه الدم المعفو عنه بغيره فأنه يكون الشك بدوياً فأصالة الطهارة من ذلك الدم جارية, كما لو أشتبه الماء بالبول بل استصحاب عدم الإصابة بالدم الغير المعفو عنه وأصالة البراءة من المانع, ولو شك في انه أقل من الدرهم, فالأصل عدم الزيادة على الدرهم.

السابع: ذكر بعضهم أنه لو أدخل دماً نجساً أو نحوه من النجاسات تحت جلده وجب عليه إعادة كل صلاة صلاها فيه, ولا يخفى ما فيه فأن الأدلة لا تدل إلا على تطهير ظواهر البدن وأما البواطن فليس في الأدلة ما يقتضي وجوب التطهير من النجاسات.

الثامن: إذا ألحق جسمه بشيء نجس كما لو بدلت عينه بعين ميت أو جعلت له يد ميت أو جبر عظمه بعظم نجس ومثله لو جعل له شعر ميت، نسب الى جماعة من الأصحاب وجوب القلع ما لم يلزم الضرر والجرح لأنه صلى في النجس. وفيه أنه إذا أصبح جزء من البدن كجزئية دمه فالأدلة المانعة عن الصلاة في النجس لم يعلم شمولها لمثل ذلك, فالأصل يقتضي الجواز كما حققناه في اللباس المشكوك ويؤيد ذلك ما رواه الحسين بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) (أنه سأله عن الرجل يسقط سنه منه فيدخل سن الميت مكانه، قال (عليه السلام  ): لا بأس)([60]).

التاسع: لو أصاب هذا الدم المعفو عنه نجاسة أخرى فلا يعفى عنها تبعاً له، وكذا المتنجس به لعدم شمول أدلة العفو لهما.

العاشر: الدم والنجاسة في المحمول فأنه تصح الصلاة لو كان حاملاً ثوباً متنجساً بالدم أو آلة نجسة لأن الأدلة دلت على عدم الصلاة في النجاسة وفي الذهب.

الحادي عشر: أن الدم المتفرق إن كان عند جمعه أقل من الدرهم فهو معفو عنه نظير المتجمع, واستدل على ذلك بإطلاق أخبار الباب وبالصحيح الذي رواه زياد بن أبي الجلال عن عبد الله بن يعفور قلت لأبي عبد الله (عليه السلام  ): (الرجل يصلي وفي ثوبه نقط الدم ينسى أن يغسله، فيصلي ثم يذكر، قال (عليه السلام  ): يغسله ولا يعيد صلاته إلا أن يكون مقدار الدرهم مجتمعاً فيغسله ويعيد صلاته)([61]).

ويستثنى من ذلك دم البراغيث والسمك والبق وكل ما ليس له نفس سائلة ولم يكن نجس العين لما دل على طهارة ما لا نفس له من الإجماع المنقول وما في الأخبار كموثقة حفص بن غياث النخعي المروية في باب/35 النجاسات من قوله(عليه السلام  ): (لا يفسد الماء إلا ما كان له نفس سائلة)([62]) وكموثق عمار من قوله(عليه السلام  ): (كل ما ليس له دم فلا بأس)([63]).

ويستثنى من ذلك النجاسة التي في لباسه أو بدنه ولكنه لم يعلم بها إلا بعد صلاته كما في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة، وصحيح الجعفري عن الأمام أبي جعفر (عليه السلام  ) قال في الدم يكون في الثوب: (إن كان أقل من الدرهم وكان رآه فلم يغسله حتى صلى فليعد صلاته, وإن لم يكن رآه حتى صلى فلا يعيد صلاته)([64]).

وتدل على ذلك أخبار النسيان للنجاسة فأنها تدل على الإعادة، والنسيان للنجاسة إنما يكون بعد العلم بها كما في موثقة سماعة عن الرجل يرى بثوبه دم فينسى أن يغسله حتى يصلي قال (عليه السلام  ): (يعيد صلاته)([65]) .

وهذه الأخبار مطلقة تقتضي الإعادة حتى لو تذكر في أثناء الصلاة، نعم لو صلى بالنجاسة مع الجهل بالحكم كأن صلى بالخمر مع جهله بأن الخمر نجس أو جهل بالشرطية كأن يعلم بأن الخمر حرام ولكنه يجهل بمانعيته للصلاة فعلية الإعادة عن تقصير لأنه ليس بمعذور وكذا لو نسى, لأن النسيان لا يرفع الحكم.

ويستثنى من ذلك الثوب النجس الذي يضطر للبسه  لبردٍ أو لسترٍ أو نحو ذلك ولم يكن عنده غيره فلا إشكال في صحة الصلاة فيه ولا يجب عليه الإعادة ولا القضاء.

أما مع عدم الاضطرار الى لبسه مع أنه ليس له سواه فأنه يصلي فيه لصحيح الحلبي قال سألت الأمام أبا عبد الله (عليه السلام  ) عن رجلٍ أجنب في ثوبه وليس معه ثوب غيره قال (عليه السلام  ): (يصلي فيه فإذا وجد الماء يغسله)([66])، ومثله صحيح عبد الرحمن عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) في الثوب الذي يجنب فيه ومثله صحيح ابن جعفر عن رجلٍ عريان وحضرت الصلاة فأصاب ثوباً نصفه دم أو كله دم ،يصلي فيه أو يصلي عرياناً؟ قال (عليه السلام  ): (إن وجد ماء غسله, وإن لم يجد ماء يصلي فيه ولا يصلي عرياناً)([67]).

وهذه النصوص يجب ترجيحها على معارضها لكثرتها وصحتها وصراحتها مع أن معارضها لم يكن بهذه الكثرة والصحة والصراحة.

الشرط الرابع : الوقت

أنّ الوقت شرط للصلوات الخمس بإجماع المسلمين بل هو من ضروريات الدين. والوقت هو مقدار من الزمن مفروض للعمل, وجمعه أوقات, وجعل بعضهم عنوان هذا الشرط المواقيت وهو جمع لميقات, والميقات عبارة عن الوقت المضروب للعمل أو للمكان, فكل شيء قدرت له زمن أو مكاناً كان ذلك الزمان و المكان ميقاتاً ومن ذلك يقال إن الزوال ميقات لصلاة الظهر, ومنه ان الأهلة مواقيت للناس ومنه مواقيت للحج وهي الأماكن المعروفة التي يحرم الناس منها للحج. والتوقيت التحديد للوقت تقول وقته ليوم الجمعة إذا أجَّلته له, ويقال وقت الشيء إذا بين حده, وأدعى بعضهم إنَّ استعمال الميقات في المكان مجازاً تشبيهاً للمكان المعين للعمل بالزمان المعين للعمل في كونه مقداراً للعمل مثل الوقت. والموقّت هو نفس العمل الذي وقّت بزمانٍ معين أسم مفعول من وقّت كما في قوله تعالى [أن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا]([68]) أي كتبت عليهم موقتة بوقت معين, والحاصل أن الوقت يطلق على الزمن المخصوص للعمل, ويطلق على نفس العمل (موقَّت) أسم مفعول, ويطلق على الذي قيّد العمل بذلك الزمن موقت فوقَّت فعل جعلي مأخوذ من وقت, وأسم فاعله موقَّت, وأسم مفعوله موقَّت كما هو الشأن في كل الأفعال الرباعية المشددة الوسط مثل قدَّس ونحوها. واستشكل بعضهم في جعل الوقت شرطاً مع كونه من الأسباب. وجوابه إن الوقت يصير سبباً بالنظر الى التكليف بالصلاة وشرطاً بالنظر الى توقف صحتها عليه.

 

الوقت للعمل الواجب

     الوقت للواجب يتصور على أنحاء ثلاثة:

الأول: قد يكون أقل من الواجب وأنقص منه وهو محال عقلاً لأن الظرف لا يكون أقل من المظروف.

الثاني: قد يكون مساوياً له وهو ممكن وواقع في الشرع كصوم شهر رمضان والحج ويسمى الواجب حينئذ فورياً لأنه فور دخول الوقت يجب العمل.

الثالث: قد يكون أزيد من الواجب بحيث يمكن وقوع الواجب عدة مرات فيه وقد أحاله بعض الأصوليين قائلين أن الأوامر الدالة على وجوب العمل في الوقت الموسع تحمل على أن المراد هو أول الوقت أو آخره على اختلافٍ في ذلك منهم والأصح كما حققناه في الأصول هو إمكانه ووقوعه شرعاً .

 

 

 

الصلوات اليومية وقتها موسع

ومن القسم الثالث الصلوات اليومية الخمس فأنها من الواجبات الموسعة التي جعل الله لها وقتاً موسعاً لا يسوغ للمكلف تقديمها عليه ولا تأخيرها عنه اختياراً بإجماع المسلمين بل بضرورة الدين عدا ما ينسب لأبن عباس والشعبي والحسن البصري من إنهم جوزوا افتتاح صلاة الظهر للمسافر قبل الزوال بقليل وهذا الخلاف منهم إن صح فأنه انقرض واجمع المسلمون بعده على خلافه فلا تعويل عليه حتى أصبح من ضروريات الدين عدم الجواز. ويدل على ذلك صحيحة زرارة قال: (قلت لأبي جعفر(عليه السلام  ) أخبرني عما فرض الله من الصلاة قال: خمس صلوات في الليل والنهار, قلت: هل سماهن الله عزّ وجلّ وبينهن في كتابه، قال (عليه السلام  ): نعم), قال الله لنبيه (  صلى الله عليه وآله وسلم): [أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ]([69]) ودلوكها زوالها ففي ما بين دلوك الشمس الى غسق الليل أربع صلوات سماهن الله وبينهن ووقتهنّ, وغسق الليل انتصافه, ثم قال تعالى[وَقُرْءَانَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا]([70])، فهذا الخامس, وقال تعالى في ذلك [وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ]([71]) طرفاه المغرب والغداة, وزلفى من الليل وهي صلاة العشاء الآخرة، وقال تعالى [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى] وهي صلاة الظهر([72]), (وهي أول صلاة صلاها رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) )([73]) وهي وسط صلاتين بالنهار، صلاة الغداة وصلاة العصر.

أوقات الصلوات الخمس

إن صلاة الظهر يمتد وقتها من زوال الشمس الى ما قبل الغروب بمقدار ما يؤدى به صلاة العصر, وصلاة العصر يمتد وقتها من بعد الزوال بمقدار ما يؤَدّى به الظهر الى المغرب, وصلاة المغرب يمتد وقتها من الغروب الى ما قبل منتصف الليل بمقدار ما يؤدي به العشاء والعشاء يمتد وقتها من بعد زمن صلاة المغرب بمقدار ما يؤدى به

 

صلاة المغرب الى منتصف الليل وصلاة الفجر يمتد وقتها من طلوع الفجر الصادق الى طلوع الشمس. ويدل على ذلك رواية داود بن فرقد التي رواها الشيخ الطوسي ( رحمه الله ) بإسناده عن سعد عن أحمد بن محمد بن عيسى وموسى بن جعفر عن عبد الله الصلت عن الحسن بن علي بن فضال عن داود بن فرقد أبي يزيد عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات, فإذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر, والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي أربع ركعات, فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس)([74]) وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخرة الى انتصاف الليل وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة السند لإرسالها إلا أنها صحيحة الى الحسن بن فضال وبنو فضال ممن أمرنا بأخذ رواياتهم وكتبهم كما ذكره المرحوم عبد الكريم القمي قال المامقاني (أنها منجبرة بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة وذلك لكشف عملهم بها ثبوتها عندهم). ويدل على ذلك موثقة معاوية بن وهب عن أبي عبد الله (عليه السلام  )قال: (أتى جبرائيل (عليه السلام  )رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم)بمواقيت الصلاة فأتاه حين زالت الشمس فأمره فصلى الظهر, ثم أتاه حين زاد الظل قامة فأمره فصلى العصر, ثم أتاه حين غربت الشمس فأمره فصلى المغرب, ثم أتاه حين سقط الشفق فأمره فصلى العشاء, ثم أتاه حين طلوع الفجر, فأمره فصلى الصبح, ثم أتاه من الغد حين زاد في الظل قامة فأمره فصلى الظهر, ثم أتاه حين زاد من الظل قامتان فصلى العصر ثم أتاه حين غربت الشمس فصلى المغرب, ثم أتاه حين ذهب ثلث من الليل فأمره فصلى العشاء ثم أتاه حين نَّور الصبح فأمره فصلى الصبح, ثم قال وما بينهما وقت)([75]). وإنما نقلنا هذه الموثقة لدلالتها على اصل المطلب. ومما يدل على أن صلاة الفجر ما ذكرناه هو صحيحة زرارة عن الباقر (عليه السلام  ) قال: (وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس)([76]) قيل وفي طريق هذا الخبر موسى بن بكر لكن لما كان الراوي عنه عبد الله بن مغيرة وهو من أصحاب الإجماع كانت الرواية معتبرة مع عمل المشهور بها.

والحاصل أنه لا خلاف بينهم في امتداد أوقات الصلاة اليومية المضروبة لها وزيادتها على ما يسع تأديتها غير إن جماعة من المخالفين أحالوا جواز التوسع في الوقت لما زعموا من خروج الواجب بذلك عن الوجوب, وهذا القول قد ردّ مفصلاً في الأصول في مبحث الواجب المخيّر والموسع ويكفي في الرد عليهم ظاهر الخطابات الدالة على توسعة أوقاتها المتقدمة.

انقسام الوقت لكل صلاة الى قسمين

 وقت فضيلة ووقت أجزاء

أعلم بعدما ذكرنا أن لكل صلاةٍ من الصوات الخمس اليومية وقتاً واسعاً فذلك الوقت لكل واحد منهما. المشهور إنه ينقسم الى قسمين يسمى الأول منهما وقت فضيلة, ويسمى الثاني منهما وقت أجزاء ووقت رفاهية، أما وقت الفضيلة فهو من أول دخول الوقت الى مقدار خاص سيجيء بيانه. وأما وقت الأجزاء هو ما بعد وقت الفضيلة بمعنى أن الإنسان لو أخرّ الصلاة عن وقت فضيلتها كانت مجزية له وممتثلاً بها لربه، وبعضهم ذهب الى أن ما بعد وقت الفضيلة هو وقت المضطر بمعنى أن الصلاة لا تؤخر عن وقت الفضيلة إلاّ للضرورة كالحيض الى أن تطهر المرأة وكالجنون وكالإغماء الى أن يفيق المرء وكالكفر الى أن يسلم وكالصبي الى أن يبلغ أو تؤخر الصلاة عنه للعذر كالسفر والمرض والمطر والعمل  الذي لو تركه واشتغل بغيره كالصلاة يتضرر ديناً ودنيا فأنه مع هذه الأمور يصح منه تأخير الصلاة للوقت الثاني وإلا استحق اللوم والتعنيف للتأخير عن الوقت الأول.

 والأصح هو القول الأول من أن الوقت ينقسم الى قسمين: وقت فضيلة ووقت اجزاء وامتثال, ويدل على ذلك ما رواه في الكافي في صحيحة معاوية بن عمار قال أبو عبد الله (عليه السلام  ): (لكل صلاة وقتان أول الوقت أفضلهما)([77])، وما في صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله(عليه السلام  ) قال: (لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما)([78]) , والموثق عن قتيبة الأعشى عن أبي عبد الله (عليه السلام  ): (أن فضل الوقت الأول على الآخر كفضل الآخرة على الدنيا)([79])، المعتضدة هذه الأخبار المعتبرة بالإجماعات المنقولة عن السرائر والغنية والرياض وبإطلاقات الكتاب والسنة كقوله تعالى [أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ]( 4) والمراد بالدلوك هو الزوال, والمراد بغسق الليل هو انتصاف الليل, كما في بعض الروايات فأنه يدل على أنّ الإنسان مخير في هذا الوقت الواسع إذ ليس المراد إيقاعها في جميع أجزاء الزمان على سبيل الجمع إجماعاً وللعسر والحرج واختلال النظام فتعين التخيير في أداء الصلاة, والتخيير في أجزاء الوقت وهو يقتضي الأجزاء لا أنه يكون للضرورة والاعتذار وعن ابن البراج عن بعض أصحابنا القول بأن للمغرب وقتاً واحداً مستدلاً عليه ببعض الأخبار, ولا يخفى ما فيه فأنها قد حملت على المبالغة في تأكد إستجاب المبادرة في المغرب لقوة الطائفة الأولى ويرشد الى

 

ما ذهبنا إليه من أن للصلوات الخمس أوقاتاً معلومة من دون فرق فيها بين حالتي الإختيار والاضطرار أو العذر في تركها أول الوقت منها قول أبي جعفر (عليه السلام  ) في خبر فُضيل بن يسار (أن من الأشياء أشياء موسعة وأشياء مضيقة, فالصلاة مما وسع فيه. تقدم مرّة وتؤخر مرة أخرى)([80])، ويعضد ذلك أيضاً ما دل من الروايات على أفضلية أول الوقتين والترغيب فيه منها صحيح ابن سنان عن الصادق (عليه السلام  ): (لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما)([81])فإن الحكم بأفضلية العمل في أول الوقت يقتضي أجزاء المفضول في حق المختار لكون الأفضلية مختصة به دون المعذور فإن عذره يمنعه عن إدراك الوقت الأول (وما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر) فلا معنى للترغيب الى العمل فيه، وبعبارة أخرى أن المفهوم من الأفضلية جواز التأخير من دون معصية وإلاّ لكان بيان المنع من التأخير لا الحكم بمفضولية الوقت الأخير.

 ولا يعارض ذلك ما ورد من الأخبار الناهية عن جعل آخر الوقتين وقتاً إلاّ من عذر كما في صحيح ابن سنان من قوله (عليه السلام  ): (لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما, ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً, ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام, وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلا من عذر أو علة)([82]) الى غير لك من الروايات الجارية هذا المجرى والمستفاد من قوله (عليه السلام  ) مجموعهما، هو ذلك. ووجه عدم المعارضة هو أنها تحمل على الكراهة للتأخير لظهور الطائفة الأولى في عدم وجوب التقييد بالوقت الأول وللشهرة في الطائفة الأولى والموافقة للكتاب المجيد كما تقدم .

أوقات الفرائض الخمسة

الظهر

إن وقت الظهر هو زوال الشمس اي أن يبقى من الغروب مقدار أداء صلاة العصر لما في صحيح عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام  ): (إذا زالت الشمس دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلا أن هذه قبل هذه, ثم أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس)([83]) بإجماع المسلمين ولصحيح زرارة عن أبي جعفر (إذا زالت الشمس دخل الوقتان)([84]).

وآخر وقت الفضيلة أن يصير ظل كل شيء مثله للشهرة الجابرة بما في موثق زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر)([85]) وحملها المشهور على وقت الفضيلة, والأخبار في ذلك مختلفة في التحديد بالقامة والذراع والقدم ومن اختلافهما فهم الأصحاب أنها لبيان مراتب الفضيلة.

والتحقيق أن المراد بها واحد هو ظل المثل فأن ظل المثل بعد الزوال يختلف باختلاف البلدان والأزمان فقد يكون في بعضها قدر قامة وقد يكون قدر قدم أو ذراع.

 وآخر وقت الإجزاء والرفاهية يمتد الى أن يبقى من الغروب مقدار أداء العصر, لما في مرسل ابن فرقد عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات, فإذا مضى مقدار ذلك فقد دخل وقت الظهر والعصر حتى يبقى من الشمس مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات, فإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت الظهر, وبقي وقت العصر حتى تغيب الشمس)([86]) وإذا غابت الشمس فقد دخل وقت المغرب حتى يمضي مقدار ما يصلي المصلي ثلاث ركعات فإذا مضى ذلك فقد دخل وقت المغرب والعشاء الآخرة حتى يبقى من انتصاف الليل مقدار ما يصلي المصلي أربع ركعات وإذا بقي مقدار ذلك فقد خرج وقت المغرب وبقي وقت العشاء الآخر الى انتصاف الليل ،وأما ما ورد عن الصادق (عليه السلام  ) من السؤال عن  وقت الظهر, فقال: (بعد الزوال بقدم إلا في يوم الجمعة أو في سفر فأن وقتها حين تزول)([87]) فهو محمول على التأخير لأجل النافلة .

العصر

وقت العصر الفراغ من الظهر بإجماع الإمامية الى الغروب, ولما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام  ): (إذا زالت الشمس دخل الوقتان الظهر والعصر, وإذا غابت الشمس دخل الوقتان المغرب والعشاء الآخرة)([88]) ولصحيح عبيد بن زرارة المروي عن التهذيب قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام  ) عن وقت الظهر والعصر, فقال: إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر والعصر جميعاً إلا أن هذه قبل هذه, ثم أنت في وقت منهما جميعاً حتى تغيب الشمس)([89]) ووقت فضيلة العصر يمتد الى أن يصير الظل مثليك لما في موثق زرارة (وإذا كان ظلك مثليك فصلي العصر)([90]), وفي بعض الروايات (قامتين) والمراد بها قامة الإنسان لأنه هو المتبادر منها فيكون هو المراد من قوله (إذا كان ظلك مثليك), وقيل غير ذلك من التحديد (بالقامتين والذراعين والقدمين) لاختلاف الأخبار وحمل هذا الاختلاف على مراتب الفضيلة, ولكن التحقيق أن هذا الحمل هو خلاف ظاهرها وأن المراد واحد كما ذكرناه في فضيلة الظهر.

أما وقت الأجزاء فهو الى الغروب بمقدار صلاة العصر كما دل على ذلك مرسل ابن فرقد المتقدم في صلاة الظهر.

المغرب

وقت المغرب هو غروب الشمس الى أن يبقى لمنتصف الليل مقدار أداء العشاء لما في صحيحة عبيد بن زرارة عن ابي عبد الله (عليه السلام  )قال: (اذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل إلا ان هذه قبل هذه) ([91])والوقت المختص وهو مقدار ثلاثة ركعات من الغروب لصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام  ): (وقت المغرب إذا غربت الشمس فغاب قرصها)([92]) ولمرسل داود ابن فرقد المتقدم في صلاة الظهر ولمعتبر أحمد بن محمد عن الصادق (عليه السلام  ): (إذا توارى القرص كان وقت الصلاتين الى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه)([93]) وآخر وقت الفضيلة لصلاة المغرب ذهاب الشفق وهو سقوط الحمرة المغربية لنقل الإجماع عن المختلف ولصحيح إسماعيل بن جابر عن ابي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (سألت عن وقت المغرب, قال: ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق)([94]) وما دل على أن لها وقتاً واحداً قد حمله المشهور على وقت الفضيلة لوهنه بمعارضته للصحيح المذكور ومخالفته للمشهور فيدور أمره بين طرحه أو حمله وتأويله ولا شك أن الثاني أولى.

 وقت الأجزاء يمتد الى أن يبقى لانتصاف الليل وهو الغسق قدر العشاء ويدل على ذلك مرسلة ابن فرقد المتقدمة في الظهر.

العشاء

ووقت العشاء إذا مضى من المغرب قدر صلاة المغرب الى قبل الغسق وهو انتصاف الليل للشهرة ولرواية داود ابن فرقد المتقدمة في صلاة الظهر ولرواية عبيد ابن زرارة عن الصادق (عليه السلام  ): (إذا غربت الشمس دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل إلا أن هذه قبل هذه)([95]) المنجبرة بالشهرة. ويمتد وقت فضيلة العشاء الى ثلث الليل لرواية زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (آخر وقت العشاء ثلث الليل) حملها القوم على وقت الفضيلة للجمع بينها وبين ما تقدم, وحكي عن أبي صلاح الفتوى بوجوب الكفارة على من نام عن العشاء الى نصف الليل للرواية عن أبي المغيرة عمن حدثه عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) (في رجل نام عن العتمة ولم يقم إلا بعد انتصاف الليل قال (عليه السلام  ): يصليها ويصبح صائماً)([96]) وحكي عن أبي حمزة والمتأخرين استحبابها لأرسال الرواية. ويمتد وقت الأجزاء والرفاهية الى نصف الليل لموثق المعلى أبن خنيس  عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (آخر وقت العشاء نصف الليل) والوقت للمعذور كالمضطر والنائم والناسي يمتد إلى طلوع الفجر لصحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) في النائم والناسي: (إذا استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما يجب عليه الصلاتان وإن خاف أن تفوته إحداهما يبدأ بالعشاء)([97]) فإن هذه الصحيحة تقتضي وجوبهما قبل الفجر وجوبُ عذري ويتم في باقي المعذورين بضميمة عدم الفصل.

الصبح

وقت صلاة الصبح المسماة بالغداة هو طلوع الفجر الثاني الى طلوع الشمس للشهرة الجابرة لما هو المروي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام  ): (وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس)([98]) ويسمى الفجر الثاني بالخيط الأبيض, ويسمى بالفجر الصادق لأنه يصدقك عن الصبح, وسمي الصبح صبحاً لأنه يجمع بين الحمرة والبياض يقال: رجلُ أصبح إذا جمع بين الحمرة والبياض ولا عبرة بالفجر الأول المسمى بالفجر الكاذب ويسمى بالخيط الأسود كما أنّ الثاني يسمى بالخيط الأبيض, ويدل على ذلك رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام  ): (وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس)([99]) وقت فضيلتها يمتد الى طلوع الحمرة المشرقية لما في صحيح ابن سنان عن أبي عبد الله(عليه السلام  ): (أن وقت الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء)([100]) . ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ولكنه وقت من شغل أو نسيَ أو سها أو نام.

والوقت للأجزاء الى طلوع الشمس كما هو المشهور الجابر لرواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام  ) قال: (وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس و الوقت للمعذور بعد طلوع الحمرة المشرقية)([101]) لما تقدم من صحيحة ابن سنان.

الصلاة الوسطى هي الظهر

المنسوب الى المشهور أن الصلاة الوسطى المأمورون بالمحافظة عليها هي صلاة الظهر، ويدل على ذلك ما في صحيحة زرارة وصحيحة أبي بصير المروية عن معاني الأخبار قال سمعت أبا عبد الله(عليه السلام  ) يقول: (صلاة الوسطى صلاة الظهر وهي أول صلاة أنزل الله على نبيه)([102]) وعن علي(عليه السلام  ): (أنها الجمعة يوم الجمعة والظهر في سائر الأيام)([103]) ولا يصغى لغير ذلك من الأخبار لوهنها باختلاف نسخها وعدم حجيتها بعدما عرفت من الصحاح المعتضدة بفتوى المشهور.

تحديد وقت الفضيلة لكل واحدة

من الصلاة اليومية

لا يخفى أن المستفاد من الكتاب الكريم والسنة أن الأفضل من الأوقات للصلاة هو المسارعة بإتيانها أول الوقت بالأمر بالمسارعة الى الخير والاستباق له ولا شك أن الصلاة الواجبة اليومية هي من عمل الخير بل هي أفضل عملٍ خيري حتى روي عنهم(E ) رمي المتأخر عن صلاته (بلعب الصبيان) ولصحيح ابن سنان(عليه السلام  ): (لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما)([104]) وعليه فلابد من تحديد وقت الفضيلة وتعينه.

الظهر

إن وقت فضيلة الظهر من الزوال الى أن يصير ظل كل شيء مثله, ويكون ما بعده وقت الأجزاء والإطاعة الى أن يبقى للغروب مقدار أداء العصر, وسمي وقت الأجزاء لأنه يحصل به الامتثال والإطاعة مجردة عن فضيلة الإتيان للشهرة ولما في صحيحة زرارة: (صلِّ الظهر في الصيف اذا كان ظلك مثلك, والعصر اذا كان مثليك)([105]) فأنه

 

لا ريب في صحة صلاة الظهر في أول الزوال وصحة العصر بعدها, فلابد أن يكون المراد هو بيان عدم تأخيرهما عن هذا المقدار. وهو يدل على الفضيلة فيه, ويؤيد ذلك ما ورد من الأخبار الكثيرة الواردة في تحديد وقت الظهر بذهاب الظل قامة وتحديد وقت العصر بالقامة فأن الظاهر منه هو قامة الإنسان فيكون مؤداها عين مؤدى (مثلك) في صحيح زرارة إن قلت أن القامة في بعض الأخبار مفسرة بالذراع. قلنا هذه الأخبار مطروحة إذا لم يثبت ذلك عرف خاص أو اصطلاح جديد, ولعل المراد بها قامة مخصوصة ولذا أتى بها للعهد.

والظاهر أن المراد بالمثل والمثلين هو مثل الشاخص والمحكي عن التذكرة والمعتبر أن الأكثر على ذلك ولقوله (عليه السلام  ): (مثلك) وليس المراد به مثل الظل الذي يكون باقياً عند الزوال كما ينسب للشيخ الطوسي في التهذيب, وروي (وقت الظهر إذا زاغت الشمس إلى أن يذهب الظل قامة)([106]), وروي لوقت الفضيلة أربعة أقدام وهو المنسوب للشيخ والسيد. وروي (قدمان) وهو المنسوب للمفيد في المقنعة.

وفي المسألة أقوال أخرى ويمكن حملها على مراتب الفضيلة من القدم والقدمين والأقدام الأربعة الى المثل ينتهي وقت الفضيلة ويكون بعده وقتاً للأجزاء.

وقت فضيلة العصر

ووقت فضيلة العصر من أوله الى أن يصير الظل مثليك كما تقدم في مبحث فضيلة الظهر.

وقت فضيلة المغرب

ووقت فضيلة المغرب من الغروب الى سقوط الحمرة المغربية, ووقتها الأجزائي الى أن يبقى مقدار صلاة العشاء الى انتصاف الليل لنقل الشهرة على ذلك من الأصحاب ولصحيحة إسماعيل عن أبي عبد الله(عليه السلام  ) قال: (سألته عن وقت المغرب قال ما بين غروب الشمس الى سقوط الشفق)([107]) والشفق كما في اللغة هو الحمرة المغربية.

وفي صحيحة علي بن يقطين عن أبي الحسن (عليه السلام  ) قال: (سألته عن الرجل تدركه صلاة المغرب في الطريق, أيؤخرها الى أن يغيب الشفق؟ قال: لا بأس بذلك في السفر, فأما في الحضر فدون ذلك شيئاً)([108])، ويدل على امتداد وقت الأجزاء الى أن يبقى مقدار العشاء الى انتصاف الليل. رواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله في قوله تعالى [أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ]([109])، قال: (أن الله تعالى افترض أربع صلوات أول وقتها من زوال الشمس الى انتصاف الليل منها صلاتان أول وقتهما من  زوال الشمس الى غروب الشمس إلا أن هذه قبل هذه ،ومنها صلاتان أول وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلا أن هذه قبل هذه)([110]).

وأما المضطر الى تركها فإلى أن يبقى لطلوع الفجر قدر العشاء ويرشد إليه صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله قال: (إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة، فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتاهما فليصلهما وإن خاف أن تفوت إحداهما فليبدأ بالعشاء، وإن استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس)([111])، وأما في الصحيحة الأخرى عن أبي عبد الله(عليه السلام  ) ووقت (الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام)([112]) ومثلها الحسنة التي قيل عنها كالصحيحة بل الصحيحة على الصحيح عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (وقت الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ولكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام) (5).

وقت فضيلة العشاء

وأما وقت فضيلة العشاء فهو أول مضي مقدار صلاة المغرب من المغرب كما هو المشهور ويمتد وقت الفضيلة الى ثلث الليل لرواية زرارة عن أحدهما H قال: (آخر وقت العشاء ثلث الليل)(6)، وأما وقت الأجزاء فهو ما بعده الى انتصاف الليل لما تقدم.

الصبح

ووقت فضيلة الصبح من طلوع الفجر الثاني وهو البياض المعترض في أفق السماء, ويسمى الصبح الصادق لأنه يصدقك عن الصبح, وسمي صبحاً لأنه يجمع بين حمرةٍ وبياضٍ ولا عبرة بالفجر الأول المسمى بالفجر الكاذب الخارج كذنب السرحان, ويسمى الخيط الأسود وينتهي وقت الفضيلة بأسفار الصبح وتجلله السماء المعبر فيه في كلام جماعة بطلوع الحمرة من ناحية المشرق. ووقت الأجزاء الى طلوع الشمس كما هو المشهور والمحكي عن خبر زرارة المحكي عن الباقر(عليه السلام  ): (ووقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس)([113]) وعن خبر عبيد بن زرارة عن الصادق(عليه السلام  ): (لا تفوت صلاة الفجر حتى تطلع الشمس)([114]), ولا يمنع من الاستدلال ضعف الإسناد بعد الاعتضاد بالشهرة المستفيضة وبالإجماع المنقول عن ابن إدريس وابن زهرة, بل صار في مذهب الشيعة مثل الضروري.

وينتهي وقت الفضيلة بأسفار الصبح وتجلله السماء المعبر عنه في كلام جماعة بطلوع الحمرة المشرقية, ويدل على ذلك الحسنة كالصحيح بل الصحيحة على الصحيح التي رواها الكليني ( رحمه الله ) بإسناده عن ابن أبي عمير عن حماد عن الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (وقت الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ولكنه وقت لمن شغل أو نسي أو نام)([115]). والصبح الذي رواه الشيخ بإسناده عن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام  )قال: (لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ووقت الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء ٍولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام)([116]), وفي محكي المدارك منع دلالة الخبرين المذكورين على خروج وقت الاختيار بذلك فأن لفظ (لا ينبغي ) ظاهر في الكراهة وجعل ما بعد الاسفار وقتاً لمن شغل يقتضي عدم فوت وقت الأختيار بذلك لأن الشغل أعم من الضروري وليس كما ينسب لبعضهم من دلالتها على وقت المضطر.

تحقيق المطلب

وتوضيح الحال وتحقيقه أن الروايات المتقدمة في (ان أول الوقت أفضله)([117]) دلت على أن أفضل وقت الفجر هو طلوع الفجر مع أنه قامت أخبار دالة على ذلك بخصوصه, ففي المروي عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله(عليه السلام  ): (أن أفضل مواقيت صلاة الفجر هو طلوع الفجر لأن الله يقول :[إِنَّ قُرْءَانَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا])([118]) يعني صلاة تشهدها ملائكة الليل وملائكة النهار) فإذا  ظَمَمنا ذلك الى الحسن من خبر الحلبي عن أبي عبد الله(عليه السلام  ): (أن وقت الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء)([119]). ومعنى (تجلله) هو علوه فالمعنى أنه علاه وهو يكون معه الحمرة المشرقية فإذا ضممنا الى ذلك ما رواه زرارة (أن وقت صلاة الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس)([120]) يعلم من أن وقت الفضيلة للفجر ينتهي بظهور الحمرة المشرقية وبتجلل الصبح السماء, ويؤيد ذلك الصحيح الذي رواه الشيخ بإسناده عن ابن سنان يعني عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما ووقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر الى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمداً ولكنه وقت من شغل أو نسي أو سهى أو نام, ووقت المغرب حين تحجب الشمس الى أن تشتبك النجوم وليس لأحد أن يجعل آخر الوقتين وقتاً إلا من عذر أو علة)([121])، وقوله: (ولا ينبغي) يدل على الكراهة.

وذكر المرحوم المدقق المحقق الشيخ ملا كتاب أن المشهور بين الأصحاب امتداد الوقت للظهر الى أن يصير ظل كل شيء مثله, وللعصر الى صيرورته مثليه, وذهب إليه جل جمهور المتقدمين وكافة المتأخرين وأدعى في الغنية والسرائر عليه الإجماع وعن الخلاف الاستدلال على نفي الزائد عنه بالإجماع على كونه وقتاً ولا دلالة على الزائد, وذهب المفيد ( رحمه الله ) الى تقدير بسِبُع الشاخص للظهر وبتغير لون الشمس باصفرارها للعصر, وعن النهاية تقديره للظهر بأربعة أقدام وأن العصر تصلى بعدها يوم الجمعة، والمعتمد ما عليه الأكثر للإجماعات المحكية والروايات المستفيضة كقول الصادق(عليه السلام  ) لزرارة: (إذا كان ظلك مثلك فصل الظهر وإذ كان ظلك مثليك فصل العصر)([122]) إذ ليس هذا التحديد لأول وقت الظهر إجماعاً فيتعين كونه للآخر وقول الصادق (عليه السلام  ) لعمر بن حنضلة (ثم لا تزال في وقت الظهر الى أن يصير الظل قامة وهو آخر الوقت فإذا صار الظل قامة دخل وقت العصر فلم تزل في وقت العصر حتى يصير الظل قامتين وذلك المساء)([123]) الى غير ذلك من الأخبار السالفة والظاهر من (القامة) في هذه الأخبار هي قامة الإنسان لكونه هو المفهوم عرفاً والمستفاد من تحقق الماء بالقامتين، ولعل تفسيرها بالذراع كما في بعض الروايات اشتهار جعل الشاخص بقدر الذراع فيكون التحديد بالذراع و الذراعين راجعاً أيضاً الى المثل. هذا ما

 

حصلناه من كلمات القوم في تحديد وقت الفضيلة .وأقول أن التحقيق أن وقت الفضيلة هو مقدار العمل من أول دخول الوقت بمقدار ما يؤدى به الصلاة وتوابعها من مقدماتها كالطهارة ونحوها من النوافل السابقة واللاحقة وصلاة الاحتياط لأن ذلك يصدق عليه الشروع بها، ففي المقام دعويان:

الدعوى الأولى: أن ما أستدل به القوم لم يدل على تحديد وقت الفضيلة والدليل على هذه الدعوى أنه ليس فيه تصريح بالتحديد المذكور بالفضيلة وإنما حملوه على وقت الفضيلة من جهة تأويل الأخبار مع أن من المحتمل فيها أن يحمل ما ذكر فيها من المثل والقامة والذراع على كراهية التأخير عن ذلك أو التأخير لأجل النافلة وتوابع الصلاة لا من جهة تحديد وقت الفضيلة والاستحباب أو للتقية. نعم روى عن عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد الله عن افضل وقت للظهر فقال (ذراع بعد الزوال)([124]). ولعله من جهة النافلة وهو مختص بالظهر.

 والدعوى الثانية: أن وقت الفضيلة هو أول دخول الوقت بمقدار ما يسعها بتوابعها من نوافل وطهارة ونحو ذلك ،والدليل عليها هو دليل أفضل المسارعة لعمل الخير وكثير من الأخبار كصحيح بن سنان قوله (عليه السلام  ): (لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما)([125]), وما في صحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام  ) (وقد سأله عن افضل وقت لكل صلاة أنه أول الوقت أو وسطه أو آخره فقال(عليه السلام  ): أوله إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الله عز وجل يحب من الخير ما يعجل)([126]), الى غير ذلك من الأخبار الدالة على أفضلية العمل في أول الوقت، فلابد أن يكون الثاني من الوقت ما بعده مقدار أداء العمل من حين دخول الوقت.

أحكام الوقت

الحكم الأول: قاعدة من أدرك

الأول: أن من أدرك مقدار ركعة من الصلاة في آخر وقتها فقد أدرك الوقت, فمثلاً من صلّى الفجر وطلعت عليه الشمس في الركعة الثانية فقد أدرك الوقت للقاعدة المشهورة التي قام عليها الإجماع من الفريقين وهي (أن من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت) وهذه القاعدة مما أتفق عليها العامة والخاصة بإجماع أهل الفضل فقد روي عن البخاري بسنده عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)([127]) وحكي مثله عن أبي داود وعن ابن ماجه القزويني, وحكي موثق عمار عن الصادق (عليه السلام  ) أنه قال: (من صلى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته)([128]), وفي المرسل عن المعتبر قوله(عليه السلام  ): (من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت) وعن المروي عن الشيخ عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين(عليه السلام  ): (من أدرك من الغداة ركعة قبل طلوع الشمس فقد أدرك الغداة تامة)([129]) وفي المرسل العلوي (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر), وهذه الأخبار وإن كانت فيها المرَسَل وفيها الضعيف إلا أن الشهرة واتفاق مضمونها الذي يجعلها بمنزلة التواتر المعنوي كانا هو الجابر لسندها والكلام فيها يقع على جهات:

الجهة الأولى: أن الصلاة تكون أداءً لا قضاء خلافاً لما هو المحكي عن السيد من أنها تكون قضاء لأن خروج الجزء يوجب خروج الكل فأن النتيجة تتبع أخس المقدمات، وعن بعضهم أنها مركبة بين الأداء والقضاء, ولكن الأصح أنها أداء لأن (أل) في الوقت ظاهرة في أنها للعهد بالوقت المجعول للصلاة وهو وقت أدائها, وكذا (أل) في الصلاة ظاهرة في العهد للصلاة الأدائية, وكذا قوله (تامة) فأنه ظاهر في تماميتها وسعة الوقت لها وكذا قوله (أدرك) فأنه ظاهر في إدراك الوقت الذي قد فات منه. ووقت القضاء لم يفت منه.

الجهة الثانية: أن المراد بإدراك الركعة هو رفع الرأس من السجدة الثانية كما صرح به جماعة فأن الركعة حقيقة شرعية في ذلك.

الجهة الثالثة: إنه لا يجوز التأخير تعمداً لأنه بالتأخير مطلوب منه مقدار من الصلاة فوراً لضيق وقته وهو قد فوته عليه تعمداً فيكون عاصياً.

الجهة الرابعة: لو بقي من وقت الظهرين مقدار أربع ركعات وجب عليه إتيان العصر وقضاء الظهر لأنه وقت اختصاص بالعصر, ولو بقي مقدار خمس ركعات أتى بالظهر لأنه قد أدرك من وقته ركعة ثم يأتي بالعصر لأنه يدرك من الوقت أكثر من ركعة وهكذا الكلام في العشائين. إن قلت أنه لو بقيَ أربع ركعات من العشاء أمكنه أن يأتي بالمغرب ثم أنه يأتي بالعشاء أداء لأنه أدرك منه ركعة. قلنا أنه لما كان الوقت مختصاً بالعشاء لا يصح إتيان المغرب فيه.

الجهة الخامسة: أن الصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق والحائض والنفساء إذا طهُرتا والكافر إذا أسلم، إن هؤلاء إذا أدركوا قبل غروب الشمس مقدار ما يصلي ركعة أنه يلزمهم العصر, وكذا إذا أدركوا قبل طلوع الفجر الثاني مقدار ركعة يلزمهم العشاء وإذا أدركوا قبل طلوع الشمس بركعة يلزمهم الفجر.

الجهة السادسة: أن المراد بالركعة هو ركعة الفريضة الاختيارية لا الفريضة الاضطرارية فإذا كانت فريضة الصلاة مع الطهارة المائية بالوضوء أو بالغسل ولم يدرك ركعة معها وإنما يدرك ركعة مع التيمم لا يجب عليه المبادرة للصلاة مع التيمم لعدم شمول أخبار (مَن أدرك) لها لأن شمول أخبار (من أدرك) لها مبني على الأمر بالصلاة مع التيمم والأمر بالصلاة مع التيمم إنما يكون بشمول (من أدرك) إذ لولا شمول من أدرك لما كان أمر بالصلاة لأن التيمم إنما يصح إذا كان أمر بالصلاة مع ضيق الوقت عن الطهارة بالماء والفرض أن الأمر بالصلاة إنما كان من جهة شمول (من أدرك) لهذه الصورة حتى يشرع في حقه التيمم لضيق الوقت عن الطهارة بالطهارة المائية فيلزم الدور الباطل لتوقف شمول (من أدرك) على شمولها فيكون فاقداً للطهورين فلا تصح الصلاة منه بخلاف الصلاة الاختيارية فأن شمول (من أدرك) لها متوقف على الأمر بها مع الطهارة المائية والأمر بها مع الطهارة المائية غير متوقف على (من أدرك) بل هو مستفاد من الأمر بها مع الطهارة المائية وبعبارة أخرى إنما كان من كل ركعة شمول (من أدرك) لها من جهة ضيق الوقت والاضطرار إليها بواسطة شمول (من أدرك), كما لو كانت الركعة لا يسعها الوقت مع الساتر ولكن يسعها الوقت مع فقده, بمعنى أن الباقي من الوقت يسع للركعة مع عدم الساتر أما مع تحصيل الساتر فلا يسع الوقت ففي هذه الصورة لا يصح أن يقال: أن (من أدرك) تشمل هذه الصورة لأن الصلاة مضطر لترك الساتر فيها لعدم تمكنه من الستر والصلاة تصح بلا ساتر مع ضيق الوقت فيكون بواسطة (من أدرك) الصلاة واجبة عليه مع عدم الساتر لضيق الوقت ،ولا يخفى أنه يلزم الدور من شمول (من أدرك) وهكذا فيما إذا كانت الركعة يدركها لو كانت من جلوس ولا يدركها لو كانت من قيام فلا يصح أن يقال في صورة ما إذا ضاق الوقت وبقي منه مقدار ركعة من جلوس من أنه (من أدرك) تشمل هذه الصورة لأنه بقي مقدار الوقت يسع لركعة من جلوس بدل من الركعة من قيام, وهكذا لو بقي من الوقت مقدار ركعة مومياً فلا تشمل (من أدرك) هذه الصورة والحاصل إن كان بقاء مقدار الركعة من جهة شمول (من أدرك) فلا يصح أن يقال بأن (من أدرك) تشمله للزوم الدور هكذا بحسب الدقة العقلية.

وأما بحسب الظهور اللفظي فأن لفظة (صلاة) في قوله (من أدرك) ظاهر في الصلاة الاختيارية الصحيحة لا في بدلها الاضطراري غير الاختياري فأن (من أدرك) بدل الشيء ليس إدراكاً للشيء ففي صورة إدراك بدل الصلاة الاضطراري ليس إدراكاً للصلاة فالقاعدة المذكورة لا تشمل الإدراك البدلي, هذا مضافاً الى الصحيح الذي رواه ثقة الإسلام بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (قال (عليه السلام  ): أيما امرأة رأت الطهر وهي قادرة على أن تغتسل في وقت الصلاة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرّطت فيها, وإن رأت الطهر في وقت صلاة فقامت في تهيئة ذلك فجاز وقت صلاة ودخل وقت صلاة أخرى فليس عليها قضاء وتصلي الصلاة التي دخل وقتها)([130]) فأنه مقتضى مفهوم الشرطية التي في صدرها أنه (إن لم تكن قادرة على أن تغتسل فلا قضاء عليها) وهذا المفهوم يقتضي أنها لا قضاء عليها حتى إذا كانت قادرة على التيمم, وهكذا الشرطية الموجودة في أخرها فأن مقتضى منطوقها إن القضاء ليس بواجبٍ عليها حتى لو تمكنت من التيمم فإن أسم الإشارة في قوله (تهيئة ذلك) عائد للغسل, ويدّل على ذلك ما رواه الشيخ أيضاً بإسناده عن أبي عبد الله(عليه السلام  ): (في المرأة تقوم في وقت الصلاة فلا تقضي طهرها حتى تفوتها الصلاة ويخرج الوقت أتقضي الصلاة التي فاتتها؟ قال(عليه السلام  ): (إن كانت توانتها قضتها وإن كانت دائبة في غسلها فلا تقضي)([131]). فأنها دالة على عدم القضاء مع اشتغالها بالغسل وإن كانت قادرة على التيمم, ويدل عليه ما عن الكليني بإسناده عن أبي عبيدة عن أبي عبد الله (عليه السلام  )قال: (إذا رأت المرأة الطهر وقد دخل عليها وقت الصلاة ثم أخرت الغسل حتى يدخل وقت صلاة أخرى كان عليها قضاء تلك الصلاة التي فرطت فيها)([132]) والاستدلال بها واضح ويدل عليه ما في الوسائل عن محمد بن مسلم عن أحدهما H قال: (قلت المرأة ترى الطهر عند الظهر فتشتغل في شأنها حتى يدخل وقت العصر قال تصلي العصر وحدها فإن ضيعت فعليها صلاتان)([133]), والظاهر أن المراد بوقت العصر الوقت المختص بها وهو مقدار أدائها قبل الغروب جمعاً بين الأخبار.

والحاصل أن مقتضى نفي القضاء في الرواية الأولى عن مطلق من قامت بتهيئة الغسل, وفي الرواية الثانية نفيه عن مطلق من كانت دائبة في غسلها, وفي الرواية الثالثة عن مطلق من اشتغلت في شأنها شامل لمضي زمان مقدار التيمم منضمة لعدم القول بالفصل بين أول الوقت وآخره وبين الحائض وغيرها من ذوي الأعذار يثبت المطلوب هذا كله إذا كان ضيق الوقت والاضطرار من جهة شمول (من أدرك), وأما إذا كان ضيق الوقت والاضطرار من جهة أخرى بأن كانت واجبة عليه الصلاة مع التيمم في حد ذاته لفقدانه الماء أو عاجزاً عن أداء الصلاة إلا إيماء لمرض أو نحوه فأن قاعدة (من أدرك) تشمله لأنها هي الصلاة في حقه.

الحكم الثاني: قاعدة من دخل

الثاني من أحكام الوقت أنه من دخل عليه الوقت وهو في أثناء أداء الفريضة ولو حال التسليم صحت صلاته, فمثلاً من تخيل أن الفجر قد صار ولم يكن قد دخل الفجر ولكنه في أثناء صلاته ولو قبل التسليم دخل الفجر كانت صلاته صحيحة ولا تجب عليه الإعادة لقاعدة من دخل عليه الوقت في أثناء صلاته صحت صلاته, والفرق بين هذه القاعدة وقاعدة (من أدرك) أن هذه القاعدة ناضرة لأول الوقت والتوسعة في أول الوقت, وقاعدة (من أدرك)ناظرة لآخر الوقت والتوسعة فيه.

 والدليل على هذه القاعدة الشهرة على صحتها, وعن المرتضى وابن جنيد وابن أبي عقيل وجوب إعادة الفريضة, والأصح ثبوت هذه القاعدة لخبر إسماعيل ابن رياح عن الصادق قال(عليه السلام  ): (إذا صليت وأنت ترى أنك في وقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك)([134]), ولا يهمنا جهالة إسماعيل حيث لا تعرض له بمدحٍ ولا قدحٍ بعد اعتضاد خبره بفتوى مشهورة ومخالفة كافة الجمهور حيث أوجبوا الإعادة على ما حُكيَ عن المنتهى بل عن العلامة البهبهاني أن الأصحاب قد عملوا بخبره وحكموا بصحة الصلاة بمجرد خبره, ويؤيد صحة خبره رواية ابن أبي عُمَير عنه لما عن العدة من أن ابن أبي عمير لا يروي إلاّ عن ثقة ولا يعارضه ما أرسله المرتضى من الروايات حيث حكم بعدم الأجزاء لقصورها عن المقاومة لموافقتها لأهل الخلاف كما قد عرفت, فيتعيّن حملها على التقية ولا يعارضه ما دل بإطلاقه على بطلان الصلاة في غير وقت كقول الصادق(عليه السلام  ): (من صلى في غير وقت فلا صلاة له)([135]) لوجوب حمل المطلق على المقيّد.

الحكم الثالث: المبادرة

أنه تجب المبادرة الى الصلاة إذا تضيق وقتها لأنه لو أخرها أو أخَر بعض أجزائها كان عاصياً ومخالفاً لأمر المولى بإتيانها بجميع أجزائها في وقتها. نعم مع العذر كالجنون والحيض أو النسيان كان معذوراً في تأخيرها.

الحكم الرابع: الصلاة قبل دخول وقتها بتخيل دخوله

أنه حكي عن المحقق أن المكَلف لو صلّى قبل دخول وقت الفريضة بتخيّل دخوله ثم دخل عليه الوقت في أثنائها كالظهر صحّت صلاته وأتى بالعصر بعدها, وأشكل عليه بأن العصر لا يصُح إتيانها بعده لأن الوقت وقت مختص بالظهر, ولكن لا يخفى أنه قد تقدم منا إن وقت الاختصاص هو ما بعد أداء الأولى صحيحةً وهو قد صلى الأولى صحيحة لقاعدة (من دخل عليه الوقت) فيكون ما بعد أدائها وقتاً للعصر.

الحكم الخامس: من خاف ضيق الوقت

إذا الإنسان خاف ضيق الوقت عن أداء الظهر والعصر فليبدأ بالعصر ثم يأتي بالظهر لصحيح الحلبي في (رجل نسي الأولى والعصر جميعاً ثم ذكر ذلك عند غروب الشمس فقال: إن كان في وقتٍ لا يخاف فوت أحدهما فليصل الظهر ثم يصلي العصر, وإن هو خاف أن يفوته فليبداً بالعصر ولا يؤخرها فتفوته فيكون قد فاتتاه جميعاً ولكن يصلي العصر فيما بقي من وقتها ثم ليصلِّ الأولى بعد ذلك على أثرها)([136]) فأن هذه الرواية تدل على صحة الأولى في الوقت المختص بالثانية لأن قوله (ثم ليصلِّ الأولى بعد ذلك) تدل بإطلاقها على صحة الصلاة الأولى حتى لو كان الوقت المختص بالثانية باقٍ كله أو جزءه, وهكذا الكلام في المغرب والعشاء لصحيح ابن سنان عن الصادق قال(عليه السلام  ): (إن نام الرجل أو نَسي أن يصلّي المغرب والعشاء فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلِّهما, فإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة, وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصلِّ الفجر ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس)([137]).

الحكم السادس: جواز صلاة اخرى في وقت الفريضة

يجوز له صلاة أخرى سواء كان تطوع أو قضاء لفريضة أخرى في الوقت المختص حتى مع اشتغال ذمته بصاحبة الوقت لأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده.

الحكم السابع: جواز قضاء الفرائض الخمسة في وقت الحاضرة

يجوز أن يقضي الفرائض الخمس في وقت الحاضرة سواء كان الوقت هو الوقت المختص بها أو المشترك ما لم يتضيّق وقت الحاضرة, لدعوى الإجماع على ذلك من غير واحد ولصحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام  ) أنه قال: (أربع صلوات يصليها الرجل في كل ساعة صلاة فاتَتْك فمتى ذكرتها أديتها, وصلاة ركعتي طواف الفريضة, وصلاة الكسوف والصلاة على الميت, هذه يصلّيهن الرجل في الساعات كلها)([138]) ولصحيحة معاوية ابن عمار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السلام  )يقول: (خمس صلوات لا تترك على حال إذا طفت بالبيت وإذا أردت أن تحرم وصلاة الكسوف وإذا نسيت فصل إذا ذكرت وصلاة الجنازة)([139]).

الحكم الثامن: عدم جواز تأخير صلاة المغرب تعمداً

لا يجوز تأخير صلاة المغرب تعُمداً طلباً لاستحباب التأخير كما كان يصنع أبي الخطاب وأصحابه ففي الصحيح عن ذُرًيح قال: قلت لأبي عبد الله(عليه السلام  ): (أن أناساً من أصحاب أبي الخطاب يمسون بالمغرب حتى تشتبك النجوم فقال (عليه السلام  ) : أبرأ إلى  الله من فعل ذلك متعمدا)([140]). وعن أبي عبد الله(عليه السلام  ): (ملعون ،ملعون من أخر المغرب طلب فضلها)([141]) وعن الرضا(عليه السلام  ): (جواز تأخيرها حتى يغيب الشفق للمسافر والخائف ولطالب الحاجة)([142]).

الحكم التاسع: كراهة تقديم صلاة العشاء على ذهاب الحمرة

كراهة تقديم العشاء على ذهاب الحمرة ونُسب للشيخين عدم الجواز. والحق أن الأخبار الدالة على المنع تحمل على الكراهة جمعاً بينها وبين الصحاح الدالة على الجواز.

الحكم العاشر: استحباب الكفارة على من نام عن صلاة العشاء

حكي عن أبي صلاح إنه تجب الكفارة على من نام عن صلاة العشاء الى نصف الليل بصوم اليوم, وحُكي عن أبي حمزة والمتأخرين استحبابها لإرسال الرواية الدالة عليها, فقد حكي في باب الكفارات عن عبد الله بن المغيرة عمن حدثه عن أبي عبد الله(عليه السلام  ): (في رجل نام عن العتمة ولم يقم إلاّ بعد انتصاف الليل قال(عليه السلام  ): يصليها ويصبح صائماً)([143]).

الحكم الحادي عشر: انكشاف وقوع الصلاة قبل الوقت

أنه لو أنكشف له بعد الصلاة أن صلاته وقعت قبل الوقت أعاد صلاته في الوقت أداء وفي خارجه قضاءً سواءً كان معتمداً أو ناسياً لأشتراط الوقت في الصلاة أو جاهلاً بأنه يشترط في الصلاة وقوعها في الوقت أو قاطعاً بدخول الوقت أو ظاناً بالظن المعتبر دخول الوقت ففي جميع الصور تقع صلاته فاسدة لحكاية الإجماع ولما دلَّ على اعتبار الوقت في الفريضة وأجزائها, والمشروط عدم عند عدم شرطه ولعموم موثقة أبي بصير عن الصادق(عليه السلام  ): (من صلى في غير وقت فلا صلاة له)([144]) ولقوله ( لا تعاد الصلاة إلا من الخمس خمس) وقد عد الإمام من الخمس الوقت, ولما رواه الشيخ عن أبان عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام  ) وفي حديث قال لرجل: (وقت المغرب إذا غاب القرص فإن رأيته بعد ذلك وقد صليت أعدت الصلاة)([145]) والظاهر أن المراد إن (رأيت القرص بعد الصلاة) ولابد أن يكون المراد إذا غاب القرص في نظره ولصحيح زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام  ) (في رجل صلّى الغداة بليلٍ غرة من ذلك القمر ونام حتى طلعت الشمس فأخبر أنه صلى بليل قال(عليه السلام  ): يعيد صلاته)([146]).

إن قلت أنه مع قيام الظن المعتبر تكون صلاته لقيام الأمر الظاهري مقام الواقعي.

 قلنا مع قيام الدليل على الإعادة يجب الأخذ به وتخصيص القاعدة العامة به, وقد عرفت أن الدليل قد قام على الإعادة أما لو شك بعد الصلاة والفراغ منها أن صلاته وقعت قبل الوقت أو بعده فالظاهر صحتها كالشك في الاستقبال والطهارة لقاعدة الفراغ الحاكمة بإلغاء الشك بعد الفراغ, وقد حكي أن المرحوم النائيني لم يجرِ قاعدة الفراغ في هذا الموضع بدعوى أنها إنما تجري في الأمور التي بيد الإنسان فعلها كالطهارة ونحوها دون مثل الوقت, والأصح هو الأول فأن الاستقبال مثل الإتيان في الوقت حيث أنه كلُ منهما بيده وإنما الخارج عن قدرته نفس القبلة ونفس الوقت.

 والحاصل أن قاعدة الفراغ تشمل الشك في الوقت, والشك في القبلة, والشك في الحدث, وهكذا الكلام فيما لو شك في ذلك بعد خروج الوقت فأنه يحكم بصحتها لقاعدة عدم اعتبار الشك بعد خروج الوقت.

الحكم الثاني عشر: دخول الوقت اثناء الصلاة

لو أنكشف للمصلّي بعلم أو ظن معتبر بعد الفراغ من الصلاة أن الوقت قد دخل في أثناء صلاته ووقع جزء منها ولو التسليم بناءً على جزئيته في الوقت والباقي خارجه, فالمشهور صحتها لرواية إسماعيل بن رياح عن أبي عبد الله قال(عليه السلام  ): (إذا صليت وأنت ترى أنك في الوقت ولم يدخل الوقت فدخل الوقت وأنت في الصلاة فقد أجزأت عنك)(1) وما عسى أن يقدح في سند هذا الخبر من جهة جهالة إسماعيل المذكور وما عن المختلف من أنه (لا يحضرني حاله) فلا وجه له لأن الرواية أعتمد عليها المشهور فهي بحكم الصحيحة إن لم تكن أقوى منها باعتبار رواية المحمدين الثلاث لها في الكافي والتهذيب والفقيه, وصحتها الى ابن أبي عمير المجمع على تصحيح ما يصح عنه, وحكي العمل بها عن الشيخ وكثير من الأصحاب فهي صحيحة باصطلاح القدماء. وأما لفظ (ترى) فهي تشمل العلم الوجداني والاطمئنان القلبي والظن المعتبر, وبعبارة أخرى هو الركون الوجداني والنفسي أما لو أنكشف له ذلك في أثناء صلاته دخول الوقت عليه وهو متلبس ببعض أجزائها التي سبق فعلها منه كما لو انكشف له ذلك في الركعة الثانية أنه دخل عليه الوقت وهو في الركعة الأولى, فالظاهر أيضاً صحة صلاته لعموم خبر إسماعيل المتقدم لهذه الصورة لأنه يصدق عليه أنه دخل الوقت في الصلاة التي يرى أنها في الوقت.

أما لو انكشف له في أثناء الصلاة أنه لو أتمها دخل الوقت عليه كانت فاسدة لأنها قد وقعت بعض أجزائها وهي المتقدمة غير مستوفية لشرطها وهو الوقت, والمشروط عدم عند عدم الشرط ولا دليل على اجتزاء المولى واكتفاءه بها في مقام الإطاعة فأن الخبر المذكور وهو خبر إسماعيل لا يشملها لأنه لم يكن الوقت دخل عليه وهو يرى أنه في الوقت ولم يكن لنا دليل على الصحة وعدم الدليل دليل العدم.

أما لو شك في دخول الوقت في أثناء صلاته أو شك في أن صلاته في الوقت أيضاً كانت فاسدة لأن الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني.

الحكم الثالث عشر: الجاهل بدخول الوقت

إن الجاهل بدخول الوقت بمعنى أنه يرى أن الوقت قد دخل أو الجاهل باعتبار الوقت في الصلاة بمعنى أنه جاهل بأن الوقت شرط للصلاة أو الناسي لذلك والذاهل لو تبيّن له وقوع الصلاة خارج الوقت فالصلاة فاسدة بلا خلاف لأنها فاقدة لشرطها والمشروط عدم عند عدم شرطها ولما ورد عن الصادق(عليه السلام  ): (أن من صلى من غير وقت فلا صلاة له)(1) أما لو كانت واقعة في الوقت فقد تقدم أنه لو دخل عليه الوقت وهو متلبس ولو بالتسليم وكان ما أتى به يرى أنه في الوقت فهي صحيحة لرواية إسماعيل بن رياح المتقدمة.

 أما لو كانت واقعة جميعها في الوقت وهو يرى أنها في الوقت كانت أيضاً صحيحة بمقتضى مفهوم الأولوية للرواية المذكورة وإن كان غافلاً عن ذلك أو ظاناً ظناً غير معتبر وتأتى قصد القربة منه, فالظاهر صحتها لأنها وقعت جامعة للشرائط في الواقع.

إن قلت أن الواجب مراعاة الوقت فلم يأتِ بالمأمور به على وجهه.

قلنا وجوب المراعاة من باب المقدمة العلمية لإتيان الصلاة في الوقت للملتفت, أما الناسي والجاهل جهلاً مركباً بإشتراطه والذاهل فلا يجب عليه المراعاة للوقت لأنه غير ملتفت الى الوجوب.

إن قلت أن قصد التقرب لم يحصل لأنه لم يعلم بحصول الشرط وهو الوقت.

 قلنا أنه لما كان يرى أن الصلاة صحيحة لعدم إلتفاته الى أنها مشروطة بالوقت أو ناسياً لاشتراطها به فهو يتأتى منه قصد القربة.

والحاصل أن الجاهل المذكور والناسي المذكور لما كان غير ملتفت الى اشتراط الوقت يرى أن العمل العبادي هو أن الذي يأتي به يحصل به قصد القربة غير متزلزل ولا متردد فيه, ولا يعتبر في مقام الامتثال والطاعة إلا الإتيان بالمأمور به مع قصد القربة مطابقاً لما عند الآمر وإن كان حصول الشرط بمجرد الإتفاق إذ لا يخفى أن محصولية الصلاة في الوقت لا يعتبر فيها قصد القربة وإنما المعتبر وجودها الواقعي والمفروض أنها قد وجدت.

 إن قلت لقد حكي من الأخبار ما يدل على اشتراط صحة العمل بالعلم لقوله (عليه السلام  ): (لا عمل إلا بالفخ والمعرفة وبالعلم وبإصابة السنة) وقوله(عليه السلام  ): (لا يقبل الله عملاً إلا بالمعرفة) وقوله(عليه السلام  ): (من لا يعرف ولاية ولي الله فتكون جميع أعماله بدلالته إليه ما كان له على الله حق في ثوابه ولا يكون من أهل الإيمان).

 قلنا هذه الأخبار وأمثالها إنما ردُ على من عمل بالرأي من دون دليل أو برهان ومن دون مراجعة المرجع الديني في ذلك الزمان وإلا فالمطلوبات للشارع التوصلية لا يعاقب العبد عليها فيما لو كان عمله على طبقها إتفاقاً كما أن قسماً من الأخبار لبيان أن المكلف لو أتى بالعمل المطلوب ببعض ما أعتبر فيه إتفاقاً لا يثاب على ذلك العمل ولا على ذلك البعض منه وإن كان موافقاً للواقع ولم يقصد القربة منه كما هو مقتضى العقل.

الحكم الرابع عشر: عروض الأعذار الرافعة للفريضة

إذا عرض للمُكلف أحد الأعذار الرافعة لوجوب الفريضة كالجنون والحيض والنفاس والإغماء وفقد الطهورين ونحوها على التفصيل الذي يجيء في مبحث القضاء في الوقت بعد مضي مقدار الإتيان بها صحيحة بشرائطها كالطهارة المائية أو الترابية وغير ذلك مما يعتبر في الإتيان بها صحيحة وجَبَ عليه أداء الفريضة حال الخلو من العذر فأن أداها فلا إشكال وإلا وجب عليه قضاءها المقدار من الوقت هو المقدار الذي يكون بحسب حاله في ذلك الوقت من السفر والحضر.

 أو التيمم لفقد الماء أو الوضوء أو الغسل مثلاً لو كان يحتاج الى طهارته البدنية والحدثية والستر في أداء الفريضة نصف ساعة ودخل عليه الوقت وجاءه العذر بعد نصف ساعة فإن أدى الفريضة فلا إشكال وإن لم يؤدها في هذا النصف من الساعة وجب عليه قضاؤها وذلك للإجماع ولصدق الفوت المستلزم للقضاء لقوله (عليه السلام  ) (من فاتته فريضة فليقضها)(1). أما لو عرض عليه المانع في الوقت بحيث لم يمكن أداؤها بمقدماتها كما لو أغمي عليه في المثال المذكور بعد ربع ساعة فلا قضاء عليه. هذا هو مقتضى القاعدة كما أدعي للإجماع عليه إلا إذا قام الدليل على خلافه كالنائم فأنه لولا النص والإجماع على وجوب القضاء لكان مقتضى القاعدة سقوطه عنه وكالحائض فأنها تقضي الصوم للدليل عليه. وقد أستدل على هذه القاعدة بروايتين:

 الأولى: ما رواه الشيخ بإسناده عن محمد بن الوليد عن يونس بن يعقوب عن أبي عبد الله (عليه السلام  ): (في امرأة إذا دخل وقت الصلاة وهي طاهر حتى حاضت قال تقضي إذا طهرت)(1). وسند هذه الرواية موصوف بالموثقية في كلام جمع وإن وقعت المناقشة في ذلك من بعضهم لكن انجبارها بالشهرة والإجماعات المنقولة يوجب الوثوق بها.

الثانية: رواية الشيخ بسنده عن أحمد بن محمد عن شاذان بسنده عن عبد الرحمن بن الحجاج قال: (سألته عن المرأة تطمث بعدما تزول الشمس ولم تصل الظهر هل عليها قضاء تلك الصلاة, قال: نعم) وضعفها منجبر بالشهرة والاجماعات المنقولة.

إن قلت أن هذه الرواية شاملة لما إذا لم يمض مقدار الفريضة بمقدماتها المعتبرة فيها وقد حكم فيها بالقضاء بوجه العموم.

قلنا أنها لما كانت حجيتها بالشهرة والإجماع المنقول فيؤخذ مؤداها بمقدار ما هو المشهور والمنقول بالإجماع عليه ومن المعلوم أنهما انما قاما على خصوص ما إذا مضى من الوقت مقدار أداء الفريضة على أنها مخصصة بخروج هذه الصورة بمفهوم الرواية التي قبلها وهي رواية يونس.

إن قلت أن الخبر الحسن بأبي الورد الذي هو كالصحيح الذي رواه ثقة الإسلام بسنده عن أبي الورد قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام  ) عن المرأة التي تكون في صلاة الظهر قد صلت ركعتين ثم ترى الدم قال (عليه السلام  ): (تقوم من مسجدها ولا تقضي الركعتين وإن كانت رأت الدم وهي في صلاة المغرب وقد صلت ركعتين فلتقم من مسجدها فإذا طهرت فلتقضِ الركعة التي فاتتها من المغرب). فإن هذا دلت على خلاف ما ذكرناه من عدم وجوب القضاء لو كان المقدار من الوقت لا يسع الفريضة ودلت على قضاء قسماً من الفريضة لو الوقت وسع بعضها.

قلنا أجيب بالطعن في سندها وهو كما ترى فأن أبي الورد حسن ممن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه فالأولى في الجواب أن يقال أن صدر الرواية يوافق المشهور بل والإجماع وأما ذيلها من إثبات القضاء للركعة فيما لو كانت أتت بركعتين من المغرب فأنه مما لم يقل به أحد إلا الصدوق ( رحمه الله ) و مدعا قضاء تمام المغرب لا ركعة منه فهو من الشواذ فلا يثبت به الحكم الشرعي المخالف للقاعدة فإن الركعة الواحدة بتراء غير مشروعة وهذه الأدلة وإن كانت مختصة بالحائض إلا أنه يتم الحكم بضميمة عدم الفصل.

تنبيهات

وينبغي التنبيه على أمور :

التنبيه الأول: إنه لا فرق في ذلك بين أول الوقت أو أخره أو وسطه فلو أفاق المجنون في أثناء الوقت بمقدار الفريضة استقر الوجوب عليه فيأتي بها أداءً وإذا لم يأتِ بالفريضة أتى بها قضاءاً.

التنبيه الثاني: أن المراد في مقدار الوقت الموجب مضيّه قبل عروض مخطور ثبوت القضاء إنما هو المقدار من الوقت الذي يفي لأقل ما يمكن من الفريضة بحسب حال المعذور قصراً وإتماماً وسرعة وبطأً, وعن نهاية الأحكام أن المرأة لو طولّت صلاتها فحاضت في أثنائها والماضي من الوقت يسع تلك الصلاة لو خففها لزمها القضاء.

 إن قلت أن لها التطويل وهو يمنع من ثبوت القضاء عليها لو طولت فحاضت قبل الفراغ.

 قلنا أن الأذن يوجب عدم فسقها في التطويل ولا يلزم من ذلك عدم ثبوت القضاء الدائر مدار الفوت الثابت في المقام, وقد حكي عن جماعة إنه لو كانت صلاة المعذور مما يتخير فيه بين القصر والإتمام كفى في ثبوت القضاء مضي وقت الصلاة المقصورة وإن شرع فيها تامة, وإذا أراد أن يقضي قضاها مقصورة لأن الفرض عدم سعة الوقت لإتيانها تامة, ومن المعلوم أن أحد طرفي الواجب المخيّر يتعين عند تعذر الآخر وإن قضاء ما فات يلزم أن يكون على النحو الذي فات كذا أفاده المحقق المامقاني.

التنبيه الثالث: إن إمكان تقديم الشرط على الفريضة كإمكان التطهير قبل الوقت للصلاة لا يوجب ثبوت القضاء للصلاة إذا حصل العذر بعد الوقت مقدار فعل الصلاة فقط, بل أن ما يوجب لو كان المقدار من الخلو من العذر في الوقت يسع الفريضة بشروطها وإن أمكن إتيان الشروط قبل الوقت لعدم صحة الخطاب بالفريضة مع شرطها في الوقت لضيقه ولا قبل الوقت لأنه لا خطاب قبل الوقت بالفريضة. نعم لو كان المكلف متطهراً حين دخول وقت الفريضة فدخل الوقت ومضى من الوقت ما يسَع الصلاة دون الطهارة وجب القضاء إذا لم يأتِ بالفريضة لثبوت الصلاة في حقه وتوجه الخطاب بها إليه فعند عدم الإتيان بها يصدق الفوت.

التنبيه الرابع: أن صلاة العصر لمن عَرض عليه العذر بعد دخول الوقت مقدار صلاة الظهر لا يجب عليه قضاءها إلا إذا زال العذر في وقتها وأمكنه أداءها فيه وهكذا صلاة العشاء لا يجب قضاءها لمن عرض عليه العذر بعد مقدار صلاة المغرب إلا إذا زال العذر عنه في وقتها مقدار أدائها.

التنبيه الخامس: قال بعضهم إنا إن أوجبنا التيمم لضيق الوقت عن الطهارة المائية أمكن هنا اعتبار مقدار التيمم والصلاة وينسب الى صاحب كاشف اللثام ذلك, وحاصله إن من يمنع من التيمم لضيق الوقت عن المائية يلزمه اعتبار مقدار الطهارة المائية وإن من يجوّزه يلزمه اعتبار الطهارة الترابية. والحق أن المعتبر هو مقدار الطهارة المائية وإن جوّزنا إعتبار الطهارة الترابية لضيق الوقت عن الطهارة المائية لأن المستند في ذلك هو قاعدة (من أدرك) وقد تقدّم إنها لا تشمل صورة من أدرك ركعة من الوقت للطهارة الترابية عند ضيق الوقت عن الطهارة المائية. نعم لو كان الباقي من الوقت هو مقدار الصلاة بطهارتها الترابية من غير جهة ضيق الوقت كما لو كان من جهة عدم وجدان الماء وجب عليه الإتيان بالصلاة مع الطهارة الترابية وإن لم يأتِ بها فعليه قضاءها.

الحكم الخامس عشر: من أحكام الوقت

لو أشتغل بالصلاة اللاحقة في الظهرين أو العشائين للقطع بإتيان السابقة عليها أو غفل عنها ثم أنكشف له عدم الإتيان بالسابقة فتارةً يكون قد أتى باللاحقة في الزمن المختص بالسابقة كـأن أتى بالعصر في الزمن المختص بالظهر أو أتى بالعشاء في الوقت المختص بالمغرب فلا إشكال في بطلان اللاحقة لأنه أتى بها في غير وقتها كمن أتى بها قبل دخول الوقت سواء كان التذكر في الأثناء أو بعد الفراغ.

إن قلت أن هذا يتم في الظهرين وأما في العشاءين فلا تكون العشاء باطلة لقاعدة (من أدرك).

قلنا أنها لما وقعت في وقت الأختصاص للمغرب صارت فاسدة وإن أدرك ركعة منها لما عرفت من أدرك وقت الأختصاص يمنع من وقوع الشريكة فيه ولا أجزائها فيه.

 إن قلت أن ما في حسنة الحلبي من أنه سأل أبو عبد الله(عليه السلام  ) (عن الرجل أمَ قوم في العصر فذكر وهو يصلي أنه لم يصلي الأولى, قال (عليه السلام  ): فليجعلها الأولى التي فاتته بعد صلاة العصر قضى القوم صلاتهم)(1), وفي صحيحة زرارة (إن نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك منها فانوها الأولى ثم صلّي العصر لأنها مكان أربع)(2), فأنهما ظاهران بعمومهما وإطلاقهما أنه لو تذكر في أثناء إتيانهما في الوقت المختص أن صلاتهما صحيحة ويعدلان الى صلاة الظهر.

قلنا أنهما مخصصان بغير صورة الإتيان في وقت الأختصاص مضافاً الى دعوى ظهورهما في غير صورة وقت الأختصاص وقد تقدم الكلام في ذلك في مبحث ثمرات الأختصاص.

 وتارةً يوقع اللاحقة قبل السابقة في الوقت المشترك كما لو اوقع العصر قبل الظهر في الوقت المشترك بينهما أو العشاء قبل المغرب في الوقت المشترك بينهما فـأن تذكر بعد الفراغ كأن تذكر بأن الظهر لم يأتِ بها بعد أن فرغ من العصر وكما تذكّر بأن المغرب بعد أن فرغ من العشاء لم يأتِ بها فمقتضى صحيحة (لا تعاد) هو صحة الصلاة لأنها لم تكن فاقدة لواحدة من الأمور من الأمور الخمسة الموجبة للأعادة وإنما فترة التأخر عن الظهر في المثال الأول والتأخر عن المغرب في المثال الثاني وهو ليس من الأمور الخمسة, وتارةً تذكر في الأثناء فيعدل بها إلى السابقة كأن تذكر في أثناء إتيان العصر أنه لم يأتِ بالظهر فيعدل إلى الظهر ويتمها ظهراً ثم يأتي بالعصر وذلك للإجماع وصريح صحيحة زرارة المتقدمة قبل أسطر وصريح حسنة الحلبي المتقدمة قبل أسطر والمراد بالعدول أن ينوي كون ما بيده هي الصلاة السابقة بالنسبة لما تقدم من أجزائها وما تأخر منها لما تقدم من حسنة الحلبي وصحيح زرارة فأن في الحسنة (فليجعلها الأولى) وفي الصحيحة (فأنوها الأولى )  وهكذا لو أتى بالعشاء قبل المغرب  في الوقت المشترك إلا أنه لو تذكر في أثناء العشاء أنه لم يأتِ بالمغرب وقد تجاوز محل العدول كأن تذكّر وقد دخل في الرابعة يتمها عشاءاً لقاعدة (لا تعاد) فأنها تشمل هذه الصورة فتدل على صحة الأجزاء الماضية لأنها لم يكن فيها أحد الخمسة التي توجب الإعادة فتكون صحيحة وبواسطة ما دل على عدم إبطال الأعمال لا يجوز إبطال ما صدر عنه فيكمله بباقي الأجزاء.

 ومما يدل على شمول (لا تعاد) للمقام أنه لو أدرك في أثناء الوظيفة الخلل ببعض أجزائها من غير الخمسة المذكورة يحكم بصحة الوظيفة بحكم (لا تعاد) وفي الفقرات التي رواها الكليني (رضي الله عنه) عن زرارة بعد هذه الصحيحة على وجه يظهر منه كونها متممة هذه الرواية (وإن كنت قد صليت العشاء ونسيت المغرب فقم فصلِّ المغرب وإن كنت ذكرتها فقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فأنوها المغرب ثم سلم ثم قم فصلِّ العشاء الآخرة)(1).

الحكم السادس عشر: من أحكام الوقت

في الترتيب وعدمه في الصلاة اليومية وفيه مسائل:

الأولى: إنه يجوز تقديم الحاضرة على الفائتة المتصلة بها أو الشريكة لها في الوقت أعني الظهرين أو العشائين ولا ترتيب بينها فلو فاتته صلاة الصبح ودخل وقت الظهر يجوز له أن يصلي الظهر أولاً ثم يقضي الصبح في أي وقت شاء ويسقط الترتيب بينهما من غير فرق بين كونها فاتته اليوم أو غيرها, وهو المشهور بين الفقهاء والقول بذلك هو القول المعروف بالمواسعة كما أن القول بوجوب تقديم الفائتة على الحاضرة مطلقاً هو القول المعروف بالقول بالمضايقة المحضة, والمراد بكونها محضة هو لزوم المبادرة الى القضاء أي فوريته وتقديمه على الأداء ووجوب العدول إليه لو ذكره في الأثناء وبطلان الحاضرة لو قدّمها, كما أن القول بإتيان الفائتة قبل الحاضرة من دون فورية القضاء للفائتة هو القول بالمضايقة غير المحضة, وعن ابن فهد التصريح بأن الترتيب هو القول بالمضايقة وأن عدمه هو القول بالمواسعة, وبعضهم جعل البحث عن لزوم المبادرة في القضاء وفوريته مسألة والبحث عن لزوم تقديم الفائتة على الحاضرة مسألة أخرى. والمحكي عن العلامة ( رحمه الله ) في التذكرة والتحرير أنه أفرد للفورية مسألة وللترتيب مسألة أخرى.

 والحاصل أنه حكى الشيخ المحقق ملا كتاب ( رحمه الله ) أن الأقوال في هذه المسألة وهي جواز تقديم الحاضرة على الفائتة وتقديم الفائتة على الحاضرة مع سعة الوقت قد تزيد على عشرين قولاً, والأظهر ما عليه أكثر المتأخرين من جواز تقديم الحاضرة على الفائتة حتى مع سعة الوقت وسقوط الترتيب بينها وبين الفائتة بمعنى جواز إتيان الحاضرة قبلها وعدم فورية القضاء ويدل على ذلك أمور:

الأمر الأول: ما هو المحكي عن كتاب الفاخر للجعفي الذي ذكر في خطبته أنه ما روى فيه إلا ما أجمع عليه الصحابة وصح من قول الأئمة ( عليهم السلام )من قوله. والصلوات الفائتات تقضى ما لم يدخل عليه وقت صلاة فإذا دخل عليه وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها وقضى الفائتة متى أحب.

الأمر الثاني: ما رواه الشيخ في الصحيح أو القوي بأبي بصير عن الصادق (عليه السلام  )قال: (إن نام الرجل ولم يصلِ صلاة المغرب والعشاء الآخرة أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصلّيهما كلتيهما فليصليهما وإن خشي أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة وإن استيقظ بعد الفجر فليبدأ فليصل الفجر ثم المغرب ثم العشاء الآخرة)(1) الحديث ومثله ما حكي عن فقه الرضا (عليه السلام  ) مع تبديل النوم بالنسيان.

الأمر الثالث: ما هو المحكي في الصحيح عن ابن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (إن نام رجل أو نسي أن يصلي المغرب والعشاء الآخرة فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما يصليهما كلتيهما فليصلهما وإن خاف أن تفوته إحداهما فليبدأ بالعشاء الآخرة وإن استيقظ بعد الفجر فليصلِّ الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس)(1) وهذه الأخبار صريحة الدلالة عن المطلوب للأمر فيها بتقديم الفجر على العشائين في وقت أجزائها أو فضيلتها أيضاً.

 إن قلت يقدح في هذه المرويات لما تضمنّته من امتداد وقت العشائين الى الفجر وإن كان موافقاً لمذهب جمع بين العامة ومخالفاً لما هو المشهور بين الأصحاب من انتهاءه بانتصاف الليل.

 قلنا لا يقدح فيها ذلك لأن الحكم بتقديم الحاضرة على الفائتة مخالف للتقية، واشتمال بعض الخبر على حكم موافق للتقية لا يوجب القدح في الخبر بالنسبة لاشتماله على الحكم المخالف للتقية لاحتمال حدوث موجب للتقية في آخر الكلام فأنه قد يتكلم المتكلم بكلام مخالف للتقية وفي الأثناء يحدث ما يوجب التقية فيؤخذ بالخبر بالنسبة لما يخالف التقية ويطرح ما وافق التقية على أن القول بإمتداد وقت المضطر الى طلوع الفجر لا يخلو عن قوة, فقد ذهب إليه جماعة من أصحابنا القدماء والمتأخرين وبه قضت جملة من النصوص فلا وجه لرفض الخبرين من جهته فإن النائم مضطر الى الترك.

الأمر الرابع: ما ورد من جواز تأخير قضاء صلاة النهار الى الليل كقول الصادق (عليه السلام  )في صحيح ابن أبي يعفور (صلاة النهار يجوز قضاءها أي ساعة شئت من ليلٍ أو نهارٍ)(2), فإنها تدل على جواز القضاء للفائتة بعد الحاضرة بل هو واضح الدلالة على عدم لزوم الترتيب حيث أن تأخيرها الى الليل موجب لتقديم الفرائض النهارية عليها.

إن قلت أن المراد بالنهارية النافلة.

 قلنا إطلاق صلاة النهار وعمومها الناشيء عن ترك الاستبصار يثبت المطلوب سيّما وأن صلاة النهار كثير ما تطلق على خصوص الفريضة كقوله(عليه السلام  ): (صلاة النهار عجماء)([147])  وقوله (عليه السلام  ): (في صلاة الفجر وهي من صلاة النهار) وقوله(عليه السلام  ): (الصلاة الوسطى هي الوسطى من صلاة النهار وهي الظهر) وقوله (عليه السلام  ): في الرجل يصلي بوضوء واحد صلاة الليل والنهار فقال(عليه السلام  ):( نعم ما لم يحدث)([148])  وقوله (عليه السلام   ) (لا بأس بأن يصلي صلاة الليل والنهار بتيمم واحد)([149]) .

الأمر الخامس: المرسل في الفقه الرضوي أنه سئل العالم (عليه السلام  ): (عن رجلٍ نام أو نسي فلم يصلَّ المغرب والعشاء, قال (عليه السلام  ): إن استيقظ قبل الفجر يصلِّيهما وإن خاف أن تفوته إحداهما بدأ بالعشاء الآخرة فإن استيقظ بعد الصبح فليصلِّ الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس, فإن خاف أن تطلع الشمس فتفوته إحدى  الصلاتين فليصلِّ المغرب ويدع العشاء الآخرة حتى تنبسط الشمس )([150]) , والمناقشة فيه بإرسال لا تسمع بعد اعتضاده بالشهرة وانجباره بفتوى أكثر الأصحاب وهذه الأخبار صريحة الدلالة على المطلوب للأمر فيها بتقديم الفجر على العشائين مطلقاً سواءً في وقت أجزائها أو فضليتها كما أنه يستفاد منها عدم الفورية في قضاء العشائين للأمر في بعضها بتأخير قضاء العشائين في انبساط الشمس وذهاب الشعاع, ولا يقدح في الاستناد إليها مخالفة الحكم فيها لتأخير القضاء عن الوقت المكروه وموافقته لمذهب المخالفين لجواز حدوث موجب التقية في آخر الكلام مع أن حملها على التقية من هذا الوجه لا يأبى العمل بها فيما اشتملت عليه أيضاً من الحكم المخالف للتقية وهو تقديم الحاضرة على الفائتة.

الأمر السادس: موثق عمار عن الصادق (عليه السلام  ) قال: (سألته عن رجل تفوته المغرب حتى تحضر العتمة فقال(عليه السلام  ): إذا حضرت العتمة وذكر أن عليه صلاة المغرب فإن أحبَ أن يبدأ بالمغرب بدأ وإن أحب أن يبدأ بالعتمة ثم صلى المغرب)([151])  بعد بناءً على إرادة الليلة السابقة منه وإلا فالمشهور عدم تحقق فوات المغرب مع سعة وقت العشاء لأداء المغرب.

الأمر السابع: ما رواه السيد ابن طاووس على ما حكي عن كتاب الصلاة للحسين بن سعيد وذكر أنه قال ما هذا لفظة صفوان عن عيسى ابن القاسم قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام  ) عن رجل نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فقال(عليه السلام  ): إن كان صلاة الأولى فليبدأ بها وإن كانت صلاة العصر فليصلِّ العشاء ثم يصلِّ العصر) , وهو واضح الدلالة على المطلوب من حيث الأمر بتقديم صلاة العشاء الحاضرة على صلاة العصر الفائتة. لكن يشكل على هذا الخبر التفرقة فيه بين الظهرين.

 ويمكن الجواب عنه أن الخبر إذا كانت بعض فقراته صريحة في المطلوب أخذ بها وإن كانت باقي الفقرات مغلقة مبهمة لا يعلم المراد منها إلا المتكلمون بها على إنه يمكن توجيه بأن المراد من قوله (إن كان صلاة الأولى) هي الظهر بالنسبة الى العصر والمغرب بالنسبة الى العشاء, والمراد فليبدأ بها هو البدء بها عند القضاء وتكون هذه الفقرة من الخبر هو الإشارة الى وجوب الابتداء بالصلاة الأولى وتقديمها على الثانية في وقت القضاء كما أن الفقرة الثانية وهو قوله (وإن كانت صلاة العصر) أنه إذا كانت الفائتة هي الثانية فليقضيها وحدها لا مع الأولى التي هي شرط في صحة الثانية.

الأمر الثامن: ما رواه الحميري في قرب الأسناد عن عبد الله بن حسن عن جده علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام  ): (سألته عن رجلٍ نسي الفجر حتى حضرت الظهر قال: يبدأ بالظهر ثم يصلِّ الفجر كذلك كل صلاة بعدها صلاة)([152]) .

الأمر التاسع: ما في صحيح ابن مسلم المروي في الو سائل باب 39 من أبواب المواقيت قال: (سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار قال (عليه السلام  ): يقضيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء)([153]).

الأمر العاشر: ما حكي عن صحيح الحلبي إنه سُئِل أبو عبد الله (عليه السلام  ) عن رجلٍ فاتته صلاة النهار متى يقضيها قال(عليه السلام  ): (متى شاء إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء)([154]).

الأمر الحادي العاشر: صحيح ابن أبي يعفور سمعت أبا عبد الله (عليه السلام  ) يقول: (صلاة النهار يجوز قضاءها أي ساعة شئت من ليلٍ أو نهارٍ)([155]).

الأمر الثاني عشر: الإجماعات المنقولة التي منها ما ذكره الجعفي في كتابه الفاخر الذي ذكر في أوله أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه وصح من قول الأئمة ( عليهم السلام ), وعن المصابيح وشرح الغوالي نسبته الى المشهور بين المتقدمين عن جمع من العلماء دعوى الإجماع عليه.

الأمر الثالث عشر: ما رواه الشيخ في المرسل عن جميل بن دراج عن الصادق (عليه السلام  ) قال: (قلت له يفوت الرجل الأولى والعصر والمغرب وذكرها عند العشاء الآخرة, قال: يبدأ بالوقت الذي هو فيه فأنه لا يأمن الموت فيكون قد ترك صلاة الفريضة في وقت دخلت ثم يقضي ما فاته الأولى فالأولى)([156]) وقد رواه الشهيد في الذكرى بتغيير يسير غير مغير المعنى ولا يضر إرسالها بعد شهرتها وشهرة الفتوى بمضمونها ووجه الدلالة فيها واضح على أن صاحبة الوقت تقدم على صلاة اليوم قضاءاً.

 إن قلت أنه يقدح فيها السؤال عن فوات المغرب في وقت العشاء والجواب عن قضاء المغرب بعد العشاء مع أن الواجب هو تقديم المغرب على صلاة العشاء.

 قلت إن الاستدلال إنما كان بكلام الإمام وهو قد تضمن البدء بصاحبة الوقت مطلقاً إذا دخل وقتها حتى عند الذكر لما فاته من صلاة اليوم فذكر المغرب لا يوجب سقوط الجواب عن قابلية الاستدلال بالرواية مع أن ظاهر الرواية بل صريحها هو تقديم صلاة الوقت الحاضرة وهي العشاء على قضاء الظهرين وهو كاف في إثبات المطلوب مطلقاً بملاحظة التعليل المذكور فيها, مع إنه الظاهر هو وقت العشاء المختص فأنه لا يجوز صلاة المغرب قبله بل أن عدول الإمام عن قوله (يبدأ بالعشاء) الى قوله (يبدأ بالوقت الذي هو فيه) إيماءُ الى أن تذكر المغرب كان في الوقت المختص بالعشاء.

الأمر الرابع عشر: خبر صفوان عن العيص بن القاسم المحكي عن مستدرك الوسائل في أبواب قضاء الصلاة, قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام  ) (عن رجلٍ نسي أو نام عن الصلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى, فقال: إن كان صلاة الأولى فليبدأ بها وإن كانت صلاة العصر فليصلِّ العشاء ثم يصلي العصر)([157]), ولا ريب أن المراد (بالأولى) هي الظهر والإنسان إذا نسي الظهر في وقت العصر الذي يكون بعد مقدار أداء الظهر مبدأه إنه يجب عليه الإتيان بالظهر قبل العصر.

الأمر الخامس عشر: ما عن الحلبي الذي عُرض على مولانا الصادق (عليه السلام  ) وأثنى عليه وصحَّحه وأستحسنه من قوله (خمس صلوات يصلين على كل حال ومتى أحب صلاة فريضة نسيها يقضيها مع طلوع الشمس وغروبها وصلاة ركعتي الإحرام وركعتي الطواف الفريضة وكسوف الشمس), فأن قوله (عليه السلام  ) (متى أحب) فإنه فيه ظهور في جواز التأخير.

الأمر السادس عشر: ما عن الجعفي في كتاب الفاخر الذي ذكر في أوله أنه لم يرو فيه إلا ما أجمع عليه وصح عنده من قول الأئمة ( عليهم السلام ) من قوله (P) (والصلوات الفائتات تقضى ما لم يدخل عليه وقت صلاة فإذا دخل وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها وقضى الفائتة) وورد عليه بأنه ليس من إرسال المتن حتى ينجبر بعمل الأصحاب وإنما هو من إرسال المضمون الذي لا ينجبر بالعمل عند أهل التحقيق لرجوعه الى اجتهاد المرسل (بالكسر) الذي ليس بحجة في حق غيره من المجتهدين.

الأمر السابع عشر: ما عن السيد ابن طاووس في رسالة المواسعة عن أمالي السيد أبي طالب الحسيني بإسناده الى جابر بن عبد الله قال: (يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) كيف أقضى ؟ قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) صلِّ مع كل صلاة مثلها, قال: يا رسول الله قبل أم بعد ؟ قال: قبل) فأن ظاهر المعية هو كون صلاة القضاء بعد والصلاة الحاضرة قبل.

الأمر الثامن عشر: ما في الذكرى عن إسماعيل بن جابر قال: (سقطت عن بعيري فانقلبت على أم رأسي فمكثت سبعة عشر ليلة مغمىً عليّ فسألته عن ذلك قال أقضِ مع كل صلاة صلاة)([158]) فإنه لو كان القضاء فوري لأمره (عليه السلام  ) بإتيانها قبل الحاضرة جميعاً.

الأمر التاسع عشر: الأخبار المرخصة لقضاء صلاة الليل في النهار وقضاء صلاة النهار في الليل إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء مثل الصحيح الذي رواه الكليني بإسناده عن محمد بن مسلم قال: (سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار, قال: يقضيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء)([159]) ولا يقدح الإضمار بعد كون المضمر مثل محمد بن مسلم.

الأمر العشرون: الأخبار المتضمنة لقصة نوم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب عن الرباطي عن سعيد الأعرج قال: (سمعت أبا عبد الله(عليه السلام  ): يقول أن الله أنام رسوله عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ثم قام فبدأ فصلى الركعتين قبل الفجر ثم صلى الفجر)([160]), فأن جواز التنفل قبل إتيان الفائتة يدل بطريق الأولوية على جواز الحاضرة قبل الفائتة.

 نعم حكي عن العلامة أنه قال بعد ذكر بعض الأخبار في نوم النبي عن صلاة الصبح أن حديثهم باطل لاستحالة صدور ذلك عن النبي( صلى الله عليه وآله وسلم).

أقول إن الأخبار التي وردت في نوم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) وقضائه للصلاة قبلها النافلة لا إشكال في سندها لصحة سند جملة منها ولا إشكال في دلالتها وحكى عن الذكرى بعد ذكر الرواية الدالة على ذلك أنه لم يقف على رد لهذا الخبر من حيث توهم القدح بالعصمة فيه.

 أقول أنها لا تقدح بالعصمة لأن الترك للواجب بسبب النوم ليس بمعصية حتى يقدح بالعصمة.

وما قيل أنها مردودة كأخبار سهو النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) الذي ذهب إليه الصدوق ( رحمه الله ) تبعاً لشيخه ابن الوليد. باطل إذ تجويز السهو على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم) موجب للشك في صدق تبليغه لأنا إن جوزنا السهو عليه جوزنا السهو في كل أعماله وأقواله فيسقط تبليغه عن الحجية فتسقط فائدة إرساله.

 أما نومه فلا يوجب ذلك كالمرض الذي يعرض عليه ( صلى الله عليه وآله وسلم) فيصلي من جلوس.

 إن قلت أن عموم التشبيه في قوله (عليه السلام  ): (فليقضها كما فاتته) فأنه ينويٍ متلقى بالقبول يقتضي قضاء الفائتة قبل الحاضرة.

 قلنا أولاً: إنا لا نسلم شموله للترتيب ونحوه من الأوصاف الاعتبارية الاعتيادية وإنما هو ظاهر بالنسبة لمادة الهيئة والكيفيات المجعولة للشارع, أما مثل الترتيب بين الحاضرة والفائتة من جهة الأسبقية في الوقت كالصبح والظهر فأنه من توابع الوقت وتعاقب الزمن وتدرجه مثل أيام الصيام لا أنه منحول شرعاً للصلاة بحيث تكون صحة المتأخرة موقوفة على فعل المتقدمة.

 نعم في الظهرين والعشائين من يوم واحد كان الترتيب بينهما مجعولاً شرعاً فلو سلّم شموله للترتيب كان المشمول هو الترتيب المجعول شرعاً للصلاتين كالظهرين والعشائين ليومٍ واحد.

 وثانياً: أن الرواية المذكورة مخصصة بالأدلة المتقدمة الدالة على جواز إتيان الحاضرة قبل الفائتة فلا تعارض بينهما.

 وثالثاً: أن عموم هذا التشبيه مخصص بكثرة فهو موهون لا يصح الأخذ به كعمومات القرعة فأنه مخصص بصورة ما لو فاتته الصلاة قائماً وصلى مستلقياً أو فاتته الصلاة مع القراءة لأنه صلى جماعة.

 إن قلت إنه يعارض هذه الأخبار أخبار المضايقة الدالة على تقديم الفائتة على الحاضرة والعدول من الحاضرة إليها في الأثناء.

 قلنا أن العمدة من الأخبار التي استدلوا بها على المضايقة وعدم جواز تقديم الحاضرة على الفائتة هي أن:

 الأول: منها الصحيح المحكي عن الوسائل باب 62 من أبواب المواقيت عن صفوان عن أبي الحسن (عليه السلام  ) قال: (سألته عن رجل نسي الظهر حتى غربت الشمس وقد كان قد صلى العصر, فقال (عليه السلام  ): كان أبو جعفر أو كان أبي (عليه السلام  ) يقول: إن أمكنه أن يصليها قبل أن تفوته المغرب بدأ بها وإلا صلى المغرب ثم صلاها)([161]).

 الثاني: منها صحيح زرارة المحكي عن الوسائل (باب 2) من أبواب قضاء الصلاة عن أبي جعفر (عليه السلام  ) أنه (عليه السلام  ) (سئل عن رجل صلى بغير طهور أو نسي صلوات لم يصليها أو نام عنها فقال (عليه السلام  ): يقضيها إذا ذكرها في أيّ ساعة من ليل أو نهار فإذا دخل وقت صلاة ولم يتم ما قد فاته فليقض ما لم يتخوف أن يذهب وقت هذه الصلاة التي قد حضرت)([162]).

 ولا يخفى أنه يمكن المناقشة في الاستدلال بهذا الخبر بأن الظاهر أن المراد به الوقت الفضلي إذ من المستبعد هو فوات الوقت غير الفضلي لأن المضيق المخاف فوته هو الوقت الفضلي للفراغ, فتدل الرواية على التوسعة في القضاء للفائتة وأنه يجوز تأخيرها عن وقت الصلاة.

 الثالث: صحيح زرارة الآخر عن أبي جعفر (عليه السلام  ) قال: (إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلاة فابدأ بأولهن فأذن لها وأقم ثم صلّها ثم صل ما بعدها بإقامة إقامة لكل صلاة, وقال: قال أبو جعفر(عليه السلام  ): إن كنت صليت الظهر وقد فاتتك الغداة فذكرتها فصلِّ الغداة أي ساعة ذكرتها ولو بعد العصر ومتى ما ذكرت صلاة فاتتك, صليتها, وقال: إذا نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك فأنوها الأولى ثم صل العصر فإنما هي أربع مكان أربع وإن ذكرت أنك لم تصل الأولى وأنت في صلاة العصر وقد صليت منها ركعتين فأنوها الأولى ثم صل الركعتين الباقيتين وقم فصل العصر وإن كنت قد ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب فإن كنت قد صليت المغرب فقم فصل العصر وإن كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فأنوها العصر ثم قم فأتهما ركعتين ثم تسلم ثم تصلي المغرب فإن كنت قد صليت العشاء الآخرة ونسيت المغرب فقم فصل المغرب وإن كنت ذكرتها وقد صليت من العشاء الآخرة ركعتين أو قمت في الثالثة فانوها المغرب ثم سلم ثم قم فصل العشاء الآخرة فإن كنت قد نسيت العشاء الآخرة حتى صليت الفجر فصل العشاء الآخرة وإن كنت ذكرتها وأنت في الركعة الأولى أو في الثانية من الغداة فانوها العشاء ثم قم فصل الغداة وأذن وأقم وإن كانت المغرب والعشاء قد فاتتاك جميعاً فابدأ بهما قبل أن تصلي الغداة ابدأ بالمغرب ثم العشاء فإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بهما فابدأ بالمغرب ثم صل الغداة ثم صل العشاء وإن خشيت أن تفوتك الغداة إن بدأت بالمغرب فصل الغداة ثم صل المغرب والعشاء ابدأ بأولهما لأنهما جميعاً قضاءاً أيهما ذكرت فلا تصلَّهما إلا بعد شعاع الشمس, قال: قلت: ولم ذلك قال (عليه السلام  ): لأنك لست تخاف فوتها)([163]),و هذا الخبر قد استعمل الأمر فيه للاستحباب فأن الآذان والإقامة مستحبات فيضعف دلالة الأمر على وجوب تقديم الفائتة قبل الحاضرة قال المرحوم المدقق الشيخ جواد ملا كتاب: أن هذا الخبر عمدة أدلة أرباب المضايقة ولا يخفى ما في دلالته من القصور لعدم دلالة قوله (فَصَلّ الغداة)على الفورية لا سيما بعد ملاحظة قوله ولو بعد العصر فأن مقتضاه ثبوت الرخصة في الأوقات المكروهة فضلاً عن غيرها وأما قوله (وإن كنت ذكرت أنك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب) فلعل دلالته على التوسعة أظهر منها على التضييق فإن أجزاء وقت المغرب ممتداً الى ما يقرب انتصاف الليل وتذكر العصر على ما هو ظاهر الخبر عند دخول وقت المغرب فيستبعد معه احتمال خوف فوات المغرب عند تقديم العصر وإن توقف فعل الصلاة على كثير من المقدمات فالظاهر إرادة خوف فوات وقتها الفضلي كما يؤكده عدم التقييد بعدم خوف الفوات في غير المغرب من حيث أن الوقت الفضلي للمغرب فيه تضييق وأن وقت غيره فيه أتساع والتعرض لحكم المشتركين في الوقت وإطلاق الفوات على فوات الوقت الفضلي للأولى منهما وحينئذ فالأمر بتقديم الحاضرة عند خوف فوات وقتها الفضلي ظاهر في سقوط الترتيب وثبوت التوسعة المصرّح بها في ذيل الخبر من قوله (أيهما فاتتك فلا تصلهما إلا بعد شعاع الشمس) معللاً ذلك بأنهما قضاء لا يخشى فوتها.

والحاصل أن إتيان المغرب عند خوف ضيق وقتها الفضلي ليس بواجب قطعاً لما دل على سعة وقتها فلا بد أن يكون الأمر به في صورة خوف ضيق وقتها الفضلي هو للاستحباب ويكون الإتيان المأمور به للفائتة في صورة عدم خوف مستحب أيضاً بقرينة المقابلة فيكون مفاد الرواية استحباب إتيان الفائتة قبل الحاضرة لو أمكن الجمع بينهما في وقت الفضيلة للحاضرة واستحباب تقديم الحاضرة على الفائتة عند خوف فوت وقت الفضيلة للحاضرة وكفى بهذا شاهداً على إرادة الرخصة أو الاستحباب من الأمر بتقديم الفائتة والعدول إليها وهذا كله مع الإغضاء عما أشتمل عليه من صحة العدول بعد الفراغ مما هو خلاف الإجماع فأنه موجب لوهن الخبر وقصوره في موضع الاستدلال كذا حرره المحقق الشيخ ملا جواد.

 الرابع: صحيحة أبي ولاد في من رجع عن قصد السفر بعد ما صلى قصراً قال(عليه السلام  ): (إن عليك أن تقضي كل صلاة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل أن تبرح من مكانك لأنك لم تبلغ الموضع الذي يجوز فيه التقصير)([164]).

 الخامس: خبر البصري عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى, فقال (عليه السلام  ): (إذا نسي الصلاة أو نام عنها صلاها حين يذكرها فإن ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها)([165]).

السادس: صحيح محمد بن مسلم قال: (سئلت أبا عبد الله(عليه السلام  ): عن رجل صلى الصلوات وهو جنب اليوم واليومين والثلاثة ثم ذكر بعد ذلك قال(عليه السلام  ): يتطهر ويؤذن ويقيم أولهن ثم يصلي ويقيم بعد ذلك في كل صلاة فيصلي بغير أذان حتى يقضي صلاته) ولا يخفى أنه مساق لبيان كفاية الأذان الواحد لأداء الصلاة المتعددة.

 قلت أولاً: مع تسليم التعارض والتكافؤ إنا نأخذ بأخبار المواسعة لما ثبت من التخيير بين الخبرين المتعارضين المتساويين في الحجة.

 وثانياً: أن أخبار المواسعة أرجح لأنها مخالفة لفتوى العامة فأنهم يوجبون تقديم الفائتة على الحاضرة حتى أوجب منهم صلاة الفائتة وإن فاتت الحاضرة, ولموافقتها للكتاب والسنة لما دل من عمومات الكتاب والسنة على وجوب الفرائض بدخول أوقاتها وقضائها على من فوتها في الوقت إذا كان متمكناً من إتيانها في الوقت بمقدار ما يسعها وعلى وليه قضائها بعد موته شامل لمن لزمته الفائتة فلو وجب تأخير الحاضرة عن الفائتة لأمتنع وجوب الحاضرة أداء وقضاء إلا بعد مضي ما يسع الفائتة من الوقت نظير ما قلناه في ذوي الأعذار, وكذا عموم ما دل على صلاحية جميع أوقات الفريضة وذوات الأسباب لتأديتها في جميع وقتها المتجاوز حد الأحصاء المتناولة لمن عليه الفائتة وغيرها.

 ولما دلَّ على تأكيد استحباب أداء الصلاة في أول وقتها وأول وقت الفضيلة حتى سميَّ المصلي بعدها متهاوناً ومضيّعاً وإن لم يكن قد فاته وقت الأجزاء.

 ولما دل على وجوب حضور الجماعة في مثل الجمعة وتأكيد استحبابه في غيرها وذم من ترك الحضور الذي طلب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم)إحراق القوم في منازلهم بسبب تركهم الحضور المتناول بعمومه من لزمته الفائتة التي لو كانت عذراً في التأخير لما خَلَتْ تلك النصوص عن عدّها في الأعذار المسوغة للتأخير.

 الثالث: أن الجمع الدلالي يقتضي حمل أخبار المضايقة على المواسعة لأن الجمع أولى من الطرح وهو مقدم على المرجحات فإن أخبار المضايقة ظاهرة في وجوب التقديم للفائتة على الحاضرة وأخبار المواسعة نص في عدم الوجوب, وقد تقرر أنه إذا تعارض الظاهر في الوجوب مع النص في عدمه قدم النص على الظاهر وحمل الظاهر على الاستحباب.

 الرابع: أن الأمر فيها أي في أخبار المضايقة بعد توخم الخطر, وقد قرّ في محله إنه لا يدل على الوجوب و إنما يدل على الجواز, فأنه يحتمل قوياً أن يكون المراد بها هو جواز الأتيان بالفائتة عند دخول وقت الحاضرة بمعنى أن دخول وقت الحاضرة غير مانع من إتيان الفائتة فأنه قد علم من تتبع الأخبار والآثار, وما أشتهر من التأكد البليغ في المحافظة على أوقات الصلاة والمسارعة إليها في أوائلها فلا يراد من الأمر بالبدء بالفائتة سوى رفع الحظر عن إتيانها وهو لا يكون إلاّ ظاهر في الجواز, ويرشد الى ذلك ما في موثقة سماعة قال: (سألته عن الرجل يأتي المسجد وقد صلى أهله أو يتطوع فقال: إن كان في وقتٍ حسنٍ فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة وإن كان خاف الفوت من أجل ما مضى من الوقت فليبدأ بالفريضة وهو حق الله ثم ليتطوع ما شاء)([166]) فالأمر موسّع أن يصلي الإنسان في أول دخول وقت الفريضة إلا أن يخاف الفريضة والفضل إذا صلى الإنسان وحده أن يبدأ بالفريضة إذا دخل وقتها ليكون فضل أول الوقت للفريضة وليس بمحظور عليه أن يصلي النوافل من أول الوقت الى القريب من آخر الوقت.

 ولما ورد عنهم ( عليهم السلام ) في الصحيح (أن فضل الوقت الأول على الأخير خير للرجل من ولده وماله)([167]). وقد حكي الإجماع عن غير واحد أن الأفضل في كل صلاة أن يوتى بها في أول وقتها.

 والحاصل أن الأمر في أخبار المضايقة إنما ورد بعد توهم الحظر من إتيان الفائتة قبل الحاضرة فهو ظاهر في الإباحة والأذن بإتيانها.

 إن قلت أن أخبار المضايقة الفتوى بها مشهورة بين القدماء والشهرة في الفتوى هي أول المرجحات كما هو المحكي عن الحلي في رسالته المعمولة في هذه المسألة المسماة خلاصة الاستدلال.

 قلنا أن أخبار المواسعة أيضاً مشهورة بين القدماء والمتأخرين للمحكي عن الفتوى بها عن علي بن شعبة والحسين بن سعيد وابن عيسى والجعفي في كتابه الفاخر الذي ذكر في أوله أنه لا يروي فيه إلا ما أجمع عليه وصحح من قول الأئمة ( عليهم السلام ) وعن الواسطي وعن الشيخ الفقيه عبد الله بن أبي شعبة في أصله الذي أثنى عليه الصادق (عليه السلام  ) عند عرضه عليه وصححه واستحسنه وعن الحسين بن سعيد الأهوازي بل وعن أخيه الحسن أيضاً وعن أبي جعفر أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري القمي ومحمد بن علي بن محبوب والصدوقين اللذين هما متقدمان على المفيد والشيخ وغيرهما من القائلين بالمضايقة, وأيضاً نقل عن أبي الفضل الصابوني الجعفي الذي يروي عنه الشيخ والنجاشي بواسطتين في الفاخر الذي تقدم ذكره وعن أبي محمد بن أحمد بن مسلم في كتاب الفاخر المختصر وعماد الدين محمد بن علي والشيخ علي بن الحسين الصدوق في المقنع والفقيه والسيد ضياء الدين ابن الفاخر وأبي علي الطبري الديلمي وعلي بن عبيد الله بن بابويه منتجب الدين صاحب الفهرست المشهور وعن الشيخ قطب الدين الراوندي من مشايخ ابن شهر آشوب وعن الشيخ سديد الدين محمود الحمصي والشيخ الإمام نصير الدين أبي طالب عبد الله بن حمزة الطوسي وعن الشيخ يحيى بن حسن بن سعيد جد المحقق وعن السيد الأجل علي بن طاووس وعن العلامة الحلي في كثير من كتبه كالتذكرة والمنتهى ونهاية الأحكام والتحرير والتخليص والمخُتلف ونقل به أعني القول بالمواسعة عن كثير من المتأخرين وعن المحقق الوحيد البهبهاني وعن العلامة سيد محمد مهدي الطباطبائي وجدّنا الفقيه الشيخ جعفر كاشف الغطاء وعن المحقق الشيخ أسد الله التستري بل عن كشف الإلتباس والفوائد وشرح الجواد أنه المشهور بين المتأخرين وعن الذخيرة وشرح الغوالي نسبته الى المشهور بين المتقدمين أيضاً بل عن المصابيح نسبته الى أكثر الأصحاب على الإطلاق بل عن جمع منهم العلامة في المختلف دعوى الإجماع على المواسعة وعلى هذا فلم تكن الشهرة المدعاة بين القدماء بالغة حداً يوجب سقوط أخبار المواسعة عن الحجية.

 إن قلت فما تصنع بالأدلة الدالة على فورية القضاء مثل المروي عن أبي جعفر (عليه السلام  ) (إذا نسيت صلاة ثم ذكرتها فصلها) وما رواه الشيخ بسنده عن نعمان الرازي قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام  ) عن رجل فاته شيء من الصلاة فذكر عند طلوع الشمس وعند غروبها قال (عليه السلام  ): فليصلِّ حين ذكرها)([168]), الى غير ذلك من الأخبار فأنها دلت على توقيت فعل الصلاة بوقت الذكر وهو ظاهر في وجوب إيقاعها في ذلك الوقت حتى لو كان وقت الفريضة الحاضرة فهي تدل على لزوم الإتيان بالفائتة قبل الحاضرة.

 وجوابه أنها لا تدل على فورية القضاء لا شرعاً إذ لم يثبت ذلك ولا عرفاً فلأن العرف لا يفهمون منه الفور, ولو سلمنا دلالته على الفورية فهو لا يقتضي فساد الحاضرة لأن الأمر بالشيء لا يقتضي النهي عن ضده الخاص مع أنها مخصصة بالأخبار الدالة على جواز تقديم الحاضرة على الفائتة مع دلالة ما حكي عن الحلبي على عدم فورية القضاء, فقد حكي عن أصل الحلبي الذي عُرِضَ على مولانا الصادق (عليه السلام  ) وأثنى عليه وصححه واستحسنه من قوله: (خمس صلوات يصلّين على كل حال متى ذكره ومتى أحب صلاة فريضة نسيها يقضيها مع غروب  الشمس وطلوعها وصلاة ركعتي الإحرام وركعتي الطواف والفريضة وكسوف الشمس عند طلوعها وغروبها)([169]).

 ودعوى أن الاستدلال بكتاب الحلبي بأنه ليست برواية لأن الحلبي لم يسنده الى إمام فلعله فتوى استنبطها من ظاهر بعض الروايات الدالة على التوسعة, فاسدة لأن عرض الأصل على الصادق (عليه السلام  ) وتصحيحه واستحسانه جعله بحكم الرواية الصحيحة فقوله (متى أحب) دليل على جواز التأخير, ومما يدل على ذلك ما حكي عن كتاب الفاخر للجعفي الذي ذكر في أوله أنه لم يرو فيه إلا ما أجمع عليه وصحح عنده من قول الأئمة ( عليهم السلام ) من قوله (والصلوات الفائتات تقضى ما لم يدخل عليه وقت صلاة فإذا دخل وقت صلاة بدأ بالتي دخل وقتها وقضى الفائتة متى أحب) على أن أكثر الروايات قد ذكر فيها الوقت للقضاء بوقت الذكر وهو ظاهر في عدم الفورية نظير قولهم (متى أردت ومتى أحببت ومتى قدرت) ونحو ذلك فأن هذا التقييد ظاهر في عدم الفورية.

 وأورد عليه بأنه ليس من إرسال متن الرواية حتى ينجبر بعمل الأصحاب وإنما هو من إرسال المضمون الذي لا ينجبر بالعمل عند أهل التحقيق لرجوعه الى اجتهاد المرسل الذي ليس بحجة في حق غيره من المجتهدين.

 ولا يخفى ما فيه فأن ظاهر الكتاب أنه رواية فينجبر بعمل الأصحاب ومما يدل على ذلك الصحيح الذي رواه الكليني بسنده عن محمد بن مسلم قال: (سألته عن الرجل تفوته صلاة النهار قال (عليه السلام  ): يقضيها إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء)([170])  ومثله الصحيح الذي رواه الكليني بسنده عن الحلبي قال: (سئـل أبو عبد الله(عليه السلام  ) عن رجل فاتته صلاة النهار متى يقضيها؟ قال: متى شاء إن شاء بعد المغرب وإن شاء بعد العشاء)([171]) ومثله الصحيح الذي رواه الشيخ بسنده عن أبي العلى عن أبي عبد الله (عليه السلام  ) قال: (أقضي صلاة النهار أي ساعة شئت من ليل أو نهار كل ذلك سواء)([172]) إلى غير ذلك من الأخبار الدالة على عدم فورية القضاء.

إن قلت أن الفوائت تترتب في القضاء لترتب أزمتها وحيث أن الفائتة زمانها متقدم على الحاضرة فتقدم عليها.

 

قلنا أن ترتيب الفوائت لو سلم فإنما هو للدليل كما سيجيء في المسألة الآتية لا لتقدم الوقت فإلحاق الفائتة والحاضرة بها قياس وهو ليس من مذهبنا.

إن قلت فما تصنع بالإجماعات المحكية عن الأساطين القدماء كالشيخ المفيد وكالشريف أبو الحسن في التاسعة عشر من الرسيّات التي سأل عنها السيد مرتضى( رحمه الله ).

قلنا أن حكاية الإجماع مع وجود القول بالخلاف ممن عَرِفتَ من القدماء والمتأخرين فيما تقدم في أدلة المواسعة لا تنهض حجة إلا على مدعّيها غير كاشفة عن رأي المعصوم لأحتمال الاستناد فيها الى أخبار المضايقة.

إن قلت فما تصنع بالأخبار الدالة على العدول من الحاضرة الى الفائتة فأنها تقتضي إتيان الحاضرة بعد الفائتة.

قلنا أن العدول ليس بواجب لما حكي عن ابن طاووس عن الواسطي الذي كان من مشايخ الكراكجي في كتاب (النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبي) مما هذا لفظه مسألة من ذكر صلاة وهو في أخرى قال أهل البيت يتم التي هو فيها ويقضي ما فاتته وبه قال الشافعي: قال السيد: ثم ذكر خلاف الفقهاء المخالفين لأهل البيت ثم قال في أواخر مجلده ما لفظه : مسألة أخرى من ذكر صلاة وهو في أخرى إن سأل سائل فقال اخبرونا عما ذكر صلاة وهو في أخرى ما الذي يجب عليه قبل أن يتم التي هو فيها ويقضي ما فاته وبه قال الشافعي دليلنا على ذلك ما روي عن الصادق جعفر بن محمد (H)أنه قال (عليه السلام  ): (من كان في صلاة ثم ذكر صلاة أخرى فاتته أتم التي هو فيها ثم قضى ما فاتته)([173]) مضافاً الى أن الروايات التي استدلوا بها على العدول من الحاضرة الى الفائتة ليست فيها دلالة على الوجوب لأن الأمر ورد فيها لرفع الحظر لما ارتكز في الأذهان من حرمة إبطال العمل لقوله تعالى [وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ]([174]) مضافاً الى أن صحيحة زرارة وهي عمدة ما استدل بها في هذا الباب أنه قد ورد فيها أوامر غير دالة على الوجوب لأشتمالها على الأمر بالأذان والإقامة مع أنها قد اشتملت على ما أعرض عنه الأصحاب من قوله فيها (بعد فراغك منها فأنوها الأولى ثم صلي العصر فإنما هي أربع مكان أربع)([175]) وحمله الشيخ على مقاربة الفراغ واستضعف هذا الحمل في كشف اللثام قال المرحوم المدقق الشيخ ملا جواد والأَوْلى حمله من الفراغ على الركعات بأن تذكر قبل التشهد أو قبل التسليم بناءً على الأصح من وجوبه وجزئيته مضافاً لما في صحيح الصيقلي عن الصادق(عليه السلام  ): (من أمره لناسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء بإتمام العشاء ثم قضاء المغرب بعدها)([176])  مضافاً الى الحكاية عن الجواهر من نسبة جواز العدول قبل الركوع وإن قام الى الرابعة الى ظاهر الأصحاب.

المسألة الثانية: العدول إلى الفائتة

أن العدول في الفرائض من اللاحقة الى السابقة لما كان على خلاف الأصل لأن فيه قطع للعمل,ولأن فيه الأمتثال بعمل عن آخر والأجتزاء به عنه, ولأنه خلاف ما يقتضيه استصحاب اشتغال الذمة بالمعدول إليه كان اللازم الاقتصار فيه على القدر المنصوص صحة العدول فيه من الشارع والكلام في هذه المسألة يقع في مواضع:

الموضع الأول: في معنى العدول الذي هو محل البحث وهو على الأخبار من قوله(عليه السلام  ) في صحيح الحلبي عن أبي عبد الله(عليه السلام  ): (فليجعلها الأولى)([177]), وصحيحة زرارة عن أبي جعفر: (فأنوها الأولى)([178]) فيكون معنى العدول أن ينوي تحويل وتبديل هذه الصلاة الى صلاة أخرى وينوي إنما يأتي به من الأفعال يكون لهذه الصلاة الأخرى المعدول إليها بأن يقصد بأن ما صدر منه أو سيصدر منه يكون إمتثالاً لأمر هذه الصلاة التي عدل إليها فمثلاً إذا كان بيده العشاء وذكر أنه لم يأتي بالمغرب في الركعة الثانية عدل بها الى المغرب بمعنى أن ينوي أن ما أتى به يكون إمتثالاً لصلاة المغرب, ثم يأتي بما تقتضيه صلاة المغرب من الأفعال من الركعة الثالثة والتشهد والتسليم بنية أنها تكملة لصلاة المغرب ثم بعد كمالها مغرباً يأتي بالعشاء.

الموضع الثاني: أن يكون العدول ممكناً وفي محله, والمراد بإمكان العدول ومحل العدول هو أن لا يمتنع العدول فهو موقوف على أن يكون تذكرة للفائتة في حال يمكنه ذلك عقلاً وشرعاً بأن لا يتجاوز محله وكان الوقت واسعاً كما يمتنع العدول لزيادة ما فعله الموجب لبطلان المعدول إليه كما لو ركع للرابعة فأنه لا يمكنه العدول للمغرب لأنه يلزم زيادة ركنٍ وهو الركوع في الصلاة المغرب, وكما يمتنع العدول لدخول الوقت المختص فأنه لا يجوز العدول الى السابقة من غير خلاف بين الأصحاب, وكما إذا فرغ من الصلاة فأنه لا يجوز العدول منها للسابقة كما هو المشهور, بل ذكر أنه خلاف المجمع عليه. نعم حكى عن كشف اللثام عن بعض الأصحاب من جواز العدول من العصر الى الظهر في الوقت المختص لظاهر قول الباقر (عليه السلام  ) في صحيح زرارة: (وإن نسيت الظهر حتى صليت العصر فذكرتها وأنت في الصلاة أو بعد فراغك منها فأنوها الأولى ثم صلَّ العصر فإنما هي أربع ركعات مكان أربع)([179]) وقد أعرض الأصحاب عن ما اقتضاه هذا الخبر بظاهره وحمله الشيخ على مقاربة الفراغ واستضعف هذا الحمل في كشف اللثام واحتمل حمله على الفراغ من نية الصلاة وهو أضعف من حمل الشيخ لمنافاته التعليل بأنها (أربع مكان أربع) والأولى حمله على الفراغ من الركعات بأن تذكر قبل التشهد أو قبل التسليم بناءً على جزئيته ففي المثال المذكور يكون إمكان العدول من العشاء الى المغرب في ما قبل إتيانه بالركعة الرابعة وكان الوقت غير الوقت المختص بالعشاء وقبل الفراغ منها.

الموضع الثالث: أن العدول المنصوص عليه هو في موارد:

المورد الأول: هو العدول في الحواضر من الحاضرة الى السابقة في يومه, وقد ذهب الى وجوبه جماعة وذهب الى استحبابه جماعة على الخلاف في المضايقة والمواسعة. والحق هو جواز العدول مع سعة الوقت للحاضرة وإلا لم يجز مع خوف فوت الحاضرة لما دلَّ على عدم جواز فعل الصلاة مع ضيق وقت الحاضرة لما هو المحكي عن ابن طاووس عن الواسطي الذي كان من مشايخ الكراجكي في كتاب النقض على من أظهر الخلاف لأهل بيت النبي ما هذا لفظة: مسألة من ذكر صلاة وهو في أخرى قال أهل البيت ( عليهم السلام ) يتم التي هو فيها ويقضي ما فاته وبه قال الشافعي ،قال السيد: (ثم ذكر خلاف الفقهاء المخالفين لأهل البيت ثم قال: في أواخر مجلده ما لفظه مسألة أخرى من ذكر صلاة وهو في أخرى فقال: أخبرونا عن من ذكر صلاة وهو في أخرى ما الذي يجب عليه قيل له: يتم التي هو فيها ويقضي ما فاته وبه قال الشافعي دليلنا على ذلك ما روي عن الصادق جعفر بن محمد (عليه السلام  ) أنه قال: (من كان في صلاة ثم ذكر صلاة أخرى فاتته أتم التي هو فيها ثم قضى ما فاتته)([180]) مع ما في صحيح الصيقلي الذي رواه الشيخ بإسناده عن الصادق (من أمره ناسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء بإتمام العشاء ثم قضاء المغرب بعدها) وبضميمة عدم القول بالفصل يتم المطلوب.

إن قلت إن صدر الخبر يقتضي وجوب العدول لأنه في صدره أمرَ الرجل الذي نسي الظهر حتى صلى ركعتين من العصر بأن يجعلهما الظهر وليستأنف العصر وإليك نفس الخبر قال: (سألت أبا عبد الله (عليه السلام  ) عن رجلٍ نسي الأولى حتى صلى ركعتين من العصر قال(عليه السلام  ): فليجعلها الأولى وليستأنف العصر, قلت: فأنه نسي المغرب حتى صلى ركعتين من العشاء ثم ذكر, قال: فليتم صلاته ثم ليقضي بعد المغرب, قال: قلت له جعلت فداك قلت حين نسي الظهر ثم ذكر وهو في العصر يجعلها الأولى ثم يستأنف وقلت لهذا يتم صلاته بعد المغرب فقال(عليه السلام  ): ليس هذا مثل هذا أن العصر ليس بعدها صلاة والعشاء بعدها صلاة)([181]).

قلنا إن هذه الرواية قد كانت محل إشكال بين الأصحاب وكلُ ذهب في تأويلها الى مذهب خاص والأولى هو حملها في الظهرين على إنه لم يبق من الوقت للظهرين إلا مقدار أدائهما فحينئذ تقع العصر في الوقت المختص بها فلا يصح وقوع الظهر فيه ولذا أمر بالعدول الى الظهر فيكون ما بعد الظهر وهو أربع ركعات مقدار أداء العصر ولا يصح وقوع الظهر فيه. وأما في العشائين فيحمل على الوقت المتسع فيصح أن يأتي بالمغرب بعدها لذا لم يجزم بالعدول في العشاء لأنه يمكنه أن يصلي المغرب بعدها فيكون بعد أداءه العشاء يمكنه صلاة المغرب بعدها والقرينة على ذلك قوله: (لم يكن صلاة بعدها) فأنه على ما ذكرناه لم يكن بعد العصر وقتاً للصلاة أعني صلاة الظهر بعدها ويكون بعد العشاء وقتاً للمغرب لغرض سعة الوقت مع أن أخبار المواسعة المتقدمة في بعضها ما هو ظاهر في عدم وجوب العدول وهي المشتملة على ذكر الفائتة عند دخول وقت الحاضرة وكيف كان فأنه لو سلمنا عدم دلالة ما ذكرناه على عدم وجوب العدول فليس هناك ما يدل وجوب العدول فالمرجع هو الأصل وهو البراءة من الوجوب.

 وقد يتوهم أن بعض الروايات تدل على وجوب العدول:

الأولى: منها صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام  ) الطويلة المتقدمة في أدلة المضايقة وقد عرفت أن الأوامر فيها دالة على الجواز.

 

الثانية: رواية عبد الرحمن البصري قال: (سألت أبا عبد الله عن رجل نسي صلاة حتى دخل وقت صلاة أخرى فقال: إذا نسي صلاة أو نام عنها صلى حين يذكرها فإذا ذكرها وهو في صلاة بدأ بالتي نسي وإن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب أتمها بركعة ثم صلى المغرب ثم صلى العشاء بعدها)([182]) الحديث وقد ضُـعِّـف سند هذه الرواية من معلى بن محمد الواقع في سندها لقول النجاشي فيه: أنه مضطرب الحديث والمذهب وقد وثقه في المستدرك لرواية الأجِلاء عنه, ولا ريب أن رواية أجّلاء الأصحاب توجب الوثوق بعدم كذبه وهو لا ينافي كونه مضطرب الحديث والمذهب. نعم الاستدلال بها مبني على (أن المراد بِيَبْدأ) هو العدول مع أنه ظاهر في استئناف العمل لأنه مأخوذ من الابتداء. نعم قوله (عليه السلام  ) فيها (أتمّها) ظاهر في العدول عن العشاء في خصوص صلاة الجماعة ويتم الاستدلال بها بضميمة عدم الفصل ثم لا يخفى أنه ظاهر في العدول في الفوائت اليومية.

 الثالثة: صحيح الحلبي عن أبي عبد الله قال: (سألته عن رجلٍ أمَّ قوماً في العصر فذكر وهو يصلي بهم أنه لم يكن صلى الأولى, قال: فليجعلها الأولى التي فاتته ويستأنف بعد العصر)([183]).

 مدفوع أنه يتعين حملها على الجواز لأن الحق كما قدمنا هو التوسعة وعدم وجوب تقديم الفائتة.

هذا آخر ما خطه قلمه الشريف في المخطوطة ، و الحمد لله أولاً و أخراً.

 

 

 


(1)وفي (الصحاح) للجوهري و(المختار) منه للرازي: لا يقال في مصدر صلّى: تصلية.

(2)سورة الأعلى – آية (14 – 15).

(3)سورة المؤمنون – آية (1 – 2).

(4)سورة المؤمنون – آية (9 –11).

(5)سورة العنكبوت – آية (45).

(1) الخصال / الشيخ الصدوق /ص522.

(2) تكملة الحديث (والطلب للإقالة من سالف الذنوب، ووضع الوجه على الأرض كل يوم إعظاماً لله عز وجل، وان يكون ذاكراً غير ناسٍ ولا بطرٍ ويكون خاشعاً متذللا راغباً طالباً للزيادة في الدّين والدنيا مع ما فيه من الإيجاب والمداومة على ذكر الله عز وجل بالليل والنهار لئلا ينسى العبد سيده ومدبره وخالقه فيبطر ويطغى ويكون في ذكره لربّه وقيامه بين يديه زجراً له عن المعاصي ومانعاً له عن أنواع الفساد).وسائل الشيعة / المحدث الحر العاملي / ج3 / باب1 /ص4 /ح7، من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق / ج1 /ص70، العلل / الشيخ الصدوق /ص114.

(3) سورة الماعون – آية (5).

(4) وسائل الشيعة / المحدث الحر العاملي / باب7 تحريم إضاعة الصلاة / ج3 / ص19 /ح6، عيون الأخبار / ص200.

(5) مستدرك الوسائل / المحدث النوري / ج3 / ص44 /باب ثبوت الكفر والأرتداد بترك الصلاة الواجب جحوداً.

(1) وسائل الشيعة / المحدث الحر العاملي / ج3 /ص19 /ح7 /باب تحريم اضاعة الصلاة ووجوب المحافضة عليها، وتكملة الحديث (فالويل لمن لم يحافظ على صلاته واداء سنته).

(2) البحار/ج82/ص214/رواية28/باب1.

(1)وسائل الشيعة / الحر العاملي / ج3 /ص13/ ح8/ باب استحباب امر الصبيان بالصلاة ، الخصال/ ج2/ ص1604.

(2)وسائل الشيعة / الحر العاملي/ باب11/ج2 /م3/ص28/ح2،من لا يحضره الفقيه/الشيخ الصدوق/ج1/ص67،قرب الأسناد/المحدث الحميري/ص24.

(1)وسائل الشيعة/ج4/ص41/رواية4463/باب11.

(1) وسائل الشيعة/ج8/باب1/ص288/رواية 10686.

(2) وسائل الشيعة/ج8/باب1/ص288/رواية 10686.

(3) سورة الحجر – آية (94).

(1) البحار /ج18/ص181 /رواية /18/باب :1.

(2) نفس المصدر .

(3)سورة المائدة – آية (3).

(1) البحار/ ج18/ص302/ رواية4/ باب3.

(2) العتمه وهي وقت صلاة العشاء.

(1) سورة الأسراء – آية (78).

(2) البحار/ ج18/ص366/رواية 71/باب3.

(3) البحار/ ج19/ ص117/رواية 2/ باب7.

(4) سورة طه –آية (132).

(5) وسائل الشيعة/ ج27/ باب13/ ص189/رواية 33565.

(1) سورة البقرة – آية (143).

(1) انظر وسائل الشيعة : مج2/ج1/ص14/باب/5،حديث/3.

(1)وسائل الشيعة/ ج4/باب5/ص23/رواية 4409.

(1) البحار/ ج80/ ص238/ رواية13/باب2.

(2) البحار/ج80/ ص236/ رواية9/باب2.

(3) البحار/ ج89/ص64/رواية33/باب1.

(4) سورة النساء – آية (101).

(5) سورة البقرة – آية (158).

(1) وسائل الشيعة/ ج7 /باب11/ص324/رواية9481.

(1) وسائل الشيعة/ ج5/باب42/ص248/رواية6461.

(2) وسائل الشيعة / المحدث الحر العاملي/ 3/46/باب15/ح3.

(1) وسائل الشيعة/ج7/باب39/ص369/رواية9604.

(1)وسائل الشيعة/ ج5/باب4/ص492/رواية 7143.

(2)وسائل الشيعة/ ج6/باب1/ ص263/رواية7909.

(3)وسائل الشيعة/ ج2/باب3/ص266/ رواية 7923.

(4)وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ م3/ ج2/ ص62/ باب22/ ح3،التهذيب/ الشيخ الطوسي/ج1/ص138، من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق/ ج1/ص144.

(5)وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ م3/ج2/باب22/ح4، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ج1/ص138، الأستبصار / الشيخ الطوسي/ ج1/ص112.

(1)من لا يحضره الفقيه/ الشيخ القدوس/ ج1/ ص147، علل الشرائع/ الشيخ الصدوق/ ص117، وسائل الشيعة/ المحدث العاملي/ج3/ص70/ ح3/باب29.

(1)وسائل الشيعة/ ج4/ باب57/ ص276/ رواية 5151.

(2)سورة الأسراء – آية (78).

(3)وسائل الشيعة/ ج4/ باب13/ ص52/ رواية 4491.

(1) أعلِمْ الموضع: أي ضع عليه علامة.

(2) وسائل الشيعة/ ج3/ باب40/ص475/ رواية 4218.

(1) أحدهما أي الأمام الباقر أو الأمام الصادق (H).

(2) وسائل الشيعة/ ج3/باب31/ص455/رواية 4160.

(3) البحار/ ج83/ ص262/ رواية14/باب6.

(4) وسائل الشيعة/ج3/باب22/ص434/رواية 4085.

(5) وسائل الشيعة/ ج3/باب22/ص435/رواية 4087.

(1) وسائل الشيعة/ ج3/باب22/ص434/رواية 4084.

(2) وسائل الشيعة/ ج3/باب20/ص430/رواية 4071.

(3) وسائل الشيعة/ ج3/ باب28/ص449/ رواية 4138.

(1) وسائل الشيعة/ ج3/باب21/ ص432/رواية 4079.

(2) وسائل الشيعة/ج3/ باب20 / ص430/رواية 4075.

(1) وسائل الشيعة/ ج4/ باب31/ ص417/ رواية 5579.

(1) وسائل الشيعة/ ج3/ باب20/ ص430/ رواية4071.

(2) وسائل الشيعة/ ج1/ باب10/ ص242/ رواية626.

(3) وسائل الشيعة/ ج1/ باب17/ ص185/رواية 467.

(4) وسائل الشيعة/ ج3/ باب20/ ص430/ رواية 4072.

(5) وسائل الشيعة/ ج3/ باب42/ ص480/ رواية 4232.

(1) وسائل الشيعة/ ج3/باب45/ ص484/رواية 4240.

(2) وسائل الشيعة/ ج3/ باب45/ ص484/ رواية 4344.

(1) سورة النساء – آية (103).

(1)سورة الأسراء – آية (78).

(2) سورة الأسراء – آية (78).

(3) سورة هود – آية (114).

(4)وسائل الشيعة /الحر العاملي / ج3/ ص14/ ح1/ باب وجوب المحافظة على الصلاة الوسطى/ من لا يحضره الفقيه/ الصدوق/ج1/ ص63.

(5)وسائل الشيعة/ الحر العاملي/ ج3/ص14/ ح1/باب وجوب المحافظة على الصلاة الوسطى، الفروع/ الكليني/ج1/ ص114، التهذيب/ الطوسي/ ج1/ص244.

(1) وسائل الشيعة/الحر العاملي/ ج3/ص92/ ح7/ باب4 اذا زالت الشمس، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج1/ص140، الأستبصار/ الشيخ الطوسي/ج1/ ص132.

(1) وسائل الشيعة/ الحر العاملي/ج3/ص115/ح5/باب أوقات الصلوات الخمس، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج1/ص140، الأستبصار/ الشيخ الطوسي/ ج1/ص133.

(2) التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج1/ص143، الأستبصار/ الشيخ الطوسي/ج1/ص140، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ج3/ص152/ح6/باب26.

(1) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج3/ص89/ح11/باب أستحباب الصلاة في أول الوقت، الكافي/المحدث الكليني/ ج1/ص76، التهذيب/الشيخ الطوسي/ج1/ص124، الاستبصار ج1ص124.

(2) وسائل الشيعة/ المحدث العاملي/ج3/ص87/ ح4/باب أستحباب الصلاة في أول الوقت/ التهذيب/ الشيخ الطوسي/ ج1/ص114، الأستبصار/ الشيخ الطوسي/ج1/ص141.

(3) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ج3/ص89/ح15/باب أستحباب الصلاة في اول الوقت/التهذيب/الشيخ الطوسي/ج1/ص144، الأستبصار/الشيخ الطوسي/ج1/ص141.

 

(1)وسائل الشيعة/ ج4/ باب 7/ ص136/ رواية 4731.

(2)وسائل الشيعة/ ج4/ باب3/ ص119/ رواية 4675.

(3) وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ج3/ص87/ح4/باب أستحباب الصلاة في أول وقتها، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ج1/ص144، الأستبصار/ الشيخ الطوسي/ج1/ص141.

 

(1) وسائل الشيعة/المحدث الحر العاملي/ج3/ص92/ح5، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ج1/ص140، الأستبصار/ الشيخ الطوسي/ح1/ص125، من لا يحضره فقيه/الشيخ الصدوق/ج1/ص71.

(2) من لا يحضره فقيه/ الشيخ الصدوق/ج1/ص71، التهذيب/الشيخ الطوسي/ ج1/ص139، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ج3/ص91/ح1/باب4.

(3) وسائل الشيعة/المحدث الحر العاملي/ج3/ ص109/ح33/باب8.

(1) التهذيب/ الشيخ الصدوق/ج1/ص140، الأستبصار/الشيخ الطوسي/ج1/ص132، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ ج3/ ص92/ح7.

(2) التهذيب/الشيخ الطوسي/ج1/ص139، الأستبصار/ الشيخ الطوسي/ج1/ص125، وسائل الشيعة/المحدث الحر العاملي/ج3/ص105/ح11/باب8.

(3) من لا يحضره الفقيه/الشيخ الصدوق/ج1/ص71، التهذيب/ الشيخ الطوسي/ج1/ص139، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ج3/ص91/ح1/باب4.

(4) التهذيب/الشيخ الطوسي/ج1/ص208، وسائل الشيعة/المحدث الحر العاملي/ج3/ص92/ح5/باب4.

(5) وسائل الشيعة/المحدث الحر العاملي/ج3/ص109/ح33/باب8.

(1) التهذيب/الشيخ الطوسي/ح1/ص141، الأسبصار/الشيخ الطوسي/ج1/ص134، وسائل الشيعة/ المحدث الحر العاملي/ج3/ص132/ح24/باب16.

(2) وسائل الشيعة/ ج4/ باب16/ ص178/ رواية 4842.

(3) وسائل الشيعة/ ج4/باب16/ ص181/ رواية 4850.

(4) وسائل الشيعة/ ج4/ باب16/ ص182/رواية 4855.

(1) وسائل الشيعة/ ج4/ باب4/ ص130/ رواية 4712.

(2) وسائل الشيعة/ج4/ باب29/ ص216/ رواية 4957.

(3) وسائل الشيعة/ ج4/ باب62/ ص288/ رواية5182.

(4) وسائل الشيعة/ ج4/باب38/ص239.

(1) وسائل الشيعة/ ج4/باب38/ص239.

(2) وسائل الشيعة/ ج4/ باب26/ ص208/رواية 4937.

(3) وسائل الشيعة/ ج4/باب26/ ص208/ رواية 4938.

(4) الوسائل/ 3/ ص14/ حديث 2 /باب وجوب المحافظة على الصلاة الوسطى، ومعاني الأخبار للشيخ الصدوق ص94.

(5) الوسائل/مج2/ ج1/ ص155/حديث 2 ( إنما نعدها صلاة الصبيان).

(1) الوسائل/ ج3/باب3/ص87/ حديث 4 و التهذيب للشيخ الطوسي ج1 ص144 وكذا الاستبصار ج1 ص141.

(2) الوسائل/ باب8/ج3/ص109/حديث 33.

(1) الوسائل مج2 ج1 ص133 باب وقت الفضيلة للظهر ، حديث /9.

(2) الوسائل مج2 ج1 ص133 باب أول وقت المغرب حديث /29.

(3) الوسائل مج2 ج1 ص144 باب جواز تأخير المغرب حديث :15.

(1) سورة الأسراء – آية (78).

(2) الوسائل مج2 ج1 ص132 باب أول وقت المغرب.

(3) الوسائل مج2 ج1 ص135 باب أول وقت المغرب الحديث :5.

(4) الوسائل مج2 ج1 ص152 باب وقت الصبح من طلوع الفجر حديث :5.

(1) الوسائل مج2 ج1 ص152 باب وقت الصبح الحديث:6.

(2) الوسائل مج2 ج1 ص152 ، باب وقت الصبح الحديث :8.

(3) مرت الإشارة إلى مصدرها .

(4) مرت الإشارة إلى تخريجها.

(1) مرت الإشارة إلى مصدرها.

(2) سورة الإسراء آية 78 ، الوسائل مج 2 ج1 ص154 .حديث :1 .

(3) مرت الإشارة إلى مصدرها.

(4) مرت الإشارة إلى مصدرها.

(5) الوسائل مج2 ج1 ص152 ، باب وقت الصبح ، حديث :5.

(1) مرت الإشارة إلى مصدره.

(2) مرت الإشارة إلى مصدره.

(1) الوسائل مج2 ج1 ص107 حديث :25.

(2) مرت الإشارة إلى مصدره.

(3) الوسائل مج2 ج1 ص89 حديث :12.

(1) الذكرى و الخلاف للشيخ الطوسي ص32.

(2) الوسائل مج2 ج1 ص158 حديث :1.

(3) الوسائل مج2 ج1 ص158 حديث :2.

(1) الوسائل/ ج2/باب49/ ص361/ رواية2366.

(2) الوسائل/ ج2/ باب49/ ص364/ رواية2373.

(3) الوسائل/ ج2/ باب49/ ص363/ رواية2369.

(4) الوسائل/ ج2/ باب49/ ص363/ رواية2370.

(1) الوسائل مج2 ج1 ص150 باب من صلى ظاناً دخول الوقت ، الحديث:1.

(1) الوسائل مج2 ج1 ص123 باب بطلان الصلاة قبل تيقن دخول الوقت،حديث :6.

(2) الوسائل مج2 ج1 ص213 باب وجوب الترتيب بين الفرائض ،حديث :4.

(1) الوسائل مج2 ج1 ص209 باب جواز قضاء الفرائض ،حديث :3.

(2) الوسائل مج2 ج1 ص174 الحديث:1.

(3) الوسائل مج2 ج1 ص175 الحديث :4.

(4) الوسائل مج2 ج1 ص138 الحديث : 12.

(1) الوسائل مج2 ج1 ص137 الحديث : 6.

(2) الوسائل مج2 ج1 ص140 الحديث : 19.

(3) الوسائل مج2 ج1 ص157 الحديث : 8.

(4) مرت الإشارة إلى مصدرها.

(1) الوسائل مج2 ج1 ص122 الحديث : 4.

(2) الوسائل مج2 ج1 ص204 الحديث : 1.

(2) الوسائل /ج3.

(1) مستدرك الوسائل /ج4/باب استحباب الجهر /باب 18/ج4457-1.

(2) مستدرك الوسائل /ج1/ باب جواز إيقاع الصلوات الكثيرة /باب 7 /ج652-3.

(3) الاستبصار /ج1 /ص163 ، التهذيب /ج1 /ص201 ، الوسائل ،ج3 ، ص380 باب جواز إيقاع صلوات كثيرة بتيمم واحد.

(4) التهذيب /ج2 / ص270 ، الاستبصار ج1 ،ص288 بلفظ مختلف .

(1) الاستبصار /ج1 /ص288 ، التهذيب /ج2 / ص271 ، الوسائل /ج4 /ص289 باب جواز قضاء الفرائض .

(2) الوسائل /ج5 /ص349 ، الوسائل ج8 ص255.

(1) الوسائل /ج3 /باب المواقيت /باب 39 ،ح6.

(2) الوسائل /ج4 /ص241 /باب 39 ، حديث 5036.

(3) الوسائل /ج4 / ص243 ، أبا 39 ،حديث 5041 .

(4) التهذيب /ج2 /ص353 ، الوسائل /ج8 /ص257 .

(1) مستدرك الوسائل /ج6 / أبواب قضاء الصلاة / باب 1 /ح7150-6.

(1) الوسائل /ج8/ ص367 ، باب 4 ، ح10619.

(2) الوسائل ج3 ، أبواب المواقيت /باب 39 /ح6.

(3) الوسائل /ج8 ،ص356 ، باب 3 ، ح 10575 .

(1) الوسائل /ج4 ، ص289 ، باب 62 ، ح5185.

(2) الوسائل / ج8 ، ص 256 ، باب 2 ، ح 10576 .

(1) الوسائل /ج4 ، ص290 ، باب 63 ، ح5187.

(1) الوسائل /ج8 ، ص469 ، باب 5 ،ح 11193 لكن بلفظ ( تؤم ) بدلاً من ( تبرح).

(2) الوسائل /ج3 ، ص384 ، باب 1 من أبواب قضاء الصلاة.

(1) الوسائل /ج4 ص336 ، باب 35 ، ح4987.

(1) الوسائل /ج3 ، ص89 ، باب استحباب الصلاة في أول الوقت ،ح14.

(1) الوسائل /ج3 ، أبواب المواقيت ، باب 39 ، ح16.

(1) مستدرك الوسائل /ج3 / باب وجوب الإعادة في الوقت / باب 33 /ح3231-1.

(2) الوسائل /ج3 / أبواب المواقيت /باب 39 ،ح6.

(1) الوسائل /ج3 / أبواب المواقيت /باب 39 ،ح7.

(2) الوسائل /ج3 / أبواب المواقيت /باب 39 ،ح13.

(1) مستدرك الوسائل /ج6/ باب وجوب قضاء الفرائض الفائتة / باب 1/ح7154-10.

(2)سورة محمد – آية (33).

(3) الوسائل /ج4 ص390 / باب 63 /ح5187.

(4) الوسائل /ج3 ، أبواب المواقيت ، باب 63 ،ح5.

(1) الوسائل /ج3 / أبواب المواقيت / باب 63 / ح3.

(2) الوسائل /ج4 /ص360  / باب 63 / ح5187.

(1) الوسائل /ج4 /ص360  / باب 63 / ح5187.

(1) مستدرك الوسائل / ج6 / باب وجوب قضاء الفرائض الفائتة / باب 1 /ح 7154-10.

(2) الوسائل /ج3 / أبواب المواقيت / باب 63 / ح5.

(1) الوسائل /ج3 / أبواب المواقيت / باب 63 / ح2.

(2) الوسائل /ج3 / أبواب المواقيت / باب 63 / ح3.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD