لمحات عن مواقف علماء النجف من قضية فلسطيـن

لست بمُغالٍ إذا قلت: إنّ لأسرة آل كاشف الغطاء اليد الطولى في محاربة اليهود، فقد حاربهم في العراق جدهم الأعلى الشيخ الكبير الشيخ جعفر صاحب كتاب كشف الغطاء (1156هـ - 1228هـ) يوم احتلوا أراضي الحلة الفيحاء قرب مرقد ذي الكفل _ وحاولوا تهويد أهاليها وقاربوا ذلك لولا أن ينبري الشيخ للسفر لأهلها مع جملة صالحة من تلاميذه، وما انفك الشيخ جعفر يحارب اليهودية بيده ولسانه وقلمه كما جاء في كتابه كشف الغطاء في الرد على اليهودية بعدما أتقن اللغة العبرية ودرس التوراة حرفا حرفا لملاحقة اليهودية، وقد أسلم على يده منهم رهط كثير.
ثم قامت أسرة آل كاشف الغطاء جيلا بعد جيل بالمحاربة لهذه الفئة بأقلامهم وألسنتهم ونفوسهم فقد استنهض آية الله العظمى المرحوم الشيخ هادي كاشف الغطاء (1290 هـ – 1361هـ) المسلمين واستنفرهم في دفع اليهود عن فلسطين في جمادي الثانية سنة 1356هـ في فتوى نقتبس منها: (أما بعد فقد بلغكم وملأ أسماعكم ما أفتى به علماؤكم الروحانييون زعماء الدين وأئمة المسلمين وحجج الله على العاملين من وجوب الجهاد على كل مسلم في شرق الأرض وغربها.
العربي والفارسي والهندي والتركي من سائر الأقطار والأمصار والشعوب [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ] بالكتب والكتائب والخطب والرسائل والاستنهاض والاستنفار والترغيب والترهيب واللسان والسنان والأموال والرجال وغير ذلك من شتى الوسائل التي يحصل بها النصر على أعداء الدين المعتدين الآثمين من اليهود في فلسطين الذين يريدون أن يستعبدوا الأحرار ويملكوا نواصي العباد ويأبى الله ورسوله وأنوف حمية وشيم عربية.
فيا أبطال الوغى ويا ليوث الهيجاء ويا قادة جندنا ويا أباة الضيم ويا حماة العرين طيبوا عن أنفسكم نفساً وسيروا إلى الموت سيرً سجحاً وأعيروا الله جماجمكم ساعة حتى ينجلي عمود الحق وأنتم الأعلون واعلموا أن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه وهو لباس التقوى ودرع الله الحصينة وجنته الواقية فمن تركه رغبة عنه البسه الله ثوب الذل والهوان وشمله البلاء والخسران) وقد أنهى فتواه بقلب مكلوم وصدر مألوم. وللشيخ هادي رحمه الله قصيدة يتعرض فيها لقضية فلسطين قال فيها:
واسأل فلسطيناً وما صنـــــعوا به         مما يضيق بوصفه التعبيرُ
والاعتداء على الضعيف سجية            فيهم وأمر ظاهر مشهورُُ
 
 
وقد وقف المرحوم آية الله الكبرى الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء مواقف مجيدة للدفاع عن فلسطين فَوَثَب وِثْبَة الأسد الرئبال الذائد عن حياض أشباله، فسافر إلى المؤتمر الإسلامي في فلسطين وبمعيته العلامة الشيخ عبد الرسول كاشف الغطاء صاحب مجلة لواء الوحدة الإسلامية ومؤسس جمعية الوحدة الإسلامية وحسس العالم الإسلامي بخطر الصهيونيين وخطب الخطب العديدة في محافل حاشدة واجتماعات حافلة بعبارات كلها آيات بينات مستنهضا هممهم.وقد صدرت منه عدة نداءات حول قضية فلسطين، منها ما نشرته جمعية الدفاع عن فلسطين رقم (11) بغداد/ السبت في 6 آب 1938م في 5 جمادي الآخرة 1357هـ نصه (انفروا خفاقا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم أيها العرب أيها المسلمون، إن الجهاد أصبح واجباً عليكم في سبيل الوطن).
وقد وجه سماحة الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء نداء عاما إلى الأمة الإسلامية وجعل يوم الجمعة 5 آب سنة 1938م يوم فلسطين وقد جاء في هذا النداء ما نصه: (أيها العرب وأيها المسلمون؛ بل أيها البشر وأيها الناس أصبح الجهاد في سبيل فلسطين واجبا على كل إنسان لا على العرب والمسلمين فقط.نعم هو واجب على كل إنسان لا بحكم الأديان والشرائع فقط؛ بل بحكم الحس والوجدان ووحي الضمير وصحة التفكير والخطة العملية في ذلك أن من يستطيع اللحوق بمجاهدي فلسطين بنفسه فليلتحق بهم ولا أقول: إني ضمين له أنه كالمجاهدين مع النبي صلى الله عليه واله وسلم في بدر. فإنّ المقام أجلى وأعلى من ذلك المقام مقام شرف وغيرة وحس وشعور لا مقام طلب أجر وثواب وإن كان ذلك بأعلى مراتبه ومن لم يستطع اللحوق بنفسه فليمدهم بماله إما بتجهيز من لا مال له ليلحق بهم أو بإرسال المال إلى المجاهدين وعيالهم وأطفالهم، ومن عجز عن ذلك فعليه أن يجاهد ويساعد بلسانه وقلمه ومساعيه جهد إمكانه وهذه أدنى المراتب، وليكن كل أحد على علم جازم أنّ القضية قضية موت العرب وحياتهم).
ثم قام بعد ذلك مؤسس الجامعة سماحة آية الله العظمى المرحوم الشيخ علي كاشف الغطاء (1331 - 1411هــ) فأفتى بوجوب الجهاد عن فلسطين في سنة 1376هـ في نداء وجهه لعامة المسلمين الذي نشرته الصحف تحت عنوان النداء العام في الجهاد عن فلسطين ونقتطع بعضا من نصوصه: (أيها المسلمون إنّ من هزل الدهر أن يتطاول على أمة محمد صلى الله عليه واله وسلم شرذمة لفظها الغرب على شاطئ البحر وقاءتها اليهودية في فلسطين، ومن أغلاط الزمن أن يشين كرامة أبناء الضاد تحت سمائهم فئة باغية تعد بالأصابع.يا أمة محمد صلى الله عليه واله وسلم إن الدفاع عن فلسطين باب من أبواب الجنة فمن تركه ألبسه الله ثوب الذل والهوان ومني بالبلاء والخسران، فجاهدوا في سبيل الله أعداء الله المعتدين الآثمين الذين يريدون أن يستعبدوا أحراركم ويسلبوا دياركم وأراضيكم، فسارعوا إلى كبح جموعهم بعزم ثابت وقدم راسخ وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ورباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم. فإنّكم [إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] حتى ينجلي عمود الحق وأنتم الأعلون [وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ].
وعند زيارة الشيخ علي كاشف الغطاء في 19 محرم المصادف 20/5/1965م إلى غزة الذي كان يترأس الوفد العراقي لمؤتمر البحوث الإسلامية في القاهرة وبمعيته العلامة شيخ الأزهر حسن مأمون ورهط كبير من رجال الدين وعندما وصل بهم السير إلى دار حنون حيث كانت الحدود الفلسطينية والحدود اليهودية المغتصبة، فتأثر الشيخ كاشف الغطاء كثيراً على ضياع أرض الوطن العربي بيد اليهود المغلولة، فأنفجر سماحته كالبركان ثائر بشقشقة هدرت، فتصاعدت من صدر سماحته الحسرات والأنات بخطبة حماسية ارتجالية وكان لها وقع عظيم في ذلك الجمع الحاشد أبكت الجميع وخشعت لها القلوب والنفوس.
وفي أيام حرب سنة 1967م كان سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء يحرض الجماهير على مغتصبي فلسطين ويبعث الحماس فيهم بقلمه ولسانه، وقد أعلنت الصحف مثل المنار في عددها 22/3759 في يوم الثلاثاء 4 ربيع الثاني 1387هــ المصادف 13 حزيران 1967م صوم سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء نصرة للعرب والمسلمين على الصهاينة المجرمين وقد طلب من رجال الدين أن يستغلوا جميع إمكانياتهم للمساهمة في نصرة الجيوش العربية وأن يبينوا للمسلمين أبعاد المؤامرة الصهيونية التي حيكت لضرب الأمة العربية والإسلامية بالاشتراك مع أعدائهم ومتربصين الدوائر بهم.
ثم بعد هذا أقام مجلس الفاتحة على أرواح الشهداء الذين سقطوا دفاعا عن فلسطين في جامعته في النجف الأشرف ثم أصدر سماحته نداء عاما للمسلمين نشرته الصحف العراقية بتاريخ 16 جمادي الثانية سنة 1387هــ المصادف 20 أيلول سنة 1967م تحت عنوان الإمام كاشف الغطاء يدعو المسلمين لتحرير الأراضي المقدسة، وقد طلبت منظمة فتح فتوى بالجهاد من سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء بتاريخ 15/1/1969م وقد أرسلت نص الفتوى.كما احتج سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء لدى الأمم المتحدة وجمعية حقوق الإنسان على الجريمة التي اقترفتها الصهاينة بدفنها عددا من العرب الأحياء بتاريخ 23/2/1969م كما استنكر سماحته جريمة الصهيونية بإحراق المسجد الأقصى الشريف، وناشد سماحته كافة الشعوب الإسلامية والجيوش العربية والفصائل الفدائية بتشديد الضربات الساحقة إلى الصهاينة والمستعمرين لارتكابهم الجريمة البشعة النكراء بحرق أولى القبلتين وثالث الحرمين المسجد المقدس لدى أهل الشهادتين وقد جاء ذلك في برقية بعث بها سماحته ردا على برقية تلقاها من الاتحاد العام لطلبة فلسطين والاتحاد العام لعمال فلسطين واتحاد المرأة الفلسطينية وجاء في برقية سماحته (لقد كان لبرقيتكم الأثر البليغ في نفوسنا فقد زادت بها لواعج الأشجان والأحزان، وإنّ عبراتي في هذا المجال تسبق العبارات، وإنّ زفراتي تمتزج بالحسرات على العمل الإجرامي الذي ارتكبه الصهاينة بانتهاكهم حرمة المسجد الأقصى. فيا لله وللمسجد الأقصى من هؤلاء العتاة المردة فأين ذوي النجدة من الصلحاء والأبرار ومنشدي العدالة الإنسانية في شرق الأرض وغربها من استرجاع الحق لأهله وتطهير الأرض وقد أجاد الشاعر في قصيدته لاستنهاض الأمة العربية للدفاع عن فلسطين بقوله:
    يا مصر منك تفهم الأحرار                   درس النضال وأهلك الثوارُ
ما بالها رقدت ونامت عينها                    والذل خيم واستبيح الجارُ
نهضا بني قومي فإنّ على الأذى               لبني العروبة لا يقر قرارُ 
أتقاعست للظل راية عزكم                      أم منكم الهمم الكبار صغارُ
ما العرب بالنزر القليل وهذه                   ثرواتكم غصت بها الأمصارُ 
لكنما داء التفكك داؤها                          إن التفكك للديار دمارُ
تقضى فلسطين أسى ما بينن                   ويجد في إهلاكها الجبارُ
وتغل أيدينا وألسننا معا                         وتظل ترمق موتها الأبصارُ 
أبني العروبة والعروبة وحدة                 والضاد أصل والإباء شعارُ
لا حكم للأقلام تنقذ هالكا                        منا إذا لم يحكم البتارُ
فمتى ترى للعرب جيشا واحدا                وشعاره يوم الهجوم الثارُ
بهدى رسول الله سار وعزمه                 في النائبات يمنه الكرارُ
ويعيد وقعة مرحب وصريعها                في تل أبيب عجلها الخوارُ

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD