رسالة

في أحكام الأموات

 

 

الشيخ الأكبر

الشيخ جعفر كاشف الغطاء

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

الحمد لله رب العالمين على ما أنعم وصلى الله على محمد وآله وسّلم

وبعد: فإنه قد كَثُر عليّ الإلحاح من بعض أهل التقوى والصلاح أن أكتب رسالة في أحكام الجنائز مشتملة على ذكر الواجب والمحظور والجائز فجاءت بحمد الله تعالى وافية بالمرام مشتملة على جل تلك الأحكام، ورجائي من كل ناظر متدبر لألفاظها ومعانيها أن لا يبرح عن الدعاء لي على مرور الأيام ويطلب نجاتي من أهوال يوم القيام.

أحكام الأموات إلى حين الدفن والانصراف

وفيه مباحث:-

المبحث الأول:        المقدمات

ويستدعي بيان أمور مطلوبة وأفعال مندوبة :

و(منها) الشكر على العافية وطلبها ومعرفة قدرها:- فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ((أن خير من يسألُ اللهَ العبدُ العافية))، وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم): (العافية إذا وُجدَت نُسيَت وإذا فُقدَت ذُكرَت) وعن الصادق(عليه السلام): (خمس خصال من فقد واحدة منهن لم يزل ناقص العيش، مشغول القلب: فأولها صحة البدن والثانية الأمن والثالثة السعة في الرزق والرابعة الأنيس الموافق وهو الزوجة الصالحة والولد الصالح والجليس الصالح والخامسة وهى تجمع هذه الخصال الدعة).

 و(منها) الشكر على المرض ومعرفة فوائده:- فعنهم(E): (للحمى طهور من ربٍّ غفور) وأن المرض ينقّي المسلمين من الذنوب كما يذهب الكير خبث الحديد، وأن حمّى ليلة كفارة سنة، وإن حمّى ليلة كفارة لما قبلها وما بعدها، وإن صداع ليلة يحط كل خطيئة إلاّ الكبائر، وأن المرض لا يدع على العبد ذنباً إلاّ حطَّه، وأن الله إذا لطف بالعبد أتحفه بواحدة من ثلاثة أما صداع وأما حمى وأما رمد، وأنه لا يكره الإنسان أربعة لأنها لأربعة الزُكام أمان من الجذام، والدماميل أمان من البرص، والرمد أمان من العمى، والسعال أمان
من الفالج. وأن مَنْ لقيَ الله مكفوف البصر محتسباً موالياً
لآل محمد(صلوات الله وسلامه عليهم) لقي الله ولا حساب عليه، وأنه لا يسلب الله من عبد كِلا كريمتيه أو إحداهما ثم يسأله عن ذنب، وإن الخدشة والعثرة وانقطاع الشسع واختلاج الأعضاء وأشباهها يُمَحَّص بها وليّ آل محمد(صلوات الله وسلامه عليهم) من الذنوب، وأن العبد إذا كثرت ذنوبه ولم يجد ما يكفّرها به ابتلاه الله بالحزن في الدنيا ليكفرها به، وإلاّ أسقم بدنه ليكفرها به و إلاّ شدد عليه عند موته ليكفرها به، وإلاّ عذبه في قبره ليلقى الله وليس عليه ذنب وأن زكاة الأبدان المرض، وأنه لا خير في بدن لا يمرض، وإن الله أوحى إلى داود(عليه السلام) ((أني ربما أمرضت العبد فقبلت منه صلاته وخدمته، ولَصوته إذا دعاني في كربه أحب إليّ من صلاة المصلين)) إلى غير ذلك.

 و(منها) حسن الظن بالله:- فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ((إن حسن الظن بالله ثمن الجنة)) وعن الصادق(عليه السلام): (أنه دخل على مريض فأمره بحسن الظن بالله تعالى).

 و(منها) الاستعداد للموت في صحته ومرضه:- فقد روي عنهم(E): (أكثروا من ذكر هادم اللذات) وأنه من عدّ غدا من أجله فقد أساء صحبة ملك الموت وأن الناس مأمورون باغتنام خمس قبل خمس: الشباب قبل الهرم، والصحة قبل السقم، والغنى قبل الفقر، والفراغ قبل الشغل، والحياة قبل الموت. وأنه ينبغي للناس أن يموتوا قبل أن يموتوا. وهذه العبارة من جوامع الكَلِم، وكلما لاحظت شيئاً من المحاسن وجدته مشمولاً لها.

ويدخل تحت الاستعداد أموراً:-

أولها: أن يجعل المعاد وما فيه من الملاذ و الآلام  نصب عينيه ليحتقر ملاذ الدنيا وآلامها، فذكر الحور يُزهِد في النساء، والولدان يُزهِد في الغلمان، والقصور تزهد في هذه الدور، وهكذا كما أن ذكر الحساب والعذاب يزهد في مصائب الدنيا.

ثانيها: أن يحاسب نفسه في كل ساعة لأنه لا يرجو البقاء إلى ساعة أخرى، فيشتغل في قضاء ما عليه من الواجبات الإلهية والحقوق التي للمخلوق فيرد المظالم إلى أهلها ويفي ديونه ويصلح شؤونه عمل من يستعد للرحيل إلى لقاء الملك الجليل.

ثالثها: أن يكون عمله عمل موَدّع فيرى صلاته التي هو فيها آخر صلاة، وصيامه آخر صيام، وزيارته لسادات زمانه ولإخوانه ووداعهم آخر زيارة ووداع، فقد نقل أَنّ أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كانوا إذا التقوا بنوا على أنه آخر لقاء.

رابعها: أن يُحكِم وصيّته في صحته فضلاً عن مرضه بنصب وصي على الأطفال وناظر كذلك مع الاحتياج إليه إن كان أبا لهم أو جداً للأب من طرف الأب، وأن يوصي كل مَن له تركة أو له مَن يؤدي عنه حال الصحّة فضلاً عن ا لمرض كائناً من كان بما عليه من واجبات مالية من ديون وأخماس وزكوات ونذور وكفارات وحِجّة الإسلام ونحو ذلك، وإن كان العمل بها لازماً من أصل المال مع الوصية وبدونها إلاّ إذا عيّنها من الثلث فيقدم الإخراج منه بقدر ما يمكن، ويخرج الباقي من الأصل. ثم الواجبات الوقتية من الثلث وكذا البدنية ثم بالتطوعات المطلوبة مع رعاية حال الوارث وعدم الإجحاف له فقد ورد عنهم(E) (إن الوصية حقّ على كل مسلم وإنّ مَن لم يُحسِن وصيّته عند الموت كان نقصاً في مروّته وعقله) وإن الوصية تمام ما نقص من الزكاة. وأنه لا ينبغي أن يبيت الإنسان إلاّ ووصيةٌ تحت رأسه. وأن من لم يوصِ لأقاربه الذين لا يرثون فقد ختم عمله بمعصية. وأن الحيف فيها من الكبائر. ويجب مراعاة العدالة في الوصي على الأطفال والواجبات، ويستحب ذلك في المستحبات ومع عدم تعيين الوصي يتولى الأمر حاكم الشرع أو وكيله أو منصوبه مع اعتبار عدالتهما إن أمكن، ويقوم عدول المؤمنين مقامه مع فقده أو بُعدِه، ويستحب القبول للأوصياء، وقد يجب حيث لا يوجد القائم بها من دونهم، ولهم ردها ولو بعد القبول بشرط بلوغ الخبر إلى الموصي قبل موته وقبل خروجه عن الشعور، وينبغي أن يبدأ بأهل بيته وأرحامه فيوصيهم بما يصلح دينهم ودنياهم ثم بأمور تجهيزه من صلاة وغيرها، وأن يحضر جماعة من العدول للشهادة، وأن يكتب ما أوصى به ويرسم أسماءهم -أسماء الشهود- ويختار العدول منهم، ويدعوا بالمأثور قبل الوصية وهو (اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم)… إلى آخره، وأن يراعي الصلاح في تعدد الوصي والناظر ووحدتهما.

خامسها: المحافظة على استقبال القبلة في حال نومه مع الصحة والمرض خوفاً من بغتة الأجل.

سادسها: تهيئة الكفن والحنوط والغسل ومتعلقاتها والقبر ولوازمه والنعش والساجة التي يغسل عليها.

سابعها: أن يخرج إلى المقابر وإلى المواضع القديمة ليتذكر أهلها.

و(منها) كتمان المرض:- فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ((أربعة من كنوز البرّ كتمان الحاجة وكتمان الصدقة وكتمان المرض وكتمان المصيبة)) وعن الصادق(عليه السلام) (من كتم وجعاً أصابه ثلاثة أيام من الناس وشكر الله (عز وجل ) كان حقٌّ على الله أن يعافيه منه).

و(منها) ترك الاضطجاع للمرض فعن علي(عليه السلام) (امشِ بدائك ما مشى بك)، وعنه(عليه السلام) (لا تضطجع ما استطعت القيام مع علة).

و(منها) الصبر والشكر على المرض فعن الصادق(عليه السلام) (من اشتكى ليلة فأدّى شكرها وصبر على ما فيها، كانت له كفارة ستين سنة).

و(منها) ترك الشكاية:- فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (أن الله يقول أيما عبد مؤمن من عبيدي ابتليته ببلاء على فراشه فلم يشتكِ إلى عوّاده أبدلته لحماً خيراً من لحمه ودماً خيراً من دمه فإن قبضته فإلى رحمتي وإن عافيته عافيته ولا ذنب له). ورويَ أن الشكاية ليست لمجرد الأخبار بالمرض بل أن يقول: ابْتُلِيْتُ بما لم يُبتلَ به أحد. وروي أن من شكا إلى مؤمن فقد شكا إلى الله تعالى ومن شكا إلى غيره فقد شكا مِن الله تعالى، والظاهر أن المدار على المقاصد وعليه تُنزَّل الأخبار فمن أراد طلب الدعاء من إخوانه ونحوه فلا اعتراض عليه.

و(منها) ترك المعالجة عند الأطباء وغيرهم ما دام اندفاع المرض مَرْجوا بسهولة فعن الصادق(عليه السلام) (إن البدن بمنزلة البناء قليله يجبر إلى كثيره) وعنه(عليه السلام) (من ظهرت صحته على سقمه فعالج نفسه بشيء فمات فأنا إلى الله منه بريء)، ثم الرجوع إلى الطبيب مع الحاجة مندوب وليس بواجب وليس تعبدياً كالرجوع إلى الفقيه في الأحكام الشرعية بل المدار على المظنة، فلو ظن الضرر بدوائه حرم التداوي عنده، وإذا قوي الظن بالعجائز والتجارب في بعض الأمراض كان الرجوع إليهنَّ أولى.

و(منها) المحافظة على الحمية والاحتياط في المأكل والمشارب ونحوها والتحرز عن المؤذيات من حر أو برد أو هواء أو رطوبة ونحوها وربما وجب. وبمضمونه قضى الطب والشرع، ويجب الفرار من جميع ما يظن ترتب الهلاك عليه من جدار منهدم أو خطر من ظالم أو طاعون أو غيره من الأمراض أو حيوان مفترس أو غير ذلك، ولكن يقصد الفرار من الله إليه وما ورد من النواهي محمول على اختلاف المقاصد.

و(منها) تمريضه والقيام بخدمته وربما وجب كفايةً مع اضطراره إلاّ مع ظن السِراية فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ((من قام على مريض يوماً وليلة بعثه الله تعالى مع إبراهيم الخليل، وجاز على الصراط كالبرق اللامع)). والأولى له ما دام له شعور أن يُؤْثِر في تمريضه الأرحام المماثل مقدماً على غيره ثم الأقرب مقدماً  على غيره ثم بالمماثل من غيرهم أولى من غيره فإن غلب عليه المرض وذهب شعوره كان الولي أولى به.

 

و(منها) عيادة المريض فإنها مستحبة للرجال وربما وجبت حيث يكون إهمالها باعثاً على قطيعة الرحم والأقوى القول بالاستحباب في عيادة المرأة لأمثالها ولأرحامها إلاّ أن الاستحباب في الرجال أشد، فروي أنه (ما من مسلم يعود مسلماً غدوة إلاّ صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي ولا يعود مساءً إلاّ صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح). وروي أيضاً أنه (من عاد مريضاً فإنه يخوض في الرحمة إلى حقويه فإذا جلس غمرته الرحمة). وروي أيضاً أنه (من عاد مريضاً لله لم يسأل الله المريض للعائد شيئاً إلاّ استجاب الله له). وروي أيضاً (أن للمسلم حقوقاً ستة: يسلم عليه إذا لقيه، ويعوده إذا مرض، ويشهده إذا مات…).  وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ((إن الله يقول لبعض عباده مرضت وما عدتني واستسقيتك فلم تسقني واستطعمتك فلم تطعمني فيقول العبد كيف يكون ذلك وأنت الله المنزه عن ذلك فيقول كذلك فعلت مع عبدي)).

وروي (أنه ليس على النساء عيادة مريض ولا اتباع جنازة ولا إقامة عند قبر) ويستحب له الجلوس عنده وتخفيفه إلاّ إذا أحبَّ للرواية وتتحقق العيادة بمجرد الوصول ولو قائماً أما الجلوس والكلام والسؤال عن حاله فمستحب في مستحب. ويستحب له أن يبشره بطول الأجل ليسره بذلك وأن يهدي إليه هدية كتفاحة أو سفرجلة أو أترجة أو بخور أو نحو ذلك ليستريح إليها ووضع يده على جبهته أو يده والدعاء له وأن يقول عند دخوله أعيذك بالله العظيم من كل عرق نعّار بالعين والتشديد وهو الفوار بالدم. ومن شرِّ حرِّ النار سبع مرات وأن يقول في دعائه أنساك الله العافية ولا أنساك الشكر عليها وأن يكون بعد كل ثلاثة أيام والظاهر احتساب المكسور منها. وروي يوم ويوم لا وأن يترك عيادته ويخلّي بينه وبين أهله إذا طال مرضه أو يعتريه الإغماء أو الضعف بحيث يحتاج إلى رفق أهله وأن يترك الأكل عنده لِئلاّ يحبط أجره وأن يسأله الدعاء ويستحب السعي في حوائجه فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ((من سعى في حاجة مريض قضاها أو لا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ((أنه لا عيادة في دُمَّل ولا ضرس ولا رمد)) والظاهر الحمل على رفع شدة الندب وقد يرجح للعوارض أشد رجحان.

 

ويستحب للمريض ولأوليائه أن يأذنوا لإخوانهم المؤمنين بالعيادة ففي الحديث إنَّ في ذلك أجراً عظيما للمريض والأولياء والعواد وأن يلتمس الدعاء منهم فإنه ربما دَعَوا له فيستجاب لهم فيه، وأن يُستشفى بالتربة الحسينية والصدقات والدعاء خصوصاً من الأولياء والأرحام ولا سيَما الأمهات والأباء، ويستحب للعراقي وأوليائه إرسال شخص ورع إلى كربلاء ليدعوا له بالشفاء تحت قبة سيد الشهداء، وربما جرى في أهل الأماكن البعيدة إذ يرجى حصول الأثر بمجرد انصراف الداعي عن مكانه متوجها إلى مقصده ولكلٍّ من المشاهد الشريفة والمساجد وقبور الأنبياء ومحالّ الأولياء خصوصيته في استجابة الدعاء على اختلاف مراتبها فيستحب إذا إرسال الداعي إليها.

المبحث الثاني:        الاحتضار

 

وإنما سُمّي احتضار لحضور الملائكة أو الأرحام أو مطلق الناس عنده، ويسمى نزعاً لأنه وقت نزع الروح من البدن وسوقاً لأنها تُساق منه إلى خارج.

إذا احتضر المؤمن ودنا أجله وجب على الناس كفاية -وإن كان الولي أولى- بالحضور عنده لحفظه  مما يرد عليه من العوارض الباعثة على تعجيل حتْف أنفه وإهانة نفسه، وأن يُستقبل به القبلة إن لم يستقبل بنفسه بوضعه على قفاه وجعل وجهه ومقاديم بدنه وباطن قدميه إلى القبلة، ولا عبرة بيديه فإن تعذر الاستقبال على ذلك الوجه فعلى هيئة المضطجع مخيّراً بين الأيمن والأيسر وإن كان الأول أولى، وإن كان في مكان ضيّق أو محمل أو نحوه استقبل به على هيئة الجالس وهكذا ويسقط الحكم لو كان على دابة أو في سفينة سائرتين أو مصلوباً أو مقتولاً حدّاً أو قِصاصاً، ولو قيل بوجوب الاستقبال ابتداءً ثم يسقط بعد ذلك أو يستقبل به رأس السفينة أو صدر الدابة لم يكن بعيداً أو يسقط مع التعذر ومع جهل القبلة إلاّ أن يعلم المشرق والمغرب ونحوهما فيتوجه بينهما ثم إذا مات سقط وجوب الاستقبال إلاّ في الدفن وإن استحب في أحوال جميع الوضع مستقراً ولو لم يستقبل به أحد وأمكنه الاستقبال بنفسه وجب عليه.

ويستحب أن يكون رجاؤه أكثر من خوفه كما في الخبر ويستر عورته وكتمان معايبه ورفع القذارات عنه وحسن الظن به حتى لو صدرت منه كلمة كفر حملت على الهذيان وأمره بحسن الظن وتلقينه  وهو التلقين الأول للشهادتين وجميع الاعتقادات الإسلامية والإيمانية والإقرار بالأئمة واحداً واحِداً والتبرّي من أعدائهم وينص على بعض أسمائهم خاصة وحسن الظن بالله، والاعتماد على شفاعة النبي وأهل بيته. ويستحب له أن يتبع باللسان فإن عجز فبقلبه محركاً لسانه ومشيراً بيده أو برأسه وعينيه فإن قَصُرَ عن الكلام اقتصر على التصديق بقلبه وإن كان به صمم أو ثقل في سمعه فُهِّمَ بالإشارة إن أمكن فإن تعذر ذلك اجتزئ بمجرد التلاوة وكذا الحال في كل تلقين وكذا يستحب تلقينه لفظ (لا إله إلاّ الله) فقد ورد (من كانت آخر كلامه دخل الجنة)، وكلمات الفرج وأحوط صورتها (لا إله إلاّ الله الحليم الكريم لا إله إلاّ الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع وربِّ الأرضين السبع وما فيهن وما بينهن وما تحتهن ورب العرش العظيم وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين) وتلقينه قول: (اللهم أغفر لي الكثير من معاصيك واقبل مني اليسير من طاعتك) وقول: (يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل منّي اليسير وعفو عنّي الكثير إنك أنت العفو الغفور) وقول: (اللهم أعنّي على سكرات الموت) وقول: (اللهم ارحمني فإنك كريم، اللهم ارحمني فإنك رحيم).

ويستحب أن يقرأ عنده سورة الصافات ويس والأحزاب وآية  الكرسي وآية السجدة وهي [إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض …] إلى آخره وثلاث آيات من آخر سورة البقرة وهي [لله ما في السماوات والأرض …] إلى آخره وكذا جميع ما كان من قرآن أو دعاء أو ذكر أو صلوات على النبي وآله وأن يُقال في الدعاء له: (اللهم سكن عليه سكرات الموت) وتكرار التلقين بما مرَّ والقراءة والدعاء ونحوهما حتى يموت، وأن يكون الملقِّن محبوباً عنده وعند أهل بيته غير كريه الصوت ولا رافعاً لصوته فوق الوسط ولا مكرراً للتلقين مع عروض الغثيان، وأن يكون مماثلاً أو مَحْرماً ويجزي تلقين المميز وإن لم يكن مكلفاً.

 

ويستحب نقله إذا أشتد نزعه إلى موضع كان يصلي فيه أو عليه، وخفض الوسادة لسهولة النزع وقراءة سورة الصافات لهذا القصد، ويكره حضور الجنب والحائض والنفساء عنده، وإن كان أحدها وفي ارتفاع الكراهة بالتيمم أو طهارة الحائض من الدم قبل الغسل وجهان أقواهما ذلك، وأن يُترَك وحده ويستمر الحكم إلى جميع أحواله حتى يدفن على الأقوى، وحضور من تضمخ بورد أو زعفران، والظاهر كراهة حضور كل مَن تلبَّس بلباس الغافلين عن الآخرة، ومسّ بدنه والبكاء عنده والتخلية بينه وبين الناس خوفاً عليه وارتفاع الأصوات وكثرة الضجيج وربما حرمت لاشتمالها على الأذية وربما بعثت على حلول المنية، ويستحب اجتناب جميع ما يبعث على عدم احترامه.

المبحث الثالث:        خروج الروح من البدن

فينجس بدن غير المعصوم بمجرد خروج الروح منه سواءٌ فيه بدن المؤمن وغيره، وينجس ما أصابه برطوبة مؤثرة مع الحرارة والبرودة، ولا يلزم شيئاً فيما لاقاه بيبوسة إلاّ مع البرودة فيلزم معها غُسْل المس، ويبقى الماس على طهارته كما مرَّ في محله.

ويستحب في تلك الحال للولي أو مأذونه أو غيرهما مع فقدهما في المؤمن تغميض عينيه وشدُّ لحيته ومد يديه إلى جنبيه وإطباق فمه واستمرار ذلك مع إمكانه إلى أن يستره الكفن أو القبر، وتغطيته بثوب حتى يشرع في تجهيزه. وجميع ما ذكرنا مما يطلب بنفس وجوده دون التقرّب به فيجزي لو صدر من أي فاعل كان ولو من طفل أو بقصد الرياء، وأن لا يترك وحده. وأن يقال عند خروجها منه (إنا لله وإنا إليه
راجعون اللهم أكتبه عندك في المحسنين، وأرفع درجته في عليين، وأخلف على عقبه في الغابرين، ونحتسبه عندك يا رب العالمين
). والإسراج عنده ليلاً واستمرار ذلك في محل موته إكراما له، وقراءة القرآن عنده خصوصاً السور والآيات التي ذكرت في الاحتضار، وتعاطي ما يبعث على احترامه من حسن مكانه وفراشه وغطائه وغيرها ما لم يشتمل على زهوة الدنيا المبغوضة عند أهل الله، وهذا جارٍ في جميع أحواله.

 

ويكره حضور الجنب والحائض والنفساء عنده وإن كان من أحدها كحال احتضاره، وفي ارتفاع الكراهة بالتيمم ومجرد الطهر قبل الغُسل وجهان أقواهما ذلك، ويشترط فيما كان من ذكر أو دعاء أو قراءة نية القربة، ويكره وضع الحديد على بطنه، وربما أُلحق به غيره، ومباشرته بملل
وقلّة عناية أو بعنف لا يصل إلى حدّ هتك الحرمة وإلاّ فيحرم، وكثرة الصياح والضجيج وهجوم النساء والأرحام ونحوهم عليه وتمكينهم من ذلك.

المبحث الرابع:        تجهيز الميّت

وهي تهيئة أسباب رحيله إلى قبره ومقره يجب كفاية على كافة المكلفين المؤمنين وغيرهم وإن لم يصح ما كان عبادة منه إلاّ من المؤمنين الأولياء منهم وغيرهم مع عدمهم أو مع الاستئذان منهم القيام بما يجب للميت المؤمن وما بحكمه من سقط أو بعض أو تابع لنسب ولو من زنا أو لمُلك أو وجود مؤمن في أرض المؤمنين وأرض فيها مؤمن يمكن أن يكون هو الميت أو من أبعاضه ولا يسقط الوجوب عن الناس بمجرد الشروع بل بعد إتمام العمل، وإنما يرتفع به وجوب المبادرة، وإذا لم يؤت بالواجب عوقب جميع المكلفين القادرين العالمين بالحال، ويختلف الواجب وحدةً وكثرةً باختلاف المتعلق فالتجهيز الواجب قد يكون بمجرد الدفن أو مع اللف بخرقة أو مع الصلاة كالشهيد بين يدي الإمام أو مطلقاً في المعركة ويُدرَك ولا رمق فيه ذَكَراً كان أو لا، صغيراً أو لا مقتولاً بحديد أو لا ولو بسلاح نفسه، وكذا المقتول حدّاً كان أو قصاصاً فإنه يكتفي بالأعمال المتقدمة له وقد يكون أكثر من ذلك كما سيجيء تفصيله. ولو حصل التعارض بين الأعمال قُدِّم الدفن ثم التغسيل ثم الصلاة ثم الكفن ثم التحنيط، ولابد من الإتيان بالممكن من الواجبات ولا يسقط وجوب بعضها لعجز عن غيره لا كلاً ولا بعضاً، وفي تبعيض الغسل والصلاة وجهان  أقواهما نعم. ولا تجهيز وجوباً ولا ندباً لغير المؤمن مسلماً كان أو لا، وبطون الكلاب ومواضع الخلا أحق به. والواجب فيه القيام بالأعمال البدنية دون المالية، فلا يجب على الناس بذل المال في واجب من الواجبات ولا في شيء من المقدمات. نعم يستحب ذلك استحباباً مؤكداً وقد يجب للرحم في بعض المقامات ويخرج من أصل ماله مقدماً على الديون والحقوق الإلهية والوصايا والمواريث فيقدم ماء الغسل أو قيمته وكذا خليطاه وكافور الحنوط والكفن وقيمة أرض الدفن ولو توقف على شرائها، وأجرة الأعمال مع فقد المتبرع وما يندفع به المانع من ظالم أو غيره كل ذلك في ما يكون بقدر الواجب.

وأما المستحب فلا يخرج إلاّ تبرعاً أو من الثلث مع الوصية به، ويجب بذلها جميعاً للمملوك والزوجة الدائمة غير الناشزة، والأحوط عدم الفرق، ولا يجب بذل غير الواجب ولو أوصت به أُخرِج من ثلثها ولو عسر الزوج عن بذل الواجب أُخرِج من أصل مالها ويرجع به وارثها على الزوج بعد إيساره ولو لم يكن للميت مال ولا باذل جُهِّز من بيت المال أو الزكاة على الأقوى ويجب على المكلفين فعل ما يجب عليهم قبل حصول الفساد لبدنه أو حصول ما يُظَن مانعيَّته عن القيام بواجبه أو مضي زمان متجاوز للعادات بحيث يعدّ تهاوناً في أمره، ويستحب تعجيله فوق ذلك ففي الخبر النبوي ((لا يُنتظَر بمن  مات نهاراَ ليلٌ ولا بمن مات ليلاً نهارٌ)) وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) ((إذا مات أول النهار فلا يقيل إلاّ في قبره)) ويستثنى من ذلك أمور منها:

 الانتظار به لمَصالِحِهِ كطلب المكان الموافق أو السرير أو الكفن الجيد أو الحنوط الكامل أو الماء المشرَّف فإنه ربما يرجح لها التأخير ما لم ينته إلى فساد ونحوه.

 

ومنها ما لو كان التأخير لخوف عليه من نبش أو إحراق أو تمثيل أو هتك حرمة بجعله غرضاً للنشاب أو ملعبة للصبيان أو نحو ذلك، أو لخوف عليه من شدائد الآخرة وهو أولى من الأول بالملاحظة فينقل إلى مشاهد الأئمة( عليهم السلام ) أو من مشهد إلى أفضل منه وربما يلحق بذلك مقابر الأولياء والشهداء بل مقابر المؤمنين ويجوز حينئذ نقله كلاً أو بعضاً لحماً منفرد أو مجتمعاً مع العظم بعد الدفن وقبله، ولا بأس بشقِّ بطنه والتمثيل به إذا توقف النقل عليه، والأولى في الشهيد دفنه في محلِّه.

ومنها ما لو شُكَّ في موته لعروضه فجأة بإغماء أو دهشة أو حرق أو غرق أو صعق أو غلبة بخار أو نحوها فيُنظَر به أحد الأمرين: أما يقين الموت لمجموع علامات أو إمارات به كحدوث الرائحة وانخساف الصدغين وميل الأنف وامتداد جلدة الوجه وانخلاع الكف من الذراع واسترخاء القدمين وتقلص الأنثيين إلى فوق وتدلي جلدتهما وزوال النور عن بياض العين وسوادها وزوال حركة النبض وانتفاخ البطن واصفرار بالبدن إلى غير ذلك، أو انتظار ثلاثة أيام مع الليلتين المتوسطتين فقط على الأقوى والكسر يُجبَر من الليلة الرابعة أو يومها على الأصح.

ومنها لو كان مصلوباً فإنه يجوز أن يؤخر ثلاثة أيام لتعتبر به الناس ولا يزاد على ذلك.

ومنها أن تكون حاملاً وفي بطنها ولد حي فإنه يجب التأخير حتى تشق بطنها من الجانب الأيسر ويخرج منها ثم يخاط ويؤتى بالأعمال ونحوه ما لو كان مبتلعاً لمال ضارٍ وفي الجواز مطلقاً إشكال، ولعلَّ الشق هنا من وسط البطن أولى، ولو كان الولد ميتاً في بطنها وهيَ حية فيقطع ويخرج من فرجها قطعة قطعة، والمتولي لتلك الأعمال فيما يتوقف على النظر إلى العورة ومسِّها من جاز نظره إليها أو مسه إياها كأحد الزوجين مع قابليتهما للقيام بذلك وفي غير ذلك يقدم المماثل ثم المحرم فإن تعذر الجميع تولاه غيرهم للضرورة ثم ما كان من غير العبادات التي يعتبر ] فيها نية القربة يصحّ وقوعها من أي متولّي كان مؤمناً أو غيره بالغاً أو لا عاقلاً أو لا بأذن الولي وبدونه وإن فعل حراماً بالمباشرة فيما فيه الولاية. وأما ما كان من العبادات فلا يتولى شيئاً منها سوى المؤمن العاقل البالغ مع إذن الولي فيما له ولايته وإن وقع من المميز صُحَّ، ولم يسقط تكليف المكلفين إلاّ مع الاطلاع الباطني، واشتراط العوَض لا يفسد شيئاً من القسم الأول وإن خلا الفعل عن نيّة القربة إلاّ إن الاشتراط والأخذ في الواجب محظور، وفي قسم العبادات كالغسل والصلاة والذكر والقراءة والدعاء لا مانع من اشتراطه وأخذه على المندوبات منها أو من أجزائها أو مقدماتها ولا ينافي التقرب، وأما الواجب منها فيحرم فيه الشرط والأخذ إلاّ إنّ أخذ المال حراماً متقدماً أو متأخراً لا ينافي قصد القربة إلاّ أن يُعلَم عدم إرادة التقرب وأنّى لنا بذلك وأفعال المسلمين تبنى على الصحة؟! وأما لو كان الدفع على وجه الهبة فلا بأس به على كل حال ولا يجب الفحص عن حال ميت وضعه المسلمون للصلاة أو أرادوا دفنه في أنه غُسِّل أو لا، كفن أو لا، حنط أو لا، بل البناء على الصحة ويسقط بذلك التكليف عن المكلفين.

المبحث الخامس:     تغسيل الأموات

وفيه فصول:

الفَصْل الأَوْل: في بيان أجره وثوابه

وفيه أجر عظيم وثواب جسيم فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((من غسل مؤمنا فادّى فيه الأمانة كان له بكل شعرة منه عتق رقبة ورفع له مائة درجة))، فقيل له وكيف يؤدي الأمانة؟ فقال(صلى الله عليه وآله وسلم): ((يستر عورته وشَيْنَه وإن لم يفعل حبط أجره وكشفت عورته في الدنيا والآخرة)) وعن الباقر(عليه السلام) (فيما ناجى موسى ربه أنْ قال: ما لمن غسل الموتى؟ قال: اغسله من ذنوبه كيوم ولدته أمه). وعن الصادق(عليه السلام) إنه قال: (مَن غسَّل مؤمناً فادى فيه الأمانة غُفِرَ له) فسُئِلَ عن الأمانة فقال: (أن لا يخبر بما يرى).

الفَصْل الثَاني:         الغاسل

 

يجب كفاية على كل مكلف مؤمن أو مخالف أو كافر وإن لم يصح إلاّ من المؤمن مع الاستئذان من الوليّ العرفي إن كان تغسيل من يجب تغسيله من مؤمن مماثل أو مرتبط بعلقة المُلْك مع عدم إباحة البضع لغير المالك أو بعلقة الزوجية ولو بعد انقضاء عدّة الوفاة أو التحليل أو المحرمية أو من لم يزد سنه عن ثلاث سنين، ولا يصح من غير المؤمن إلاّ
مع التعذر فيؤمر النصراني والنصرانية بغسل بدنهما وتغسيل مماثلهما فيكون الغرض التعبد بالصورة ويؤمران بالتجنب عن إصابتهما الماء أو بدن الميت إن أمكن ويسري الحكم إلى اليهودي بل وإلى المخالف لأهل الحق إلاّ في لزوم غسل البدن قبل التغسيل فإنه لا يلزمه ذلك على الأقوى، ولو ارتفع العذر قبل الدفن أُعيد الغسل، ولا يصح من غير المكلف إلاّ أن يكون مميزاً على الأصح فيصح ولا يرتفع الوجوب على الناس لعدم إمكان الإطلاع الباطني، وأصل الصحة هنا غير جار ولو تعذر الانتظار ولم يحضر سوى غير المماثل من الأجانب دفن بلا غُسل مع الإتيان بالأعمال الباقية، وكذا مجهول الحال كالخنثى والممسوح والأبعاض المجهول أصلها، ولو تولى غير القابل صبّاً أو تقليباً وكان القابل هو الغاسل لإجرائه الماء لم يكن بأس ولو انعكس فَسُد، ويصح من الحائض والجنب وإن كان مكروهاً، ويجب حبس نظره عن النظر وبدنه عن اللمس فيما يحرم نظره إليه ولمسه وشرط استئذان الولي فيه، ويجب أن لا يكون له مانع شرعي من معارضة واجب مضيّق وإن كان صحيحاً مع المعارضة.

ويستحب أن يكون أميناً، ثقة، بصيراً بالعمل وهو جار في كل عمل، وأن يتوضأ قبل الغسل أو يغتسل ومع الجنابة يتوضأ ثم يغسل وأن يغسل يديه إلى المرفقين بعد الفراغ، وإن يقدم المماثل على غيره ممن يجوز مباشرته، ثم الزوج على غيره، ولو اشتركا في الغسل مجتمعين أو مرتبين كان حال كل منهما كحال الغاسل، والصاب والمقلب دفعة إن اختص أحدهما بقصد إجراء الماء فهو الغاسل كما لو تلقّى المقلب الماء من الصاب فأجراه فإنه يكون هو الغاسل وإلاّ فالصاب، ولو اشتركا في الإجراء كانا معاً غاسلين.

الفَصْل الثَالِث:         من يجب على الناس تغسيله

إنما يجب تغسيل الميت بعد برده إذا كان مؤمناً أو من بحكمه ولو سقطاً بلغ أربعة أشهر فما زاد أو أبعاضه الملحقة به في الحكم، ولا يُغسَّل كافر ولا مخالف ولا شهيد قُتِل في المعركة بين يدي الإمام ولم يُدرَك وفيه رمق الحياة جنباً كان أو لا، ولا مستوجب القتل بحد أو قصاص وقد اغتسل من قبل بأمر الحاكم أو من قبل نفسه غسل الأموات مشتملاً على شرائطه لا غسلاً واحداً على الأقوى، ولو اتفق موته بعد ذلك الغسل بسبب آخر غُسِّل جديداً ولو كانت عليه أغسال متعددة أجزأ ذلك الغُسْل عنها كغُسْل الميت ولو بقي حيّاً أعادها ولا مَن يُفسِد الماء بدنه ويبعث على تسليخ جلده وتناثر لحمه ولو اختلط بما يجب تغسيله غُسِّل الجميع، ولو اشتبه كسقط أو بعض جُهِل حالهما قويَ الوجوب، وذات الحمل إذا مات حملها في بطنها غُسِّل على حالها، وإن خرج منه بعض وبقي بعض في بطنها احتمل جعلها معه كميت واحد فيغسل الخارج تبعاً لها ولا حاجة إلى إخراجه والأحوط الإخراج، ولو كان الماء متعذر أو غير ممكن الاستعمال للبرودة أو غيرها أو كان استعماله يفسد البدن ويسلخه ويبعث على تناثر لحمه رجع إلى التيمم ويجزي تيمم واحد عن الأغسال الثلاثة، والأحوط الإتيان بثلاث تيممات بثلاث نيّات يقصد بكل واحد البدلية عن واحد وبرابع احتياطاً بقصد البدلية عن المجموع، وصورته على نحو تيمم الجنب من الضرب بكفيه مرة يمسح بها وجه الميت ومرة يمسح بها كفيه ومع ذهاب بعض محال المسح وبقاء بعض يقتصر على مسح البعض الباقي ولو لم يكن منها شيء سقط التيمم، والأحوط المسح عليه ثلاثاً عوض المسحات الثلاثة كما سيجيء بيانها، ولو جمع بين ميتين أو أموات أو أعضاء منفصلة من أشخاص متفرقة في صب واحد فلا بأس، ولو جمع بين ما له تَغسيلُه كمحرم وشبهه وبين غيره صحّ في الأول إن لم تسرِ النجاسة إليه وفسد في الثاني، ومتعلق الغسل إنما هو الظاهر فلو غُسِّل ثم كشط فظهر الباطن لم يجب غسله، ولو كشط قبل إجراء الماء دخل الباطن في حكم الظاهر، ويجب استيعاب الشعر وما تحته بالماء وليس حاله كحال الوضوء وغسل الجنابة وباطن العين والأنف والأذن وثقبهما وباطن الأظافر من البواطن، ويجب استيعاب تمام ظاهر البدن بحيث لا تبقى شعرة منه أو مقدارها إلاّ وقد جرى عليها الماء، ولو كان شخصان متغايران على حُقٍّ واحد ومات أحدهما فإن أمكن قطعه وإجراء الأحكام عليه وجب، وإن خيف على الحي من التلف بقطعه أُبقي، وهل يجب ما عدى الدفن من الأحكام عليه؟ فيه وجهان، وكذا كل ميت حصل المانع من دفنه والقول بالوجوب في هذا القسم أقوى.

الفَصْل الرَابع:         في ماء الغسل

ومياه التغسيل ثلاثة:- 

 

أولها: ماء السدر ويُراد به ماء وضع فيه شيء من السدر بحيث يصح فيه إطلاق اسم ماء السدر عليه دون ما لا يلحظ عرفاً كالقليل جداً ولا حدّ له بوزن ولا بِعَدِّ ورق. نعم لا يبعد أن يقال أن الأفضل فيه رطل ونصف بالعراقي ودونه رطل ما لم يخرج الماء عن اسمه، والرطل عبارة عن ثمانية وستين مثقالا وربع صيرفية، فالرطل ينقص عن الأوقية العقارية وهي عبارة عن خمسة وسبعين مثقالاً صيرفياً بستة مثاقيل وثلاثة أرباع صيرفية، ونسبته إلى الأوقية البقالية التي عبارة عن مائة مثقال صيرفية ثلاثة أخماس وثمانية مثاقيل وربع الرطل ونصفه مائة مثقال ومثقالان وثلاثة أثمان مثقال صيرفية، ولا يشترط فيه بقاء الرائحة، والأحوط اعتبارها ولا يقوم غيره مقامه لا اختياراً ولا اضطراراً.

ثانيها: ماء الكافور وهو طيب معروف يؤتى به من الهند في الأصل أحمر ويبيَضُّ بالعمل، ويكفي منه ما يحصل به صدق الاسم حتى يقال ماء الكافور، ولا اعتبار بالذرة ونحوها ولا حد له قلةً ولا كِثرةً، ولا يقوم مقامه شيء من طيب أو غيره مع إمكانه وعدمه، ويشترط فيه بقاء الرائحة على الأقوى، وفيه وفي السدر أيضاً أن يكونا مباحَين فلا أثر للمغصوبَيْن ولو تعقب رضا المالك في وجه قوي.

ثالثها: ماء القَرَاح كسحاب ويُراد به هنا ماء لم يمازجه شيء من الخليطين ممازجة تبعث على إضافة الماء إليهما ولا بأس بحصول شيء منهما لا يبعث على صحة الإضافة فلا مانع من وضع ماء القراح في إناء كان فيه أحدهما ولم يبق فيه شيء منهما يبعث على صدق أسمهما وإن كان خلاف الاحتياط، ولا يضرّ دخول خليط غيرهما مع بقاء اسم الماء عليه. ولو تعذر الخليطان أو أحدهما لتمام الأعضاء أو لبعض أجزائها أو لجزء منه لعدم القيمة والباذل أو خوف الفساد أو الإهمال بالتأخير وجب استعمال ماء القراح في مقام العوز ولو لم يكن من الماء إلاّ ما يكفي لأحد المياه الثلاثة ووجد الخليطان قدِّم ماء السدر على غيره فإن لم يكن فالكافور على القراح في وجه قوي، ولو حصل من الخليط ما يكفي عضواً أو بعض عضو والماء لا يفي إلاّ لغسل واحد احتمل وجوب الخليط مقدماً للعضو السابق بالماء السابق فيغسل الرأس بماء السدر والجانب الأيمن بماء الكافور ولأيسر بماء القراح، ويحتمل الرجوع إلى ماء القراح وإلغاء الخليطين، ولعلَّ الأول أقوى ولو حصل من الخليطين ما لا يبعث على صحة الإضافة قويَ وجوب وضعه، ويشترط في المياه الثلاثة طهارتها فلو انكشف نجاستها بعد الغسل غُسل أولاً ثم غُسل، وإباحتها ما لم يكن من المياه المتسعة ولم يكن الغاسل والميت غاصبَين فإنه يجوز فيه حينئذ، وإطلاقها فمتى خرجت عن صدق اسم الماء المطلق عليها ولو بسبب أحد الخليطين لم يجز استعمالها، وأن يكون من المياه التي لا تنفعل بملاقاة النجاسة كالماء الجاري والكر ونحوهما فيما لو غسل ارتماساً فإنه لو أريد ذلك لزم أن يوضع أحد الخليطين على ماء معصوم فيؤتى بحكمه ثم يوضع الخليط الآخر على آخر ويؤتى بعمله ثم يرمس ثالثة في الماء القراح، والأحوط الاحتراز عن كونه من مجمع ماء غسالة الجنب أو مجمع ماء الاستنجاء مع أن الأقوى في الأخير المنع.

 

ويستحب نزاهتها من الأقذار وكونها من المياه الشريفة كماء الفرات أو المياه النابعة في الأماكن المشرفة وخلوها من شبهة النجاسة.

ويكره الحار منها ما اكتسب الحرارة من نار أو غيرها وإرسالها في الكنيف أو بالوعة مُعَدّة للنجاسة، ولا يجب على الناس بذلها أو بذل الخليطين أو بذل قيمتهن إلاّ لزوجة أو مملوك، وإنما الواجب عموماً القيام بالأعمال البدنية ولو قيل بوجوب بذل أسباب التجهيز للوالدين لم يكن بعيد.

الفَصْل الخَامِس: فيما يغسل فيه أو عليه أو منه

 

فيما يغسل فيه أو عليه أو منه مِن مكان أو ساجة أو نحوهما، ويشترط إباحة المكان أرضاً وهواءً. فلا يصحّ في مكان مغصوب في نفسه أو في هواه ما لم يكن من الأرض المتسعة، أما فيها فيصحّ ما لم يكن الغاسل أو الميت غاصباً. وإباحة ما يوضع عليه من أخشاب أو باب أو نحوهما وإباحة الأواني التي يغسل بها أو منها ومجاري الماء في وجه قوي ومع الحمل لا بأس بذلك كلِّه، ويلزم ضمان القيمة والأجرة. ويستحب جعله تحت ظلال وغسل الأواني بعد الفراغ من كل من الغسلتين من أثر الخليطين واختيار المكان الشريف الذي لا مانع من تلويثه بالنجاسة السالم من القذارات وبذل الجهد في إكرامه واحترامه.

الفَصْل السَادِس:     حقيقة الغسل

الغسل عبارة عن مجموع ثلاثة أغسال كل واحد منها على نحو غسل الجنابة: ترتيبياً أو ارتماسياً.

أما الارتماسي فيعتبر فيه ثلاثة ارتماسات بثلاثة مياه مع ثلاث نيّات يقارن بهن الكون تحت الماء كل واحدة عن غسل، والأحوط تقديم النية الجامعة.

وأما غسل الترتيب فهو عبارة عن ثلاثة أغسال بثلاثة مياه بثلاث نيات يقارن بهن الشروع بالرأس ولا مانع من التقديم حين الشروع في المقدمات، والأحوط تقديم النية الرابعة وهي النية الجامعة.

أولها: بماء السدر ممروساً أو مسحوقاً لتحقق إضافته إليه مبتدئاً بالرأس حتى تمامه إلى أسفل الرقبة ثم الجانب الأيمن وهو نصف البدن الأيمن من أسفل الرقبة حتى يتمه إلى باطن القدم الأيمن، ثم بالجانب الأيسر وهو نصف البدن الأيسر حتى يتمه إلى باطن القدم الأيسر والعورة والسرّة يكرر غسلهما أو ينصفهما ويلزم أدخال بعض أجزاء الحدود ليحصل يقين الترتيب.

ثانيها: بماء الكافور على ذلك النحو ويكتفي بالمسمى مع صدق الاسم، وورد قدر نصف حبة.

ثالثها: بماء القراح كذلك مرتباً لها فلو قَدَّم مؤخراً أو أَخَّر مقدماً من غسل على غسل أو عضو على عضو عمداً أو سهواً أعاد على المؤخر ويجتزي بما صنع فيما حقّه التقديم مع السهو أو العذر. وأما مع العمد وعدم العذر فيلزم إعادتهما معاً، ولا ترتيب بين أجزاء الأبعاض الثلاثة فلو ابتدأ بالقدم قبل ما يلي الرأس جاز ولا موالاة بينها ولا بين أجزائها فلا يضرّ الفصل ولو مع الجفاف، ولو أتى ببعض الأغسال ترتيباً وبِبعضٍ ارتماساً لم يكن بأس، وكذا لو رَتَّب رامساً لبعض الأعضاء دون بعض ولو كان عليه حال الحياة أغسال سقط اعتبارها واجتزأ بغسل الأموات عنها، وبنيّته عن نيتها، ولو وضع تحت المطر أو تحت ميزاب أو نحوه وأتى بشرائط  الغسل أجزء ترتيباً في مقام الترتيب وارتماساً في مقام الارتماس من دون احتياج إلى المباشرة، ولو فقد ماء الغسل أو غسلين لزمه تيمم واحد فيهما أو في الأخير تيممان، والأحوط إضافة التيمم الجامع ولو وجد ماء يكفي للبعض أتى بالممكن فإن قَصُر عن الغسل الواحد أضيف التيمم وأن وفّى به فالأحوط الجمع بينه وبين التيمم، ويجب قبل الشروع فيه غسل النجاسة عن البدن كلّه، وأما إزالة الحاجب عن وصول الماء فعن كل محل عند إرادة غسله، والأولى دفعه عن تمام البدن قبل الشروع وستر العورة مع حضور من لا يجوز له النظر إليها، ولا يوثق بحبس بصره عنها من غاسل وغيره بل الأحوط سترها مطلقاً كما أن الأحوط تغسيل المحارم بل الزوجة من وراء الثياب وإن كان الاحتياط في الأول أشد، وتطهر كل من الثياب والخرقة تبعاً لطهارة بدن الميت ويطهر بدن الغاسل وثيابه التي باشر بها على إشكال، ولا شك في طهارة يده التي باشر فيها وإنما التأمل في غيرها، ويشترط فيه النية من الغاسل متحد أو متعدد مع الاشتراك والتوزيع فيجب النية من الجميع ملاحظاً في فعل البعض إتمام الغير، والأقوى فيه كغيره من العبادات عدم اشتراط نيته الوجه وعدم منافاة نيته القطع، ويجيء فيه ما مرّ في مبحث نية الوضوء من حكم الضمائم وغيرها. ويستحب الاستقبال به حال التغسيل في ابتداء وضعه وبعد تمام غسله وفي أثنائه مع القطع لاستراحة أو غيرها، ووضعه على ساجة ونحوها، وجعل موضع الرأس أعلى من موضع الرجلين وتليين الأصابع والمفاصل برفق إن أمكن وتغسيله تحت الظل ووضوء الغاسل ثلاث مرات قبل كل غسل وضوء، ونزع الثوب وشبهه من الأسفل ولو بالفتق ولا مانع من جهة حق غريم أو يتيم أو وصية، وطريق الاحتياط غير خفي، وتوصية مرة واحدة من غير مضمضة واستنشاق قبل الغسل وتجريده ووضع خرقة على عورته فيما لم يكن الغسل مطلوبا فيه من فوق الثياب، وقيل برجحان الغسل من وراء الثياب مطلقاً أو التغسيل بالحميديات وهي أواني الكبار وغسل يدي الميت إلى نصف الذراع، وروي إلى نصف المرفقين والفرجين ثلاثاً قبل كل غسل من مائِه، وغسل الرأس ستّاً في كل غسل لكل شق منه غسل مستقل، وغسل الجانبين في كل غسل ثلاث فيكون المجموع أربعا وخمسين غسلة بصب الماء تكاثراً، ثم غسل الكف قبل كل غسل مرة وغسل اليدين إلى المرفقين وغسل الفرج ثلاثة ثلاثة قبل الشروع في الغسل بماء السدر مع الحرض([1])، وغسل الرأس بالسدر وغسله بالخَطْميُّ([2]) والغسل التام برغوة السدر وبه مع الحرض أخرى فتكون الأغسال خمسة والغسلات الزائدة إحدى عشر غير إنّ عمل غير المألوف في النفس منه شيء.

ويستحب أن لا يقطع الماء من غسل العضو حتى يتمه وأن يجعل مع الكافور في الغسل والثانية شيئاً من الذريرة وهي فتات قصب الطيب يجاء به من الهند وقيل مطلق الطيب المسحوق وقيل أخلاط من الطيب من اليمن، وقيل حبوب تسبه حب الحنطة، وقيل نبات طيّب، وقيل الورس وقيل الزعفران وقيل غير ذلك، وتركها للخلاف في حقيقتها أحوط، وإكثار الماء إذا بلغ الحقوين ووضع خرقة على يده حال الغسل، وقد يجب لغسل العورة إذا وجب على من ليس له مسها، ووقوف الغاسل عن أحد جانبيه ولا يركبه ولعل الأيمن أولى، وإمرار اليد على البدن ودلكه بها أو ما يقوم مقامها ومسح بطنه قبل كل من الغسلات من الغسلين الأوليين دون الثالث وخصوصاً ثالثة الغسل الثالث دون الحبلى خوفا من إجهاضها، وتنشيفه بثوب بعد الفراغ وأن يدعوا الغاسل له فعن أبي جعفر(عليه السلام) (أيما مؤمن غسّل مؤمناً فقال إذا قلبه: اللهم إن هذا بدن عبدك المؤمن، وقد أخرجت روحه منه وفرقت بينهما فعفوك عفوك إلاّ غفر الله له ذنوب سنة إلاّ الكبائر) وعن الصادق(عليه السلام) (ما من مؤمن يغسل مؤمناً ويقول وهو يغسله: رب عفوك عفوك إلاّ عفى الله عنه).

ويكره إقعاده ووضع الغاسل له بين رجليه، وحلق رأسه وعانته ونتف إبطه وقص شاربه أو شيء من شعره أو شيء من أضفاره وتنظيفهما من الوسخ والإكثار من تنظيف بدنه، وربما حرم إذا بلغ حدّ الوسواس وقلة الاكتراث به والملل، ولا يغسل الشهيد صغيراً أو كبيراً رجلا أو امرأة مقتولاً بحديد أو غيره قتله بسلاحه أو غيره ولا للمقتول حدّاً مع تقدمه كما مرَّ.

المبحث السادس:      التحنيط

 

يجب تحنيط من كان من المؤمنين ومن يلحق بهم مُحِلاً غير مُحْرِم ولو معتكفاً أو معتدة عدة الوفاء وجوباً كفائياً على جميع المكلفين من غير توقف على إذن إن كان وليّاً مع الاستئذان إن لم يكن.

وأما المُحرِم فلا يقرب إليه الحنوط ولا يجري عليه من حكم المُحرِم سوى ذلك، فلا يكشف رأسه ولا يتجنب الكون تحت الظلال ولا المخيط ونحوها، والأبعاض تلحق الأصل في الحل والإحرام، والسقط من المحرمة بحكم المُحِل والبعض أن قطع حال الحِل أُلحق بالحِل، وإن أحرم بعده والعكس بالعكس، وفي كيفية تحنيط الأبعاض كلام يأتي في محلِّه، ويُجزي منوياً أو لا من أي فاعل كان، ولا يشترط فيه إباحة مكان أو إناء. نعم يشترط طهارته وإباحته وبقاء رائحته ولو فعل بأجرة صح وحرمت الأجرة إلاّ أن تُجعَل على مستحباته، ويختص بالكافور ولا يقوم غيره مقامه مع إمكانه وعدمه، ووقته بعد الغسل فلو قدم عليه أعيد بعده، ويجزي في من قُتِل حدّاً أو قصاصاً حنوطه المقدم على قتله إن كان وإلاّ أوتي به، وإنما يجب الفعل دون بذل المال إلاّ للزوجة أو مملوك ويخرج هو أو قيمته من أصل المال مال الميت مقدماً على الديون وغيرها كجميع الماليّات المتعلقة بواجب التجهيز، ومستحبه لا يخرج من المال إلاّ مع الوصية به فيخرج من الثلث ويجزي مسمّاه.

ويستحب المحافظة على الدرهم وهو نصف مثقال صيرفي وربع عُشرِه ثم وأفضل منه المثقال الشرعي وهو عبارة عن الذهب العتيق الذي هو ثلاثة أرباع المثقال  الصيرفي، وأولى من ذلك أربعة دراهم عبارة عن مثقالين وعُشر مثقال بالصيرفي، وأولى منه أربعة دنانير عبارة عن ثلاثة مثاقيل صيرفية، وأولى منه ثلاثة عشر درهما عبارة عن تسعة دنانير وثلث دينار وهي سبعة مثاقيل صيرفية، وهذا منتهى الفضل وهو خاص بالحنوط وكافور الغسل خارج عنه والاعتبار بالدنانير أضبط.

 

ويستحب خلطه بالتربة الحسينية وسحقه باليد فإن لم يتمكن على سحقه لها فيفريها ويكره خلطه بشيء من الطيب سوى الذريرة المسماة في اللغة قُمَحة -مضمومة القاف مفتوحة الميم مشدة- كحب الحنطة في اللون والشكل والأحوط تركها لاختلافهم في معناها كما مرّ.

ويجب سحقه ووضع شيء على المساجد السبعة والاحوط مسحها أو الجبهة مقدمة مع التعارض على غيرها ويتخير في اختيار ما يشاء مما عداها ولا يجب استيعابها إذ المدار على ما يسمّى تحنيطاً. ويستحب إلحاق الصدر ووسط الراحتين والرأس واللحية وباطن القدم ومعقد الشراك وطرف الأنف وألبه وهي المنخر موضع القلادة والفرج. ويكره في العين والمنخر والفم.

 

 

المبحث السابع:       الكفن

يجب تكفين كل من وجب تغسيله من مؤمن أصلي أو تبعي أو ملحق به من سقط بلغ أربعة أشهر أو بعض يلزم تغسيله، ولا يعتبر فيه نيّة ولا فاعل مخصوص، ويُحرَّم أخذ الأجرة على واجبه وإن صح معها، وتحل على مندوبه والولي أولى به وهو مرتب على التغسيل مع إمكانه، ولا ترتيب بينه وبين التحنيط والأولى تأخيره عنه.

ويستحب إعداده حال الصحة فضلاً عن المرض كغيره من مقدمات التجهيز لقوله(عليه السلام) (من كان كفنه معه في بيته لم يكتب من الغافلين وكان مأجور كلما نظر إليه) ويخرج كغيره من واجبات التجهيز من أصل المال مقدماً على الديون والوصايا والمواريث، ويؤخذ من بيت المال إن لم يكن للميت مال، ويستحب بذله فيه أجر عظيم لقول الباقر(عليه السلام) (من كفَّن مؤمناً كان كمن ضمن له كسوته إلى يوم القيامة) وظاهره إرادة البذل دون الفعل، ويجب بذل الواجب منه كغيره من واجبات التجهيز للمملوك، ولا يجب في المبعض على المولى إلاّ ما قابل جزء الرق فإن وفى بجزء من الواجب معتبر ولو بمقدار ستر العورة من الكفن مثلا لزم وإلاّ فلا، والأحوط الإتيان بالممكن وكذا يجب بذله للزوجة الدائمة المطيعة حرة كانت أو أَمة، والأحوط إلحاق المتعة والمطلقة الرجعية والناشزة بها ولو كان مُعسِراً أو ممتنعاً أخذ من مالها ويرجع به عليه والمقتول في المعركة بين يدي الإمام(عليه السلام) ولم يُدرَك وبه رمق ولم يكن مجرداً يدفن بثيابه ولا ينزع منها سوى الفرو وما أشبه مما يتخذ من الجلود والخف والقلنسوة والمنطقة إلاّ إذا يصيبه منهن دم فإنه يدفن معه، وفي إلحاق العمامة بهن قوة دون السراويل، فإن الظاهر إنه يدفن معها كسائر الثياب خلافاً لبعضهم، وتُحَلُّ الأزرار والعقد منهن. والمقتول بحدّ أو قصاص يكتفي بكفنه السابق إن كان.

والمفروض منه ثلاثة أثواب مئزر وقميص ولفافة توضع اللفافة ثم يوضع عليها القميص ثم يوضع عليه المئزر ثم يوضع عليها الميت ثم يلف عليه فيكون الماس للبدن هي المئزر والقميص فوقه واللفافة فوقهما وإذا تعذر حصولها مجتمعة اقتصر على الممكن من اثنين أو واحدة، ولو دار بين الآحاد قدمت اللفافة لشمولها البدن ثم القميص لأنه اشمل من المئزر ثم المئزر وإذا تعذر الجميع اقتصر على الممكن من الساتر للعورة مقدما للأشمل على غيره، ولو دار الأمر بين العورتين كان القبل مقدماً في وجه قوي. ويشترط فيهن أن يكون كل واحد منهن ساتراً لا يحكى بما تحته، وفي اللفافة أن تكون محتوية على تمام البدن وتزيد عليه من الطرفين بما يمكن شدُّه حتى يتم سترها، وفي القميص المنكبين إلى نصف الساق، وفي المئزر ما يستر السرة والركبة، والأقوى الاكتفاء بساتر ما بين الحقوين إلى الركبة ثم الأقوى في هذين يجب الطول اعتبار صدق الاسم عرفاً، وعرضاً الاحتواء الذي يتحقق به المصداق العرفي من جانب العرض ولو بخياطة وإن كان الأفضل في المئزر أن يكون محتوياً على ما بين الصدر والقدم وفي القميص من المنكبين إليه وفي العرض أن يحصل الستر بمجرد اللف لإحدى الحاشيتين على الأخرى من دون حاجة إلى الخياطة.

ويستحب لف الأيمن على الأيسر، ويشترط فيه إباحته وستر كل قطعة منه وأن يكون من الثياب المعتادة دون ما يُتخَذ من نبات ونحوه، وإن يكون مما تصح صلاة الرجال فيه، فلا يجوز في الحرير المحض ولو مع الاضطرار، ويقوى الجواز بالمكفوف لا سيما إذا نقص عن عرض أربعة أصابع والمُعلَّم والمخلوط والمخيَّط به وما لا يُتِم الصلاة وحده، ولا يجوز الذهب ولا المذهب ولا جلد غير مأكول اللحم وشعره وما اتصل به شيء منه مما لا يصح الصلاة به، ولا بأس بما كان من إنسان أو حيوان صغير ولا المتنجس بغير المعفوِّ عنه، والظاهر عدم جريان العفو هنا، والأحوط ترك التكفين بالجلود مطلقاً ويجب غسل النجاسة منه إن حصلت قبل الدخول في القبر وعُلِم بها. وأما في القبر فحكمها القرض كما سيجيء.

ويستحب التكفين بما كان تعبد لله به من صلاة أو إحرام أو نحوهما. ويستحب أن يزاد فيه حبرة حمراء غير مطرزه بالذهب ولا بالحرير ومع عدم الحبرة يؤتى بالممكن ومع عدمها يجعل غيرها بدلها وهي كيفية ضرب من برود اليمن وهو ثوب يصنع باليمن من قطن أو كتان مخطط ثم يستحب أن تكون عِبريه -بكسر العين أو فتحها- منسوبة إلى عَبَرة جانب الوادي أو موضع أو ثوب أضفار حصن باليمن أو بلده   فيه قرية من صنعاء فإن فُقِدا فمن غيرها وخرقة تشتد بها شدّا شديداً من الحقوين إلى الرجلين ويخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ويغمزها في الموضع الذي لُفَّت فيه.

ويستحب أن يكون طولها ثلاثة أذرع ونصف بذراع اليد المتعارفة ولا اعتبار بذراع الميت في عرض شبر أو شبر ونصف. ويُزاد للذكر عمامة، ويكتفي منهما بحصول الاسم، ويكفي فيها أن تُلَّف على رأسه لفّة واحدة ثم يدار كل طرف من جانبيه محنكاً به إلى نحو النحر أو الصدر، وللأنثى قناع تقنع به، ويجزي ما يتحقق به الاسم عرفاً ولُفافة لثدييها ولو كانت طفلاً ونمط وهو كساء له طرائق فيكون لفافة ثالثة، وساوى بعضهم فيه بينها وبين الرجل وأضاف لها بعضهم لفافة رابعة، ولا بأس بالعمل بقول الفقيه الواحد في أمر السنن ما لم يعارضه معارض، ويعتبر في المسنون منه ما يعتبر في المفروض جنساً وشرطاً.

ويستحب أن يكون جديداً وأن يكون من طهور المال وكذا كل ما يستعمل في تجهيزه، وأن يلقى للتبرك على بعض الضرائح المقدسة والأماكن المشرفة ووضع تراب شريف وغيره من المشرفات فيه، وأن يجعل بين إليته قطن، وأن يحشر دبره مع خوف خروج شيء منه، وربما أُلحق الفرج به، ولو كان في الوارث ناقص أو مانع أو كانت ديون أو وصايا لا تزيد التركة عليها اقتصر على الواجب فيه وفي كل مال يدخل في التجهيز ما لم يوصِ بها فتخرج من الثلث إن أمكن.

ويكره الكتان إلاّ أن يكون الخليط من القطن أكثر منه وأفضل الألوان البياض، ويكره السواد ولو تعارضت كراهة الذات والصفة قدمت مراعاة الذات فأسود القطن خير من أبيض الكتان، ولا يجوز الزيادة على الموظف فيه بقصد المشروعية إلاّ أن يلغى اعتبار ما وضع أولاً لخروجه عن المالية لكثرة قذاريته وتلويثه بالنجاسات بحيث لا يمكن تطهيره، ويجب جمع أعضائه المتفرقة وجميع ما تساقط منه من لحم أو شعر أو أضفار أو غيرها فيه، ومقطوع الرأس يشدّ رأسه على رقبته بعد الغسل بعد أن يوضع بينهما قطن ويحكم شدّه ثم يكفن، والمجروح يعصب جراحاته تعصيباً محكماً ثم يكفن.

ويستحب للغاسل أن يغسل يديه من العاتق وهو ما بين المنكب والعنق ثم يكفنه.

ويكره خياطة الثوب بثوب، ويستحب إكثار القطن بقبل المرأة حتى قُدِّر برطل عبارة عن ثمانية وسبعين مثقالاً صيرفي وربع أو رطل ونصف، ويستحب وضع جريدتين من النخل لما روي أنه (يتجافى عنه العذاب مادامتا رطبتين) وروي إنهما ينفعان المؤمن والكافر، وروي أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: ((خضروا أموتكم فما أقل المخضرين يوم القيامة)) وفُسِّر بالجريدتين. ويستحب أن تكونا رطبتين قدر ذراع أو عظم أو قدر شبر من أوسط الأذرع والأشبار، وقيل يجزي مقدار أربعة أصابع ويجزي أن يكونا مشقوقتين وتغني الواحدة، والظاهر اعتبار الرطوبة والمقدار والعدد سنّة في سنّة، ولعل الغُلْظ فيهما أولى لبطئ الجفاف فيه وإن لم يكن من النخل فمن رطب السدر ثم من رطب الخلاف ثم رطب الرمان ثم كل شجر رطب كائنا ما كان، والأولى في كيفية وضعهما أن توضع أحدهما في الجانب الأيمن ملتصقة بالجلد من الترقوة والأخرى منهما بين اللفافة والقميص في الجانب الأيسر، وإن كانت واحدة اقتُصِر على الوضع الأول، وليس هذا النحو بلازم وإنما هو سنّة في سنّة، وروي كيفيات أُخر منها: وضع واحدة تحت الإبط الأيمن والأخرى بين ركبته نصف مما يلي الساق ونصف مما يلي الفخذين، ومنها وضعهما معاً على الجانب الأيمن فوق القميص ودون الخاصرة، ومنها ما ذكره الصدوق واحدة عن الأيمن ملتصقة بالجلد من الترقوة والأخرى على الأيسر عند وركه بين القميص والإزار، وكيف كان فالمطلوب وضعهما كيف كان غير أن مراتب الفضل مختلفة فلو وضعت في القبر أو طرحت عليه أفادت.

ويستحب نثر الذريرة على جميع قطع الكفن وعلى وجهه ولو تركت لكثرة الخلاف في معناها فلا بأس. ويستحب أن يكتب بتربة الحسين(عليه السلام) أن أمكن وإلاّ فبغيرها مقدماً للأشرف فالأشرف، فإن فقدت فبغير التربة فإن فقدت فبالإصبع اسمه والشهادتين وأسماء الأئمة( عليهم السلام ) أو دعاء الجوشن والقرآن بعضاً أو كُلاً وكلّما يكتب من دعاء أو أسماء أو أذكار فهو حسن وتحسن الكتابة في جميع قطع الكفن، ولعل الحبرة والقميص والإزار والجريدتين أولى، وروي استحباب كتابة دعاء الجوشن بكافور ومسك في جام وغسله ورشه على الكفن، وترك المسك أحوط لأن الاحتياط في ترك ما عدا الذريرة من الطيب بل تركها أيضاً لكثرة الاختلاف في معناها أقرب إلى الاحتياط، ويستحب المغالاة في الكفن فقد روي (أن الموتى يتباهون في أكفانهم يوم القيامة) وإن الكاظم(عليه السلام) كُفِّن في كفن ثمنه ألف وخمسمائة دينار عليه القرآن كلّه، ويستحب خياطته بخيوط منه. ويكره قطعه بالحديد والأكمام  المبتدأة وأما السابقة فلا بأس بها، وبلُّ الخيوط التي يخاط فيها بالريق ولا بأس بغير الريق ولعلَّ الأولى حفظه من جميع فضلات الإنسان، ويكره المماكسة في أثمانها، وكتابتها بالسواد وتطييبها بدخان البخور، وينبغي تخلصها من سائر القذرات، ويستحب وضع الذريرة على الكفن وعلى الفرج وعلى الوجه.

وإذا تم تكفينه استحب للأولياء أن يطلبوا الناس لتشيعه ليعود النفع إلى الناس وإلى الميت وإليهم كما في الخبر، وأن يحضر أربعون رجلاً من المؤمنين ويقولون: (اللهم إنا لا نعلم منه إلا خيراً وأنت أعلم به منا) فإن الله تعالى يقول عند ذلك قد أجزت شهادتكم وغفرت له ما تعلمون وما لا تعلمون، وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ((إن أول عنوان صحيفة المؤمن بعد موته ما يقول الناس فيه إن خيراً فخير وإن شراً فشر))، وعن أبي جعفر(عليه السلام) (إن عابد كان يُعجِب داود(عليه السلام) فأخبره الله أنه مراءٍ فلما مات لم يحضر جنازته فأمر الله تعالى بحضورها فسال داود عن السر فقال الله تعالى لأنه لما غسلوه قام خمسون رجلا فقالوا لا نعلم منه إلا خيرا وكذلك لما صلّوا عليه فأجزت شهادتهم)، ويستحب للرجال تشييع جنازة المؤمن ومن بحكمه لقوله(عليه السلام) (إن أول تحفة للمؤمن أن يغفر له ولمن تبع جنازته) وعن الصادق(عليه السلام) (من أخذ بقائمة السرير غفر الله له خمساً وعشرين كبيرة فإن ربّع خرج من الذنوب)، وعن الباقر(عليه السلام) (أنه كان فيما ناجى موسى ربه أن قال يا رب ما لِمَن شيّع جنازة قال: أوكل به ملائكة من ملائكتي معهم رايات يشيعونهم من قبورهم إلى محشرهم) وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (أول ما يبشر به المؤمن أن يقال له: قدمت خير مقدم غفر الله لمن شيعك واستجاب لمن استغفر لك وقُبِل بمن شهد لك) وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) (إن من شيّع جنازة مسلم أُعطيَ يوم القيامة أربع شفاعات، ولم يقل شيئاً إلا قال الملك ولك مثل ذلك). وقد يجب إذا توقف عليه بعض الواجبات ولا حدّ له وورد إلى ميلين، والميل ثلث الفرسخ، والمحافظة أن لا يؤذى المشيعين بالمزاحمة وربما حَرُم، وأن يرعى حقوقهم ويمكنهم من نوبتهم وأن يقول المشاهد للجنازة: (الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم)، وغير ذلك من الدعوات المأثورة، وأن يحمل النعش مشيعوه ولا يضعوه على حيوان إلا مع العجز، وأن يكونوا من خلفه وأدنى منه أن يكون على أحد جانبيه.

ويكره تقدمه، ولا بأس بتقدم صاحب النعش، وحرّم بعضهم

 

التقدم لجنازة غير أهل الحق حذراً من لقاء ملائكة العذاب، وأن لا يبعد عنه كثيراً فيخرج عن حكم التشييع، وأن يحمل أطرافه الأربعة أربعة رجال كل واحد يحمل طرفاً، وأن يدوروا عليه دور الرحى مبتدأ بمقدمة يمينه ثم بمؤخره ثم بمؤخرِّ يساره ثم بمقدمته ولو عكس فلا بأس غير أن الأول أولى، ويغشيه بثوب لا ينبئ عن زهرة الدنيا خصوصاً للمرأة، والطواف به على قبور الأنبياء والأئمة( عليهم السلام ) بل قبور الصالحين وزيارتهم لهم وتبرّكه بهم، وأن لا يعقد المشيع حتى يدفن مع تهيئة القبر، وأن لا يرجع إلا مع إذن الولي خصوصاً قبل وضعه في اللحد، وأن يشيع ماشياً لا راكبا إلا في الرجوع أو طول المسافة فإنه لا بأس بالركوب، وكثرة الفكر والاعتبار وتقليل الكلام، وروي الأمر بترك السلام وتحفي المصاب أو طرح ردائه أو نحوهما مما يدل على أنه مصاب، والقصد في المشي وأخذ المشيعين أقرب الطرق إلى موضع قبره إلاّ لداع، وفي استحباب التشييع لمثل السقط والأبعاض وجه قوي. ويكره الضرب على الفخذ باليد، واليمنى على الشمال. وفي الحديث لعن الخامشة وجهها والشاقة جيبها والداعية بالويل والثبور ومشي غير صاحب المصيبة بغير رداء ولا يبعد تحريمه، والظاهر تحريم اللطم والخدش وجز الشعر وشقِّ الثوب على غير الأب والأخ خصوصاً لموت الولد والزوج والظاهر اختصاص ذلك كلِّه حرامه ومكرهه بما كان للحزن على فراق الأحباب أمما ما كان لفقد أولياء الله وأُمنائه فلا بأس به، ويحرم قول الهجر، ويكره قول: ارفقوا به أو ترحموا عليه أو استغفروا له، ووضع ميتين في نعش واحد، وقيل بتحريمه ويقوي في غير المماثل ومن غير المحارم، وفي تمشيته إلى البعضين من ميتين وجه، ويكره أن يتبع بجمرة أو بالنار، وتشييع النساء وحملهن وحضورهن مع الرجال مع المزاحمة واتباعهن الجنازة ورفع الأصوات والقيام لها إلا أن تكون جنازة يهودي خوفاً من أن يعلو عليه، ويقوى إلحاق مطلق الكفار ولا يبعد إلحاق غير أهل الحق من المسلمين.

المبحث الثامن:        في الصلاة عليه

وفيه فصول:

الفَصْل الأَول:  في بيان أجرها

وأجرها عظيم وثوابها جسيم. فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ((من صلى على ميت صلى عليه سبعون ألف ملك، وغفر له ما تقدم من ذنبه وإن أقام حتى يدفن ويحث عليه التراب كان له بكل قدم نقلها قيراط من الأجر والقيراط مثل جبل أحد)) وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم) ((ما من مؤمن يصلي على الجنائز إلا أوجب الله له الجنة إلاّ من يكون منافقاً أو عاقاً)).

 

الفَصْل الثَاني: في المصلي

تجب الصلاة كفايةً على كل مكلف وإن كانت لا تصح إلاّ من مؤمن وشرط الصحّة: الأيمان والعقل والبلوغ، فلا تصح ممن فقد إحدى هذه الصفات ولا يجب على من فقد إحدى الصفتين الأخيرتين، كما لا تصح لمن لم يكن وليّاً أو مأذونا منه مع إمكانه، وتصحّ من المميز وإن لم يكن مكلفاً على الأقوى ولكن لم يسقط بفعله التكليف الظاهري عن المكلفين، وتصحّ صلاة كل من الرجال والنساء والخناث والأحرار والعبيد على مماثله وغيره، ويستحب فعلها مع الإمام ويعتبر فيه الأيمان والعقل والبلوغ والوحدة والتعيين بالاسم أو الإشارة ومع التعارض يقدم الإشارة، والذكورة لو أمَّ ذكوراً أو خناثاً مشكلات أو مخلوطين بهم أو مشتبهين، والظاهر اشتراط طهارة المولد والعدالة وفي اشتراط قيامه لو أمَّ قائمين مع عجزه عن القيام، وطهارته بالماء لو أمّ متطهرين به، وعدم ارتفاع مقامه بما يعتد به على المأمومين وجهان أقواهما العدم، أما الرقية والجذام ونحوه وعدم سلامة اللسان من الآفة فلا مانع منها بلا شبه، وتقوم الحائض والنفساء بعد التيمم استحباباً ناحية عن المصلين مؤتمّة أو منفردة، ولو ظهر عدم قابلية الإمام في الأثناء انفردوا فيما بقي أو ائتمَّ بعضهم ببعض وصح ما مضى ولو ظهر بعد التمام مضت ولا يجب فيها إعادة، ولو اختلف المصليان كلٌّ يقول كنت إماماً أو كلٌّ يقول كنت مأموماً أو اختلفا بأن قال أحدهما كنّا منفردين وقال الآخر كنا إماماً ومأموماً صحّت وأجزأت.

الفَصْل الثَالِث:         في المصلى عليه

إنما يصلى على المؤمن أصالة أو تبعاً أو لكونه بعضاً منه أو مبدأ له كالسقط في بعض أحوالهما، ويستوي في ذلك الشهيد والمقتول حدّاً وغيرهما ويجري الحكم على الأغلف والمديون المماطل وما ورد مما يخالف ذلك محمول على التأخير في الجملة تأديباً، ولا تصحّ على غائب أو مجهول بين أموات حتى يعينه بالاسم أو الإشارة ومع التعارض تقدم عليه ولا بعيد ولا مرتفع أو منخفض أو محجوب لا يصدق فيه اسم الصلاة عليه عرفاً ولا على مقلوب رجلاه إلى يمين الإمام ولا موضوع على أحد جنبيه مستقبلا للمصلى أو القبلة ويلحظ في الصدر أعلاه ومن الرأس ومقاديمه في الاستقبال، ولا على من خلا عن التغسيل وبدله أو التحنيط أو التكفين وما يقوم مقامه مع التعذر ولو بوضع شيء ساتر للعورة أو الوضع في القبر مع الإمكان، ولا على مدفون أكثر من يوم وليلة ولو ملفقين ما لم يخرج من قبره فيرجع إليه حكمه، ولو صلاها ظانّاً عدم المانع مما مرَّ فظهر خلافه أعاد الصلاة.

] ويستحب الصلاة على العضو التام وعلى السقط المستهل ومطلق الصبي مع عدم البلوغ لِسِتِّ سنين.

الفَصْل الرَابع:         كيفية الصلاة

 

يشترط فيها القيام مستقلاً مع الإمكان فإن تعذر فمعتمداً فإن تعذر فجالساً أو راكباً أو ماشياً فإن تعذر فمضطجعاً مقدماً للجانب الأيمن على الأيسر فإن تعذّر فمستلقياً.

وإباحة المكان للمصلي والميت إلاّ المتسع فتجوز ما لم يكن المصلي أو الميت غاصباً.

وإباحة اللباس وعدم المانع لكونه حريراً أو ذهباً في وجه قوي. والاستقبال والاستقرار وستر العورة ووضع الميت مستلقياً ورأسه إلى يمين الإمام، وعدم المانع من صدق اسم الصلاة عليه عرفاً لبعد وغيره، ولا يشترط فيها طهارة من حدث أصغر ولا أكبر ولا خبث في بدن أو ثوب أو غيرها ولا كون الثوب مما لا يؤكل لحمه ولا كونه من المعتاد ومما يمنع من الصلاة فيه، ويفسدها كلما يخل بصورتها من سكون طويل أو فعل كثير أو ضحك أو كلام أو بكاء أو أكل أو شرب أو قراءة قرآن وكذا أفعال اللعب واللهو وإن قلَّت أو غير ذلك مما يفسد هيئتها ويصرفها عن صدق الاسم لذاته أو كثرته وما عدا ذلك من منافيات الصلاة لا يقتضي الفساد ولكن الأحوط أن يعتبر فيها ما يعتبر في الصلاة من الشرائط والموانع عدا الطهارة من الحدث.

ويستحب الطهارة من الحدث وخصوصاً للإمام وتجزي الترابية ولو مع التمكن من الماء والأحوط اعتبار خوف فوت الصلاة مع الناس عليها وعلى كلِّ حال فالمائية أولى، ووقوف المصلي عند وسط الرَجُل وصدر المرأة ويتخير في الخنثى المشكل الممسوح، ومع اجتماع الجنائز يقدم الرجل الحرّ إلى الإمام ثم الرق ثم الصبي الحرّ بالغاً سِتَّ سنين ثم غير بالغها ممن يصلى عليه ثم الصبي الرق ثم الخنثى البالغة الحرة ثم صبيتها مرتبة ثم الأمة ثم صبيتها كذلك ثم النساء على هذا التفصيل ولو كان المصلي امرأة قدم الأناثى ثم الخناثى ثم الرجال على ذلك النحو، ولو قيل باستحباب تقديم أهل الشرف والدين من الأموات مرتبين كان حسناً، والمعتبر القرب للإمام أو المنفرد دون المأمومين.

وروي أن المصلوب إن كان وجهه إلى القبلة قام المصلى على منكبه الأيمن وإن كان مستدبرها قام على الأيسر، وإن كان منكبه الأيسر القبلة قام على الأيمن وإن كان منكبه الأيمن إلى القبلة قام على الأيسر ولا بأس بالعمل بها.

ويستحب الصلاة جماعة ولا يشترط فيها عدد ووقوف المأموم وإن كان واحد خلف الإمام إلا في النساء والعراة فإن الإمام معهم يقف وسطاً بينهم ولو سبق المأموم بتكبيرة استجب له إتمام العدد مع الإمام ويجوز له الإتمام منفرداً ولو زاد تكبيرة سهواً أو بقصد الذكر فلا تحريم ولا فساد، ومع قصد الجزئية متعمداً يكون مشرعاً عاصياً وإن صحت صلاته، ولو نواها ستّاً من الأصل بطلت، واختيار الصف الأخير عكس الصلاة، والقرب من الجنازة للإمام والمنفرد، وزيادة الخضوع والخشوع وتذكر أهوال المعاد والاعتبار المسجّى بين يديه وإكثار المصلين ونزع الحذاء إلا الخف وإيقاعها في المواضع المعدة والأماكن المشرفة عدا المساجد فإنها تكره فيها إلا بمكة ووضع الجنائز المتعددة مدرجة رأس كل واحد عند ورك الآخر بشرط أن لا ينتهي الحال إلى أن يكون بعضها خلفه ثم أن بقي منها شيء وضع صفّاً آخر وهكذا، ويقوم المصلي وسطهن والأفضل تخصيص كل ميت بصلاة والابتداء بالأفضل فالأفضل. وصورتها: أن ينوي التقرب بها على نحو ما مرّ مٍراراً ولو نوي كل من المصلين دفعة فرادى أو مأمومين أو دخلوا في أثناء الوجوب في محل الوجوب فلا بأس بخلاف ما لو أعيد فإنها تكون ندبا ثم يكبر خمس تكبيرات يتشهد الشهادتين بعد الأولى، ويصلي على النبي وآله بعد الثانية، ويدعو للمؤمنين بعد الثالثة، ويدعوا للميت بعد الرابعة، ويكبر للخامسة وفي المنافق ينصرف على الرابعة. وينبغي أن يأتي بالمنقول عن الرضا(عليه السلام) وهو أن يكبِّر ويقول: (أشهد أن لا آله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأن محمد عبده ورسوله، وأن الموت حق والجنة حق والنار حق والبعث حق وأن الساعة لا ريب فيها وأن الله يبعث مَن في القبور) ثم يكبر ثانية ويقول: (اللهم صلى على محمد وآله محمد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، وارحم محمداً وآل محمد، أفضل ما صليت وباركت ورحمت وترحمت وسلمت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد) ثم يكبر ثالثة ويقول (اللهم اغفر لجميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات وتابع بيننا وبينهم بالخيرات إنك مجيب الدعوات وولي الحسنات يا أرحم الراحمين) ثم يكبر رابعاً ويقول في الدعاء للميت إذا كان مؤمناً: (اللهم إن هذا عبدك وابن عبدك وابن أَمتك نزل بساحتك وأنت خير مُنزَل به، اللهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيراً وأنت أعلم به منا، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان سيئاً فتجاوز عنه وأغفر لنا وله، اللهم احشره مع من يتولاه ويحبه وأبعده ممن يتبرأ منه ويبغضه، اللهم ألحِقْه بنبيك وعرّف بينه وبين نبيك، وارحمنا إذا توفيتنا يا إله العالمين) ثم يكبر الخامسة ويقول (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) ثم ينصرف ويدعو بعد التكبيرة الرابعة لمن لم يبلغ الحلم بقوله: (اللهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً) ونحو ذلك وللمجنون المستمر جنونه من الصغر بنحو ذلك، وللمستضعف والمراد منه على الأقوى من لا يوالي ولا يعادي ويدخل نفسه في اسم المؤمنين والمخالفين ولا يعرف ما هم عليه بقوله: (اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقِهِم عذاب الجحيم) وما شاكله والمجهول الحال: (اللهم أنت خلقت هذه النفوس وأنت أمتها تعلم سريرتها وعلانيتها أتيناك شافعين فيها فشفّعنا ولها ما تولت وأحشرها مع من أحبت) ثم يكبر الخامسة في الجميع وينصرف ويدعو على المنافق الجاحد للحق بعد الرابعة لو صلى عليه تقية أو أجزنا الصلاة عليه إجراءً للاسم وإن لم نوجبها كما هو الأقوى بقوله: (اللهم أملا جوفه ناراً وقبره ناراً وسلط عليه الحيات والعقارب) وينصرف عليها ويحرم التسليم والقراءة فيها بقصد المشروعية.

ويستحب رفع اليدين إلى النحر مع كل تكبيرة بحيث يبتدأ به بابتدائها وينتهي بانتهائها والجهر بالأذكار خصوصاً للإمام والإخفات للمأموم، والصلاة على الأنبياء والأوصياء( عليهم السلام ) عند ذكر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) وآله( عليهم السلام )، والإطالة في الدعاء والذكر، ووقوع الصلاة نهاراً، والوقوف بعد الفراغ منها قدر ما بين التكبيرتين، ويجوز للمأموم أن ينفرد عن الإمام بعد دخوله معه ولا يجوز عدوله إلى إمام آخر إلاّ إذا تمت صلا الإمام أو قطعت لعارض ولو أدرك بعض التكبيرات معه دون بعض أتم، ولو مشى إلى سمت القبلة ولو على القبر مع الذكر أو بدونه، ولو شك الإمام أو المأموم في عدد التكبيرات تبع الشاك منهما الضابط وإذا حضرت جنازة في الأثناء كان له الخيار في إدخالها في التكبيرات الباقية، ويتخير في رفع الأولى قبل إتمام تكبيرات الثانية أو بقائها إلى التمام وله خلاف ذلك بأن يتم الصلاة على الأولى ويبتدأ بها للثانية والظاهر كراهة تكرار الصلاة كراهية عبادة بمعنى أن الثانية قليلة الثواب، وربما يقال باستحبابه للعلماء والأشراف.

 

ويجوز أخذ الأجرة عليها لندبها وعلى مندوبات الصلاة الواحدة دون واجباتها، ولو أخذ على واجباتها عارياً مع الإخلاص والنية صحّت صلاته ولو جهل الحال حُمِل على الصحة، ولا بأس بقبول الهدايا، ولو حضرت جنازة قدمت صلاتها استحباباً على صلاة النافلة وكذا على الفريضة مع سِعة وقتها ولو ضاق وقت الفريضة دونها أو ضاق الوقتان قُدِّمت الفريضة، ولو صلّى على جنازتين أذِن ولي أحدهما دون ولي الأخرى صحت للمأذون فيه وفسدت للأخرى ولو ظنها لم تكمل سِت سنين أو أنها صُليَ عليها فنوى الندب ثم بان وجوبها أو بالعكس فنوي الوجوب ثم بان خلاف ذلك صحّت ولا يشترط العلم بكونها رجلا أو امرأة لكنه ينوي الشخص ولو أتى بالضمائر المُذكَّرة مؤنثة بقصد الجثة أو المؤنثة مُذكَّرة بقصد الشخص مثلاً فلا مانع، والظاهر وجوب الدعاء بين التكبيرات ولا يشترط دعاء مخصوص إلاّ أنه يجب ذكر الميت في ضمن بعضها، والأحوط المحافظة على نحو ما ذكرناه والظاهر إن اللحن في الأذكار والدعاء لا يفسدها، وفي التكبيرات يلزم المحافظة على عربيتها، ويجوز قطع الصلاة اختياراً على الأقوى  كغيرها من الموجبات الكفائية لمجرد الدخول ولا يسقط وجوبها عن الناس إلاّ بعد التمام.

المبحث التاسع:                الدفن

يستحب إعداد الإنسان قبره في صحّته فضلاً عن مرضه لِما فيه من التأهب للقاء الله  عز وجل ، وأن يدخل فيه على الدوام ويقرأ فيه القرآن كما كان يصنعه بعض نوّاب الإمام(عليه السلام) وفي حفره لدفن المؤمن فيه ثواب عظيم فعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) ((من احتفر للمؤمن قبراً محتسباً حرّمه الله تعالى على النار وبوأه الله بيتاً في الجنة وأورده حوضاً من الأباريق عدد النجوم عرضه ما بين أُبُلَّة -بالباء الموحدة في بعض النسخ بالياء كعتلة مضمومة العين والتاء مفتوحة اللام مشددة موضع بالبصرة- وبين صنعاء اليمن)) ويجب دفن المؤمن وما أُلحِق به في حفيرة من الأرض باقية على حالها أو مستحيلة كحلاً أو ملحاً أو نحوهما، ومراعاة عدم الاستحالة أولى، ويجب أن تكون مباحة فلا يجزي الدفن في المغصوبة إلا في الأراضي المتسعة مع عدم غصبية الدافن أو المدفون لها وعدم إعانتها للغصب، وأن تكون غير هاتكة لحرمة الميت كخلاء أو بالوعة معدّة للنجاسة ونحوهما، وأن تكون حافظة له من السباع وبذلك اختلفت المحال في لزوم الإغراق في العمق وعدمه والاحتياج إلى بناء بجص وآجر وعدمه كاتمةً لرائحته حافظة له عن نظر الناس فرضاً وإن لم يكن مما يصلون إليها، ولا يجزي وضعه في ماء مثقّلاً أو مربوطاً وإن أمِن ظهوره ولا في بناء على الأرض أو تابوت أو تحت آنية لا يمكن رفعها أو في آنية يحكم ستر رأسها إلى غير ذلك إلاّ مع الضرورة، وبعد ارتفاعها وبقائه قابلاً للدفن يجب نقله ودفنه، ويجب أن يوضع على جانبه الأيمن مستقبل بوجهه ومقاديمه بما أمكن منها القبلة مع إمكان معرفتها، ويسقط مع الجهل وخوف الفساد بالانتظار لطلب المعونة ومع معرفة ما بين المشرق والمغرب يقدم على غيره، وراكب البحر أو النهر مع تعذر البر ولزوم الفساد بتأخيره إلى حين الخروج إليه يؤتى بالأعمال اللازمة له قبل الدفن ثم يوضع ظرف ويرسب في الماء أو بثقل ويلقى فيه والأول أولى بل الأحوط لأنه مع الإلقاء كثيراً ما ينتفخ فيطفح على ظهر الماء ويستقبل به حين إلقائه في المقامين القبلة مع الإمكان، ومع تعذر الدفن بما يجمع الشرائط يجب الإتيان بما أمكن وبعد زوال العذر يؤتى بالموظف مع عدم المانع، ويجب دفن المؤمن في قبر منفرد أو في مقابر المؤمنين ولا يجوز دفنه في مقبرة غير أهل الإيمان كما لا يجوز دفن غير المؤمن في مقابر المؤمنين إلاّ أن يكون امرأة حاملة من مؤمن فتدفن فيها مع جعل ظهرها إلى القبلة مضطجعة على يسارها ليكون وجهه إلى القبلة مضطجعاً على يمينه لأن وجه الولد إلى ظهرها، وفي عموم الحكم لمن لم تحله الروح ولولد الزنا المتكون من نطفة أحد الأبوين المؤمنين وجهان أقواهما ذلك، ويستحب فيه أمور:

منها دفنه في مقابر المؤمنين، واختيار أشرف الأمكنة لدفنه عدا المساجد فإن المنع فيها قوي واختيار الأفضل فالأفضل واختيار الأرض المعدة للدفن على غيرها والوقف على غيره ووضع الجنائز على الأرض دون القبر بذراعين بذراع اليد أو ثلاثة، وتركه قليلاً من الزمان ليأخذ أُهبته، والتلحيد وجعل اللحد إلى جهة القبلة وتوسعته بحيث يجلس فيه الجالس، واختيار الشق في الأرض الرخوة التي لا يمكن التلحيد فيها أو يخشى سرعة انهياره وبناء لحد فيه وإحكام اللحد وأن يكون في بطن القبر، وأن يجعل للميت وسادة من تراب وخلف ظهره حجراً أو مدراً أو نحوهما يسند إليه حتى لا يسقط وتفوت هيئة الاستقبال، ونشر ثوب على القبر حين الإدخال خصوصاً للمرأة طلباً للستر والاحترام، ووضعه دون القبر ثلاث دفعات، وإدخاله فيه بعد الثالثة وبدئه برأسه إنْ كان رجلاً، وإدخاله بالعرض إن كانت امرأة أو خنثى مشكّلاً أو ممسوحاً وتحفّي النازل، وكشف رأسه، ونزع ردائه، وحلِّ أزراره، والوضوء للملحد والقول عند نزوله: (اللهم اجعله روضة من رياض الجنة، ولا تجعله حفرة من حفر النار) وأخْذُ الرجل مما يلي موضع الرجلين، والمرأة مما يلي القبلة، وجعل التربة الشريفة تحت خدّه، وكونه أجنبياً إن كان المدفون رجلاً وإن كان امرأة فالزوج ثم الرحم أولى من المماثل، وحفر القبر قدر قامة ودونه إلى بلوغ الترقوة ولا يسنّ ما زاد على ذلك إلاّ لعروض بعض الأسباب، وحلّ عقد الكفن من عند رأسه ورجليه، ووضع خده على التراب، وجعل تربة الحسين(عليه السلام) في قبره، والأفضل أن يكون مقابل وجهه ويقوى القول باستحباب وضع شيء من تراب أي المشاهد المشرفة كان والأماكن المحترمة عدا المساجد إلاّ أن يؤخذ من قمامها وتلقينه العقائد قبل نضد اللِبن وهو التلقين الثاني، والدعاء له قبل التلقين وبعده، والخروج من قِبَل الرجلين وإهالة الحاضرين التراب بظهور الأكفّ قائلين: (إنا لله وإنا إليه راجعون) وكان أمير المؤمنين(عليه السلام) إذا حث التراب يقول: (إيماناً بك وتصديقاً برُسُلك وإيقانا ببعثك هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله) وقال(عليه السلام): (من فعل مثل فعلي هذا كان بمثل كل ذرة من التراب حسنة).

ويكره وضع تراب غير تراب القبر عليه فإنه يثقل عليه، ولا بأس بأن يوضع في فمه فص عقيق مكتوب فيه اعتقاده واسم النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة( عليهم السلام ) ومعه شيء من تربة الحسين(عليه السلام) كما صنع بعض الصالحين والعلماء العاملين. ويكره فرش القبر بالساج وغيره إلاّ لضرورة دفع تلوثه بالنجاسات أو القذارات، ودفن ميتين قي قبر واحد دفعة واحدة إلاّ مع الضرورة ومع عدم المماثلة والمحرمية وشبهها لا يبعد التحريم.

المبحث العاشر:              الأوليـاء

 

يشترط في الولاية الإيمان والعقل والبلوغ والحضور وأن لا يكون قاتله عمداً والخطأ لا ينافيها وعدم الإباء عن المباشرة والإذن من القابل أو الإذن وحدها من غير القابل، وتزول بالخيانة والجنون وتعود بارتفاع المانع ومع الفقد أو النقص أو البعد أو غيرهن من منافيات الولاية هل تنتفي الولاية فيستوي المكلفون في الحكم أو ترجع إلى الحاكم؟ وجهان والأحوط الرجوع إلى الحاكم خصوصاً مع وجود الولي وعدم إمكان قيامه وإذنه، وتثبت في الأعمال المستدعية للمباشرة من تغسيل أو تحنيط أو تكفين أو صلاة أو دفن أو أجزائها واجبة أو ندباً.

 

وأما التشييع والقراءة والدعوات والأذكار من دون مباشرة فالظاهر تساوي الناس فيها ولو عمل عامل بشيء مما فيه الولاية من دون استئذان عصى وفسد ما كان عبادة كالتغسيل والصلاة ووجب إعادته وصحّ غيره، ويكفي الفحوى عن الإذن الصريحة، ولا يصح الصلح على سقوطها أو نقلها إلى الغير ولو حظر الولي أو تجددت له الولاية في أثناء العمل وقف عن العمل ولزم الاستئذان إلاّ في الصلاة، وكذا لو منعه في الأثناء بعد الإذن فلا يجب استئذان وليس له فيها عزل على الأقوى وتثبت على من تعلقت به الأعمال من سقط أو بعض أو غيرهما وأولى الناس الزوج بزوجته دائمية أو متعة ثم المالك وإن تعددوا اشتركوا في الولاية ثم الأب ثم الأم ثم الذكر من الأولاد ثم الأنثى منهم ثم أولاد الأولاد ثم الجد ثم الجدة ثم الأخ ثم الأخت ثم أولاد الأخ ثم أولاد الأخت ثم العم ثم العمة ثم الخال ثم الخالة ثم أولاد الأعمام ثم أولاد الأخوال وكل من كان أقرب في طبقة أولى من غيره ومن تقرّب بسببين أولى من المتقرب بسبب واحد، والذكر ومن كانت علقته من جهته أولى من غيره وإذا فُقِد الجميع أو تعدد المتساوون رجح الأكثر فإن تساووا واختلفوا في تقديم الإمام أو حصل بين الأئمة تشاح قُدّم الأفقه ثم الأورع ثم الأعرف بالأذكار والدعاء ثم الأكثر اعتماداً للمصلين ثم الأحب إلى أهل الميت والأكثر اعتماداً عندهم ثم العلوي مقدماً من كان في سلسلته من الأئمة أكثر ثم الهاشمي ثم القرشي ثم الأخشع صوتاً ثم الأحسن صوتا ثم الأسن ثم الأصبح وجهاً ومدعي الولاية مصدقاً مع عدم المقابل ومعه يرجع إلى البيان فإن فُقدوا فإلى القرعة، ومن وجد قائما بالأمور اجتزأ بإذنه بناء على ولايته أو مأذونيته في الأذن ولو مات الإمام المأذون أو عرض له عارض ائتمّ المأمومون بمن شاءوا من غير استئذان، ولو تساوى الأولياء في الرتبة وعرضوا الصلاة صلّوا جميعاً وليس لأحدهم منع الآخر، ولو اختلفوا ومأذونهم في تعيين الإمام أخذ بالمرجحات ثم بالقرعة، وفي ما يمكن قسمته يقسم بينهما أو يُجعل كل عمل لواحد ولو كانت امرأة فأرادت أن تأُمّ النساء أو تأذن لامرأة في ذلك ولا تأذن للرجل فالأقوى عدم قبول قولها، وكذا في التشييع.

المبحث الحادي عشر: ما يلحق بالمؤمن

حكم من كان صورة من مبدأ إنسان مؤمن ومن في حكمه أو فرداً منه إلى حين البلوغ وفي حكم الأبعاض.

أما القسم الأول فله أحوال منها السقط حال كونه نطفة منعقدة أو علقة، والحكم فيه أنه لا شيء فيه وإن كان دفنهما ولا سيما الأخير أولى.

ومنها حاله بعد صيرورته مضغة إلى أن يقارب التمام، وحكمه الدفن فقط ولفّه في خرقة أحوط كاللحم الخالي من العظم.

ومنها ما لو تم له أربعة أشهر وسقط من بطن أمه ميتاً فحكمه التغسيل والتحنيط والتكفين والدفن ولا صلاة عليه فرضاً ولا نفلاً كالعظم المجرد أو مع اللحم ولم يكن عضواً تاماً ولا صدراً.

ومنها ما لو استهل أي خرج من بطنها حيّاً إلى أن يقارب سِت سنوات ولم يبلغها فهذا تجري عليه الأحكام بتمامها غير أن الصلاة عليه سنة وليست بفريضة كالعضو التام غير الصدر.

ومنها ما لو بلغ ست سنين وحاله حينئذٍ كحال البالغين في جميع الأحكام كما أن الصدر منهم كذلك، ولو شَكَّ فيه فلا يدري من أي الأقسام هو لوقوعه في نار مثلاً وتقلّصه أخذ بالأدنى لأصالة عدم التكليف والأحوط البناء على الأعلى ونسبة أعضائه من صدر أو عظم أو غيرها بالنسبة إلى أحكامه كنسبة أعضاء البالغ إليه في أحكامه فصدره بمنزلته وهكذا.

وأما القسم الثاني فأقسام:

منها ما يكون صدراً وحكمه كأصله في جميع الأحكام غير إن قطع الكفن وماء الغسل على مقداره، والظاهر إلحاق عظام الإنسان بجملتها به وعظام الصدر بالصدر والمدار على صدق اسمه عرفاً ولا يضر نقص لا يخرجه عن الاسم، ولا يلحق به بعضه مع عدم الصدق.

ومنها ما يكون عضواً تاماً، وفيه الصلاة ندباً مع وجوب الأعمال الأخر.

ومنها ما يكون قطعة فيها عظم ولو صغيراً أو عظماً مجرداً من ميت مطلقاً أو من حي غير سن وليس عضواً تاماً وفيه التغسيل والتكفين والتحنيط والدفن وليس الظفر من العظم ولو كان لحماً بلا عظم ولو قلباً لُفَّ في خرقة احتياطاً ودفن، والأحوط في القلب إجراء حكم الميت وكلما يبق من الأعضاء أو أبعاضها يتعلق به الأحكام الثابتة له حين التمام فالرأس من دون بدن له من الغسل والكفن والحنوط وكيفية الدفن ما كان له مع الجملة ويسقط الجانبان، وللجانبين مع انفرادهما عنه ما كان لهما قبل انفصال الرأس، ويسقط حكم الرأس ولأحد الجانبين ما كان له ويسقط حكم الجانب الآخر ولأبعاضها ما كان لها حين اتصالها بها ففي الصدر أو اليدين أو الرجلين كذلك في كلّ غسل غسلان مرتبان وحنوط واجب في الركبتين وطرفي الإبهامين وباطن الكفين ومندوب في الصدر وباطن القدمين وفي الرأس والقدمين من الكفين اللفافة وفي الكتفين واليدين هي مع القميص وفيما عدا ذلك الثلاثة وجوباً فيما يجب شموله مع الاتصال والندب فيما يندب ويجعل أعلى كل عضو في صلاة أو دفن في موضع الرأس وما قارب وسطه في موضع الصدر وأسفله في موضع الرجلين وجهه في موضع الوجه وهكذا ولا يبعد مراعاة ذلك في الغسل أيضاً ويمكن جعل البعض كميت تام له رأس وبدن تام ويؤتى بالأعمال المتعلقة بالرأس والبدن على وجه التمام وجعله بتمامه بمنزلة عضو من الأعضاء بأن يفرض عضو سابق ثم آخر وهكذا في غسله وتحنيطه  وتكفينه تجري عليه تاماً حكم الأعضاء بتمامها يفرضه رأساً مرّة وجانباً أيمن أخرى وأيسر كذلك إلاّ إن الأقوى ما تقدم والأخير أوفق بالاحتياط والمقطوع من الحار بحكمه وإن كان بارداً ولو قبل قَطْعِه حتى يبرد أصله فإن برد أصله أو أبعاضه كان بحكمه وإن كان حاراً على إشكال، ويستحب وضع الجريدتين مع من لم يبلغ حد التكليف إقامةً لرسم السنّة ومع أبعاض المكلف مطلقاً وكذلك التشييع لهما لا يخلوا من رجحان ولو تعدد قبور الأبعاض تعدد الجريدتان والتشييع. والعضو المشتبه بأبعاض لا حكم لها يلزم إجراء الأحكام عليها تبعاً له كالمشتبه من الأموات بمن لا حرمة له، وأما المشتبه بها ولا باعث على إلحاقه فالأحوط إجراء الحكم عليه.

 

وأما ما شُكَّ في تغسيله أو تغسيل جملته أو في غير ذلك مما يجب له من الأعمال بني فيه على العدم ويجاء بالعمل وكلما يشترط في الجملة يشترط في أبعاضها من اعتبار المحرم والمماثل واشتراط إيمان الغاسل ونحو ذلك وفي اشتباه الحال يقوى سقوط الغسل كالخنثى والاحتياط به من وراء الثياب أولى سيما مع حضور الصنفين فيغسل كل منهما غسلاً على انفراده ولو كانت متفرقة يمكن جمعها وجب جمعها في التغسيل والتكفين والتحنيط والدفن، وفي لزوم إدخالها القبر مجموعة حيث لا كفن وجهان أقواهما العدم لكن لابد من  وحدة القبر ومع تعذر الغسل يلزم التيمم إن بقيت مُحالة فلا كلام وإن بقي بعضها مسح ذلك البعض ولو لم يبق منها شيء قوي سقوط الوظيفتين، والأحوط أن يؤتى بالمسحات الثلاثة عليه على نحو ما احتملناه في الغسل، ولو غسل بعض أو كفن أو حنط ثم دفن فخرج أو لم يدفن فوُجِد بعض آخر أُجريَ عليه الحكم ولا يعاد ما عمل للأول ثم يجمع معه في الكفن ويدفن، والمدار في قطع الكفن على ما يناسب المقدار ولولا  ذلك لم يجز كرباس الدنيا إذا جعلت أبعاضه متفرقة فيحكم على بعض له حكم بعد إجراء الحكم على غيره، ولو أجرى الحكم على بعض فحضر ما ليس له حكمه كلحم وجد بعد عظم إن تمَّ حكم العظم أُضيف إليه في الكفن بغير تغسيل على إشكال ولو حضر قبل غسله قويَ لزوم إدخاله معه في الغسل ولو خرج من القبر ما حُكِم عليه بالتيمم وكان الماء حاضراً قويَ لزوم تغسيله مع إمكانه، وفي جري حكم التلقين والتشييع والقراءة والزيارة على السِقط والأبعاض فتتعدد لها لو اتفق دفنها على التفريق وجهان: أقواهما ذلك مما لم يكن من الحي واعتبار الكبر أو الكثرة لا يخلو من وجه، ولا ينبغي الشك في إلحاق الصدر بالميت منها ولو حنط جزء من محلِّ التحنيط ثم حضر ففي ذلك الجزء جزءٌ آخر اقتُصِر على الأول، ويسري حكم الجملة إلى الأبعاض فبعض الشهيد والمُحرِم المؤمن ومقابليهم بمنزلتهم مع وجود الوصف حال القطع وحال العمل ولو اختلفا بأن استشهد أو أَحرَم أو كفر أو آمن بعد القطع قبل العمل احتمل فيه مراعاة حال القطع ولعله أولى ومراعاة وقت العمل ولو قيل بأن المنفصل من المُحرِم أو الشهيد لا يجري حكمهما عليه مطلقاً وفي المؤمن مقابله يعتبر حال القطع كان قوياً.

المبحث الثاني عشر:  أحكام الخلل

وهو أقسام:- 

منها السهو وحكمه أنه متى سهى عن عمل سابقاً أو عن بعضه حتى دخل في اللاحق أتمه وعاد على اللاحق ولو سهى عن التغسيل أو بعضه حتى حنط أو كفن أعاده ثم أعاد عليهما، ولو سهى عن أحدهما أو عن التغسيل حتى صلّى عاد على ما فات ثم أعاد الصلاة وفي التحنيط كلام، ولو سهى عن أحدها حتى أُدخِل القبر فإن ذكر قبل الدفن أُخرِج وأتى بما فات وإن ذكر بعد الدفن  فإن كان الصلاة ولم تمضِ اليوم والليلة صلى عليه في القبر، وإن فات الوقت أو كان المنسي غير الصلاة فقيل بلزوم النبش والأقوى عدمه.

ومنها الشك ولا حكم له ولا التفات إليه من كثير الشك بل يبنى على الصحة والتمام، وأما من غيره فإن كان في عمل بعد الدخول في غيره كالشك  في الغسل كلاً أو بعضاً حتى كفن أو دخل في التكفين أو التكفين حتى صلى أو الصلاة حتى دفن أو وضع في القبر فلا اعتبار به إلى هذا، ومثله ما لو شك في غسل السدر كلاً أو بعضاً حتى دخل في غسل الكافور أو في غسل الكافور حتى دخل في غسل القراح.

وأما الشك في عضو سابق بعد الدخول في عضو لاحق من غسل واحد أو في تكبيرة أو دعاء بعد الدخول في غيرهما ففيه وجهان وعدم الالتفات أقوى وطريق الحائطة لا يخفى.

ومنها الطوارئ فما يعرض للفاعل من مانع من موت أو غيره أو ارتداد في أثناء العمل فإن لم يكن عبادة صحّ الماضي وأكمل الباقي، والظاهر إلحاق الغسل بذلك.

 

أما الصلاة فالظاهر لزوم إعادتها والقول بالاكتفاء بتكميلها لأنها دعاء بعيد. نعم لزوم عروض مثل ذلك للإمام لا يفسد صلاة المأمومين ثم إن شاءوا نصبوا إماماً منهم وإن شاءوا انفردوا على نحو ما مرّ، وفي جواز نصب إمام من خارج إشكال وإن كان في أثناء الغسل صح الماضي وأتم الباقي، ولو تبين فساد صلاة من صلّى وجب على الناس كفاية عوضها، ولو طرأت نجاسة من أحد المخرجين أو من خارج في أثناء الصلاة عليه أو الغسل أو تحنيطه فلا بطلان وإنما تغسل النجاسة من بدنه أو كفنه ثم يؤتى بباقي العمل، وكذا الحال لو طرأت قبل الإدخال في القبر مطلقاً، ولو طرأت بعد الدخول إلى القبر ولم يُعلَم بها إلاّ فيه فإن كانت في البدن أو في كل الكفن أو في كثير منه بحيث يفسده القرض ويخرجه عن كونه ساتر أخرج من القبر وغسل ثم أعيد إليه، وإن كانت قليلة فيه لا يفسد قرضها قُرِضَت وخيطت إن لم يحصل القرض بضَمِّ بعض إلى بعض، والقول بالعفو عن قليل الدم وإن كان غير خال من الوجه إلاّ إنّ الأوجه خلافه.

ومنها ما لو عدل الولي عن الإذن في أثناء العمل أو عادة الولاية إلى غيره أو حضر بعد غيبته فمنع والحكم هنا إنه إن كان في تكفين أو تحنيط أو مقدمات دفن لم يجز الإكمال وفي الصلاة وجهان والأقوى إن له الإكمال، والأحوط القطع والإعادة من رأس ولو كان إماماً أتم المأمومون وكذا لو كانوا منفردين متعددين فمنع بعضهم، ولو شُكَّ في عضو في الحرم أنه من مُحِلٍّ أو مُحْرِم حكم بحِلِّه، ولو شُكَّ في كونه من إنسان أو غيره فلا حكم له، ولو شُكَّ في وجود عظم فيه بني على عدمه، والأحوط البناء عليه، وكذا الشك في عظام متعددة إنها من واحد أو لا بنيَ على الواحدة فيجتزئ بالكفن الواحد والقبر الواحد والنعش الواحد وهكذا.

المبحث الثالث عشر:         فيما بعد الدفن

يحرم نبش قبر المؤمن ومن في حكمه احتراماً له، ولو لدفن آخر بل يحرم النبش من دون ضرورة لسبق حق الأول لتقدم حيازته في المباح وتقدمه في الأوقات واختصاصه في غير ذلك، وإذا انكشف القبر  عن الميت مع عدم صيرورته رميماً وجب على الناس دفنه، والظاهر إن الولي أولى، وفي وجوب تكفينه مرة أخرى من ماله مع ذهاب كفنه وجه قريب، ومع عدم سبق تكفينه أو غيره من الأمور المالية يبقى تعلقها بالمال، ويستثنى من حرمة النبش مواضع:

ومنها إذا صار رميما فيخرج عن عنوان النبش.

ومنها تخليصه من نجاسة في القبر أو قذارات تبعث على إهانته.

ومنها كونه في مقابر الكفار وغيرهم من أهل الباطل فتخرجه منها.

ومنها أن يخشى على بدنه من إخراج حيوان أو عدو يريد إخراجه ليحرقه أو يمثل به أو يهتك حرمته بجعله غرضا للنشاب أو لعبة للصبيان وربما وجب في مثل هذا.

ومنها أن يكون ذلك لإيصاله إلى محلٍّ يرجى به فوزه بالثواب ونجاته من العقاب كالنقل إلى المشاهد المشرفة بل مقابر مطلق الأولياء والشهداء والعلماء والصلحاء، وربما كان هذا القسم أولى من غيره فيخرجه كلاً أو بعضاً عظماً أو لحماً أو مجتمعاً ولو لا قيام الإجماع والسيرة على عدم وجوبه لقلنا بالوجوب في بعض المحال.

ومنها أن يكون في أرض مغصوبة ولم يتعقبه رضى المالك.

ومنها أن يكون في بطنه أو في قبره مال معتد به للوارث أو غيره، والقول بجوازه لمطلق المال غير بعيد الوجه، وفي وجوب بذل المال من أصل المال لدفع النبش أو الشق أو الإحراق ونحوها إن أمكن وجه وفي تقديمها على الكفن والحنوط وماء الغسل وجه وجيه.

ومنها أن يتوقف على رؤيته شهادة تتوقف عليها مواريثه وأحكامه أو ثبوت حق جناية ونحوها.

ومنها أن يكون في حفرة لم يبلغ حدّ الإجزاء.

ومنها أن يكون موجهاً لغير القبلة وفي إلحاق من جُعِل على اليسار مستقبلاً وجه.

قيل ومنها ما إذا لم يكن مغسّلاً أو مكفناً أو محنطاً أو مُصلاً عليه وفات وقت الصلاة عليه في قبره وفيه إشكال، ولو أخرج أو خرج اتفاقاُ أتى له بالفائت له من الأعمال، والظاهر الإجزاء بالصلاة على القبر لو وقعت في وقتها ولا حاجة إلى إعادتها ولو اضمحل بدنه أو أكله حيوان عاد الكفن إلى الوارث إن كان من التركة وإلى المتبرع إن كان منه.

ومنها أن يكون أبعاضاً وقد دفن بعضٌ منها فينبش لإدخال الباقي منه في وجه قوي.

ومنها لزوم منافاة التقية في بقائه.

ومنها ما إذا لزم من بقائه تضرر عظيم على المارة.

ومنها ما إذا توقف إصلاح المحل الذي جعل مقبرة أو إصلاح المشهد الذي جعل مدفناً عليه.

ومنها ما إذا عُلِم وجود عدو من أعداء الله معه.

ومنها ما إذا عُلِم وجود امرأة أجنبية معه.

ومنها ما إذا أريد تعمير دار وجد فيها أو نحوها.

ومنها ما إذا أضطُرَّ إلى جعله بئراً أو مجرى ماء مضطراً إليه إلى غير ذلك.

ويستحب رفع القبر قدر أربع أصابع مفرجات وغايته إلى شبر وتربيعه وتصطيحه وصبّ الماء عليه من قبل رأسه مستقبلاً القبلة باتجاه الميت ثم يدور على جوانبه الأربع ولا يقطع الماء حتى ينتهي إلى الرأس ويتم الدورة ويصب فاضل الماء على وسطه، ووضع الحصياء وهي صغار الحصى، والأولى أن تكون ممراً على قبره ووضع الكفين عليه ودونه وضع الواحدة، والأولى منها الأيمن وأن يكونا مؤثرين ليكون ذلك كالعلامة عليه، وأن يقرأ سورة القدر سبع مرات مستقبل القبلة ويدعوا له بقوله: (اللهم جاف الأرض عن جنبيه وصعّد -وفي بعض النسخ- صاعد روحه إلى أرواح المؤمنين في عِلِيّين، وألحقه بالصالحين) وأن يوضع عليه لبنة أو لوح يكتب اسمه عليه ليُعلَم به، والأولى كون ذلك كلِّه برضا الولي وتلقين الولي أو من يأمره بعد الانصراف مع استقبال القبر والقبلة والقيام ورفع الصوت إلاّ لتقية.

ويستحب زيارة القبور فعن علي(عليه السلام) (زوروا أمواتكم فإنهم يفرحون بزيارتكم وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه أو أمه بما يدعوا لهما) وفي الأخبار أنهم يأنسون بالزائر وإذا ذهب استوحشوا، والأخبار في هذا الباب كثيرة وخصّها بعضهم بالرجال، ويقرب استحبابها للنساء مع الستر ويختلف أجرها باختلاف المزور وأن يقول في زيارتهم: (السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين أنتم لنا فرط ونحن إن شاء الله بكم لاحقون) أو يقول: (السلام عليكم من ديار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون) وروي غير ذلك ويكفي في الزيارة مجرد الحضور ثم في السلام فضل آخر ثم يتضاعف بتضاعف الدعاء والقراءة، وفي هدية الأعمال فضل آخر، والأفضل أن يكون يوم الاثنين وعشية الخميس وغداة السبت، ورويت في ساعة الصبح مطلقاً، وروي إن أدنى الزوار منزلة من يؤخر الزيارة من الجمعة إلى الجمعة.

 

ويستحب خلع النعل إذا دخل المقبرة وقراءة سورة الإخلاص لهم أحد عشر مرة وسورة يس وروي (أن من قرأ يس لأهل المقبرة كان له بعدد من فيها حسنات ومن قرأ الكرسي وجعل ثوابها لأهل القبور جعل الله له من كل حرف ملكاً يسبح له إلى يوم القيامة). والصدقة عن الميت فقد روي (أنه من تصدق بنية الميت أمر الله تعالى جبرائيل أن يحمل إلى قبره سبعين ألف ملكاً في يد كل واحد طبقاً ويقولون السلام عليك يا ولي الله هذا هدية فلان ابن فلان إليك فيتلألأ قبره نوراً وأعطاه الله ألف مدينة في الجنة وزوّجه ألف حوراء وألبسه ألف حُلّة وقضى له ألف حاجة) وورد في أخبار كثيرة أنه يصل إلى الميت كل عمل يعمل له من صلاةً وصيام وحج وصدقة وغيرها وإن الله تعالى يمُنُّ بالثواب على العامل والميت، والأولى أن يصلي عن الولد بالليل وعن الوالدين بالنهار وإهداء الأعمال من صلاة أو قراءة أو صدقة أو غيرها إلى المعصومين أفضل من الإهداء إلى غيرهم، وترتيب الفضل على ترتيب المهديِّ إليه في الفضل، وأولي الأرحام أولى من غيرهم والأقرب منهم أولى من غيره والجار والصديق وأرباب الحقوق على اختلافهم أولى من غيرهم.

ويكره تجصيص القبر وتجديده وتضليله، والمقام في غير قبور الأئمة المعصومين وكبراء أهل الدين والقعود عليه والمشي عليه والاستناد إليه إلاّ لداع والحدث على القبر وبين القبور خصوصاً التخلي وربما أُلحق به وضع النجاسات والقذارات وجميع ما فيه هتك الحرمة، ويحرم بين القبور المعظمة.

المبحث الرابع عشر:         التعزية

ينبغي لصاحب التعزية أو المصيبة أن يجلس للعزاء ثلاثة أيام، والأفضل أن يضيف إلى ذلك ما يقتضي إكرام المعزين من وضع الطيب والماء والقهوة والتنباك ووضع الفرش المناسبة، وأن يضاف إلى ذلك ترحيم وفاتحة كما يصنع اليوم، وهي مستحبة قبل الدفن وبعده وأجرها عظيم روي (أن من عزى مصاباً كان له مثل أجره) وروي أيضاً (من عزى أخاه المؤمن كُسيَ حُلّة) وروي (أن من عزى حزينا ألبسه الله من لباس التقوى وصلى على روحه في الأرواح) وروي (أن من مسح على رأس يتيم كتب الله بكل شعرة مرت يده عليها حسنة ومن سكّت يتيما من البكاء أوجب الله تعالى له الجنة) قال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (التعزية تورث الجنة) إلى غير ذلك. ويستحب أن يقول: (جبر الله وهنكم وأحسن عزاءكم ورحم متوفاكم) ويكفي في تحققها مجرد الحضور عنده لإدخال السرور عليه، والفضل أن يحضر إلى ثلاثة أيام وفوق ذلك أن يظهر لهم شفقته وأنه مصاب بما أصابهم ويجوز المبالغة في ذلك ولو كانت كذباً، ويستحب للجيران إطعام أهل المصيبة ثلاثة أيام ويتمشى في الأصدقاء وغيرهم بل جميع الأخوان، وينبغي أن يُتلى عليه ما يبعث على تسليته وأقواه ذم الدنيا وذكر معايبها مفصلة وبيان قرب السفر وسرعة الوصول إلى الراحلين وأن ما ذهب من الأقارب والأحباء أكثر من الباقين، وهم لنا منتظرون وعن قريب نحن بهم لاحقون، ثم ذكر ما جرى على الأنبياء والأوصياء وخصوصاً ما جرى على سيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه في كربلاء وما جرى على العلماء والملوك والأُمراء وسائر من طحنهم البلاء، وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ((من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته فيَّ فأنها من أعظم المصائب)) ويذكر بعض من صبر ممن لا يرجى منه ذلك كأن ينقل قضية أعرابي كان عنده ضيف ومات له ولدان تساقطا في البئر حين حمل الطعام إلى الضيف فأتم الضيافة ولم يعلم الضيف حتى سار عن محله، فوجد النعشين في الطريق ولم تتغير بشرة أبيهما ولا سمع صوت أمهما أو أحد أرحامهما، ووقع مثله في زماننا لبعض العلماء الأواخر الساكنين في أرض الجوازر أو يذكر قصة بدوي شيخ كبير السن له ولزوجته ولد واحد فمرض الولد وكلما دخل أبوه على أمه وسألها عن حاله تحمد الله تعالى وتقول: هو في أحسن حال، حتى قبض فوضعت عليه ثوبا حتى جاء أبوه وسألها عن حاله فحمدت الله وقالت هو على أحسن حال على نحو ما كانت تقول، ثم أخرجت طيبا فتطيبت ولاعبته حتى دنا منها دنو الرجل من المرأة فقالت له: يا أبا فلان إنك تخون الودائع: فقال معاذ الله، فقالت: إن أبنك فلاناً وديعة الله عندك وقد أستردها فقضى حزنهما، ووقع لبعض النساء في أيامنا هذه، أو يذكر بدوياً أخبر بقتل ولده أو بموته وهو يقص على القوم ويحدثهم عن بعض أحاديث السلف، فأخبر بقتل ولده فأمر بتجهيزه ولم ينقطع كلامه إلى غير ذلك، ثم يتلو ما ورد من الآيات الدالة على ما أعدّ الله للصابرين من الأجر والثواب وأنه تعالى صلى على من أصيب بمصيبة فصبر فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم يذكر بعض الروايات المتعلقة بهذا الباب.

منها ما روي عن الصادق(عليه السلام) أنه رأى رجلا أشتد جزعه على ولده فقال: (يا هذا أجزعت للمصيبة الصغرى وغفلت عن المصيبة الكبرى) وعنه(عليه السلام) عزّى رجلا بولده فقال له: (الله خير لابنك منك وثواب الله خير لك منه) فلما بلغه جزعه عليه عاد إليه فقال له: (قد مات رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فما لك به أسوة…) الخبر. وعنه(عليه السلام) أنه عزّى رجلاً فقال له: (لو أن الله قال لك هل ترضى بما أرضى به ما كنت قائلاً؟) فقال: أرضى برضاء الله فقال: (هذا رضاء الله).

ومنها أن يتلو عليه ما روي ففيما أعد الله للمصاب من الأجر والثواب كما روي عن الصادق(عليه السلام) (إن من أصيب بمصيبة صبر عليها أو لم يصبر كان ثوابه من الله الجنة) وعن الباقر(عليه السلام) (إن من صبر على مصيبته زاده الله عزّاً  إلى عزّه وأدخله جنته مع محمد وآله) وعنه(عليه السلام) (من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر كتب الله له مثل أجر ألف شهيد) وعن علي(عليه السلام) عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) (إن الله يقول من لم يرضَ بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ رَبّاً سواي) وقال (من أصبح حزيناً على الدنيا أصبح ساخطاً على الله ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشتكي من الله) وقال: (فيما أوحى الله عز وجل  إلى عزير إذا نزلت بك مصيبة فلا تشتكي إلى خلقي كما لا أشكوك إلى ملائكتي عند صعود مساوئك وفضائحك).

ومنها ما ورد من الأجر في مصاب الأولاد فعن الصادق(عليه السلام): (ولد واحد يقدم الرجل أفضل من سبعين ولد يقومون بعده يدركون القائم) وعنه(عليه السلام): (ولد واحد يقدم الرجل أفضل ممن سبعين ولداً يخلفونه من بعده كلهم قد ركب الخيل وقاتل في سبيل الله) وعنه(عليه السلام): (ثواب المؤمن من ولده الجنة صبر أو لم يصبر) وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ((من أُثكل ثلاثة من صلبه فاحتسبهم عند الله وجبت له الجنة)) وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ((إن للجنة ثمانية أبواب فلا يأتي من مات منه ولد باباً منها إلا وجد ابنه عندها يشفع له)) وعن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): ((من دفن ثلاثة فصبر واحتسب وجبت له الجنة وكذا من دفن اثنين وكذا من دفن واحد)) وعنه(صلى الله عليه وآله وسلم): ((إن الله يأمر بأطفال المؤمنين إلى الجنة فيقولون لا ندخل إلا وآباؤنا معنا فيأمر الله جبرائيل يخرج آبائهم من بين المحشر فيدخلهم معهم الجنة)) وروي إن السقط يقف وقفة الغضبان على باب الجنة فيقول لا أدخل حتى يدخل أبواي فيدخلهما الله الجنة وأمثال ذلك مما لا يحصى وقد ورد في الأخبار الكثيرة إن البكاء على الميت لا يستلزم الجزع المنهي عنه وروي إن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لما دمعت عيناه على ابنه إبراهيم: ((تدمع العين ويوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب)). وروي أن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) بكى على إبراهيم ولده وعلى بعض أصحابه. وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ((ما كان من حزن في القلب وفي العين فإنما هو رحمة وما كان من الحزن باللسان أو باليد فإنما هو من الشيطان)). وعن الصادق(عليه السلام): (إن إبراهيم(عليه السلام) خليل الرحمن سأل الله تعالى ابنةً تبكيه بعد موته)) إلى غير ذلك من الأخبار.

والله وليّ التوفيق فنعم المولى ونعم الرفيق وحسبنا الله ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

 

 

 


([1]) الشنان التي تغسل به اليدين بعد الطعام.

([2]) ضرب من النبات يغسل به الرأس.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD