تأليف

الناشر 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِن الأَمْرِ

فَاتَّبِعْهَا

وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ

صدق الله العلي العظيم

 

 

العراق ـ النجف الأشرف

1436هـ ـ 2015م

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة

الحمد لله الذي جعل الإسلام ناراً على علم, وجعل شريعة محمد خاتمة شرائع البشر, وصلواته وتسليماته على سيد سفرائه وخاتم رسله وأنبيائه, وعلى آله الطاهرين أئمة الحق وقرنائه.

فهذه محاضرات ألقيتها على طلبة كليتي الفقه والقانون في النجف الأشرف، وكان جلَّ اهتمامي منصباً في بيان عظمة الشريعة الإسلامية وخصائصها ومقاصدها ومصادر تشريعها والأدوار التي مرّت بها، بعدما حفظ الأنام الفرعيات وغفلوا عن الثوابت والأساسيات, ونشروا الخلافيات أكثر من المتفقات، وتعمقوا في الفرعيات فيما نسوا الركائز الأساسية للشريعة الإسلامية، فحري للطالب الجامعي ­والطالب الحوزوي المبتدئ في مرحلة المقدمات أن يُحيطَ إحاطَةً كافِيَةً بالأسس العامّة للشريعة الإسلامية, متجرداً عن الجزئيات والخلافيات التي قد تُعقّد فهم المبتدئين وقد تكون أحياناً سبباً للتعسير بل سبباً للتنفير.

وأوضحتُ أكثر مفردات الشريعة الإسلامية تداولاً واستعمالاً؛ لأن أكثر المناظرات تتحول إلى مهاترات بسبب عدم وضوح تلك المصطلحات في أذهان المتحاورين، فيما أصبحت هذه المباحث ضرورة ملحة في هذه الأيام التي كثرت فيها الاطروحات والنظريات بسبب الغزو الفكري، وإلى افتقار المكتبة الإسلامية إلى دراسة المدخل إلى الشريعة الإسلامية من وجهة نظر فقهاء الإمامية.

فأرجو من أخواني الأساتذة الكرام نقد هذه المباحث وتصحيحها فهي خطوة أولى، ونأمل أن تكون هذه المحاولة فاتحة وحافزاً لغيرها من المحاولات الموسّعة, وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه وهو ولي التوفيق.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

تمهيد

التشريع والمجتمع:

التشريع مأخوذ من الشريعة, ويراد به سن الشرائع والأحكام, كما أنّ شَرَع معناه أنشأ الشريعة وسنَّ قواعدها, ومنه قوله تعالى: [شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُوا فِيهِ]([1])، وقوله: [أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ]([2]).

والشريعة هي جملة أحكام مجعولة، فإن كان مصدرها السماء بأن نزل بها الوحي سميت شريعة سماوية، وإن كانت من وضع البشر سميت شريعة وضعية.

والشرائع أياً كانت نوعها سماوية أو وضعية لا توجد إلاَّ حيث يوجد المجتمع البشري، لأن المجتمع يعيش بروابط بين أفراده، وهذه الروابط تحتاج إلى قوانين تنظمها، فإذا لم يوجد المجتمع انعدمت الروابط، وإذا انعدمت الروابط لم تكن ثمة حاجة إلى القانون، ولذلك أتفق العلماء على أن تاريخ الشرائع مصاحب لتاريخ العمران في هذا الوجود؛ لأنه لا عمران إلاَّ باجتماع، ولا اجتماع إلاَّ باتفاق على طريقة توزيع العيش، ولا اتفاق إلاَّ بقواعد تحدد حقوق كل فرد وواجباته، وهذه القواعد لا تحقق الغرض المقصود منها إلاَّ إذا وجدت سلطة تقررها وتحافظ عليها ([3]).

حاجة الناس إلـى التشريع:

الإنسان في حياته محتاج إلى التشريع؛ لأنه خلق ومعه قوتان متنازعتان قوة الشهوة التي تدفعه إلى الشر، فيتجاوز حدوده بانتهاك الحرمات والاعتداء على الغير، وقوة العقل التي تدعوه إلى الخير، فيسير في الطريق المستقيم معتدلاً في كل شيء، والعقل وحده لا يستطيع مقاومة الشهوة؛ لأن الدنيا مَلأى بالمغريات التي تثير في النفوس عوامل الشر، فيندفع الإنسان إلى تحقيق رغباته التي لا تقف عند حد، والتاريخ أصدق شاهد على ذلك، فكم من حوادث وقعت أثارَتَها شهوة جامحة عجز العقل عن كبحها أعقبتها شرور وآثام.

ومِن هنا كان لابد للعقل من مُعين يسانده حتى تتغلب قوة الخير أو في الأقل تتعادل القوتان، ويصبح الإنسان -بحق- خليفة الله في أرضه يقيم حدوده ويرعى محارمه. وهذا المُعين هي القوانين التي تميّز الخير من الشر، ويبين كل فرد ما له من حقوق وما عليه من واجبات ([4]).

والقوانين الوضعية مهما ارتقت لا تحقق ذلك على أكمل وجه؛ لأنها نتاج الفكر الإنساني، وقد عجز العقل البشري عن مقاومة الشر، ولا أدل على هذا من كثرة التعديل والتغيير فيها لتلافي عيوبها وسد الثغرات التي تتكاثر في بنائها كلما طال زمن تطبيقها. ويرجع ذلك إلى تفاوت العقول البشرية في إدراكها للأمور واختلاف مقاييس الخير والشر في نظرها، وقصر إدراكها لحقائق الأشياء الغامضة وعدم استطلاعها لكشف ما يجيء به المستقبل من أحداث، وعدم عصمتها من الاندفاع وراء الشهوات، وأخيراً خلوها من عنصري الدين والأخلاق الذين يرجع إليهما الفضل في تهذيب النفوس، وبهما يعم تنظيم ظاهر الإنسان وباطنه.

ولهذا كله كان الإيمان بتلك القوانين الوضعية ضعيفاً، والخضوع لها منشؤه الخوف من الوقوع تحت طائلة العقاب، فإذا أمن المرء جانبه لم يكن في نفسه أثر لهيبة ولا احترام، ولم يكن بد من الرجوع إلى القانون السماوي الذي يملك على الناس مشاعرهم باطنهم وظاهرهم على حد سواء، حتى يقع الامتثال له عن رضا ورغبة لا عن خوف ورهبة، ولن يكون إلاَّ مِن صُنع خالق البشر العليم بأسرار النفوس وخفاياها، وأسرار المستقبل وما يجيء به من أحداث ([5]).

والله سبحانه الذي خلق الإنسان وجعله خليفته في أرضه ليعمّرها إلى حين يحاسبه على ما قدّمت يداه فيجازيه على ذلك إن خيراً فخير وإن شراً فشر؛ لا يترك هذا الإنسان من دون تشريع يُنظّم حياته ويقيم العدل بين أفراده، وكيف يتركه وهو الحكيم الخبير البرِّ الرحيم بعباده ([6]).

يقول جلَّ شانهُ: [إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلاَ فِيهَا نَذِيرٌ]([7])، وقوله تعالى: [وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً]([8]).

والمعنى: لا نعذّب أمة من الأمم إلاَّ بعد بَعْث الرسل إليهم وقيام الحجة عليهم.

نشوء الشرائع الوضعية:

إنّ الشرائع الوضعية أو القوانين في المجتمعات البشرية البدائية تتكون تدريجياً في صورة عادات وأعراف ثم ترتقي حياة الأمة ومداركها ومعارفها وتصبح لها سلطة حاكمة وسيادة تلجأ إلى تقنين تلك العادات والأعراف وتجعل منها نظاماً آمراً في أعمال الناس ومعاملاتهم وعلاقاتهم, فيحل القانون محل تلك العادات وينسخ اعتبارها، فيلغي منها ما يرى غير صالح، ويثبت ما يرى صالحاً، وتصبح العبرة لنصوص القانون وروحه ومقاصده المقنّنة ([9]).

وجه الحاجة إلـى تشريع إلهي:

إن الإنسان بوضعه الفردي أو وضعه الاجتماعي مفطور على حب الذات والإيثار لها على الغير مهما بلغ من درجات الرقي والكمال، وهذا الحب وإن جرَّ للإنسان الخير وجعَلَه طالباً للسعادة والهناء إلاَّ أنّه لا يزال يدفعه للتغلب على الغير والسيطرة على مقدرات الحياة, فتجد الفرد يسابق الآخر ليكسب المغنم لنفسه دون غيره، وتجد الأمة تطاول الأخرى لتفوز بالفائدة لذاتها دون من سواها، وما الصراع القائم بين الأمم في هذا الزمن الذي كاد أن يضرم البشرية بنار يفنى فيها الصغير والكبير ويلتهب بها اليابس والأخضر إلاَّ نتيجة لحب الأمم لذاتها, ولا تستطيع أشد القوانين المدنية الصارمة مهما صقلتها العقول أن تقف دون هذه النزعة النفسية التي تؤدي إلى أشد الويلات على البشرية ما لم يكن الرادع فطرياً مثلها يغزوها في وكرها ويقضي عليها في مستقرها, وليس هو إلاَّ العقيدة الدينية المتركزة في النفوس, فإنها هي التي تصرعها في مغرسها وتغتالها في وكرها ومعرّسها([10]) وتسيّرها نحو السعادة البشرية بأحسن طرقها.

وإنّ كثيراً من الملحدين قد أدركوا هذه الحاجة إلى الوازع الديني والرادع الإلهي، ولكن روحهم الإلحادية لا تتركهم يتدانون للحق فيعترفوا إنّ غير الدين لا يمكن أن يكون رادعاً لتلك الغريزة الحيوانية, وليست الأحكام المدنية والقواعد الأخلاقية كافية لدوام نظام المجتمع. والحالة إنّ الإنسان مفطور على حب نفسه واستئثارها على غيره بفواتن الحياة ولذائذها وسواحرها ولا يتحاشى عن أضرار الناس متى ما رأى نفسه بعيدة عن مراقبة القانون, ما لم يكن يشعر بمراقبة غيبية قدسية تطلع على مستسر سره ومكنونات نفسه أينما وجد وأينما حل، وهذا لا يتوافر لنا ما لم نحيَ بالإنسان الغريزة الاعتقادية والإيمان بالمراقبة الإلهية والخوف الشديد من تجاوزه على شريعته الدينية. ولعل خير شاهد ودليل على ذلك هو أنك لو فتحت دفاتر الجرائم في محاكم العدل في سائر الدول الكبيرة والصغيرة لا تجد في المجرمين من المؤمنين واحداً من ألف، وهذا الاستقراء أدلّ دليل على محاربة العاطفة الدينية للإجرام وموجباته وأسبابه.

إنّ عدم إدراك الشعوب للقيم الروحية وعدم التفات حكوماتها لمحاسن الثقافة الدينية جعلها بعيدة عن هذه الناحية, فسنّت قوانين صارمة وفتحت المدارس والجامعات, ولو أنفقت البعض من ذلك على إضافة الثقافة الدينية إلى الثقافة العلمية لكان خيراً لها وأحسن سبيلاً, حيث بها تُنتشل الإنسانية من غمرات الحروب ولهواتها, وتبعدها عن مأساة الشرور وآلامها, وتنصرف للصالح العام والنفع التام وتجعلهم أخواناً على سرر متقابلين قد تناسوا الفوارق بأنواعها.

ولا أعني بالثقافة الدينية هو مجرّد اللقلقة اللسانية والتقاليد المتبعة، وإنما أعني بها تركيز العقيدة الدينية في النفوس بحيث تلتهب بها العاطفة وتلتاط([11]) بالضمائر والدخائل ويبذل فيها النفس والنفيس بعد الشعور بأنها التحفة الملكوتية التي ضمنت للعالم الإنساني سعادة الدارين وخير النشأتين.

وربما يتخيل المتخيلون إن الدين يصطدم بالعلم الحاضر، ولكن الأمر بالعكس فإِن العلم قد أزال كثيراً من الحجب الكثيفة عن حقائق الدين، وإن على هذا الكلام أصحّ شاهد، هذه الأمة العربية كانت بلادها قاحلة وهي على شظف من العيش وانحطاط في درجات سلم العلوم والعرفان تتحكم في عراقها الفرس وفي تخوم شامها الروم فارتقت بعد أن منَّ الله تعالى عليها بالإسلام أقصى ذُرى المجد وتحكمت في ممالك فارس والروم.

نظرة في الشرائع الإلهية:

توجد إلى جانب الشرائع الوضعية شرائع إلهية عن طريق الرسل الذين يحملون وحي الله تعالى إلى البشر هادين ومصلحين مقومين لخط السير الإنساني المنحرف.

وهذه الشرائع الإلهية ثلاثة:

الأولى: الشريعة الموسوية: وهي تتضمن من الأحكام والقوانين الخاصة ما يتناسب مع الظرف الزماني والمكاني الذي كان فيه بنو إسرائيل، وتطرفت التوراة في الجسد والمادة على حساب الروح.

الثانية: الشريعة المسيحية: وهي لا تتضمن أحكاماً وقوانين، بل فيها دعم للفضيلة وتقويم للأخلاق وتصفية النفوس, وقد أفرطت في الروح وأهملت الجسد.

الثالثة: الشريعة الإسلامية: وهي تتضمن أحكاماً وقوانين شاملة وصالحة لجميع البيئات والظروف، فهي تشمل على المبادئ الثابتة، وعلى الأحكام الاستثنائية لأحوال الضرورات وأحكام مربوطة بالأعراف والظروف الخاصة، ويتغير الحكم ويتبدل بحسب تبدل تلك الأعراف والظروف مع المحافظة على الفكرة الأساسية فيها وهي العدل والإنصاف والثوابت الإسلامية.([12])

وجاءت الشريعة الإسلامية دعوتها للبشر كافة حينما وصل التطور والاستعداد الفكري عند البشر إلى درجة كافية, فكانت خاتمة الشرائع السماوية وفيها الأحكام والقواعد الثابتة، إضافة إلى أن باب الاجتهاد مفتوح مع إعطاء نصيبٍ كبيرٍ للعقل في التطبيق.

فالشرائع السماوية تبدو على نوعين هما الشرائع الاجتماعية والشرائع
 الفردية، ويقصد بالشريعة الاجتماعية الشريعة التي تحكم العقيدة والأخلاق والعلاقات الاجتماعية كالشريعة الإسلامية والشريعة اليهودية, ويراد بالشريعة
الفردية الشريعة التي تحكم العقيدة والأخلاق ولا تُعنى بتنظيم العلاقات الاجتماعية تنظيماً موضوعياً، وإنما ينظر إليها من زاوية الأخلاق, فتحث على إقامتها على أسس من الصدق والوفاء وحسن النية, ومن الأمثلة على الشريعة الفردية الشريعة المسيحية.

والحق إنّ نزول الشرائع السماوية فردية واجتماعية يعزى إلى متطلبات الحياة   وإرادة الله سبحانه عزَّ وجل, فإنّ المسيحية نزلت في وسط يسوده تحلل خلقي
 وتفكك اجتماعي لذا جاءت شريعة فردية، بينما الشريعة الموسوية والإسلامية نَزَلتا في وسط يعوزه التشريع السليم لتنظيم العلاقات الاجتماعية ويشكو كذلك من انحطاط خلقي.

وتُعتبر الشريعة الإسلامية أبرز الشرائع الاجتماعية من حيث السعة والنطاق, فهي تضم أحكاماً عقائدية ووجدانية أخلاقية وأحكاماً عملية تنظم العلاقات بين البشر.

وجه الحاجة إلـى التدين:

إن تركيز الدين ضرورة للمجموعة الإنسانية على حد ضرورة نشر المعارف فيها بل يزيد عليها بمراتب كثيرة بل أكثر لما في انتشار المادية وتفشي الإلحادية من خسارة الفرد والعائلة والمجتمع.

أما خسارة الفرد فلشعوره بأن حياته وما يحيطها أمر محدود يفنى بفناء الدهر وينقضي بانقضاء الزمن وهذا ما يجعله في حزن وكمد عند التفاته لذلك وفي أسف وتألم عند إدراكه محدودية حياته, بل تصبح نفسه ضعيفة أمام محن الأيام وطوارق الزمان، فلا يتحمل أبسط الحوادث المؤلمة وأقل الوقائع المزعجة, بخلاف المؤمن بربه المتمسك بدينه فإنه تضعف في نظره الحوادث بمقدار قوة إيمانه وشدة عقيدته, فمَن آمن بالله لو فقد عزيزه كان كمن سافر عزيزه عنه ويلتقي به بعد حين, وإذا حلَّ به البلاء آنس نفسه بما يناله في الآخرة من الجزاء وهوّن عليها الخطب يوم الحساب يوم الأجر والثواب.

وأما خسارة العائلة فهو لا يأمن على عرضه ولا على نفسه ولا على ماله من أهل بيته عند فقدهم العقيدة الدينية, فإن سلطان الشهوة لا يقهره شيء لا شرف النفس ولا حسن التربية إذا جد الجد وخلا له الوقت, إلا تمركز العقيدة بالله, والحوادث التاريخية أدل دليل على ذلك, فقد شهد الكثير منها إنّ البيت الذي يفقد الوعي الديني تتحكم اللذات الحيوانية بمقدّراته, وتكون المادة العمياء هي المقياس الوحيد في حياته, وإذ ذاك تنعدم الثقة حتى في أهم أركانه, فلا أمان لصاحبه بزوجته ولا لزوجته الأمان به, ولا ثقة له بذوي قرباه ولا لذوي قرباه الثقة به, كما لا يطمئن على حياته فيما لو اقتضت الميول البيتية القضاء عليها، ولا يأخذه القرار على ماله ولا على ما في يده فيما لو أراد البيت غصبها من عنده أو سرقتها منه، والشواهد التي سجلها التاريخ ودونتها المحاكم المدنية خير شاهد, وعند ذلك ينهار البيت ويزول الحنان والتعاطف من بين يديه, ويصبح صاحبه في شقاء مستمر وذوي قرباه في خشية وخوف دائم, وسرعان ما ينحل الإخاء ويذهب الولاء.

وأما خسارة المجتمع فهي لا تحتاج إلى بيان, حيث تزول وتنعدم القيم الدينية وكل صفة إنسانية كمالية عن النفوس وتتحكم فيها الأهواء والرغبات, فلا صدق في اللهجة ولا أمانة في المعاملة ولا إخلاص في العمل, وتصبح الأمة بين أمرين إما بهائم خرساء في قبضة سائقها وآلة صماء في يد عاملها وخشب مسندة بيد طاغيها لا تملك من أمرها شيء, وإما تتخبط في عشواء وتعيش في طخية عمياء تعصف في أجوائها مختلف الأهواء وتهب في أرجائها الفتن الخرساء. وإن فقدان الوعي الديني في عالمنا هذا أوجب أن نصبح في ظرف عصيب ووقت رهيب تقطع الإنسانية أصعب المراحل الخطرة في تاريخها الحديث فالصراع قائم بين الأمم, والسلام قائم على ما تملكه الأمم من أسلحة دمار، والحق تطغى عليه القوة, وعلى الأماني المنايا وشبح الموت والفناء يرفرف على العالم كله, وعلى السلام سلام.

التشريع الإلهي والتشريع الإنساني:

لقد كان من وضع الإنسان المحتم أن يقطع مفاوز الحياة مع أبناء نوعه سواء أقلنا إن ذلك يقتضيه بطبيعته وفطرته أم كان ذلك من جهة الحاجة في شؤونه ومعيشته، وهذا مما أوجب الحاجة إلى تشريع يحدد له الارتباط بالغير في المجتمع الذي يعيش فيه منعاً له من شذوذ التصرف وإطلاق العنان للشهوة والأثرة وحب الذات والإسفاف والإسراف في تنفيذ الرغبات وللقضاء على العلل ومشكلات الاجتماع وللإرشاد للمصالح والمنافع، ولتنظيم الحياة لكسب السعادة فيها ولإقامة العدل وصيانة حقوق الناس الشخصية والنوعية ولحفظ الأمن العام وللسلوك بهم نحو مدارج السمو والكمال ولاستلهام المثل العليا والفوز بالنشأتين والسعادة في الدارين. وهذا التشريع وإن كانت العقول قد وضعته لأممها حسب معرفتها وعلمها إلاَّ إنه لا شك أن التشريع الإلهي حيث يستند لأعظم عقلية غيبية تدرك مصير الأعمال ومصالح الأفعال ومفاسدها، ويستمد من أوسع علمية بمجاري الأمور وما تؤول إليها بخيرها وشرها ومحاسنها ومساويها وأبصر معرفة بحقائق الموجودات ودقائقها وأسرارها كان التشريع الصادر منها أسمى وأنفع من التشريع الصادر من العقلية البشرية المحدودة في معلوماتها والتي طالما وقعت في الهفوات والأخطاء حتى فيما يخص نفسها. هذا مع أن النفس لشهواتها طغيان يوقعها في مهام الهلكات وينزلها لأخس الدنيئات ولا يمكن أن يقف التشريع الإنساني دونه حيث ينعدم سلطانه عند الخلوة والأمن من المراقبة بخلاف التشريع الإلهي فأنه لا ينعدم معه الرقيب فالله يعلم السر وأخفى ([13]).

أضف إلى ذلك ما في التشريع الإلهي من ربط العبد بمولاه والمخلوق بخالقه الموجب لشكره وشكره يوجب شمول رعايته وجميل لطفه وزيادة النعمة وتوفر الإحسان والبركة، فالغاية من التشريع الإلهي والمنفعة المترتبة عليه هو سير الناس نحو الحياة الموفرة بالسعادة في الدارين على الوجه الأكمل، ونيل الخير في النشأتين على النحو الأحسن ليكونوا خير أمة أخرجت للناس بتنظيم حياتهم ووفور السعادة لديهم.

إن الإسلام قد ربط السياسة بالدين والحياة بالشريعة الإسلامية حيث قنن أحكام الحياة للفرد وللبيت وللمجتمع حتى مع الغير، وطلب من العلماء أن لا يكفوا على عظة ظالم ولا سغب مظلوم.

ويعتبر الإسلام آخر الشرائع الدينية وخاتمها جاء لعامة الناس في شرق الأرض وغربها لقوله تعالى من سورة سبأ: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ]([14])، ولقوله تعالى في سورة الأعراف: [قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا]([15]).

مدى الاختلاف في الشرائع السماوية:

هذه الرسالات وإن اختلفت أزمانها لم تكن تختلف عن بعضها إلاَّ فيما يختلف باختلاف الأزمان وهي الأحكام العملية كما صرّح بذلك القرآن [لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا]([16]). أما فيما لا يتغير بتغير الأزمان والأمكنة كالعقائد فإنها اتفقت فيها كلها بقوله تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِي]([17]).

لذلك كان الإيمان بالرسل السابقين وكتب الله التي أنزلها إليهم جزءاً من الإيمان في كل شريعة، قال تعالى: [آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ]([18]) ([19]).

الكتب السماوية يصدق بعضها بعضاً:

الرسالات السماوية كلها هدى ونور, نزلت ليحكم بها عباد الله وهي تصدق بعضها بعضاً، بل إن منها ما كان يبشر بالرسول الذي يأتي بعدها.

فالقرآن يقول في شأن التوراة التي نزلت على موسى  عليه السلام : [إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ]([20]).

ويقول القرآن الكريم في شأن الإنجيل الذي نزل على عيسى بن مريم  عليه السلام : [وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ]([21]). وقال الله تعالى في رسالة محمد  صلى الله عليه وآله وسلم : [وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ]([22]).

تلك رسالات الله تكمل بناء الشرائع السماوية، وأن رسل الله كلهم على حق وهم جميعاً يتكون منهم بناء واحد أبدعه الله تعالى كما أخبر رسول الله: (مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلاَّ موضع لبنة فجعل الناس يدخلونها ويتعجبون منها ويقولون: لولا موضع تلك اللبنة، فكنت أنا موضع تلك اللبنة)([23]).

فكانت الشرائع كلها من وحي الله أنزلها على رسله في فترات مختلفة وختمها بالشريعة الإسلامية التي رضيها لعباده [وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا]([24])، وجعلها الدين الصحيح [وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ]([25]) ([26]).

الشرائع السماوية نزلت في البلاد العربية:

إن الشرائع السماوية الثلاثة التي يعتنقها أكثر العالم الإنساني كانت مهبطها هي البلاد العربية فاليهودية أوحي بها إلى نبينا موسى  عليه السلام  في صحراء سيناء، والنصرانية أوحي بها إلى نبينا عيسى  عليه السلام  في فلسطين، والإسلام أوحي به على خاتم النبيين والمرسلين محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  في مكة المكرمة.

 

الفصل الأول

تعريف الشريعة الإسلامية

المبحث الأول

 تعريف الشريعة

تعريف الشريعة لغة:

قال الراغب في المفردات: الشرع نهج الطريق الواضح, يقال: شرعت له طريقاً, والشرع مصدر ثم جعل اسماً للطريق النهج, فقيل له شِرع وشَرع وشريعة, واستعير ذلك للطريقة الإلهية قال: شرعة ومنهاجا إلى أن قال: قال بعضهم: سميت الشريعة شريعة تشبيهاً بشريعة الماء ([27]). وعلّق على ذلك العلامة الطباطبائي في الميزان, بقوله: لعل الشريعة بالمعنى الثاني مأخوذ من المعنى الأول لوضوح طريق الماء عندهم بكثرة الورود والصدور ([28]).

فالشريعة هي الطريقة المستقيمة, قال تعالى: [لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا]([29])، وتترادف كلمة (شَرْع) و(شِرعة) و(شَريعة) والشارع أسم فاعل من الفعل شَرَعَ يَشْرَعُ بمعنى جعل أو أنشأ أو وضعَ أو سنَّ الأحكام لتنظيم حياة الناس.

تعريف الشريعة اصطلاحاً:

عبارة عن الأحكام والقوانين التي سنت للمصلحة سواء أكانت للفرد أم المجتمع وسواء أكانت متعلقة بالأفعال أم بالعقائد أو تهذيب النفس.

وهي قد تكون سماوية إذا كان المشرع لها هو الله تعالى كالشريعة الإسلامية.

وقد تكون مدنية إذا كان المشرع لها هو الإنسان كشريعة حمو رابي.

فإطلاق الشريعة على الأحكام باعتبار أنها الطريق المستقيم الذي يوصل من يسلكه لصالحه وسعادته، كما إن الشريعة السماوية تسمى بالدين باعتبار لزوم التدين بها من رب العالمين.

إن الشريعة والمنهاج في لسان الشرع شيء واحد، قال تعالى: [لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا]([30]). ولكن يظهر من بعضهم أن الشريعة هي الأصول والقواعد الدينية، والمنهاج هو الذي يفصّل هذه القواعد.

الشريعة والدين والملة في القرآن الكريم:

في مصطلح القرآن الكريم: الدين والشريعة والملة بمعنى واحد مع فرق ان الدين أعم والشريعة والملة بمعنى واحد مع الفارق بينهما بالعناية, فالشريعة هي الطريقة الممهدة لأمة من الأمم أو لنبي من الأنبياء الذين بعثوا بها, كشريعة نوح وإبراهيم وشريعة موسى وشريعة عيسى وشريعة محمد  صلى الله عليه وآله وسلم , والدين هو السنة والطريقة الإلهية العامة لجميع الأمم, فالشريعة تقبل النسخ دون الدين بمعناه الوسيع ([31]).

والفرق الثاني إن الدين ينسب إلى الواحد والجماعة كيفما كان لكن الشريعة لا تنسب إلى الواحد إلاّ إذا كان واضعها أو القائم بأمرها يقال: دين المسلمين ودين اليهود وشريعتهم, ويقال: دين الله وشريعته, ودين محمد وشريعته, ويقال دين زيد ولكن لا يقال شريعة زيد. ولعل ذلك لما في لفظ الشريعة من التلميح إلى المعنى الحدثي ([32]).

وأما الملة: فهي السنّة الحيويّة المسلوكة بين الناس, وعندما يقال الملة الإسلامية فالمراد هو السبيل الذي مهّده الله تعالى لسلوك الناس إليه, والملّة تطلق عليها لكونها مأخوذة عن الغير  بالاتباع العملي. ومن هنا فإنها لا تضاف إلى الله فيصح أن نقول دين الله أو شريعة الله ولا يقال ملة الله ([33]).

وتضاف إلى النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  من حيث انها شريعته وسنته أو إلى الأمة من جهة أنهم سائرون مستقون به قال تعالى: [مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ]([34]) وقال تعالى حكاية عن يوسف  عليه السلام : [إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ * وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ]([35]).([36])

تعريف الدين والشريعة في الاصطلاح الفقهي:

الدين هو مجموعة المعارف الإلهية النظرية والمناهج الأخلاقية القِيمِيّة والآداب العامة والأحكام الشرعية العملية.

ومن هنا صح أن نقسم التعاليم الدينية إلى ثلاثة أقسام:

1- العقائد                    2- الأخلاق         3- الأحكام

والشريعة هي قسم من التعاليم الدينية لا كلها.

ويُقصد بالشريعة في اصطلاح الفقهاء: مجموعة الأحكام الشرعية التي سنّها الله تعالى لعباده والتي بُلّغت عن طريق الرسل وتحتوي من الأحكام ما يُنظم علاقة الإنسان بنفسه وعلاقة الإنسان بربه ثم علاقته بأخيه الإنسان وبالجماعة التي يعيش فيها, فالشريعة نظام عام شامل يتناول كافة جوانب الحياة الإنسانية.

والشريعة الإسلامية عبارة عن مجموعة من الأحكام والأنظمة والقواعد الشرعية التي شرّعها الله عزّ وجل وارتضاها لعباده, والتي بُلّغت بواسطة خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله  صلى الله عليه وآله وسلم .

الفرق بيـن التشريع والشريعة:

إن التشريع: هو سن تلك الأحكام والقوانين والأنظمة.

والشريعة: هي القوانين والأنظمة والأحكام نفسها المقصودة. بقوله تعالى: [عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ]([37]).

الفرق بيـن الشريعة الإسلامية والدين والفقه:

  1. الشريعة في اللغة: تطلق على الطريقة المستقيمة. وعند الفقهاء (الأحكام التي شرعها الله لعباده على لسان رسول من الرسل). وسميت الأحكام شريعة لاستقامتها وعدم انحرافها ([38]).

2- الإسلامية نسبة إلى الإسلام، والإسلام لغة مصدر أسلم وهو يستعمل في الاصطلاح الشرعي، بمعنى الخضوع والانقياد لأمر الله والتسليم لقضائه وأحكامه والرضى بها ([39]).

دعا الله إلى أمة مسلمة، وإن الأنبياء السابقين كانوا مسلمين [مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ]([40])، والإسلام والدين والشريعة قد تكون مترادفة مثل قوله: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا]([41])، [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ]([42]).

3- الدين في اللغة: يطلق على عدة معانٍ منها ما يتدين به الشخص من الإسلام، والطاعة والخضوع، والجزاء، والمكافأة، والحساب، والسلطان، ووردت لفظة الدين أكثر من (90) مرة في القرآن وهي تدل على علاقة بين طرفين يعظم أحدهما الآخر ([43]).

واصطلاحاً يريدون به هو خضوع العبد لربه الذي خلقه، كما يريدون به أحكاماً خاصة شرعها الله لعباده ليتعبدهم بها ثم يحاسبهم عليها في الآخرة.([44])

4- الفقه لغة: بكسر الأول وسكون الثاني هو الفهم والفطنة،([45]) المُشارُ إلَيْهِما بقوله تعالى: [فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]([46])، وفي الإسلام فهم الأحكام الشرعية, ويُسْتَعْمَلُ لفظ الفقيه لمن كان شديد الفهم.

واصطلاحاً: هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المستنبطة من أدلتها التفصيلية.

والفقه أخص من الشريعة لأنه قُسِّم إلى عبادات ومعاملات، وينظم علاقة الفرد بربه، والفرد مع الفرد، والفرد مع الجماعة، والدولة مع غيرها في السلم والحرب.

وكان يطلق الفقه الأكبر على علم العقائد والفقه الأصغر على الفقه المصطلح، وقسم الفقهاء الأحكام الفقهية إلى قسمين رئيسين: عبادات، ومعاملات، فما كان الغرض منه التقرب إلى الله وشكره وابتغاء الثواب في الآخرة فهي العبادات كالصلاة والحج والصيام، وما كان المقصود منه تحقيق مصلحة دنيوية أو تنظيم علاقة بين فردين أو جماعتين وما شاكل ذلك فهو من القسم الثاني المعاملات كالبيع والإجارة والشركة والكفالة والمزارعة وغيرها.

والشريعة والدين والملة بمعنى واحد، وهو ما شرّعه الله لعباده من أحكام، ولكن هذه الأحكام تسمى شريعة باعتبار وضعها وبيانها واستقامتها، وتسمى ديناً باعتبار الخضوع لها وعبادة الله بها، وتسمى ملة باعتبار إملائها على الناس.

أما الإسلام فمعناه الانقياد والاستسلام لله تعالى ثم خصه بالدين الذي أرسل الله به نبيه محمداً  صلى الله عليه وآله وسلم .

إن كلمة شرعْ وشريعة ترادف كلمة الفقه وكانت تطلق على الأحكام الإسلامية بما تشمل أحكام العقيدة وأحكام النظام، أي أحكام السلوك النظري الفكري وأحكام السلوك العملي (البدني)، لذا كان يقيد الفقه بينهما بالفقه الأكبر للعقيدة والفقه الأصغر لأحكام النظام.

وفي القرن الثالث الهجري استأثر بأحكام النظام اسم الفقه، وسميت أحكام العقيدة بعلم الكلام والإلهيات أو علم التوحيد.

وبقيت الشريعة تطلق على النوعين: أحكام العقيدة وأحكام النظام. ثم فرق الأصوليون بأن أحكام الشريعة لا تطلق إلاَّ ما كان دليله قطعي من أحكام النظام والعقيدة ولابد أن تكون أحكامها قطعية، أما الأحكام الظنية التي هي موضع الخلاف فيطلق عليها الفقه.

الفرق بيـن التشريع والاجتهاد والتفقه:

إن التشريع: هو سن الأحكام والقوانين وإيجادها.

والاجتهاد: وهو استنباط الأحكام والقوانين من أدلتها ومصادرها.

والتفقّه: هو معرفة القوانين والأحكام والأنظمة من أدلتها. وعليه فليس الفقيه والمجتهد بمشرّع.

المقارنة بيـن الفقه والشريعة:

1- الشريعة هي الأحكام التي تتعلق بالأحكام الاعتقادية والأخلاقية وبقصص الأمم الماضية مع الأحكام الفقهية بينما الفقه هو الأحكام التكليفية فقط فكل فقه شريعة ولا عكس.

2- الشريعة كاملة والتي هي عبارة عن القواعد والأصول العامة تتناول أسس شؤون الحياة كافة. أما الفقه فهو آراء الفقهاء تتطور وتتغير بحسب المكان والزمان وبعبارة أخرى تتجدد آراء الفقهاء حسب الوقائع المستحدثة.

3- الشريعة عامة بخلاف الفقه [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]([47]) وهذا العموم ملموس من واقع الشريعة ومقاصدها ونصوصها التي تخاطب البشرية كافة [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ]([48]).

4- الشريعة الإسلامية ملزمة للبشرية كافة، فكل إنسان إذا توافرت فيه شروط التكليف ملزم بكل ما جاءت به من عقيدة وعبادة وخلق وسلوك، بخلاف الفقه الناتج من آراء المجتهدين فرأي أي مجتهد لا يلزم مجتهداً آخر بل يلزم مقلده.

5- الشريعة شاملة لكل زمان ومكان بينما الرأي الفقهي قد يتغير بحسب المكان والزمان لأنه اجتهاد المجتهد قد يعالج المجتمع في زمن أو مكان بعلاج يمكن أن لا يصلح لمشكلات زمان أو مكان آخر.

الفرق بيـن الشريعة والقانون:

1- الشرع الإسلامي ينظم علاقة الإنسان بخالقه دون القانون.

2- الشرع الإسلامي ينظم علاقة الإنسان بنفسه دون القانون.

3- قواعد الشرع الإسلامي أخلاقية بخلاف القانون فهي تحاسب الإنسان على تخلفه عن معاونة الغير وعن سد حاجة الفقير، فاختلاف القانون الوضعي عن أحكام الشريعة الإسلامية بأن صفة القانون العلمانية بوجه عام وباستقلاله عن الدين والأخلاق، ولكن رجال القانون بحثوا في المبادئ الدينية والأخلاقية، وفي تأثيرها في الأحكام القانونية وذلك عن طريق نظرية القانون الطبيعي، وأما فقهاء الشريعة الإسلامية فقد درسوا أحكام المعاملات مع أحكام العبادات والأخلاق في علم واحد، وبنوا الأحكام الأولى على الثانية، وانطلقوا بهذا النهج منذ البداية, فتوصلوا في بحوثهم إلى نظريات إنسانية واضحة تقارب من حيث النتيجة معظم النظريات العصرية.

ولقد انتبه علماء القانون الحديث في الشرق والغرب إلى مسألة تأثير الأدبيات في الأحكام القانونية. ونوّهوا بوجه خاص بما جاء في الشرع الإسلامي من هذا القبيل.

4- الشرع الإسلامي إيجابي يأمر بالمعروف عن طريق الوعد بالثواب وسلبي ينهى عن المنكر عن طريق الوعيد بالعقاب بينما القانون سلبي فقط.

5- الشريعة كاملة من قواعد وأصول عامة بينما القانون الوضعي لا يتسم بالشمول لأنه مهما قارب من الدقة والشمول والصياغة الفنية درجة الكمال فإن ظاهره القصور فيه أمر حتمي لقصور مدارك المشرّع الوضعي.

6-إن الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي بدأ بالوقائع الجزئية ليتعرف على أحكام كل مسألة من المسائل ثم عالج مجموعة من مجاميع المسائل تحت عقد من العقود أو باب من الأبواب ثم تدرج ووضع نظريات، بينما القانون الوضعي بحث في النظريات العامة وانتهى بالعقود ومسلكه خلاف مسلك الفقه الإسلامي.

7- الشريعة الإسلامية دائرة التخيير الاجتماعي تُقسّم إلى مستحب ومكروه ومباح, وإتيان المستحبات واجتناب المكروهات يؤثر بشكل بارز في بناء شخصية الفرد وكيان المجتمع المادي والمعنوي بما يُسهل عليه تنظيم السلوك الاجتماعي مع أهداف المشرع الإسلامي, بينما في القانون الوضعي منطقة التخيير الاجتماعي منطقة واحدة هي منطقة عدم الاهتمام الاجتماعي من ناحية المشرّع.

8- الشريعة الإسلامية توظف جميع قواعدها بجميع أبعادها الفردية والاجتماعية لبناء المجتمع الإسلامي والعمران المادي والمعنوي فيما لا نجده  في القانون الوضعي. فنظام العبادات ليس منفصلاً عن الحياة وإنه إلى جانب البعد الغيبي يعطي دافعاً روحياً لبناء صرح الحضارة الإسلامية الشامخة, وحيوية منقطعة النظير للإنسان المسلم الملتزم بقواعد الشريعة, فالصلاة مع إنها تنظم علاقة الإنسان بربه إلا إنها فيها منظور اجتماعي أيضاً, لذلك يُستحب إقامتها جماعة وتجب في كل أسبوع مرة جماعة.

9- الشريعة الإسلامية تلحظ الدعائم الخُلقية والتربية في تشريعها لتنظيم السلوك الاجتماعي وإن تطبيقها ينفذ إلى عمق الوجدان البشري وتحول دون وقوع الجرائم والله جلّ وعلا يقول: [إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ]([49]) والصوم كُتِب من أجل التقوى, والقصاص فيه حياة لأولي الألباب, وعندما يتكلم عن الزواج يبين أساس بناء البيت الإسلامي بقوله تعالى: [وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً]([50]), وعند ذكر الطلاق يقول عزّ وجل: [الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ]([51]).

غاية التشريع:

إن التشريع مهما كان نوعه إلهياً أو مدنياً يحتاج إلى الأحكام التي تكفل له القيام بأحكامه وتضمن له الإطاعة لقوانينه أما روادع وزواجر كبطلان العقود والإيقاعات المخالفة للتشريع، وأما عقوبات وتأديبات كالحدود والتعزيرات والسجون والقصاص والغرامات.

ويختص التشريع الإلهي بالعقوبات الأخروية مضافاً للعقوبات الدنيوية فيكون في النفوس أركز وباندفاع نحو العمل أزيد.

المبحث الثاني

تعريف الفقه

أولاً: تعريف الفقه لغة:

1- صيغة لفظ الفقه:

(الفِقْه) بكسر الأول وسكون الثاني مصدر وفعله الماضي (فَقِه) بفتح الأول وكسر الثاني مُتَعَدٍ لمفعول واحد يقال فَقِه زيدُ الشيء بفتح أوله وكسر ثانيه ومضارعهُ (يَفقَه) بفتح القاف فيكون من باب فَعِل يَفعَل مثل عَلِمَ يَعلَم ([52]).

2- الفقيه بحسب الاشتقاق:

إن لفظ (الفقيه) صفة مشبهة أو من أمثلة المبالغة أو اسْمُ فاعِلٍ بمعنى فاعل كجليس ولذا لا يستوي فيه المذكر والمؤنث. وَيُسْتَعْمَلُ لفظ الفقيه لمن كان شديد الفهم، وقد يُسْتَعمل بمعنى اسْمِ الفاعل مُجَرَّداً عن المبالغة ([53]).

3- المعنى اللغوي للفقه:

الفقه في اللغة: الفهم كما في كتب اللغة ([54]), ففي حديث سلمان المحمدي إنه نزل على نبطية بالعراق، فقال هل هنا مكان نظيف أصلي فيه، فقالت له طهّر قلبك وَصَلِّ حيث شئت، فقال سلمان (فقهتُ) أي فهمت ([55]). وروي (لعن الله النائحة والمستفقهة) وهي صاحبة النائحة في نَوْحِها. وأطلق عليها ذلك لأنها تتلقف نوح النائحة وتفهمه فتجيبها عنه. واللغويون متفقون على هذا المعنى([56]).

ثانياً: تعريف علم الفقه اصطلاحاً:

عرّف الفقهاء علم الفقه بأنه: (العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية) ([57]).

شرح التعريف:

المراد بالعلم هو الاطلاع والمعرفة على وجه الجزم الثابت المطابق للواقع، وأما (الأحكام) جمع حكم فهو (خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين).

وأما قيد (الشرعية) فهي نسبة للشرع, والشريعة في اللغة هي الطريقة، والمراد (بالشرعية) في التعريف هو الشرع المحمدي والدين الإسلامي الحنيف.

وأما قيد (الفرعية) نسبة إلى الفرع فهو ما أثنى على غيره في مقابل الأصل، والمراد بالأحكام الفرعية ليست الأصولية الاعتقادية.

وأما (الأدلة) جمع دليل فهو لغة المرشد والهادي, والأدلة المذكورة في تعريف علم الفقه هي الأدلة المستعملة في علم الفقه وهي الكتاب الكريم والسنة الشريفة والإجماع والعقل.

وأما (التفصيلية) فهي منسوبة إلى التفصيل مصدر (فصّل) بمعنى بيّن ضد أجمل, والتاء ألحقت به لكونه وصفاً للجمع وهو (الأدلة) فيكون المراد بها الأدلة المبينة للأحكام والموضحة لها.

ثالثاً: موضوع علم الفقه:

إن موضوع علم الفقه هو فعل المكلف من حيث الاقتضاء والتخيير ([58]). والمراد بالاقتضاء هو الوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة، والمراد بالتخيير هو الإباحة.

رابعاً: الغرض من علم الفقه:

ذكر الفقهاء أن الغرض من علم الفقه وتدوينه وتعليمه وتعلّمه هو تحصيل السعادتين والفوز بالدارين الدنيوية والأخروية وذلك من خلال امتثال أحكامه والعمل بها ([59]).

خامساً: مراتب الفقيه:

للفقيه من حيث نفوذ حكمه ورأيه مراتِبُ أرْبَعٌ, وكل مرتبة لاحقة منها تستلزم السابقة عليها وهي:

المرتبة الأولـى: مرتبة الاجتهاد: وهي ملكة استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية، وبهذه المرتبة يترقى من التقليد إلى درجة الاجتهاد ويسمى بهذه المرتبة مجتهداً ([60]), وهو باعتبار الاجتهاد نافذ الرأي على نفسه مطلقاً وإن لم يكن عدلاً ووجد من هو أعلم منه وأعدل, ويشترط في المجتهد البلوغ, والعقل, والإيمان, والعدالة, والحرية, والرجولة, والحياة, والأعلمية, وطهارة المولد.

المرتبة الثانية: مرتبة الفتيا: وهي إخبار الفقيه عن أحكام الله الشرعية بما يجده في أدلتها التفصيلية, مثل قوله: الصلاة واجبة والغيبة حرام، وكتب الفقه مشحونة بالفتاوى والأحكام, ويسمى من بهذه المرتبة المُفْتِي ([61]), وباعتبار هذه المرتبة فهو نافذ الرأي على نفسه وعلى مقلده ولا ينفذ على المجتهد الآخر.

المرتبة الثالثة: مرتبة القضاء: وهي إنشاء وإلزام بما تقتضيه الأسباب الشرعية, مثل الإلزام بأداء الدين أو ثبوت الملك ونحو ذلك, ويسمى من يقوم بهذه المهام قاضياً ([62]), وباعتبار كونه قاضياً فهو نافذ الرأي على نفسه وعلى مقلده وعلى المجتهد الآخر في المنازعات والخصومات.

المرتبة الرابعة: مرتبة الخلافة أو المرجعية أو الزعامة: وهي مرتبة تدبير شؤون الرعية الدنيوية والأخروية، وتفويض السياسة العامة لمن تبوأها, ورعاية المصالح, ودفع المفاسد, وقمع الجناة, وقتل الطغاة, وحفظ الثغور, ويسمى مَن بهذه المرتبة الحاكم الشرعي أو الخليفة الشرعي أو المرجع الديني, وباعتبار كونه مرجعاً فهو نافذ الرأي في الخصومات والمنازعات والنفوس والأعراض والأموال بما فيه الصالح العام لتدبير شؤون المسلمين, فله الولاية العامة ([63]).

سادساً: الفرق بيـن المجتهد والمفتي والفقيه والقاضي والمرجع الديني:

تُدُوْوُلَ بين الفقهاء استعمال لفظ المجتهد والفقيه والمفتي والمرجع الديني والزعيم الديني والفرق بينها واضح، فإن مَن تعلّم علم الفقه باعتبار أنه يعمل بالأدلة الظنية المعتبرة الدالة على الحكم الواقعي يسمى مجتهداً لأن الاجتهاد استفراغ الوسع لتحصيل الظن بالحكم الشرعي الفرعي.

وباعتبار أنه يعلم بالأحكام الشرعية الفرعية الظاهرية عن أدلتها التفصيلية يطلق عليه الفقيه، لأن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية. فيظهر من هذا عدم صحة إطلاق المجتهد بالقياس إلى الأحكام الظاهرية؛ لأنه عالم بها على سبيل اليقين, ولا يصح إطلاق الفقيه عليه بالنسبة إلى الأحكام الواقعية؛ لأن منسد باب العلم بها.

وباعتبار أنه يفتي ويخبر عن حكم الواقعة يسمى مفتياً.

وباعتبار أنه يرفع الخصومة بحكمه يسمى قاضياً وحاكماً.

وباعتبار أنه يتولى شؤون المسلمين في أمور الدنيا والدين يسمى خليفة ومرجعاً دينياً وزعيماً روحياً.([64])

سابعاً: الفقه المقارن:

(هو العلم بالآراء المختلفة في حكم المسألة الشرعية ودليل كل رأي فيها وبيان ما هو الحق منها بالبرهان). وعند المتقدمين يعبرون عنه بعلم الخلاف أو الخلافيات، وقد يقتصر بيان الآراء المختلفة في الحكم الشرعي للمسألة الفقهية لفقهاء مذهب معين فقط كالمذهب الجعفري, مثل كتاب مختلف الشيعة للعلامة الحلي (ت:726هـ)، وقد يبين آراء الفقهاء المختلفة مع المذاهب الإسلامية, مثل كتاب الخلاف للشيخ الطوسي (ت:460هـ) ([65]).

وقد شاع في وقتنا المعاصر عنوان الفقه المقارن كذلك فيما لو قارنت المسألة الفقهية بالقانون المدني.

ثامناً: وجوب تعلم الفقه كفائياً:

يجب تعلم الفقه لقوله تعالى: [فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ]([66]). وللأخبار الدالة على الوجوب قول النبي  صلى الله عليه وآله وسلم : (إن طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال) ([67]). ولبقاء التكليف في الفروع فلابد من معرفتها للخروج عن عهدة التكليف أما بالتفقه أو التقليد أو الاحتياط فمن لم يكن مقلداً أو محتاطاً وجب عليه التفقه. وإن وجوب التفقه على سبيل التخيير كفائياً؛ وذلك للسيرة المتشرعة ولآية التفقه فإنها تقتضي وجوبه على بعض الأفراد دون بعض لأخذ الطائفة فيها، وللزوم العسر والحرج إن لم يكن وجوبه كفائياً.

تاسعاً: تقسيم الفقه:

قسّم علماء الفقه مسائل الفقه إلى أربعة أقسام:

القسم الأول: العبادات: وهي الصلاة والصوم  والاعتكاف والحج والزكاة والخمس والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وإنما قدّم الفقهاء العبادات لأنها الأهم في نظر الشرع، وحيث كانت الصلاة أفضلها قدم بحثها عن سائر العبادات، وحيث كانت الصلاة مشروطة بالطهارة قدموا الطهارة على الصلاة، وحيث كانت الطهارة المائية مقدمة على الطهارة الترابية قدموا بحث الطهارة المائية، ولما كانت الطهارة المائية تحصل بالماء المطلق قدموا البحث عنه.

القسم الثاني: المعاملات: ويسمى بالعقود وهي البيع والإجارة والنكاح وكل ما يحتاج إلى إيجاب وقبول.

القسم الثالث: الإيقاعات: كالطلاق والعتق وكل ما يحتاج إلى إيجاب فقط.

القسم الرابع: الأحكام: وإنما خص الفقهاء هذا القسم باسم الأحكام مع إن جميع الأقسام هي أحكام شرعية لأنهم لم يجدوا له خصوصية يسمونه بها فسموه فيما بينهم الأحكام مثل أحكام الإرث والديات والقصاص.([68])

عاشراً: غاية علم الفقه:

إن الغاية الأساسية من علم الفقه هو إطاعة الله والفرار من مخالفته في العمل عن اجتهاد لا عن تقليد بمراعاة مسائله، فالمقصود بالذات مِن تعلّم علم الفقه والاطلاع عليه هو نيل السعادة في الدارين والفوز بالنشأتين الدنيوية والأخروية من خلال امتثال الأحكام الشرعية والعمل بها، ويمكن أن يجعل له فوائد أخرى:

أولها: إن العلم المذكور مع الورع والتقوى موجب للتحلي بثوب الزعامة الإلهية والرياسة الدينية التي خصَّ الله بها أولياءه وأصفياءه وهي مما يبذل في تحصيلها النفس والنفيس.

ثانيها: الخروج من حضيض التقليد إلى ذروة الاجتهاد والمعرفة للأحكام عن دليل، قال تعالى: [يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ]([69]) فخص الله العلماء بالذكر مع اندراجهم في المؤمنين رفعاً لمنزلتهم.

ثالثها: تعليم المسترشدين بإيضاح الحجة لهم وإلزام المعاندين بإقامة الدليل عليهم.

رابعها: حفظ الأحكام الشرعية الفرعية عن أن يزيلها مرور الأيام ويسدل عليها ثوب النسيان أو تلوثها شبه الجاهلين وتشكيكات المعاندين.

خامسها: وقوع الأعمال العبادية والمعاملية عن عقيدة لا عن تقليد.

سادسها: الإرشاد للمصالح الدينية والدنيوية بالإطلاع على أسرار الشريعة الإسلامية.

الحادي عشر: الثابت والمتغير في الأحكام:

إن أحكام الإسلام تنقسم إلى ثابتة ومتغيرة:

القسم الأول: الأحكام الثابتة: وهي ما تستند إلى طبيعة الإنسان وخصائصه التي تميزه عن سائر الموجودات وترتبط بالمحافظة على المصالح الحياتية للإنسان ولها صفة ثابتة؛ لأنها تنظم أسس حياة الإنسان في كل زمان ومكان, وهذه الأسس تتمثل بعبودية الإنسان وخضوعه لخالقه, وباحتياج الإنسان دائماً إلى الغذاء والسكن والزواج والدفاع عن النفس والحياة الاجتماعية, وسماها الإسلام الدين والشريعة, وأكد على أن سعادة الإنسان  تتحقق في ظل هذه الأحكام فقال الله تعالى: [فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ]([70]).

القسم الثاني: الأحكام المتغيرة: وهي المتغيرة بتغير مصالح الناس في الأزمنة والأمكنة المختلفة وترتبط بالجانب المؤقت الخاص للإنسان, وتختلف باختلاف طريقة الحياة, وتتغير بتغير المدنية وبتطور المظاهر الاجتماعية. فالإنسان الذي كان ينتقل من مكان لآخر بوسائل بدائية لم يكن ليحتاج إلى الطرق المنظمة المتشعبة في الأرض ولا إلى قوانين وأحكام الملاحة البحرية أو الجوية المنظمة المعقدة التي تحتاجها اليوم. والإنسان الأولي كان يلبي احتياجاته الأساسية عن طريق مجموعة بسيطة من القوانين والأحكام التي تنظم شؤونه, أما اليوم فإن تطور المظاهر الاجتماعية وتوسعها قد تطلب أحكام وقوانين مختلفة معقّدة. والقسم الثاني من الأحكام منوطة برأي الحاكم الشرعي الذي يشخص الاحتياجات في ضِمْنِ إطار المصلحة الزمنية وفي ضوء الأحكام الثابتة للشريعة, قال الله تعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ]([71]).

تقسيم أحكام الشريعة من وجهة القانونييـن:

تحتوي الأحكام الشرعية جميع فروع القوانين الوضعية فتنقسم الأحكام الشرعية إلى الأقسام الثمانية الآتية:

  1. العبادات: وهي أحكام تنظم علاقة الفرد بربه من صوم وصلاة وحج وغيرها مما فيه تهذيب النفوس وصلاح الفرد، [وَلِلهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً]([72])، [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ]([73])، [أَقِمْ الصَّلاَةَ]([74]). والأحكام العبادية بطبيعة موضوعها ومضمونها ثابتة خالدة لا تتغير ولا تتبدل فهي باقية كما قال الفقهاء: (ما دامت الأرض أرضاً والسماء سماء)([75])، كما تعتبر مبادئ الأخلاق الأساسية مبادئ ثابتة عامة.
  2.  أحكام الأسرة: وهي أحكام تنظم الحقوق والواجبات الشخصية للإنسان من ولادته إلى وفاته من رضاع وحضانة وحجر وولاية وزواج وطلاق ونفقة ووقف ووصية وكل ما يتعلق بشؤون التركة إلى غير ذلك.

[وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا]([76])، [يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثَيَيْنِ]([77])، [وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ]([78]) وأطلق الحقوقيون على هذه الأحكام بقانون الأحوال الشخصية.([79])

3- أحكام المعاملات المالية: وهي أحكام تنظم علاقات الأفراد الناشئة
 من المعاملات فيما بينهم من التصرفات كالبيع والإجارة والرهن والوفاء
 بالعقود [أَوْفُوا بِالْعُقُودِ]([80]) وأداء الأمانات والقرض [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُمْ  بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ  بِالْعَدْلِ]([81])، ويطلق عليه القانونيون بالقانون المدني. وهي تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أحكام خاضعة لمبدأ التغير وتابعة لاجتهاد الفقيه وهي أحكام المعاملات الفرعية التي تختلف بحسب الأمصار والأعصار والأحوال.

القسم الثاني: أحكام المعاملات الكلية الثابتة الأبدية التي ارتكزت على العدل والخير ومن أمثلتها حرمة أكل المال بالباطل والغش والربا والتي تؤدي إلى فوات مقاصد الشريعة الضرورية.

4- أحكام مالية الدولة: وهي أحكام تنظم موارد الدولة ومصارفها كما تنظم العلاقات المالية بين الأغنياء والفقراء وبين الدولة والأفراد فتبين مصارف وموارد خزينة الدولة من الخراج والزكاة [إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ]([82])، والمعادن والخمس [وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ]([83]).

5- الأحكام الدستورية: وهي أحكام تنظم العلاقات بين السلطة والفرد وتحدد حقوق وواجبات كل منهما، كمبدأ الشورى كقوله تعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ]([84])، وطاعة أولي الأمر [أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ منْكُمْ]([85])، والتضامن والمسؤولية [وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى]([86])، والحكم بالعدل [وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ]([87]).

6- الأحكام الدولية: وهي أحكام تنظم العلاقات الدولية بين الدولة الإسلامية والدول الأُخر في حالتي السلم والحرب كالدعوة إلى اعتناق الدين الإسلامي، ومعاملة الأسرى، وعقد المعاهدات، والصلح والهدنة، وإقرار حقوق وواجبات أهل الذمة. قال تعالى: [وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ]([88])، [فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ]([89]).

7- أحكام المرافعات: وهي أحكام تنظم الإجراءات القضائية من رفع الدعوى إلى صدور الحكم بشكل يحقق العدالة التامة، ويأخذ كل ذي حق حقه كالدعوى والشهادة واليمين والقضاء ووجوب القيام بالقسط والعدل. وقد تناولها القرآن الكريم ببيان إجمالي [وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ]([90])، [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ]([91]).

وقد حرصت الشريعة الإسلامية على مبدأ استقلال القضاء عن سائر سلطات الدولة وذلك من أجل تأمين ما يلزم لإحقاق الحق من نزاهة وتجرّد وجرأة.

8- الجنايات والعقوبات: وهي أحكام تحدد الجرائم والعقوبات وتروم حفظ العقيدة والنفوس والأموال والعقول والأعراض.

وتعني الجنايات الأفعال التي تصدر من الإنسان فتلحق الأذى مادياً أو أدبياً بغيره أو بنفسه كالقتل والقذف والسرقة والزنا وشرب الخمر وقطع الطريق.

وتعني العقوبات: القصاص والحدود والتعزيرات.

وقد تناول القرآن الكريم هذه الأحكام ببيان إجمالي منها [كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى]([92])، وقوله تعالى: [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا]([93]).

الفرق بيـن الفتوى والحكم والاجتهاد:

الفتوى: هي الكلام الذي يبين حكم الله تعالى في الواقعة من دون إلزام به.

والحكم: هو الكلام الذي يبين حكم الله تعالى في الواقعة مع إلزام بالعمل به ممن له أهلية الإلزام، كما في القضاء بين الناس بالنسبة للقاضي.

والاجتهاد: هو الطريقة لتحصيل الفتوى، ولا تصح الفتوى إلاَّ من المجتهد الجامع لشروط الاجتهاد، فيحرم الإفتاء بغير علم لقوله تعالى: [وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]([94]) ولإجماع المسلمين والضرورة في الدين.

عدم إطلاق لفظ الفقيه على النبي  صلى الله عليه وآله وسلم :

لا يصح إطلاق لفظ الفقيه بالمعنى الاصطلاحي على النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  ؛ لأن علمه بالأحكام الشرعية الفرعية لم يستند إلى النظر والاستدلال بل هو بالوحي المبين.

وأما الأئمة  عليهم السلام  فقد يطلق عليهم الفقهاء أو يسمى أحدهم بالفقيه بمعناه العرفي العام وهو مطلق معرفة الأحكام الشرعية سواء أكانت عن دليل تفصيلي أم عن غيره. وتسمية الإمام موسى بن جعفر  عليه السلام  بالفقيه بهذا المعنى عند الشيعة.

وأما أهل السنة فإِطلاقهم الفقهاء على الأئمة  عليهم السلام  بالمعنى الاصطلاحي.

 

 

المبحث الثالث

الدراسة في الحوزة العلمية

منهج الدراسة في النجف الأشرف:

للتدريس في النجف الأشرف نمط منفرد وطراز لا يشبهه نظام فيما وقفت عليه من مناهج التدريس وأنظمته في سائر أقطار العالم, وهو الذي أسميه (بالتدريس الفردي), فإن التلميذ الذي يتخصص لطلب العلوم الدينية يتدرج وحده في مراتبه العلمية وفي دروسه وأساتذته من دون أن يندمج في صفوف أو يتحكم في إِرادته نظام.

نعم، جميع هؤلاء المشتغلين بتلك العلوم يتفقون على وضعية واحدة تركها لهم سلفهم هي قراءة كتب معينة مرتبة، وقد يظهر مؤلف لأحد علمائهم الذين نبغوا وبرعوا فيتخذ له قرار أو درجة في سلسلة كتب التدريس كما حدث في بعض المؤلفات الأصولية والفقهية, وليس عندهم امتحان ولا شهادة ولا درجة مقرّرة.

والطالب النابغ فيهم هو ذلك الذي يعترف له ذوو الفضل بالفضيلة بعد الاختبار بالمذاكرة والتدريس والتأليف, وإن لهذه الطريقة ميزة حسنة أن لا يجوز عليها التدليس، فلا يمكن أن تنال الدرجة الأخيرة فيها أعني الاجتهاد بغير الكفاءة الحقيقية, والكفء الحقيقي هو المجتهد وغيره متشبّه.

والطالب المنخرط في الحوزة العلمية ينبغي له أن يتجلبب بجلباب الصبر والورع ويتحمّل مشقة الفقر ([95]).

والنجف الأشرف من جملة العواصم العلمية التي لها مرتبة عظيمة من الاشتهار في سائر الأقطار، ولكن هذه العاصمة الكبرى الدينية إذا دخلها المتجوّل الغريب لا يرى نصف العشر مما يسمع، والمدارس التي فيها مساكن للطلبة قد تنعقد بها بعض حلقات الدرس، وأغلبية حلقات الدروس الحوزوية تعقد في الجوامع والمساجد، وقد تمر على هذا المتجوّل الأيام والأسابيع والأشهر ولا يرى أحداً من هؤلاء المنكمشين في كسر بيوتهم البارعين المتفننين الجهابذة القديرين في جملة المعارف والعلوم الإنسانية والدينية؛ وذلك لمنهج التدريس عندهم, فلا صفوف ولا مناهج ولا شيء مما تجري عليه المدارس في جملة بلاد العالم, فيخرج وقد حسب أن الأمر بعضه أو كله مبالغة وخداع.

أما المجتهد فيها فبالإضافة إلى خصال الطالب يُشْتَرَطُ فيه أن يجمع خصال النيابة العامة والخلافة الدينية ويشتري أخراه بدنياه وآجله بعاجله, ولا ينال ذلك إلاَّ ذو حظ عظيم، وفقنا الله وإخواننا لما فيه رضاه ([96]).

منهج التعليم في النجف الأشرف:

إن أبرز مظاهر منهج التعليم في النجف الأشرف بناء شخصية الطالب وتقوية قواه الفكرية والسماح له بالمناقشة في كل ما يدرسه, وله حرية الكلام والرأي مع مراعاة تربيته وتهذيبه بالمثل العليا والأخلاق الإسلامية، وذلك من خلال مروره بالمراحل الثَّلاث وَهِيَ:

المرحلة الأولـى: مرحلة المقدمات:

ويدرس الطالب فيها كُتُباً معينة مقدمة إلى العلوم الشرعية وتسمى هذه العلوم بالعلوم الآلية أي مقدمات وهي:

1- علم النحو: كتاب الآجْرومية لابن آجروم وقطر الندى والمغني لابن هشام وشَرْحُ الألفية لابن الناظم.

2- علم الصرف: كتاب شذا العَرْف في فن الصرف للحملاوي.

  1. علم المنطق: كتاب المنطق للشيخ محمد رضا المظفر وحاشية الملا عبد الله والشمسية لعلي الكاتبي.
  2. علم المعاني والبيان: كتاب مختصر المعاني والبيان والمطول للتفتازاني([97]).

المرحلة الثانية: مرحلة السطوح:

يتقيد الطالب والأستاذ في هذه المرحلة بدراسة متون كتب معينة في الفقه وأصول الفقه تؤهله إلى الانخراط للمرحلة الثالثة وهي مرحلة البحث الخارج.

1- علم الفقه: كتاب التبصرة للعلامة الحلي والشرائع للمحقق الحلي واللمعة الدمشقية للشهيد الأول والمكاسب للشيخ الأنصاري.

2- علم أصول الفقه: كتاب أصول الفقه للشيخ المظفر ثم الرسائل للشيخ الأنصاري والكفاية للشيخ الآخوند الخراساني.

المرحلة الثالثة: مرحلة البحث الخارج:

يحضر الطالب في هذه المرحلة مشتركاً مع غيره محاضرات أعاظم الفقهاء والمجتهدين لبحثي علم الفقه وعلم أصول الفقه من دون التقييد بكتاب معين، وإنما المجتهد يلقي الدرس بنحو المحاضرة ويشرح المسألة ويعرض لأقوال العلماء السابقين والمعاصرين مع عرض أدلتهم ومناقشتها ثم يبين رأيه ودليله، وبعدما يحس الطالب ويَأْنَسُ في نفسه بأنّه قد حصل على ملكة الاجتهاد والاستنباط يخرج من مرحلة التقليد إلى مرحلة الاجتهاد، ويشهد أساتذته المجتهدون لَهُ بالاجتهاد ويمنحونه إجازة الاجتهاد.([98])  

أنواع المصنفات الفقهية:

1- ما جمعت فيه نصوص بألفاظها بحذف أسانيدها مرتبة على أبواب الفقه مثل كتاب المقنع والهداية للشيخ الصدوق، والمقنعة للشيخ المفيد والنهاية للشيخ الطوسي، وكان بعض الفقهاء إذا أعوزتهم النصوص رجعوا إليها.

2- ما جمعت فيه نصوص من غير التزام بألفاظها مع إسقاط أسانيدها مرتبة على أبواب الفقه مثل المراسم لأبي يعلى والوسيلة للشيخ الطوسي والكافي لأبي الصَّلاحِ.

3- ما جمعت فيه القواعد الشرعية كالقواعد والفوائد للشهيد الأول والقواعد الستة عشرة لجدنا الشيخ جعفر كاشف الغطاء، والقواعد الفقهية عبارة عن الحكم الكلي الفقهي المندرجة تحته فروع مختلفة مثل (كل شيء لك طاهر حتى تعلم أنه قذر)([99]) في باب الطهارة، وقاعدة (لا ضرر ولا ضرار)([100]) و(اليقين لا يزول بالشك)([101]).

4- ما اشتملت على مسائل الخلاف بين الإمامية وأهل السنة وإقامة الحجة على المختار من الأقوال ككتاب الخلاف للشيخ الطوسي، وتذكرة الفقهاء للعلامة الحلي. وقد شاع في زماننا هذا بالتعبير بعلم الفقه المقارن ويراد به هو العلم بالآراء المختلفة في حكم المسألة الشرعية ودليل كل رأي فيه وبيان الحق منها بالبرهان، وعند المتقدمين يعبرون عنه بعلم الخلاف أو الخلافيات.([102])

5- ما اشتملت على مسائل الخلاف بين علماء الإمامية ككتاب مختلف الشيعة للعلامة الحلي ومفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة للسيد محمد جواد العاملي.

6- ما يشرح فيه المسائل الفقهية ويذكر آراء الفقهاء مع أدلتهم ثم يبين ما يختاره ويذكر رأيه مع الدليل ككتاب المستند للنراقي.

7- ما ألف في المسائل الفقهية التي انفردت الإمامية في حكمها عمّن غيرهم وتسمى بالانفرادات ككتاب الانتصار للسيد المرتضى وكتاب الأعلام للمفيد فإنه ذكر فيه ما اتفقت علماء الإمامية عليه من الأحكام وخالفتهم فيه علماء أهل السنة.

8- ما اشتملت على الشروح لِمُتُوْنِ كتب فقهية معينة أو التعليق عليها كشروح شرائع الإسلام للمحقق الحلي مثل جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام للشيخ محمد حسن النجفي. والتعاليق الكثيرة على العروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي أو شروح المكاسب والتعاليق عليها. وهذا النوع قد كثر في الأزمنة المتأخرة.

9- الرسائل العملية التي تجمع فتاوي المجتهد حسب أبواب الفقه لعمل المقلدين

له كالعروة الوثقى للسيد كاظم اليزدي، وسفينة النجاة للشيخ أحمد كاشف الغطاء، ومنهاج الصالحين للسيد محسن الحكيم.

10- ما يبحث فيه عن المسائل الفقهية ومقارنته بالقانون المدني فيها ومقدار مخالفته وموافقته لها، ومن نافلة القول أنْ نَذْكُرَ أن المرجعية العليا في درس بحثها الخارج تعرض رأي القانون الوضعي في أغلب المسائل الفقهية, وأصبح ديدناً في درسها الفقهي.

11- ما جمعت فيه الآيات القرآنية الدالة على الأحكام الشرعية الفرعية والاستدلال بها ويسمى هذا القسم من الكتب بآيات الأحكام ككتاب قلائد الدرر لأحمد بن اسماعيل النجفي.

12- دوائر المعارف الفقهية: وهي كتابة المسائل الفقهية على جميع المذاهب الإسلامية مرتبة على الحروف الهجائية على غرار مُعْجَماتِ اللغة العربية ليسهل الظفر بحكم المسألة الفقهية كموسوعة جمال عبد الناصر والموسوعة الفقهية لوزارة الأوقاف الكويتية.

أصناف الفقهاء:

الأول: الفقهاء الصحابيون: وهم من لقي رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  وآمنوا به ولازموه حتى عرفوا بالفقهاء، وأما من عاصر رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  ولم يلقه فلا يسمى صحابياً حتى لو كان فقيهاً وإنما يعتبر من التابعين.

الثاني: من يُسَمَّونَ بالفقهاء التابعيـن: وهم من لقى الصحابة وأخذ منهم وعصرهم متداخل في عصر الصحابة.

الثالث: من يُسَمَّونَ بالفقهاء الأرأيتييـن: مفردة أرأيتي نسبة إلى أرأيت, وهم الفقهاء الذين يبحثون في مسائل فرضية يستبعد حدوثها ويحكمون فيها بحسب رأيهم فيقولون (أرأيت لو كان الأمر كذا فما كان الحكم)، وقد كثر إطلاق هذا اللفظ على فقهاء العراق من أهل الرأي.

الرابع: من يُسَمَّونَ بالفقهاء الواقعييـن: وهم الذين يقصرون الفتوى على المسائل الواقعية، وهي التي اشتملت على ذكرها الآيات القرآنية أو السنة الشريفة.

الخامس: من يُسَمَّونَ بالفقهاء المتقدميـن: وهم الفقهاء الذين كانوا قبل سقوط بغداد بيد المغول سنة (656هـ) أعني ما كانوا قبل منتصف القرن السابع.

السادس: من يُسَمَّونَ بالفقهاء المتأخرين: وهم الذين كانوا بعد سقوط بغداد سنة (656هـ) حتى اليوم.

السابع: من يُسَمَّونَ بالفقهاء المعاصرين: وهم من أدرك المتكلم أو المؤلف زمانه فإنَّ ذلك المتكلم أو المؤلف يحق له أن يعبّر عن الفقيه الذي في زمانه بالمعاصر.

الثامن: من يُسَمَّونَ بالفقهاء المطلقيـن: والفقيه المطلق هو الذي له ملكة الاجتهاد في جميع مسائل الفقه.

التاسع: من يُسَمَّونَ بالفقهاء المتجزئيـن: والفقيه المتجزئ هو الذي له ملكة الاجتهاد في بعض مسائل الفقه دون بعض ويقابله الفقيه غير المتجزئ وقد يعبر عنه بالمطلق.

العاشر: من يُسَمَّونَ بالفقهاء المُحَدِّثيـن والأخبارييـن: وهم الذين يعتمدون على الأدلة النقلية دون الأدلة العقلية ولا يعتبرون علم الأصول ويقابلهم الفقهاء الأُصُوْلِيّوْنَ الذي يأخذون بعلم أصول الفقه.

الحادي عشر: من يُسَمَّونَ بالفقهاء السلفييـن: وهم الفقهاء الذي دعوا إلى المذهب السلفي والرجوع في معرفة الأحكام الشرعية إلى مصادرها الأصلية من الكتاب العزيز والسنة الشريفة ونحوها وحاربوا التقليد.

الثاني عشر: من يُسَمَّونَ بأصحاب الرأي: وهم أصحاب الرأي والاستحسان وهم الذين يبحثون عن علل الأحكام الشرعية ومناطاتها ويحكمون على طبقها ولم يحجموا عن الفتوى برأيهم عند فقد النص الواضح، وكان أكثر فقهاء العراق منهم ويسمون بأهل مدرسة الرأي ويقابلهم أهل الظاهر وهم الفقهاء الذين لا يفتون بالرأي وكان أكثر أهل الحجاز منهم ويسمون بأهل مدرسة الحديث.([103])

المتون الفقهية:

بدأتْ تأليف المتون الفقهية في عهد غيبة الإمام عجل الله تعالى فرجه لعدم القدرة على الوصول إليه بغية تكوين وضع ديني عام للشيعة وذلك لتحقق أمرين هما:

أولاً: تدوين أقوال الفقهاء: وهي تفصح عن اجتهاد الفقيه وعملية الاستنباط، وقد تكشف عن إجماع في المسألة.

ثانياً: عمل المقلدين وفق ما فيها من فتاوى.

ثم بدأت مرحلة أخرى من الكتابة بعد كتابة مسائل الاجتهاد الأساسية من كتب الحديث وعلم الرجال وكتابة كتب الفتاوى بكتابة الفقه الاستدلالي وتقوم هذه الطريقة في الاستدلال على أساس من التوسل بالقواعد, لغوية وأصولية وفقهية وما إليها في التوصل إلى النتائج الفقهية.

كما دونت كتب الفقه الإسلامي المقارن وهو عرض آراء فُقَهاءِ المذاهب الأُخر وكتب أصول الفقه لبيان القواعد العامة ليستعين بها الفقيه في عملية الاستنباط، ليستكمل بها كل الوسائل العملية المطلوبة في مجال الاجتهاد.

وجه ترتيب أبواب الفقه:

بدأ الفقهاء أولاً بتدوين العبادات في مصنفاتهم الفقهية لأنها من الأحكام الآخروية وهي أهم من الأحكام الدنيوية بدليل إن المقصود لله عزَّ وجل من الجن والإنس العبادة له. ثم في العبادات قدموا الصلاة لأنها أفضلها وأكثر تكراراً من غيرها من العبادات، وقدموا الطهارة لكونها شرطاً فيها والشرط مقدم على المشروط ولما كانت الطهارة المائية مقدمة على الطهارة الترابية قدموا البحث عن الطهارة المائية، ولما كانت الطهارة المائية تحصل بالماء المطلق قدموا البحث عنه، وقدم الفقهاء مبحث الوضوء في الطهارة لعموم البلوى به وتكرره في كل يوم بخلاف الغسل والتيمم وقدموا الغسل على التيمم لأن التيمم واقع ثانوي له فهو لا يكون إلاَّ بعد تعذّره أو تعذّر الوضوء، وقدموا ذلك كله على إزالة النجاسات لأنها تابعة للطهارة في الحكم الشرعي إذ إزالة النجاسة لا تجب إلاَّ إذا وجبت الطهارة عن الحدث، ثم أتوا بالزكاة بعد الصلاة لاقترانها بها في الكتاب الكريم في عدة مواطن وذكروا الخمس بعد الزكاة لأنه حق مالي قد جعل في مقابلها لفقراء السادات والإمام  عليه السلام ، ثم ذكروا الصوم بعد ذلك لأنه يتكرر كل سنة كالزكاة ثم الحج لأنه لا يتكرر وجوبه وإنما يجب في العمر مرة واحدة وأخّروا الجهاد لأن وجوبه غير منوط بالفرد بل هو مرتبط بالجماعة وولي المسلمين، وعلى هذا فقس ما سواها.

ثم ثنوا بالمعاملات والعقود لتوقف نظام النوع الإنساني عليها وتدبير شؤونه بها ثم ثلثوا بالإيقاعات لأنها بالنسبة للمعاملات كالفروع بالنسبة للأصول فإن الطلاق فرع النكاح والعتق فرع الملك الذي يرجع للابتياع وإذا حازت هذه الأقسام الثلاثة بالسبق بالوضع فلابد من أن يؤخر القسم الرابع وهو الأحكام، لأنها أما مرتبطة بالأموات كالفرائض والموت مرتبة متأخرة عن الحياة طبعاً أو أحكام للجناة كالديات والقصاص والحدود، والجناية توجب تأخر المجني ضِعَة ومنزلة أو إنها لازمة للعقود والإيقاعات معاً كالقضاء والشهادات واللازم متأخر عن الملزوم طبعاً فأخروا ذلك وضعاً ليطابق الوضع الطبع.

وهناك سبب آخر في وجه ترتيب أبواب الفقه إلى أربعة أقسام أيضاً (العبادات, العقود, الإيقاعات, الأحكام) وذكروا إن وجه الحصر في ذلك هو: أنَّ المبحوث عنه في الفقه إما أن يتعلق بالأمور الأخروية أي علاقة العبد بربه أو بالأمور الدنيوية, فإن كان الأول فهو عبادات, وأما الثاني فإما أن يحتاج إلى صيغة عقد أو لا يحتاج إلى صيغة عقد, فغير المحتاج إلى صيغة هو الأحكام كالقصاص والديات وباقي العقوبات والميراث والأطعمة والأشربة, وما يحتاج إلى صيغة عقد فقد تكون هذه الصيغة من الطرفين أو من طرف واحد, فإن كانت من الطرفين تسمى العقود ويدخل فيها المعاملات كالبيع والإجارة وعقد الزواج وإن كانت من طرف واحد سُميت الإيقاعات كالطلاق.([104])

المسانيد والسنن والمصنفات:

المسانيد: وهي كتب فقهية تشتمل على قسم من أدلة الفقه وهي الأخبار من غير نظر إلى الأبواب كمسند أحمد بن حنبل.

السنن والمصنفات: وهي ما كانت مرتبة على أبواب الفقه ويلحق ببعض الأبواب منها باب يسمى النوادر وهو الحديث النادر أي ليس له أخ ومعارض وهو صحيح كسنن النسائي.

 

 

الفصل الثاني

المذاهب الإسلامية

قدمتُ بعض المذاهب الإسلامية على بعض في الترتيب من حيث الكتابة بسبب كثرة أتباعه وسعة دائرته وشهرته في العراق, وعليه فيكون أول المذاهب هو مذهب الإمامية؛ لأنه الأكثر انتشاراً مقارنة مع المذاهب الإسلامية الأخر في العراق.

أولاً: مذهب الإمامية

سمي بهذا الاسم نسبة للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  عليه السلام  باعتبار أنَّ هذا المذهب يتركز على القَوْلِ بإمامَتِهِ  عليه السلام  بعد رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  بلا فصل.

ويسمى أيضاً بمذهب أهل البيت؛ لأن أهل البيت المقصودِين في آية التطهير [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا]([105]) عند علماء التفسير هم النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  وعلي وفاطمة والحسن والحسين  عليهم السلام .([106])

وأتباع مذهب أهل البيت  عليهم السلام  يتمسكون بهؤلاء الخمسة حيث يتبعون أقوالهم وأفعالهم وتقاريرهم.

ويسمى هذا المذهب أيضاً بمذهب التشيع لأن معتنقيه قد شايعوا علي وذريته وتابعوهم ويسمون بالشيعة لأن الشيعة هم الفرقة الموالية لعلي  عليه السلام  وذريته ومفردها شيعي.

ويسمى بمذهب الجعفرية نسبة إلى الإمام جعفر بن محمد المعروف بالصادق  عليه السلام  بسبب انتشار المذهب في عصره وازدهاره وكثرة أتباعه ولأن الإمام الصادق  عليه السلام  كان في أواخر الدولة الأموية وأوائل الدولة العباسية الزمن الذي انتقلت به الخلافة من الأمويين إلى العباسيين مما أتاح للإمام الصادق  عليه السلام  بسط الأحكام الشرعية ونشر المعارف الإلهية والأخلاق الإسلامية.

ويسمى بالمذهب الاثني عشري وذلك لذهاب أتباعه إلى أن الأئمة أثني عشر من قريش واحداً بعد واحد بعد رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  ([107]).

الكتب المعتمدة عند الإمامية:

إن كتب أصول المذهب المعتبرة هي أربعمائة كتاب سميت في ألسنة الفقهاء بالأصول الأربعمائة إذ إن أصحاب هذه الأصول كانوا يكتبون كلما يسمعون من أئمة أهل البيت  عليهم السلام  بحسب الزمان لا بحسب أبواب الفقه. وقد كانت هي الأساس والمرجع لتدوين الكتب الأربعة المعتمدة عند الإمامية والتي كان تدوينها حسب أبواب الفقه ([108]).

أولاً: كتاب الكافي: وهو للشيخ أبي جعفر محمد الكليني (ت:329هـ) وهو يحتوي على أحاديث الأصول والفروع.

ثانياً: كتاب من لا يحضره الفقيه: وهو للفقيه الشيخ أبي جعفر محمد بن علي القمي المعروف بالصدوق (ت:381هـ).

ثالثاً ورابعاً: كتاب التهذيب وكتاب الاستبصار: وهما للشيخ أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت:460هـ).

وجميع هذه الكتب مطبوعة بطبعات متعددة ولها شروح مطبوعة.

وسائل الشيعة: ثم جاء محمد بن الحسَن الحر العاملي (ت:1104هـ) فجمع روايات هذه الكتب الأربعة مع زيادة من كتب أُخر كانت موضع اعتماده ورتبها حسب أبواب الفقه وسماه (وسائل الشيعة لتحصيل مسائل الشريعة). ثم جاء الشيخ محمد حسين النوري (ت:1320هـ) فاستدرك على كتاب الوسائل المذكور ما فات صاحبه وسماه (مستدرك وسائل الشيعة).

الفتوى عند الإمامية:

إن الفتوى بالحكم الشرعي قد تطور بيانها عند الشيعة الإمامية الاثني عشرية, فقد كان أصحاب أئمة أهل البيت  عليهم السلام  يفتون الناس بنقل نفس الحديث للمستفتي مثل زرارة بن أعين ويونس بن عبد الرحمن ومحمد بن مسلم وأبي بصير, ثم تطورت الفتوى عندهم فأخذوا يفتون بنص الرواية من دون ذكر السند، وكان الاجتهاد ممنوعاً في زمن أئمة أهل البيت  عليهم السلام  فلا اجتهاد في مَعْرِض النّص.

ولما وقعت الغيبة الكبرى للإمام المهدي الحجة بن الحسن العسكري  عليه السلام  سنة (329هـ) بوفاة السفير الرابع للإمام الحجة وهو علي بن محمد السمري, انحصرت معرفة الشيعة للحكم الشرعي في الحوادث والوقائع بفتوى فقهائهم بأمر الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه لهم بذلك على يد السفير الرابع: (وأما الحوادث الواقعة فارجِعُوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليكم)([109]). فاحتاج الفقهاء إلى إعمال اجتهادهم في معرفة أحكام المسائل التي تعرض بردها لأصولها الموجودة في الكتاب العزيز والسنة الشريفة وما تقتضيه القواعد الشرعية والموازين العقلية وتشخيص ما قام إجماع الشيعة عليه إلى غير ذلك مما يقتضيه الاجتهاد ويتطلبه الاستنباط.

عقيدة الإمامية في علم أئمة أهل البيت  عليهم السلام :

إن علم أئمة أهل البيت  عليهم السلام  بالأحكام الشرعية ليس من طريق الاجتهاد كسائر المجتهدين وإنما هو من طريق إيداع النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  للأحكام عندهم وهم معصومون من الخطأ في بيان الأحكام.

والدليل على ذلك انهم مع غزارة علمهم وكثرة بيانهم للعلوم وضخامة ما
 أورثوه من الأحاديث والأخبار لم تجد في كتب التراجم والتاريخ المعتبرة عند شرح وترجمة حال أحدهم أن يذكر أنه تتلمذ على أحد من الفقهاء أو روى عن أحد من الرواة، وهو أدل دليل على أن علمهم قد حصل لهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

الزعامة الدينية عند الإمامية:

إن الزعامة الدينية -المرجعية- عند الإمامية كانت لهم بعد الغيبة الصغرى، فإنها قبل ذلك لم تكن إلاَّ لإمام العصر أو السفراء بين الإمام وبين الخلق، وأول من تصدى للزعامة الدينية في عصر الغيبة الكبرى هو محمد بن احمد المعروف ابن جنيد الاسكافي (ت:381هـ) صاحب كتاب تهذيب الشيعة, ثم من بعده الشيخ محمد المفيد (ت:413هـ) وكتابه المقنعة، وكان مداراً للدراسة بين الفقهاء وهو الذي علق عليه الشيخ الطوسي وسمى تعليقه عليه بالتهذيب, ثم من بعده علم الهدى المرتضى (ت:436هـ), ثم من بعده الشيخ الطوسي (ت:460هـ), وهكذا مرجع بعد مرجع وزعيم بعد زعيم.

طريقة الإمامية في معرفة أحكام الشريعة في عصر الغيبة الكبرى:

إن الإمامية الاثني عشرية عند عدم التمكن من الرجوع إلى أئمة أهل البيت  عليهم السلام  يرجعون في معرفة الحكم الشرعي للأدلة الأربعة وهي الكتاب العزيز والسنة الشريفة والإجماع والعقل, وتسمى بالأصول؛ لأن الأصل ما ابتنى عليه غيره، وهذه الأربعة يبتني عليها معرفة الحكم الشرعي.

والرجوع إلى هذه الأصول بالترتيب, فأولاً يرجعون إلى القرآن الكريم, وعند عدم معرفة الحكم الشرعي منه يرجعون إلى السنة المروية عن الرسول الأعظم  صلى الله عليه وآله وسلم  أو عن أئمة أهل البيت  عليهم السلام  بسند معتبر عندهم, ورجوعهم إلى الكتاب المجيد أو السنة الشريفة إنما هو بالعمل بنصوصها أو ظواهرها، ولا يأخذون بالروايات والأحاديث لو خالفت الكتاب المجيد كما لا يأخذون بروايات أئمة أهل البيت  عليهم السلام  لو خالفت سنة الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم  الثابتة عندهم, وعند فقد ذلك كله يرجعون للعقل الحاكم بالبراءة أو الاحتياط أو التخيير أو الاستصحاب عند من اعتبرها من باب العقل, وإلاَّ فمن اعتبرها من باب قيام الكتاب المجيد والسنة الشريفة عليها يكون رجوعه إليها من باب الرجوع للكتاب والسنة. وأما رجوعهم للإجماع فإن كان من باب الحدس لرأي المعصوم من الاتفاق فهو من باب الرجوع للعقل، وإن كان من باب إحراز دخول المعصوم في جملة المجمعين فهو من باب الرجوع للكتاب والسنة.

عدم عمل الإمامية بالقياس:

لا تعمل الإمامية الشيعة بالقياس، وَلا تعتبره من الأدلة؛ لأنهم يعتقدون أن الدين قد كمل أيام الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم  إلاَّ إن قسم من أحكامه قد أودعه الرسول عند أئمة أهل البيت  عليهم السلام  ، إما لعدم الابتلاء بالوقائع المحكومة به في ذلك العصر أو لعدم المصلحة في إظهارها في ذلك الوقت.

وبلغ إنكار أئمة أهل البيت  عليهم السلام  العمل بالقياس وعدم الأخذ بالرأي أن يقول الإمام الصادق  عليه السلام  لأبان بن تغلب (ت:141هـ): (السنّة إذا قيست محق الدين) ([110]).

ثانياً: مذهب الحنفية

وهم الذين يعملون بمذهب الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطي بن ماه المتوفى سنة (150هـ)، وقد روى عنه تلاميذه مسانيد عديدة، ولأبي حنيفة كتابٌ أسماه بالفقه الأكبر وهو رسالة صغيرة في العقائد.

وكان أكثر تلقيه لعلم الفقه من شيخه حماد بن سليمان (ت:120هـ) وقد قضى اثنتين وخمسين سنة من عمره في العصر الأموي والباقي في العصر العباسي، ولما أسس المنصور بغداد كان أبو حنيفة من العلماء الذين استقدمهم إليها.([111])

وقد تتلمذ على الإمام جعفر الصادق  عليه السلام  وعلى أبيه الإمام محمد الباقر  عليه السلام  وعلى زيد بن علي أخي الباقر، وقد أكثر تلميذاهُ أبو يوسف ومحمد بن الحسن الشيباني من الرواية عن الإمام الصادق  عليه السلام  في مسنديهما لأبي حنيفة.([112])

استنباط الأحكام عند أبي حنيفة:

أخذ أبو حنيفة بالكتاب المجيد عند استنباط الأحكام الشرعية فان لم يجد فيه أخذ بسنة الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم  المتواترة أو ما اتفق علماء الأمصار على العمل بها أو ما رواها صحابي أمام جمع منهم ولم يخالف فيها أحد، فإذا لم يجد ذلك أخذ بإجماع الصحابة، فإذا لم يجد ذلك اجتهد وعمل بالقياس فإذا قبح القياس عمل بالاستحسان، وكان تشدده في عدم العمل بالسنة سبباً في كثرة أخذه بالقياس والاستحسان والاجتهاد والرأي.([113])

تلامذة أبي حنيفة الأربعة:

انتشر مذهب أبي حنيفة بواسطة تلاميذه الأربعة:

1- الإمام أبو يوسف (ت:182هـ) وقد قلده هارون الرشيد القضاء وله رسالة في الخراج كتبها للرشيد.

2- الإمام زفر بن الهذيل الكوفي.

3- الإمام محمد بن الحسن الشيباني ويرجع إليه الفضل في تدوين المذهب الحنفي.

4- الحسن بن زياد اللؤلؤي الكوفي.

وكان هؤلاء الأربعة نسبتهم لأبي حنيفة نسبة التلاميذ لأستاذهم لا نسبة المقلدين إلى مرجعهم لاستقلالهم بما به يفتون وقد يخالفونه في الفتوى.([114])

ثالثاً: مذهب الشافعية

وهم أتباع أبي عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع وقد أنهى بعضهم نسبه للمُطَّلِب بن عبد مناف أخي هاشم جد النبي، وقيل أن جده شافِعاً كان مولى لأبي لهب بن عبد المطلب، ولد بغزة سنة (150هـ) وتوفي في مصر سنة (204هـ).

بعد سنتين من ميلاده حملته أمه إلى موطن آبائه بمكة وتتلمذ هنالك ثم رحل إلى المدينة المنورة وتتلمذ على مالك صاحب الموطأ وعلى ابراهيم بن محمد بن يحيى المدني تلميذ الإمام الصادق  عليه السلام  وأكثر الشافعي من الرواية عنه. ثم ذهب إلى اليمن وقد بلغ سن الثلاثين للعمل، واتهم هنالك بالتشيع فأمر هارون الرشيد بحمله إليه سنة 184هـ وجيء به للرشيد وهو بمدينة الرقة وبعد ذا أمر بإطلاق سراحه واتصل بمحمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة ثم رجع إلى مكة المكرمة ثم عاد للعراق مرة ثانية زمن خلافة الأمين ثم عاد للحجاز ثم قدم العراق مرة ثالثة ومنه سار إلى مصر ونزل الفسطاط ولم يزل بها حتى مات.([115])

وفي مقدمة طبقات الشافعية أنه لما استشهد الإمام موسى بن جعفر الكاظم في بغداد خرج الشافعي من العراق إلى مصر.

طريقة الشافعي في استنباط الحكم الشرعي:

وطريقة الشافعي في الاستنباط أن يأخذ بظواهر القرآن إلاَّ إذا قام الدليل على عدم إرادة ظاهرها وبعده السنة الشريفة، وكان يعمل بخبر الواحد الثقة الضابط ولو لم يكن مشهوراً خلافاً لأبي حنيفة ولا موافقاً لعمل أهل المدينة خلافاً لمالك ثم بعد ذلك يعمل بالإجماع وعدم الخلاف ثم بعد ذلك يعمل بالقياس إذا كانت علته منضبطة.

ورد أشد الرد على عمل الحنفية بالاستحسان وألف فيه كتاباً سمّاه إبطال الاستحسان، ورد عمل المالكية بعمل أهل المدينة وأبطل العمل بالمصالح المرسلة، وأنكر الأخذ بقول الصحابي لأنه يحتمل أن يكون عن اجتهاد أخطأ فيه، ورفض الحديث المرسل إلاَّ مراسيل ابن المسيب لأنه يرى أن القوم متفقون على صحتها.([116])

ومن أهم كتبه التي وصلت إلينا هو كتاب الأم في الفقه الذي أملاه على الربيع المرادي وطريقته فيه أن يذكر المسألة ودليلها ويرد على خصمه فيها والجزء السابع منه اشتمل على مواضيع مختلفة ورسائل متعددة.([117])

أشهر تلاميذ الشافعي:

1- أبو ثور إبراهيم وصار له مذهب يعرف مذهب الثوري ولم يقدر له البقاء.

2- أحمد بن حنبل إمام الحنابلة.

3- الحسن الزعفراني الذي يروي عنه البخاري.

4- يوسف بن يحيى المصري مات مسجوناً ببغداد في فتنة خلق القرآن سنة (231هـ).([118])

رابعاً: مذهب الحنابلة

وهم أتباع أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي ولد ببغداد سنة (164هـ) وتوفي ببغداد سنة (241هـ).([119])

وأحمد بن حنبل هو الذي امتنع من القول بخلق القرآن على الرغم من إصرار المأمون على القولِ بخلقه وإجابة العلماء له وبقي مُصراً.([120])

طريقة أحمد بن حنبل في استنباط الأحكام الشرعية:

وطريقة أحمد بن حنبل في الاستنباط أن يأخذ بالنص كتاباً أو سنة حتى المرسل والضعيف منها، ويقدم الكتاب العزيز على السنة الشريفة عند التعارض في الظاهر، ثم إن لم يجد النص أخذ بما يفتي به الصحابة ولم يختلفوا فيه. وعند اختلاف بين الصحابة في المسألة رجح قول من كان أقرب للكتاب أو السنة فإن لم يظهر له ما هو الأقرب حكى الخلاف. وينقل عنه أنه يأخذ بالحديث المرسل ويقدمه على القياس والرأي إذا لم يكن ما يعارضه شيء من الكتاب أو السنة أو قول صحابي أو الاتفاق على خلافه وإلاَّ استعمل القياس والاستصحاب وسد الذرائع والمصالح المرسلة.

وكانت القاعدة عنده في العقود والشرائط هي قاعدة الإباحة إلاَّ إذا قام الدليل على المنع.([121])

مؤلفاته:

صنف أحمد بن حنبل المسند الذي يحتوي على نيف وأربعين ألف حديث ورتبه بحسب السند لا بحسب أبواب الفقه فجمع لكل راوي أحاديثه، وقد توفى قبل أن ينقحه ويهذبه، وقد رواه عنه ابنه عبد الله بعد أن نقحه وهذبه.

وله في الأصول كتاب طاعة الرسول وكتاب الناسخ والمنسوخ وكتاب العلل. ولم يكتب في الفقه إلاَّ ما أجاب به عن بعض المسائل والمنقول عنه أنه حرم على تلاميذه كتابة الفقه إلاَّ أنهم لم يستجيبوا له فقد كتب تلميذه عبد الملك بن مهران وغيره الفقه عنه وجمعوا فتاويه وأقواله الفقهية وجعلوها أساساً لمذهبه الذي نسبوه إليه.([122])

وقد قام ابن تيمية وابن القيم بنشر هذا المذهب وحرضا الناس على تعليمه، وقد أخذت به الوهابية لكونها عدت ابن تيمية أساس مذهبها بدعوة محمد بن عبد الوهاب في بلاد نجد والحجاز.

أشهر أصحاب أحمد:

ومن أشهر أصحابه أحمد بن هاني الأثرم الذي روى عنه الفقه والحديث وعبد الملك الذي كتب الفقه عنه وولداه صالح الذي ورث الفقه عن أبيه وولى القضاء على خلاف سنة أبيه. وعبد الله الذي ورث الحديث عن أبيه وروى مسند أبيه واتهمه بعضهم بأنه قد أضاف لمسند أبيه بعض الأخبار الموضوعة.([123])

خامساً: مذهب المالكية

وهم أتباع مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي ولد بالمدينة سنة (93هـ) وأقام بها ولم يرحل عنها ومات بها سنة (179هـ). وشيخه في الفقه الإمام جعفر الصادق  عليه السلام  وربيعة الرأي التابعي، وسمع الحديث من نافع مولى ابن عُمَر والزُهري. وكان يجلس في مسجد رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  لتدريس الفقه، ومن تلاميذه الشافعي وعبد الله بن وهب ومحمد بن حسن الشيباني وأسد بن الفرات وكان لتلاميذه اجتهادات تخالف فتاويه إلاَّ انها لا تخرج عن دائرة قواعده.([124])

طريقة استنباطه للأحكام الشرعية:

كان مالك يعتمد في فتاويه على الكتاب ثم السنة الشريفة ثم عمل أهل المدينة. وقد يرد الحديث إذا لم يعمل به أهل المدينة، ثم بقول الصحابي إذا لم يستند للرأي ثم القياس. ونسب إليه العمل بالمصالح المرسلة والاستحسان والاستصحاب وسد الذرائع والعرف والعادة.

مصنفاته:

صنف الإمام مالك كتاب سماه المُوَطّأ ومعناه الممهد، ويحكى عن ابن فهر أنه لم يسبق أحد مالكاً بهذا الاسم، وكان من ألف في زمانه يسمي كتابه بالجامع أو المصنف أو بالمؤلف. ورواه عنه الكثيرون ممن أخذوه عنه وكان في رواياتهم اختلاف من حيث الزيادة والنقصان إلاَّ إنه لم يصل إلينا إلاَّ اثنان، رواية يحيى الليثي التي شرحها الزرقاني والسيوطي ورواية محمد بن الحسن الشيباني تلميذ أبي حنيفة.

وحكي إن ما في الموطأ من الأحاديث سبعمائة حديث ويقال أن التي صحّت عند مالك منها نحو خمسمائة حديث وعادته في هذا الكتاب أن يذكر الأحاديث ويضم إليها جملة من فتاوي بعض الصحابة والتابعين ويضيف إليها أحيانا ما يؤدي إليه اجتهاده، وينقل عن مالك أنه قال: (إنما أنا بشر أخطئ وأصيب فانظروا في رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوا به وما لم يوافقهما فاتركوه)([125]).

وأشهر الكتب في المذهب المالكي هو المدونة لتلميذه أسد بن فرات التي أخذها سحنون ورتبها ونشرها باسم المدونة الكبرى. والمعروف ان المالكية يتبعون مذهب الأشعري في عقائدهم كما إنهم يسمون بأصحاب الحديث.([126])

 

 

 

الفصل الثالث

تاريخ التشريع الإسلامي

المبحث الأول

 أدوار التشريع الإسلامي

الدور الأول: عهد النبي محمد  صلى الله عليه وآله وسلم

تمتد هذه المرحلة من بعثة النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  حيث نزول أول آيات القرآن الكريم بمكة المكرمة حتى وفاته في المدينة المنورة، وأن هذه المرحلة استغرقت مدة ثلاث وعشرين عاماً.

وفي هذه المرحلة قام النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  بوظيفته تجاه التشريع الإسلامي خير قيام وأتمه، فلم يرحل عن هذه الدنيا إلاَّ بعد أن قام بدور وضع الأساس للتشريع الإسلامي، وذلك من خلال:

1. تبليغه القرآن للناس تبليغاً كاملاً.

2. تدوين القرآن لئلا يُنسى، فالثابت أن القرآن دوّن وجمع في عهد النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  وبأمره وتحت إشرافه ووفق تعاليمه.

وفي رواية معتبرة عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  عليه السلام  من حديث طويل له قال: (فما نزلت على رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطي وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصها وعامها ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت من كتاب الله ولا علماً أملاه عليَّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا)([127]).

وإن أول من تصدى لجمع القرآن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  عليه السلام  فقد روي عنه  عليه السلام  أنه قال: (لما قبض رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أقسمت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتى أجمع ما بين اللوحين فما وضعت ردائي عن ظهري حتى جمعت القرآن)([128]).

على أن القرآن الكريم نفسه يشير إلى أنه مكتوباً على عهد رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  كما في الآية التالية: [كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ  كِرَامٍ بَرَرَةٍ]([129])، ويبلغ عدد الآيات القرآنية الكريمة المتعلقة بأحكام الفقه على ما هو المشهور خمسمائة آية ([130]).

ومن الكتب التي ألفت في آيات الأحكام منها كنز العرفان في فقه القرآن للمقداد السيوري (ت:826هـ)، وكتاب (زبدة البيان في تفسير أحكام القرآن) للمولى الأردبيلي (ت:993هـ)، وكتاب (قلائد الدرر في بيان آيات الأحكام بالأثر) للشيخ الجزائري (ت:1151هـ) وكتب آيات الأحكام تغطي جميع أو جُلَّ أبواب الفقه من الطهارة، الصلاة، الصوم، الزكاة، الخمس، الحج، الجهاد، المكاسب، البيع، الدين، الرهن، الضمان، الصلح، الوكالة، الوفاء بالعقد، الإجارة، الشركة، الإيداع، العارية، السبق والرماية، الشفعة، اللقطة، الغصب، الإقرار، الوصية، الحجر، الوقف، السكنى، الصدقة، الهبة، النذر، العهد، اليمين، العتق، النكاح، الطلاق، الظهار، الإيلاء، اللعان، الارتداد، المطاعم والمشارب، المواريث، الحدود، الجنايات، القضاء، الشهادات.

فإن النصوص الشرعية من آيات وروايات جاءت في مدرسة أهل البيت  عليهم السلام  وافية بتزويد الفقه الإسلامي بجميع ما يحتاج إليه الفقه في مجال استنباط الأحكام الشرعية الفرعية، فقد ورد عن الإمام موسى الكاظم  عليه السلام : (كل شيء في كتاب الله وسنة نبيه)([131]).

3. تبليغه السنة الشريفة: وهي المكملة للقرآن الكريم بما يحتاجه التشريع من قواعد الأحكام وموادها.

4. كتاب علي وهو مما أملاه رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  على الإمام علي  عليه السلام  وكتبه الإمام بخطه الشريف. وقد ذكر رجوع الأئمة  عليه السلام  من أبناء علي  عليه السلام  إليه والنقل عنه، وقال الإمام الصادق  عليه السلام : (أنه جمعه من الكتاب الذي هو إملاء رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  وخطّ علي بن أبي طالب  عليه السلام )([132]).

5. صحيفة علي أو الجامعة: وهي مدونة على جلد طوله سبعون ذراع، وحجمه ملفوفاً حجم فخذ الجمل العظيم، والظاهر أن كتاب علي وصحيفة علي أو الجامعة مسميات أو عناوين لمعنون واحد. وهي أول كتاب جمع فيه العلم على عهد رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت عند الإمام أبي جعفر محمد الباقر وابنه الإمام جعفر الصادق  عليه السلام  رآها عندهما ثقاة أصحابهما، وتوارثهما الأئمة من بعدهما.([133])

6. منع أبو بكر وعمر بن الخطاب كتابة الحديث الشريف وإحراق ما كُتب وشياع الأخبار الناهية عن كتابة الحديث وما كتب فيجب محوه فقد ورد في الصحاح: (لا تكتبوا عني, ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)([134]) هو بمثابة ترجمة ما في التلمود والكتاب اليهودي وموافق لما كتبه عمر بن الخطاب إلى الأمصار: (من كان عنده شيء من ذلك  -أي من أحاديث رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم - فليمحه)([135]).

ولا يبعد أن يكون هذا من إيحاءات كعب الأحبار، وإن جُعل بعد ذلك بصورة حديث، إذ بعد إحراق عمر بن الخطاب للأحاديث التي جمعها من أيدي الصحابة على مدى شهر قال: (مشناة كمشناة أهل الكتاب)([136]) وهذا يدل على اطلاع كامل منه على مصطلح أهل الكتاب واليهود.

7. اجتهاد النبي  صلى الله عليه وآله وسلم : وقع الخلاف في اجتهاد النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  فيما لا نص فيه على قولين:

الأول: عدم وقوع الاجتهاد منه، هذا ما ذهب إليه أئمة أهل البيت  عليهم السلام  وفقهاء الفقه الإمامي، لقوله تعالى: [فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ]([137])، [وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى]([138])، فمصدر التشريع عند النبي هو الوحي المنزّل عليه من قبل ربِّ العالمين سواء أكان التشريع بآية قرآنية أم السنة النبوية.([139])

الثاني: جواز وقوع الاجتهاد منه عقلاً واختلفوا على أقوال([140]):

أ- التوقف في المسألة بمعنى عدم إعطاء رأي فيها.

ب- وقوعه منه  صلى الله عليه وآله وسلم  بعد انتظاره الوحي.

جـ- وقوعه منه مطلقاً.

8. اجتهاد الصحابة: الصحابي من لقي النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  مسلماً ومات على ذلك، والتابعي من لقي الصحابي مسلماً ومات على ذلك. وأما من أسلم في زمن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  ولم يلقه ولكنه لقي صحابياً فهو معدود من التابعين ([141]).

و إن اجتهاد الصحابة في عهد رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  على نوعين([142]):

أ- اجتهاد الرأي: هو أن يتعرف الصحابي المصلحة في الفعل أو المفسدة فيفتي وفق ما يرى، ومثاله حديث الرزية، وتجهيز جيش أُسامة وعدم اللحوق به، وهو اجتهاد بالرأي مقابل النص.

ب- اجتهاد النص: وهو أن يرجع الصحابي إلى النص الشرعي ويتفهم معناه ويفتي وفق ما يفهم، ومثاله صلاة العصر في بني قريظة، وما روي من أن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  قد أذن لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن أن يجتهد فيما إذا لم يجد نصاً من الكتاب أو السنة في الواقعة التي هي محل ابتلائه.

الخلاصة:

ونخلص من كل ما تقدم إلى النتائج التالية:

1. عهد النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  كان مرحلة التأسيس للتشريع الإسلامي، ففيه تم تبليغ القرآن الكريم وهو المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي كما تمَّ فيه إعطاء السنة النبوية الشريفة وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي.

2. أن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  لم يكن قد اجتهد في رأيه، وإنما كان يعتمد في إعطائه الحكم الشرعي على ما يوحى إليه من الله تعالى.

3. في هذه المرحلة كان بدء نشأة الاجتهاد عند المسلمين، وكان على نوعين:

أولاً: اجتهاد النص، وقد اتفقت كلمة المسلمين على مشروعيته وشرعيته.

ثانياً: اجتهاد الرأي، ولم يتفق على مشروعيته بين المسلمين حيث نفاه أئمة أهل البيت وشيعتهم.

4. في هذا العهد الشريف كان بدء التأليف في مجال التشريع، وتمثل هذا في كتاب علي  عليه السلام .

5. كان التشريع في مكة المكرمة متجهاً نحو تركيز العقيدة وإصلاح الفاسد منها ومكافحة الإلحاد والشرك وإثبات الرسالة المحمدية.

6. وكان التشريع في المدينة المنورة متجهاً إلى سن الأحكام الشرعية والقواعد الفقهية حتى كمل الدين وتمت رسالة سيد المرسلين ولم يترك حادثة صغيرة أو كبيرة إلاَّ ونجد حكمها بنصوصه أو آثاره أو في كلياته وأصوله، وترك معرفة الوقائع المتجددة لفهم المتفقهين في قوانينه وهذا ما صير الدين الإسلامي يتماشى مع سائر العصور وصالحاً للبقاء في كل حال.

7. كان تسمية القراء بالفقهاء في هذا الدور، أي الذين يقرؤون القرآن الكريم باعتبار أن هذا يميزهم عن عامة الناس لأن الأمية كانت منتشرة.

8. ومما يمتاز به هذا الدور أنه لم يكن فيه مجال للخلاف في الأحكام الشرعية لوجود الرسول  فيما بينهم وقوله  فصل الخطاب.

الدور الثاني: عهد الإمام علي  عليه السلام

وهي المرحلة الثانية من المراحل التاريخية للتشريع الإسلامي، وتمتد هذه المرحلة من وفاة النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  إلى وفاة الإمام علي  عليه السلام  أي من سنة (11هـ) حتى سنة (40هـ).

وفي هذا الدور ترسخ مفهوم اجتهاد النص واجتهاد الرأي واتضحت معالمهما أكثر، مما جعلهما يأخذان شكل المنهج العلمي في مجال التشريع الإسلامي.

منهج النص:

 وهو يمثل مدرسة أهل البيت  عليه السلام  ، وكان مقيداً بقيود الشريعة، مدفوعاً إلى اتباعها، ورفض ما يصلح اعتماده من آراء الحرب والكيد والتدبير إذا لم يكن للشرع موافقاً. وكان يقف مع النصوص ولا يتعداها إلى الأقيسة، وكان الإمام علي  عليه السلام  يؤكد على منهج النص ويشجب منهج الرأي.

إن رجوع الشيعة للأئمة هو رجوع للسنة النبوية لقول الإمام الصادق  عليه السلام : (إن حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله، وحديث رسول الله قول الله عز وجل)([143]) والمعروف بحديث سلسلة الذهب.

وإن فقهاء الشيعة عندما تجيء الرواية عن الأئمة  عليهم السلام  إذا قال فيها الإمام  عليه السلام : (وأنا أصنع كذا) إنما يحملون ذلك على الاستحباب والأولوية.([144])

كما أن فقهاء الشيعة يعملون بالأخبار النبوية وإن كانت مروية من غير طرق أصحابهم إذا كان رواتها موثوقين أو حصل لهم الثقة بصدورها من النبي  وكتب الشيعة مشحونة بذلك.

إن تأكيد الإمام علي  عليه السلام  على منهج النص أدى إلى اتهامه من قبل أعدائه بأنه لا رأي له وكان متقيداً بالشريعة لا يرى خلافها، وغيره من الأمراء والخلفاء كان يعمل بمقتضى ما يستصلحه ويستوقفه سواء أكان مطابقاً للشرع أم لم يكن, وهو القائل  عليه السلام : (لولا الدين والتقى لكنت أدهى العرب)([145]).

وقال أبو عثمان الجاحظ: (رأيت بعض من يظن بنفسه العقل والتحصيل والفهم والتمييز، وهو من العامة ويظن أنه من الخاصة، يزعم أن معاوية كان أبعد غوراً وأصح فكراً وأجود روية وأبعد غاية وأدق مسلكاً وليس الأمر كذلك، وكان علي  عليه السلام  لا يستعمل في حربه إلاَّ ما وافق الكتاب والسنة وكان معاوية يستعمل خلاف الكتاب والسنة)([146]).

فالإمام علي  عليه السلام  كان يؤكد على منهج النص ويشجب منهج الرأي، وعمر كان يؤيد منهج الرأي ويكتب لقضاته وولاته العمل به.

فكتاب عمر إلى أبي موسى الأشعري: (الفهم، الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة، أعرِف الأشباه والأمثال، وقس الأمور عند ذلك)([147]).

ومن الوثائق التي تشير إلى تأكيد علي بن أبي طالب  عليه السلام  على منهج النص: قوله  عليه السلام : (وأنزل عليكم الكتاب تبياناً لكل شيء وعمّرَ فيكم نبيه أزماناً، حتى أكمل له ولكم فيما أنزل من كتابه دينه الذي رضي لنفسه، وأنهى إليكم على لسانه محابّه من الأعمال ومكارهه، ونواهيه وأوامره، وألقى إليكم المعذرة، وأتخذ عليكم الحجة، وقدم إليكم بالوعيد، وأنذركم بين يدي عذاب شديد)([148]).

ومما يستوقف الفكر ويؤسفنا جداً أن يكون مثل الإمام علي  عليه السلام  الذي تربى في حجر النبوة وهو أكثر الصحابة مصاحبة للنبي  صلى الله عليه وآله وسلم  وباب مدينة علمه وفقهه أن تكون رواياته وفقهه قليلة في كتب الروايات كالبخاري ومسلم بحيث لا تتناسب مع المدة التي قضاها مع الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم  وبعده.

أولاً: منهج النص:

1- مصادره: الكتاب والسنة الشريفة فقط.

2- طريقته: إلى معرفة الحكم: الاجتهاد في فهم النص وداخل إطاره.

ثانياً: منهج الرأي:

1- مصادره الكتاب والسنة الشريفة والرأي.

2- طريقته إلى معرفة الحكم الاجتهاد في فهم النص، الاجتهاد بالرأي خارج إطار النص فيما لا نص فيه، وكذلك فيما يوجد فيه نص إذا تطلبت المصلحة ذلك، ومن أمثلة ذلك:

1- زواج المتعة.

2- النداء للصلاة (الصلاة خير من النوم).

3- طلاق الثلاث.

4- سهم المؤلفة قلوبهم.

5- قسمة الفيء.

مميزات هذا الدور

 ونلخصه بما يلي:

1- في هذا العهد ترسخ مفهوم اجتهاد النص واجتهاد الرأي.

2- بدء تكوّن مدرستي أهل البيت والصحابة.

3- التأكيد على الاستدلال بالنص من قبل مدرسة أهل البيت.

4- التأكيد على استعمال المصطلحات الشرعية الواردة في القرآن الكريم.

5- وضع مصطلحات شرعية مأخوذة من واقع النصوص الشرعية.

6- التركيز من قبل مدرسة أهل البيت على بيان حكم التشريع.

7- تصنيف رواة الحديث من الصحابة.

8- نشاط حركة التأليف الإسلامي في الحديث والفقه.

9- وضع الخطوط العامة لمنهج البحث الروائي.

الدور الثالث: عهد الأئمة الثلاثة  عليهم السلام
(الإمام الحسن والإمام الحسيـن والإمام زين العابدين)

يمتد هذا العهد من استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب  عليه السلام  سنة (40هـ) حتى استشهاد الإمام زين العابدين سنة (95هـ).

ضعف في هذا الدور منهج النص نتيجة التضييق على أهل البيت  عليهم السلام  والضغط على شيعتهم بالقتل والسجن والتعذيب، بينما تبنى الحكم الأموي منهج الرأي، والذي أفادوا منه كثيراً في تبرير تصرفاتهم المخالفة للشرع من قبل فقهاء السلاطين بوضع الآراء الشخصية في ضوء اجتهاد الرأي لتصبغ تلكم التصرفات بالصبغة الشرعية، ومن هذا كشاهد: إعلان معاوية وجوب سب الإمام علي  عليه السلام  رسمياً.

في هذا العهد أو الدور بلغ الصراع بين المدرستين مدرسة أهل البيت  عليهم السلام  مدرسة النص ومدرسة الرأي (مدرسة الصحابة) قمة العنف وذلك في أيام الإمام الحسين  عليه السلام ، وكان هذا حول شرعية خلافة يزيد بن معاوية حيث صارت من أهم المسائل التي دار حولها النقاش في المدينة المنورة فمدرسة النص مدرسة أهل البيت  عليهم السلام  ترى أن شروط الإمامة لم تتوافر في يزيد ومن أهم وأجلى هذه الشروط شرط العدالة الذي اشترط توافره فيمن يتولى إمرة المؤمنين بنص القرآن الكريم وهو قوله تعالى في قصة إمامة النبي إبراهيم  عليه السلام : [إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ]([149]).

ولم يكن للإمام الحسن  عليه السلام  والإمام الحسين  عليه السلام  حرية القول في ملك بني أمية العضوض([150]) فلذلك قلَّ ما روي عنهما في الفقه وأمور الدين.

وقد كان للإمام زين العابدين بعض السعة لنشر علومه من خلال شراء العبيد وتعليمهم ثم عتقهم ونشرهم في أمصار البلاد الإسلامية، وإن كان في دولة الملك العضوض ملك بني أمية ألد الأعداء لبني هاشم عامة ولآل علي  عليه السلام  خاصة.

آثاره العلمية:

1- الصحيفة السجادية: وهي زبور أهْلِ البيت  عليهم السلام ، وهي مجموع أدعية كانت رد فعل مضاد للاتجاه المادي الأموي.

2- رسالة الحقوق: وتشتمل على خمسين حقاً، أولها حق الله وآخرها حق أهل الذمة لإثبات الحقوق التي ضَيَّعَها بنُو أمية ([151]).

مميزات هذا الدور:

1- تشديد الخناق على مدرسة أهل البيت من قبل معاوية ويزيد وبني أمية لئلا تنشر شيئاً من فكرها.

2- سلوك الإمام الحسين  عليه السلام  وسيلة التضحية لإيقاف الانحراف الواسع عن منهج النص، وللوقوف أمام الانحدار في تطبيق معطيات منهج الرأي على واقع المسلمين.

3- توالي الثورات بعد ثورة الإمام الحسين  عليه السلام  حتى الإطاحة بعرش بني أمية.

4- الانفراج القليل أمام مدرسة أهل البيت في أيام الإمام زين العابدين مما ساعده على العطاء على تمهيد الطريق للانفتاح في عطاء الإمام الباقر من بعده.

5- فصل الدولة عن الدين، وأصبحت الخلافة أموية دنيوية ارثية لا إسلامية ولا شورية مما أدى إلى انفصال الفقهاء عن السلطة.

6- إغراء بعض رواة الحديث بالكذب على الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم  لتأييد مقامهم وتبرير أفعالهم وإضعاف مخالفيهم، وتفسير الآيات القرآنية بما تهوى الأنفس لدى فقهاء السلاطين.

7- ظهور عدد كبير من الاتباع وتشخيصهم في الخارج مثل اتباع الإمام علي  عليه السلام  وأصحاب الجمل والمرجئة، وأهل النهروان والخوارج والكيسانية.

الدور الرابع: عهد الصادقيـن ®
(الإمام الباقر والإمام الصادق)

يمتد هذا العهد من استشهاد الإمام زين العابدين سنة (95هـ) حتى استشهاد الإمام الصادق سنة (148هـ).

ويعتبر هذا الدور عهد الانفراج للنشاط الفكري لمدرسة أهل البيت “ بسبب ضعف الدولتين الأموية والعباسية, فضعف الأولى لأنها في هوة انحدارها وضعف الدولة العباسية لأنها بعد لم تهدأ ثورتها وتستقر دولتها بسبب ما تعانيه من مطاردة ذيول الدولة المبادة.

فكان فضلاء الشيعة ورواتهم في تلك السنين متجاهرين بولاء أهل البيت “ معروفين بذلك بين الناس، ولم يكن للأئمة المعصومين “ مزاحم لنشر الأحكام، فيحضر شيعتهم مجالسهم العامة، كما ساعد على انتشار علوم أهل البيت “ هو ابتعادهم عن الطموح إلى تولي السلطة لعلمهم بأنها لا تصل إليهم.

وتمثل عطاء الإماميـن الصادقيـن في المجالات الآتية:

1- التعليم: فالإمامان قاما بدور التعليم في المسجد النبوي وبخاصة في أيام الحج، إذ كان الشيعة يدونون كل ما لديهم من أسئلة ويتقدمون بها إلى مقام الإمام ‚ عند تشرفهم بلقياه، وقد ساعد عاملان مساعدة فاعلة في تفرغ الإمامين إلى التعليم:

العامل الأول: غزو الحضارات الوافدة كاليونانية والهندية والفارسية والعبرية والسريانية بما تحمل من نظريات وفلسفات حول الكون والحياة والإنسان بما لا يلتقي مع وجهة النظر الإسلامية ولم يكن مؤهل لمهمة فلسفة إسلامية تستخلص من واقع النظرة الإسلامية سوى الإمام الصادق ‚ بما يمتلك من شخصية علمية بمستوى هذه المسؤولية فيعتبر الإمام أول من أسس المدارس الفلسفية المشهورة في الإسلام.

ولم يقتصر عطاء الإمام الصادق ‚ على تأسيس مدرسة الفلسفة الإسلامية وبناء مدرسة الفقه الإسلامي، وإنما كان إلى جانب هذا أن أدخل العلوم الأخرى التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي كالطب والكيمياء والفيزياء والفلك.

وقد كثر تلامذة الإمامين الصادقين الذين تخرجوا في مدرستهما سواء أكان من مركزها الأصل (المدينة المنورة) أم من (الكوفة) عندما كان الإمام الصادق ‚ يستدعى من قبل الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور.

وإذا رجعنا إلى تاريخ الكوفة منذ عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‚ حتى عصر الغيبة تعتبر الكوفة موطن الشيعة الرئيسي والمركز العلمي لهم، والأسر الكوفية العربية هي البيوتات الشيعية العلمية.

2- التربية: عهد الإمامان إلى التركيز المكثف إلى تكوين شخصية الشيعي المثقف التي تتمتع ذهنيته العلمية بمجال التفكير, والنظرة العلمية في مجال التحليل فتخرج الفقهاء والقراء والحكماء والعلماء.

وطرق الإماميـن الصادقيـن ® تتلخص بالتالي:

1- التمرين وهو التدريب على خلق القدرة العلمية على الاستقراء والاستنتاج:

أ- الفقه: التزويد بالقواعد العامة قوله ‚: (نلقي إليكم الأصول، وعليكم التفريع)([152]).

ب- الرواية: مثل (خذ بأشهرهما وأوثقهما)([153]) وغيرها من المرجحات في تعارض الأخبار.

جـ- في أصول الفقه: مثل (فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبدا)([154])، إفادة قاعدة الاستصحاب.

2- التأليف: في هذا الدور نشطت حركة التأليف لتشجيع الإمامين تلامذتهم على التأليف، قال الصادق: (اكتبوا فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا)([155]).

3- التوثيق: وهو توثيق الراوي وتوثيق الفقيه بالشهادة له بجواز الإفتاء، قول الإمام الباقر ‚ مثلاً لأبان بن تغلب: (اجلس في مسجد الكوفة وافتِ الناس، فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك)([156]).

وفي هذا الدور تشعبت مدرسة الصحابة -مدرسة الرأي- إلى مدرستين:

1- مدرسة المدينة: لأن مركزها المدينة المنورة وهي مدرسة الحديث.

2- مدرسة الكوفة: لأن مركزها الكوفة وهي تسمى بمدرسة الرأي، يمثلها أبو حنيفة، فلا تعتمد على الحديث في الفتوى ما لم يكن مروياً عن جماعة فضيقت العمل بالحديث، وتوسع العمل بالقياس.

3- أما مدرسة الحديث: فقللت من القياس وبالغت أخرى حتى حرمته، نتيجة لتوسع مدرسة الرأي.

وأخذ الفقهاء يتفرقون في المدن فكان في مكة سفيان بن عُيَينة وفي المدينة المنورة مالك وربيعة الرأي وفي الكوفة سفيان الثوري وأبو محمد البجلي وأبو حنيفة، وفي البصرة الحسن البصري، وفي بغداد أحمد بن حنبل وداود الظاهري والطبري وأبو ثور وابن أبي عمير وهشام بن الحكم، وفي دمشق الأوزاعي وفي مصر الشافعي والليث بن سعد ([157]).

وفي هذا الدور شرع الفقهاء بتدوين السنة، وقد روى الرواة أن أول من دون العلم هو محمد بن مسلم الزهري (ت:124هـ)، ولكن أقدم كتاب ألف في الأحاديث الفقهية رواه إبراهيم بن الزبرقان ونصر بن مزاحم عن الإمام زيد بن علي المستشهد سنة (121هـ)([158]).

أسباب اختلاف الفقهاء:

في هذا الدور كثرت المذاهب الإسلامية وتعددت الآراء في المسائل الشرعية، وذلك للأسباب التالية:

1- عدم الاهتمام بادئ ذي بدءٍ بتدوين السنة بل مَنْعهم من كتابتها قد أدى إلى الدس والتحريف مما أوجب اختلاف الفقهاء في الاعتماد عليها.

2- التفاوت في سعة الاطلاع.

3- اختلاف الفهم لمعاني الآيات القرآنية وأحاديث الأحكام.

4- اختلاف الفقهاء في حجية أدلة الأحكام كاختلافهم في حجية القياس ودليله.

5- اختلاف مدارك الفقهاء لعلل الأحكام الموجبة لسريان الحكم.

6- السياسة لها الأثر العظيم في اختلاف الفقهاء لأن بعض الفتاوى لا توافق أذواق بعض السلاطين.

7- التعارض بين الأدلة الشرعية.

وقد قاومت مدرسة أهل البيت e مدرسة النص مدرسة الرأي والاجتهاد بالرأي.

مميزات هذا الدور ما يلي:

1- اعتبار هذا الدور دور الانفراج إلى مدرسة أهل البيت ‚ وانتشار علومهم وآثارهم.

2- ارتفاع وزيادة نسبة الرواة والرواية ارتفاعاً ملحوظاً لم تشهده مدرسة أهل البيت في عهودها الثلاثة.

3- توسع مدرسة أهل البيت في مواد التعليم حيث أضافت إلى العلوم الشرعية المعارف العقلية والعلوم الطبيعية والعلوم الإنسانية.

4- ارتفاع وازدياد نسبة التأليف ونسبة التوسع في نوعية محتويات المؤلفات.

5- كثرة التلامذة والوافدين من العلماء على الإمامين الصادقين ® بما لم يتهيأ مثله للأئمة من آبائهما وأبنائهما.

6- بروز حرية الرأي في الحوار والمناقشة والنقد وطرح الآراء حول وفيما كان يدور من قضايا ومسائل علمية في حلقات ولقاءات الدرس.

7- تغيير أسلوب التعليم من الحفظ والاستظهار إلى البحث والاستقراء، وبان هذا بشكل واضح في حلقات التعليم.

8- التأكيد على منهج النص ومقاومة منهج الرأي.

9- مقاومة الأخذ بآثار الصحابة إذا تعارضت مع سيرة وسنة رسول الله .

10- وضع الأساس لتقعيد القواعد الأصولية والفقهية.

11- انبثاق مدرسة الفقهاء الرواة.

12- تأسيس المدرسة الفلسفية الإسلامية والمدرسة الكلامية.

13- بروز مدينة الكوفة مجتمعاً لشيعة آل محمد وأسرهم الكبيرة.

14- بروز مدينة الكوفة مركزاً علمياً لنشر وتعليم علوم آل محمد.

الدور الخامس: عهد الكاظميـن ®
الإمام الكاظم والإمام الرضا

يمتد هذا العهد من سنة (148هـ) إلى سنة (203هـ)، أي من حين استشهاد الإمام الصادق ‚ إلى حين استشهاد حفيده الإمام الرضا ‚.

في هذا الدور بدأت سمات مدرسة أهل البيت مرحلة التطبيق فبدأ الشيعة بجمع الأموال حقوقاً واجبة وتبرعات مستحبة ويرسلونها إلى إمامهم القائد أي إلى مقر قيادتهم مما أثار حفيظة العباسيين مما جعل الإمام موسى بن جعفر‚ يسجن، مع ذلك استمرت المراسلات والمكاتبات مع شيعته، كما أُبعد الإمام الرضا من المدينة المنورة إلى خراسان، وهذا الدور اتسمت بالمناظرات بين أئمة أهل البيت e وعلماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين الآخرين وبان فضيلة أئمة أهل البيت e، كما كثر في هذا الدور تلامذة الأئمة المعصومين وبروز فقهاء ورواة كبار ولهم مصنفات، ونشطت حركة التأليف لدواعي عدة منها الشرعية والحضارية والاجتماعية نتيجة الصراع الفكري.

مميزات هذا الدور بما يلي:

1- عودة الضغط في هذا العهد على أئمة أهل البيت e وشيعتهم، وخاصة في أيام الإمام موسى الكاظم ‚، وقد تذرع سلاطين الدنيا بالدين للقضاء على أهل الدين ويتخذونه وسيلة لتوطيد سلطانهم ورفع مقاصدهم، كما يشهد بذلك إسرافهم في قتل الصلحاء وسبي النساء والولوغ بدماء الأبرياء واتباع الشهوات فكان سفّاحهم سفّاكاً للدماء ومنصورهم نصيراً للباطل ورشيدهم مرشداً للضلال، ويدرك ذلك كل من ألقى السمع وتبصّر في التأريخ.

2- ازدياد انتشار التشيع وازدياد عدد الشيعة.

3- ازدياد نشاط الشيعة العلمي وشموليته لجميع الحقول المعرفية المعروفة آنذاك.

4- استمرارية مدرسة الفقهاء الرواة مع ازدياد عدد أفرادها.

5- وفرة التأليف في الفقه والحديث.

6- وكان الفقهاء يفتون في المسألة بلفظ الحديث بحذف إسناده، أما في عصرنا الحاضر فتذكر الفتوى بلفظ رأي المجتهد.

الدور السادس: عهد الأئمة أبناء الرضا
(الإمام الجواد والإمام الهادي والإمام العسكري)

امتد هذا العهد من سنة (203هـ) إلى سنة (260هـ) أي من حين استشهاد الإمام الرضا إلى حين استشهاد الإمام العسكري ‚، وهو حينئذ مبتدأ الغيبة الصغرى، ووسم هذا العهد بعهد أبناء الرضا e لأن كل واحد من الأئمة الثلاثة المعصومين e الإمام محمد بن علي الجواد والإمام علي بن محمد الهادي والإمام الحسن بن علي العسكري كان يعرف في زمانه بـ(ابن الرضا).

كان الإمام الجواد ‚ يمارس نشاطه العلمي تعليماً وإفتاءً ورعايةً لشؤون الشيعة في المدينة المنورة تارة وفي بغداد تارة أخرى، ولكن بين مد وجزر بسبب ما فرضته عليه السلطة العباسية من رقابة تشتد حيناً وتخف حيناً آخر.

ومن خلال المقارنة لعدد رواة كل واحد منهم حسبما جاء من أعداد في (رجال الطوسي) يأتي عدد رواة الإمام الهادي الأكثر ومن بعده الإمام الجواد فالإمام العسكري.([159])

وقد تميّز هذا الدور بظاهرة المجالس والمناظرات، وذلك لمحاولة الخلفاء العباسيين إلى تشويه سمعة أئمة أهل البيت e والمساءلة لهم لعلهم يثبتون نقصهم من الناحية العلمية فيصلون إلى هدفهم من إسقاط الأئمة من الاعتبار والحط من منزلتهم العظمى في نفوس المسلمين، ونشطت هذه المجالس ظناً بالسلطة العباسية إن صغر أئمة أبناء الرضا e يفحمون عندما يسألون، فقد قام بأعباء الإمامة الإمام الجواد ‚ وهو ابن ثماني سنوات، وتولاها الإمام الهادي وهو ابن ست عشرة سنة، ونهض بها الإمام العسكري وهو ابن ثلاث وعشرين سنة.

وقد نسب المؤرخون والمفهرسون مؤلفات إلى أئمة أبناء الرضا ‚:

1- رسالة الإمام الهادي ‚ في الرد على أهل الجبر والتفويض وإثبات العدل والمنزلة بين المنزلتين أوردها بتمامها الحسن بن شعبة في (تحف العقول).([160])

2- أجوبة الإمام الهادي ‚ عن مسائل القاضي يحيى بن أكثم أوردها ابن شعبة في (تحف العقول)، والمحدث المجلسي في (بحار الأنوار) كما مرَّ.([161])

3- التفسير المعروف بـ (تفسير الإمام الحسن العسكري).

مميزات هذا الدور ما يلي:

1- اتسعت رقعة انتشار التشيع في هذا العهد، وكثر العلماء والدعاة إلى مذهب أهل البيت e.

2- اكتمال معالم وأبعاد مدرسة الفقهاء الرواة في المنهج والمادة.

3- بروز ظاهرة المناظرة والمساءلة لأئمة أهل البيت e، وكانت نتائج هذه المناظرات أن أعطت الكثير في مجال التشريع الإسلامي.

4- ألّفت في هذا الدور كتب الصحاح والمسانيد الستة عند أهل السنة أصحاب مدرسة الرأي وهي صحيح البخاري لمحمد البخاري (ت:256هـ) وصحيح مسلم بن الحجاج النيسابوري (ت:261هـ)، وسنن السجستاني وهي لأبي داود سليمان السجستاني (ت:275هـ) وسنن الترمذي لمحمد السلمي الترمذي (ت:297هـ)، وسنن ابن ماجه لمحمد القزويني المعروف بابن ماجه (ت:263هـ) وسنن النَّسائي لأحمد بن شعيب النسائي (ت:303هـ).

5- ظهرت العلوم العقلية في هذا الدور, واتسع أفقها وانتشرت كتبها، فإن الفلسفة اليونانية وغيرها قد دخلت البلاد الإسلامية بعد قرنين إلاَّ أنه قد أوضح المسلمون مسائلها وأضافوا إليها الشيء الكثير وأخرجوها بحلة جميلة بعد أن هذبوها ونقحوها وناقشوا ما كان مخالفاً للعقيدة الدينية والآيات القرآنية فظهرت خالصة من الآراء الإلحادية والخرافات التقليدية، وأزالوا عنها الحجب والغموض وفتحوا باب المناقشات والمباحث فيها وأعطوا للعقل حرية الفكر وأضافوا لها مباحث قيمة كمبحث النبوة والإمامة ورتبوها ترتيباً حسناً حتى أصبحت العلوم العقلية غير العلوم العقلية اليونانية أو الفارسية أو الهندية، وكان أظهر طابع على العلوم العقلية الإسلامية هو قدرتها على الجمع بين الدين والفلسفة والحكمة والمعرفة.([162])

ونستنتج من تاريخ التشريع الإسلامي الإمامي ما يلي:

1- إن النصوص الشرعية عند مدرسة أهل البيت كانت بالقدر الكافي والوافي بتزويد الفقيه في مجال الاستنباط بالمادة العلمية لاستخلاص الأحكام الشرعية الفرعية منها.

2- إن كثرة عدد الرواة عن أئمة أهل البيت e يعطينا مدى اهتمام مدرسة أهل البيت ‚ بأمر التشريع الإسلامي، وقد صعد الرقم البياني أيام الإمام الصادق ‚ صعوداً كبيراً وملحوظاً.

3- إن كثرة الرواة قد حفز علماء من عهود الأئمة وبخاصة في القرن الثالث الهجري إلى التأليف في (الرجال) وسمي بـ (علم الرجال).

4- الكتب التي ألفت على أساس من طريقة المؤلف في رواية الأحاديث التي ذكرها فيها إلى نوعين: أصول، وغير أصول:

1- الأصول الأربعمائة: وهي التي دوّن فيها مؤلِفُوها الأحاديث التي سمعوها من الإمام مباشرة ورووها عنه بلا واسطة، والتي سمعوها من راوٍ يرويها -بدوره- عن الإمام مباشرة أي أن ما في هذه الأصول أحاديث لم ينقل من كتاب، وإنما اعتمد في طريقة تدوينه على السماع من الإمام أو ممن يروي عن الإمام مباشرة.

ومن هنا عرّف الوحيد البهبهاني الأصل بقوله: (الأصل: هو الكتاب الذي جمع فيه مصنفه الأحاديث التي رواها عن المعصوم أو عن الراوي عنه)([163]).

وقد بلغت عدة الكتب الأصول أربعمائة كتاب لأربعمائة مؤلف، رواها أصحابها سماعاً عن الإمام الصادق ‚ وعن ابنه الكاظم ‚ أو عن أحد أصحاب الإمام الصادق عنه. وكانت طريقة تدوينهم لهذه الأصول التي تدل على حرصهم على الضبط والاهتمام الكبير بالمحافظة على أصالة النص من أن يعرضه شيء مما قد يخل به.

وقد كانت موضع الاعتبار والأهمية وسميت في ألسنة الفقهاء بالأصول الأربعمائة ويوجد الكثير منها في مكاتب النجف الأشرف وتدوين أكثرها لم يكن مرتباً على أبواب الفقه إذ أن أربابها كانوا يكتبون كلما يسمعون من الأئمة بحسب الزمن لا بحسب أبواب الفقه.

2- كتب غير الأصول: وهي التي نقل إليها أو فيها مؤلِفُوها محتوياتها من الأحاديث عن كتاب مكتوب أي أنهم لم يعتمدوا السماع وإنما النقل عن المدوّن والمكتوب.

وعن هذه الكتب أصولاً وغيرها نقل أصحاب مجموعات الحديث الإمامية التي ألفت في أواخر عهد الغيبة الصغرى وأوائل عهد الغيبة الكبرى. فقد وفّرت مدرسة أهل البيت من قبل الأئمة e أنفسهم كل متطلبات ومستلزمات التشريع الإسلامي لأتباعها من الشيعة خاصة وللمسلمين عامة وذلك:

1- وضع المنهج.             2- توفير المادة.           3- تكوين الرجال.

الدور السابع: عهد الغيبة الصغرى

إن الإمام المهدي بن الحسن العسكري (عجل الله تعالى فره) قد استتر عن أنظار الناس لظروفه السياسية المذكورة تاريخياً، وأطلق الشيعة الإمامية على عدم حضور الإمام وعدم تمكّن الاتصال به عنوانا لتلكم الحقبة وهي (الغيبة) وقسموها من ناحية تأريخية إلى قسمين:

1- الغيبة الصغرى: وتشمل حقبة تمكن الاتصال بالإمام عن طريق وكلائه. وابتدأت الغيبة الصغرى من سنة (260هـ) إلى سنة (329هـ) أي ابتدأت من حين وفاة الإمام الحسن العسكري ‚ إلى حين وفاة آخر وكلاء الإمام المهدي وهو المعروف بالسمري.

2- الغيبة الكبرى: وتشمل زمن عدم التمكن من الاتصال بالإمام.

السفراء الأربعة:

وكان الاتصال بالإمام المهدي في عهد الغيبة الصغرى في بغداد يتم عن طريق وكلائه الذين نصبهم لذلك، والذين عرفوا بالسفراء لقيامهم بالسفارة بين الإمام والشيعة وهم:

  1. أبو عمرو عثمان بن سعيد العمري, توفي حدود سنة 265هـ. وتم تعيينه سفيراً للإمام المهدي من قبل أبيه الإمام العسكري.
  2. أبو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (ت: سنة 304هـ).
  3. أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي (ت: سنة 326هـ).
  4. أبو الحسن علي بن محمد السمري (ت: سنة 329هـ).

وكان السمري آخر السفراء وبوفاته انقطعت السفارة بين الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه).

وكانت وظيفة هؤلاء السفراء الأربعة تلقي الأسئلة من الشيعة مكتوبة ورفعها إلى مقام الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وكان الإمام يوقع بالإجابة عن السؤال على الورقة المكتوب عليها السؤال، ومن هنا سميت هذه الأجوبة
بـ(التوقيعات) وكانت الغيبة الصغرى تمهيداً للغيبة الكبرى كي يعتمد الشيعة
من بعد السفراء على الاستقلال بأنفسهم وذلك بالرجوع إلى العلماء في معرفة الحكم الشرعي الذي أطلق عليهم فيما بعد بـ(نواب الإمام) وعبّر عن وظيفتهم الشرعية بـ(النيابة العامة) وقد تمَّ هذا في التوقيع الشريف الصادر من الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) والذي جاء فيه: (وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله عليهم).

وفي عهد الغيبة الصغرى كان بدء تأليف مجموعات الحديث، حيث ألف الشيخ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني (ت:329هـ) كتابه الموسوم بالكافي جمعه من الأصول، واستغرقت مدة تأليفه (20) سنة، ويشمل على (34) كتاب و(326) باب وعدد أحاديثه (16199) حديث، بعدما كان من الصعوبة معرفة الحكم الشرعي للحادثة والكتب الموجودة عندهم لم تكن سهلة المأخذ، وكانت غير مبوبة وفيها أحاديث غير مقبولة, مع أن بعض الأخبار كانت محفوظة في الصدور يخشى ضياعها.([164])

الكافي والجامع الصحيح:

إن موقف علماء الإمامية من مرويات الكليني في الكافي موقف علمي فرضته قواعد وأصول علمي الرجال والحديث فقد يؤدي إلى الاتفاق أو الاختلاف بينما رَفَضَ علماء السنة أن تخضع مرويات البخاري في الجامع الصحيح لقواعد نقد الرواية وأصول تقويم الرواية والقول بعصمته كعصمة القرآن الكريم فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فردوا كل نقد يوجه وحرموا النظر فيه والاستماع إليه.

الدور الثامن: الغيبة الكبرى

ابتدأت الغيبة الكبرى بوفاة آخر سفراء الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) وهو الشيخ علي بن محمد السمري (ت: سنة 329هـ) وبإعلان ذلك من قبل الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) بعد أن أناط مسؤولية رعاية شؤون الشيعة فكراً وعملاً وبخاصة في مجال معرفة الحكم الشرعي بفقهاء مذهب أهل البيت ‚. وبدأت خطوات عملية عند الإمامية وهي:

1- إتمام حلقات الحديث الفقهي تأليفاً.

2- مواصلة التأليف في رواة الحديث وطبقاتهم.

3- وضع الفهارس لمؤلفات الشيعة إحصاءً وبياناً.

4- كتابة المتون الفقهية.

5- تأليف الكتب الفقهية الاستدلالية.

6- استخلاص القواعد الأصولية من معطيات النقل ومدركات العقل.

7- بلورة خطط ومناهج البحث في العلوم الشرعية المذكورة من حديث ورجال وفقه وأصول.

8- استقراء مصادر الأحكام الشرعية والوظائف الشرعية والعقلية.

9- تكوين المراكز العلمية للدراسة والبحث.

10- تطوير دائرة المرجعية الدينية.

 

 

المبحث الثاني

المراكز العلمية في عهد الغيبة

عمل الشيعة في هذا العهد على فتح المراكز العلمية لتهيئة المراجع العلمية من كتب ورسائل ووثائق، وتوفير أدوات البحث من حال ومكان ومستلزمات الكتابة وإعداد الأجواء المناسبة للدراسة والتأكيد منها:

1- مكتبة سابور:

أسسها أبو نصر سابور بن أردشير (ت:416هـ) وهو وزير لبهاء الدولة البويهي، واشتملت خزانة هذه المكتبة أكثر من عشرة آلاف مجلّد من أصناف العلوم، وكانت مأوى للعلماء والباحثين يترددون إليها للدرس والمباحثة والمناظرة والتأليف. لم تعمَّر هذه المكتبة أكثر من سبعين سنة ثم احترقت عندما احترقت بغداد.

2- خزانة الشريف المرتضى:

كانت تحتوي على ثمانين ألف مجلد، وكانت من أهم الدور العلمية التي يرتادها العلماء والأدباء. وقد كان الشريف المرتضى ينفق عليها بكل غالٍ ونفيس.

 

3- دار العلم للشريف الرضي:

وتحتوي على خزانة كتب وهي في مصاف الخزائن الكبرى ببغداد.

4- دار العياشي بسمرقند:

وهو أبو النضر محمد بن مسعود العياشي السلمي السمرقندي (ت:320هـ)، واشتهرت مكتبته في نواحي خراسان وهي تزيد على مائتي ألف كتاب أشهرها تفسيره المعروف بتفسير العياشي.

المرجعية:

المرجعية العامة للفقيه هي التولي لشؤون الأمة الإسلامية بأجمعها وبيده الإدارة لتدبير أحوالها وأوضاعها ويسمى المتقمّص بها المرجع بفتح الميم وكسر الجيم والمرجع والمقلَّد مصطلحان متأخران أُخذا من التوقيع الشريف الآمر بالرجوع إلى الفقهاء في الحوادث الواقعة والأمر بتقليد الفقهاء. وتثبت المرجعية للفقيه المجتهد العادل العارف بمجاري الأمور ويكون التقليد العام له والأحكام الشرعية التي تخص الأمة الإسلامية مثل الجهاد والعلاقات الدولية وسياسة البلاد وتسيير أمور العباد ونحو ذلك، ولا يجوز لكل فقيه ومجتهد أن يتقمصها بل لابد لها من شروط تتوفر فيه إضافة لشروط المجتهد, منها الأعلم بالأحكام الشرعية والبصير بمجاري الأمور والعارف بتدبير الوقائع والمحافظ على بيضة الإسلام والمدافع عن المسلمين في سائر الحوادث والمخالف لهواه الموقع للمهالك والمقبل على آخرته، فأصبح من المهم جداً أن يتفحص تفحص النيقد الصريف للرجال في من يدعي هذا المنصب العظيم فإضافة إلى الشروط المذكورة آنفاً أن يعرف نسبه وبيئته وحسن سلوكه في ماضيه وحاضره فكم وكم من دخل في سلك العلماء وهو ليس منهم استعان بالمال وحرم الحلال وأحل الحرام في سبيل أن يصبح علماً من الأعلام ومرجعاً للعوام. وقد أدرك الاستعمار خطر هذا المنصب الديني والمقام الروحاني فأخذ يعمل لأن يجعل له نصيباً منه أو يشوه صورته.

نشأت المرجعية الدينية عند الإمامية لتقوم بدور النيابة العامة عن الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)، والظاهر إن الزعامة الدينية للشيعة كانت بعد الغيبة الصغرى فإنها قبل ذلك لم تكن إلا لإمام العصر أو السفراء الذين بينه وبين الخلق.

وتمثّلت في الفقيه الزعيم وابتدأت بالشيخ المفيد فتلميذه السيد المرتضى من بعدها فالشيخ الطوسي.

أولاً: مركز بغداد:

ترتبط الدراسات الدينية ارتباطاً وثيقاً من حيث المكان عند الشيعة بمحل مرجعهم الديني، وقد استقطبت بغداد بسبب وجود المرجعية الدينية للإمامية فيها العلماء والطلاب من مختلف الأمصار والأقطار الإسلامية من الكوفة والبصرة وقم والري ونيسابور وخراسان وما وراء النهر والشام ومصر. وبانتهاء حكم بني بويه في بغداد على أيدي بني سلجوق انتقلت المرجعية إلى النجف الأشرف.

وكانت مهام المرجع العلمية والإدارية تتمثل بما يلي:

1- إدارة شؤون التعليم الديني في مركزه الرئيسي وفي المراكز الفرعية في الأمصار الإسلامية الأُخر.

2- إلقاء المحاضرات والتدريس وعقد المجالس والمناظرات بنفسه بالتعليم العالي (البحث الخارج).

3- تشييد المدارس لسكن ودراسة الطلاب، وإنشاء المكتبات وإعداد دور العلم.

4- إجراء الرواتب والمساعدات المالية لمعيشة الأساتذة والطلبة.

5- تعيين الوكلاء والقضاة في الأمصار الإسلامية لمقلديه.

6- الفتيا والرد على الأسئلة والاستفسارات.

ثانياً: مركز النجف الأشرف:

بعد وفاة الشريف المرتضى والاضطرابات التي حدثت في بغداد من خلال التنكيل والتقتيل بالشيعة من قبل السلاجقة انتقل الشيخ الطوسي إلى النجف الأشرف وحلَّ أرضها والتفَّ حوله من فيها من الفقهاء والطلاب ووفد إليها آخرون، واختار النجف الأشرف تيمّناً بمجاورة مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‚ وتبركاً بروح روحانيته. وراحَ يُعِد تلامذته إعداداً تربوياً حتى بلغ من تخرج من منبره الشريف أكثر من ثلاثمائة مجتهد، وعندما توفي الشيخ الطوسي سنة 460هـ تولى المرجعية ولده أبو علي الحسن بن محمد الطوسي (ت:515هـ)، ولعمق تقديس الشيخ الطوسي من قبل تلامذته سمي عصره بعصر المقلدة نظراً لالتزامهم بآراء أستاذهم وعدم الجرأة على مخالفته الذي امتد مائة سنة، حتى جاء ابن إدريس الذي كان سكناه في الحلة الفيحاء فكسر هذا الجمود وخالف الشيخ الطوسي وأعاد الاجتهاد.

ثالثاً: مركز حلب:

وفي هذه الفترة الزمنية نشأ مركز للدراسة الدينية في حلب أنشأه الشيخ حمزة بن عبد العزيز الديلمي المعروف بسلار، حينما أرسله السيد المرتضى لنشر مذهب أهل البيت إلى حلب، ثم تنامت هذه المدرسة علماً وفقهاً على يد السيد ابن زهرة وبيوته وأسرته التي خرجت أجلاء العلماء وأكابر الفقهاء حتى عرف بيت زهرة بنقباء حلب وديارهم أشهر من كل مشهور.

رابعاً: مركز الحلة:

اشتهرت الحلة في القرن السادس الهجري كمركز علمي كبير من مراكز الحركات العلمية الإمامية على يد الشيخ محمد بن إدريس العِجْلي الحِلّي، لما يمتلكه الشيخ ابن إدريس من شخصية علمية شجاعة، فاستطاع أن يستقطب العلماء والطلاب من الأقطار الإسلامية إلى الحلة وتسليط الأضواء عليها في وقت ضعفت الحركة العلمية في النجف الأشرف بعد الشيخ الطوسي لما أصابها من ركود في الذهنية الفقهية.

وقد ساهمت في النهضة الفكرية العلمية في الحلة كل الأسر الحلية كآل نما وآل طاوس والهذليين والأسديين وغيرهم،  وأثرى العلماء الحليون الساحة العلمية بما تحتاجه من الكتب والمراجع في الفقه الإمامي الفتوائي والفقه الإمامي الاستدلالي والفقه الخلافي والفقه المقارن وعلم أصول الفقه وعلم الحديث وعلم الرجال. واستجابة لمقتضيات هذه المرحلة نوَّعَ وقسّمَ السيد جمال الدين أحمد بن طاوس الأخبار إلى أربعة أنواع (الصحيح والحسن والموثق والضعيف) وإن لفظ المجتهد عند الشيعة لم يطلق على الفقيه إلى زمان العلامة الحلي (ت:726هـ) ولذا كانت كتب تراجمهم خالية عن هذا اللقب ككتاب الفهرست للشيخ الطوسي والكشي والنجاشي وإنما يصفون الشخص في مقام المدح بالفقيه والعالِم والمحدّث والراوية.

خامساً: مركز الشام:

امتد وجود الدراسة إلى طرابلس ودمشق وجبل عامل لأنها بلدان كانت تقطنها الشيعة الإمامية في القرنين الثالث والرابع الهجريين حتى القرن السابع الهجري. وقد عيّن الشيخ الطوسي ابن البرّاج قاضياً في طرابلس ولقّب بالقاضي. وأبرز وأشهر العلماء الذين تعهدوا الوجود العلمي الإمامي في بلاد الشام وحوّلوه إلى مركز علمي كبير الشهيدان محمد بن مكي وزين الدين بن علي لما أضافاه إلى المكتبة الفقهية الإمامية من مؤلفات قيمة متناً واستدلالاً مثل الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية الكتاب الفقهي الشهير الذي هو من تأليفهما لا يزال إلى اليوم مقرراً دراسياً في الحوزات العلمية الإمامية. وفي عهدهما ألّف ما يعرف بالقواعد الفقهية وتخريج الفروع عليها وكذلك بما يعرف علم الدراية.

سادساً: مركز النجف الأشرف ثانياً:

ازدهرت النجف الأشرف ثانية بعد هبوط الشيخ المحقق الكركي إليها وتسلمه زمام المرجعية وهو نور الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي (ت:940هـ) وكان أكثر العلماء شهرة بعد المحقق الكركي في هذا القرن العاشر الهجري المقدّس الأردبيلي الشيخ أحمد بن محمد (ت:993هـ).

ظهور الحركة الأخبارية:

وقد ظهرت الحركة الأخبارية معارضة ومناهضة للمنهج الأصولي في القرن الحادي عشر الهجري، وكان رائدها المحدّث الرجالي محمد بن علي الاستربادي (ت:1028هـ) ثم تلميذه محمد أمين الاسترابادي (ت:1033هـ) صاحب كتاب (الفوائد المدنية)، وكان مِن خَصائص المنهج الأخباري:

1- إلغاء الاجتهاد والتقليد لأن الأحاديث المروية عن الأئمة e كان كلها أوجلها أجوبة لأسئلة رفعت إليهم من أصحابهم وشيعتهم وفهمها السائلون مباشرة من غير أن يحتاجوا في فهمها إلى الاستعانة بالأصول.

2- إلغاء اعتبار الإجماع والعقل مصدرين للفقه.

3- الاقتصار على الكتاب العزيز والسنة الشريفة للفقه ولأن ظواهر القرآن الكريم لا تعرف إلاَّ عن طريق أهل البيت e لأنهم الذين خوطبوا به فهم يعرفون لحن الخطاب للقرآن الكريم.

4- اعتبار الأحاديث الموجودة في الكتب الأربعة صحيحة قطعية الصدور عن المعصومين لتواتر بعضها ولأن البعض الآخر أخبار أحاد اقترنت بما يفيد العلم بصدورها من المعصومين.

5- عدم الحاجة إلى علم الدراية، وتقسيمات الحديث الموجودة فيه وذلك لصحة جميع مرويات الكتب الأربعة.

6- عدم الحاجة إلى علم الرجال وذلك للوثوق بصدور جميع مرويات الكتب الأربعة.

7- وما يحتاج إليه من أصول الفقه يجب أن يؤخذ من روايات أهل البيت e لا من دليل العقل لبطلان حجية العقل.

سابعاً: مركز كربلاء:

في كربلاء كانت هنالك مدرستان المدرسة الأصولية مرجعها الوحيد البهبهاني والمدرسة الإخبارية مرجعُها الشيخ يوسف البحراني. وقد احتدم الصراع الفكري بين الأخباريين والأصوليين، وكانت ردود فعل قوية من قبل الوحيد البهبهاني قائد المدرسة الأصولية لثورة الميرزا الاسترابادي الذي هاجم المدرسة الأصولية.

وكان للمحدث البحراني دور مهم في محاولة توازن القوى، وذلك باستِنْكارِه التطرّف الذي كان من المحدث الاسترابادي.

والوحيد البهبهاني الذي قاد المعركة في ميدان الصراع الفكري بين الأخبارية والأصولية في مركز كربلاء العلمي هو محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني الحائري الملقب بالوحيد البهبهاني (ت:1208هـ).

والذي يظهر مما ذكره مؤرخو هذا الصراع الفكري أن الوحيد البهبهاني ألقى بكل ثقله في المعركة وصمم بكل عزيمة وإصرار على كسب الجولة حتى يقال: إنه ارتقى منبر درس الشيخ يوسف البحراني وباحث تلامذته مدة ثلاثة أيام، فعدل ثلثا التلاميذ إلى مذهب الأصوليين. وانتهت هذه المعركة الفكرية في كربلاء بفضل موقف الشيخ البحراني المعتدل، لتنتقل إلى النجف الأشرف بين زميلي الدرس الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء والميرزا محمد الأخباري الذي مثّلَ المرحلة الثالثة والأخيرة للأخبارية.

ثامناً: مركز النجف الأشرف ثالثاً:

انتلقت المرجعية بعد وفاة الوحيد البهبهاني سنة (1208هـ) من كربلاء إلى النجف الأشرف وكان المرجع الديني الأعلى للإمامية هو السيد محمد مهدي بحر العلوم بعد هجرته من كربلاء إلى النجف الأشرف، وقد عدّت أيامه من أسخى الأيام عطاءً وأوفرها نتاجاً، وقد تمّيز درسه الفقهي باستعراض آراء المذاهب الأربعة وبتعيين مواقيت الإحرام وتحديد مشاعر الحرام.

ومن بعد وفاة السيد بحر العلوم تولى جدنا المرجعية الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء، وكانت مرجعيته تتمتع بالشمول وسعة التقليد والفتيا ورعاية شؤون المسلمين الاجتماعية والسياسية فقد حصل على تقدير ورجاء كبيرين من قبل حكّام العراق آنذاك من سلاطين آل عثمان، وأذِن للشاه فتح علي حاكم إيران أن يتصرف في القضايا السياسية العامة التي هي من أعمال الرئاسة الإسلامية العليا نيابة عنه، وقد ضمن الإجازة المشار إليها في كتابه (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء). وقاد حركة الدفاع ضد غزو أهل نجد الأعراب للنجف الأشرف، فجعل من داره مقر تدريب عسكري للمجاهدين من العلماء والطلبة الدينيين وغيرهم وجلب الأسلحة والمعدات المختلفة، وعين بنفسه مواقع القتال، وقام بجميع ما تطلبه موقف الدفاع لصدهم حتى ردهم.

وشارك في إخماد (فتنة الزكرت والشمرت) وهي حرب عشائرية داخلية قامت بين طائفتي الزكرت والشمرت. وقد عرف الشيخ الأكبر الشيخ جعفر بأصالة فقاهته وعمقها وبإحاطته الواسعة بالفروع الفقهية حتى عُدَّ كتابه (كشف الغطاء) من المدونات الفقهية التي أسهمت في تجديد الفقه وتطويره.

وفي أيام مرجعيته عادت الحركة الأخبارية إلى الظهور على ساحة المعركة الفكرية بقيادة الميرزا محمد بن عبد النبي النيسابوري المعروف بالأخباري (ت:1232هـ) الذي استطاع أن يجعل مملكة إيران أخبارية، ولكن نجح الشيخ جعفر بعد وصوله إلى إيران في محاربته وإرجاع مملكة إيران إلى المدرسة الأصولية بعدما هرب الميرزا محمد الاخباري إلى الكاظمية التي قتل فيها مع ابنه الأكبر وهكذا خمدت الحركة الإخبارية ولم يعد وجود دراسي للفكر الإخباري واستمرت المدرسة الأصولية.

وما زالت النجف الأشرف إلى يومنا هذا غنية بالعلوم الدينية والمعارف الإلهية خرجت رجالاً وأقطاباً من الفقهاء من مختلف الأقطار الإسلامية، وقد توافرت فيها الدراسة الحرة للعلوم الإسلامية ما لم تتوفر لغيرها من المعاهد والمدارس، وأوفدت الكثير من خريجيها لكثير من الأقطار لتعليم الفقه والدعوة للإسلام، نسأل الله بجاه من لذنا بجواره مولانا أمير المؤمنين أن تبقى النجف الأشرف مركزاً من مراكز الحوزة العلمية ما بقي الدهر.

إن وجود مركز الدراسة الدينية الشيعية في بلد لا يعني عَدَمَها في باقي بلدانهم المهمة الأُخر، فلا يمكن أن نتجاهل عظمة الدراسة الدينية في قم وخراسان وطهران وأصفهان وغيرها من بلدان إيران من قديم الدهر حتى اليوم في زمن الجمهورية الاسلامية، كما لا يمكن أن ننكر وجود الدراسة في كربلاء والكاظمية وغيْرِهِما من بلدان العراق أو المناطق الشيعية في الممالك الإسلامية كسورية ولبنان والبحرين والسعودية وباكستان وغيرها.

 

 

مخطط للمراكز الرئيسة لمدرسة أهل البيت

المدينة المنورة

 

 

                                                      الكوفة

                 

                                   قم                  بغداد

 

                         الري              النجف الأشرف         حلب

 

الحلة

 

 النجف الأشرف

 

                                             أصفهان

 كربلاء

 

 النجف الأشرف

  

الفصل الرابع

الحكم وأقسامه وعناصره

المبحث الأول

الحكم وأقسامه

المطلب الأول: تعريف الحكم:

الحكم: هو ما ثبت من خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين من اقتضاء أو تخيير أو وضع لا الخطاب نفسه، أو هو التشريع الصادر من الله تعالى لتنظيم حياة الإنسان.([165])

ومعنى الخطاب: هو الكلام الذي قصد به مواجهة الغير سواء أقصد إفهامه أم لا.([166])

ومعنى الاقتضاء: الطلب للفعل أو الترك كالوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة ([167]).

ومعنى التخيير: هو جعل الفعل باختيار الإنسان إن شاء أتى به وإن شاء تركه.([168])

المطلب الثاني: أنواع الحكم:

ينوع الحكم إلى نوعين هما الحكم الواقعي والحكم الظاهري:

1- الحكم الواقعي:

وهو الحكم المجعول للشيء بواقعه. وينوع إلى نوعين:

أ- الواقعي الأولي: وهو الحكم المجعول للشيء بواقعه الأولي دون ملاحظة ما يطرأ للشيء من عوارض مثل إباحة شرب الماء.

ب- الواقعي الثانوي: وهو الحكم المجعول للشيء بملاحظة ما يطرأ له من عوارض تقتضي تغيير حكمه الأولي مثل وجوب شرب الماء إذا توقف إنقاذ الحياة عليه فإنَّ عروض توقف إنقاذ الحياة على شرب الماء اقتضى تغيير حكمه الأولي (وهو الإباحة) إلى حكمه الثانوي (وهو الوجوب) وهذا التقسيم للحكم من حيث كونه حكماً أصلياً أو غير أصلي, ويسمى كذلك العزيمة والرخصة. فحكم العزيمة (هو ما شرّعه الله تعالى من الأحكام ابتداءً لجميع المكلفين في جميع الأحوال) كالعبادات والقصاص في قتل العمد.

وأما حكم الرخصة (هو ما شرّعه الله تعالى من الأحكام تخفيفاً على المكلف في بعض الأحوال مع بقاء الحكم الأصلي).([169]) 

2- الحكم الظاهري:

وهو الحكم المجعول للشيء عند الجهل بحكمه الواقعي مثل الحكم بطهارة الثوب إذا لم يعلم نجاسته، والحكم بإعادة الصلاة عند الشك بين الركعتين الأوليتين.([170])

                                             الحكم

 

 

                           الواقعي                                   الظاهري

 

             الأولي                   الثانوي

المطلب الثالث: أقسام الحكم:

للحكم عدة تقسيمات منها:

1- تقسيم الحكم إلـى شرعي وعقلي:

فالحكم إذا كان الحاكم به هو الشرع فيسمى شرعي، وإن كان الحاكم به العقل فيسمى عقلي، وكل منهما مستقل، وغير مستقل، فإذا توقف حكم الشرع على حكم العقل سمي غير مستقل، وإن لم يتوقف فهو مستقل.

وهكذا حكم العقل إن توقف على حكم الشرع فهو غير المستقل كحكم العقل بوجوب المقدمة المتوقفة على حكم الشرع بوجوب ذيها، وإن لم يتوقف كحكمه بوجوب رد الوديعة سمي مستقلاً ([171]).

                                       الحكم

 

 

 

                      شرعي                                                   عقلي

 

       مستقل                  غير مستقل              مستقل                     غير مستقل

أولاً: الحكم العقلي:

 تقسيم الحكم العقلي إلـى تكليفي ووضعي:

الحكم سواء أكان شرعياً أم عقلياً ينقسم إلى تكليفي وإلى وضعي:

1- الحكم التكليفي العقلي: هو ما كان الحكم من العقل متعلقاً بأفعال المكلفين بنحو الاقتضاء أو التخيير.

وهو ينقسم إلى الأقسام الخمسة:

     1- الوجوب العقلي: وهو ما حسن فعله عند العقل وقبح تركه كرد الوديعة.

2- الحرام العقلي: هو ما حسن تركه عند العقل وقبح فعله كظلم اليتيم.

3- المندوب العقلي: هو ما حسن فعله عند العقل ولم يقبح تركه كإكرام الضيف.

4- المكروه العقلي: هو ما حسن تركه عند العقل ولم يقبح فعله، كالضحك عالياً.

5- المباح العقلي: الذي لم يحسن ولم يقبح كل من فعله وتركه. هو حكم العقل باعتبار أنه لا يتضمن الاقتضاء ولا التخيير.

2- الحكم الوضعي العقلي: هو حكم العقل بغير ذلك كحكمه بشرطية القدرة للتكليف ولصحة العمل والعلم بالتكليف لأن العقل يحكم بقبح العقاب بلا بيان.

                       الحكم

 

 

                     تكليفي عقلي                                                   وضعي عقلي

 

الوجوب العقلي     الحرام العقلي         المكروه العقلي       المندوب العقلي       المباح العقلي

ثانياً: الحكم الشرعي:

يقسم الحكم الشرعي إلى:

1- الحكم التكليفي الشرعي: هو ما كان الحكم فيه من الشرع متعلقاً بأفعال المكلفين بنحو الاقتضاء أو التخيير، وهو ينقسم إلى الأقسام الخمسة من: الوجوب، والتحريم، والندب، والكراهة، والإباحة.

2- والحكم الوضعي الشرعي: وهو حكمه بغير ذلك كحكمه بجزئية الركوع للصلاة ونحو ذلك. وهو الاعتبار الشرعي الذي لا يتضمن الاقتضاء والتخيير، كاعتبار الشيء سبباً لقطع اليد بقوله تعالى: [وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا]([172])، واعتبار الاستطاعة شَرْطاً لوجوب الحج، واعتبار القتل مانعاً من الإرث.

الحكم التكليفي الشرعي:

تعريف الحكم التكليفي:

التكليف لغة: مشتق من الكلفة، ويطلق مجازاً على الأفعال الصادرة عن المكلف.

والتكليف اصطلاحاً: هو الحمل على فعل أو ترك ما فيه مشقة من واجب الطاعة ابتداء.

فقوله (الحمل) يراد به البعث.

وقوله (على فعل فيه مشقة) إن جميع الأفعال والتروك الجميع فيها مشقة إذا روعي تحقيق الإخلاص الواجب في جميع الطاعات فإن تحققه في غاية الصعوبة لكونها أفعالاً ملائمة للطبع.

وقوله (من واجب الطاعة) تحقيق لمعنى التكليف، إذ حمل من لا يجب إطاعته غير معتبر فلا يكون تكليفياً.

وقوله (ابتداء) ليخرج من وجب طاعته لا كذلك، كطاعة النبي والإمام والوالد والسيد والزوج لا يسمى تكليفياً وإن وجب طاعتهم إذ وجوبها ليس على سبيل الابتداء لتفرعها وتبعيتها لطاعة الحق عزَّ وجل إذ لولا إيجابه إياها لما تحقق الوجوب فيها.

الأحكام التي تشملها الشريعة الإسلامية/ تقسيم الحكم عند الفقهاء

                                             الأحكام

 

    قطعية                                                                              قطعية أو ظنية

 الأحكام النظرية                                                                      الأحكام العملية

 

 

الأحكام الاعتقادية      الأحكام الأخلاقية                       دنيـــوية               آخروية

(عبادات)                                                                            

 

                               يحتاج إلى صيغة                                   لا يحتاج إلى صيغة

                                          هي أحكام القصاص والميراث والديات والأطعمة

 

       صيغة من طرفين                       صيغة من طرف واحد

            (عقود)                                     (إيقاعات)

 

وتنقسم الأحكام الشرعية إلـى خمسة:

1- الوجوب      2- الندب      3- الإباحة      4- الحرمة      5- الكراهة

وهنالك تقسيمات جزئية أو تفصيلية للأحكام حسب الأبواب الفقهية ذكرها الفقهاء في الدورات الفقهية.

أقسام الحكم التكليفي:

وقسّم الأصوليون الحكم التكليفي إلى الأحكام الخمسة الوجوب والندب والحرمة والكراهة والإباحة.

الوجوب:

الوجوب لغة: بمعنى الثبوت، ومنه قوله ‚: (وجبت له الجنة)([173]) أي ثبتت. والسقوط ومنه قوله تعالى: [فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا]([174]) أي سقطت.

واصطلاحاً: هو طلب الفعل مع المنع من الترك، فهو مرتبة من الطلب شديدة لا يرضى الآمر معها بالترك. وينقسم إلى وجوب قطعي وهو ما ثبت بدليل قطعي السند والدلالة وهو قد يكون ضروري الدين كوجوب الصلاة ويكون إنكاره بلا عذر من الكفر، وقد يكون ضروري المذهب مثل وجوب طواف النساء في الحج.

أما الوجوب العملي أو الظني: فَهُوَ ما ثبت وجوبه بدليل ظني الدلالة أو السند أو كليهما.

أقسام الوجوب:

وقد قسم الأصوليون الوجوب إلى تقسيمات كثيرة منها:

القسم الأول: الوجوب التخييري والوجوب التعييني:

الوجوب التخييري: هو ما كان المطلوب فيه أكثر من فعل واحد على سبيل منع الخلو، كوجوب خصال الكفارة.

والوجوب التعييني: وهو ما كان المطلوب فيه أمر واحد مثل وجوب الصلاة.

القسم الثاني: الوجوب العيني والوجوب الكفائي:

الوجوب الكفائي: هو الذي إن قام به البعض سقط عن الباقين كالصلاة على الميت.

والوجوب العيني: هو ما يطلب إتيانه من كل مكلف كوجوب الفرائض اليومية.

القسم الثالث: الوجوب المضيّق والوجوب الموسّع:

الوجوب المضيق: وهو ما كان وقت الواجب بمقدار فعله كالصوم في شهر رمضان.

الوجوب الموسع: هو ما كان وقت الواجب أوسع زماناً من فعله كالصلاة اليومية.

القسم الرابع: الوجوب التعبدي والوجوب التوصلي:

الوجوب التعبدي: هو الوجوب الذي يطلب امتثاله مشروطاً بالتقرب به إلى الله تعالى، أو هو ما أنيط العقاب فيه بترك الإطاعة، أو بما لا يسقط أمره إلاَّ بقصد التقرب كالصوم والصلاة وسائر العبادات.

الوجوب التوصلي: هو الوجوب الذي لا يناط به العقاب بتركه وإن أنيط الثواب بفعله ولا يحتاج إلى نية التقرب كتطهير الثوب للصلاة.

القسم الخامس: الوجوب المطلق والوجوب المشروط:

الوجوب المطلق: هو ما لا يتوقف وجوبه على شيء، كوجوب طاعة المولى.

الوجوب المشروط: هو ما يتوقف وجوبه على شيء، كالصلاة بشرط الطهارة، والحج بشرط الاستطاعة، والزكاة بشرط النصاب.

القسم السادس: الوجوب النفسي والوجوب الغيري:

الوجوب النفسي: هو ما لم يكن الباعث على وجوبه والداعي له توصل المكلف بسببه إلى تحصيل واجب آخر كالصوم.

الوجوب الغيري: هو ما كان الباعث على وجوبه والداعي له توصل المكلف بسببه إلى تحصيل واجب آخر كالوضوء بالنسبة إلى الصلاة.

1.:

الندب لغة: هو الدعاء إلى أمر مهم.

اصطلاحاً: هو طلب الفعل مع عدم المنع من الترك لا إلى بدل. ويرادفه عند الفقهاء الاستحباب والنافلة والنفل والتطوع، وقد يطلق كذلك على السنة، ولا يرد بالواجب الكفائي أو التخييري.

 

2.:

والحرمة لغة: هي المنع والمعصية.

واصطلاحاً: طلب الترك مع المنع من الفعل. ويرادفها عند الفقهاء الخطر والحظر، ويطلق المحرم على المزجور عنه والمعصية والذنب والمنهي عنه والقبيح والمتوعد عليه.

3.:

الكراهة لغة: ضد الحب، وهي الشدة في الحرب يقال للحرب الكريهة.

واصطلاحاً: طلب الترك مع جواز الفعل، وقد تطلق الكراهة على ما يعم الحرمة فيقال كراهة تحريم وكراهة تنزيه، وقد تطلق الكراهة بمعنى ترك الأولى والأقل ثواباً، وبهذا يندفع الإشكال المعروف في العبادات المكروهة وحاصله: إن مِن العبادة ما هي مكروهة كالصلاة في الحمّام.

4.:

الإباحة لغة: هي الإعلان والإظهار والإذن، ومنه أباح فلان سره، ويقال: أبحتُ له الدار, أي أذنتُ له بها.

واصطلاحاً: هو جواز الفعل والترك على حد سواء، ويستعمل بمعناها الجواز والحل والإطلاق، فيقال هذا الشيء مطلق وحلال وجائز، وقد تستعمل الإباحة بمعنى أعم وهو ما ليس بمحرم.

الحكم الوضعي الشرعي:

الحكم الوضعي: هو الاعتبار الشرعي الذي لا يتضمن الاقتضاء والتخيير كاعتبار الشيء سبباًً أو شرطاً أو مانعاً لشيءٍ آخر.

5.:

السبب في اللغة: هو ما يمكن التوصل به إلى مقصود.

واصطلاحاً: وهو جعل وصف ظاهر منضبط مناطاً لوجود حكم الشارع مثل وجوب الجلد على الزاني.

وتنقسم السببية إلى قسمين: وقتية ومعنوية، والوقتية كزوال الشمس في وجوب الصلاة، والمعنوية كالإسكار للتحريم، وكأسباب الملك والضمان والعقوبات.

6.:

الحكم على الوصف بكونه شرطاً للحكم، ومثاله شرط التسليم في صحة البيع وهو إباحة الانتفاع، وشرط الطهارة لصحة وجوب الصلاة.

والفرق بين الشرط والعلة:

إن الشرط هو ما يكون وجود الغير أو تأثيره متوقفاً فيه من غير أن يكون له مدخل في التأثير، فيخرج العلة وجزءها. ولا يلزم من وجوده وجود المشروط بل يلزم من عدمه عدم المشروط.

7.:

هو الحكم على الوصف بكونه مانعاً، وهو منقسم إلى أمرين:

الأمر الأول: مانع السبب وهو كل وصف مخل وجوده بحكمة السبب كالدين في باب الزكاة مع ملك النصاب.

الأمر الثاني: مانع للحكم وهو كل وصف وجودي ظاهر منضبط يقتضي نقيض حكم السبب مع بقاء حكمة السبب كالأبوة في القصاص مع قتل العمد والعدوان، واعتبار القتل مانعاً من الإرث لقوله : (لا يرث القاتل من المقتول شيئاً)([175]).

الدليل على حصر الحكم التكليفي بهذه الخمسة:

إن الحكم إذا تعلق بالفعل إما أن يكون طلباً للفعل أو لا، وعلى الأول أما أن يكون مع المنع عن الترك فهو الوجوب أو لا، وهو الندب، وعلى الثاني أما أن يكون طلباً للترك أو لا، وعلى الثاني فهو الإباحة، وعلى الأول أما أن يكون مع المانع من الفعل فهو الحرمة أو لا فهو الكراهة.

الحكم

 

 

 

  التكليفي                                                                                           الوضعي

 

الحرمة    الكراهة         الإباحة         الندب       الوجوب    السبب     الشرط      المانع     أقسام أخرى

                                                                                                              

 

 

الوجوب التخييري      الوجوب النفسي       الوجوب العيني        الوجوب الموسّع          الوجوب المطلق      الوجوب التعبدي

والوجوب التعييني    والوجوب الغيري     والوجوب الكفائي    والوجوب المضيّق       والوجوب المشروط    والوجوب التوصلي

 

  المبحث الثاني

عناصر الحكم الشرعي

أولاً: الحاكم:

اتفق علماء الإسلام على أن الله عزَّ وجل هو الحاكم والمشرع للأحكام الشرعية وهو يثيب ويعاقب عليها، وبعث الرسل وأنزل الكتب لتعريفها للعباد قال الله سبحانه وتعالى: [إِن الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ]([176]) وما من تصرف من تصرفات الإنسان إلا وله حكم خاص به حُدّد من الله فلكل واقعة حكم، ولكن وقع النزاع بينهم في أنه هل للعقل أن يعرف الحكم الإلهي الشرعي بنفسه بحيث يثاب عليه أو يعاقب من قبل الله تعالى من غير تبليغ الرسل والكتاب المنزّل؟.

فالمعتزلة والعدلية ذهبوا إلى إمكان ذلك، فقالوا: إنه يمكن للعقل أن يستقل بإدراك حكم الله في الواقعة بحيث لله أن يثيب على فعلها أو يعاقب على تركها من دون تبليغ منه برسله أو كتبه كحرمة الظلم ووجوب رد الوديعة وحرمة قتل النفس المحرمة ونحو ذلك. نعم، إذا عجز العقل عن الإدراك كشف له الشارع حكمه في الواقعة بأمره أو نهيه كما في الصلاة وأكل الربا ومصدر حكم العقل عندهم هو حكم العقل بالتحسين والتقبيح لما في الفعل من مصلحة ومفسدة ومنفعة ومضرة، وإن الله يحكم حسب حكم العقل لأن الله لا يريد إلاَّ مصلحة العباد وسعادتهم.

وذهب الأشاعرة إلى أن العقل لا يستطيع معرفة حكم الله تعالى إلاَّ بالرسل المرسلة والكتب المنزلة، وإن الحاكم بالتحسين والتقبيح هو الله لا العقل فما أمر الله تعالى به فهو حسن وما نهى عنه فهو قبيح فلا تكليف إلاَّ من الشرع.

وأما الشروط التي ترجع إلى الحاكم فهي:

أولاً: علمه بصفات الفعل الذي يكلف بفعله أو تركه من كونه حسناً أو قبيحاً لئلا يكلّف بما هو خلاف مصلحة المأمور به فيأمر بالقبح وينهى عن الحسن.

ثانياً: علمه بقدر ما يستحقه العبد على المكلف به من الثواب والعقاب، وإلاَّ لم يؤمن أن يوصل إليه بعض ثواب أو أكثر من عقابه فلا يحسن التكليف وربما يحصل الظلم.

ثالثاً: كونه غير فاعل للقبيح لئلا يكلف بما لا يطاق ولئلا يخل بالوعد بالثواب والوعيد بالعقاب.

رابعاً: قدرته على إيصال المستحق وإلاَّ لزم الظلم.

ثانياً: المحكوم عليه (المكلَّف):

المحكوم عليه هو من ثَبُتَ الحكم الشرعي في حقه، أي المكلف وهو البالغ العاقل لأنه ببلوغه هذه المرتبة قد وضع الشارع التكاليف عليه وألزمه بما فيه الكلفة من واجبات ومحرمات.

ويعتبر البلوغ والعقل شرطا تكليفاً، أي لتوجه الخطاب للمكلف، بينما القدرة والعلم هما شرطا امتثال، فإن الإنسان بمجرد أن يكون بالغاً عاقلاً ولو لم يكن قادراً يتحقق في حقه التكليف ولو ببعض الأصول الاعتقادية بعقله وإدراكه فيكون متصفاً بثبوت الكلفة عليه، ويتحقق ثبوت جنس التكليف في حقه فيكون مكلفاً لأنه بمجرد ذلك يتمكن من امتثالها.

أما شروط المحكوم عليه والمكلَّف فهي:

1- قدرته على الفعل المطلوب منه.

2- علمه بالفعل المطلوب منه بحيث يمكن تمييزه ومعرفته وتشخيصه عما عداه.

3- العقل.

4- الاختيار.

5- عدم الغفلة، ولا يلزم في مقام الامتثال استمرار الالتفات إلى التكليف حتى في العبادات.

6- البلوغ.

ثالثاً: المحكوم به:

المحكوم به: هو الفعل الذي تعلّق الحكم به اقتضاء أو تخييراً أو وضعاً. وقد يسمى موضوع الحكم ومتعلق الحكم والمحكوم فيه.

والمحكوم به قد يكون مقدوراً بالذات كفعل الصلاة، وقد يكون مقدوراً بالواسطة كالطهارة فإنها مقدورة بالوضوء أو الغسل أو التيمم. وقد يكون غير مقدور أصلاً كدلوك الشمس فإنه قد حكم الشارع بكونه سبباً لوجوب الصلاة، فإن بعض الأحكام الوضعية تكون غير مقدور عليها.

نعم، جميع الأحكام التكليفية يجب أن يكون المحكوم به مقدوراً إمّا بالذات أو بالواسطة.

وقد قسّم الفقهاء (المحكوم به) إلى ما هو حقوق لله خالصة له، وإلى ما هو حقوق للناس خالصة لهم، وإلى ما هو مشتركة بين حقوق الله وحقوق الناس.

وأما شروط المحكوم به والمكلف به فهي:

1- إمكان الفعل المطلوب.

2- ما يستحق به الثواب كالواجب والمندوب وترك المكروه، أو مما يستحق به العقاب، فلابد من ثبوت صفة في العمل المطلوب زائدة على حسنه وإلاَّ كان مباحاً والإباحة ألحقت بالتكاليف من باب التغليب.

 

 

المبحث الثالث

الشروط العامة للتكاليف

الشرط الأول: العقل:

وهو القوة التي يدير بها الإنسان أموره ويدبر بها شؤونه على الوجه الصحيح ويميز بها الحسن عن القبح، فلو كان مجنوناً لم يتعلق به التكليف لأن التكليف خطاب، وخطاب من لا عقل له قبيح، روي في الحديث الشريف: (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يحتلم-أو في بعض النسخ حتى يبلغ- وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق)([177]).

وفي صحيحة محمد بن مسلم عن الإمام الباقر ‚ قال: (لما خلق الله العقل استنطقه ثم قال له: اقبل فأقبل، ثم قال له: أدبر فأدبر، ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إليَّ منك ولا أكملتك إلاَّ فيمن أحب، أما إني إياك آمر وإياك أنهي وإياك أعاقب وإياك أنيب)([178]).

الشرط الثاني: القدرة:

وهي القوة على الفعل والترك بحيث إن شاء فعل وإن شاء ترك، ويقابلهما العجز. ودليل اشتراطها قوله تعالى: [لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا]([179])، بقبح التكليف بغير المقدور.

الشرط الثالث: البلوغ:

إن التكاليف غير الإلزامية كالاستحباب والكراهة لا يشترط فيها البلوغ وإنما هو شرط لخصوص الوجوب والحرمة. وأما حديث (رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم) فإن الظاهر هو رفع الأحكام الإلزامية دون غيرها لأن الحديث في مورد الامتنان ولا منّة في رفع الأحكام غير الإلزامية، كما ان عدم اشتراط البلوغ في الأحكام الوضعية، فإن الطهارة والمواريث والضمان والديات والغصب تثبت للصبي كالبالغ، فقوله : (من أحيا أرضاً ميتة فهي له)([180]) و(من حاز شيئاً من المباحات فقد ملكه)([181]) أو (من أتلف مالاً ضمنه)([182]) ونحو ذلك فهي عامة للصبي كالبالغ. أما الأحكام التكليفية فهي للبالغ فقط.

ماهية البلوغ وعلاماته:

البلوغ عبارة عن مرتبة وقوة باطنية واستعداد معنوي في الإنسان ينتقل به من مرحلة الطفولة إلى حد الكمال والرجولة، ويبلغ الذكر في قابليته على الوطء بشهوة، وتبلغ الأنثى في قابليتها على الموطوئية بشهوة, وحيث كان البلوغ أمراً باطنياً جعل الشارع علامات ظاهرية:

1- الاحتلام: قال الله تعالى: [وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمْ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا]([183]).

2- نباتُ الشعر الخشن على العانة: التي هي عبارة عمّا حول الذكر والفرج مما يعلم به البلوغ، ولا عبرة بالشعر الضعيف الذي قد يوجد على العانة في حال الصغر المسمى بالزغب.

3- السن: وهو بمضي خمس عشرة سنة قمرية للذكر وبمضي تسع سنين للأنثى.

4- الحيض: وهو الدم النازل بعد تسع سنين.

5- الحمل.

الشرط الرابع: العلم:

إن التكليف مشروط بفهم المكلّف وعلمه بما كلّف به لحديث الرفع (رفع عن أمتي ما لا يعلمون)([184])، أما تكليف ما لا يعلم ولا يفهم فهو تكليف بما لا يطاق، ولقبح العقاب بلا بيان، ولو لم يكن العلم شرطاً للتكليف لكلفة البهائم، وروي (ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم)([185]).

الشرط الخامس: عدم ما يفقد به الإنسان شعوره:

كالإغماء والنوم والسكر فإنه حال وجودها لا يصح التكليف لعدم قدرته على العمل فتكليفه تكليف بما لا يطاق والروايات تنص بعدم وجوب قضاء ما فات للمغمى عليه، فإن كل ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر.([186]) نعم، لو كان الإغماء بتعمد وجب عليه القضاء.

الشرط السادس: وجود المكلف:

وجود المكلّف لاستحالة تكليف المعدوم، فإذا كان تكليف الجمادات والنباتات والحيوانات قبيحاً كان تكليف المعدوم قبيحاً بطريق أولى.

وذهبت الأشاعرة إلى القول بجواز تكليف المعدوم بل أنه لا تكليف شرعاً عندهم إلاَّ للمعدوم لقدم التكليف عندهم بقدم ما به التكليف وهو الكلام النفسي.([187])

الشرط السابع: الإسلام والإيمان:

اشترط بعض الفقهاء في التكاليف الإسلام فقط والآخر اشترط الإيمان، ولكن المشهور عند الإمامية عدم اشتراطهما لأن الكفّار مكلفون ومخاطبون بالفروع والأصول.

نعم اشتراط الإسلام والإيمان في صحة قبول العبادات فيما عدا الصدقة والوقف والعتق لأن الكافر لا تتحقق منه نية القربة والعبادة لا تصح إلاَّ بنية القربة.

الشرط الثامن: أن يكون المكلّف به محل ابتلاء:

أشهر شرائط التكليف أربعة: البلوغ والعقل والقدرة والعلم، ومن الفقهاء من فرّق بين شرط في أصل التكليف وفعليته. ومن الشروط الفعلية كونه محل للابتلاء، والمراد به كونه محلاً للابتلاء أنه لو صار المكلف بصدد فعله أو تركه احتاج إلى داعٍ يدعوه إلى ذلك، فلو كان المورد مما لا يحتاج إلى ذلك فهو مما لا ابتلاء به، ولا يتحقق لهذا العنوان مورد إلاَّ في صورة الترك، فيختص هذا الشرط بالنواهي، لأن الآمر إذا تعلّق بشيء كان هو بنفسه سبباً لكون فعل ذلك الشيء محلاً للابتلاء، والذي يعرض الابتلاء مما يكون يحسن عقلاً وعرفاً معه نسبة الترك فلا يعد القول (تركت الصعود إلى السماء) ترك لمحل الابتلاء، أو لا يكون ابتلاء بالنسبة إليه كترك تزويج بنت السلطان وهو من أذناب الرعية، كما أنه لا يكلف الشخص بترك الزنا وهو في بادية لا أنس فيها ولا جان، فإن التكليف بذلك غير مُنَجَّزٍ عليه.

الشرط التاسع: عدم الحرج:

يشترط في الحكم الشرعي عدم الضيق والحرج لقوله تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]([188]) وقوله تعالى: [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ]([189]). وما روي عن الإمام الصادق ‚: (الله أكرم من أن يكلف الناس ما لا يطيقون)([190])، وقوله: (بعثت بالحنيفية السهلة السمحاء)([191]).

إن أدلة الحرج تقدم على أدلة الأحكام التكليفية والأحكام الوضعية فلو كان الحكم بالنجاسة موجباً للعسر في حق العباد كانت قاعدة العسر نافية له، وكذا إذا فرض حرج في تحصيل مقدار النفقة الواجبة لم تجب.

الشرط العاشر: الاختيار وعدم الإكراه والاضطرار:

إن الفرق بين الفعل الاختياري والفعل المكره عليه أنَّ الأول كانت الإرادة حرة مستقلة غير مسببة عن إرادة غيره بتوعيد بالضرر وتخويفه وترهيبه.

وأما الإكراه فإن الإرادة غير حرة ومنبعثة عن إرادة غيره، وأما الاضطرار والإلجاء فهو عبارة عن سلب الإرادة والاختيار ويكون وجود الفعل ليس بيده ولا تحت تصرفه أصلاً بل يكون الفاعل بمنزلة الآلة الصماء بيد عاملها.

 

 

الفصل الخامس

مصادر الشريعة الإسلامية

تنقسم مصادر الشريعة الإسلامية إلى قسمين:

القسم الأول: الأدلة الاجتهادية:

وهي الكتاب العزيز والسنة النبوية والإجماع والعقل.

أولاً: الكتاب العزيز

هو القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على نبينا محمد  واعتبره قرآناً.([192])

شرح التعريف: قيّد التعريف بعبارة (واعتبره قرآناً) لإخراج الحديث القدسي فإنه وإن نسب إلى الله إلاَّ أنه لا يعتبر قرآناً، ولإخراج السنة الشريفة فإن أحاديث الرسول  وإن كانت من الله تعالى لتصريح القرآن بذلك في قوله تعالى: [وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى]([193]) إلاَّ أنها ليست بقرآن. وبقيد (اعتبره قرآناً) لإخراج تفسير القرآن وترجمته فانهما لا تعتبران قرآناً لعدم توافرهما على الألفاظ والأسلوب الذين نزل بهما القرآن.

وعلى هذا لا يعد الاستدلال بتفسير القرآن وترجمته استدلالاً بالقرآن، والقرآن المتناول بيننا لم ينقص منه شيء لثبوت ذلك بقوله تعالى: [نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]([194]) ونقله بالتواتر، ولا خلاف بين المسلمين في حجيته.

والقرآن الكريم هو المصدر الأول من مصادر التشريع الإسلامي، والدستور من ربِّ العالمين أنزله على الرسول الأمين لفترة 23 سنة، وقد اشتمل على أغلب القواعد الفقهية، وروعي فيه بيان الأحكام الشرعية ممزوجة بالوعظ والإرشاد والوعد الوعيد، وقصص الأنبياء الصالحين وما ناله الكفار المخالفين من العذاب الأليم في الدنيا قبل الآخرة لتقوية الضمير في الطاعة والبعد عن المعصية.

والقرآن قطعي الصدور لتواتر نقله عند المسلمين من حين نزوله حتى الوقت الحاضر، وإما من حيث الدلالة فقد يكون قطعياً إذا كان اللفظ لا يحتمل فيه إلاَّ معنى واحد كنصوصه، وقد تكون دلالته ظنية إذا كان اللفظ يحتمل أكثر من معنى واحد كظواهره.

ولقد كانت الآيات المكية تبعث نحو تكوين العقيدة والأخلاق الكريمة، ولهذا تجد فيها القصر والإيجاز ليسهل على القارئ والمستمع وعيها وتفهمها، بخلاف الآيات المدنية فإنها كانت تبعث نحو تفهم الأحكام الشرعية، فيها الطول لاحتياج شرح الحكم وبيان حدوده إلى البسط والتوضيح، وقد ذكروا أن مجموع آيات الأحكام (500) آية وإن الباقي منها تتعلق بالعقائد الدينية والأخلاق الحميدة والقصص التي فيها الموعظة الحسنة والأمثال المتنوعة التي ترشدنا لما فيه الخير والصلاح والسعادة والفلاح، وتنقسم آياته إلى قسمين:

القسم الأول: آيات مُحكمة، وتنقسم إلى نص وظاهر، وهي الحجة فيه.

والقسم الثاني: آيات متشابهة، وتنقسم إلى مجمل ومؤول.

والمراد بالنص: هو ما دلَّ على المراد من غير احتمال، ويقابله المجمل.

والمجمل: ما لا يعرف معناه

والظاهر: هو ما دلَّ على أحد محتملاته دلالة راجحة، ويقابله المؤول.

والمؤول: هو الذي أراد به المتكلم خلاف ظاهره.

واتفق الفقهاء في عدم جواز الأخذ بالمتشابه والمجمل والمؤول من دون الرجوع إلى أهل الذكر.

وأما النص والظاهر فالمحكي عن المجتهدين الأصوليين كافة جواز الأخذ بهما ما عدا الأخباريين، حيث منعوا من التمسك بالكتاب مطلقاً إلاَّ ما روي تفسيره عن الأئمة المعصومين “.

   اللفظ

 

                    محكم                                                             متشابه

 

            نص             ظاهر                                          مجمل            مؤول

 

أدلة المانعيـن (الأخبارييـن):

1- بما ورد من الروايات في المنع والنهي عن تفسير القرآن بالرأي، مثل الحديث النبوي: (من فسّر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار)([195])، وفي الحديث القدسي: (ما آمن بي من فسر كلامي برأيه...)([196]).

والجواب: إن أخبار المنع من تفسير القرآن بغير نص وأثر يجب حملها على المتشابهات منه دون المحكمات، أما منع دلالتها على المنع عن العمل بالظواهر الواضحة فليس المراد منها ذلك.

2- ذكرت الروايات في معرفة الآيات بسؤال أهل الذكر “.

والجواب: إن الأخبار الدالة على تخصيص أهل الذكر “ بعلمه دون غيرهم فإنها أيضاً محمولة على المتشابهات منه، وعلى علم مجموع آياته.

3- طرد التقيد والتخصيص والتجوز في أكثر القرآن وظواهره فأوجب فيه الإجمال.

والجواب: إن هذا واقع في القرآن ولكن يوجب الفحص دون سقوط حجيته وظاهره. نعم، انعقد الإجماع إن جلَّ آيات الأصول والفروع مما تعلق الحكم فيها بأمور مجملة لا يمكن العمل بها إلاَّ بعد أخذ تفصيلها من الأخبار وهذه إن تمَّت فهي بالعبادات.

وأما المعاملات فالإطلاقات الواردة في الآيات مما يتمسك بها مثل قوله تعالى: [أَوْفُوا بِالْعُقُودِ]([197])، و[تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ]([198])، و[مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ]([199]) وغيرها.

أدلة المجيزين (الأصولييـن):

أولاً: الاستدلال بالآيات القرآنية:

أ- قوله تعالى: [هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ]([200])، حيث ذمَّ الله تعالى على اتباع المتشابه دون المحكم.

ب- قوله تعالى: [أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا]([201])، حيث ذمَّ على ترك تدبره، ولا ريب أن المراد بذلك الحث على العمل بمقتضاه إذ التدبر إنما يكون مطلوباً من أجل العمل بغايته.

ج- قوله تعالى: [بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ]([202]) حيث مَنَّ عليهم لكونه بلسانهم ولا يكون ذلك منَّةً عليهم إلاَّ لاستفادتهم به وهي العمل به.

د- قوله تعالى: [وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ]([203]).

ثانياً: الاستدلال بالأخبار (الروايات) الشريفة:

1- الأخبار التي أمرت بالرجوع إلى الكتاب الكريم والأخذ بالقرآن على إطلاقها، وقد خرج منها المتشابه بالإجماع فبقيت الآيات المحكمة.

2- استدلالات الأئمة “ على خصومهم في بيان الأحكام بالآيات القرآنية، فعندما سُئل الإمام عن كيفية الوضوء عند انقطاع ظفر السائل ووضع المرارة عليه، قال ‚: (تعرف هذا وأشباهه من كتاب الله، قال تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ] امسح عليه)([204]).

3- تقرير الأئمة “ لأصحابهم بالاستدلال بالقرآن الكريم، والسيرة المستمرة بين المسلمين على التمسك به من زمن الرسول  إلى زمن الصحابة والتابعين والسلف الصالحين وثقات رواة المعصومين بلا رادع من أحد منهم.

4 - ما ورد عن الصديقة الطاهرة في خطبتها قولها : (لله عهد قدمه إليكم وبقية استخلفه عليكم كتاب الله بينة بصائره وآي منكشفة سرائره وبرهان متجليّة ظواهره)([205]).

5- ما روي من خبر: (إني تركت بين أظهركم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي)([206])، فإن ظهوره في جواز التمسك بكل منهما مستقلاً عن الآخر بما لا ينكره إلاَّ مكابر.

6- ما روي في الأخبار العلاجية عند التعارض بين الأخبار، قول الإمام الصادق ‚: (ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف)([207]).

7- وقوله : (إذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن)([208])، وقوله : (القرآن هدى من الضلالة)([209]).

ثالثاً: الاستدلال بالعقل:

إن المحكم إما نص وهو لا يحتمل الخلاف، وإما ظاهر، والحكيم في مقام البيان والتفهيم لا يتكلم بما يريد خلاف ظاهره وإلاَّ يلزم الإغراء بالجهل.

نعم، لا يجوز التمسك بالمتشابه منه وهو الذي ليس بنص ولا له ظاهر من دون دليل ولا شاهد على المراد منه بل مجرد رأي واستحسان ما أنزل الله به من سلطان.

ثانياً: السنة الشريفة

تعريف السنة:

السنة لغة: هي الطريقة، وعند علماء الحديث وأهل السير والتاريخ هو كل ما يتعلق بالرسول الأعظم  من سيرة وخلق وأخبار وأقوال وأفعال سواء أثبتت حكماً شرعياً أم لا.

والسنة عند الفقهاء: هو العمل الواقع من المعصوم ‚ ولم يكن فرضاً واجباً.

وعند علماء أصول الفقه: هي قول المعصوم أو فعله أو تقريره.

فالسنة تنقسم إلى ثلاثة أنواع:

النوع الأول: تسمى بالسنة القولية: سواء أكانت لفظاً أو كتابة أم إشارة كالأحاديث التي تلفّظ بها الرسول  مثل قوله : (إنما الأعمال بالنيات)([210])، و(لا ضرر ولا ضرار في الإسلام)([211]).

النوع الثاني: تسمى بالسنة الفعلية: وهي الأفعال التي صدرت من المعصوم يقصد بها بيان التشريع كصلاته ووضوئه، أو تركه باعتبار أن الترك يُأوّل إلى الكف وهو فعل، فإن تركه للأذان والإقامة في النوافل دليل على عدم وجوبهما في النوافل، وأما الأفعال التي تكون من خصائص المعصوم كالزواج بأكثر من أربعة فلا يعتبر سنة لنا.

النوع الثالث: تسمى بالسنة التقريرية: وهي تقرير المعصوم لما يصدر عن غيره بسكوت أو موافقة أو استحسان مع تمكنه من الردع سواء أكان في حضور المعصوم أم في غيبته وعلم به ولم يردع عنه.

حجية السنة:

لا إشكال في حجية السنة لأنها صادرة عن المعصوم عن الخطأ، وقد قام الإجماع وضرورة الدين على حجيتها، ووجوب العمل بمؤداها, ولا خلاف بين علماء المسلمين قاطبة بأن السنة الشريفة تُعتبر المصدر الثاني بعد القرآن الكريم لقوله تعالى: [وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ]([212]) فإذا كانت السنة بياناً فهي تالية لما جاءت بياناً له وهو القرآن.

مصاديق السنة:

يرى فقهاء أهل السنة أن المعصوم هو خصوص النبي  والشيعة الإمامية يرون أن النبي والأئمة الاثني عشر “ من بعده وسيدة النساء فاطمة الزهراء  -  بنت رسول الله  كلهم معصومون من الخطأ والغلط في بيان الأحكام الشرعية.

الفرق بيـن السنة والحديث والخبر:

قد تطلق السنة على قول المعصوم أو فعله أو تقريره أو الحاكي عن تلك الأمور، فيكون معناها أعم من المعنى الأول.

والحديث والخبر لغة مترادفان, فإن كليهما في اللغة بمعنى الإعلام.

والحديث اصطلاحاً: ما يحكي السنة من قول المعصوم أو فعله أو تركه أو تقريره، والنسبة بين السنة والحديث عموم من وجه يجتمعان فيما لو نقل النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  قول نفسه بأن قال قلت: (لا ضرر ولا ضرار) أو نقل إمام معصوم قول إمام معصوم آخر أو فعله أو تقريره، فإنه من حيث أنه قوله ‚ يكون سنة ومن حيث أنه حاكي عن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  أو عن إمام آخر معصوم يكون حديثاً.

وأما مادة الافتراق كقول الصحابي إن المعصوم فعل كذا فإنه حديث ناقل للسنة، كما أن نفس قول المعصوم أو فعله سنة وليس بحديث.

وأما الحديث القدسي فعبارة عن مواعظ يحكيها الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم  عن ربه مثل قوله  صلى الله عليه وآله وسلم  الصوم لي وأنا أجزي به, والفرق بينه وبين القرآن الكريم ان القرآن هو المنزَل للتحدي والإعجاز بخلاف الحديث القدسي.

وأما الأثر هو أعم من الخبر والحديث فيقال لكلٍ منهما أثر.

وإذا أطلق الأصوليون لفظ متن الحديث فمرادهم خصوص اللفظ الحاكي للسنة، وإذا أطلقوا لفظ سند الحديث فمرادهم طريق متن الحديث أي جملة رواته، وإذا أطلقوا لفظ الإسناد فمرادهم رفع الحديث لقائله.

شرائط العمل بالسنة:

1- أن تكون جهة صدورها هو بيان الحكم الواقعي لا جهة أخرى كالتقية، ومع الشك فالأصل لبيان الواقع وهذا الأصل عليه بناء العقلاء في محاوراتهم.

2- أن نعمل بها بعد الفحص عن عدم المعارض وعدم المخصص والمقيد لها، وعدم وجود قرينة حالية أو مقالية.

علاقة السنة بالقرآن:

تقسم الأحاديث الشريفة على أساس علاقتها بالقرآن الكريم إلى ثلاثة أقسام هي:

1-القسم الأول السنة المؤكدة تأتي موافقة للكتاب ومن هذا القبيل قوله  صلى الله عليه وآله وسلم  (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه)([213]) فإنه يوافق قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ]([214]).

2-القسم الثاني السنة المبينة وهي الموضحة لما أجمله القرآن الكريم مثل مخصصة للعام أو مقيدة للمطلق مثل الأحاديث الواردة في بيان عدد ركعات الصلاة ومقدار الزكاة في المال وغيرها.

3-القسم الثالث السنة المؤسسة فهي تدل على حكم قد سكت عنه القرآن الكريم مثل قوله  صلى الله عليه وآله وسلم  (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)([215]).       

أقسام الخبر:

إن الخبر الحاكي للسنة إن كان رواته متصلين واحداً عن واحد بأسمائهم سماه الفقهاء بالحديث المسند أو المتصل السند، وإن كان رواته منقطعين بمعنى أنه في سلسلة لم يذكر أو عبر عنه بلفظ مبهم كأن يقول عن رجل أو عن بعض أصحابنا سماه الفقهاء بالخبر المرسل أو المنقطع.

الخبر المسند:

وينقسم إلى ثلاثة أنواع:

1- المتواتر: وهو ما رواه جماعة كثيرة يمنع بحسب العادة تواطؤهم على الكذب من زمن المعصوم ‚ حتى وصل إلينا، ويعتبر ذلك في جميع الطبقات ولو تعددت وهو على قسمين:

القسم الأول: التواتر اللفظي: وهو ما يفيد القطع بصدور هذا اللفظ من المعصوم ‚, ومثاله قوله  صلى الله عليه وآله وسلم : (من كذّب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)([216]) أو كقوله  صلى الله عليه وآله وسلم  (إنما الأعمال بالنيات)([217]).

القسم الثاني: التواتر المعنوي: وهو ما يفيد القطع بصدور مضمونه كشجاعة علي ‚.

والمتواتر حجة بقسميه لإفادته القطع واليقين.

2- الخبر المشهور: ويسمى المستفيض وهو ما رواه جماعة عن المعصوم ما يفوقون الثلاثة مع عدم بلوغهم حد التواتر، والأغلب على حجيته حتى أنهم يخصصون عموم القرآن به ويقيدونه.

3- خبر الواحد أو الآحاد: وهو من لم تبلغ رواته حد التواتر ولو في طبقة من طبقاته، وكثير من الفقهاء جعل الخبر الواحد والخبر المستفيض أو المشهور قسماً واحداً، ويجعل الخبر المشهور من الخبر الواحد فيكون تقسيم الخبر المسند إلى خبر متواتر وخبر آحاد.

تقسيم الأصولييـن الخبر الواحد إلـى أربعة أقسام:

1- الصحيح: وهو ما كان مسنداً تتصل رواته بالمعصوم وكلهم عدول.

  1. الحسن: وهو ما كان رواته ممدوحين بمدح لم يبلغ التصريح بالعدالة كلهم أو كانوا عدول، ولكن فيهم واحد ممدوح لم يصرّح بعدالته.
  2. الموثوق: وهو ما كان رواته مأمونين من الكذب بأجمعهم أو واحد منهم وكان الباقون عدولاً.
  3. الضعيف: هو ما لم يحرز كون رواته ممن لا يكذبون، ويدخل فيه المرسل.

حجية الأخبار:

لا ريب في حجية الخبر المتواتر والخبر المفيد للقطع ولو بمعونة القرائن الخارجية، وإنما وقع الكلام بالخبر الآحاد وإمكان التعبد به شرعاً، فتارة يكون من باب حجية مطلق الظن في الأحكام الشرعية لدليل الانسداد فلا يكون خبر الواحد على هذا حجة بنفسه بل من باب إفادته الظن، وتارة يكون حجة من باب التعبدية حتى لو كان مطلق الظن ليس بحجة.

ومن الفقهاء من أنكر حجية الخبر الواحد ونُسِب هذا القول إلى بَعضِ فقهاء الشيعة كالمرتضى وابن زهرة وابن البراج وابن إدريس والطبرسي، وعن الوافية أنه لم يجد القول بالحجية صريحاً ممن تقدم على العلامة الحلي.

والأخباريون عوّلوا على ما في الكتب الأربعة وهي الكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والاستبصار، والتهذيب.

واختلف الأخباريون بينهم إلى أقوال:

1- منهم من قال بحجية أخبار الكتب الأربعة وإن لم تفد القطع بالصدور فهي تفيد قطعية الاعتبار.

2- منهم من استثنى ما كان منها مخالف للمشهور فهو غير معتبر كما هو المحكي عن النراقي.

3- منهم من قال إن حجية أخبار الكتب الأربعة خصوصاً التي عمل بها الأصحاب، وينسب هذا القول إلى المحقق الحلي.

4- ومنهم من قال: بأن الحجة هو خصوص من كان رواته عدولاً أو ثقاة.

السنة الشريفة

 

 

     القولية                                         الفعلية                                      التقريرية

 

الخبر المرسل                                الخبر المسند

 

                        المتواتر                          المشهور                             الآحاد

 

التواتر اللفظي          التواتر المعنوي               الصحيح            الحسن            الموثوق          الضعيف

حجية خبر الواحد عن أهل السنة:

اشترط الحنفية في حجية الخبر الواحد أن يكون موافقاً للقياس وأن لا يكون في الوقائع التي تعم بها البلوى ولا فيما يتكرر وقوعه لأنه لو كان فيها لاشتهر أو تواتر، واشترط المالكية في حجيته أن يكون موافقاً لما عليه أهل المدينة المنورة.

واشترط الشافعية أن يكون رواته ثقات معروفين بالصدق عاقلين لما يحدثون به والخبر متصل السند.

صفات الراوي:

1- العقل فلا تقبل رواية المجنون.

2- البلوغ عند الأداء لا التحمل.

3- الإسلام حال الرواية لا التحمل.

4- الضبط بأن لا يكون النسيان والسهو والغفلة تغلب عليه بحيث تكون أكثر من ذكره أو مساوية له.

5- العدالة بمعنى الوثاقة بأن يكون الراوي متحرّزاً عن الكذب.

علم الدراية:

وهو علم يُبحث فيه عن سند الحديث ومتنه وكيفية تحمله وآداب نقله.

علم الرجال (علم الجرح والتعديل):

هو العلم الذي يبحث فيه عن أحوال رواة الحديث وأوصافهم التي لها دخل في جواز قبول قولهم وعدمه.

ويحتاج إلى هذا العلم لاستنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التي عمدتها الأحاديث المروية عن أهل البيت e حيث لابد من النظر في أحوال رجال سند الحديث، ويطمئن بأنهم ممن يصح التعويل عليهم، لكثرة الأحاديث الموضوعة.

وأول من صنّف في علم الرجال هو عبد الله بن جبلة بن أبحر البجلي (ت:219هـ)، وأقدم كتاب للشيعة في علم الرجال هو لأحمد بن محمد بن خالد البرقي (ت:274هـ) ولأهل السنة طبقات ابن سعد (ت:230هـ).

والكتب المعتمدة عند الإمامية في علم الرجال هي:

1- رجال الكشي واسمه (معرفة الناقلين عن الأئمة الصادقين) ألفه الشيخ أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي (ت:340هـ).

2- الفهرست ألّفه الشيخ الطوسي (ت: 460هـ).

3- رجال الطوسي المسمى (الأبواب) لأنه رتبه على أبواب، باب للرواة من الصحابة وباب للرواة عن كل إمام من الأئمة e، وآخر باب منه عقده لمن لم يروِ عنهم e.

4- رجال النجاشي لأبي العباس أحمد بن علي النجاشي (ت:450هـ) وقد جعل للأسماء أبواباً على الحروف الهجائية واسمه (فهرس أسماء مصنفي الشيعة).

وكانت هذه الكتب الرجالية الأربعة هي الأصول.

الفرق بيـن علم الرجال وعلم الدراية:

إن علم الرجال يبحث عن سند الحديث وعلم الدراية يبحث عن متن الحديث وسنده.

ثالثاً: الإجماع

تعريف الإجماع:

الإجماع لغة: هو ضم المتفرّق واجتماعه وهو يقابل الاختلاف والتفريق.

الإجماع اصطلاحاً:

أولاً: عند أهل السنة: (هو اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  على أمر من الأمور الدينية)، وقيدوه بالدينية لإخراج الاتفاق في الأمور الغير شرعية كالعقليات والعرفيات. وعند مالك إجماع أهل المدينة، وعند داود الظاهري إجماع الصحابة فقط.

ثانياً: الإجماع عند الإمامية: هو اتفاق جماعة من العلماء كاشف عن رأي المعصوم سواء أكان العلم من جهة اشتمال المجمعين عليه من دون تشخيصه، أم من جهة الحدس لأن العادة قاضية بأن أصحاب الشخص إذا اتفقوا على شيء فهو لابد من أن يكون قائلاً به، أو من جهة قاعدة اللطف فإنها تقتضي ردع الله الأمة لو اتفقت على الباطل، فإن من أعظم الألطاف من الله الواجبة إظهار كلمة الحق على لسان داعٍ يدعو لها لأنه إذ ذاك ينكشف به الواقع.

وأما إذا لم يكشف الإجماع عن رأي المعصوم فلا دليل على حجيته، فلو وجد مع الإجماع آية أو رواية احتمل أن فتوى المجمعين كانت مستندة له فيسقط الإجماع عن الحجية عند الإمامية لأنه حينئذٍ لم يكشف عن رأي المعصوم.

حجية الإجماع:

إن قوام الإجماع هو أن يكشف عن رأي المعصوم، فمتى ما كان المعصوم أحد المجمعين على الحكم كان هذا الاتفاق اجماعاً شرعياً، ومتى لم يعلم بذلك لا يعد هذا النوع من الاتفاق اجماعاً شرعياً، وعلى هذا فعلاقة الإجماع بالسنة الشريفة باعتباره كاشف عن رأي المعصوم يكون موصلاً إلى السنة إلاَّ أن الفرق بين السنة الشريفة والإجماع بأن السنة الشريفة طريق لفظي والإجماع طريق غير لفظي.

حصول الإجماع:

إن لحصول الإجماع طرقاً ثلاثة:

الطريق الأول: المنسوب للمتقدمين من علماء السنة والشيعة من أن الإجماع اتفاق الكل، وعند الشيعة دخول المعصوم فيه شرطٌ فهو يخبر عن المعصوم في نقل السنة، وإن العلم بهذا الإجماع لا يحصل إلاَّ بأمور:

أحدها: الحدس، بأن يطلع على جملة من فتاوى العلماء المتبحرين فيحدس من ذلك موافقة الباقين لهم لاعتقاده بعدم معقولية المخالفة لهم كما يقال علماء النحو مجمعون على أن الفاعل مرفوع مع عدم الاطلاع إلاَّ على بعض فحول علمائهم.

ثانيها: الحس بالاستقراء لجميع الفقهاء ضرورة عدم حصول العلم بالكل.

الطريق الثاني: هو اتفاق جميع العلماء غير المعصوم منهم على حكم مع فقد الكتاب العزيز والسنة الشريفة عليه فيفارق الطريق الأول بخروج المعصوم بأن قول المعصوم على المسلك الأول مدلول تضمني دون هذا المسلك.

إن حجية الإجماع من جهة كشفه عن رأي المعصوم لطف، فإن العلماء إذا اتفقوا على حكم ولم يدل على خلافه آية محكمة أو سنة قاطعة ولم نعلم بمخالفة المعصوم منهم وجب القطع بكونهم على الحق وإلاَّ لوجب على المعصوم ردعهم إذ لولا الردع لزم بقاؤهم على الضلالة وهذا منافي لقاعدة اللطف.

وهذا الإجماع لا يتم إلاَّ عند الإمامية الذين يقولون بأنه في كل عصر إلى يوم القيامة يوجد إمام إما ظاهراً أو مستوراً، لهذا الإجماع حجيته لوجوه:

الأول: قاعدة اللطف([218]).

الثاني: إن سكوت الإمام مع وجوده يكون تقريراً لهم، وتوضيح ذلك أنهم لما أجمعوا على مسألة ما فلابد من إطلاع المعصوم على إجماعهم لأنه المتولي لشؤونهم مع ذلك سكت ولم يمنعهم فيكون سكوته تقريراً لهم على ما أجمعوا عليه.

الثالث: للخبر المروي: (إن المجمع عليه لا ريب فيه)([219]).

الرابع: ما دلَّ من الأخبار من أن الأرض لا تخلو من حجة ينتفع به إن زاد المؤمنون شيئاً ردهم ([220]).

مورد الإجماع:

يقتصر مورد الإجماع على الحكم الشرعي، وعليه فالاتفاق المنعقد على غير الحكم الشرعي ليس إجماعاً عندهم وإن شاع عليه إطلاق الإجماع. نعم، هو حجة من كل أهل علم في مسائل ذلك العلم لأن أهل الفن لهم الخبرة بفنّهم والرجوع إليهم من باب الرجوع لأهل الخبرة.

أقسام الإجماع:

1-   الإجماع القولي والإجماع العملي:

إن الإجماع باعتبار القول وعدمه ينقسم إلى قسمين:

الإجماع القولي: وهو صدور الفتوى من جميع الفقهاء بالمسألة.

الإجماع العملي: وهو اتفاق الفقهاء على القيام بالعمل بهذا النحو كحجهم وصومهم بهذه الكيفية ويشمل السيرة.

2-   الإجماع المحصل والإجماع المنقول:

 وينقسم الإجماع باعتبار تحصيله ونقله إلى قسمين:

الإجماع المحصل: وهو ما حصّله المدعي بنفسه وذلك بأن يطلع على فتاوى المجتهدين واحداً واحداً ويجدها متفقة.

الإجماع المنقول: وهو ما نقله الغير مستدلاً به على مدعاه.

3-   الإجماع القولي والإجماع السكوتي:

الإجماع القولي: هو عبارة عن تصريح العلماء بحكم واحد متفقين عليه.

الإجماع السكوتي: هو عبارة عن حكم بعض المجتهدين بشيء اطّلع عليه الباقون فسكتوا وهو ليس بحجة عند الإمامية كما عرفت إن الإجماع المعتبر هو الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم، ومن الظاهر أن السكوت أعم من الاتفاق لاحتمال أن السكوت كان لأجل التوقف أو لمهلة النظر أو لتجديده أو من أجل التقية في الإنكار.

 

الإجماع اللفظي والإجماع اللبي:

الإجماع اللفظي: هو اتفاق المجتهدين في الفتوى لفظاً ومعنى كما لو أفتوا باستحباب زيارة الإمام الحسين ‚ وتجري في الإجماع اللفظي القواعد اللفظية من العموم والإطلاق والتقييد والانصراف وعدمه.

الإجماع اللبي: هو اتفاق المجتهدين في الفتوى على مضمون الجامع بين الألفاظ فليس يجري فيه القواعد اللفظية ويؤخذ بالقدر المتيقن كما في تحديد الحائر الحسيني والصلاة فيه تخييراً.

رابعاً: العقل

تعريف العقل:

العقل: هو القوة المدبرة والمديرة للبدن والمسيرة له في تصرفاته الاختيارية في صالحه، وليس مراد الأصوليين من العقل هو القوة الكاملة الموجودة في الأنبياء والأوصياء، ولا الناقصة الموجودة في الهمج الرعاع، وإنما مرادهم بها الموجودة في أواسط الناس الخالية من الشوائب والأوهام.

تعريف دليل العقل عند الأصوليين: هو كل حكم عقلي ينتهي إلى القطع بالحكم، والعقل له دلالة على الحكم الشرعي كما أن للكتاب العزيز والسنة الشريفة والإجماع.

تقسيم دليل العقل:

دليل العقل ينقسم إلى قسمين بالنسبة إلى مقدماته:

 

أولاً: المستقلات العقلية:

فيما إذا كانت المقدمات عقلية جميعها ولا يتوقف استنتاجه للحكم الشرعي على خطاب شرعي فيسمى بالدليل العقلي المستقل ومثاله وجوب رد الوديعة شرعاً مِن حُكم العقل بحسن ردِّها بحيث لا يرضى بعدم ردها مع مقدمة (كلما حكم به العقل حكم به الشرع)، فإن العقل يستنتج من هاتين المقدمتين العقليتين وجوب رد الوديعة واقعاً أي شرعاً.

وأمثلة أُخر:

مقدمة وجدانية: إن شرب الدخان لم يقم دليل على حرمته شرعاً.

مقدمة عقلية: قبح العقاب بلا بيان.

النتيجة: قبح العقاب على شرب الدخان أو شرب الدخان جائز.

ثانياً: المستقلات غير العقلية:

 هو فيما كانت أحد مقدماته غير عقلية ويسمى بالدليل العقلي غير المستقل، كحكمه بوجوب هذه المقدمة شرعاً، فإن الدليل العقلي عليه متوقف على خطاب شرعي بذي المقدمة شرعاً وعلى مقدمة عقلية وهي استلزام وجوب المقدمة شرعاً لوجوب ذيها شرعاً، كالحج واجب شرعاً، السفر إلى بيت الله الحرام واجب عقلاً، فالسفر إلى بيت الله الحرام واجب شرعاً لأنه لا يتم الواجب إلاَّ به.

حجية دليل العقل:

إن حجية العقل في واقعها من الأمور البديهية التي لا تفتقر إلى برهان لأن العقل هو الدليل الأساسي للعقيدة الإسلامية التي منها ينبثق التشريع الإسلامي، فمن اعتباره دليلاً أساسياً للعقيدة تستطيع أن تدرك بسهولة وبداهة حجية اعتباره دليلاً للتشريع، وذلك لأن العقيدة أهم من التشريع لأنها أصل الدين.

ذهب المعتزلة إلى أن العقل إذا دلَّ على شيء فهو حجة وباعتبار حصول القطع منه يؤول عند مخالفته للكتاب أو الإجماع أو غير ذلك من الأدلة المعتبرة سواء أكان في أصول الدين أم فروعه.

وخالف الأشاعرة فذهبوا إلى أن العقل لا دخل له في أصول الدين ولا فروعه وإنما عليه الانقياد والإذعان للنصوص الدينية والعمل على طبقها.

والشيخ الأنصاري لم يعد العقل من أدلة أو مصادر الحكم الشرعي ولم يذكر الدليل العقلي في عداد الأدلة على الأحكام الشرعية، وإنما ذكر القطع بالحكم الشرعي فجعله الميزان هو القطع من الدليل العقلي، فالدليل العقلي إن أفاد القطع بالحكم الشرعي كرد الوديعة يعمل به وإلاَّ فلا.

كما أن الظن بالحكم الشرعي الحاصل من الدليل إن ثبت حجيته من الشرع يعمل به وإلاَّ فلا كاعتبار حجية الخبر الواحد التي تفيد الظن.

وإن القطع لا ريب في وجوب متابعته ولزوم العمل به والجري على طبقه لانكشاف الواقع به لدى القاطع انكشافاً تاماً.

والدليل العقلي الذي يوجب القطع بالأحكام الشرعية هو دليل الحسن والقبح العقليين وهو مبني على دعامتين:

الدعامة الأولـى: التحسيـن والتقبيح العقليّان:

إن الأفعال عند العقل مختلفة في نفسها مع قطع النظر عن الشرع، فبعضها ما يمدح فاعله كرد الوديعة الموجب للفرح والسرور، وبعضها ما يذم فاعلها لخصوصية في ذاتها أو صفة حقيقية متصفة بها أو جهة اعتبارية فالضرب الموروث للحزن والغم والألم يذم فاعله.

فالأفعال عند الإمامية والمعتزلة وبعض الأشاعرة توصف بالحسن والقبح.

أما جمهور الأشاعرة خالف ذلك فقالوا بأن أفعال الله لا تتصف بالحسن أو القبح، فلو أثاب العاصي وعاقب المطيع لم يأتِ بقبيح لأنه تصرف منه تعالى في ملكه فما يفعله في محله.

وأما أفعال العباد فعند الأشاعرة بناء على عدم صدورها منهم بالاختيار وإنما كان صدورها منهم بالجبر والاضطرار، وإن العمل إنما يكون حسناً لو أمر به الشارع وقبيحاً لو نهى عنه الشارع، وأنه قبل الشرع أفعال العباد ليست بحسنة ولا قبيحة وإن الشارع هو المثبت لها.

وعلى من يقول بالحسن والقبح العقليين فإن العقل قد يحكم في بعض الأفعال بمدح فاعلها فتكون واجبة عقلاً أو بمرجوحية تركها فتكون مستحبة عقلاً وبعضها يحكم بذم فاعلها ومنعه من الفعل فتكون محرمة عقلاً أو بمرجوحية الفعل فتكون مكروهة عقلاً، وبعض الأفعال يحكم العقل بعدم الذم وعدم المدح فتكون مباحة عقلاً.

أدلة على القائليـن بالتحسيـن والتقبيح العقلييـن:

أولاً: بالضرورة أو البداهة فإن العقلاء لا يرتابون في حسن الإحسان وقبح الظلم والعدوان.

ثانياً: لو كان الحسن والقبح شرعيين فقط لأمكن إفحام الأنبياء بعدم النظر في معجزاتهم لأن العقل يحكم بالنظر في ذلك خوفاً من استحقاق العقاب، كما يمكن تجويز ظهور المعجزة على يد الكاذب لعدم ثبوت القبح.

ثالثاً: لو لم يكن حكم العقل بالحسن والقبح للزم ارتفاع الوثوق بالمعاد وبوعد الله ووعيده، جوّز العقل صدوره من الله تعالى.

رابعاً: جملة الآيات القرآنية والأخبار النبوية كالآيات الدالة على إرجاعهم لعقولهم وأفكارهم وليس إثبات هذه الدعامة يحتاج إلى مزيد من البيان.

وقد رتبوا على القول بالتحسيـن والتقبيح العقلييـن أموراً:

لقد رتب العلماء على القول بالتحسين والتقبيح العقليين أموراً:

1- مسألة التكليف بالمحال، فمن قال بأنهما عقليان منع التكليف بالمحال ومن لم يقل جوّز ذلك.

2- وجوب الأصلح على الله تعالى فمن قال بالتحسين والتقبيح العقليان قالوا بوجوب الأصلح وفرعوا بوجوب اللطف على الله تعالى، وفرعوا على ذلك حسن التكليف ووجوب صدوره من الله تعالى، ووجوب بعث الرسل وإنزال الكتب ونصب الإمام وغير ذلك من الألطاف الإلهية مما يوجب القرب للطاعة والبعد عن المعصية.

3- وجوب شكر المنعم فأثبته العدلية لحسنه العقلي وأنكره الأشاعرة.


الدعامة الثانية: الملازمة بيـن حكم العقل وحكم الشرع

 هي الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع التي يرتكز عليها الدليل العقلي على الحكم الشرعي وهي ترجع إلى قضية كلية كلما حكم به العقل حكم به الشرع.

خامساً: مصادر أخرى للتشريع

1- القياس:

هو إلحاق واقعة لا دليل معتبر على حكمها بواقعة أخرى قام الدليل المعتبر على حكمها بتسرية حكمها لها لمشاركتهما في العلة التي شرع لها الحكم قياساً للوقائع بأشباهها.

وتسمى الواقعة المقيس عليها بالأصل والواقعة المقيسة بالفرع، والقياس لا يفيد إلاّ الظن بالحكم ومنع داود الظاهري من الأخذ به والحنفية يأخذون به ويقدمونه على الخبر الواحد غير المشهور.

أما الإمامية فالقياس الذي عندهم حجة هو قياس منصوص العلة، أمّا القياس المستنبط العلة فلا يعتبرونه حجة ودليلاً على الحكم الشرعي.

2- الاستحسان:

هو الأخذ بما هو أوفق للناس أو بطلب السهولة في الأحكام فيما يبتلي به الأنام مثل التطبيع مع العدوان أو الأخذ بالسماحة وابتغاء ما فيه الرحمة، ولا ريب في بطلان الاستحسان فقد ورد (من استحسن فقد شرع)([221]).

3- المصالح المرسلة أو الاستصلاح:

وهي ما استفاده العقل من مقاصد الشريعة وأهدافها ومصب عموماتها وما ترمي إليه من قواعدها وهي حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال في واقعة لم يقم على حكمها دليل، فإنه يستفاد من ذلك حكم الشارع بمقتضى تلك المصلحة، مثل إيذاء المتهم من أجل الاعتراف وصوم شهرين متتابعين كفّارة لإفطار الأمير أو الرئيس في يوم من شهر رمضان متعمداً تعييناً وليس تخييراً، ومنع الإمامية العمل به معللين بأن فتح هذا الباب معرض لاستغلال أهل الأهواء وذوي النفوذ والسلطان.

4- سد الذرائع وفتحها:

هي الطرق والوسائل التي تفضي إلى الحكم الشرعي وتوصل له ولو بنحو الأغلب، فمثلاً سب الأصنام ذريعة ووسيلة قد تفضي لسب الله تعالى، فهنا يحرم سب الأصنام لأنه ذريعة لسب الله تعالى، وينسب لحجيتها لمالك بن أنس وأحمد بن حنبل ومنع باقي الفقهاء من حجيتها.

القسم الثاني: الأدلة الفقهاتية:

وهي الاستصحاب والبراءة، والاحتياط والتخيير والرجوع إليها عند اليأس من الحصول على الحكم الشرعي من الأدلة الاجتهادية، فالأدلة الفقهاتية يأتي العمل بها بعد الأدلة الاجتهادية، والأدلة الفقهاتية لم تبيّن حكماً شرعياً وإنما هي وظيفة شرعية للمكلف من حيث العمل عند فقدان الدليل الاجتهادي.

أولاً: الاستصحاب

هو حكم الشارع ببقاء المتيقن في ظرف الشك من حيث الجري العملي.

فالمكلّف إذا كان على حالة معينة متيقناً منها ثم شك في ارتفاعها فإن الشارع المقدّس يحكم بإلغاء الشك وعدم ترتيب أي أثر فيه والقيام بترتيب آثار اليقين السابق في مجال العمل والامتثال، فمثاله لو كان متيقناً بالطهارة ثم شك في حدوث حدث رافع للطهارة يبني على الطهارة ويلغي الشك.

أدلة حجية الاستصحاب:

1- سيرة العقلاء.

2- الأحاديث الشريفة، روي عن الإمام موسى الكاظم ‚  قال: (إذا شككت فابنِ على اليقين، قلت هذا أصل؟ قال ‚: نعم)([222]).

ثانياً: البراءة

تقسم البراءة إلى قسمين، هما:

1- البراءة الشرعية: هي الوظيفة الشرعية النافية للحكم الشرعي عند الشك فيه والقيام من تحصيله. ودليل حجيتها قوله تعالى: [لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا]([223]) بنفي التكليف بالحكم غير الواصل إلى المكلّف. وقوله  صلى الله عليه وآله وسلم : (رفع عن أمتي ما لا يعلمون)([224]).

2- البراءة العقلية: وهي الوظيفة المؤمنة من قبل العقل عند عجز المكلّف عن بلوغ حكم الشارع ووظيفته. ودليلها القاعدة العقلية (قبح العقاب بلا بيان) مثل عدم حرمة التدخين.

ثالثاً: الاحتياط

وينقسم إلى قسمين:

1- الاحتياط الشرعي: هو حكم الشارع بلزوم الإتيان بجميع محتملات التكاليف أو اجتنابها عند الشك بها والعجز عن تحصيل واقعها مع إمكان الإتيان بها جميعاً أو اجتنابها, ومثاله الصلاة إلى أربع جهات لمن لا يعرف اتجاه القبلة وترك الوضوء بالماء المشتبه بالنجاسة.

2- الاحتياط العقلي: هو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف ودليله القاعدة العقلية المعروفة (اشتغال الذمة اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني), ومثاله الدَين المردد بين ذمتي زيد وخالد.

رابعاً: التخيير

وينقسم إلى قسمين:

1- التخيير الشرعي: هو جعل الشارع وظيفة اختيار إحدى الإمارتين للمكلّف عند تعارضهما وعدم إمكان الجمع بينهما أو ترجيح أحدهما على الأخرى.

2- التخيير العقلي: هو الوظيفة العقلية التي يصدر عنها المكلف عند دوران الأمر بين المحذورين مثل الوجوب والحرمة. وعدم تمكنّه حتى من المخالفة القطعية.                             

 

  الدليل

 

 

                    اجتهادي                                                                       فقهاتي

 

 

 الكتاب العزيز  السنة الشريفة   الإجماع       العقل  الاستصحاب    البراءة      الاحتياط           التخيير

 

 

                                                                              شرعية            عقلية   شرعي     عقلي   شرعي      عقلي 

 

الفصل السادس

مبادئ الشريعة الإسلامية ومقاصدها

خصائص الشريعة الإسلامية:

1- جاءت الشريعة الإسلامية بالتشريع التام الكامل الذي لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، الذي نظم جميع العلاقات، نظم علاقة الإنسان بربه وعلاقة الإنسان بنفسه وأهله، وعلاقة الإنسان بالإنسان فرداً كان أو جماعة، وعلاقة مادية أو اجتماعية، كما نظم علاقة المواطن بالدولة والدولة بالمواطنين في جميع أنواع العلاقات، كما نظم علاقة الدول بعضها ببعض في السلم والحرب وعلاقة الدول برعايا الدول الأُخر في الحالين أيضاً. كما نظم علاقة الإنسان بالكائنات الأُخر التي تعيش مع الإنسان، أو التي تعيش معها وعليها من حيوان ونبات وجماد ما في السماء وما في الأرض وما بينهما، فالشريعة الإسلامية جاءت بنهج اجتماعي وحياتي كامل. فهي عقيدة وسلوك ونظام..

إذن ليس الشريعة الإسلامية عقيدة دينية فحسب، بل هي أيضاً في آن واحد سلوك أخلاقي ونظام تشريعي قانوني.

2- جاءت الشريعة الإسلامية للناس كافة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ]([225])، [قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا]([226]). وهذا التشريع خاتماً للشرائع ومصدقاً لما سبقه.

3- جاءت الشريعة الإسلامية موحدة تحقق للبشرية فوائد جمة، وذلك بتوحيد معايير الخير والشر في ربوع العالم فالحق حق هنا وهناك وبالأمس واليوم وغداً، في مشارق الأرض ومغاربها وشمالها وجنوبها، والباطل كذلك وينتج عن هذا التوحيد تقارب المجتمع الإنساني كله في أفكاره وتصرفاته وفي عاداته وتقاليده. وهذه هي أول لبنة من لبنات الوحدة الكبرى التي ينشدها الإسلام، ويرسي دعائمها بتشريعه الخالد المستقر البعيد عن نزعات الهوى حيث تهيأت للإنسان المؤمن وحدة في التشريع، فلهذا أحدث الإسلام ثورة اجتماعية تامة في حياة العرب، وفي حياة سائر الشعوب التي تأثرت في تعاليمه وحضارته، فجعلت من دويلات قبائل العرب دولة حقيقية موحّدة قوية مبنية على فكرة دينية دنيوية شاملة ومبادئ ديمقراطية وعدالة اجتماعية بدلاً من فكرة العصبية القبلية الضيقة المشحونة بالتعصب الذميم وبالتنافر والبغضاء، وأبدلت بعاداتهم الوثنية والجاهلية شرائع وأحكام مرتكزة على الإيمان الصحيح والعمل الصالح والحق والنظام والمصلحة العامة.

4- يترتب على وحدة التشريع انتشار الطمأنينة، وتنمية المحبة بين الناس جميعاً وتدفق الإخاء تحت ظلال المحبة الكبرى محبة الله، فالشريعة الإسلامية تتصف بالبساطة والوضوح وسهولة الفهم والقناعة، ولا تنطوي على عقائد غامضة ولا ألغاز سرية، ولا تعقيدات لاهوتية، بل هي دين الفطرة.

5- إن الشريعة الإسلامية ترتب الثواب الأخروي لكل عمل من أعمال التي يؤديها الإنسان سواء أكان ذلك في دائرة العبادات أم المعاملات أم الأحكام الشاملة لكل أبواب الفقه بل ترتب الثواب حتى على نية المرء. بينما القوانين الوضعية ترتبط المسؤولية فيها بالقيام بالفعل وتنتهي عند تنفيذ الحكم، مما يترك المجال واسعاً للمحتالين والمغامرين لنيل أغراضهم والتملص من الأحكام بغفلة من القانون.

مميزات الشريعة الإسلامية:

امتازت الشريعة الإسلامية بأمور يعرفها كل من قارن بين الشرائع الدينية والبارز منها:

1- هو تكفلها لسائر الأحكام التي تخص حياة الإنسان الفردية والاجتماعية الدينية والدنيوية، فلا تجد واقعة من الوقائع تخص الإنسان نفسه أو مع غيره أو المجتمع نفسه أو مع غيره إلاَّ ويظهر حكمها من نص أو ظاهر أو قاعدة أو أصل وهذه الميزة تفقدها سائر الشرائع السماوية والنظم الحزبية والقوانين الدولية.

2- تساير الزمن مهما تقلبت الأحوال وتعالج شؤون الحياة في العالم مهما اختلفت الأوساط فكانت النتيجة الحتمية إن صارت خاتمة الشرائع الإلهية والأديان السماوية.

والمتتبع للشريعة الإسلامية يجد أنها وضعت لمصالح العباد جميعاً في كل الأوقات وفي جميع الأماكن في الدنيا وهذا يتجلى واضحاً في تحقيق العدالة بين الناس جميعاً, فالغني والفقير والقوي والضعيف والأبيض والأسود الكل أمام الحق سواء ولا فضل لأحد منهم على الآخر إلاّ بالتقوى. قال الله تعالى في محكم كتابه: [إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ]([227]) وقوله تعالى: [وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ]([228]).

3- قلة التكاليف وعدم حرجيتها, فقد امتازت الشريعة الإسلامية بالتيسير على العباد برفع كل ما يترتب على شرعية إيقاع الناس في عسر ومشقة, جاء في الحديث الشريف (جئتكم بالشريعة السَّمْحةِ)([229]) وقوله تعالى: [لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا]([230]) وقوله: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]([231]) وقوله  صلى الله عليه وآله وسلم : (بعثت بالحنفية السمحاء)([232]).

4- جاءت أحكامها تباعاً وتدريجاً فقد سلك التشريع الإسلامي في نزوله مسلكاً يتمشى مع طبيعة الإنسان فكما ان الإنسان يخلق طوراً بعد طور نزل التشريع الإسلامي متدرجاً تنزل آياته وتعاليمه تباعاً وتتوالى أحكامه وتكاليفه شيئاً فشيئاً بتنسيق دقيق يتمشى مع نمو الروح الإسلامية وتكامل العقل الإنساني ولذلك بدأ التشريع بنزول الاعتقادات ثم بنزول الأحكام العملية, وما ذلك إلاّ لأن الاعتقاد يسبق العمل, فكل عمل من الأعمال الاختيارية لابد وان يسبقه فكر وتدبر, واعتقاد بلزوم مباشرة هذا العمل وبهذا المنطق الطبيعي سبقت الأحكام الاعتقادية والأخلاقية الأحكام العملية. كما إن الأحكام العملية نزلت شيئاً فشيئاً حكماً أثر حكم كتحريم الخمر وتحريم الربا حتى كملت قواعدها وأصولها وتمت أحكامها وأسسها في غدير خم([233]) في حجة الوداع عندها نزلت الآية الكريمة: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا]([234]).

5- حثت على العمل لكسب المغنم في هذه الحياة وتحصيل المعرفة بأسرار هذه الكائنات ووعدت الصالحين بالميراث.

6- حررت العقل البشري من الأساطير والخرافات ووجهته نحو المنطق الحر والدليل والبرهان في العقيدة والإيمان، ولم تأخذ بالجريمة والجريرة بمجرد التفكير فيها، وإنما تأخذ بها بعد ارتكابها فلم تأخذ بالتفكير بالزنا وإنما تعاقب على ارتكابه كما ينسب ذلك لبعض الشرائع.

أحكام الشريعة الإسلامية:

الشريعة الإسلامية مجموعة أحكام نزل بها الوحي على محمد بن عبد الله  صلى الله عليه وآله وسلم ، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام:

  1. ما يتعلق بالعقائد الأساسية كالأحكام المتعلقة بذات الله وصفاته، وبالإيمان به وبرسله وكتبه واليوم الآخر وما فيه من حساب وجزاء، وقد تكفل بهذا النوع علم الكلام.
  2.  ما يتعلق بتهذيب النفوس وإصلاحها. كالأحكام المبينة للفضائل التي يجب أن يتحلى بها الإنسان كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد والشجاعة والإيثار والتواضع والإحسان والعفو والصفح، والأحكام المبينة للرذائل التي يتحتم على المرء أن يتخلّى عنها كالكذب والخيانة وخلف الوعد والجبن والأنانية والتكبر والإساءة إلى الغير والانتقام وما إلى ذلك مما تكفل ببيانه علم الأخلاق.

3- ما يتعلق ببيان أعمال الناس وتنظيم علاقاتهم بخالقهم كأحكام الصلاة والصوم والزكاة والحج، وتنظيم علاقات بعضهم ببعض كأحكام البيوع والهبة والإجارة والرهن والزواج وغيرها. وقد انفرد بهذا النوع علم الفقه.

إتمام الشريعة الإسلامية:

 تذهب الشيعة إلى أنَّ القرآن والسنة النبوية والمأثورة من العترة الطاهرة الزكية قد أظهرت الأحكام الشرعية لكل حادثة من الحوادث النازلة والوقائع المستجدة إلى يوم القيامة إما بالنص عليها بالخصوص أو بنحو العموم شأن الأنظمة والقوانين الدولية فإنها تشرع أحكام الحوادث النازلة والوقائع المتجددة بموادها الكلية وأصولها العامة ومبادئها الشاملة، تاركة فهم الجزئيات واستنباط التفاصيل وما تهدف إليه من حقائق ومقاصد لأهل البصيرة وحسن السليقة ومعتمدة على استخراج أحكام الوقائع من نصوصها وظواهرها ومفهومها وسياق بيانها ولوازمها على أهل المعرفة والتفكير المستنير. فكذلك هو الاجتهاد عند الشيعة.

كما قام الإجماع عند المسلمين إن كل واقعة أو حادثة على مختلف أنواعها وأزمانها وظروفها لا تخلو عن الحكم الشرعي.

وجوب تشريع الأحكام ووجه حسنه:

ذهبت الإمامية والمعتزلة إلى وجوب التكليف على الله تعالى عقلاً. والمراد بالوجوب على الله تعالى في هذا المقام وغيره كما يقال اللطف واجب عليه تعالى ــ هو كون الفعل موافقاً للحكمة ــ أي أن حكمته تعالى تقتضي ذلك الفعل لا أن غيره أوجبه عليه تعالى كما توهمه بعضهم وشنع على القائلين بالوجوب.

وأما الأشاعرة فقد نفوا ذلك وزعموا أن التكليف والتشريع للأحكام ليس بواجب بل هو تفضل منه تعالى إن شاء فعله، وإن شاء لم يفعل.

والحق هو الأول لأن جعل التكليف على نوع الإنسان إنما هو لإصلاح المعاش وتنظيم الحياة، فهو أمر حسن يحكم بوجوبه العقل على من بيده ملكوت الإنسان وله عليه سلطان. وعليه سيرة العقلاء من قديم الزمان فلا تجد حكومة إلاَّ وقد سنت قوانين لإصلاح أمور أتباعها وتنظيم حياة رعاياها، وذلك لجلب السعادة إليهم ودفع الشقاء عنهم في أدوار حياتهم الفردية والاجتماعية وفي أطوار نشأتهم الأولية والآخروية. فإنه تعالى لو تركهم سدى لأحاطت بهم المهالك، ولضاقت بهم المسالك لقصور عقل الإنسان عن إدراك ما ينفعه وما يضره، ولغلبة الشهوة فيه على سلطان العقل، وحبه للسطوة والسيطرة على أفراد النوع، والتنازع على وسائل العيش. وهو أعز مخلوق لدى الله وأشرف موجود عنده. فلا يعقل أنه يهمل أمره ولا يصلح شأنه وهو الرب الرحيم الرؤوف بمخلوقاته المدير لمصنوعاته، فأرسل الرسل مبلغين ومنذرين بقوانين وأحكام ترشدهم لصالحهم الخاص والعام، وتنظم لهم أمور الحياة في السراء والضراء، وتوصلهم إلى الكمال وتجنبهم عن الضلال وتربطهم بخالق الكون ومدبره، فكلفهم بالمعرفة بأصول الدين ليطلعوا على عظيم شأنه وكمال قدرته على خلقه. ويطاع في أمره ونهيه، وكلفهم بالعبادات في عدة من الأوقات وفي كثير من المناسبات ليخرجهم من مقام الحيوانية إلى مقام الإنسانية، ومن ظلمات النفس إلى نورها وروحانيتها، ويقوي فيهم الشعور الديني حتى تلتهب النفس بالعاطفة الدينية، ويصبح الشعور الديني فيها وازعاً نفسياً يسوقها لإتيان ما يريده تعالى منها، ورادعاً قلبياً عن فعل ما يبغضه عزَّ أسمه منها، وكلفهم بما يصلح شؤون حياتهم في جميع أدوارها وأطوارها لئلا يترك الناس سدى، ويسودهم الهرج والمرج، فقنن لهم قوانين الاختصاص في الأموال، وسنَّ لهم قسمة المواريث وموجبات الإنفاق وتوزيع الغنائم والصدقات. وألزمهم بالعقود لئلا تختلف النيات وتجهل أو تتجاهل المقاصد في المعاملات والإيقاعات وندبهم لما فيه صلاحهم ونجاحهم، وجعل القصاص والحدود والتعزيرات والضمانات حفظاً للنفوس والأموال، وخوفاً من المروق عن طاعة الرحمن، ووعدهم بالثواب على حسب مقادير الإطاعة، وأوعدهم بالعقاب على حسب مقادير المعصية، وبالغ في الإنذارات، وأكثر من التحذيرات والترغيبات والترهيبات حرصاً منه تعالى عليهم أن لا يقصروا في ذلك فتفوت عليهم المصالح ويقعوا في المفاسد فيبوؤوا بالخسران المبين والضرر العظيم. وقد وقع التنبيه من أئمتنا G على محاسن التكليف في مواضع كثيرة منها ما في الاحتجاج أنه أتصل بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ‚ قوماً من أصحابه خاضوا في التعديل والتجريح فخرج حتى صعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أيها الناس إن الله تبارك وتعالى لما خلق خلقه أراد أن يكون على آداب رفيعة وأخلاق شريفة فعلم أنهم لم يكونوا كذلك إلاَّ بأن يعرفهم مالهم وما عليهم، والتعريف لا يكون إلاَّ بالأمر والنهي، والأمر والنهي لا يجتمعان إلاَّ بالوعد والوعيد، والوعد لا يكون إلاَّ بالترغيب، والوعيد لا يكون إلاَّ بالترهيب، والترغيب لا يكون إلاَّ بما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم، والترهيب لا يكون إلاَّ بضد ذلك، ثم خلقهم في داره وأراهم طرفاً من اللذات ليستدلوا به على ما ورائهم من اللذات الخاصة التي لا يشوبها ألم ألا وهي الجنة، وأراهم طرفاً من الآلام ليستدلوا به على ما ورائهم من الآلام الخالصة التي لا يشوبها لذة ألا وهي النار، فمن أجل ذلك ترون نعيم الدنيا مخلوطاً بمحنها، وسرورها ممزوجاً بكدرها وهمومها)([235]).

وأمثال تلك الأحاديث الشريفة كثيرة.

والحاصل إن الغاية والمصلحة في تكليف العباد هو التعريض للثواب وحفظ نظام العالم. وهذا غرض صحيح فيكون التكليف حسناً بل واجباً لأن الترك للإحسان بالنسبة إلى من يستحقه مع عدم المانع قبيح، بل لولا صدور التكليف والتشريع للأحكام لكان الله تعالى فاعلاً للقبيح لأنه بتركه للتشريع يكون مغرياً للعبد بالقبيح والإغراء بالقبيح قبيح. ومعلوم لا يصدر من الله تعالى القبيح لعدله وحكمته فوجب صدور التشريع منه.

أهداف الشريعة الإسلامية:

الشريعة الإسلامية هي مجموعة الأوامر والأحكام الاعتقادية والعملية التي يوجب الإسلام تطبيقها لتحقيق أهدافه الإسلامية في المجتمع.

1- تحرير العقل البشري من رق التقليد والخرافات وذلك من خلال العقيدة الصادقة الحقة من الإيمان بالله، وتوحيد معايير الخير والشر في ربوع العالم، وتوجيه العقل نحو الدليل والبرهان.

2- إصلاح الفرد نفسياً وخلقياً وتوجيهه نحو الخير والإحسان لكي لا تطغى شهواته ومطامعه على عقله من خلال العبادة المشروعة التي تذكره بخالقه وبعقيدة الثواب والعقاب في الآخرة، لكي يكون المؤمن في مراقبة دائمة لأعماله، حريصاً على عدم التقصير في واجباته.

3- إصلاح المجتمع بصورة يسود فيه الأمن والعدل وصيانة الحريات والكرامة الإنسانية، ونشر الطمأنينة والمحبة في ربوع العالم.

ومن الأهداف الثلاثة في الإسلام يتحدد معنى الشريعة وتقوم على ثلاث دعائم وهي:

1- عقيدة عقلية          2- عبادة روحية          3- نظام قانوني قضائي

لهذا يقال إن الإسلام دين ودولة.

ويجب التفريق بين النظام والتطبيق، إذ لا ينكر أنه في الواقع العملي والتاريخي كثيراً ما يساء فهم الحقيقة الإسلامية في بعض هذه النواحي الثلاث، أو يساء تطبيقها فتظهر الصورة مشوهة.

كما إنَّ التشريع مرَّ بأطوار متعاقبة، ويتميز كل دور عن الآخر بأحداث متعددة متجددة متغايرة، والتشريع لابد من أن يواجه هذه الأحداث بوضع الأحكام الملائمة.

نصوص الكتاب والسنة متناهية                الحوادث متجددة               الاجتهاد

خصائص الشريعة الإسلامية:

للشريعة الإسلامية خصائص تميزها عن غيرها وهي:

1- الشريعة من عند الله.

2- الجزاء في الشريعة دنيوي وآخروي.

3- عموم الشريعة وبقاؤها.

4- شمول الشريعة.

وسنتكلم عن كل خصوصية من الخصوصيات المذكورة آنفاً:

1- الشريعة من عند الله:

إن مصدر الشريعة الإسلامية هو الله تعالى، وهي وحيه إلى رسوله محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  باللفظ والمعنى، وكون هذا اللفظ معجزاً ومتواتراً نقله وهو القرآن أو باللفظ والمعنى إلاَّ أنه غير معجز وهو الحديث القدسي أو بالمعنى دون اللفظ وهو السنة الشريفة، وهي تختلف عن جميع الشرائع الوضعية لأن مصدرها البشر، ويترتب على هذه الخصلة جملة نتائج منها:

أولاً: إن مبادئ الشريعة وأحكامها خالية من الجور والنقص والهوى لأنها من صنع الله والله له الكمال المطلق الذي هو لوازم ذاته، بخلاف القوانين الوضعية التي لا تنفك عن النقص والجور والهوى لأنها صادرة من الإنسان والإنسان لا يخلو من هذه النقائص.

ثانياً: جاءت الشريعة الإسلامية بمبدأ المساواة بين الناس بغض النظر عن اختلافهم في اللون أو الجنس أو اللغة، وجعلت أساس التفاضل بينهم العمل الصالح ومقدار ما يقدمه الفرد من الخير. قال تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ]([236])، وقال الرسول الأعظم : (لا فضل لعربي على أعجمي إلاَّ بالتقوى)([237])، فالجميع أمام أحكام الشريعة الإسلامية متساوون.

ثالثاً: هيبة واحترام نفوس المؤمنين لأحكام الشريعة الإسلامية حكاماً كانوا أو محكومين لأنها صادرة من عند الله تعالى فلها صفة دينية فتؤمن بها النفوس ولا يقسر عليها الإنسان قسراً بخلاف القوانين الوضعية فليس لها سلطان على النفوس، فترى إن النفوس تجرؤ على مخالفة القانون الوضعي كلما استطاعت الإفلات من رقابة القانون وسلطة القضاء.

2- الجزاء في الشريعة دنيوي وأخروي:

أولاً: إن الشريعة الإسلامية تتفق مع القوانين الوضعية في أن قواعدها وأحكامها تقترن بجزاء يوقع على المخالف، ولكنها تختلف معها في أن الجزاء فيها أُخروي ودنيوي. بل أن الأصل في أجزيتها هو الجزاء الأُخروي. وإنما ترتب الجزاء الدنيوي لمقتضيات الحياة وضرورة استقرار المجتمع.

ثانياً: الجزاء الدنيوي منه ما كان جنائياً ومنه ما يكون مدنياً كما هو الحال في القوانين الوضعية وإن كان نطاقه أوسع من نطاق الجزاء في القانون الوضعي نظراً إلى شمول الشريعة الإسلامية لجميع شؤون الأفراد ومنها الدنيوية والأخلاقية خلافاً للقانون الوضعي.

ثالثاً: الجزاء الأُخروي يترتب على كل مخالفة لأحكام الشريعة، سواء أكانت من أعمال القلوب أم من أعمال الجوارح ما لم تقترن مخالفته بتوبة نصوح وتحلل من حق الغير. وهذا ما تشير إليه النصوص الكثيرة منها: [وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ]([238]).

رابعاً: إن المسلم يخضع لأحكام الشريعة خضوعاً اختيارياً في السر والعلن
خوفاً من عقاب الملك الجبار، وحتى لو استطاع أن يفلت من عقاب الدنيا،
فتنزجر النفوس عن مخالفة الشريعة الإسلامية أما بدافع الاحترام أو استشعار
للحياء من الله تعالى، أو بدافع الخوف من العقاب الآجل الذي ينتظر المخالفين
[يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا]([239])، قوله تعالى: [فَمَنْ يعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه]([240]).

لذا فإن الإيمان أساس الشريعة الإسلامية، وهو الوازع الداخلي المتين الذي يوقظ الضمير ليراقبه ويحاسبه على أعماله وهو الضمانة لاحترام أحكام الشريعة وتنفيذها، فلا يمكن أن يعوّل على سلطة القانون فقط والدليل ما نراه في العصر الحاضر من أثر ضعف الإيمان ومن شدة صرامة القانون وإمكانات تنفيذه وشدة المراقبة على المتعدي والمخالف له ومع هذا فإن الانحلال الخلقي قد تفش وتفاقم المشكلات الاجتماعية وازدياد الجرائم وأعمال العنف والإدمان على المخدرات والمسكرات والانغماس في الفجور والملذات والانهيار في الإباحية الجنسية وقلة الحياء، وتفشي الكسل والقذارة والشغب والفوضى وتفكيك الروابط التقليدية الانضباطية في المجتمع والمدرسة والعائلة جميعاً وما شاكل ذلك.

3- عموم الشريعة وبقاؤها:

أولاً: الشريعة الإسلامية عامة لجميع البشر في كل مكان وزمان، فلم تكن ضيقة المرمى أو تكن قومية اللون ولا محصورة بالعرب أو بشعب مختار بل هي رسالة شاملة ودعوة عالمية موجهة إلى جميع الناس في جميع الأقطار والأمصار ولذا خاطب القرآن الكريم النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  بقوله تعالى: [قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا]([241])، [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا]([242]).

ثانياً: إن الشريعة الإسلامية لا تنسخ ولا تبدل لأنها خاتمة الشرائع، ويستلزم أن تكون أحكامها وقواعدها على نحو تحقق مصالح الناس في كل عصر ومكان وتفي بحاجاتهم. قال تعالى: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ]([243]) والرحمة تتضمن رعاية مصالح العباد ودرء المفاسد عنهم.

ثالثاً: تشريع الرخص عند وجود مشقة في تطبيق الأحكام من ذلك إباحة النطق بكلمة الكفر عند الإكراه عليها حفاظاً لبقاء النفس. وإباحة أكل المحرم عند الضرورة كأكل الميتة وإباحة الإفطار في شهر رمضان للمسافر والمريض ونحو ذلك.

ولا شك إن دفع المشقة ضرب من ضروب رعاية المصلحة ودرء المفسدة وكذا التدرج في التشريع.

رابعاً: إن المتتبع لأحكام الشريعة يجد بالاستقراء أن المقصد العام للشريعة الإسلامية هو تحقيق مصالح الناس بجلب النفع لهم ودفع الضرر عنهم، وإن مصالح العباد تحقق بتحقيق الأمور الضرورية لهم وضمان الأمور الحاجية وتوافر الأمور التحسينية أي الكماليات:

فالأولى الضرورية: هي التي لا قيام لحياة الناس من دونها وإذا غابت حل الفساد وعمّت الفوضى واختل نظام الحياة. وتسمى بمقاصد الشريعة وهي حفظ الدين والنفس والعقل والعرض والمال، وبعضهم يجعل مع العرض النسل.

وقد بنيت عليها مسائل العبادات والعقوبات والمعاملات الضرورية جميعاً وترمي إلى قيام مصالح الدين والدنيا الأساسية.

أما الدين وهو مجموعة العقائد والعبادات والقوانين التي شرعها الله تعالى، وأوجب المحافظة عليه بالجهاد، وفرض العقوبة على كل من يصد الناس عن دينه أو من يرتد عن دينه أو من يبتدع ويحدث في الدين ما ليس منه.

أما النفس فقد شرع لإيجادها الزواج للتوالد، وشرع لحفظها وبقائها ما يقيم الحياة من مأكل ومشرب ومسكن وملبس وأباح الطيبات وأحل المعاملات. وشرع لمنع الاعتداء عليها القصاص والدية والكفارة وحرم الإلقاء بها إلى التهلكة، كما أوجب دفع الضرر عنها.

وشرّع الله تعالى لإيجاد النسل النكاح لبقاء النوع وأباح في الزواج كل ما به حفظه، كما شرع لحفظ النسل تحريم الزنا والحد على الزاني والزانية وتحريم الإجهاض إلاَّ عند الضرورة.

وأما حفظ العقل فيتم عن طريق ما أوجبه الله لكفالة سلامته وزيادة قدرته وعن طريق ما حرّمه مما يفسده ويضعف قوته، فأجزل الثواب للمعلم. وحرّم تناول الخمر وكل مسكر ومخدر وأوجب العقوبة على من يقدم على إذهاب عقله.

وأما المال فقد شرّع الله لإيجاده وكسبه السعي للرزق وإباحة المعاملات والمبادلات والتجارة والمضاربة، وشرع لمنع الاعتداء عليه وصيانته تحريم السرقة وحد السارق والسارقة وتحريم الغش والخيانة والربا وأكل أموال الناس بالباطل وتحريم إتلاف مال الغير وفرض ضمان المتلفات ومراعاة المماثلة في الضمان وغيرها من الأحكام([244]).

والثانية الحاجية: وهي التي يحتاج إليها الناس ليعيشوا بيسر وسعة وإذا فاتتهم لم يختل نظام الحياة ولكن يصيب الناس ضيق وحرج  عند المشقة كالإفطار للمريض، وفي المعاملات بيع السلم([245])، وشرّع الطلاق للخلاص من حياة زوجية لم تعد تطاق، وفي العقوبات شرّعت الدية (الضمان المالي) في القتل الخطأ على أقارب القاتل تخفيفاً عن المخطئ ([246]).

والثالثة التحسينية: فهي ترجع إلى محاسن العادات ومكارم الأخلاق، وإذا غابت لا يختل نظام الحياة ولا يصيب الناس حرج ولكن تخرج حياتهم عن النهج الأقوم وما تستدعيه الفطرة السليمة والعادات الكريمة ولبيان التحسينات فقد شرعت الطهارة للبدن والثوب، وستر العورة والنهي عن بيع الإنسان أخيه الإنسان، والنهي عن قتل الأطفال والنساء في الحروب وقلع الأشجار والدعوة إلى الضيافة والشجاعة والكرم وآداب الطعام والشراب وحسن الجوار ([247]).

وإذا اجتمعت المصالح الضرورية والحاجية والكمالية ولم يكن الجمع بينها كلها، قدمت الأولى على الثانية، والثانية على الثالثة، ثم في الطبقة ذاتها كما في اجتماع المصالح الضرورية المتعددة قدم حفظ الدين باعتباره الأصلح والأفضل على جميع المصالح الدنيوية. أما بين المصالح الدنيوية فيقدم حفظ النفس على حفظ المال وهكذا.

وكذلك إذا تعارضت المصالح من النوع الواحد من الفئة ذاتها وتعذر الجمع بينها قدم الدفع عن النفس على الدفع عن العضو، وقدم حفظ الإنسان على حفظ الحيوان، وقدمت صيانة المال الخطر على المال الوضيع وهكذا تطبق قاعدة تقديم الأفضل فالأفضل والأصلح فالأصلح من المصالح المتزاحمة.

وإذا تعارضت المفاسد والمصالح رجح أعظمها فإن كان الأعظم مفسدة شرّع الحكم لدفعها وإن كان  الأعظم مصلحة شرع الحكم لجلبها مثاله قتل القاتل مفسدة لأن فيه تفويت حياته ولكنها جازت لأن فيها تحقيق مصلحة أعظم وهي حفظ حياة الناس على العموم والدفاع عن البلاد يعرّض النفوس للقتل وهذه مفسدة، ولكن ترك الأعداء يدخلون البلاد ويستعمرونها مفسدة أعظم فشرّع الجهاد ([248]).

مقاصد الأحكام القانونية:

كانت مقاصد القانون الوضعي بين أركان ثلاثة أساسية وهي: العدل، والأمن أو النظام العام، والتقدم الاجتماعي، وقام حول هذه المقاصد جدال ومناظرات ونظريات بين علماء القانون، فمنهم من أعطى الأولوية للأمن العام وكان ذلك مذهب الشكليين، ومنهم من أكّد العدل وهو مذهب المثاليين، ومنهم أخيراً مَنْ أصرَّ على ركن التقدّم الاجتماعي والرخاء والازدهار، وهو مذهب الاجتماعيين الواقعيين.

والحقيقة إنها جميعاً تتركز على العدل، فالعدل يرمي إلى حماية الفرد في المجتمع، بإعطاء كل ذي حقٍ حقه ويمنع الاعتداء عليه من الغير.

وأما الأمن العام والنظام فهو من ضرورات الحياة الاجتماعية ومن ضمانات حماية الحقوق الفردية. فينبغي له أن يبنى بدوره على العدل وإلاَّ انقلب إلى تعسف وظلم ودكتاتورية. وكذلك التقدّم الاجتماعي فإنه لا يتحقق إلاَّ عند توافر العدل الصحيح الذي يحمي النفوس والأعراض والأموال، والذي يؤمن الأمل والطمأنينة الاقتصادية وينشط المبادرة الشخصية ومن ثم الجد في العمل والنتاج.

خامساً: طبيعة أحكام الشريعة جعلها عامة وباقية وهي نوعان:

النوع الأول: أحكام تفصيلية: وهذه إما تتعلق بالعقيدة أو بالعبادات أو بالأخلاق أو ببعض المسائل الخاصة بعلاقات الأفراد فيما بينهم:

أ- فأحكام العقيدة: كالإيمان بالله واليوم الآخر ونحو ذلك فلا يتصور مجيء عصر يستغني فيه البشر عنها لأنها تبين حقائق ثابتة، وأحكام العبادة تنظم علاقة الفرد بربه على شكل معين وهذا التنظيم يحتاج إليه الإنسان في كل زمان، فإنه لا إشكال بأن العبادة لها فائدة دنيوية تظهر في صلاح النفس وما ينتج من صلاح المجتمع. فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.

ب- والأخلاق: فالشريعة أكدت على جانب الأخلاق لإرساء قواعد المجتمع على أسس قويمة.

جـ- الأحكام الفقهية التفصيلية: وهي الأحكام المتعلقة ببعض علاقات الأفراد فيما بينهم فهي غير قابلة للتغير والتبديل لأن تشريعها بني على أساس أن الحاجة إليها تبقى قائمة في كل زمان ولكل جماعة مثل حق الحضانة وكيفية الزواج وتنظيم الميراث وتحريم الربا، والعقوبات في الشريعة الإسلامية من حدود.

النوع الثاني: أحكام على شكل قواعد ومبادئ عامة: وهي أحكام توسع على حاجات الناس ولا تضيق بها. ويمكن أن نذكر أمثلة منها:

1- جاءت الشريعة الإسلامية بمبدأ الشورى في الحكم بعد انتهاء عصر النص في الخلافة، قال تعالى: [وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ]([249])، وقوله تعالى: [وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ]([250])، ومبدأ الشورى أسمى نظام للحكم يمكن أن يصل إليه النوع البشري بعد نضوج العقل البشري في الفكر السياسي.

2- مبدأ المساواة وهو مبدأ عظيم صالح لكل زمان ومكان.

3- مبدأ العدالة، الشريعة تأمر بتحقيق العدالة في الأرض والحكم بالعدل حتى

مع الأقربين والأبعدين والأصدقاء والأعداء [وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ]([251]) فهو مبدأ صالح لكل زمان ومكان.

4- قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وهو رفع الضرر في الشريعة الإسلامية فلا يجوز لأحد إيقاع الضرر بنفسه أو بغيره. كما أنه لا يجوز مقابلة الضرر بضرر آخر لأنه عبث وفساد.

5- مسؤولية المرء الفردية بحيث يسأل وحده عن أعماله ولا يسأل عن أعمال غيره مبدئياً، قال تعالى: [وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى]([252]) وخاصة في العقوبات.

6- لا يؤاخذ الإنسان بالقصد الباطني غير مقرون بالعمل، فالهاجس والخاطر في المعاصي والمنكرات لا يعاقب عليها الإنسان فلا يوجبان المسؤولية، وكذلك النيّة السيئة واما النيّة الحسنة وهي ترجيح قصد الفعل على تركه فإنه إن همَّ بالحسنة كتبت له وإن همَّ بالسيئة لم تكتب عليه سيئة وهذا من باب التسامح لتشجيع الناس على العمل الصالح والكف عن المنكرات.

وأما العزم هو الجزم بالقصد والثبات عليه ففي القول المشهور يؤخذ المرء به ديانة وإن لم يقترن بالعمل لقوله تعالى: [وإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ]([253])، والحاصل إن الله يعاقب والمسؤولية توجب عند العمل فقط.

سادساً: مصادر الأحكام الشرعية تتصف بالمرونة، فالكتاب والسنة الشريفة المصدران الأصليان للشريعة جاءت أحكامها على نحو ملائم لكل زمان ومكان، كما أن دليل الإجماع والعقل كلها مصادر مرنة دلت عليها الشريعة. وهذا مما يجعل الشريعة لها الصلاحية للعموم والبقاء.

4- شمول الشريعة:

إن الشريعة الإسلامية نظام شامل لجميع شؤون الحياة فهي ترسم للإنسان سبيل الإيمان وتبين أصول العقيدة وتنظم صلته بربه، وتأمره بتزكية نفسه، وتحكم علاقاته مع غيره، فلا يخرج من حكم الشريعة شيء.

1- روى أبو بصير عن الإمام الصادق ‚ أنه تحدث عن الشريعة الإسلامية واستيعابها, وإحاطة أئمة أهل البيت ‚ بكل تفاصيلها. فقال: (فيها كل حلال وحرام, وكل شيءٍ يحتاج الناس إليه, حتى الإرش في الخدش وضرب بيده إلى أبي بصير, فقال: أتأذن لي يا أبا محمد؟ فقال له أبو بصير: جعلت فداك, إنما أنا لك فاصنع ما شئت فغمزه الإمام بيده وقال: حتى أرش هذا)([254]).

2- وفي نهج البلاغة: إنّ أمير المؤمنين علياً ‚ يصف الرسول  صلى الله عليه وآله وسلم  والقرآن الكريم: (أرسله على حين فترة من الرسل, وطول هجعة من الأمم, وانتقاضٍ من المبرم, فجاءهم بتصديق الذي بين يديه, والنور المقتدى به, ذلك القرآن فاستنطقوه, ولن ينطق, ولكن أخبركم عنه: ألا إن فيه ما يأتي, والحديث عن الماضي, ودواء دائكم, ونظم بينكم)([255]).

3- وعن الإمام الصادق ‚ في نص آخر أنه قال: (فيها كل ما يحتاج الناس إليه, وليس من قضية إلا وهي فيها, حتى أرش الخدش)([256]).

إن هذه النصوص تؤكد بوضوح استيعاب الشريعة لمختلف مجالات الحياة.

ويمكن تقسيم أحكام الشريعة إلى ثلاث مجموعات:

الأولى: الأحكام المتعلقة بالعقيدة كالإيمان بالله واليوم الآخر وهذه الأحكام الاعتقادية محل دراستها علم الكلام.

الثانية: الأحكام المتعلقة بالأخلاق كوجوب الصدق والأمانة والوفاء بالعهد وحرمة الكذب والخيانة ونقض العهد، وهذه هي الأحكام الأخلاقية ومحل دراستها علم الأخلاق.

الثالثة: الأحكام المتعلقة بأقوال وأفعال الإنسان في علاقاته مع غيره وهذه هي الأحكام العملية ومحل دراستها علم الفقه.

وتنقسم الأحكام العملية بالنسبة إلى ما تتعلق به إلى قسمين:

القسم الأول: العبادات كالصوم والصلاة والمقصود بها تنظيم علاقة الفرد بربه.

القسم الثاني: المعاملات وهي التي يقصد بها تنظيم علاقات الأفراد فيما بينهم، وهذه تشمل جميع روابط القانون العام والخاص في الاصطلاح الحديث. وهي تنقسم إلى ما يأتي:

أ- الأحكام المتعلقة بالأسرة من نكاح وطلاق ونفقة ونسب وتسمى بقانون الأسرة أو الأحوال الشخصية.

ب- الأحكام المتعلقة بعلاقات الأفراد المالية ومعاملاتهم كالبيع والإجارة والرهن والكفالة ونحو ذلك وهي ما يسمى حالياً بقانون المعاملات أو بالقانون المدني، ومن هذه الأحكام ما يتعلق بالشركات والتسليف والأمور التجارية الأُخر التي ينظمها في الوقت الحاضر القانون التجاري.

جـ- الأحكام المتعلقة بالقضاء والدعوى والشهادة واليمين وهي تدخل فيما يسمى اليوم بقانون المرافعات.

د- الأحكام المتعلقة بمعاملة الأجانب غير المسلمين في الدولة الإسلامية أو مع الرعايا الأجانب وتسمى بالقانون الدولي الخاص.

شبهات عصرية للشريعة الإسلامية:

هنالك من يدعي عدم قابلية التطبيق للشريعة الإسلامية في العصر الحاضر، لأن هنالك مشكلات زمنية تعترض سبيل هذا التطبيق ولا تتسع الشريعة لحلها في نظرهم وهي:

1- مشكلة الصفة الدينية والأحكام الثابتة التي لا تقبل التطور. وهذا وَهمْ منشؤه عدم معرفة بأحكام الشريعة الإسلامية، فإن الصفة الفقهية لا تنافي كونها متطورة وكفيلة بوفاء الحاجات العصرية وحل المشكلات.

2- بعض العقوبات المحددة شرعاً كعقوبة الزنا بالجلد والسارق بالقطع. والجواب إن هذه الحدود مشروطة بشرائط يجعل في تطبيقها نادرة التطبيق، على أن إقامة الحد يمنع الآخرين من ارتكاب هذه الجريمة التي توجب الحد، ومن المعلوم إن هذه الحدود تقام عندما يكون المجتمع إسلامياً وتعليمه وتربيته إسلامية.

3- نظام الفائدة في المعاملات التجارية والأعمال المصرفية وتحرير الربا. والجواب بأنَّ هنالك أنظمة وشركات في الشريعة الإسلامية كالمضاربة فيها الربح المشروع بدلاً من الربا والفائدة.

4- الأوضاع القانونية والنظم الاقتصادية كعقد التأمين لم يكن موجوداً في الفقه الإسلامي. والجواب على ذلك إن المبادئ الحقوقية في الفقه الإسلامي ذات سعة ومرونة للاستيعاب وباب الاجتهاد مفتوح.

المستقبل للشريعة الإسلامية:

وذلك للأسباب التالية:

  1. تطبيق الشريعة الإسلامية يعتبر في نظر المسلمين من الدين وجزء من عقيدتهم.

2- الشريعة الإسلامية هي القانون الصحيح لهذه الأمة لأنه يمثل مصالحها وأفكارها في الحياة ومستقر تقاليدها ومثلها العليا.

3- الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان.

4- النهضة الفقهية لدراسة الشريعة وبيان مبادئها وقواعدها وأحكامها.

 

 

 

المصادر

 

القرآن الكريم.

  1. الاجتهاد أصوله وأحكامه/ محمد بحر العلوم/ دار الزهراء -/ الطبعة الأولى/ 1397هـ-1977م.
  2. الأحكام/ الشيخ علي كاشف الغطاء/ مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ النجف الأشرف/ 2004هـ.
  3. أحياء علوم الدين/ أبو حامد الغزالي/ القاهرة/ 1933م.
  4. أدوار علم الفقه وأطواره/ الشيخ علي كاشف الغطاء/ دار الزهراء -/ بيروت/ ط1/ 1399هـ-1979م.
  5. أسباب اختلاف الفقهاء/ الدكتور مصطفى ابراهيم الزلمي/ مطبعة شفيق/ بغداد/ ط2/ 1406هـ-1986م.
  6. أسباب اختلاف الفقهاء/ الشيخ علي الخفيف/ مطبعة الرسالة/ مصر/ 1375هـ.
  7. الاستبصار/الشيخ الطوسي/ تحقيق: السيد حسن الخرسان/  ط3/ بيروت.
  8. الإسلام عقيدة وشريعة/ الشيخ محمود شلتوت/ مطابع دار القلم/ القاهرة.
  9. الإسلام ومتطلبات التغيير الاجتماعي/ العلامة الكبير السيد محمد حسين الطباطبائي/ تقريب محمد علي أذرشب/ الطبعة الأولى/ إيران/ الطبعة الثالثة/ 1401هـ.
  10. الاسلام ومشكلاتنا المعاصرة/ الدكتور محمد يوسف موسى/ الثقافة الشعبية/ مصر.
  11. أصول التشيّع/ هاشم معروف الحسني/ دار القلم/ بيروت.
  12. الأصول العامة للفقه المقارن/ العلامة السيد محمد تقي الحكيم/ دار الأندلس/ بيروت/ ط1/ 1963م.
  13. أصول الفقه/ السيد عبد العظيم البكاء/ السنة الأولى/ مكتبة الرواد/ جامعة المستنصرية/ ملزمة تدريس للسنة الأولى في كلية الفقه في النجف الأشرف.
  14. الإمام الصادق والمذاهب الأربعة/ الشيخ أسد حيدر/ ط2/ 1390هـ-1969م.
  15. باب مدينة علم الفقه/الشيخ علي كاشف الغطاء/ دار الزهراء -/ بيروت/ ط1/ 1405هـ-1985م.
  16. البحر الرائق شرح كنز الدقائق/ ابن نجيم/ القاهرة/ 1334هـ.
  17. بداية المجتهد ونهاية المقتصد/ ابن رشد الحفيد/ القاهرة.
  18. البيان في تفسير القرآن/ السيد أبو القاسم الخوئي.
  19. تاج اللغة وصحاح العربية/ اسماعيل بن حماد الجوهري/ تحقيق أحمد عبد الغفور العطار/ ط4/ الناشر دار العلم للملايين/ بيروت/ 1407هـ - 1987م.
  20. تاريخ الإسلام/ الدكتور حسن ابراهيم حسن/ مكتبة النهضة العربية/ القاهرة/ 1979م.
  21. تاريخ التراث العربي/ الدكتور فؤاد سزكين/ ترجمة: محمود فهمي حجازي/ 1403هـ- 1983م.
  22. تاريخ التشريع الإسلامي/ الدكتور عبد الهادي الفضلي/ دار الكتاب الإسلامي/ ط2/ 1424هـ-2003م.
  23. تاريخ التشريع الإسلامي/ الشيخ محمد الخضري/ دار القلم/ بيروت/ 1983م.
  24. تاريخ التشريع الإسلامي/ العلامة السيد محمد تقي الحكيم/ معهد الدراسات العربية والإسلامية/ لندن.
  25. تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره/ الشيخ جعفر السبحاني/ دار الأضواء للطباعة والنشر  والتوزيع/ بيروت/ ط1/ 1419هـ - 1999م.
  26. تاريخ الفقه الإسلامي/ الدكتور عمر سليمان الأشقر/ ط1/ 1402هـ-1982م.
  27. تاريخ الفقه الإسلامي/ د عمر سليمان الأشقر/ دار النفائس للنشر والتوزيع/ الكويت/ ط2/ 1410هـ - 1989م.
  28. تحف العقول عن آل الرسول صلى الله عليه واله وسلم/ ابن شعبة الحراني/ تحقيق علي أكبر الغفاري/ ط2/ مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة/ 1404هـ.
  29. التشريع والفقه في الإسلام تاريخاً ومنهجاً/ الشيخ مناع القطان/ مؤسسة الرسالة/ بيروت/ 1409هـ-1989م.
  30. تفسير الميزان/ السيد محمد حسين الطباطبائي/ الناشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة/ 1402هـ.
  31. الحاكمية في الإسلام/ سماحة آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخلخالي/ الطبعة الأولى/ قم/ 1425هـ.
  32. الحدائق الناضرة/ الشيخ يوسف البحراني/ تحقيق: الشيخ محمد تقي الايرواني/ دار إحياء التراث العربي/ بيروت/ ط7/ 1981م.
  33. الحق والذمة/ الشيخ علي الخفيف/ ط1/ القاهرة.
  34. حقوق الإنسان/ الدكتور محمد عبد العزيز أبو سخيلة/ 1985م.
  35. حلب والتشيّع/ الشيخ إبراهيم نصر الله/ مؤسسة الوفاء/ بيروت/ ط1/ 1403هـ-1983م.
  36. الخلاصة في علم الدراية/ الشيخ حسن كريم الربيعي/ استنساخ/ النجف الأشرف/ 2005م.
  37. الدعائم الخلقية للقوانين الشرعية/ الدكتور صبحي محمصاني/ دار العلم للملايين/ بيروت.
  38. الذريعة إلى تصانيف الشيعة/ الشيخ آقا بزرك الطهراني/ دار الأضواء/ بيروت/ ط3/1403هـ-1983م.
  39. رجال الطوسي/ تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم/ المطبعة الحيدرية/ النجف الأشرف/ ط1/1381هـ-1988م.
  40. رجال النجاشي/ تحقيق: محمد جواد النائيني/ دار الأضواء/ بيروت/ 1408هـ- 1988م.
  41. شرائع الإسلام/ المحقق الحلي/ تحقيق: الشيخ عبد الحسين البقال/ دار الأضواء/ بيروت/ ط2/ 1403هـ-1983م.
  42. الشرح الكبير/ ابن قدامة المقدسي (شمس الدين)/ ط2/ القاهرة.
  43. شرح نهج البلاغة/ ابن أبي الحديد/ تحقيق: محمد أبو الفضل/ مصر/ ط2/ 1965م.
  44. الطرق الحكمية في السياسة الشرعية/ ابن قيم الجوزية/ القاهرة/ 1317هـ.
  45. الغيب والشهادة/ الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء/ دار العلم/ بيروت/ ط1/ 2002هـ.
  46. الفائق في غريب الحديث/ محمود بن عمر الزمخشري/ ط1/ الناشر دار الكتب العلمية/ بيروت/ 1417هـ - 1996م.
  47. الفروق/ شهاب الدين القرافي/ القاهرة/ 1933م.
  48. فلسفة التشريع الإسلامي/ صبحي محمصاني/ بيروت/ ط3/ 1961م.
  49. الفهرست/ الشيخ الطوسي/ تحقيق وتقديم: السيد محمد صادق بحر العلوم/ ط3/ 1403هـ- 1986م.
  50. الفوائد المدنية/ الشيخ محمد أمين الاسترابادي/ دار النشر لأهل البيت/ 1405هـ.
  51. قواعد الحديث/ السيد محي الدين الغريفي/ دار الأضواء/ بيروت/ ط2/ 1406هـ-1986م.
  52. القواعد في الفقه الإسلامي/ابن الحنبلي/القاهرة/1933م.
  53. القواعد والفوائد/ الشهيد الأول/ تحقيق: الدكتور عبد الهادي الحكيم/ جمعية منتدى النشر/ النجف الأشرف/ 1980م.
  54. الكافي/ ثقة الإسلام الكليني/ تحقيق الشيخ علي أكبر الغفاري/ دار الأضواء/ بيروت/ 1405هـ- 1985م.
  55. كتاب البخاري/ محمد بن اسماعيل اليخاري/ المطبعة المنيرية/ 1348هـ.
  56. كتاب مسلم/ مسلم بن الحجاج النيسابوري/ دار الآفاق الجديدة/ بيروت.
  57. كشف الظنون/ حاجي خليفة/ دار الفكر/ بيروت/ 1402هـ-1982م.
  58. لسان العرب/ ابن منظور محمد بن مكرم/ نشر أدب الحوزة/ 1405هـ.
  59. ماضي النجف وحاضرها/ الشيخ جعفر محبوبة/ دار الأضواء/ بيروت/ ط2/ 1404هـ-1984م.
  60. مجلة فقه أهل البيت “/ مجلة فقهية تخصصية فصلية/ مؤسسة دائرة معارف الفقه الإسلامي/ العدد الثلاثون/ السنة الثامنة/ 1424هـ-2003م/ الجمهورية الإسلامية الإيرانية/ قم.
  61. مختلف الشيعة/ العلامة الحلي/ طبعة حجرية/ ايران.
  62. مدخا إلى دراسة علم أصول الفقه/ الشيخ محمد جعفر شمس الدين/ دار الهادي/ بيروت/ 2008م.
  63. المدخل الفقهي العام/ الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء/ دار الفكر/ بيروت.
  64. مدخل إلى دراسة الشريعة الإسلامية/ الشيخ محمد جعفر شمس الدين/ دار الهادي/ بيروت/ 2005م.
  65. المدخل في الفقه الإسلامي/ الدكتور الشيخ محمد مصطفى شلبي/ دار الجامعية/ ط10/ 1985م.
  66. المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية/ الدكتور عبد الباقي البكري والدكتور مصطفى الزلمي/ الناشر: المكتبة القانونية في بغداد/ 2006م.
  67. المدخل لدراسة الشريعة الاسلامية/ الدكتور عبد الكريم زيدان/ دار عمر بن الخطاب/ الاسكندرية.
  68. المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية/ د عبد الكريم زيدان/ مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ ط12/ 1416هـ - 1995م.
  69. المدخل للتشريع الإسلامي/الدكتور محمد فاروق النبهان/ ط1/1977م.
  70. المدخل للفقه الإسلامي/ الدكتور حسن علي الشاذلي/ دار الطباعة الحديثة.
  71. المدخل للفقه الإسلامي/ الدكتور محمد سلام مدكور/ مطبعة الرسالة/ مصر/ ط2/ 1383هـ.
  72. مستدرك الوسائل/المحدث النوري/ طبعة حجرية/ ايران.
  73. مصادر التشريع الإسلامي/ عبد الوهاب خلاف/ مطابع دار الكتاب العربي/ مصر.
  74. مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني/ الشيخ علي كاشف الغطاء/ مطبعة الآداب/ النجف الأشرف/ ط1/ 1408هـ-1988م.
  75. مصادر الفقه الإسلامي ومنابعه/ الشيخ جعفر سبحاني/ دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت/ ط1/ 1419هـ - 1999م.
  76. مصطلحات الفقه/آية الله المشكيني/الناشر: مؤسسة جاب الهادي/قم.
  77. المعالم الجديدة/ الشهيد السيد محمد باقر الصدر/ التعارف/ بيروت/ ط3/1401هـ-1981م.
  78. معالم الدين وملاذ المجتهدين/ حسن بن زين الدين العاملي/ الناشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين/ قم.
  79. معالم المدرستين/ السيد مرتضى العسكري/ مؤسسة النعمان/  بيروت/ 1410هـ-1990م.
  80. المعجم الأصولي/ الشيخ محمد صنقور علي/ الناشر: منشورات نقش/ مطبعة عترت/ ط2/ 1426هـ.
  81. معجم ألفاظ الفقه الجعفري/ د أحمد فتح الله/ ط1/ مطابع المدوخل/ الدمام/ 1415هـ - 1995م.
  82. معجم ألفاظ القرآن الكريم/ مجمع اللغة العربية بالقاهرة/ القاهرة/ دار الشروق.
  83. معجم رجال الحديث/ السيد أبو القاسم الخوئي/ مركز نشر آثار الشيعة/ ط4/ 1410هـ.
  84. المغني/ ابن قدامة (موفق الدين)/ القاهرة/ ط2.
  85. مفتاح الكرامة/ السيد محمد جواد العاملي/ طبعة الرضوية/ مصر/ 1324هـ.
  86. المفردات في غريب القرآن/ الحسين بن محمد المعروف بالراغب الاصفهاني/ ط2/ الناشر دفتر نشر الكتاب/ 1404هـ.
  87. مقارنات بين الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية/ منصور علي علي/ بيروت/ 1970م.
  88. من لا يحضره الفقيه/ الشيخ الصدوق/ تحقيق: السيد حسن الخرسان/ دار الأضواء/ بيروت/ ط6/ 1405هـ-1985م.
  89. مناهج الشريعة الإسلامية/ الشيخ أحمد محي الدين العجوز/ مكتبة المعارف/ بيروت/ ط1/ 1389هـ-1969م.
  90. منتهى المطلب في تحقيق المذهب/ العلامة الحلي/ تحقيق قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية/ ط1/ مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة/ 1412هـ.
  91. منهج الفقه الإسلامي/ السيد هاشم الموسوي/ الناشر مؤسسة الهدى للنشر والتوزيع/ ط 1424هـ/ طهران.
  92. الموافقات في أصول الشريعة/ أبو إسحاق الشاطبي/ المطبعة الرحمانية/ القاهرة.
  93. مواهب الجليل شرح سيدي الخليل/ أبو عبد الله محمد الخطاب/ القاهرة/ 1328هـ.
  94. النهاية في غريب الحديث والأثر/ مجد الدين ابن الاثير/ تحقيق ظاهر الزاوي ومحمود الطناحي/ ط4/ الناشر مؤسسة اسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع/ قم/ 1364ش.
  95. النور الساطع في الفقه النافع/ الشيخ علي كاشف الغطاء/مطبعة الآداب/ النجف الأشرف/ ط1/ 1961م.
  96. وسائل الشيعة/ الحر العاملي/ تحقيق: الشيخ عبد الرحيم الرباني/ دار إحياء التراث/ بيروت/ ط5/ 1403هـ-1983م.
  97. الوسيلة/ ابن حمزة/ تحقيق: السيد عبد العظيم البكاء/ جمعية منتدى النشر/ النجف الأشرف/ 1399هـ-1979م.

من إصدارات مؤسسة كاشف الغاء العامة

  1. الأجوبة النجفية في الرد على الفتاوى الوهابية, تأليف: آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء  قدس سره  (1361هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.
  2. أحكام المتاجر, تأليف: آية الله العظمى الشيخ مهدي كاشف الغطاء  قدس سره  (1289هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الشيخ تحسين البلداوي.
  3. الإمامة, تأليف: آية الله العظمى الشيخ عباس كاشف الغطاء  قدس سره  (1323هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.
  4. بحوث ومقالات, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.
  5. التعادل والتعارض والترجيح, تأليف: آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  (1411هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.
  6. دليل مخطوطات مؤسسة كاشف الغطاء العامة, الإصدار الخامس (1434هـ - 2012م), إعداد: قسم الذخائر للمخطوطات.
  7. رسالة في فن التجويد, تأليف: آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء  قدس سره  (1361هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الدكتور خليل المشايخي.
  8. زيد بن علي `, تأليف: آية الله الشيخ محمد رضا كاشف  الغطاء  قدس سره  (1366هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الدكتور خليل المشايخي.
  9. الغيب والشهادة, تأليف: آية الله الشيخ محمد رضا كاشف  الغطاء  قدس سره  (1366هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.
  10. الفساد الإداري في المنظور الإسلامي, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.
  11. القواعد الستة عشر, تأليف: آية الله العظمى الشيخ جعفر كاشف الغطاء  قدس سره  (1228هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.
  12. كشف ابن الرضا عن فقه الرضا, تأليف: آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  (1411هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ مصطفى ناجح الصراف.
  13. المال المثلي والمال القيمي في الفقه الإسلامي, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.
  14. مجموعة آثار علماء آل كاشف الغطاء, قرص ليزري, إعداد مؤسسة كاشف الغطاء العامة بالتعاون مع مركز البحوث الكمبيوترية للعلوم الإسلامية.
  15. المدخل إلى الشريعة الإسلامية, تأليف:الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.
  16. المقبولة الحسينية, تأليف: آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء  قدس سره  (1361هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.
  17. المنتخب من القواعد الفقهية, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.
  18. الموسوعة الوثائقية الجزء الأول, إعداد قسم الوثائق والأرشفة.
  19. الموسوعة الوثائقية الجزء الثالث, عدد خاص بالمؤتمر الإسلامي المسيحي في بحمدون, إعداد قسم الوثائق والأرشفة.
  20. نبذة الغري في أحوال الحسن الجعفري, تأليف: آية الله العظمى الشيخ عباس كاشف الغطاء  قدس سره  (1323هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.
 

[1].  سورة الشورى, من الآية 13.

[2]. سورة الشورى, من الآية 21.  

[3]. ليُنظر: المدخل في الفقه الإسلامي, شلبي, ص 19.

[4]. المدخل في الفقه الإسلامي, شلبي, ص20. 

[5]. المصدر نفسه, ص 21.  

[6]. المدخل في الفقه الإسلامي, شلبي, ص 21.

[7]. سورة فاطر, آية 24.

[8]. سورة الإسراء, من الآية 15.

[9]. ليُنظر: المدخل الفقهي العام, الزرقاء, ج1, ص24.

[10]. المعرّس: موضع التعريس للتكاثر. لسان العرب, ابن منظور, ج6, ص134.

[11]. اللوط: الحب اللازق في القلب. الصحاح, الجوهري, ج3, ص1158.

[12]. ليُنظر: المدخل الفقهي العام, الزرقاء, ج1, ص29.  

[13]. باب مدينة علم الفقه, كاشف الغطاء, ص142.

[14]. سورة سبأ, من الآية 28.

[15]. سورة الأعراف, من الآية 158.

[16]. سورة المائدة, من الآية 48.

[17]. سورة الأنبياء, الآية 25.

[18]. سورة البقرة, الآية 285.

[19]. ليُنظر: المدخل في الفقه الإسلامي, شلبي, ص23.

[20]. سورة المائدة: من الآية 44.

[21]. سورة المائدة, الآية 46.

[22]. سورة الصف, من الآية 6.

[23]. كتاب مسلم, مسلم, ج7, ص64.

[24]. سورة المائدة, من الآية 3.

[25]. سورة آل عمران, الآية 85.

[26]. ليُنظر: المدخل في الفقه الإسلامي, شلبي, ص 26.

[27]. المفردات في غريب القرآن, الراغب الإصفهاني, ص258.

[28]. تفسير الميزان, الطباطبائي, ج5, ص350.

[29]. سورة المائدة, من الآية 48.

[30]. سورة المائدة, من الآية 48.

[31]. تفسير الميزان, الطباطبائي, ج5, ص350.

[32]. المصدر نفسه, ج5, ص350. 

[33]. المصدر نفسه, ج5, ص351.

[34]. سورة الأنعام, من الآية 161.

[35]. سورة يوسف, من الآيتين 37, 38.

[36]. تفسير الميزان, الطباطبائي, ج5, ص351. 

[37]. سورة الجاثية, من الآية 18.

[38]. ليُنظر: المدخل في الفقه الإسلامي, شلبي, ص27.

[39]. المصدر نفسه, ص28.

[40]. سورة آل عمران, الآية 67.

[41]. سورة المائدة, من الآية 3.

[42]. سورة آل عمران, من الآية 19.

[43]. المدخل في الفقه الإسلامي, شلبي, ص29.   

[44]. المصدر نفسه, ص30.   

[45]. معجم ألفاظ الفقه الجعفري, فتح الله, ص322.

[46]. سورة براءة, من الآية 122.

[47]. سورة الأنبياء, الآية 107.

[48]. سورة سبأ, من الآية 28.

[49]. سورة العنكبوت, من الآية 45.

[50]. سورة الروم, من الآية 21.

[51]. سورة البقرة, من الآية 229.

[52]. باب مدينة علم الفقه, كاشف الغطاء, ص11.

[53]. المصدر نفسه, ص15.

[54]. ليُنظر: الصحاح, الجوهري, ج6, ص2243, النهاية في غريب الحديث والأثر, ابن الأثير, ج3, ص211.

[55]. الفائق في غريب الحديث, الزمخشري, ج3, ص45.

[56]. ليُنظر: الفائق في غريب الحديث والأثر, الزمخشري, ج3, ص47, النهاية في غريب الحديث والأثر, ابن الأثير, ج3, ص465, لسان العرب, ابن منظور, ج13, ص523.

[57]. القواعد والفوائد, الشهيد الأول, ج1, ص30, معالم الدين وملاذ المجتهدين, العاملي, ص26.

[58]. ليُنظر: منتهى المطلب, العلامة الحلي, ج1, ص7.

[59]. ليُنظر: باب مدينة علم الفقه, كاشف الغطاء, ص130.

[60]. باب مدينة علم الفقه, كاشف الغطاء, ص81.

[61]. المصدر نفسه, ص81. 

[62]. المصدر نفسه, ص81. 

[63]. المصدر نفسه, ص81. 

[64]. باب مدينة علم الفقه, كاشف الغطاء, ص82. 

[65]. باب مدينة علم الفقه, كاشف الغطاء, ص85. 

[66]. سورة التوبة, آية 122.

[67]. تحف العقول عن آل الرسول, ابن شعبة الحراني, ص199.

[68]. ليُنظر: باب مدينة علم الفقه, ص266.

[69]. سورة المجادلة, من الآية 11.

[70]. سورة الروم, الآية 30.

[71]. سورة النساء, من الآية 59.

[72]. سورة آل عمران, من الآية 97.

[73]. سورة البقرة, من الآية 183.

[74]. سورة الإسراء, من الآية 78.

[75]. تفسير القرآن العظيم, ابن كثير, ج3, ص476, تفسيراً لقوله تعالى: [خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ..] في سورة هود, الآية 107, 108.

[76]. سورة الروم, من الآية 21.

[77]. سورة النساء, من الآية 11.

[78]. سورة البقرة, من الآية 233.

[79]. ليُنظر: باب مدينة علم الفقه, ص272.

[80]. سورة المائدة, من الآية 1.

[81]. سورة البقرة, من الآية 282.

[82]. سورة التوبة, الآية 60.

[83]. سورة الأنفال, من الآية: 41.

[84]. سورة الشورى, من الآية 38.

[85]. سورة النساء, من الآية 59.

[86]. سورة المائدة, من الآية: 2.

[87]. سورة النساء, من الآية 58.

[88]. سورة الأنفال, من الآية 61.

[89]. سورة البقرة, من الآية 194.

[90]. سورة البقرة, من الآية 282.  

[91]. سورة المائدة, من الآية 45.

[92]. سورة البقرة, من الآية 178.

[93]. سورة المائدة, من الآية 38.

[94]. سورة الأعراف, من الآية 33.

[95]. ليُنظر: الغيب والشهادة, كاشف الغطاء, ص9.

[96]. الغيب والشهادة, كاشف الغطاء, ص10.

[97]. راجع كتابنا: مشروع المدرسة المهدية لمرحلة المقدمات, ص9.  

[98]. ليُنظر: باب مدينة علم الفقه, ص402.

[99]. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة, الشهيد الأول,ج1, ص106.

[100]. القواعد الستة عشر, كاشف الغطاء, ص61.

[101]. منتهى المطلب, العلامة الحلي,ج1, ص294.

[102]. ليُنظر: باب مدينة علم الفقه, ص85.

[103]. ليُنظر: باب مدينة علم الفقه, ص89.

[104]. ليُنظر: حاشية شرائع الإسلام, الشهيد الثاني, ص20.

[105]. سورة الأحزاب, من الآية 33.

[106]. بشهادة أم المؤمنين عائشة أن أهل البيت هم علي وفاطمة والحسن والحسين Š. راجع:

كتاب مسلم, باب فضائل أهل البيت Š, ج7, ص130.   

[107]. ليُنظر: إعلام الورى بأعلام الهدى, الطبرسي, ج2, ص161, كنز العمال, المتقي الهندي, ج12, ص34.

 

[108]. راجع: الأصول الأربعمائة, كاشف الغطاء, ص38.

[109]. الغيبة, الطوسي, ص291.

[110]. الكافي, الكليني, ج1, ص57.

[111]. ليُنظر: فهرست ابن النديم, ص255, وفيات الأعيان, ابن خلكان, ج5, ص405, أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص141.

[112]. المصدر نفسه, ص142.

[113]. المصدر نفسه, ص142.

[114]. أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص144.

[115]. ليُنظر: وفيات الأعيان, ابن خلكان, ج4, ص163, أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص157.

[116]. أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص158.

[117]. المصدر نفسه, ص159.

[118]. أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص158.

[119]. ليُنظر: وفيات الأعيان, ابن خلكان, ج1, ص64.

[120]. ليُنظر: تاريخ الطبري, ج7, ص201.

[121]. أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص164.

[122]. المصدر نفسه, ص163.

[123]. أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص165.

[124]. ليُنظر: وفيات الأعيان, ابن خلكان, ج4, ص135, أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص151.

[125]. تأريخ الإسلام, الذهبي,ج11, ص327.

[126]. ليُنظر: أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص152.

[127]. تفسير العياشي,ج1, ص253, الكافي, الكليني, ج1, ص64.

[128]. كشف الغمة, الاربلي, ج1, ص115, سير أعلام النبلاء, الذهبي, ج14, ص23.

[129]. سورة عبس, الآيات: 11-16.

[130]. ليُنظر: المستصفى, الغزالي, ص342, قواعد الأحكام, العلامة الحلي, ج1, ص526.  

[131]. الكافي, الكليني, ج1, ص62.

[132]. موسوعة الفقه الإسلامي, ص36.

[133]. كتاب مسلم, ج8, ص229.

[134]. المصدر نفسه, ج8, ص229.

[135]. كنز العمال, المتقي الهندي, ج10, ص292.

[136]. الطبقات الكبرى, ابن سعد, ج5, ص188, تاريخ الاسلام, الذهبي, ج7, ص220. وقد ورد في أكثر من مصدر: (مثناة كمثناة...).

[137]. سورة المائدة, من الآية 48.

[138]. سورة النجم, الآية 3.

[139]. ليُنظر: الإمامة, كاشف الغطاء, ص20.

[140]. ليُنظر: المدخل في الفقه الإسلامي, شلبي, ص99.

[141]. أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص23.

[142]. ليُنظر: المدخل الفقهي العام, الزرقاء, ج1, ص178.

[143]. الكافي, الكليني, ج1, ص53.

[144]. ليُنظر: أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص42.

[145]. شرح نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, ج1, ص28.

[146]. شرح نهج البلاغة, ابن أبي الحديد, ج10, ص228.  

[147]. الأحكام السلطانية والولايات الدينية, الماوردي, ص71.

[148]. نهج البلاغة, الشريف الرضي, ص117, الخطبة 86.

[149]. سورة البقرة, من الآية 124.

[150]. العضوض: مِن أبنية المبالغة, وهو جمع (عِض) أي: الخبيث الشرس, وفي كلام لأبي بكر: (ستردن بعدي ملكاً عضوضاً). ليُنظر: لسان العرب, ابن منظور, ج7, ص188.

[151]. ليُنظر: فهرس التراث, الجلالي, ج1, ص111.

[152]. الفصول المهمة في أصول الأئمة, الحر العاملي, ج1, ص554. وقد ورد في غيره من المصادر بألفاظ مغايرة.

[153]. بحار الأنوار, المجلسي, ج2, ص245. أوردنا مضمون الرواية, وهي رواية طويلة ومفصلة.

[154]. الاستبصار, الطوسي, ج1, ص183.

[155]. الكافي, الكليني, ج1, ص52.

[156]. وسائل الشيعة, الحر العاملي, ج30, ص291. وورد في غيره من المصادر: (... أن أرى في شيعتي مثلك).

[157]. أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص78.

[158]. ليُنظر: المصدر نفسه, ص83.

[159]. ليُنظر: رجال الشيخ الطوسي, ج1, ص373, ص383, ص397.

[160]. تحف العقول, ابن شعبة الحراني, ص458.

[161]. المصدر نفسه, ص476, بحار الأنوار, المجلسي, ج10, ص386.

[162] .ليُنظر: أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص201.

[163]. الفوائد الرجالية, الوحيد البهبهاني, ص34.

[164]. ليُنظر: أدوار علم الفقه وأطواره, كاشف الغطاء, ص219.

[165]. ليُنظر: القواعد والفوائد, الشهيد الأول, ج1, ص39, دروس في علم الأصول, محمد باقر الصدر, ج1, ص52.

[166]. ليُنظر: معارج الأصول, المحقق الحلي, ص49.

[167]. ليُنظر: المعجم الأصولي, محمد صنقور, ج1, ص311.

[168]. المصدر نفسه, ج1, ص477.

[169]. ليُنظر: الأصول العامة للفقه المقارن, محمد تقي الحكيم, ص72.

[170]. ليُنظر: المعجم الأصولي, محمد صنقور, ج2, ص48.  

[171]. ليُنظر: دروس في علم الأصول, الصدر, ج1, ص281.

[172]. سورة المائدة, من الآية 38.

[173]. وأمثلته في كتب الحديث كثيرة. ليُنظر مثلاً, الكافي, الكليني, ج2, ص164, ص200, ص520.  

[174]. سورة الحج, من الآية 36.

[175]. سنن الدارمي, ج2, ص385.

[176]. سورة الأنعام, من الآية 57.

[177]. مسند أحمد بن حنبل, ج6, ص101, سنن أبي داود, ج2, ص339.

[178]. الكافي, الكليني, ج1, ص10.

[179]. سورة البقرة, من الآية 286.

[180]. سنن أبي داود, ج2, ص51.

[181]. العناوين الفقهية, المراغي, ج2, ص660.

[182]. تسهيل المسالك, الشريف الكاشاني, ص11.

[183]. سورة النور, من الآية 59.

[184]. عوائد الأيام, النراقي, ص361.

[185]. وسائل الشيعة, الحر العاملي, ج27, ص163.

[186]. ليُنظر: الكافي, الكليني, ج3, ص412.

[187]. ليُنظر: الأحكام, الآمدي, ج1, ص153.

[188]. سورة الحج, من الآية 78.

[189]. سورة البقرة, من الآية 185.

[190]. الكافي, الكليني, ج1, ص160.

[191]. بحار الأنوار, المجلسي, ج64, ص136.

[192]. ليُنظر: الأصول العامة للفقه المقارن, الحكيم, ص99.

[193]. سورة النجم, الآية 3, 4.

[194]. سورة الحجر, الآية 9.

[195]. الحدائق الناضرة, يوسف البحراني, ج6, ص355.

[196]. كشف الغمة, الاربلي, ج3, ص78.

[197]. سورة المائدة, من الآية 1.

[198]. سورة النساء, من الآية 29.

[199]. سورة التوبة, من الآية 91.

[200]. سورة آل عمران, من الآية 7.

[201]. سورة ص, من الآية 24.

[202]. سورة الشعراء, الآية 195.

[203]. سورة القمر, الآيات 17, 22, 32, 40.

[204]. الاستبصار, الطوسي, ج1, ص78.

[205]. من لا يحضره الفقيه, الصدوق, ج3, ص567.

[206]. الكافي, الكليني, ج2, ص415.

[207]. المصدر نفسه, ج1, ص69.

[208]. المصدر نفسه, ج2, ص599.

[209]. المصدر نفسه, ج2, ص600.

[210]. صحيح البخاري, ج1, ص2.

[211]. معاني الاخبار, الصدوق, ص281.

[212]. سورة النحل, من الآية 44.

[213]. كنز العمال, المتقي الهندي, ج1, ص92.

[214]. سورة النساء, من الآية 29.

[215]. كتاب البخاري, ج3, ص149.

[216]. كتاب البخاري, ج1, ص8.

[217]. المصدر نفسه, ج1, ص2.

[218]. قاعدة اللطف: هي الوجوب على الله تعالى أن يصنع ما يقرّب العبد للطاعة ويبعده عن المعصية... النور الساطع في الفقه النافع, كاشف الغطاء, ج2, ص164.

[219]. الكافي, الكليني, ج1, ص68.

[220]. فقد روي عن الإمام الصادق ˆ أنه قال: (إن الأرض لا تخلو إلا وفيها إمام, كيما إن زاد المؤمنون شيئاً ردهم, وإن نقصوا شيئاً أتمه لهم). الكافي, الكليني, ج1, ص178.

[221]. الفتوحات المكية, ابن عربي, ج2, ص168. والقول منسوب إلى الشافعي.

[222]. مَن لا يحضره الفقيه, الصدوق, ج1, ص351.

[223]. سورة الطلاق, من الآية 7.

[224]. روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه, المجلسي الأول, ج3, ص327.

[225]. سورة سبأ, من الآية 28.

[226]. سورة الأعراف, من الآية 158.

[227]. سورة النحل, من الآية 90.

[228]. سورة النساء, من الآية 58.

[229]. الفوائد المدنية والشواهد المكية, ص189.

[230]. سورة البقرة, من الآية 286.

[231]. سورة الحج, من الآية 78.

[232]. كنز العمال, ج11, ص445.

[233]. خم: واد بين مكة والمدينة عند الجحفة به غدير ماء, عنده خطب رسول الله i فحمد الله وأثنى عليه ووعظ فأبلغ في الموعظة ونعى إلى الأمة نفسه وقال: إني قد دعيت ويوشك أن أجيب وقد حان مني خفوف من بين أظهركم, وإني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا, كتاب الله وعترتي أهل بيتي, وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض. ثم نادى بأعلى صوته ألست أولى بكم منكم بأنفسكم؟ فقالوا: اللهم بلى, فقال لهم على النسق وقد أخذ بضبعي أمير المؤمنين ˆ فرفعهما حتى رئيَ بياض ابطيهما وقال: فمن كنت مولاه فهذا على مولاه, اللهم وال مَن والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل مَن خذله... ليُنظر: تاريخ اليعقوبي, ج2, ص112, الإرشاد, ج1, ص176, معجم البلدان, ج2, ص389, تاريخ الإسلام, ج3, ص628.

[234]. سورة المائدة, من الآية 3.

[235]. الاحتجاج, الطبرسي, ج1, ص309.

[236]. سورة الحجرات, من الآية 13.

[237]. الفوائد المدنية والشواهد الربوبية, 534.

[238]. سورة النساء, الآية 14.

[239]. سورة آل عمران: من الآية 30.

[240]. سورة الزلزلة, الآيات 7, 8.

[241]. سورة الأعراف, من الآية 158.

[242]. سورة سبأ, من الآية 28.

[243]. سورة الأنبياء, الآية 107.

[244]. ليُنظر: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية, الزلمي والبكري, ص231.

[245]. بيع السلم: هو تقديم الأثمان قبل الافتراق من مجلس البيع, وتأخير المثمنات... السرائر الحاوي لتحرير الفتاوي, ابن ادريس الحلي, ج2, ص243.

[246]. ليُنظر: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية, الزلمي والبكري, ص233.

[247]. المصدر نفسه, ص234.

[248]. ليُنظر: المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية, الزلمي والبكري, ص235.

[249]. سورة الشورى, من الآية 38.

[250]. سورة آل عمران, من الآية 159.

[251]. سورة النساء, من الآية 58.

[252]. سورة الأنعام, من الآية 164.

[253]. سورة البقرة, من الآية 284.

[254]. الكافي, الكليني, ج1, ص239.

[255]. نهج البلاغة, الشريف الرضي, ص223, خطبة158.

[256]. الكافي, الكليني, ج1, ص241. 

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD