الكلم الطيب

لمؤلفه سماحة آية الله

الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره

مكتبة كاشف الغطاء                                        النجف الأشرف

1423 هـ                                                                         2002م

 

كلمة في الصلاة

بسم الله الرحمن الرحيم

إنها نِعْمَ الصلة للعبد بخالقه ومكونه, وعندما يحاسب العبد فهي أول ما يحاسب عليه. فإن قبلت قبل ما سواها, وإن ردت رد ما سواها. وهي عمود الدين فإن ضاعت ضاع الدين كله, وبها للصدور المكلومة شفاء ولنهي النفس الأمارة بالسوء دواء, إذ تنهاها عن المنكر والفحشاء, فيالها من عمل جليل وفعل ذي أثر جميل تعرج به النفس نحو الملكوت الأعلى, وتستنشق به شذى السعادة المثلى التي يركض لها المتقون والمنهل الذي يكرع من رحيقه الصالحون حيث يقف المصلي أمام الجلال والجبروت, أمام ربه وخالقه بخضوع وخشوع.

الصلاة قبل الإسلام

إن الصلاة قد شرعت قبل الإسلام, كما قد دل على ذلك صريح آيات القرآن الكريم. ولم يكن تشريعها قبل الإسلام بكيفيات خاصة وبأعداد مخصوصة, وفي التحفة الأحمدية ما حاصله: أن أول من صلى الصبح آدم ( عليه السلام ) وكان لا يعرف ظلمة الليل فلما رآها خاف أن تكون من أجل خطيئته فبات مغشيا عليه, فلما أصبح رأى ضوء الفجر صلى ركعتين شكرا لله تعالى. وأول من صلى الظهر إبراهيم ( عليه السلام ) لما فدى ولده بذبح عظيم, وكان قد أصابته هموم أربعة: ذبح ابنه وخوفه من عدم رضوان ربه, ووجد والدة ابنه, وشماتة عدوه إبليس. فلما زالت همومه الأربعة صلى في الظهر أربعة ركعات شكرا لله تعالى على زوالها. وأول من صلى العصر سليمان( عليه السلام )رد الله تعالى عليه ملكه, وكبت عدوه, وأسال له عين القطر, وتاب عليه. فصلى في العصر أربع ركعات لهذه النعم الأربع. وأول من صلى المغرب عيسى( عليه السلام ) لما قيل أنه ثالث ثلاثة ليظهر كذبهم وافترائهم وليظهر عبوديته. وأول من صلى العشاء يونس ( عليه السلام ) لما أخرجه الله من الظلمات الثلاثة وأنبت عليه شجرة اليقطين. وذكر أن صلاة الفجر أول من صلاها آدم ( عليه السلام ) حين هبط من الجنة. وذكر أن الظهر كانت صلاة داود, والعصر كانت صلاة سليمان, والمغرب كانت صلاة يعقوب, والعشاء كانت صلاة يونس. وقيل أن الظهر كانت صلاة إبراهيم ( عليه السلام ) والعصر للعزير, وقيل ليونس والمغرب لعيسى, وقيل لداود والعشاء لموسى وقيل أن العشاء خاصة بنبينا ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وليس لنا ولا لهم دليل على ذلك يمكن الاعتماد عليه إلاَّ أن الذي ظهر من دراستنا للأناجيل والتوراة, أن الصلاة فيها عبارة عن التكلم مع الله (عز وجل ), وطلب ما يحتاج إليه الإنسان لجسده ولروحه مع تمجيد الله تعالى والشكر له وخلوص النية وطهارة التفكير. ولا يشترط فيها أن يكون جسد الإنسان بكيفية خاصة فيجوز لمن يصلي عندهم أن يركع أو يقف أو يسجد أو يغمض عينيه أو يرفعهما إلى السماء. وهي عندهم تتنوع حسب الظروف, وتتغير حسب تقدم الناس في الحياة واختلاف آرائهم وأفكارهم. وعندهم هو خير الصلاة هو شدة التوجه فيها لا بطولها ولا بكثرة كلماتها ويأتون بها لنوال البركة من الله تعالى, وللنصر على الأعداء, ولطلب الولد, ولرفع الجوع, وكفارة الذنب كالقتل ولغير  ذلك من حوائجهم كما

 

يظهر منهم أن الصلاة التي تكون فيها النيابة عن الغير وباسم الغير تقتضي ان يتصور نفسه نفس الغير وأنه تجسدت روح الغير فيه. ولا تنحصر الصلاة عندهم في موضع خاص, ولا في زمن معين بل تجوز عندهم في أي موضع كان, وفي أي وقت يكون. ولكن اللائق عندهم حفظ أوقات معينة للصلاة, فإن اليهود يصلون عند الساعة الثالثة والسادسة والتاسعة من النهار وعند بداية الليل ونهايته وعند متناول الطعام, وعند المسيحيين في طقوس الشرقيين الروم المفروضة إقامتها عندهم كل يوم بعد صلاة الغروب في مدة الأربعة عشر يوما التي يصومونها للسيدة مريم العذراء مبتدئين بها من أول شهر آب, تتضمن طلبات وتوسلات ثم في أواسط هذه الصلاة يصرخ المرتل بأعلى صوته قائلا: (فلتخرس شفاه الذين لا يسجدون ولا يقنتون لك المقدسة يا والدة الإله الطهر التي أهديتينا إلى الأمانة المستقيمة). وحينئذ كل من في الكنيسة يسجد ويقبل الأرض أمام تلك الصورة لمريم المنصوبة أمام هيكل على مائدة مرتفعة وهي مغطاة الرأس والشموع متقدة أمامها.

الصلاة في الإسلام

والذي يظهر من الأخبار أن الصلاة شرعت في أول البعثة, فإنها دلت على أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما أتى عليه سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأن آتيا أتاه فيقول: (يا رسول الله) فينكر ذلك, فلما طال عليه الأمر وهو يرعى غنما لأبي طالب بين الجبال فنظر إلى شخص يقول له: يا رسول الله, فقال له: من أنت؟ قال: أنا جبرائيل أرسلني الله إليك ليتخذك رسولا, فأخبر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خديجة بذلك, فقالت: يا محمد أرجو أن يكون كذلك. وكان يكتم رسول الله ذلك فنزل عليه جبرائيل بماء من السماء, وعلمه الوضوء بأن يغسل الوجه واليدين من المرفقين ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين, وعلمه الركوع والسجود. ولما تم عمره الشريف أربعين سنة بعثه للعالمين رسولا, يوم الاثنين سبعة وعشرين من رجب. وعلَّمه جبرائيل إذ ذاك حدود الصلاة, ولم ينزل عليه أوقاتها, فكان يصلي ركعتين بالغداة, وركعتين بالعشي. وكانت الصلاة فرضا عليه وسنة لأمته, ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسراءه ومعراجه, وفي اليوم الثاني من البعثة وهو يوم الثلاثاء دخل عليه علي ( عليه السلام ) فلما نظر إليه يصلي قال: يا أبا القاسم ما هذا؟ قال هذه الصلاة التي أمرني الله بها, فدعاه إلى الإسلام, فأسلم وصلى معه وأسلمت خديجة, فكان لا يصلي رسول الله إلاَّ وعلي إلى جنبه وخديجة إلى خلفه, ولما مضى على ذلك أيام, دخل أبو طالب إلى منزل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ومعه جعفر فنظر إلى رسول الله وعلي بجنبه يصليان فقال أبو طالب لجعفر: صلِّ جناح ابن عمك, أي قف جنب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فكان علي ( عليه السلام ) إلى جانب رسول الله وجعفر إلى جانب رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) الآخر ليتم جناحاً رسول الله, وقد تكرر هذا العمل من أبي طالب ( عليه السلام ). ففي الخبر أن أبا طالب خرج من منزله من شدة الغيظ متفقدا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي ( عليه السلام ) حتى صار إلى جبل من جبال مكة فصعد مع جماعته إلى قمته فإذا بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي ( عليه السلام ) عن يمينه وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان, فقال أبو طالب لجعفر ابنه: صلّ جناح ابن عمك ففعل. وفي خبر آخر مرّ أبو طالب ومعه أبنه جعفر بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم )وهو يصلي وعلي ( عليه السلام )عن يمينه فقال أبو طالب لجعفر صل جناح أبن عمك ففعل. ثم أسلم زيد بن حارثة عبد رسول الله (  صلى الله عليه وآله وسلم ) - فكان يصلي خلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي ( عليه السلام ) وجعفر وخديجة وزيد بن حارثة, وأتى على ذلك ثلاث سنين بعد البعث متخفيا من قريش وطواغيتها, ومن الناس وجبابرتهم, ويترقب أمر ربه لينجز رسالته على الوجه الأكمل. فأنزل الله تعالى [فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ] وكان الذين استهزءوا برسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خمسة: الوليد بن المغيرة, والعاص بن وائل, والأسود بن المطلب, والأسود بن عبد يغوث, والحارث بن طلالة الخزاعي, فقام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) على الحجر وقال: يا معشر قريش يا معشر العرب أدعوكم إلى أن لا إله إلا الله, وأني رسول الله, وآمركم بخلع الأصنام والأنداد, فأجيبوني تملكون بها العرب, وتدين لكم العجم, وتكونون ملوكاً في الجنة. فاستهزءوا منه, وقالوا: جن محمد بن عبد الله ولم يجسروا عليه خوفا من أبي طالب ( صلى الله عليه وآله وسلم ), وكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إذا صلى بين الركنين الأسود واليماني جعل الكعبة بينه وبين الشام بحيث يكون اتجاهه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في صلاته للكعبة وبيت المقدس ما دام في مكة المكرمة. وفي ذات يوم دخل ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الكعبة وافتتح الصلاة. فقال أبو جهل: من يقدم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته, فقام ابن الزبعرى وألقى عليه فرثا, وجاء أبو طالب ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد سل سيفه وأمر عبيده أن يلقوا السلى عن ظهره ويغسلوه ثم أمرهم أن يأخذوه فيمروا على اسبلتهم بذلك.

ويروى عن عفيف التاجر أنه قال: قدمت منى أيام الحج, وكان العباس بن عبد المطلب تاجراً, فأتيته أبتاع منه وأبيعه فبينما نحن كذلك إذ خرج محمد من خباء, فنظر إلى السماء فلما رأى الشمس قد زالت قام يصلي تجاه الكعبة, ثم خرجت امرأة فقامت تصلي خلفه وخرج غلام يصلي معه, فقلت: يا عباس ما هذا الدين. فقال: هذا محمد بن عبد الله يزعم أن الله أرسله وهذه امرأته خديجة آمنت به, وهذا علي بن أبي طالب آمن به.

وعن المناقب لإبن شهر آشوب: أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يشرع العبادات مدة إقامته بمكة إلاَّ الطهارة والصلاة, وكانت فرضاً عليه لأمته. ثم فرضت الصلوات الخمس بعد إسراءه إلى أن قال: فلما تحول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للمدينة فرض صيام شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة في شعبان, وفي هذه السنة حولت القبلة وفرض زكاة الفطر وشرع فيها صلاة العيد, وكان فرض الجمعة في أول الهجرة بدلا من صلاة الظهر, ثم فرضت زكاة الأموال, ثم الحج والعمرة, ثم فرض الجهاد, ثم ولاية أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ونزلت آية [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ].

والحاصل أن الصلاة قد شرعت في الإسلام في أول البعثة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي فرضا على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسنة على أمته, ولكن تشريع وجوبها وعددها الخمس بهذه الكيفية في ليلة الإسراء والمعراج. وقد كان إسراؤه بعد وفاة عمه أبي طالب ( عليه السلام ) ووفاة زوجته خديجة ( عليه السلام ) وعليه فلا وجه لما ذكر بعضهم من أنه أفتقده في هذه الليلة أبو طالب الذي قد مات قبل الهجرة بثلاث سنين وأربعة أشهر, ثم ماتت خديجة ( عليه السلام ) بعده بثلاثة أيام, ثم خرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة فأقام بها شهرا ورجع إلى مكة لما لاقاه من الأذى في الطائف, ثم بقي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مكة سنة ونصفاً فأسري به إلى بيت المقدس ورجع في نفس الليلة لمكة المكرمة وبقي بها سنة وأربعة أشهر إلا ثلاثة أيام, ثم أمره الله تعالى بالهجرة بعد أن أقام بمكة ثلاث عشرة سنة من مبعثه ( صلى الله عليه وآله وسلم ). وذكر بعضهم أن الصلاة كانت قبل الإسراء صلاتين صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها, وأول صلاة فرضت وصلاها جبريل بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ليلة المعراج هي صلاة الظهر, وهي المسماة بالوسطى لأنها وسط النهار وبين صلاتي النهار وهما صلاة الفجر وصلاة العصر وفي يوم الجمعة لو تمت شرائط وجوبها لأنها هي التي تكون حينئذ وسط النهار, وبين صلاتي النهار وهما صلاة الفجر وصلاة العصر, وأن الله تعالى أول مابدأ بصلاة الظهر بقوله تعالى: [أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ], وهذا لا ينافي كون المعراج ليلا إذ لعل الصلوات الخمس قد صلاها جبريل بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لتعليمه, وفي الخبر (أنه لما أسري بالنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان أول صلاة فرضها الله عليه هي صلاة الظهر, وقد صلاها بالملائكة). وأما ما عن العلل بسنده عن سعيد بن المسيب قال:سألت علي بن الحسين ( عليه السلام ) متى فرضت الصلاة على المسلمين على ما هم عليه اليوم؟ فقال: ( عليه السلام ) بالمدينة حين ظهرت الدعوة وقوي الإسلام وكتب الله على المسلمين الجهاد. فالمراد منه ليس خصوص الصلوات الخمس وإلا فالإجماع كاد أن ينعقد أنها فرضت بمكة ليلة الإسراء, وإنما المراد به الصلاة بجميع أنواعها حتى صلاة العيد وبجميع شرائطها كالتوجه للكعبة ونحوه, أو المراد منه فرضها بمظهرها العالي وعدم التخوف في إدائها وعدم التحرج في فصلها, ولذا تجده ( عليه السلام ) قد قرن ذلك بالجهاد, وإلا فلا إشكال في أن الجهاد كان فرضه بعدها, ثم أنه عن جماعة أنه لما نزل قوله تعالى: [وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ] كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأتي باب فاطمة وعلي تسعة أشهر وقت كل صلاة فيقول: الصلاة يرحمكم الله إنما يريد الله أن يذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. وذكر بعض المؤرخين أنه لما توجه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) للمدينة, ومر بقرية قباء وبقي فيها أربعة أيام أرتحل منها يوم الجمعة وصلى بالمهاجرين والأنصار أول جمعة بمسجد بني سليم, ثم صلى أول جمعة بالناس بمسجد الجمعة الواقع في وادي رنوفاء عن يسار الذاهب إلى قباء, كما أن الظاهر أن صلاة الأموات لم تفرض إلاّ في المدينة, ولذا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يصليها على زوجته خديجة ولا على عمه أبي طالب وإنما دعا لهما, وكان الدعاء في صدر الإسلام هو الصلاة عليه.

وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يصلي في مكة إلى بين المقدس مدة إقامته بها ثلاثة عشرة سنة, ويجعل الكعبة بينه وبينها بحيث تكون صلاته لهما, ولما هاجر إلى المدينة صلى إلى بيت المقدس وكان يجعل الكعبة خلف ظهره, وبعد رجوعه من بدر حول الله تعالى وجه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى الكعبة في مسجد بني سليم, فإنه لما صلى من الظهر ركعتين نزل عليه جبرائيل أخذ بعضديه وحوله إلى الكعبة وأستقبل الميزاب فكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلى ركعتين إلى بيت المقدس وركعتين إلى الكعبة فلذلك سمي المسجد بمسجد القبلتين. وقد بلغ الخبر مسجد بني عبد الأشهل وقد صلى أهله من العصر ركعتين إلى بيت المقدس فقيل لهم: أن نبيكم قد صرف إلى الكعبة فتحول النساء مكان الرجال والرجال مكان النساء وجعلوا الركعتين الباقيتين إلى الكعبة فصلوا صلاة واحدة إلى القبلتين. وقد سمي مسجدهم مسجد القبلتين, كما في رواية أبي بصير. وعن الصدوق أنهم قد تخيلوا أن صلاتهم لبيت المقدس كانت فاسدة, فأنزل الله تعالى : [وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ]. والمحكي عن محمد بن حبيب الهاشمي أن الصلاة حولت في الظهر إلى الكعبة يوم الثلاثاء للنصف من شعبان, فقد زار رسول الله أم بشر بن البراء بن معزور في بني سلمه فتغدى هو وأصحابه, وجاء الظهر فصلى بأصحابه في مسجد القبلتين ركعتين من الظهر إلى الشام, ثم أمر أن يستقبل الكعبة وهو راكع في الركعة الثانية فاستدار إلى الكعبة فدارت الصفوف خلفه, ثم أتم الصلاة فسمي مسجد القبلتين. والمحكي عن الواقدي أن هذا كان يوم الاثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهر بعد الهجرة للمدينة المنورة. وعن علي بن إبراهيم القمي بإسناده إلى الصادق( عليه السلام ) بعد سبعة أشهر, وعن الصدوق في الفقيه بعد تسعة عشر شهراً, وعن البراء بعد ستة عشر شهر من الهجرة. وعلى كل فالظاهر أنه كان في السنة الثانية من الهجرة للمدينة المنورة بعد رجوعه من غزوة بدر الصغرى, وفي هذه السنة الثانية كان بناء مسجد قباء, فقد روي عن سعيد الخدري أنه لما حرفت القبلة إلى الكعبة أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مسجد قباء فقدم جدار المسجد إلى موضعه اليوم, وأسس بيده وكان ينقل الحجارة بيده الشريفة وكذا أصحابه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لبنائه, وكان ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يأتيه كل سبت ماشياً. وقال أبو أيوب الأنصاري: أنه هو المسجد الذي أسس على التقوى.

وفي هذه السنة فرض شهر رمضان في شعبان, بعد ما حرفت القبلة إلى الكعبة بشهر, وفي هذه السنة أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بزكاة الفطر قبل أن يفرض الزكاة في الأموال. وفي هذه السنة خرج رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوم العيد فصلى بالناس صلاة العيد, وفي هذه السنة كانت غزوة بدر كما عرفت, والظاهر أن الصلاة الوسطى هي صلاة الظهر, وفي بعض الإخبار ما يدل على أن صلاة العصر إنما أمر الله تعالى بها, لأن العصر هي الساعة التي أكل فيها آدم من الشجرة وأخرجه الله عز وجل من الجنة, ولقد كاد يبلغ حد التواتر من طرق العامة والخاصة أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلى الظهر بالصهباء, ثم أرسل علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في حاجة فرجع وقد صلى النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) العصر فوضع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رأسه في حجر علي ( عليه السلام ) فلم يحركه حتى غابت الشمس وصلى علي ( عليه السلام ) بالإيماء صلاة العصر, فلما أفاق النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال: اللهم أردد الشمس لعلي فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض, ثم قام علي ( عليه السلام ) فتوضأ وصلى العصر ثم غابت, وقد روى هذه الكرامة جملة من علماء العامة منهم الطحاوي وابن المغازلي والحافظ الشافعي والطبري والقوشجي والسخاوي والسيوطي وغيرهم من علماء الحديث. وقد صنف السيوطي في هذا الحديث رسالة مستقاة سماها (كشف اللبس عن حديث رد الشمس) وصححه جملة من العلماء كالقاضي عياض وأبو القاسم العامري والحاكم النيسابوري والصالحي وغيرهم.

 

كلمة في أهمية الصلاة

أيها المتقون:

عليكم بالصلاة, فإنها نعم الصلة للعبد بخالقه حيث يقف المصلي أمام الجلال والجبروت أمام ربه وخالقه ثم يتصور عظمته وجلاله ونعمه وآلائه ويقيسه بسائر الكائنات والموجودات فيقول (الله أكبر)، ثم يستعين به على حمده بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم)، ثم يتصور ألطافه السابغة وأياديه الواسعة فيحمده قائلا (الحمد لله) واصفاً له بأجلى نعوته فيقول (رب العالمين)، ثم يدرك الحنان والرحمة من ذلك المبدأ الفياض عليه وعلى العالمين فيقول (الرحمن الرحيم مالك يوم الدين)والذي إليه مرجع السعادة الأبدية والشقاء الخالد، ثم يسوقه الشعور بالواجب في البراءة عمن سواه ممن ألبسه الجهل والغباوة عن القداسة الإلهية, وأنه هو المحمود بتلك الصفات المخصوصة بالعبادات لا ما ينحتون من الأصنام بقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) على كل ما لا نستطيع له أمراً, وكيف نستعين بغيرك من مصنوع كيفه الهوى ونحته الخيال؟

ثم يستجديه الهداية إلى الصراط الذي يوصل للمقر الأبدي والدار الخالدة, ذلك الصراط المستقيم صراط الهداية والرشاد بقوله (اهدنا الصراط المستقيم) وهو خير ما يرغب إليه الراغبون ويتطلبه الطالبون, ثم حرصاً على الوصول إلى الغاية يخص ذلك الصراط بنعت آخر يوجه طلبه إليه دون ما عداه بقوله (صراط الذين أنعمت عليهم) وحيث أن نعمه شاملة للضال والمهتدي والمغضوب عليه والمرضى عنه خص الذين أنعم عليهم بقوله (غير المغضوب عليهم ولا الضالين). ثم إذا انتهى به الحديث في الوصف والطلب صعقه ذلك الجلال وراعته تلك الهيبة, أنحنى راكعاً خاشعاً مستشعراً لعظمة لا توصف منزهاً لها في حمده قائلا (سبحان ربي العظيم وبحمده) ثم عاد مشتاقاً لذلك الجمال والجلال ماداً طرفه نحو الرحمة المطلقة مشبهاً للعلو في العظمة بالعلو المادي مصرحاً, بأن هذا المحمود لا يضيع عنده حمد الحامدين ولا شكر الشاكرين قائلا (سمع الله لمن حمده). وإذا امتلأ شعوراً من تلك العظمة خر ساجداً لها وهو معترف بعلو فوق ما أدركه قائلا (سبحان ربي الأعلى وبحمده) ثم يرفع رأسه مستغفراً مستنيباً تائباً من كل خطيئة قائلا (استغفر الله وأتوب إليه) وهكذا يكرر ذلك بمقدار ما يشعر به من عظمته وجلاله, ثم ينهى العمل بحمده الذي لا يمل ويشهد بأنه هو الإله وحده لا شريك له وأن محمداً هو عبده ورسوله, الذي هداه لطريق النجاح وكان وسيلة الفلاح وحيث قد انقطع عن الخلق وغاب عن العالم منذ أحرم صلاته, فإذا عاد من ذلك الانقطاع وتلك الغيبة حيا نبيه والصالحين من العباد ومن كان لديه بالتسليم بما يحي به القادم من يقدم عليه والوافد من يفد عليه.

فالصلاة في أوقاتها, نِعْمَ الصلة بالخالق (عز وجل ) يستنزل بها الألطاف الربانية ويستدر بها الرحمة الإلهية يناشد فيها رب السماوات والأرضين بكبريائه وعظمته, ويستنجده بجوده وجبروته, ويستعطفه بعفوه ورحمته إن يدخل له في كل خير دنيوي وآخروي أدخل فيه محمد وآل محمد ويخرجه من كل سوء وشر أخرج منه محمد وآل محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهناك السعادة التي يركض إليها المتقون والمنهل العذب الذي يكرع من رحيقه الصالحون.

 

كلمة في الصوم

سر تشريع الصوم بحسب الأشهر القمرية:

قد شرع الله تعالى الصوم في السنة الثانية من الهجرة, المصادف سنة 663 ميلادية, كما ذكره جملة من المؤرخين, وكان وجوبه بحسب الأشهر القمرية دون الشمسية, مع أن بعضها كأشهر الربيع والخريف أنسب به وأوفق به من أجل أن المشرع الأعظم والحكيم الأقدس قد لاحظ في ذلك فوائد عظيمة ومنافع جسيمة, ولعل من بعضها هو هيمنة النفس على عاداتها وتغلبها على شهواتها في تقلب الزمن ومختلف أدوار الحياة. وقد ذكروا أن شهر رمضان لن يأتِ في موعده إلا بعد ثلاث وثلاثين سنة فإذا أتى في الشهر الأول من الصيف فلا يأتي في مثل ذلك الوقت إلا بعد المدة المذكورة.

فضل شهر رمضان وعظمته

ويكفي في عظمة هذا الشهر المبارك المقدس ماروي عن الإمام الرضا ( عليه السلام ) عن آبائه ( عليه السلام ) ( أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خطبنا ذات يوم فقال: أيها الناس أنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة, شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات، وهو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله. أنفاسكم فيه تسبيح ونومكم فيه عبادة, وعملكم فيه مقبول, ودعاؤكم فيه مستجاب. فسلوا الله ربكم بنيات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفقكم لصيامه وتلاوة كتابه فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم واذكروا بعطشكم وجوعكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه).

وقد روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (أن من أدى فيه فريضة من فرائض الله كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه من الشهور). وعن جابر عن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال: (يا جابر من دخل عليه شهر رمضان فصام نهاره وقام وردا من ليلته وحفظ فرجه ولسانه وغض بصره وكف أذاه خرج كيوم ولدته أمه).

كراهة التعبير برمضان

في الحديث عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم  ) أنه قال:( لا تقولوا جاء رمضان وذهب رمضان ولكن قولوا جاء شهر, فإن رمضان اسم من أسماء الله تعالى). وعن أبي جعفر ( عليه السلام ) أنه كان عنده ثمانية رجال فذكروا رمضان فقال: (لا تقولوا هذا رمضان ولا ذهب رمضان ولا جاء رمضان, فإن رمضان اسم من أسماء الله لا يجيء ولا يذهب وإنما يجيء ويذهب الزائل, ولكن قولوا شهر رمضان). وعن أمير المؤمنين( عليه السلام ): ( لا تقولوا رمضان ولكن قولوا شهر رمضان فإنكم لا تدركون ما رمضان).

منزلة الصوم بين العبادات

في الخبر: أن الصوم يسود وجه الشيطان، وإن لكل شيء زكاة وزكاة الأبدان الصوم, وإن الله قد وكَّل ملائكته بالدعاء للصائم, وما أمر الله تعالى ملائكته بالدعاء لأحد من خلقه إلاّ استجاب لهم فيه, وأن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وإن المؤمن إذا قام ليله وصام نهاره لم يكتب عليه ذنب ولم يخط خطوة إلا كتب الله له بها حسنة ولم يتكلم بكلمة خير إلا كتب له حسنة، وإن مات في نهاره صعد بروحه إلى عليين، وإن عاش حتى يفطر كتبه الله من الأوابين.

وإن من صام يوما في شدة الحر فأصابه ظمأ وكَّل الله به ألف ملك يمسحون وجهه ويبشرونه حتى إذا أفطر قال الله عز وجل (ما أطيب ريحك وروحك,  ملائكتي إشهدوا أني قد غفرت له) إلى غير ذلك مما ورد في فضل الصوم، وأنه يذيب الحرام في الجسد ويقرب من رحمة الله عز وجل، ويهون سكرات الموت وأمان من الجوع والعطش يوم القيامة ,وبه تحصل البراءة من النار والطعام من طيبات الجنة.

وفي الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم  ): (أنه من صام شهر رمضان وحفظ فرجه ولسانه وكف آذاه عن الناس، غفر الله له ذنوبه ما تقدم منها وما تأخر وأعتقه من النار وأهَلَهُ دار القرار وقُبِلَ شفاعته).

وفي الخبر أن الباقر ( عليه السلام  ) قال: إن لله تعالى ملائكة موكلين بالصائمين يستغفرون لهم في كل يوم من شهر رمضان إلى آخره ينادون الصائمين بوركتم وبورك فيكم حتى إذا كان آخر الليلة من شهر رمضان ,نادوهم ابشروا عباد الله فقد غفر الله لكم وقبل توبتكم فانظروا كيف تكونوا فيما تستأنفون.

 

آداب الصائم

في الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال لجـــابر بن عبد الله (يا جابر هذا شهر رمضان من صام نهاره وقام وردا من ليله وعفا بطنه وفرجه وكف لسانه خرج من الذنوب كخروجه من الشهر ) فقال جابر: يا رسول الله ما أحسن هذا الحديث فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (يا جابر ما أشد هذه الشروط) وفي الأخبار عن الأئمة الأطهار( عليه السلام ) (إذا صمت فليصم لسانك وسمعك وبصرك من الحرام والقبيحُ, ودع المراء وأذى الجار, وليكن عليك وقار الصائم من دون تنازع ولا تحاسد, ولا يكون يوم صومك كيوم فطرك ,وإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سمع امرأة تسب جارية لها وهي صائمة فدعا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم )بطعام فقال لها: كلي فقالت إني صائمة فقال كيف تكونين صائمة وقد سببت جاريتك , إن الصوم ليس من الطعام والشراب).

وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال:( ما من عبد صائم يشتم فيقول سلام عليك لا أشتمك كما شتمتني إلاّ قال الرب تبارك وتعالى استجار عبدي بالصوم من شر عبدي قد آجرته من النار), وإن من صام شهر رمضان في إنصات وسكون وكف سمعه وبصره ولسانه وفرجه وجوارحه من الكذب والحرام والغيبة تقرباً, قربّه الله منه حتى تمس ركبتاه ركبتي إبراهيم خليل الرحمن ( عليه السلام )، وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال: (إذا صام أحدكم الثلاثة الأيام في الشهر فلا يجادلن أحدا ولا يجهل ولا يسرع إلى الحلف والإيمان بالله فإن جهل عليه فليتحمله) وأنه قال ( عليه السلام ): (يكره رواية الشعر للصائم والمحرم وفي الحرم وفي يوم الجمعة وأن يروى بالليل وإن كان شعر حق).

فوائد ومنافع الصوم

شهر رمضان الذي عظمه الله( عز وجل ) بفتح أبواب الرحمة فيه وإفاضة البركة والمغفرة على عباده في أيامه ولياليه. فعن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (أن شهر رمضان عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام وساعاته أفضل الساعات وأن أنفاس العباد فيه تسبيح والنوم فيه عبادة والعمل فيه مقبول والدعاء فيه مستجاب) وعنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (أن الصيام ليس عن الطعام والشراب وحدهما فإذا صمتم فاحفظوا ألسنتكم وغضوا أبصاركم عما حرم الله).

وأن للصوم فوائد عظمى ومنافع كبرى تتطلع لها النفوس وتتطلبها العقول وتسموا بها الهمم الروحية والبدنية.

أما الروحية فإن الصائم بخلو بطنه يصفى سره ويشرق نوره ويزول عن قلبه الرين, وتنكشف عن بصيرته الحجب, وتنقشع عن نفسه سحب الضلال, ويصبح لروحه السيطرة على هواه, ولسلطان العقل الهيمنة على شهواته ومبتغاه. وأما البدنية وهي صحة الجسم, فقد دلت التجارب أن من يكون جامعا لشرائط الصوم أبعِدَ عن الكثير من الأمراض التي تذهب بحياة الإنسان في قليل من الأزمان, لأنه أعظم وسيلة لتطهير الجسم من زيادة السموم الضارة له وتنظيفه من الشحوم المتكدسة عليه وإراحة الجهاز الهضمي, إذ يعطيه الفرصة لإكمال عملية الهضم وإراحة أعضاء الإفرازات بتعطيلها عن عملية الإفراز.

هذه هي منافع الصوم وثمراته الطيبة, فهو فرض الله تم وجوبه على العباد في أفضل شهور السنة وأعظمها, وقد روي بطريق موثوق معتبر أن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم )دعا للمسلمين فيه فقال: (اللهم أدخل على أهل القبور السرور, اللهم أغن كل فقير, اللهم أشبع كل جائع, اللهم أكس كل عريان, اللهم اقضِ دين كل مدين, اللهم فرج عن كل مكروب,اللهم اشف كل مريض, اللهم سد فقرنا بغناك, اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك, اللهم أقضِ عنا الدين وأغننا من الفقر إنك على كل شيء قدير).

ومن أحسن الأعمال الخيرية فيه هو أن يعدل الإنسان في قضاياه, ولا يتجاوز الحد في أعماله وأفعاله, ولا يعطي المجال لرغباته ونواياه, ويؤثر الإنصاف في الاختلاف والخلاف, ويعمل الخير وإن أرهقه عسره ويحل مشاكله بنحو العطف واللطف لا بالقطيعة والشر, وأن من خير الخير أن لا يجعل هواه رباً له ومعبوداً إياه فيكون الُموبّخ من ربه بقوله تعالى:[افأَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ] فإن الهوى شريك الجهل والعمى بل هو أسوء منهما في وقوع متطلباته في البغي والضلال والظلم والعدوان, وما يتبعهما من سوء المنقلب الذي صدع به القرآن المجيد بقوله تعالى: [فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا].

وقد أوجب الله بعد إكماله صدقة الفطرة, وجعلها جبراً لكل نقصان وعرضاً للصيام ومحواً لكل عصيان تخلل شهر رمضان. حسب ما روي عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من قوله: (صدقة الفطر طهر للصائم) بل المعروف في ألسنة الفقهاء أن الصوم يبقى معلقاً بين السماء والأرض يطرق أبواب الجنان فلا يقبل إلا بزكاة الفطر.

خطبة في ليلة الإفطار من شهر رمضان المبارك

 

الحمد لله الذي سما في العز ففاق خواطر الأبصار, ودنا في اللطف فجاز هواجس الأفكار. يا من عنت الوجوه لهيبته وخضعت الرقاب لكبريائه وعظمته, ووجلت القلوب من مخافته صلِّ على الدليل إليك في الليل الأليل, والماسك من أسبابك بحبل الشرف الأطول, والناصع الحسب في ذروة الكاهل الأعبل والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول, وعلى آله وصحبه الطيبين الأخيار معادن حكمتك, وحفظة سرك, والملبين لإرادتك في مستسر السر وظاهر الأمر مهما كلفهم الأمر, ومهما عاكسهم القدر. اللهم وأني أسألك بما نطق فيهم من مشيئتك وبما ضمنت به الإجابة للداعين يا رب العالمين وبجاه مولانا أمير المؤمنين أن ترعى بحسن رعايتك من كان في هذا الجمع الكريم.

كلمة في العيد المبارك

أيها الجمع الكريم:

إن هذه الوجوه الكريمة في هذا الاحتفال الكريم تلهمنا دروساً نضالية وعبراً تاريخية, ينبغي أن نتخذها منطلقاً لانتصارات عالية ونجاحات جديدة, ألاّ وأن من خير الخير أن يتوج نضالكم بتحقيق أهدافكم في بناء مجتمع ديني إسلامي, وأنا إذ أشارككم في المسرة والفرح بهذا العيد وبهذه المقابلة التي تؤكد القيم الإنسانية التي تحملها نفوسكم فإن لنا المزيد من الثقة والإيمان بأن الغد سيحمل تقدمات وانتصارات ومنجزات كثيرة للأمة الإسلامية من التحرر من كل ألوان الاضطهاد والاستعمار والاغتصاب والتجزئة والتمييز العنصري والتخلف عن ركب الحضارة, وإنه يؤكد تعبئة كل الطاقات منكم لاستكمال المسيرة لبناء المجتمع الإسلامي.

كلمة في حث المسلمين على الاستهلال

أيها المؤمنون:

إن الأهلة قد جعلها الله مواقيت للناس, فلا يفوتكم استهلالها والتطلع لرؤيتها لما يترتب على ذلك من الآثار الجليلة والفوائد المجيدة من الواجبات الإلهية المهمة, لأيام خاصة والمستحبات الشرعية الأكيدة لأوقات معينة. أضيفوا إلى ذلك من توقف معرفة نحوس الأيام وسعودها وتعيين الزيارات المخصوصة للأئمة الأطهار(عليهم السلام ) وتمييز مواسم الأعياد التي هي ملتقى سرور المسلمين، ومظهر من مظاهر وحدتهم وإخائهم على معرفة طلوع الأهلة في الآفاق وظهورها أول الليل في طرف السماء. ولا يكفي في تشخيص الهلال طول زمن مكثه ولا سعة قطر وسطه. فإنه طالما مكث حتى يذهب الشفق في ليلته الأولى وكثيراً ما أتسع وسطه حتى تخيل أنه ابن ليلة أخرى. وقد ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب( عليه السلام )في حديث طويل أنه قال( عليه السلام ): (يأتي على الناس زمان تنهتك فيه المحارم ويعلن فيه الزنا ويستحل فيه أموال اليتامى ويؤكل فيه الربا ويطفف المكاييل والموازين ويستحل الخمر بالنبيذ والرشوة بالهدية والخيانة بالأمانة ويتشبه الرجال بالنساء والنساء بالرجال ويستخف بحدود الصلاة ويحج فيه لغير الله, فإذا كان ذلك الزمان انتفخت الأهلة تارة حتى يرى الهلال ليلتين وخفيت تارة حتى يفطر شهر رمضان في أوله ويصام العيد في آخره, فالحذر الحذر حينئذ من أخذ الله على غفلة فإن من وراء ذلك موت ذريع يختطف الناس اختطافا حتى أن الرجل ليصبح سالماً ويمسى دفيناً ويمسى حياً ويصبح ميتاً فإذا كان ذلك الزمان وجب التقدم في الوصية قبل نزول البلية ووجب تقديم الصلاة أول وقتها خشية فوتها في آخر وقتها فمن بلغ منكم ذلك الزمان فلا يبيتنّ ليلة إلا على طهر وإن قدر أن لا يكون في جميع أوقاته إلا طاهراً فليفعل فإنه على وجل لا يدري متى يأتيه رسول الله لقبض روحه فاتقوا الله في سرائركم وعلانيتكم ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ومن يتبع غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)([1]).

 

فضيلة ليلة القدر المباركة

إنها ليلة القدر, كاسمها ليلة ذات قدر عظيم وشرف جسيم, كساها القرآن الكريم لسان الحكمة وقانون الخلود والأفضلية على سائر الليالي الشريفة, حيث نزل في علو منزلتها وتقدير شأنها [ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ] وخلع عليها رب العزة جلباب السمو والرفعة على سائر الأوقات والأزمنة. بقوله عز من قائل [وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ] وخصصتها القداسة الإلهية بالسلامة من المكاره والشدائد حتى ينشق ليلها بنور عمود الفجر بقوله جلت قدرته [سلامٌ هيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ].

وأضفت عليها الرحمة المطلقة, حلل البركة الروحية والعناية السماوية في الطاعات وفعل الحسنات بقوله عظمت آلائه [إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ].

وقد أبان عظم سلطانه ما لهذه الليلة من المشاعر الملكوتية الروحية من الصلة فيها بين أهل السماء وأهل الأرض بقوله عز اسمه[تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ].

وفي الحديث الشريف (ينزل فيها جبرائيل في كبكبة من الملائكة متضامنة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز وجل).

وقدّر مبدع الكون وخالقه فيها الحوادث الكونية, والأرزاق الإلهية والألطاف الربانية بقوله تعالى وهو أصدق القائلين [فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِين رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ].

فكم من فتى يمسي ويصبح آمنـا
وكم من عروس زينوها لزوجها

 

 

وقد نسجت أكفانه وهو لا يدري
وقد قدرت أرواحهم ليلــة القـدر
 

 

 وقد ورد في الحديث المشتمل على أسرار المعارف وغوامض العلوم عن كنز اليواقيت عن الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (أن كليم الله موسى قد ناجى الله عز وجل. فقال إلهي أريد قربك, قال: قربي لمن استيقظ ليلة القدر, قال:إلهي أريد رحمتك,قال:رحمتي لمن رحم المساكين ليلة القدر, قال: إلهي أريد الجواز على الصراط, قال: ذلك لمن تصدق في ليلة القدر, قال: أريد من أثمار الجنة, قال: ذلك لمن سبح تسبيحه في ليلة القدر, قال: إلهي أريد النجاة من النار, قال: ذلك لمن استغفر في ليلة القدر, قال: إلهي أريد رضاك, قال: رضائي لمن صلى ركعتين في ليلة القدر).

ألا وأن في هذه الليلة سنة مأثورة لطلب الحاجة, وهي وضعك القرآن الكريم على الرأس ونشره بين يديك ثم تقول (اللهم إني أسألك بكتابك المنزل وما فيه وفيه أسمك الأكبر وأسماءك الحسنى وما يخاف ويرجى أن تجعلني من عتقائك من النار) ثم تسأل حاجتك. وقد عرف هذا النداء بالاستجابة, وفي هذه السنة المستحبة نفحة قدسية تنعش الخاطر وتشرق بنورها النفس.

وإن على المسلمين في هذه الليلة المباركة أن يجددوا ذكرى نزول القرآن الكريم, الدستور السماوي والمعجزة الخالدة على مر الدهور والعصور, كما يجددوا ذكرى مولد الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم )بل ربما كان ذلك أهم وأعظم من ذكرى ميلاده ومعراجه, فإنه المعجزة الخالدة والآية الدامغة القاهرة يتخلد بإحياء ذكراه الإسلام, وتقوى بتلاوته العقيدة والأيمان تجلت فيه لوامع حظيرة القدس وطوالع محاضر الإنس في وضع المسلم له على رأسه ونشره بين يديه, إشارة دقيقة ودلالة واضحة لطيفة, يدركها ذوي اللب السليم والطبع المستقيم إلى أن هذا القانون السماوي والوحي الرباني يلزم تعظيمه ووضعه في أحسن مغرس وأعلى معرّس. وحيث انتهى بنا الحديث إلى عظمة هذه الليلة عند الله تعالى, وجلالة قدرها لديه ووعده, وسعة رحمته باستجابة الدعاء في آنائها حتى ينجلي عمود الفجر ويشرق فلق الصبح. فهنيئا لمن كادت أن تنقضي دولة الصيام عليه في هذه الأيام, وبشر سقم هلاله في ناديه بالعيد السعيد, وهنئه أنين الشهر بالعيش الرغيد, فهنيئا وهنيئا أن يتجه بقواه نحو العمل المبرور بعد أن غلبت قواه الروحية على شهواتها المادية, وأن يضع الحسنات ويعمل الخيرات بعد أن صفت نفسه بالصوم وصقل عقله بطاعة رب العالمين, وأن يدعو بالدعاء المعروف بالإجابة في هذه الليلة, المأثور عن الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين ( عليه السلام ).

 

دعاء الامام زين العابدين( عليه السلام ) في ليلة القدر المباركة

يا باطناً في ظهوره, ويا ظاهراً في بطونه, يا باطنا ليس يخفى, يا ظاهراً ليس يرى, يا موصوفاً لا يبلغ بكينونته موصوف, ولا حد محدود, يا غائباً غير مفقود, يا شاهداً غير مشهودٍ, يطلب فيصاب ولم تخلُ منه السماوات والأرض وما بينهما طرفة عين, لا يدرك بكيف, ولا يأين بأين ولا بحيث، أنت نورُ النور وربُ الأربابِ أحطتَ بجميعِ الأمورِ، سبحان من ليس كمثلهِ شيء وهو السميع البصير, سبحان من هو هكذا, ولا هكذا غيره.

كرامة ليلة القدر

رحماك اللهم رحماك تقدست ذاتك وجلت آلائك وعظمت صفاتك.

لا ريب أن ليلة لها هذا المقام الكريم وهذا التقدير الجسيم من رب العالمين، تكون من أعظم الليالي في إستجابة الدعاء إذا ما توجه فيها لخالقه ومصوره، متبتلاً خاشعاً يرجو عفو ربه ورضاه. فقد ورد في الحديث المشتمل على أسرار المعارف وغوامض العلوم عظم خطرها وجلالة منزلتها من بين ليالي الزمان, فقد أخفاها الله جل جلاله، لكي يجتهد الناس في العبادة في ليالي شهر رمضان طمعاً في إدراكها كما أخفى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس, وأخفى أسمه الأعظم في الأسماء ليرغبوا في ذكر جميعها, وقد صور لنا الله تعالى جلالة قدرها وعلو منزلتها بقوله تعالى [وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ].

إشعارا بالنشوة إلى خيرها وسلامتها من المكاره حتى مطلعها, حيث يعيش المؤمن في حظيرة قدس الله ومن أهل ضيافته المكرمين بهبوط الملائكة المقربين حيث قال:[تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا] وعز من قائل هذه بشارة بالخير ثم تردفها البشرى بالسلامة وهي أسمى أماني النفس بقوله تعالى: [سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ].

فما احرانا أن نشمر عن ساعدي الجد لنيل مغانم وبركات هذه الليلة التي حفت بنزول الملائكة والروح الأمين، لنحيى حياة الإسلام العظيم الذي يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين بالآجر العظيم والثواب الجزيل، وأن نوحّد صفوفنا لما فيه خير أمتنا وسعادة ناشئتنا وطمأنين وطننا.

كلمة في فلسفة تشريع الزكاة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه البررة وبعد:

فلا ريب في وجوب الزكاة شرعاً، بل وجوبها من ضروريات الشريعة المحمدية وإحدى الدعائم الخمس للديانة الإسلامية، وقد قرنها الله بالصلاة في كتابه العزيز( اثنين وثلاثين آية). وهذا ما يدل على شدة طلبها وتأكيد وجوبها, ولو عملت بها الحكومات الإسلامية ونفذتها السلطات على الوجه الصحيح الأكمل لسدت حاجات الفقراء والمساكين, وقلت بها الشرور, وخفّت وطأة السجون وتقلصت أفكار الهدامة التي ترمي إلى زعزعة الأمن والأمان وتقضي على السكينة والأطمئنان، فإن الفقر على ما ذكره علماء الاجتماع يدفع أصحابه نحو صنوف الجرائم وتروج في آفاقه متطرفات المذاهب، وفي الأثر (كاد الفقر يكون كفراً)ولا زال يعقب مواطنه نتائجاً وخيمة وآثاراً وبيلة كان مثالها فناء النفوس واراقة الدماء والفتن الصماء والملمات الخرساء. الاّ إن القوانين والأنظمة الأجتماعية المالي التي جاءت بها المدنية الحديثة وتنشدها الناشئة الجديدة هي مشتقة من نظام الزكاة في الأسلام ومستقاة منه,وإن كانت لا تحمل أسم الزكاة ولا تجني الثمرات الطيبة الناتجة منها, كما إنها في عقيدتي أحسن حل للمعركة الدائرة بين الغنى والفقر التي طالما يتجاوز فيها أحد الفريقين حدوده الأدبية والطرف الآخر حقوقه الإنسانية, وكيف لا يخمد تشريع الزكاة لهب هذهٍ الحرب الضروس, وبها تجعل للغني على الفقير يد الطول والإحسان، وتخلق في الفقير نحو الغني نفسية الشكر والامتنان، وعند ذا يتبادل بينها لطائف العطف وروائع الحنان, ويصبحان في جو مشبع بروح التعاون والاخوة هذا يرعى ذاك بفضل برّه، وذاك يرعى هذا على جميل صنعه وطيب معروفه فيتبدل الموقف إلى أحسنه وأطيبه, فبينما الفقير يتلمظ للوثبة على الغني وإذا به يرجو الخير له ويدعو الله أن يوسع عليه. ويتخذ السبيل لحسن الثناء عنه, ويصبح لسان صدق للآخرين. فهذا هو الحل العادل لتلك الخصومة التي اختص بها الإسلام دون ما عداه من الشرائع, لا ما يغري لبعض المبادئ من المساواة في الحقوق بعد الإلزام بالعمل به, فيصبح الإنسان محروماً من أهم حقوقه الطبيعية وشؤونه الفطرية وهي الحرية في العمل والملكية لنفسه في الحل والمرتحل فيكون بمنزلة الآلة الصماء في يد عاملها والبهيمة الخرساء في قبضة سائقها.

 

اللهم إنا نبرأ إليك من حضارة تسلب الإعتراف بشخصية الفرد والقيمة الذاتية له, فإن النتيجة الحتمية لذلك هو أن يفقد الإنسان أعظم حق طبيعي له من حرية الإرادة وحرية العمل وحرية التفكير وحرية العلاقة بالأفراد وحرية السكنى إلى غير ذلك من الحريات الطبيعية للإنسان, التي لا يجوز حرمان هذا المخلوق البشري منها وإنما يصح أن يتنازل عنها بصرف إرادته ومحض رغبته بالمرغبات والمشهيات كدفع ثمن أو طلب فائدة أو نحو ذلك، هذا أحد المفاسد للمساواة في الحقوق مع الإلزام بالعمل وهناك مفاسد أخرى:

منها عدم نمو العقلية الإختراعية إذ إن مصدر الاختراع هو التوجه للعمل وإخراجه بأحسن وجه وأقصر زمن ليفوق العامل على أقرانه بالنفع وزيادة الأجر، ومع المساواة لا تندفع إلى هناك ولا يبذل قصارى الجُهد والجَهد في ذلك, حيث لا فائدة تكسب ولا غاية تستهدف وعند ذا تموت روح المسابقة، ويزول حب التفوق، وتذهب الهمم وتخمد العزائم وتحرم البشرية من مواهب الفرد الممتازة وأفكاره اللماعة.

ومنها أن لازم ذلك إلغاء الملكية التي هي حق طبيعي لإنسان قد فطرت عليها جبلته واقتضتها فطرته منذ أقدم العصور, ولعل الشعور بها من مقتضيات الحياة حتى للحيوانات لما يرى فيها من الدفاع عن مكانها وطعامها وأفكارها.

ومنها أن مع المساواة في النفع والأجر أي شخص يرغب في بعض الأعمال المرهقة المتعبة والحقيرة أو المؤذية الممرضة, كاستخراج بعض المناجم أو تنظيف القذارات وكنس الشوارع مع مساواته في الأجر لمن يقدم الرياحين أو يتولى طيبات الحياة ومحاسن العيش؟.

أضواء على تشريع الزكاة

الزكاة أهم جزء من النظام الاقتصادي للإسلام تغرس في محيط أدائها بذور التآلف والمحبة, وتوجد في أوساط نفوذها عوامل التعاون والمودة, وتزكوا بها النفوس وترتقي من حضيض دنس البخل وخساسة الشح, وتذهب عن الفقير أدران الحقد والضغائن الناتجة من التفوق عليه بالثراء والتمتع بالنعيم, وينمو بها المال حيث ثبت أن المال ينمو بالإنفاق, وتدخله البركة بالصدقة وتطهر بها ضمائر ذوي الحاجة من الدوافع نحو الجناية والجريمة) والناتجة من الحاجة والفقر والبؤس والشقاء, ولذا كان تشريعها يهدف إلى أحسن الحلول للمعركة الدائرة بين الغنى والفقر وبين أرباب الجدة وأصحاب المسكنة التي طالما تجاوز فيها أحد الفريقين على الأخر حدوده الأدبية, وتعدى حقوقه الإنسانية, وخرج من مقتضيات العدالة الاجتماعية فكانت الزكاة أفضل تشريع اقتصادي لإخماد لهب هذه الحرب الضروس, وإزالة هذه الفتنة الخرساء الصماء حيث بها تجعل للغني على الفقير يد الطول والإحسان, وتخلق في الفقير نحو الغني نفسية الشكر والامتنان عند ذاك تتبادل بينهما لطائف العطف وروائع الحنان, ويصبحان في جو اجتماعي مشبع بروح التعاون والأخوة والتضامن هذا يرعى ذاك بفضل بره, وذاك يرعى هذا بجميل صنعه وطيب معروفه فيتبدل الموقف إلى أحسنه وأطيبه فبينما الفقير مشحونة نفسه بالشر والحقد والحسد وينتظر الوقيعة بالغني ويتلمظ للوثبة عليه وإذا به يرجو الخير له والتوسعة عليه ويتخذ السبيل لحسن الثناء عنه, ويصبح لسان صدق في الآخرين له فإن الطباع قد جبلت على الحب لمن أحسن إليها والبغض لمن أساء إليها, ولو عملت بها الحكومات ونفذتها السلطات على الوجه الصحيح الأكمل لسدت بها حاجات الفقراء والمساكين, وقلت بها الشرور, وخفت وطأة السجون وتقلصت الأفكار الهدامة التي ترمي الى زعزعة الآمن والآمان وتقضي على السكينة والاطمئنان. فإن الفقر على ما ذكره علماء الاجتماع يدفع أصحابه نحو صنوف الجرائم وتروج في آفاقه متطرفات المذاهب, وفي الأثر( كاد الفقر يكون كفرا) ولا زال يعقب في مواطنه نتائجا وخيمة وآثار وبيلة كان مثالها فناء النفوس وإراقة الدماء والفتن الصماء والملمات الخرساء. إلاَّ وأن القوانين والأنظمة الاجتماعية المالية التي جاءت بها المدنية الحديثة وتنشدها الناشئة الجديدة هي مشتقة من نظام الزكاة في الإسلام ومستقاة منه وإن كانت لا تحمل اسم الزكاة ولا تعني بالثمرات الطيبة الناتجة منها.

 

الزكاة قبل الإسلام

قد أثبت التاريخ أن الزكاة من العبادات المالية القديمة في الأديان السابقة, وقد دلت الآيات القرآنية على ذلك. حيث نقل الله تعالى أمره بها لإبراهيم وإسماعيل وإسحاق( عليه السلام ) وفصلها لهم في سورة الأنبياء بقوله تعالى: [وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ] ويذكر الله تعالى وصيته لعيسى( عليه السلام ) بقوله تعالى حكاية عنه في سورة مريم: [وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا].

ولكن هلَّم وأنظر إلى تشريع الزكاة للمال في الأديان السابقة الإسلام, فالبوذية جعلت على الداخل فيها أن يتنازل عن ماله وعقاره ويحمل جرابه للاستجداء وينضم إلى الجماعة.

واليهودية أباحت أن يعامل اليهود وغير اليهود بالخديعة وسرقة الأموال, وفرضت القرابين على الغني والفقير للعالم الديني وحده حتى أثرى من جراء ذلك الحاخامات.

والمسيحية تروي في أناجيلها - متي ومرقص ولوقا - عن عيسى ( عليه السلام ) أنه قال لشاب أراد اعتناق المسيحية وكان مثريا (بع أملاكك وأعطها للفقراء وتعال اتبعني فإنه يعسر دخول غني ملكوت السماوات). وفرضت القرابين للعالم الديني وحده. وبهذا تعرف أن هذه الديانات لم تأت بتشريع لإنفاق المال بنحو يضمن حاجات المجتمع وملكية الفرد لما يكفل عيشه وسعادته بخلاف التشريع لإنفاق المال في الإسلام, فإنه قد ضمن الناحيتين مراعياً في ذلك حاجة المجتمع وتمتع الفرد بماله فجعل للفقير حقاً في مال الغني غير مجحف بالغني للتقارب بينهما ورفع التباغظ عنهما, ويكون المجتمع الذي طالما يتألف منهما يغمره التحابب والتآلف, وهما من أعظم النعم على الإنسان في مدنية عيشه.     

الزكاة في الإسلام

كانت الزكاة في صدر الإسلام عملاً خيرياً شرعت في شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة في المدينة المنورة فريضة أسلامية بعد أن شرعت في مكة المكرمة. وكان فرضها الإلزامي في الغلات الأربع والأنعام الثلاثة والنقدين اذا بلغت نصاباً معيناً بشرائط مخصوصة.

وفي الخبر الصحيح عن أبي عبد الله( عليه السلام ) إنه لما نزلت آية الزكاة [خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ] في شهر رمضان أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مناديه فنادى في الناس (أن الله تبارك وتعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة) . ثم انه( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يتعرض لشيء من أموالهم حتى حال عليه الحول من قابل, فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين (أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم). ثم أن العطاء إلزامي خص باسم الزكاة وهو أخص من المذكورات أعني الصدقة والبر والإحسان. ثم أخذت المذكورات تحمل على معنى العطاء التبرعي غير الواجب فصارت مباينة لمعنى الزكاة, وبعد تشريع الزكاة اصبحت الدولة الإسلامية لها بيت مال للمسلمين تودع فيه الاموال الذي خزانة حياة الدولة, وتوزيعها يرتبط بنظر ولي المسلمين, وكانت الدولة تأخذ مال نفقاتها منها, ولما ضعفت الدولة الإسلامية وتشتت شملها لم يكن هناك من يلزم بدفعها, وصار دفعها تابع لإرادة الإنسان وإيمانها الإسلامي, إلاَّ ما يذكر عن بعض الدول الإسلامية من أنها لا زالت تلزم بدفعها واخذها من رعاياها.

 

 وتنقسم حسب التشريع الإسلامي إلى قسمين: بحسب ما تتعلق به لأن الزكاة أما أن تتعلق بالمال وتسمى زكاة المال, أو تتعلق بالأبدان وتسمى بزكاة الأبدان. وصدقة الفطرة وزكاة رمضان وصدقة الرؤوس والخلقة وقد شرعت قبل العبيد بيومين, وتسمى بصدقة الفطرة لكونها تجب بالفطر منه, وأوجبها الشرع الشريف عندما يستقبل المسلمون العيد ليشاطر الفقراء والمساكين أهل الغنى والثروة في البهجة والمسرة والحبور والغبطة بعد أن وصل بينهم بعقد الإخاء والأخوة, وقد ورد في حقها أن (من تمام الصوم إعطاء الزكاة) إشعارا بأن الصوم لا يزال معلقاً بين السماء والأرض يقرع أبواب الرحمن فلا يؤذن له حتى تختم الأيام منه بالزكاة, وإنه لا ينجي به العبد من العذاب ما لم يعقب بالصدقة على الفقراء, سيما الأرحام والأيتام. وقد قال الله تعالى: [وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ].

وقد بدأ الله في كتابه المجيد بزكاة الفطر قبل الصلاة بقوله تعالى: [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى] إيذاناً منه بالصلاة لا توجب الفلاح والفوز بالجنان ما لم يزكِ الإنسان ماله, وأن الصلاة تقبل كما ورد أن مَنْ صلى ولم يزكِ لم تقبل منه الصلاة قال تعالى : [فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لا يَصْلاهَا إِلاَّ الأشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الأتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى].

وفي الخبر عن الصادق( عليه السلام ) أن قال لمعتب: (اذهب فأعط من عيالنا الفطرة ولا تدع منهم أحدا فإنك إن تركت منهم إنساناً تخوفت عليه الموت).

 

كلمة في أهمية الزكاة وفضلها

الزكاة إحدى الدعائم الخمس للديانة الإسلامية وقد قرنها الله بالصلاة في كتابه العزيز, بما يبلغ اثنين وثلاثين آية. وهذا ما يدل على شدة طلبها وتأكد وجوبها, وهي أحسن حل للمعركة الدائرة بين الغنى والفقر. وكيف لا يخمد تشريع الزكاة لهب هذه الحرب الضروس وبها تجعل الغني على الفقير يد الطول والإحسان, وتخلق في الفقير نحو الغنى نفسية الشكر والامتنان, وعند ذا تتبادل بينهما لطائف العطف وروائع الحنان ويصبحان في جو مشبع بروح التعاون والأخوة, هذا يرعى ذاك بفضل بره وذاك يرعى هذا لجميل صنعه وطيب معروفه, فيتبدل الموقف إلى أحسنه وأطيبه. فبينما الفقير يتلمظ للوثبة على الغني, وإذا به يرجو الخير له ويدعو الله أن يوسع عليه ويكفي في فضلها ما حكي عن وصية أمير المؤمنين( عليه السلام )إنه قال: (الله الله في الزكاة فإنها تطفي غضب الرب)([2]).

وعن أبي عبد الله ( عليه السلام ): (حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة, وما تلف مال في بَرٍّ أو بحر إلا بمنع الزكاة)([3]) وفي الحديث عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (لا تزال أمتي بخير ما لم يتخاونوا ويؤدوا الأمانة ويأتوا الزكاة وإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط والسنين)([4]).

وعن أبي الحسن الرضا( عليه السلام ): (إن الله أمر بثلاثة مقرونة بها ثلاثة أخرى: أمر بالصلاة والزكاة, فمن صلى ولم يزكِ لم تقبل منه صلاته. وأمر بالشكر له وللوالدين, فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله تعالى. وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتقِ الله تعالى)([5]). ويدل على فضلها مضافاً إلى ذلك ما ورد في فضل الصدقة فإن الزكاة من أجلى أفرادها وقد ورد (أن الصدقة باليد تنفي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعاً من البلاء)([6]) وفي الخبر (أن صدقة الليل تطفي غضب الرب وتمحو الذنب العظيم وتهون الحساب وصدقة النهار تنمي المال وتزيد في العمر)([7]) وإن الصدقة إذا بكر بها وَقَتْ شر ما ينزل من السماء في ذلك اليوم, وإن الصدقة تزيد في المال, وإنها تقضي الدين وتخلف البركة. وقد تُكَوّنْ البركة وزيادة المال بها لدفعها البلاء والأمراض التي تحرق المال كما تحرق النار الخشب اليابس, لذا كان عطاؤها يولد البركة في المال ويزيد فيه.

عقاب تارك الزكاة

وأما العذاب على تركها فيكفي دليلاً عليه قوله تعالى: [وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ]([8]) وقوله تعالى: [مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ ]([9])وقوله تعالى: [أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ]([10]) وقوله تعالى: [وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ يَالَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ خُذُوهُ  فَغُلُّوهُثُمَّ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ]([11]) وقوله تعالى: [وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]([12]).

وفي المحكي عن الكافي في الصحيح عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) أنه قال: (ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئاً إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوقاً في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب)([13]) ثم قال( عليه السلام ): (هو قول الله تعالى سيطوقون ما بخلـــوا به يوم القيامة من الزكاة) وفي مضمون هذا الخبر أخبار كثيرة من طرق الخاصة والعامة وفي بعضها (يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه) كما في كتاب الكافي والفقيه عن أيوب بن راشد قال: سمعت أبا عبد الله يقول: (مانع الزكاة يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه)([14]) وفي الخبر عن رفاعة أنه سمع أبا عبد الله( عليه السلام )يقول: (ما فرض الله على هذه الأمة شيء أشد عليهم من الزكاة وفيها تهلك عامتهم)([15]).

كلمة في زكاة الفطرة

لقد شرعت زكاة الفطرة على ما أثبته التاريخ في السنة التي فرض فيها صوم شهر رمضان قبل زكاة الأموال, وإن فرضها كان في السنة الثانية من الهجرة في شهر رمضان أو في هذا الشهر المبارك قبل العيد بيومين، وتسمى بصدقة الفطرة وزكاة الأبدان، وأوجبها الشرع الشريف عندما يستقبل المسلمون العيد الأغر, يشاطر أهل الغناء والثروة الفقراء والمساكين في البهجة والمسرة ومن سواهم في الحبور والغبطة بعد أن وصل بينهم بعقدة الإخاء والأخوة، وقد ورد في حقها أن تمام الصوم إعطاء الزكاة إشعاراً بأن الصوم لا يزال معلقا بين السماء والأرض ليقرع أبواب الرحمن, فلا يؤذن لهم حتى يختم بالزكاة منه الأيام. وأنه لا ينجو به العبد من العذاب ما لم يعقبه بالصدقة على الفقراء ولا سيما الأرحام والأيتام. وقد جاء في محكم كتابه عز وجل [وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا  كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ].

 

وقد بدأ الله في قرآنه المجيد بزكاة الفطرة قبل الصلاة لقوله تعالى [قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى] إيذانا منه بأن الصلاة لا توجب الفلاح والفوز في الجنان ما لم يزكِ الإنسان ماله.

وإن بالزكاة تقبل الصلاة كما ورد (إن من صلى ولم يزكِ لم تقبل منه الصلاة) وفي الخبر عن الصادق ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال لمتعب: (اذهبِ فأعطِ عن عيالنا الفطرة ولا تدع منهم أحداً فإنك إن تركت إنسانا أثخنت عليه الموت).

 

أحكام زكاة الفطرة

وهي واجبة على كل مكلف سواء صام الشهر أم لا، وكان حاضراً أم مسافراً. بشرط بلوغه وعقله وحريته وغناه، وهي تجب عند غروب ليلة العيد وهو جامع للشرائط، فيعطي عمن كان حين دخول ليلة الفطر بمن يعول به سواء كان المعال به ذكرا أم أنثى أو كان حرا أم مملوكا عاقلا أو مجنونا كبيرا أم صغيرا حتى الرضيع وسواء كان مؤمنا أم مخالفا أم كافرا أو كان ضيفا غنيا أو فقيرا أو كان رحما أو غيره صائما أو مفطرا بل وحتى زوجته المطلقة إذا كان قائما بشؤونها بحيث تعد ممن يعول بهم. وأما النوع الذي يعطى منه الفطرة ،هو ما كان يتغذى منه قومه غالبا أعني الثمرة المتعارف في مكان إخراجها كالحنطة والشعير والتمر والزبيب والحليب والرز ونحو ذلك، من الأجناس التي يؤخذ منه الغذاء المستخرج منها بعد الطبخ أو المزج كالسويق والحلوى والخبز ونحو ذلك, ولا يعطي غير المتعارف به كالخضروات والفواكه، ويجوز أن يعطي النقود وغيرها بعنوان القيمة للجنس الذي يريد أن يعطيه فطرة.ومقدار ما يعطيه عن كل نفس كيلوان وثلاثة أرباع الكليو وستة وسبعون غراما إلا خمس الغرام, وللفرار من الكسر والحساب يعطي ثلاث كيلوات أو يعطي قيمتها. ومبدأ إعطائها من غروب ليلة عيد الفطر، ولا يجب عليه تأخيرها إلى طلوع الفجر,ويستحب إخراجها يوم الفطر قبل صلاة العيد ولو بعزلها ينتظر بها رجلا مستحقا لها, وإذا لم يؤدها يوم الفطر وجب عليه أن يؤديها كسائر الواجبات اليومية. وقد اتفقت كلمة الفقهاء على حرمة تأخيرها عن يوم العيد إذا لم تعزل وإذا عزلت جاز تأخيرها.

كلمة في التصدق على الفقراء في العيد المبارك

أيها المسلمون:

إذا جاء العيد فلا تنسوا أن يشارككم في استقباله وإقامة معالمه مئات الملايين من إخوانكم المسلمين في سائر أطراف المعمورة ولايفوتكم أن تفكروا في أمرهم وتشاطروهم في سرائهم وضرائهم بعد أن وصل الله (عز وجل ) بينكم وبينهم بعقدة الإخاء وألزمكم التراحم والحنان ونهاكم عن التباعد والاعتزال وقضى بينكم بالمحبة والمودة والشفقة والرأفة.

فلا تبخلوا بالإحسان على ذوي الحاجات منهم وتلطفوا بالصدقة على فقرائهم ومساكينهم الذين أصبحوا يتوسدون التراب ويأكلون خشن العيش، تصهرهم الشمس بأشعتها والرمضاء بلفح هجيرها، قد عانوا من جراء الفقر آلاماً ثقيلة ورزحوا تحت أعباء مرهقة قاسية، فجدير بكم أن تفتحوا آذانكم لسماع أنينهم المتواصل وزفراتهم المحرقة الدامعة فتنجدونهم كما أمركم الله بما وسع عليكم من نعمه السابغة وأياديه الوافرة، فأنتم المسؤولون أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون وما للظالمين من أنصار فقد أحدقت بهم الخطوب والويلات وحاطت بهم المحن والنكبات ونشر البؤس ألويته فيهم وبسط سطوته عليهم وفتك المرض بأجسامهم فتك الطاغية المستبد، وسار بهم نحو الفناء سير العاجل المستحث، ولا تحسبوا أن الصوم ينجيكم من العذاب ما لم تختموه بالصدقة على الفقراء فصومكم معلق بين السماء والأرض يقرع أبواب الرحمن فلا يؤذن له حتى تواسوا الأيتام وتصلوا الأرحام وتختموا بالزكاة منه الأيام فقد ورد( أن من تمام الصوم إعطاء الزكاة) وقد قال تعالى: [وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيم ٍيَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ]([16]) ولا تظنوا أن الصلاة تنجيكم من العذاب، ما لم تنفقوا مما رزقكم الله سراً وعلانية ترجون وجه الله تعالى.

فالصلاة لا يقبلها الرحمن، ما لم يزكِ ماله الإنسان فقد ورد (أن من صلى ولم يزكِ لم تقبل منه الصلاة)([17])، فبالصلات تقبل الصلاة. قال الله تعالى: [فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى وَإِنَّ لَنَا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولَى فَأَنْذَرْتُكُمْ نَارًا تَلَظَّى لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى]([18]).

فعليكم أن تبتغوا مرضاة الله، وتسارعوا إلى غفرانه بإغاثة الملهوف، وإعانة المكروب، ورفع لوعة الجوع وسورة الجزع ولا سيما عمن تحلى بالآداب لا بالثياب، وأشبع نفسه من الفضائل لا من المآكل، وقنع باليسير وتمشى مع المقادير وكرم نفسه عن ذل السؤال ولم يتحمل منن الرجال وكان الصبر على الفاقة والجوع أهون عنده من التذلل والخنوع.

كلمة في تشريع الحج وفلسفته

إن الحياة في هذا اليوم قد تطور فيها العالم والرأي ،واتسعت مدارك الأدمغة الناضجة لتنير الطريق أمام البشرية لتفهم أسرار الحياة وأطوارها وشؤونها، وقد أزالت كثيراً من الأوهام التي تروج في سوق الإبهام والغموض وتنضج في سهامه الجهل والظلام، وأصبح الإنسان ينظر إلى حقائق الكون ونظمه سواء التكوينية منها أو التشريعية بمنظار المنطق الصحيح الصائب لتتفتح وتتضح لديه أسرار الكائنات في سائر نواحيها وآفاقها. ومن هذا المنفذ يتطلع أرباب الفكر سواء المسلم منهم وغيره, إلى شرح تشريع الحج وأسراره ومنافعه ,فعلم أن الروح الدينية والعقيدة الإسلامية و إدراك المسؤولية بما وراء الموت تحول بين الإنسان وبين الجرائم، مهما كان نوعها ومهما قويت أسبابها وتوجد في الإنسان عامل قوة الإرادة، حيث أنه إذ ذاك يرجع إلى الله في حوائجه ويستمد منه العون في مقاصده دون أن يعتمد على غيره في مهماته ومتطلباته، كما أنه بذلك تهون عليه كوارث الحدثان ومحن الدهر ومصائب الزمان، إذ  يشعر بأن الله الرؤوف بعباده والرحيم بمخلوقاته سيعوضه عما أصابه من الشدائد بما أوفى وأفاء، ويجازيه عما حل فيه من المكاره جزاء يستوفيه بكامله  تنعشه بعيشة ترضيه ولهذا المعنى الرائع يشير القرآن الكريم بقوله عزّ من قائل [الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ].

توجيه وهداية في الحج

((لبيك اللهم لبيك))

نداء نادتك به أُول البصائر، من يوم كانوا في أصلاب الرجال وأرحام النساء معلنة في هذا اليوم لعظمتك، خاضعة لجلال قدرتك وجمال لطفك، مادة أعناقها نحو شامخ مقام قدسك، شاخصة بأبدانها نحو البيت العتيق من كل فج عميق ذلك البيت الذي من حج إليه نال السعادة بغفران ذنوبه وكان كيوم ولدته أمه تبارك الله أحسن الخالقين.

 

((لبيك اللهم لبيك))

كلمة تملأ القلوب نوراً والنفس سروراً وتهتز بها المشاعر بهجة وحبوراً،تنطلق بها ألسنة الحجيج عندما يـَجدُّ بها السير نحو الرحمة المطلقة والشعائر المشرفة والبقاع المقدسة، فهناك وهناك السعادة الأبدية والتجليات الإلهية تقف دونها الأفكار حائرة والألباب متحيرة وتضعك فيها الأنوار القدسية وتنعشك فيها الألطاف الربانية، فتمتلئ منا الجوانب والجوانح خشية وروعة منادية من مُستَسَّر سرّها ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار.

 

((لبيك اللهم لبيك))

أداء لما فرضته على العباد من عبادتك من حج بيتك الحرام للغرض الذي يرمي إلى اجتماع عام في حشد سنوي ضخم يجمع على صعيد واحد مختلف الطوائف الإسلامية في إطار ديني تزكى فيه روح الأخوة ومشاعر المودة ويحي به الشعور الديني ويبعث العواطف نحو مثلها العليا وينور الفكرة الإسلامية بأسمى أهدافها وأوسع نطاقها.

أيها الحجيج

ما فرض الله الحج وما خصه من جميع الطاعات إلى نفسه بقوله عزّ من قائل : [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا] إلا لجمع الكلمة وتوحيد الصف والتعارف بين المسلمين لتفهم قضاياهم وتشاورهم فيما يخص آخرتهم ودنياهم فإن في مناسكه شحنة روحية تملأ النفس عطفاً وحناناً ويقضه نحو المثل العليا مكاناً وزماناً.

أسرار مناسك الحج وما ترمز إليه

ألا وإن لكل منسك من مناسك الحج سر عظيم يرمز إليه، وهدف سامي يترتب عليه، وقد ساقني الفكر بعد الدرس والتأمل والتتبع والتفكر إلى أن في الإحرام التبتل لله في الحركات والسكنات، وكف النفس عن المدنسات والموبقات بنحو يوجب سيطرة على سلطان الهوى، ويركز فيها الإيمان والتقوى، وفي الإحرام عند لبس ثوبيه رمز لخروج الإنسان من حفرة قبره مؤتزرا ثوبي كفنه قد فارق الأهل والأحبة ومباهج الحياة وموارد الثروة، فلا المال ينفعه ولا الأولاد والأحبة تسعده، وفي التلبية نداء يملأ القلب سروراً وتهتز به المشاعر بهجة وحبوراً تنطلق به ألسنة الحجيج عندما يجد
بها السير نحو المشاعر المشرفة والبقاع المقدسة، معلنة بعظمة الله عز وجل خاضعة لجلال قدرته وجمال لطفه شاخصة بأبدانها نحو البيت العتيق من كل فج عميق وكل أرب سحيق، وفي التلبية رمز لإجابة دعوة الله لأداء الحج يوم دعا الله الناس على لسان نبيه ( صلى الله عليه وآله وسلم )بقوله عزّ من قائل [وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ].

وفي الطواف حول البيت زيارة لصاحب البيت حباً لذاته المقدسة وعشقاً لمقامه العظيم، وتطلعاً لوجهه الكريم وتعلقاً بشخصه الجليل. بعد أن جرَّد الطائف نفسه من كل تعلق بسوى الله، وقطع كل ارتباط بمن عداه بإحرامه من الملذات ومن فواتن الحياة، وهذا أبلغ معنى في الزيارة للمحبوب وأقوى ارتباط بين الطالب والمطلوب، وفي هذا الدوران المتكرر بالعدد المبارك رمز لتوجه الزائر لدار المزور بكليته وانقطاع القاصد للمقصود بجملته. وفي استلام الحجر توصلاً للقرب من المزور والاتصال به من طريق بيته المعمور، وفيه رمز للمصافحة لرب البيت فعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) (الحجر الأسود يمين الله في خلقه يصافح بها خلقه ).

وفي التعلق بأستار الكعبة تعلق من الحاج برب البيت والانقطاع إليه، وفيه رمز لتعلق الزائر بالمزور شوقاً للقياه وحباً للتطلع لمحياة.

وما حب الديار شغفن قلبي
 

 

ولكن حب من سكن الديارا
 

 

 وفي السعي نحو الله والتردد في الذهاب والإياب لزيادة الشوق والحب لذاته، والقرب لشامخ مقامه واستهداف البلوغ لعلو عظمة شأنه والوصول لشعائر جلاله وجماله، بعد الحلول بفناء بيته الحرام وتردده في الغدو والرواح للظفر بالمزور والتوفيق للمثول بين يديه.

 

وفي الوقوف بعرفات بلوغ الشوق لذات الله القدسية أسمى مراتبه وأعلى أنواعه، فإنه بعد أن طاف حول البيت طواف العاشق الولهان، وسعى نحو الله سعي المحب الظمآن شحنت نفسه بشدة الشوق والاشتياق، وامتلأت بالعشق والهيام هام نحو البراري والقفار وشق الصحراء والوديان نحو عرفات طلبا للقرب لذاته المقدسة وتطلعا لأنواره المتلألئة، وفي ذلك رمز لهيام العاشق في طلب معشوقة وتركه ملذات الحياة في سبيل الظفر بمطلوبه فإنه الشوق إذا اشتد والحب إذا بلغ نهاية الحد انحصر بالمحبوب والطلب بالمطلوب وأنصرف المحب عما سواه، وكره الطالب عما عداه، فيفر للفضاء المطلق حيث الصحاري والوديان والجبال حيث لا إنس هناك ولا أنيس ولا سمير هنالك ولا جليس. وفي الوقوف بالمشعر الدخول في الحرم في أسر من العبودية والطاعة بعد الخروج عنه في عرفات، فإن المشعر من الحرم دون عرفات وفيه رمز لعود العاشق الولهان لديار المحبوب ليحظى بالعطف والحنان عليه والتوجه والالتفات إليه. وفي الرمي الرجم لتمثال الشيطان إعلانا للحرب على الشيطان الداعي لعبادة غير الرحمن، والموسوس في الصدور بالدعوة للعصيان تصديقا من الحاج لما سبق منه من الإخلاص لله تعالى في العبادة والانقياد له وحده في الطاعة بنبذه للمضلين وحربه للشياطين، فالجمرات رمز للشياطين الرادعين من الفضيلة والداعين للرذيلة،  نظير ما يجعل من التمثال للجندي المجهول الذي هو رمز للجندي الذي استشهد في ساحة الشرف في سبيل واجبه وذهب ضحية لوطنه، فكما أن تعظيمه واحترامه احتراما للجندي وتقديرا له وتشجيعا للتضحية في سبيل الواجب، فكذلك هذا الحرب لرمز الشيطان يكون حربا للشياطين وأستحقارا واستنكارا للرذيلة والمعصية والتي يدعو لها ويوسوس لها في الصدور وقد كان في قديم الدهر يصنعون تمثالا لآلهة الخير وآلهة الشر وغير ذلك من الأمور المعنوية تجسيدا لها في الخارج لإيقاظ الضمير ولإحساس الوجدان ولتنبيه النفس حتى تندفع نحو مقتضاتها من ارتكاب الفضيلة والتجنب عن الرذيلة. وفي الذبح إراقة الدم قربانا لله تعالى تصديقا آخر من الحاج لما سبق منه من الإخلاص في العبودية والاعتراف لله وحده بالربوبية حيث قدم قربانه لذاته تعالى لا لغيره من أصنام كيفها الهوى ونحتها الخيال. ففيه الرمز للتضحية بما يملك في سبيل الله خالصة لوجهه الكريم من دون فائدة دنيوية أو معنوية سوى الإطاعة له تعالى والانقياد إليه.

كلمة في الحج وآثاره

إنه من نظر إلى تشريع الحج وإلى ما تضمنت مناسكه من طاقات روحية وشحنات قدسية، يرى أن فرض الحج يرمي إلى اجتماع عام في حشد سنوي ضخم يجمع على صعيد واحد مختلف الطوائف الإسلامية في إطار ديني تذكر فيه روح الأخوة ومشاعر الحنان والمودة.

إن الحج بمناسكه لم يفرضه الله وما خصه من بين الطاعات بالإضافة إلى نفسه بقوله عز من قائل [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ] [وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا] إلا لجمع الكلمة ولتوحيد صفوفهم وجمع كلمتهم وتبادل الأراء فيما بينهم والتعارف بين المسلمين فيما يخص مشاكلهم وبحثهم وتشاورهم فيما يتعلق بقضاياهم ورفع مستواهم.

وإنك لترى في مناسكه وآدابه شحنة تملأ القلوب نوراً, والنفس سروراً وطاقات قوية روحية تجرد النفوس عن أنانيتها بعد أن تملأ الجوانب والجوانح خشية ورعة وحناناً ورحمة وتوقظ العقول نحو مثلها العليا بعد أن يحشد بها السير نحو الرحمة المطلقة.

أيها الملأ الصالح: يمر اليوم بالأقطار الإسلامية ظرف عصيب ووقت رهيب يقطع فيه الإسلام أصعب المراحل في تاريخه الحديث, فالصراع قائم بين الأمم الكبيرة, والحق تطغى عليه القوة وعلى الأماني المنايا وشبح الموت يرفرف على العالم كله, وأبطال الحرب ومديرو دفتها يوالون الاجتماعات أثر الاجتماعات لإحراق البشرية بنار لا يسهل إخمادها وإثارة فتنة صماء يصعب الخروج منها. فحري بنا أن نتضامن تضامنا لا تمسه لفحة الانحلال, ونتضافر تضافراً لا تحله مشكلات الأهوال لنخرج من وسط هذه المعمعات العالمية وقد بلغنا الغاية المنشودة وربحنا الصفقة ونالنا الأمل بطمأنينة وسلام.

 

الحج والانقطاع به إلى الله

لا ريب أن الحج بمشاعره الدينية ،عامل هام وعمل مهم في إيقاظ الشعور الديني يضفي على شخصية المؤدي لمناسكه قدسية دينية, وتمتلئ نفسه بشحنة روحية, ففي الإحرام ولبس ثوبيه تدرك النفس التخلي عن المادة بألوانها الجذابة وأبعادها عن شهواتها ومألوفاتها, وكفها عن لذاتها وملذاتها لتسعد بالقرب من النور الإلهي حتى إذا أشرف على البيت الحرام أشرق عليه السرور الإلهي ودخلته البهجة الروحية شأن العاشقين إذا رأوا ديار المعشوقين, وعند ذا يلبي نداء ربه الكريم صارخا بالتلبية للطاعة لأرحم الراحمين قائلا (لبيك اللهم لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك لبيك) وبهذه التلبية تتجلى عبودية العبد لمولاه والانقياد لطاعة رب العباد بما منحه من حمده وأولاه من نعمه, ثم يسوقه المزيد من الشوق والعشق لذات مولاه المتحلية بالجمال والجلال والرحمة والحنان، فيطوف حول بيته بالعدد الميمون, ثم يصلي عند المقام لأن في الصلاة عروج منه إلى مقامه الكريم بعد أن طهرت منه الروح من شوائب الكبرياء والخيلاء والأدناس والأدران والابتعاد عن مفاتن الحياة بقلب سليم ملئه الوجد والشوق يستنجد لطف خالقه ومحبوبه الكريم وغفرانه من الذنب العظيم، متلمسا بذلك القرب من مولاه رب العالمين, والدنو إلى حظيرة مالك يوم الدين, محطماً بذلك كبريائه أمام جبروت الله, وسلطانه أمام قدرته وعظيم شأنه, ليكسب الفوز في النشأتين والسعادة في الدارين, وعندما تتلذذ نفسه بنشوة القرب والدنو من ساحة المحبوب لديه يقوى به العشق لأن يكرع بالرحيق المحبوب ومن بيده الملك والملكوت شأن الهائم الولهان بالسعي أمام البيت الحرام, حتى إذا امتلأ شعورا وأشرقت عليه بنورها القداسة الإلهية أعطى لنفسه الراحة وخلد لروحه المسكنة ثم يعود له الحب الشديد والعشق العظيم لذلك الجمال والجلال، فيخرج إلى الصحراء شأن الهائم الولهان متضرعاً لربه الرحمن, ومتوسلاً به في دفع كيد الشيطان فيعود لحماه وتكون كعبته غايته ومناه, مقدماً لمولاه أضحية عسى أن يحظى بالقرب إليه أكثر وأجدر فيأكد ولاءه لمن خلقه وسواه بالمحاربة لعدوه الشيطان الرجيم برجمة عدة مرات واللعنة له في أكثر الحالات, ثم بعد أن يتم سفره إلى خالقه ومكونه يعود إلى الارتباط بأهله وذويه يهنؤ نه على هذا العمل المجيد والسفر المبارك السعيد.

أسرار تشريع الحج

إن الحج عمل عبادي واجتماع إسلامي سامي في بيت الله وضيافته. يرمي إلى اجتماع عام في حشد سنوي ضخم يضم على صعيد واحد ذوي القدرة المادية والجسمية من مختلف الطوائف الإسلامية في إطار ديني تذكي فيه روح الأخوة ومشاعر المودة بالتخلي عن جميع الفوارق الطارئة والحواجز العارضة والتجرد عن كل ما يولد الإعجاب بالنفس ويثير فيها الزهو والخيلاء, قاضيا على كل الانقسامات مع وحدة في العمل واتحاد في الهدف والمظهر بلا تفوق لقومية على أخرى, ولا لإقليم على آخر, ولا لطبقة على أخرى. قد توجهوا نحو الرحمة المطلقة والانطلاق نحو الروحانية المجردة يستهدف الحجيج من مناسكه إذكاء الشعور الديني وبعث العواطف نحو مثلها العليا وتنوير الفكرة الإسلامية بأسمى مراميها وأوسع معانيها, ويتوخى من مشاعره تقوية وسائل التفاهم بين المسلمين لحل مشاكلهم وتوكيد صلات التآلف بين قلوبهم, وتوثيق عرى المودة الدينية والأخوة الإسلامية فيما بينهم للتعاون في سلوك النهج المستقيم، وليصبحوا كتلة متراصة في وجه المعتدين وظلم الظالمين. ويرام من شعائره إعداد العدة للتشاور والتعاون في منابع الثقافة والاكتساب بأموال التجارة, وعرض البضاعة والصناعة لتقوية سوقها والتوسعة في الاستفادة منها وتبادل المنافع بها إلى غير ذلك من
الفوائد الجليلة والمنافع العظيمة التي يلمسها ركب الحجيج عند الحج وبعده.

هذا وفي الحج السير نحو الله مع الاعتراف بأنه تعالى لا يحويه مكان ولا يحد وجوده زمان بالقصد لبيته العتيق الذي فضلّه على سائر بيوته, بجعل ما حوله حرما تعظيما له واحتراما لا يدخله الداخل إلا في إحرام وأمن وإيمان مؤكدا جلالة قدره بمنع الصيد وقطع الخلاف.

 

ألا وإن في هذا النحو من السير نحو الرحمة المطلقة بالتجرد لله من شوائب الخيلاء ومن مظاهر الكبرياء، في طهارة للنفس من الأدران والأدناس في جميع الحركات والسكنات، وإضعاف لسلطان القوة والشهوة بالامتناع عن الملذات يكون نوعاً من الترهب بأسمى أنواعه، وصنف من التصوف بأفضل أصنافه، وأحسن أوضاعه. إذ ليس فيه الانقطاع عن الخلق بالكلية الذي فيه مرارة الانعزال عن الناس طول الزمن والتوحش مدة العمر من مسرات المدنية وسكنى الوطن، فمن أراد الترهب والتصوف فليقم بهذا العمل المجيد فإن فيه المنى والأمل.

بَيدَ أن في الحج تقوى العبودية لله تعالى، فإن العبادة كلما بعدت عن ميل النفس لها، ولم يدرك العقل نفعها، تمحض إتيانها لأمر الله وتجرد الانقياد بها لإرادة الله، حيث لا يخالط الخضوع بها الحب لفعلها ولا يشترك في التقرب بها الميل لإتيانها. وهذا ما يوجب شدة الربط بذات الله المقدسة وقوة الانقطاع إليه. وفي الحج تلمس هذا الأمر فيه فإن فيه أعمالا وأفعالا  لا تأنس بها العقول ولا ترغب فيها الطباع، ولا تأمن بحسنها النفوس، كالسعي بين الصفا والمروة بالتكرار والوقوف بعرفات لآخر النهار, ورمي الجمرات بالأحجار، بخلاف الصلاة فإنها تشتمل على أقوال تنطلق الألسنة بها لتضمنها الدعاء والاستجداء لسلوك طريق الخير والهداية لصراط النعمة وهو ما تتطلبه النفوس بذاتها وتشتمل على أفعال وأعمال من ركوع وسجود وقيام تهواها الأفئدة لترويض عضلاتها وأعضائها، وبخلاف الزكاة فإن فيها العطف على الفقراء وسد الحاجات وهو مما تندفع له الطباع, وتميل إليه الذوات, ولذا نجد الإحسان على ذوي الحاجة حتى من أهل الكفر والضلالة, وبخلاف الصوم فإن أولي الألباب يحكمون بعظيم نفعه وحسن فعله لصحة الأبدان والوقاية من العلل والأسقام.

أما الحج فلا تدرك العقول الوقوف في عرفات منه الفائدة، ولا في الوقوف بالمشعر المصلحة، ولا في الرمي ولا في السعي الثمرة، ولا تميل لهذا ولا لذاك الطباع ولا ترغب النفوس لهنا وهناك فكان في العبودية أبلغ من غيره وفي الانقياد والطاعة أكثر من سواه.

كلمة في الجهاد وبواعثه في الشريعة الإسلامية

عوامل الجهاد في الإسلام ثلاثة:

العامل الأول: الجهاد لاعتناق ونشر الدعوة الإسلامية، وهو محاربة الكفار في عقر دارهم لرفع مستواهم في عالم العلم والعمل, والظاهر أن الآيات والروايات التي أخذ منها القتال في سبيل الله ناظرة لهذا النوع من الجهاد لأن الحرب إنما تكون في سبيل الله إذا كان المقصود منها رفع مستوى المحَارب - بفتح الحاء - دون النفع الشخصي للمحِارب - بكسر الراء - وإلا لكان الحرب في سبيل النفع الذاتي لا في سبيل الله تعالى, ويدل على وجوب هذا النوع من الجهاد على المسلمين الآيات الكريمة المتضافرة وقد جمعتها جمعا مستوفيا كتب آيات الأحكام للجزائري والآردبيلي والجصاص والفاضل المقداد وغيرهم، كما تدل عليه الأحاديث الشريفة المتعاضدة، وقد ذكرها العلماء في كتبهم الفقهية الاستدلالية, وفي كتب الحديث والرواية هي تدل بمنطوقها على وجوب جهاد اليهود حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية وهم صاغرون.

وقد يمنع من هذا النوع من الجهاد من ناحية الشرع وأخرى من ناحية العقل. أما المنع منه من ناحية الشرع فمن جهة الأدلة الدالة على حرمة إلقاء النفس في التهلكة ولأدلة (لا ضرر ولا ضرار). والجواب عن ذلك من حيث الصناعة واضح فإن هذه الأدلة عامة وأدلة الجهاد أخص منها, والخاص مقدم على العام ومن حيث منطق الواقع فإن الضرر والتهلكة في سبيل تحقق الصالح العام لا يمنع منه الإسلام, فالحدود قد شرعها الإسلام مع ما فيها من التهلكة والضرر لما فيها من المصلحة العامة من حفظ النفوس ومحاربة الجرائم.

 وأما المانع من الجهاد المذكور من ناحية العقل فقد ذكر بعض منقدي الإسلام أن هذا الجهاد يتركز على جعل السلطة والقوة على الغير وحرمانهم من أهم حقوقهم الطبيعية, فإنه يمنع من حرية الرأي في العقيدة الدينية والتصرف في مقدراتهم الحيوية. ولكن الذي ينظر في مشروعية هذا النوع من الجهاد وشرائطه والأهداف منه يرى أن هذا الادعاء لا مساس له بواقع الحال. فقد جاء الإسلام وفاجأ شعوباً خشنة الطباع لا يلمها نظام ولا تثقفها آداب, غصت بالمنازعات الشخصية متنافرة بالفوارق الاعتبارية فيها مصطلحات استأثرها شكل اجتماعها الفردي. اجتماع لا يقدم المرء فيه إلا قواه ومميزاته الخاصة به فجاء الإسلام واستعمل جميع طاقاته فهدم تقاليد الإلحاد, واستأصل العادات القبيحة, ونشر الآداب الحسنة وأراح تلك الشعوب من الاستبداد والاستعباد الذي أرهق العالم صعودا وجشمه كئودا, وخلصه من تقاليد لا يطاق حملها, وجردها عن عقائد تشبه الألغاز والأحاجي في إبهامها وغموضها, وهيأ الشعوب بجهاده المتواصل في أدوار جديدة لحياة سعيدة موفورة بالحرية والأمان بعد أن غلب عليها الشقاء وألبسها الحضارة بعد أن كانت بعيدة عن مفاهيم الناس بُعدْ الأرض عن السماء. ولولا الجهاد الذي قام به الأبطال الأشاوس والدماء التي أرخصت في سبيل الله لما ظفر العالم الإنساني بهذه الحضارة, فإن التأريخ يشهد أن الحضارة صارت بالإسلام, وانتقلت للغرب من المسلمين. وأني لأرى الموجه لهذا النقد المذكور على الإسلام والمسلمين الذين جاهدوا في سبيل الله نظير من يوجه النقد على مربي الطفل ومعلم العلم للجاهل.

 العامل الثاني: هو حفظ بيضة الإسلام من تعدي الكفار عليهم ودفع العداء عنهم. والواجب في هذا المقام أن حصل ما به الكفاية في رد المعتدين سقط الوجوب عن الباقين وإلاّ وجب على المسلمين كافة, فمن له القدرة على الدفاع كما هو واقع الحال في فلسطين. وهذا النوع مما حكم بوجوبه الشرع والعقل.

 أما الشرع فلقوله تعالى: [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ]. وقوله تعالى [فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ].

وأما العقل فلأنه حاكم بوجوب حفظ النفس ودفع الضرر عنها, ولا ريب أن عبث الأعداء بالمسلمين وتعديهم عليهم فيه أعظم الضرر والشر على نفوسهم, كيف وبه يحفظ استقلال الأمة وتحفظ كرامتها وتؤمن حريتها؟ وإنما كان الوجوب سبيل الكفاية لأن الغرض منه هو دفع الشر فإذا إندفع الشر، بالبعض حصل الغرض, وبحصوله يسقط الغرض. ولعل الواجبات التوصلية النوعية كلها من هذا القبيل. وهذا النوع من الجهاد مصاديقه البينة قضية فلسطين.

العامل الثالث: الجهاد لدفع الأعداء عن بلاد المسلمين وإخراجهم منها بعد التسلط عليها, وإصلاح بيضة الإسلام بعد كسرها وثلمها, والسعي في نجاة المسلمين من أيدي الطغاة المعتدين وهذا النوع من الجهاد من أبرز مظاهر أفراده قضية فلسطين. فقد فتكت اليهودية في بلاد الإسلام فتك الطاغية المستبد, وعانوا منهم آلآماً ثقيلة, وخلعوا عليهم أسمال الجدب, وظهرت بهم كلمة الباطل, وانهار صرح الإيمان. فإنا لله وإنا إليه راجعون, ولا حول  ولا قوة إلا بالله. وقد أفتى جدنا الأعلى الشيخ جعفر كاشف الغطاء ( قدس سره ) بأن هذا الجهاد أفضل أنواع الجهاد, وأعظم وسائل القرب لرب العباد. ويدل على وجوبه ما دل على وجوب النوع الثاني من الجهاد, وفي هذه الأنواع الثلاثة كما يجب على المسلمين يجب على أولياء أمرهم أن يجندوا الجنود ويهيئوا ما به الكفاية من العتاد والسلاح لضرب الأعداء ولو بالأخذ من أموال المسلمين بقدر ما به الحاجة لفحوى قوله تعالى:[ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ].

وعلى المسلمين وولاتهم إذا لم يكونوا فقهاء أن يراجعوا فقهاء المسلمين في هذه الأنواع الثلاثة للجهاد حتى لا يكون عملهم وحكمهم على خلاف حكم الله(عز وجل ), فقد دلت الآيات الشريفة على كفر من يحكم بخلاف ما أنزل الله تعالى. وبهذا يتجلى لنا أن على كل مسلم من مشارق الأرض أو غربها وجوب الجهاد عليه في هذه الكارثة العظمى والطامة الكبرى التي أصابت المسلمين في فلسطين لتوافر عوامل وجوب الجهاد الثلاثة فيها.نعم فرق فقهاؤنا في أحكام هذه الأنواع من جهات عديدة:

 أحدها: إنهم اشترطوا في النوع الأول من الجهاد حضور النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أو من يقوم مقامه وأخذ الإذن منه بذلك.

وأما النوع الثاني والثالث فأوجبوا الجهاد فيهما على كل من له القابلية على تدبير الحرب وجمع الجيوش وأوجبوا على المسلمين طاعته.

ثانيها: أنه في النوع الأول يشترط في المكلف بالجهاد أن لا يكون مريضا مرضا كالعمى والعرج ولا عبدا لأنه لا يملك نفسه.

وقد روي أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد, ولا فقيرا عاجزا عن النفقة مع عدم الباذل لقوله تعالى: [وَلا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ].

ولا خنثى ولا عليه واجب يعارض عملية الجهاد كالدين المطالب به فعلا, وكالنفقة الواجبة, وكالحج الواجب وإطاعة الوالدين, ولا يشترط في النوعين الأخرين ذلك، فإن الجهاد واجب فيهما على كل قادر على النصرة من قريب أو بعيد وجوباً كفائياً لا يسقط إلا إذا قام من به الكفاية على دفع الأعداء.

ثالثها: أنه لا يجوز التخلف عن الهدنة والأمان والصلح والعهد, ولا الاحتيال بالكذب والتزوير في النوع الأول ويجوز في النوعين الأخيرين إذا قوي الكفار وخيف الضرر.

رابعها: أنه يشترط في النوع الأول عدم زيادة الكفار على الضعف أو على عشرة أمثالهم وليس في النوعين الأخيرين تحديد إلا بالقدرة وعدمها.

خامسها: أنه لا يجوز في الأول في الأشهر الحرم بخلاف النوعين الأخيرين حيث تكون الحرب مع من لا يرى حرمتها.

سادسها: يختص الوجوب في النوع الأول، بمرة واحدة في السنة بخلاف النوعين الأخيرين.

سابعها: لزوم الدعاء للإسلام قبل محاربتهم في النوع الأول فإن أبوا وامتنعوا حوربوا, ولا يلزم ذلك في باقي الأنواع .

ثامنها: ليس لولي الأمر أن يأخذ أموال المسلمين قهراً للتوصل بها إلى الغرض المطلوب في النوع الأول وله في النوعين الأخيرين أن يتناول من الأموال إذا لم يكن عنده ما يقوم بكفاية ما يحتاجه الجيش من المؤونة في صد العدو, بل يجوز صرف الصدقات كزكاة المال وزكاة الفطرة وما به رد المظالم. وفي0 ضوء ما ذكرنا جميعاً يتجلى لكم أن الجهاد بالنفس والنفيس محتم على كل مسلم في شرق الأرض وغربها من دون فرق بين العربي وغيره في قضية فلسطين لتوافر النوعين الأخيرين فيها موضوعاً وشرطا. وأني لأمل من مؤتمر البحوث الذي أخذ على عاتقه أن يعالج القضايا الإسلامية أن يتخذ خطوة إيجابية تعد أولى في هذا الموقف في ضوء ما ذكرناه من فتوى العلماء الأعلام فيوجب على كل مسلم ذكرا كان أو أنثى دفع مقدار من المال لا يقل عن (جنيه) مرة في كل سنة والطلب على سبيل التحتيم من رؤساء المسلمين وملوكهم إلزام رعيتهم بذلك، ويدعم هذا المطلب بالحكم على كل مسلم رئيسا كان أو مرؤوسا لا ينفذ هذا الطلب مقاطعة المسلمين له بأقصى أنواع المقاطعة, فلا يسلم عليه ولا يتعامل معه ولا يزوج ولا يشيع إلى غير ذلك, وأني لمستعد أن أنفذ هذا القرار فأدفع عني وعن أهل بيتي, وأني لأعتقد أن هذا الطريق هو أقرب الطرق وأنجحها في جمع المال للجهاد لتمكن كل مسلم منه. ثم بعد هذا يعين المؤتمر من يرى فيه الأهلية والقابلية والكفاءة لقيادة الجيش الذي تقر به عيوننا, وتنتعش به ضمائرنا. وفي عقيدتي سيلبي الطلب سائر المسلمين الذين تتركز فيهم العقيدة الدينية في أقطار العالم كافة فإنهم على أتم استعداد لتلبية دعوة الجهاد.

ثم أن هناك أنواعا أخر من القتال السائغ أو الواجب بحسب الشرع يطلق عليها اسم الدفاع ولا تندرج على سبيل الحقيقة تحت اسم الجهاد وهي أقسام:

أحدها: البغاة بالمعنى الأعم، وهم فئة من المسلمين خرجت عن طاعة ولي أمر المسلمين العادل سواء كانوا قطاع طرق للمسلمين أو مكفرين للمسلمين لشبهة لديهم ومستحلين منهم ما يستحل المسلمون من الكفار المحاربين, أو خارجين للاستقلال بالحكم دون التكفير, أو كانوا معتدين على قوم من المسلمين ولم يقبلوا بالصلح معهم، فإنه يجب قتال المعتدين وقد يخص اسم الخوارج بالقسم الثاني, والبغاة بالقسم الثالث والرابع. وأما قطاع الطرق فحكمهم معلوم وكيف كان فالأصل في ذلك هو قوله تعالى :[ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ].

ثانيها: المهاجم الذي يريد التعدي على النفس أو العرض أو المال, فإنه يجوز للمعتدى عليه القتال معه لدفعه عن نفسه أو ماله أو عرضه ولا يلزم الاستئذان من ولي الأمر.

 

ثالثها: الجيش إذا عين ولي الأمر رجلاً للجهاد وجب عليه طاعته وحرم عليه التخلف عنه, وإذا لم يعين لم يجب عليه إلاّ على الكفاية فإذا كان به الكفاية سقط الوجوب عنه, وإذا دهم العدو المسلمين من يخشى منه على النفس أو العرض أو المال فيجب الجهاد على كل قادر عليه، ولا يجوز لأحد التخلف إلاّ مع الحاجة إليه كحفظ المكان أو العرض أو المال، وإذا احتيج إلى إخراج النساء للمداواة ونحوها من الصالح جاز. فقد أخرج رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) في حروبه من نساء الأنصار،ويجوز الاستعانة بأهل الذمة بل وبالمشركين إذا آمن منهم فإن رسول الله( صلى الله عليه وآله وسلم ) استعان بصفوان بن أمية على حرب هوازن قبل إسلامه.

وأما قوله تعالى : [وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدً ] فهو إنما يقتضي
عدم الاستعانة بالمضلين وفرض الكلام في من هو مأمون منه فلا يكون مضلا وعلى آمر الجيش أن يتحرز أشد التحرز ممن يخذل الجيش ويثبطهم عن الجهاد أو يعين على التجسس عليهم أو يحدث الفتن بينهم, وإخراج النبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) عبد الله بن أبي، معه مع ظهور التخذيل منه إنما كان للتحرز من شره لو بقي, ولإطلاع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالوحي على أفعاله فلا يتضرر بكيده.

رابعاً: الرباط ويلحق بالجهاد الرباط وهو الإقامة عند الثغر للتحفظ من العدو, وعلى المرابطين أن يمنعوا الأعداء من الدخول إلى دار الإسلام ويعلموا المسلمين بأحوالهم، فإن قاتلهم الأعداء جاز لهم مقاتلتهم لدفعهم عنهم وعن بيضة الإسلام .

ما يتعلق بالحرب وأطوارها

لما كانت الحرب من الأعمال الجليلة ذات الأهمية الكبرى التي تتركز عليها سعادة الأمة وشقاؤها كان اللازم وجود ولي المسلمين المحنك فيها الذي يحسن الإدارة للجيش, وله البصيرة والخبرة بطرق النجاح فيها،وله من المسكنة والعصمة ما يمنعه من الإغراء بفواتن الحياة ومباهج الملذات عن تدبير شؤون الفوز والظفر, وعلى المقاتلين أن يسمعوا قوله ويطيعوا أمره ولا يدخلوا الحرب إلاّ بعد أن يخبرهم ولا يضعوا أوزارها إلا بعد أن يأذن لهم، ولا يجوز لهم الفرار إذا التقى الصفان وتقابل الجمعان إلاّ لمصلحة هناك لا يشوبها الضرر. وتجوز الخدعة في الحرب فقد روي
عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (أن الحرب خدعة) وقد أفتى جدنا الأعلى
كاشف الغطاء بجواز استعمال آلات اللهو واللعب والغناء وسائر الآلات المشجعة للناس إذا توقف عليها تنظيم الجيش وقطع دابر الأعداء .

وأفتى بكفاية التكبيرة الواحدة عن الركعة وقت القتال إذا لم يتمكن المقاتل من أداء الصلاة بأجزائها وشرائطها، وأفتى بجواز لبس ما يحرم لبسه في الصلاة من حرير و ذهب حيث يتوقف الجهاد على اللبس, وأفتى بوجوب إعانة العلماء لولي المسلمين بالوعظ ونحوه ولو قصروا عزروا.

أسباب الاعتصام

الأول: هو بذله الجزية لولي المسلمين بمقدار ما يعينه ولي المسلمين لحفظ نفوسهم وأعراضهم وأموالهم, وهي واجبة على كل كتابي يقيم في دار الإسلام في كل عام لقوله تعالى: [حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ] ولا جزية على الأطفال والنساء والمجانين, ولا تقبل إلا من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى دون غيرهم من الكفار كالملحدين وكعبدة الأوثان والنيران ويشترط في لزومها الانقياد لقضاء الشرع وعدم التجاهر بالحرمات.

الثاني: الإقرار بالشهادتين فإنه يحقن به الدم والمال والعرض قبل الاستيلاء, وبعده بها الدم فقط ولكنه يدخل في الملك هو وماله.

الثالث: الأمان وهو ترك القتال إجابة لسؤال الكفار بالإمهال، وهو إنما يصح مع اعتبار المصلحة للمسلمين, وقد يجب إذا ترتب على تركه الفساد.

الرابع: الصلح بأن يقع الصلح بين المسلمين وبين الكفار فيما كان المصلحة في ذلك، ولا يقع الصلح من غير ولي المسلمين إذ ليس حكمه حكم الأمان.

الخامس: المهادنة وهي البناء على ترك الحرب والجدال والمبارزة إلى مدة معلومة بعوض أو بغير عوض, وهي إنما تصح إذا كانت في مصلحة المسلمين.وتفصيل ذلك وتنقيحه يطلب من كتب الفقه.

 

كلمة في ميلاد الرسول الكريم (  صلى الله عليه وآله وسلم )

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

أيها الجمع المتجه نحو الله واللائذ بضريح سيد الأوصياء تكلأكم العناية الربانية أنىّ أحللتم وحللتم, وترعاكم الألطاف الإلهية أنى اتجهتم وتوجهتم, ويحدوكم اليمن والسعادة أنى سررتم وأسررتم.في هذا اليوم السعيد المبارك تشرق علينا شمس الهداية, ويظهر فيه الحق المبين ويجود علينا رب العالمين بنبينا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) سيد المرسلين ليخرج للعالم الإنساني من فم الدهر المظلم مستقبلا زاهيا زاهرا تطفح ضفتاه بالهناء والسعادة والخير والبركة [وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ].

لقد بدأت نفس النبي الكريم بالدعوة الإسلامية عندما هبط عليه الوحي بميثاق النبوة، فصدع بالرسالة الإلهية وفاجأ بها شعباً خشن الطباع لا يلمه نظام ولا تثقفه آداب غصّ بالمنازعات الدينية متفارق بالفوارق الإقليمية, فيه مصطلحات استأثرها شكل اجتماعه الفردي, ذلك الذي لا يمتاز عن أسراب الحيوان وقطعانه إلا بمميزات طفيفة, اجتماع لا يكتنف الفرد فيه إلا قواه ومميزاته الشخصية, فاستمال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) تلك الجماهير بفاضل الخلال وبالمثل العليا من بليغ المقال العابقة بالأماني الزكية والمنورة بألوان الأحلام الذهبية, ثم ما فتئ الأمر حتى تعاكست أنوار الإسلام النفوس واستعبرت به المدارك والعقول, يختال بأنظمته القيمة وأصوله الكاملة الحقب والأزمان حتى أصبح ومن وراءه شعب حار, مؤمن بعقائده مندفع بمبادئه لا تأخذه فيها لومة لائم, ولا يهاب في الدفاع عن مبادئه سطوة جبّار غاشم, فأزال ممالك الشرك وهدم تقاليد الإلحاد,واستأصل العادات القبيحة, ونشر الآداب الحسنة,وركز الاخاء في الروح و التعاون على الخير و الصدق في القول و العمل التي تحيى بها الإنسانية وتزدهر بإشراقها البشرية ،وقلب وضع العالم رأسا على عقب, وناهيك به من انقلاب زعزع أركان دولتي الروم وفارس، وأراح الشعوب من الاستبداد والاستعباد الذي أرهق العالم صعودا وجشمه كؤداً, خلصه من تقاليد ثقيلة لا يطاق حملها, وجرّده من عقائد تشبه الألغاز والأحاجي في إبهامها وغموضها, وهيأ الشعوب للدخول في أدوار جديدة من حياة سعيدة موفورة بالحرية بعد أن غلب عليه الشقاء, وألبسها الحضارة بعد أن كانت بعيدة عن مفاهيم الناس بعد الأرض عن السماء.ما نراه اليوم من النهضة المستمرة في عالمي العلم والعمل حتى إنك لا تجد نظرية تأسست بعقول راجحة وأدمغة ناضجة يكون لها الأثر القيم في تطور الحياة البشرية وترقيها في مدارج الكمال إلا وهي صدى آية من آيات الكتاب المجيد أو حديث من الأحاديث الشريفة للنبي الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هذه صفحة من تأريخ رسولنا الأعظم, وما أنتجه التمسك بمبادئه في مطاولة هذه الأمة للأمم الراقية حتى خاطبت السحاب ( أينما تمطري فأنت في ملكي ), وإذ نحتفل في هذا اليوم المجيد بذكرى ولادة نبينا الكريم فإنما نستلهم من هذه الذكرى دروسا وعبراً لنهضة جديدة تتركز على تلك المبادئ التي استنار بأشعتها الغزاة الفاتحون ونستمد منها إيمانا يدفعنا نحو مدارج المجد والسؤدد, فإنها الفائدة المنشودة من الذكرى والتاريخ, وما التاريخ إلا تجارب قام بها الماضون واستفاد بها الحاضرون, وما الماضي إلا مرآة تنطبع بها صور المستقبل ننظر فيها لنستقبل الدهر بخبرة وبصيرة وعسى عمن قريب يتجلى القصطل, ويعيد التاريخ نفسه. (اللهم يا الله يا الله يا الله صلي وسلم على محمد وآله كما حمل وحيك وبلغ رسالتك وعلم كتابك, وصلي وسلم على محمد وآله كما رفعت به الشقاء وكشفت به الغماء ونجيتنا به من البلاء, وصلي وسلم على محمد وآله كما رحمت به البلاد وقصمت يد الجبابرة وأهلكت به الفراعنة, وكسرت به الأصنام, أفضل ما صليت على أحد من أنبيائك يا رب العالمين).

 

كلمة أخرى في ميلاد الرسول الأعظم( صلى الله عليه وآله وسلم )

لقد مضى على الإنسانية حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا يتسكع في ديجور ظلام دامس لا يستبين طريقا لأمانيه يهديه للحق المبين, ولا يهتدي السبيل لما يسعده لأهدافها البعيدة في مقاصد في رفع مستواه، تضمره ظلمات الجهل وتعصف به عواطف الفقر, فأتحفهم الله بميلاد الرسول الأعظم باعثا به روح اليقظة والوعي وداعيا للإنعتاق من الجهل وإنقاذهم مما لصق بهم خلال القرون المظلمة من أوهام وجمود, فكشف لهم ما أنطوت عليه الإنسانية من القيم العليا والمحاسن المثلى, ووسع آفاق التفكير لتفهم العالم الإنساني فهما صحيحا يرمي إلى تكوين مجتمع واعي ناضج صاحب الولاية الكبرى والرسالة العامة المتصف بأوصاف الكمال بأعلى وجوهها وأسمى أنواعها, قد بلغت معجزاته ما يزيد بنيف على ألف, وما يزال ينتقل نوره من أصلاب طاهرة إلى أرحام مطهرة حتى إذا أشرق بنوره العالم منذ اكتمل فتوته كجبل المطلع نزاعاً إلى العليا بدأ ينسج خيوطه فراح يلتف حوله ذويه ثم راح يجتمع بأشياخ قومه [بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ].

شخصيته الفخمة والمنهل العذب الذي نهل من رحيقه المختوم. ألفاظه أطرب جرسها الأسماع وجاهد وكافح وقارع ليتغلب على الجهل والخرافات فخاض غمار المطامع لرفع الأنانية, ووقف في وجه كل عاطفة هوجاء تقضي على أنوار الإنسانية والحياة محرراً بذلك الشعوب وألبسها الحضارة فكان صوته يدوي في شعاب مكة المكرمة والمدينة المنورة وما حولها من الأعراب.

كلمة في مولد الإمام علي ( عليه السلام )

اللهم إليك يصعد الكلم الطيب ويرفع العمل الصالح, ألاَّ وإنَّ من أسمى الكلم الطيب يا رب، كلم يخص مولانا أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) أخو ريحانة رسول الله ببلاغة منطقية وروعة فكرية هي ألذ للسمع من مزامير داود وترجيعة معبد.

ما عسى أن يتكلم الإنسان وينطلق اللسان عن المشاعر المتزاحمة التي غصت بها القلوب بهذا الاحتفال العظيم مولد سيدنا ومولانا الإمام علي  عليه السلام  , فإنه قد جاء مترجما للفكر الإسلامي السامي والعقيدة الدينية الصحيحة والوطنية العربية الحقة, وشارحاً لطموحات الإنسان نحو الفضيلة والتضحية في سبيل العز والشرف والكرامة والعمل الصالح, ومؤكدا على تعزيز الروابط بين القوى الروحية والقوى الوطنية وهو أسمى ما تتمناه النفوس الحرة الطيبة, فإن من خير الخير التام الحركات التقدمية بالطاقات الدينية فكيف لا والدين الإسلامي ما شرع إلا لصالح الإنسانية وإخراجها من الظلمات إلى النور في سائر ميادين الحياة بكل متطلباتها, وواصل مساعيه بما منح من إمكانيات وطاقات للقضاء على الاستعباد والاستبداد, واستخدام كافة الوسائل الكفيلة لتحقيق متطلبات الحياة والظفر بأسمى الأهداف والغايات.

ألاَّ وإنه ليس مجازفة في القول ولا تغالياً في الرأي ولا تعصباً للعقيدة إذا قلنا إن ذكرى أبطال الإسلام والسراة العظماء تنبت شجرة طيبة تؤتي أكلها بإذن ربها في كل حين وزمان, كما أن شرح سيرهم وسلوكهم يوضح لنا أن القادة إذا أحسنوا القيادة وكانت محكمة ومحنكة لم تقف في وجوههم العواصف الطاغوتية ولا الزوابع الناسوتية, ومن لم يؤمن بذلك فسيعلم نبأه بعد حين.

بوركتم يا أيها المحتفلون مظفرين وقائدين منتصرين للإسلام والعرب بما قدمتم لأبطال التأريخ والمجد الإسلامي ولسراة التاريخ العربي من ذكرى قيمة جديرة بأن تكتب بأحرف من نور على وجنات ربات الخدود تضيء الدرب للشعب للوصول لأهدافه في الحياة السعيدة والكرامة لحياتهم المشرقة بالأماني الذهبية والآمال العسجدية.

 

كلمة في ميلاد الإمام الحسين ( عليه السلام  )

أيها الملأ الصالح:

إننا في هذه الساعة من هذا اليوم نعيش في أعظم ذكرى نعتز بها ونسعد بروحانيتها في كل عام مرة ذكرى ميلاد سيد الشهداء ( عليه السلام  ) وعيد إشراقه على وجه هذه الأرض بشرى للناس ورحمة.

إلاَّ وإنَّ أقصى ما يبلغه الإنسان في هذا المقام أن يشير إلى المحل الأسمى لشخصية الإمام الحسين ( عليه السلام  ) والمحك الأسنى لذاته المقدسة فقد جاء مولده ( عليه السلام  ) بشيراً بميلاد الصمود في وجه الطغيان في الأيام السود, وباستهلال الخير الذي طال أنتظاره وباسترداد القيم العليا بعد الهوان إلى مكانتها المثلى، فقد نهض ( عليه السلام  ) عندما أنتهز الأقوياء فرص الجهالة والضلال, فاستعبدوا الشعوب واستبدوا بالقلوب والعقول, وأستحلوا لشهواتهم ومنافعهم خيرات الأرض والسماء حتى ضجت الأرض مما تنوء به من شر وبغي وضلال وطغيان , فقاومهم بما يملك من نفس ونفيس معلنا القول:

ان كان دين محمد
 

 

لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني
 

 

دفاعاً عن الحق وحماية للوطن يريد الناس بذلك صحة العقيدة ويردهم لصواب الدين, ويسموا بهم إلى الشريعة الحنيفة السمحة التي دعا لها جده الرسول الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم  ) فكان ذلك غربلة وتمحيصا للمؤمنين, وتنقية لصفوف المسلمين استعدادا لما قدره الله تعالى بعدها من بدء مرحلة جديدة تبتدأ بالجهاد ممن كان للناس إماما وللحق منارا, وتنتهي بالنصر الكامل لبناء جيل جديد يتصف بواقع الحياة يخوض معركة قاسية مريرة ضد طغمة عاصية لئيمة أقتحمت كل الأسوار للعبودية العمياء, وحطمت القيود التي غل بها الأحرار مبددا بذلك سحب الظلم والظلام الذي خيم على رجال الأمة الكرام, ولا يفوتنا القول بأن هذا الحفل الكريم الذي يحتضن كرام الأمة يكون دعوة لإصلاح المجتمع الإنساني ومحاربة للأوضاع الفاسدة ليصبح مجتمعا مثاليا قد وطدت فيه روابط الإخاء والنضال والصمود لنيل الظفر بالأمل المنشود. وستبقى ثورة الحسين ( عليه السلام  ) نبراسا لكل المناضلين وشجرة للمخلصين ما بقي الدهر وما تطور الزمن والسلام.

كلمة في ميلاد الأمام الحسين ( عليه السلام )

السلام عليكم تحية زاكية مباركة تشع بالأنوار القدسية والألطاف الإلهية وإذا حييناكم فإنما نحيكم بكل ما في صدورنا من تقدير واحترام. وبكل ما في قلوبنا من مشاعر واحساس بهذا الاحتفال بميلاد سيد الكونين سيد الشهداء عليه أفضل التحيات والسلام.

يمر اليوم بالأقطار الإسلامية ظرف عصيب ووقت رهيب يقطع فيه أصعب المراحل الخطيرة الحرجة في تأريخنا الحديث وحياتنا الجديدة, فالصراع قائم بين الأمم الكبيرة, والحق تطغى عليه القوة وعلى الأماني المنايا, وعلى الكنايات النكبات وشبح الموت والدمار يرفرف على العالم كله, وأبطال الحرب ومديرو دفتيها يوالون الاجتماعات إثر الاجتماعات ويعقدون المؤتمرات إثر المؤتمرات لإضرام البشرية بنار لا يسهل إخمادها, وإثارة فتنة صماء يصعب الخروج منها تذهل فيها كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس فيها سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد, وعجلة الزمن تجد السير وتسرع الخطا دون أن تفسح لنا في الأجل, وتوسع علينا في الأمد, فحري بنا أن نتماسك تماسكا لا تمسه لفحة الانحلال, ونتضافر تضافراً لا تحله مشكلات الأهوال لنخرج من وسط هذه المعمعة العالمية وقد ربحنا الصفقة ونلنا الأمل وبلغنا الغاية بطمأنينة وسلام, ونبت لنا من كل زوج بهيج ألا وإن عراق اليوم بفضل لولب جهازه وزيت سراجه كان في ذلك كله ابن جلاها إذا جد الحد وطلاع ثناياها إذا بلغت الأحداث الحد

قوم إذا الشر أبدى ناجذيه لهم
 

 

طاروا إليه زرافات ووحـدانا
 

 

 وقد لمست في بها ليلهم وغطا رفتهم قول الشاعر:

أما إذا اشتد الزحام
ألفيت حول بيوتنــا
للقى العدى بيض السيوف
هذا وهذا دأبنا

 

 

وناب خطب وأدلهم
عدد الشجاعة والكرم
وللـنـدى حــمـر الـنـعـم
يودى دم ويراق دم

 

 

أيها المخلصون أيها السائحون أيها العابدون أيها المؤمنون أيها المصلحون إن شق عصا الأمة وآلفت في عرى وحدتها الذي لاكته بعض الألسن, وسالت به الأقلام المستأجرة, وطلع به قرن الشيطان نافجاً حضينه بين نيله ومعتلفه قد انفجر به بركان هائل يقذف علينا بحمم كأنها جمالة صقر يتطاير شررها من هنا وهناك, وأنساب ثعبانه ينهش بأنيابه بهمم الرجال وفرسان العرب, وأحدث حربا شعواء أساغة اللقمة للأسد المفترس وأجرضها في أشداق الإسلام والعروبة.

وإنا إذ نحتفل بميلاد هذا القبس الإلهي والنور السماوي الذي لا يزال يشع نوره على شاطئ الأبدية والخلود فليس معناه شرح الماضي فإن الماضي مشرق بنوره الو ضاء وصحيفته البيضاء ولا لبيان صلاتنا الروحية به فإن الصلة توضحها الأيام وحوادث الأزمان، فأي فؤاد لا يهواه, وأي قلب لا يحب شخص علياه, ولا لإظهار البهجة والفرح بمولده الكريم فإن البهجة والسرور لا تتناسب مع ما منيت به الأقطار الإسلامية العربية من تفكك العرى وتقطع الأوصال, وفي كل ناحية مأتم تشق به الغيد أزرارها هذه فلسطين تستصرخكم وهذه لبنان تستنجد كم وهذه إرتريا تستنهضكم إلى غير ذلك مما لا يتسع الوقت لذكره ولا يستحضر الفكر لإسمه. وإنما نحتفل بذكراه صلوات الله وسلامه عليه لنستلهم من ذكراه العظات والعبر, ولنشق بها الطريق نحو النور الساطع والحق المبين, ولنخرج به الإنسان من الظلمات إلى النور لتستفيد به الأمة ويستنجد به عند الملمة تذكو فيه روح الإصلاح والصلاح منعقد بالسعادة والفلاح.

كلمة في ميلاد الإمام الحسين ( عليه السلام  )

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

أيها الجمع الكريم:

حياكم الله بلطفه ورعاكم بعنايته إنه ولي ذلك. إنّ النفس لتمتلىء بهجة ومسرة, عندما يشع عليها إشراق محيا الكون بولادة سيد شباب أهل الجنة ويمتلئْ القلب طربا وفرحا إذا ما ملا على مسرح الفكر وليد حجر النبوة يلتقم ثدي الطاهرة الزكية أمه فاطمة الزهراء(I).

وتندك رواسي الهموم والغموم عندما تنطبع على مرآة الخيال صورته ( عليه السلام  ) يحمله جده رسول الله(  صلى الله عليه وآله وسلم  ) يكبر في إحدى أذنيه ويقيم في الأخرى.

وكيف لا وهو صلوات الله وسلامه عليه المنهل العذب إذا اشتدَّ الضمأ, والدوحة الميمونة المباركة التي يستظل بها إذا قوي لفح الهجير.

وباعث الحياة الإسلامية كلما عصفت بالإسلام عواصف الضلال والإلحاد, أو دهمته جيوش الطغاة والعتاة وهو الشخصية الخصبة التي لا تزيدها طوال الأزمان والدهور إلا جلاء وروعة شأن الجواهر الثمينة التي كلما تقادم العهد بها برزت وضاءة لماعة.

نعم هو والله الشخصية الفذة التي غيرت مجرى الحياة, وحولت سير التاريخ, والنشيد الحلو الذي يغرد به من فوق منبر الدهر ما دامت الإنسانية في عالم الحياة. وإنا إذ نحتفل بذكراه بهذه الحلة الجميلة التي تفتتن بها المناظر فليس معناه هو شرح الماضي, فإن الماضي قد عرفه الكل والجميع بواقعه المضيء اللماع ولا لبيان صلتنا الروحية بصاحب الذكرى ( عليه السلام  ) فإن الصلة قد أوضحتها وقائع الأيام وحوادث الزمان, ولا لبيان البهجة والسرور بميلاده الكريم, فإن البهجة والسرور لا تتناسب مع ما نحن فيه من تفكك العرى وتمزق الأوصال وإراقة دماء المسلمين.

ففــي كـل ناحيــة مأتـم                             تشــق بهــا الغيــد أزرارهـا

وما زاد في الطنبور نغمة أن مقاييس الحياة الدينية أصبحت منوطة بالمادة الفتانة حيث يقاس كل شيء بفائدته المادية المباشرة لا بمكانته المعنوية السامية, حقا أن أعيادنا جديرة بأن تكون لنا مأتم وأفراحنا أحزان ومصائب, فلسنا نحتفل بذكراه ( عليه السلام  ) لهذا ولا لذاك وإنما نحتفل بذكراه لنستلهم منها العظات والعبر, ونشق منها الطريق المستقيم نحو النور الساطع والحق المبين فإنهما البناء لصرح الحضارة الحرة الجديرة بالخلود, ولنيل الغايات المنشودة وتفهما بأن العقيدة الدينية يسعد بها المنال والمآل وتصديقا لقوله تعالى [فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا] والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

كلمة أخرى في ميلاد الإمام الحسين ( عليه السلام )

أيها الملأ الصالح المتجه نحو الله تكلؤكم العناية الربانية وترعاكم الألطاف الإلهية ويحدوكم اليمن والسعادة.

شاء الله أن يتحف العالم الإسلامي في هذا اليوم المبارك بولادة شبل حيدر وأن يعز العالم الإنساني بأكرم مولود لأكرم والد في أكرم مغرس وأحسن معرس, وتربى في أحضان النبوة والإمامة, ورضع من ثدي الإيمان ونشأ في حجر الإسلام والرسالة.

طلعة سعيدة للقضاء على الشقاء, وتحفة ملكوتية أشرقت بنورها الظلماء, وشرف باذخ تعالى قدره وتجاوز المدى الأقصى فخره. ياله من مولود أحيا الشريعة النبوية بعدما كادت تطمس آثارها, وأقام القواعد الإسلامية بعدما أوشكت تنكدر معالمها, وأخرجها من مخالب أهل الضلال بعد أن عصفت في أجوائها مختلفات الأهواء وزعزعت أركانها عواصف العواطف في سائر الأرجاء. فحري بالنجف الأشرف وهي العاصمة الدينية الكبرى أن تقيم الاحتفالات العامة بميلاده سلام الله عليه.

أيها المؤمنون إن العقيدة الدينية قد قويت في النفوس بنهضته الجبارة, وفي تركيزها فوائد لا تحصى والمجموع الإنساني بأطواره خسارة ،أما خسارة الفرد فلشعوره بأن حياته وما يحيطها أمر محدود يفنى بفناء الزمن وهذا ما يجعله أن ينظر لحاضره بعين الأسى والأسف ولمستقبله بعين الهلع والجزع حيث لا أمل يترجى بعد الموت ولا حلم له يتحقق بعد الحياة وأما خسارة البيت حيث تصبح لا ثقة متبادلة بينهم فيخامره الشك في زوجه ونسله وعامله, ويسايره الخوف على نفسه وماله فإن التربية مهما بلغت لا تستطيع أن تمنع النفس عن شهواتها وميولها إن وجدت لتنفيذها السبيل. وقد نقل لي أحد علماء النصارى في مؤتمر بحمدون أن العلاقة الودية بين الأباء والأولاد تكاد تنعدم في البيوت التي تفقد الوعي الديني لشك الأباء بأبنائهم والأبناء بآبائهم, وإنه شاهد أحد الرجال لم يرَ ابنه اثني عشر سنة مع قرب في الجوار وعدم بعد الدار.

وأما خسارة المجموع فهو أمر لا يحتاج إلى بيان حيث تتحكم فيه الميول والأهواء فتستباح عصمة أدبية إذا اقتضتها الشهوة, وتفعل كل جريمة أخلاقية إذا تعلقت بها الرغبة, وما النزاع في عصرنا الحاضر القائم بين الأمم الكبيرة الذي يكاد أن يضرم البشرية بنار يلتهب فيها اليابس والأخضر إلاّ نتيجة لفقدان الوعي الديني وعدم الشعور بالمسؤولية فيما بعد الموت, ولعل أحسن برهان على نفع العقيدة الدينية للإنسان هو أنك لو فتحت دفاتر الإجرام في المحاكم المدنية في سائر الدول الكبرى والصغرى لما وجدت من المتدينين واحدا من الألف, وهذا أول دليل على أن التربية الدينية من خير ما تعرض على الأقوام البشرية ففقدان الوعي الديني يشكل خطرا على البشرية, وهذا ما دعا سيد الشهداء أن يرخص النفس والنفيس في سبيل تحقق العقيدة الدينية الصحيحة لما في ذلك من السعادة والهناء. هذا وأني لأرى من الواجب أن أتقدم في كلمتي هذه بالشكر الجزيل والثناء الجميل لخطباء المنبر حفظهم الله تعالى حيث أن لهم اليد الطولى في نشرهم المعارف الإلهية والأحكام الدينية وتركيز القيم الأخلاقية، وكم كان بودي أن أعد من جمعهم وأحشر في زمرتهم يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فجدير بنا أن نستلهم من ذكراه المآثر الحسنة من التضحية في سبيلا المبدأ المقدس والفناء في سبيل الحق التي يسعد بها المنال والمئال ونستوحي من بطولته دروسا وعبرا نقتبس بها الهداية لما فيه الإصلاح والصلاح.

 

كلمة في ذكرى استشهاد أبي الشهداء

بسم اله الرحمن الرحيم

الله أكبر ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, وحيث أن الجدير بالذكر في أيام هذا الشهر المحرم, هو ذكرى مأساة أبي الضيم ( عليه السلام ) وما نستلهمه من موقفه المشرف في عصر تبلبلت فيه الأفكار، وطغى الجشع المادي فيه على الحق المبين. في تلك الغمرة العالمية من الاضطراب، وفي ذلك الوقت الرهيب من القلق الذي ساد العالم الإسلامي، وفي ذلك الظرف من التسابق بين الفئات التي لم يستحكم الإيمان في قلوبها للظفر بمغانم المجد والجلوس على دست الحكم, كان يعز على أبي الشهداء أبي الضيم أن يقف مكتوف اليد ينظر إلى انهيار ما شيده جده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأبوه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) والصحابة المجاهدون من إخراج العالم الإنساني بطابع إسلامي في قالب بديع الصنع والانتظام على ممر الدهور والأيام.

يعز على أبي الضيم ( عليه السلام ) أن تكون الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس بفضل التضحيات من سرات رجال الدين الحنيف أن تصبح تسودها اللامبالاة واللامسؤولية تتخبط في بحر من الشلل والفساد، وترزح تحت كابوس الاستعباد من أهل الاستبداد. يخبت أنفاسها الدينية، ويشل قواها الروحية، وتقف عن السير نحو مغانم المجد والسؤدد.

هذا ما حدا بأبي الضيم أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) أن ينتفض فيشمر عن ساعدي الجد ليتدارك الأمر ويتلافى سوء المغبة مع المخلصين من أبناء أمته في عملية الإنقاذ والإصلاح, فوقف ( عليه السلام ) في تلك الغمرة عالما بالمغبة عارفا بالمصير بقلب راسخ كالطود الأشم صارخا ( بأن الدين إذا لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني) وقف ( عليه السلام ) وورائه جيش من خير ما أظلت الخضراء وأقلت الغبراء رغم قلة عددهم وعديدهم بقلوب قد التاطت بها العقيدة الدينية وآمنت بالرسالة الإلهية تاركة في سبيل الله مباهج الحياة الدنيوية والمسرات المادية، فزحف ( عليه السلام ) بذلك الموكب الذي تحيطه سرادق النبوة وأنوار الإمامة, زحف ( عليه السلام ) مع أولئك الأفذاذ من رجال الله الصالحين لإعادة دور الحياة الحرة الآمنة من جديد، للقضاء على الفوضى والتشويش، وبعثها ثورة زعزعت بناء المعتدين وزلزلت حصون العابثين. يستهدف( عليه السلام ) بذلك بناء مجتمع سليم من المآسي والمساوئ والآفات منزهاً من الأباطيل والعاهات, متجرعاً من الغصص والمحن ما لا يترك الإبل على مثله مضحياً بنفسه ونفيسه وبنيه وصحبه في سبيل إعلاء كلمة الله والدعوة لدينه الحنيف تضحية هزت العالم الإسلامي وجددت التاريخ، تلمس في أعماقها وجوانبها مجداً وشرفاً وهداية للحق وبداية للسعادة، تلمس فيها الدين والعقيدة لأداء الواجب المقدس والقيم الإنسانية بمثلها العليا، تضحية جعلت العدو يفقد رشده وصوابه حتى أصبح يتخبط في دم سيد الشهداء, ويغرق في بحر من دماء السادة الصلحاء حتى حدى بذلك العدو الحد أن يستبيح المدينة المنورة ثم يحاصر البيت الحرام ويقذفه بحجارة المنجنيق.

هذه صفحة من ثورة أبي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) وهناك صفحات أخرى لامعة مشرقة، لعل الله يوفقنا لعرضها المرة بعد الأخرى, والله من وراء القصد, وهو لا يضيع أجر من أحسن عملا.

كلمة في يوم استشهاد الإمام جعفر الصادق(  عليه السلام )

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الركب المتجه نحو الله تعالى, واللائذ بقبر أمير المؤمنين ( عليه السلام ) سيد أوصيائه.

إذا مرّ علينا هذا اليوم من كل سنة يذكرنا بأعظم حادث تأريخي، وحوادث التأريخ العظيمة كثيرة لا تحصى فقد مني الإسلام والعرب فيه بخسارة علمية ودينية عالية تكاد تنفطر من أجلها السماوات وتنشق من أجلها الأرضون وتندك من جرائها الجبال الرواسي, وهي خسارة إمامنا صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الكرام, نتيجة للجهل والطغيان نتيجة للعبودية للمادة العمياء والشيطان وقد صارع ذلك الزمن المشؤوم, وقطع أصعب مراحله دون أن تخرسه الخطوب والصدمات من الدعوة للمبادئ الإسلامية الحقة أو يسكنه غضب السلطة الزمنية عن نشر المعارف الإلهية الصحيحة أو تغريه (وحاشاه) فواتن الحياة المادية عن أن يؤدي رسالته السرمدية على الوجه الأكمل.

هذا إمامنا جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) ولنا الفخر بإمامته ولنا العزة بمذهبه وطريقته, فقد نهل من معين مدرسته حتى اليوم فطاحل العلم وأبطال الفضيلة ولقد درست الفلسفة ودرستها فوجدت رأيه ( عليه السلام ) كالشمس تخفى دونها الكواكب.

 

وقرأت الفقه بمذاهبه الخمسة, فرأيت أنه البحر والباقي روافده وسواقيه وإلاَّ فنهر جاف وأرض يابسة, وقرأت الأديان السماوية بدقة وإتقان وأطلعت على مذاهبها واتصلت برجالاتها وعلمائها فرأيت ما لمذهبه من الصحة والمطابقة لمقتضيات العقل والعلم والفن ما لا تبلغه البقية مقدار مفحص قطاة. ولكن ويا للأسف هذه النجف الأشرف التي هي أعظم عاصمة دينية لمبادئ الإمام جعفر الصادق ( عليه السلام ) مربض جده أسد الله علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) قد أصابتها فتنة خرساء تغشى سحائبها أطراف البلاد الإسلامية ولقطها المستعمرون هنا وهناك دخانا أصابت البصر والبصائر أخرست هذه البلدة المقدسة والتربة الطيبة عن ركب الحياة, وصاروا أتباعا بعد أن كانوا سادة, ورعاة بعد أن كانوا أئمة فيا لرهبة الموقف وسوء المنقلب إنها والله خسارة الأمس وفقدان الأمل بالمستقبل أين رجالكم؟ أين قادتكم ؟ أين أبطالكم؟.

اللهم إليك المشتكى وعليك المعول في الشدة والرخاء فقد اضطهدت الفكرة وحوزبت الدعوة ولعبت بنا الأهواء وتحكمت بنا الشهوات.

أيها الركب السائر نحو الله والمتمسك بلواء بيت رسول الله. يمينا غموس لقد أنذرتكم غير مرة أن أعداء الدين وعبدة المادة العمياء قد أعدوا لكم ما استطاعوا لإستئصالكم, وقرروا المناهج والأساليب للعبث بعقائدكم, ودسوا الدسائس ليجعلوكم أيدي سبا وطرائق قددا لا يحفظ لكم من الكرامة الدينية إلاَّ تأريخها, ولا من العقيدة الإلهية إلا اسمها فأنتم في أمس الحاجة إلى أيدي عاملة لا يشل حركتها الزمن, وعقول راجحة تسبر الوضع على الوجه الأكمل, ونفوس قوية تذلل كل عقبة كؤود لتوحيد الرأي والعمل. ففي النجف الأشرف مسقط رؤوسكم ثروة علمية وافرة ويخشى عما قريب ضياعها وفيها التراث الديني الموجه للنفوس أحسن توجيه وهو الآن يلفظ النفس الأخير, وفيها العبقرية الوقادة من النمط الأعلى وكاد الوضع الحافز المتفسخ يقضي عليها. وأخذت أصابع الشيطان والسياسة تعبث بكل حركة ترمي لإصلاح الوسط العلمي الديني في هذه المدينة المقدسة , فعليكم وعليكم أن لا تصغوا لصرخات الضلال المحلاق بإبراد الصلاح, فكم وكم مزج السم بالدسم, وكم وكم سلك الشيطان مسالك التقوى للقضاء على أهل التقوى وبالختام استنجد لطف الله لي ولكم.

في المآتم الحسينية

أيها الجمع الكريم الذي ترك الأهل والوطن للزيارة والتعزية لأبي عبد الله الحسين( عليه السلام )[سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى]([19]).

مضت فترة من الزمن الأول وكانت فاجعة الطف تقام ذكرياتها في أندية خاصة بين جماعات مخصوصين. ومنذ تطلع قادة الإسلام إلى ما في ذكريات هذه الحادثة من ثمرات تبعث في نفوس المسلمين الجهاد في سبيل الحق والنضال لنيل المثل العليا وإن أفنى ذلك النفس والأهل والمال. وتفهيم القيم الروحية للدين الإسلامي التي بها يسعد الحال ويحسن المال وتمجيد العترة الطاهرة التي بولائها تقبل الأعمال.

فأنشئوا هذه المواكب والمآتم الحسينية لتكن أداة صالحة تعمل لخدمة المسلمين على ضوء الولاء لأهل البيت( عليه السلام ) جمع صفوفهم على بساط واحد لإزالة الفوارق الجنسية واتفاق كلمتهم على رأي نافع ليشق لهم من فم الدهر مستقبلا زاهياً زاخراً وتوضيح أهدافهم لإخوانهم ليتعاونوا في الحياة حتى يتحقق لهم مع ممر الدهر جهاز كامل قد ارتبطت به أمتهم برابط العاطفة والفكر والمصلحة المشتركة. هذا نور من أشعة الذكرى لشبل حيدر( عليه السلام ) وعلى هداه أوجه الكلمات التالية لإخواني المؤمنين وفقني الله تعالى وإياهم لمرضاته مستنجداً لطفه وعنايته عز أسمه لي ولهم فإنه ولي التوفيق والعاقبة للمتقين.

التعاطف بين المواكب

أن يكون بين المواكب الحسينية تعاطف وحنان وإلاَّ كانت النتيجة ضد الفائدة المقصودة منها، وكان القيام بها سيراً للغاية نبعد به عن الغاية فإن الفائدة منها هو تكتيل الرأي العالم الإسلامي وإكمال تكوينه، بحيث ينتج منه ما يوحد بينهم الكلمة ويؤكد فيهم الأخوة. والتخاصم بين المواكب في المكان والوقت والمسابقة بالخروج والمروق عن حدود النظام ونحوها يكون فتاً في عضد الوحدة وهدماً لجمع الكلمة وهذا ما يسخط أبي الضيم سيد الشهداء( عليه السلام ) ويحقق الأماني والآمال للأعداء وينكشف به ما كان مخبأ من تفسخ في الأخلاق وتباين في التفكير وأنانية في معالجة القضايا العامة وضعف في الإيمان والعقيدة وبعد في تفهم حقيقة القيم الروحية التي تتكون عليها المدنية الفاضلة. ولعله يرجع بالآخرة إلى الكفر وعدم الإيمان برسالة الحسين( عليه السلام )   المقدسة. فاجعلوا أيها الزائرين أنفسكم كما تريدون لا كما يريده أعدائكم.

الكلمـة الثامنـة

تنزيه الكلمات

 

أن تكون الهتافات التي تنطلق بها ألسنتكم والأهازيج التي ترددها جماعاتكم والقصائد الشعرية التي تنشدها شعرائكم والكلمات النثرية التي تلقيها خطبائكم مشبعة بروح الإيمان والتقوى حاملة للرسالة الحسينية للجماهير المستمعة على الوجه الأكمل ناشدة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داعية للحق والخير بحيث يقفل الجميع وهم على أيمان أقوى وعقيدة إسلامية أسمى.

الكلمـة التاسعـة

التزاور بين الزائرين

أن يحصل التزاور بينكم لتبادل المعرفة وتأكيد أواصر الأخوة ففي الخبر الشريف عن أبي عبد الله( عليه السلام ) قال: (تزاوروا فإن في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكر لأحاديثنا وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم وهلكتم فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم)([20]).

وعن أبي الحسن( عليه السلام ) قال: (ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض)([21]). وعن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (الزيارة تنبت المودة وزر غباً تزدد حباً)([22]). وعن أبي عبدالله( عليه السلام )قال: (لزيارة مؤمن في الله خير من عتق عشر رقاب مؤمنات ومن عتق رقبة مؤمنة وقى الله(عز وجل )  بكل عضو عضواً من النار)([23])، وعن أبي جعفر( عليه السلام )وأبي عبد الله( عليه السلام ) قالا: (أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفاً بحقه كتب الله له بكل خطوة حسنة ورفعت له درجة فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجه ثم باهى بهما الملائكة فيقول انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا في حق على أن لا أعذبهما بالنار بعد ذا الموقف فإذا انصرف شيعه ملائكة بعدد نفسه وخطاه وكلامه يحفظونه عن بلاء الدنيا وبواثق الآخرة إلى مثل تلك الليلة من قابل فإن مات فيما بينهما عفى عن الحساب)([24]).

الكلمـة العاشـرة

 يوم زيارة الأربعين

إن الميزان في تعيين اليوم لهذه الزيارة الشريفة، هو ما كان أربعيناً بعد شهادته( عليه السلام ) بأن تحسب الأيام بعد يوم عاشوراء. فما كان يوم الأربعين منها في صفر فهو يوم الزيارة سواء كان شهر محرم ناقصاً أو تاماً، وعليه فلا يضر الشك في أول يوم من صفر في تعيين يوم هذه الزيارة لأن الأخبار الواردة عن الأئمة الأطهار ( عليه السلام ) في شأن الزيارة كلها بلسان الأربعين. ففي خبر العسكري( عليه السلام )  قال: (قد عدّ من علامات المؤمن زيارة الأربعين)([25])، وفي خبر صفوان بن مهران الجمال قال: (قال لي مولاي الصادق( عليه السلام )في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار)([26])، وليس في الأحاديث الواردة عنهم ( عليه السلام ) ما يخصها بغير ذلك. نعم: روى الشهيد ( رحمه الله ) عن عطا قال: (كنت مع جابر يوم العشرين من صفر فلما وصلنا الغاضرية اغتسل …إلى اخره). وهو ليس برواية عن إمام، وإنما رواية لفعل جابر ( رحمه الله ) ولعله كان يوم العشرين في ذلك الوقت هو يوم الأربعين بعد عاشوراء والله ولي التوفيق.

 

 

كلمة في ذكرى ميثم التمار(رضي الله عنه )          

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الملأ الصالح لا زلتم في رواق من المجد والرفعة ينعشكم اللطف الإلهي وتحيطكم العناية الربانية وترعاكم الرعاية العلوية وأنتم في دعة وسلام.

إن هذه الظاهرة التي جادت بها أنفسكم إزاء الطغيان الأموي والعدوان الإلحادي في ذكرى ميثم التمار تلميذ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) لجديرة بالشكر والثناء, وحَرِيَّة بالإحسان والجزاء لا من المؤمنين فحسب بل من رب العالمين ومالك يوم الجزاء والدين إذ قد أحييتم بها بطلا من أبطال التضحية في سبيل الواجب, وبطلا من أبطال العلم والمعرفة بالله تعالى، وبطلا من أبطال الإيمان والعقيدة وأنى لنا بمثل ميثم، الشخصية التي تضاءلت جميع قوى الجبروت والسلطان إزاء إيمانها, انهارت جميع مظاهر العظمة والكبرياء إزاء عقيدتهــا، فلــم تخرسها الطمع بالحياة ولم تحد من نشاطه السلطة العمياء الهوجاء، وكأني به ( رحمه الله ) ورحمنا ينشد هذه الآية الكريمة [قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ].

 

يا شيعة علي :

إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم. لا تغبط البلاد ولا تتنافس بتراثها المادي ولا بجمالها الطبيعي ولا بطيب هوائها ولا بعذوبة مائها, إنما تغبط وتفاخر بما وراء ذلك بما تحتكره من سمو فكري وعظمة أدبية وبطولة علمية وإخلاص في القول والعمل, إنما تغبط بأولئك النفر إضراب كميل وأمثاله، ممن لا تستخفهم الموهومات الأرضية واللذات الوهمية. أحرار لم تأسرهم فواتن الدنيا ولم تسلب عقيدتهم سواحر الحياة قد أسلموا وجوههم لخالقها لا يخافون بطش جبّار ولا سطوة ظالم غاشم, داعون إلى سبيل الله لا يفترون ولا يملون ولا يجبنون, الجسوم آدمية ولكن الأخلاق والمزايا ملائكية قد وسع الناس حلمهم وعلمهم واتسع للشمل صدورهم ووجوههم فقراء ولكن تستجدي الملوك منهم عطفا, حلماء ولكن ترتعد العتاة من عملهم خيرا هؤلاء هم العظماء الذين يتخذون ولاة للأمر حيث برهنت أفعالهم على صدق أقوالهم وجاءت الحوادث شاهدة على ادعائهم وللنفوس أن تضع ثقتها في أموالها وأرواحها وأعراضها بأيديهم, فإن صلتهم المستمرة بالعالم العلوي تمنعهم عن الخروج عن قوانين العدل, وخوفهم من العذاب يحجبهم عن اقتراف الجريمة وزهدهم في الدنيا لا يجعل للذتها سلطانا عليهم.

كلمة في الذكرى السنوية الأولى لوفاة 

آية الله العظمى المصلح

الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء

بسم الله الرحمن الرحيم

جاء في الحديث الشريف : (إذا مات العالم ثلمت في الإسلام ثلمة لا يسدها شيء).

وقد وجدنا مصداق هذه الحكمة النبوية في فقيد الإسلام الحجة الإمام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء, فإن خسارته لم تعوض. لقد فقده الإسلام عامة والنجف خاصة, وما زلنا نحس بفراغ من فقده, أجل لقد انتقل إلى حضيرة القدس الأب الروحي لعموم المسلمين. ففقد النجف مصلحاً عظيماً هز المشاعر بقلمه وأرهب الباطل بصولته, وبعث الوعي في النفوس بيراعه. لقد عادت تلك الروح الطاهرة إلى الملأ الأعلى فانطفأت تلك الشعلة الوهاجة, وسكت ذلك القلب الكبير, وهدأت تلك الشخصية الفذة. لقد رحل عن هذا العالم المتعب بعد أن ترك آثاره الصالحة, وقدم خدماته الطيبة, وناضل بلسانه وقلمه, وجاهد جهادا ملأ الآفاق دويا حتى توفاه الله تعالى واستجاب لدعوة ربه, وهو نقي الصفحة طاهر الذيل, محمود السيرة طيب السريرة, لقد قال رحمه الله (ليس الشريف إلا أن يكدح الإنسان في معركة الحياة, والشريف من يخدم أمته خدمة تخلد ذكره، وتوجب عليهم في شريعة التكافؤ شكره).

لقد كان الفقيد صورة صادقة لأقواله هذه, فقد عاش ثمانين عاما، كلها علم وعمل وكفاح ونضال في سبيل الله والأمة والوطن يؤلف ويصنف ويدرس ويخطب ويهذب, وإنك لتقرأه من وراء رحلاته المباركة إلى مصر وبيروت والقدس والباكستان وإيران, ومن وراء مؤلفاته الحية التي سارت مسير النور في الظلام فهذا كتابه (أصل الشيع وأصولها) خدم به كل فرد من أفراد الطائفة خدمة تذكر فتشكر, فقد طبع هذا الأثر الخالد عشر مرات وانتشر في العالم الإسلامي وغيره وترجم إلى عدة لغات, وهذا كتابه (الدين ولإسلام) خدم به الإسلام والمسلمين إلى ما هنالك من مؤلفاته التي تربو عن الثمانين في مختلف العلوم.

هذا هو كاشف الغطاء في ذمة كل مسلم هذه الشخصية اللامعة,ففي مثل هذا الشهر ومثل هذا الأسبوع في اليوم المصادف (18) ذي القعدة ودع هذه الحياة مأسوفا عليه,[ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ].

                                         صدق الله العلي العظيم

 

كلمة في تأبين استاذنا آية الله العظمى

 الشيخ كاظم الشيرازي

وكَمْ صور لي شخصه الكريم ذكرى محاسن الفضيلة بأعلى مستواها, والنبوغ العلمي بأقصى حدوده فتمثل أمامي آية من آيات الله العظمى, وخزانة من خزائنه الكبرى قد أودع فيها خفايا أسراره ومكنوناته, وحط بها ثقل شرائع أنبيائه ورسله ووصيه في وسط قد كثرت فيه العلماء المفكرون وقام النضال العلمي بينهم على قدم وساق حتى أصبحت المسألة الواحدة فيها من الآراء والأنظار ما لا يكاد يعلم حده إلاّ الله.

امتازت مدينة النجف الأشرف, والتي نشأ فيها المؤلف بدقة الرأي وغور الفكر فلا قناعة إلا بحجة ولا هداية إلا ببرهان, والعظمة العلمية لا تنال فيها إلا بثاقب الفكر, والزعامة الدينية لا يحضى بها إلا نافذ البصيرة بعد الكد والتعب والسهر والعناء في معرفة النظريات الأصولية من مآخذها والإطلاع على المسائل اللغوية من مصادرها حيث باب الاجتهاد مفتوح والرأي له قيمته العلمية والنبوغ العلمي في هذا الوسط لا يثبت بالامتحان على النهج المعروف, ولا بالشهادة التي هي صك ضمان المستقبل فيه, وإنما تعرف الفضيلة بالمطارحات وكثرة التدريس, وسعة التأليف, والبراعة في رد الفروع إلى الأصول, والغور في الأعماق والطمس في الأعراق والظفر بالدر في الأصداف, والمرتبة الأخيرة فيه هي مرتبة الاجتهاد لا تنال بغير الكفاءة الحقيقة والمعرفة المستمدة من الحجة والبرهان, وعليه أن يجمع بعد ذلك الصفات الكريمة والسجايا الطيبة مؤهلات الخلافة الإلهية ومزايا الشريعة المحمدية, وقد برع شيخنا( رحمه الله ) الشيخ كاظم الشيرازي في هذا الوسط بما يحتكره من سمو الفكر وبطولة العلم, فالتف حوله أفاضل رجال الدين الذين يرشفون من معين مدرسته, ويهتدون بمصابيح قدسه. قد انصرفوا للاستفادة منه, والتحصيل على يديه فكان لهم تحفة ملكوتية, ورسالة سماوية هبطت عليهم بأريج المعرفة, ودلتهم على الصواب بآراء قيمة تدعمها الحجج البالغة, وبنظريات مبتكرة تسندها الأدلة البينة بأسلوب سهل المأخذ, ومنقطع النظير. فكان( رحمه الله ) يطرح المسألة العلمية, ويوضح جهات النظر, ويطلب من التلميذ رأيه فيها بعد أن يذكي فيه روح الاستطلاع, وأيده من عنده مهما أمكنه ذلك, ثم يشرح رأيه مبين فساد رأي الباقين فيها فيخرج التلميذ وهو مجتهد فيها على أساس علمي, وتفكير منطقي, لا يشوبه شك, ولا تصرعه شبهة. وكنت من حضر عنده مدة من الزمن تتجاوز الاثنى عشر سنة في علمي الأصول والفقة في أوقات ثلاثة فوجدت فيه من غزارة العلم, ومن سعة الإطلاع منتهاها, وأدهشني تلذذه بالنقاش العلمي على ضوء الكتاب والسنة مهما طالت المدة واتسع نطاق البحث دون ملل ولا سأم, وشاهدت نواديه حتى ما عقده منها لتسلية نفسه وترويح خاطره لا تنفك عن المذاكرة في مهمات المطالب, والمحاورة في أغمض المسائل. ورأيت كثيرا من رجالات العلم إذا أشكل عليهم الأمر وأعياهم فهمه أموا بيته فحل لهم عقدة, وأوضح لهم مشتبهه, وأعطاهم من الجواب أصوبه, ومن القول أحسنه, وقد أنضاف إلى ذلك كله تحليه بالأخلاق الكريمة, والسجايا الفاضلة, وحنانه على طلاب العلوم الدينية, وعطفه العظيم عليهم. فكان ما جمعه من هذا وذاك هو المدعاة إلى أولي البصائر من رجال العلم أن يعتصموا به, ويرجعوا إليه وجعل رجال الدين أن يتمسكوا به في معرفة أحكام رب العالمين ويأخذون منه معالم الدين. وأصبح مرجعا عاما من مراجعهم وحبلا متصلا بينهم وبين الله.   

 

كلمة يوم الغدير في مسجد الخضرة

بسم الله الرحمن الرحيم

أيها الجمع الكريم :

حياكم اللطف الإلهي بأبهى تحية تمتزج بقدسية من اجتمعنا لأجله في هذا الوقت الشريف في هذه البقعة المباركة من جانب الطور الأيمن.

يمر علينا هذا العيد المبارك, عيد جلجل فيه صوت الحق في سماء العالم الإسلامي بعد أن أدت ركائب الحجيج واجبها الديني, فهتف بولاية مولانا أسد الله الغالب أمير المؤمنين, وأكمل بها الوحي الإلهي دين الله القويم, فكان أعظم الأعياد يمنا ونوالا في سائر أنحاءه ونواحيه وأعلاها شرفا ومقاما في أيامه ولياليه وأكثرها بهجة وسرورا للمتمسكين بالثقلين, وأوفرها غبطة وحبورا لمن والى أبا الحسنين.

قد أقبلت به الدنيا بجوامع الخيرات, وبشرت بيناته ببلوغ المقاصد والغايات, واستقبل العالم الإسلامي به عهدا جديدا لو دانوا له لتوالت النعم الوافرة عليهم, ولفّرَّ الشر بسطوته وسلطانه من بين أيديهم, ولسطعت - والله - بنورها الوهاج شموس السعادة وللبست الأمة الإسلامية تيجان الفخر والسيادة فيكون لكلمتهم القدح المعلى مادام الدهر, ويقبضون على دفتي الحكم بيد من حديد مامرّ الزمن.

إنا لله وإنا إليه راجعون آه  آه لكنها فتنة خرساء بلبلت الأفكار في مستقرها, وأذهلت العقول عن رشدها ومرشدها, وضيعت عليها العهد الذي عهده رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مثل هذا اليوم العظيم في الوقت المبارك الكريم حتى أصبحت الأمة تخبط في عشواء, وتعيش في طخية عمياء يهرم فيها الكبير, ويشيب فيها الصغير, ويكدح فيها المؤمن حتى يلقى ربه, قد قذفت من جراء ذلك معضلات الحوادث هذه الأمة على شفا جرف هار, وعصفت في أجوائها سكائك مختلفات الأهواء, وزعزعت أركانها عواصف العواطف في سائر الأرجاء, وجرت في أنحائها متلاطمات أمواج الفتن وقواصف المحن والإحن, كل ذلك إنما كان وقد صار من حرمان أسد الله الغالب عن عرينه واغتصاب الحق عن أهله وقرينه حتى انتهت بنا الأحوال إلى هذه الأدوار, فصرنا بين ذلك الماضي المؤلم المؤسف والمستقبل المحزن المظلم فننظر إلى أمسنا بعين الأسى والأسف ونلتفت إلى مستقبلنا بعين الخوف والجزع .

ولما شربناها ودبّ دبيبها

إلى موضع الأسرار قلت لها قفي

 

اللهم يا الله يا الله إليك المشتكى وعليك المعول في الشدة والرخاء وإليك الملجأ في المبدأ والمنتهى، نعوذ بك يا ربنا من الفتن العمياء والحوادث الخرساء ومبرحات الشدائد ومعضلات المكائد بحق من اجتمعنا لأجله مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ).

خطبة بعد صلاة عيد الأضحى المبارك

بسم الله الرحمن الرحيم

     أيتها الأمة المسلمة: حييتم بأبهى تحية تمتزج باللطف الإلهي والعناية الربانية, وإذا حييتكم فإنما أحيي قلوبا يقظة وعواطف نبيلة ونفوسا طاهرة تجشمت العناء والتعب في سبيل إعلاء كلمة الله والدعوة لدينه.

إن تركيز الدين ضروري للمجموعة الإنسانية على حد ضرورة نشر المعارف فيها, بل يزيد عليها بمراتب كثيرة بل أكثر لما في انتشار وتفشي الإلحادية من خسارة الفرد والعائلة والمجتمع, أما خسارة الفرد فلشعوره بأن حياته وما يحيطها أمر محدود يفنى بفناء الدهر, وينقضي بانقضاء الزمن. وهذا ما يجعله في حزن وكمد عند التفاته لذلك, وفي أسف وتألم عند إدراكه محدودية حياته, بل تصبح نفسه ضعيفة أمام محن الأيام وطوارق الزمان، فلا يتحمل أبسط الحوادث المؤلمة وأقل الوقائع المزعجة. بخلاف المؤمن بربه المتمسك بدينه، فإنه تضعف نظره الحوادث بمقدار قوة إيمانه وشدة عقيدته, وإني وجدت الكثير ممن آمن بالله لو فقد عزيزه كان كمن سافر عزيزه عنه ويلتقي به بعد حين, وإذا حل به البلاء آنس نفسه بما يناله في الآخرة من الجزاء, وهوَّن عليها الخطب يوم الحساب يوم الأجر والثواب.

 وأما خسارة العائلة فهو لا يأمن على عرضه ولا على نفسه ولا على ماله من أهل بيته عند فقدهم العقيدة الدينية فإن سلطان الشهوة لا يقهره شيء, لا شرف النفس ولا حسن التربية، إذا وجد الخير وخلى له الوقت إلاَّ تمركز العقيدة بالله, والحوادث التاريخية أول دليل على ذلك فقد شهد الكثير منها أن البيت الذي يفقد الوعي الديني تتحكم اللذات الحيوانية بمقدراته, وتكون المادة هي المقياس في حياته. وإذ ذاك تنعدم الثقة حتى في أهم أركانه، فلا أمان لصاحبه بزوجته ولا لزوجته الأمان منه, ولا ثقة له بذويه, ولا ثقة لذويه به, كما لا يطمئن على حياته فيما لو اقتضت الميول البيتية القضاء عليها ولا يأخذه القرار على ماله, ولا على ما في يده فيما لو أراد البيت غصبها من عنده أو سرقتها منه, ولنا على ذلك شواهد سجلها التأريخ, وقضايا دونتها المحاكم المدنية. وعند ذلك ينهار البيت ويزول الحنان والتعاطف من بين يديه, ويصبح صاحبه في شقاء مستمر، وذويه في خشية وخوف دائم وسرعان ما ينحل الإخاء ويذهب الولاء.

 

وأما خسارة المجموع فهي لا تحتاج إلى بيان حيث تزول بانعدام القيم الدينية كل صفة إنسانية كمالية عن النفوس, وتتحكم فيها الأهواء والرغبات فلا صدق في اللهجة, ولا أمان في المعاملة, ولا إخلاص في العمل. وتصبح الأمة بين أمرين أما بهائم خرساء في قبضة سائقها وآلة صماء في يد عاملها لا تملك من أمرها شيئاً, وأما تخبط في عشواء, وتعيش في طخية عمياء تعصف في أجوائها مختلفات الأهواء, وتهب في أرجائها  الفتن الخرساء. ألاَّ وإن فقدان الوعي الديني في وسطنا الاجتماعي في هذا اليوم أوجب أن تصبح في ظرف عصيب ووقت رهيب تقطع فيه أصعب المراحل الخطيرة في تاريخنا الحديث فالصراع قائم بين الأمم الكبيرة. والحق تطغى عليه القوة وعلى الأماني المنايا، وشبح الموت والفناء يرفرف على العالم كله، وأبطال الحرب ومديرو دفتها يوالون الاجتماعات إثر الاجتماعات ويعقدون المؤتمرات إثر المؤتمرات لإضرام البشرية بنار لا يسهل إخمادها، وإثارة فتنة صماء يصعب الخروج منها.

كلمة في عيد الأضحى

يحتفل العالم الإسلامي بعيد الأضحى الذي يبرز المسلم فيه تقديره للدين وأحترامه لمشاعر شريعة سيد المرسلين, وتتجلى فيه قدرته على المساهمة في بناء المجتمع الإسلامي السليم القادر على المواجهة للمشاكل التي تعترض أوطانهم. والدين الإسلامي كما وصفه العلماء المحنكون ليس الغرض منه مجرد أعمال وطقوس دينية, بل الغاية التي يتوخى هي السعي المستمر لرفع مستوى حياة الإنسان في عالمي العلم والعمل, وتفجير طاقاته وتطوير إمكانياته وضمان مشاركته الفعالة في جهود الإنماء والإنتاج والسير نحو المثل العليا بعناية هائلة ومجهود غير عادي.

كلمته في الاحتفال بالعيد في كر بلاء

يعد هذا الاجتماع ذا أهمية استثنائية في الظروف الراهنة التي تمر بها الشعوب الإسلامية في تيارات هوجاء, وقد جاءت التهنئة بهذا العيد لتوكيد دور العراق المتعاظم في دعم حركة التضامن بين القوى الدينية ضد المؤامرات الإلحادية، ومن أجل الاستقلال الوطني التام والتقدم في سائر ميادين الحياة. والواقع أن ما نشهده من أحداث مثيرة تتجلى فيها هستريا الماديين التي أعاقتهم عملية التحرر الوطني والتقدم الاجتماعي يتطلب اليوم بذل أقصى الجهود في التضامن بين الشعوب الإسلامية في حركتها التقدية, ففي كل ناحية مؤامرة خطيرة واسعة تستهدف توجيه ضربة كبيرة لكل حركة تحريرية، وفي كل منطقة يحاول العدو إحكام سيطرته عليها برمتها, ويواصل مساعيه في تدعيم وجوده والاستحواذ على ثرواتها ونهبها والقضاء على استقلالها وإذا كانت بعض البلدان الإسلامية قد أحرزت خلال الأعوام الماضية انتصارات كبيرة بإحراز الاستقلال الوطني, وتوطيد النظام التقدمي, وتحقيق إنجازات ثورية عديدة، فإن ذلك يتطلب المزيد من الوحدة والتضامن بين سائر الشعوب الإسلامية وحركاتها التحررية للحفاظ على المكاسب المحرزة ومواصلة دك قلاع العدو، فإن حقده جراء الهزائم التي أصيب بها مما يجعله أن يتخذ المزيد من قواه الشريرة الشرسة لتوجيه الضربة تلو الأخرى.

ومما لا شك فيه أن هذا الاجتماع سيؤدي مهمته في زيادة توطيد التضامن وتقوية النضال وحماية استقلال الدولة التي تتعرض للهجمات ودعم تطلعاتها التقدمية.

 

كلمة في خدمة الدين للإنسان

بسم الله الرحمن الرحيم

إن للإنسان بشكله الفردي أو شكله الاجتماعي مهما بلغ من درجات الرقي والكمال حب اللذات واستئثار بفواتن الحياة, وهذا الحب وإن جرَّ للإنسان الخير وجعله طالباً للسعادة والهناء إلاَّ أنه لا يزال يدفعه للتغلب على الغير والسيطرة على مقدرات الحياة, فتجد الفرد يسابق الآخر ليكسب المغنم لنفسه دون غيره, وتجد الأمة تطاول الأخرى لتفوز بالفائدة لذاتها دون غيرها, وما الصراع القائم بين الأمم في هذا الزمن الذي كاد أن يضرم البشرية بنار يفنى فيها الصغير والكبير, ويلتهب بها اليابس والأخضر إلا نتيجة لحب الأمم لذاتها, ولا تستطيع أشد القوانين المدنية الصارمة مهما صقلتها العقول أن تقف دون هذه الغدة النفسية التي لازالت تفرز أشد الويلات على البشرية ما لم يكن الرادع فطريا مثلها يغزوها في وكرها, ويقضي عليها في مستقرها وليس هو إلا الفطرة الدينية المتركزة في النفوس, فإنها هي التي تصرعها في مغرسها وتسيرها نحو سعادة البشرية وخيرها, وإن كثيرا من الملحدين قد أدركوا هذه الحاجة للوازع والرادع ولكن روحهم الإلحادية لا تتركهم يتدانون للحق فيعترفون إن غير الدين لا يمكن أن يكون رادعا لتلك الغريزة الحيوانية وليست أحكام الحقوق وقواعد الأخلاق كافية لدوام نظام المجتمع، والحالة إن الإنسان مفطور على حب نفسه وإيثارها على غيره, ولا يتحاشى عن أضرار الناس ما رأى نفسه بعيدة عن مراقبة القانون ما لم يشعر بمراقبة غيبية تطلع على مستسر سره ومكنونات نفسه أينما وجد وأينما حل، وهذا لا يتوافر ما لم نحي به الغريزة الدينية والإيمان بالمراقبة الإلهية والخوف الشديد من التجاوز على شريعته الدينية.

ولعل أحسن شاهد نقيمه على ذلك هو أنك لو فتحت دفاتر الجرائم في محاكم العدل في سائر الدول الكبيرة والصغيرة لا تجد في المجرمين من المؤمنين واحدا من ألف وهذا الاستقراء أول دليل على محاربة العاطفة الدينية لأسباب الإجرام وموجباته, ألا وإن عدم إدراك الشعوب للقيم الروحية وعدم التفات حكوماتها لمحاسن الثقافة الدينية, جعلها بعيدة عن هذه الناحية, فسنت قوانين صارمة وفتحت مدارس جامعة لو أنفقت البعض من ذلك في إضافة الثقافة.

رسالة الدين

بسم الله الرحمن الرحيم

للدين رسالة تفوق كل رسالة يعترف فيها العالم والجاهل والقوي والضعيف والعاصي والمطيع, ومعنى هذا أن مكانه على منصة عرش الشرف, وعلى سرير المجد فهو تاج كل إنسان, وطلسم كل شريف, ومسير كل سائر, وراسم كل آثار الخير, وموجه الإنسان إلى السعادتين, وجعله مرتاح في الدارين سعيد البال في الدنيا والآخرة وإن الدين فطري في كل إنسان, ومعنى هذا إنه يولد منذ أن يولد الإنسان ويلازمه إلى آخر لحظة في حياته وإلى آخر نقطة من نهاية مسيره, وهو يعطيه بديهيات واضحة ونواميس ثابتة وقواعد مسطرة يرسمها له ويوضحها بخطوطها العريضة وحروفها الواضحة كي يتم رسالته, ويصل إلى غايته, وهو يفتح الأفكار وينوّر الأذهان ويطرق بواسطته أبواب العلم, وتقلع جراثم الجهل, وتستأصل الفتنة من بني البشر. فالدين كان وما يزال وسيكون في كل زمان ومكان لا تختلف رسالته بين بقعة وأخرى أو بين بلد وبلد, وهو خضوع كل إنسان في هذا الكون إلى قوة مدبرة حكيمة أزلية أبدية عادلة, وإنها هي التي أبدعت هذا الكون ونظمته على أحسن تنظيم, ونسقته على أروع تنسيق, وسيرته على أفضل نظام تؤثر في الأشياء ولا تؤثر الأشياء فيها وهي تعطي الحياة لكل موجود خارجة عن اعتبارات الزمان والمكان قائمة بدون مقوم سائرة بدون مسير ترجع علل الموجودات كلها لها ولا ترجع علتها إلى أحد، وفوق ذلك أن الدين أكبر رادع للنفوس, قل لي بأبيك وأمك وأخيك لولا الدين كيف يكون حالك؟ أي رادع يردعك عن النزول إلى حضيض البهيمة؟ أو أي عثرة تقف في طريقك إذا سرت في هواك كيف يكون حالك؟

وبعد هذا الكلام الطويل, والقول العريض, قد أحطت بالدين من جميع جهاته, وتعرفت عليه بكامل صفاته, وفهمتك جوهر وجوده, وكيف إن الإنسان محتاج إليه لا يستطيع أن ينفك منه, لكن هناك من بفكري يريد التوضيح أكثر, فمسكت بالقلم وأخذت اسود الصحيفة وأملأ الأسطر وأحببت أن أجاريه وأسيره كي لا يسير تبع الضلال.

 

أسألك بشرف المجد وعزة العلم أن تبين لي رأيك بصراحة وتوضحه إلي دون نقصان. ما رأيك لو فقد إنسان فلذة كبده وساعده الأول؟ كيف يكون حاله؟ وكيف يودعه في قبره, ويتركه؟ وكيف ينفض تراب قبره من يده؟  وعند ذلك يكون الدين قطب ملك حركات هذا الرجل وسكناته, ومركز دائرة أفعاله وأعماله ومحور أقواله وصفاته وعند ذلك ينزل الدين السكينة في قلبه, ويودعه الطمأنينة من نفسه, ويطمئنه بالراحة على فقده, وأنه مودعه إلى من هو أحرص عليه منه وأحب عليه منه, وإنه أخذه مثلما أعطاه, وسينعم عليه مثلما أنعمه عليك, وللدين سلطة على النفوس يسيرها تبع إرادته فهو يمنع القوي من أن يأكل الضعيف ويمنع الضعيف من أن يمتلك الأضعف, وهو سائس وليس بمسوس, وهو يحمي العزة والشرف, ويضع الأشياء بمواضعها كي لا يحيد الإنسان عنها, وهو يمنع الإنسان من النزول إلى صحراء الضلال وعرصات الهوى والدين كلما زاد جاحدوه رغم إن وجدانهم يؤيده يزداد جلاء ووضوحاً وسمواً وارتفاع, وكلما زاد منكره يتضاعف مناصروه, ومهما يريدون الأعداء أن يطفئوا مصابيحه وتخمد شعلته وينتهي أمره كلما قوي واشتد وتراموا هم كي يزيدوا شعلته مثلهم لك مثل الفراش على النار, وهو وقود لها فلا تزداد النار إلا اشتعالا,والله ولي التوفيق.إن الثقافة الدينية هي خير سبيل حيث بها تنشل الإنسانية من غمرات الحروب وتبعد عن منسأة  الشرور, وتنصرف للصالح العام والنفع الشامل. ولا أعني بالثقافة الدينية هي مجرد اللقلقة اللسانية والتقاليد المتبعة, وإنما أعني بها تركيز العقيدة الدينية في النفوس بحيث تلتهب بها العاطفة وتلتاط بالضمائر والدخائل, ويبذل في سبيلها النفس والنفيس بعد الشعور بأنها التحفة الملكوتية التي ضمنت للعالم الإنساني سعادة الدارين وخير النشأتين.

المحافظة على أداء الوظائف الدينية

أيها الملأ الصالح:

حافضوا على الوجبات الإلهية وترك المحرمات الشرعية فإن الحسين( عليه السلام ) قد أدى الصلاة جماعة وهو في حومة الحرب تحيطه الأعداء من كل جانب ومكان، فلو كانت زيارته تسقط معها الوظائف الدينية لسقطت عنه( عليه السلام )الصلاة التي هي من أجلى الشعائر الإسلامية، وكيف يتخيل ذلك والله(عز وجل ) لم يأمر بشيء إلا كان له العقاب على تركه ولم ينهَ عن شيء إلا كان له العذاب على فعله وباستقراء الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والأخبار الصحيحة يوقن من له أدنى بصيرة أن الشريعة الإسلامية تأبى لمعتنقها أن يتطاول على حرمتها مهما قام بعمل وتمنع من التعدي على حريمها مهما صنع من خير، [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ]([27]).

 

 

السر في كلمة التوحيد المبين

إن الإسلام على أصلين أحدهما :

 

وهو التوحيد, وهو لا إله إلا الله, والثاني النبوة وهو محمد رسول الله, وكل واحد من هذين الأصليين مركب من اثني عشر حرفا, ولكل إمام منهم اثني عشر حرفا وهو من الأسرار العظام, وهذا هو مع النبي والزهراء ما أضاءت الزهرة في السماء (12) أحمد حبيب الله (12)البشير النذير(12)السراج المنير(12) أشرف المرسلين. (12) أول أئمة الهدى (12) الشهاب الثاقب (12) علي بن أبي طالب (12) أمير المؤمنين. (12) فاطمة الزهراء (12) السيدة البتول (12) البضعة للرسول (12) والدة أولادين (12) الإمام الثاني (12) الحسن المجتبى (12) ريحان المصطفى (12) وارث الطاهرين. (12) الإمام الثالث (12) السعيد الرشيد (12) الحسين الشهيد (12) فدية الصديقين (12) الإمام الرابع (12) سلالة المصطفى (12) علي نجل الحسين (12) زينة العابدين. (12) الإمام الخامس (12) الكوكب الزاهر (12) محمد الباقر (12) زبدة العابدين. (12) الإمام السادس (12) الأمين الصادق (12) وارث الصادقين (12) الإمام السابع (12) هو جعفر الصادق (12) الكاظم الأفخر (12) هو موسى بن جعفر (12) سلالة الطيبين. (12) الإمام الثامن (12) عنده فصل القضاء (12) ابن موسى الرضا (12) سليل المرضيين. (12) الإمام التاسع (12) شمس دار السلام (12) الجواد الهمام (12) صاحب البراهين. (12) الإمام العاشر (12) الهادي للرشاد (12) علي نجل الجواد (12) نسل المنتجبين. (12) الإمام الحادي عشر (12) الحسن العسكري (12) سليل علي النقي (12) ابن المعصومين. (12) الإمام الخاتم (12) حجة المنتظر (12) القائم المنتظر (12) خليفة الوصيين (12) صلى الله عليه (12) صلاة طيبة زكيه (12) سنية بهية زكيه (12) يارب العالمين (12).

كلمة في وجود الباري

إن من تدبر هذا الكون بعظمته التي لا تحد, ونظر في سعته التي لا تتناهى, وأبصر ما فيه من العوالم العلوية والسفلية ذات الصنع المحكم والتقدير المتقن قد تمشت على أسس منظمة وقوانين ثابتة وحدود معينة آمن بأن له خالق قدير, وصانع مبدع حكيم, كيف لا وأن الأثر مهما كان لا بد له من مؤثر، والصورة مهما كانت لا بد لها من مصور والفعل كبر أو صغر لا ينفك عن فاعل, أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج وبحر عجاج وشمس مضيئة وحياة كونية بأسرارها وأطورها عجيبة لا تدل على صانع قدير؟ ثم بربك أيها الإنسان لو رأيت بيتاً حقيراً لا بل خباء صغيرا بأبسط صورة وأسوء وضع, هل ترى يخالجك الشك أو يعتريك الريب في أن له صانع قد بناه, ومؤسس قد شيده وأحكم قواه؟ فكيف بك بهذا العالم بهذه السعة العظمى واللانهائية القصوى تحير في مداها الأنظار, وتبلبل في حدودها الأفكار في هيكله العجيب وصنعه البديع, قد هيئت فيه وسائل العيش ونعيم الحياة. أفهل يعتريك الشك إن ذلك تقدير العزيز العليم؟! قد أنبت فيه ورق وأخرج منه الثمر وركبّ الإنسان بأحسن صور[إِنَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ]. ألم يكن في ذلك لمن ألقى السمع برهانا يتمسك به, ونجم يهتدى به, وضياء مصباح يستنار به, ألم يكن ذلك العروة الوثقى والعصمة الكبرى والطريقة المثلى للإيمان بخالق لهذا الكون ومبدع لوجوده؟! 

الإسراء والمعراج

إن ليلة الإسراء عند التحقيق هي ليلة المعراج وهي الليلة التي أسرى الله تعالى بنبيه محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بأخذ جبرائيل له ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعندما انطلق جبرائيل به في هذا المسرى مر به على مسجد الكوفة, فقال له جبرائيل: يا رسول الله أنت الآن مقابل مسجد كوفان فانزل فصل فيه, فنزل ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وصلى فيه ركعتين, ثم انطلق به نحو بيت المقدس فصلى فيه, ثم عرج به نحو السماوات العلى، ولما بلغ البيت المعمور وحضرة الصلاة أذن جبرائيل وأقام فتقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فصلى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالصفوف التي خلفه من الملائكة والنبيين, ثم لما وصل إلى سدرة المنتهى, قال: تقدم يا محمد فليس لي أن أجوز هذا المكان, فتقدم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما شاء الله أن يتقدم إلى أن دنا من مقام النور الإلهي فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى, ثم نزل ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى تلقاه جبرائيل عند السدرة المذكورة فصحبه حتى هبط به إلى الأرض في تلك الليلة نفسها للمكان الذي أخذه منه وهو مكة المكرمة, وأوى ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إلى فراشه حتى روى أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلى الفجر من تلك الليلة بمكة المكرمة, وقد أختلفت الأقوال وتعددت الآراء وتعارضت الروايات في تعيين الليلة التي وقع فيها الإسراء المذكور, فعن الحسين وقتادة أنها ليلة الاثنين من ربيع الأول بعد النبوة بسنتين, وقيل بستة أشهر, وفي رواية مرسلة عن أمير المؤمنين( عليه السلام ) أنها بعد البعثة بثلاث سنوات, وفي البحر الرائق أنها ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهراً, وعن السدي والواقدي أنها ليلة السابع عشر من رمضان قبل الهجرة بستة أشهر بعد العتمة. والظاهر أنها هي الليلة التي قبل الهجرة بسنة، وهو الذي بنى عليه أكثر العلماء إن لم نقل أنه كاد أن يكون متفقا, وهو الذي يظهر من صاحب البحار حيث عبر بأنهم قالوا: (كان ذلك الليل قبل الهجرة بسنة) فإن إتيانه بضمير الجمع يوجب الظهور في ذهاب نوع العلماء

 

إلى ذلك, وذكره صاحب الإقناع على سبيل إرسال المسلمات, وذهب إلى ذلك ابنا طاووس من أنه قبل الهجرة بسنة إلا أنهما ذكرا أن ذلك كان في ليلة السابع عشر من ربيع الأول, ولكن سيجيء إن شاء الله بيان أن من قال بكونه قبل الهجرة بسنة والتزم بكون مبعثه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في يوم السابع والعشرين من رجب . لا بد له من القول بكون إسرائه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعروجه من ليلة هذا اليوم أعني يوم السابع والعشرين من رجب وهما ممن يلتزمان بذلك لكون الشيعة اتفقت على أن مبعثه في ذلك اليوم, وإذا ثبت أن المشهور هو ذلك فالعمل عليه حيث أن أرباب التاريخ والسير  يأخذون بما اشتهر إذا لم تقم الحجة المعتبرة على خلافه بل الكثير من القضايا ما يؤيد ذلك ويؤكده. ثم أن الظاهر أن المعراج قد وقع في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب, وقد ذهب إلى ذلك جماهير أهل السنة ولذا نجدهم يقيمون معالم الفرح والزينة في البلاد الإسلامية في هذه الليلة بهذه المناسبة, وما عند الشيعة فلا بد لهم من الالتزام بذلك لأنه لا ريب عندهم في كون مبعثه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب وهجرته ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد مبعثه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بثلاث عشرة سنة عند جماهير المؤرخين فلا محالة أن تكون هجرته ( صلى الله عليه وآله وسلم ). يوم السابع والعشرين من رجب, وإذا كانت ليلة المعراج قبل الهجرة بسنة كانت لا محالة واقعة ليلة يوم السابع والعشرين من رجب وإلاَّ لم تكن قبلها بسنة, وقد عين بعض المؤرخين هذه السنة التي وقع فيها المعراج بالتاريخ الميلادي بعام 612م, هذا ويمكن أن يقال بل قد قيل أن اختلاف الأخبار في سنة المعراج وشهره ويومه من جهة تعدده فإن في بعض الأخبار أنه عرج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مائة وعشرين مرة, وعلى هذا الأساس سمي بمعراج العجائب وما عداه بمعراج الكرامة, وكيف كان فتشريع الصلوات الخمس وفرضها على المسلمين كان في المعراج الأول في مكة المكرمة قبل الهجرة بسنة فهي أول عبادة كانت مفروضة على المسلمين, كما أن الظاهر أن المعراج كان من دار أم هاني أخت علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) وأخت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الرضاعة وزوجها هبيرة بن أبي وهب المخزومي، وأنه كان هبوطه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد المعراج في دارها أيضا وآوى على فراشه, وعلى ذلك ذهب أكثر المفسرين والمؤرخين ولذا التجأ بعضهم كصاحب البحار إلى تأويل المسجد الحرام في الآية المباركة بمكة لأن دار أم هاني ليست في المسجد الحرام وإنما في مكة والتحقيق أنه لا حاجة لهذا التأويل لما ذكر جمهور المتأخرين من أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعد أن صلى العشاء نام في بيت أم هاني فهبط عليه الأمين جبرائيل وأيقضه وأخذه بيده مسرعاً إلى حيث الحطيم حول الكعبة فعرج به إلى المسجد الأقصى, وبهذا نجمع بين القول بكونه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أسري به من المسجد الحرام وبين القول بكونه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أسري به من خارج المسجد والمراد بالمسجد الأقصى هو بيت المقدس ولقب بالأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام.

كلمة في الإسراء

لقد جاء الإسراء بالنبي الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم  ) بعد أن قطب في وجه الدهر وعبس بوفاة ناصره عمه أبي طالب ووفاة ريحانة قلبه زوجته خديجة أم المؤمنين وعوده من الطائف وملأ إهابه حسرة وزفرة حيث عاملوه أهلها بأبشع ما يعامل به إنسان طالب للنصرة ومستنجد بالغير فكان إسراءه إلى المسجد الأقصى وعروجه إلى السماء إماما بالأنبياء تطيبا لنفسه, وطمأنينة لقلبه وتثبيتا لعزمه ومن هنا نلمس بالقياس والمقارنة بأن ما منيّ به المسلمون والعرب من النكبات والمحن وتوالي نكايات الزمن إنما يزال آثامه وينجلي غباره بالزحف إلى المسجد الأقصى للقضاء على الفئة الباغية العاتية الصهيونية:

متى ترفرف بأرض القدس يا علم
السيف السيف أنعم فيه من حكــم
أين العراق وأين الشوس من يمــن
 

 

حليفك الصـارم البتـار والقلـم
يشفي الغليل وفيه الحــق ينتظـم
وأين مصر وأين الشام أين هم؟
 

 

إن هذا القرآن يهدي للطريقة التي هي أحسن الطرق للظفر بالأهداف والمقاصد, ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات بأن لهم عند الله أجراً عظيما.

 

مناجاة الإله

بسم اله الرحمن الرحيم

أيها الصنع الجميل المخزون بالعجائب والبدائع، والمشحون بالغرائب والروائع, قد طلعت علينا من برج السعادة بالبرهان من أهل البرهان بدر وجواهر يتلألأ منها الأنوار وتملأ النفس بالسرور والأسرار, سبحانك سبحان ما اعجب ما دبرّ من أمرك وما ألطف ما صنع في شأنك.

تجلت فيك معجزة الرسالة الإلهية بأجلى المحاسن، وصورت بك بآيات الدلالة على النبوة بأسمى المظاهر, وأخرجتنا بهذا المظهر الخلاب الذي يسبي العقول , ويخلب الألباب من غسق الطبيعة إلى مشاهدة الأنوار الملكوتية , وجذبتنا من رجس الهيولي إلى معاينة الأضواء القدسية, أيها المظهر البديع للقرآن الكريم, آمنت بمن نور بآياتك الظلم وأوضح بها المناهج القيمة وألبهم وجعلها آية من آيات ملكه وعلامة من علامات سلطانه فيا من توحد بالعز والبقاء صلى وسلم على الدليل إليك في الليل الأليل, والماسك من أسبابه بحبل الشرف الأطول, والناصع الحب في ذروة الكاهل الأعبل, والثابت القدم على زحاليفها في الزمن الأول, وعلى آله وصحبه وحفظة سره مصابيح الدجى وأنوار الهدى وحفظة السر الأعلى, مُنَّ علينا بالأمن والأيمان, والسلامة والإسلام, وبيسر لا يمازجه عسر, وبخير لا يشوبه شر, إنه أفضل من تحت راية الإسلام في رواق من السعادة والهناء فإنك أفضل من دعي وأحسن من أجاب.

من دعاءه

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم يا من سما في العز ففاق خواطر الأبصار, ودنا في اللطف فجاز هواجس الأفكار. إرزقنا من نور أسمك هيبة وسطوة تنقاد لنا القلوب والأرواح, وتخضع لدينا النفوس والأشباح, وأخطف أبصار أعدائنا عنا بنور قدسك وجلال مجدك يا ذا الجلال والإكرام. إلهي إلهي وأقشع عن بصائرنا غمائم الارتياب والأوهام فإن الشكوك والظنون لواقح الفتن ومكدرة لصفو المنائح والمنن. إلهي وإجعلنا من الذين أخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم فهم إلى أوكار الأفكار يأوون وفي رياض القرب والمكاشفة يرتعون ومن حياض المحبة بكأس الملاطفة يكرعون. إلهي واغرس في حدائق صدورنا رياحين الشوق إليك وأتمم أنوار عرفاننا لك بحق اليقين واجعلنا من عبادك الصالحين. اللهم نسألك أن تجعل فيما تقضي وتقدر من الأمر المحتوم انتصار جيوش المسلمين على الطغاة الصهيونيين وأن تبرم في قضائك الذي لا يرد ولا يبدل استرجاع الأرض المقدسة لأهلها الشرعيين فإنه أنت القائل وقولك حق ووعدك صدق وعدل [وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا] وليس من صفاتك يا سيدي أن تأمر بالسؤال وتمنع العطية وها نحن سائلون كما أمرتنا فأنجز لنا ما وعدتانا ياذا المنن السابغة والعطايا الجزيلة والنعم الجسيمة برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

 

دعاء النصر

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم يا من لا يحيط به نعت, ولا يأتي عليه وصف, ولا يحويه خطاب, ولا يبلغ كنهه إطناب, نحمدك حمداً لا يحصيه عد, ولا ينتهي أمده إلى حد على ما أوليت من مننك المتتابعة, وأسبغت من نعمك المتظاهرة, وأفسحت لنا من شكرك الذي لا مبلغ لغايته, ولا انقطاع لأمده, ونصلي ونسلم على أبواب الرحمة ومصابيح الهدى والعروة الوثقى أمنائك في بلادك, وحججك على عبادك محمد خاتم النبيين وآله وصحبه البررة الميامين, وعلى الحجة الكبرى, والآية العظمى, والبلاغ المبين أبو الأئمة ونجاة الأمة علي بن أبي طالب أمير المؤمنين, وقائد الغر المحجلين. اللهم وها نحن نحتفل أداء لشكرك واعترافا بعظيم فضلك مبتهجين جذلين بحسن تقديرك وجليل تدبيرك, فلقد قرت العيون واطمأنت النفوس وبلغت ريها الضمائر المتعطشة بنيل المنى ونجاح الأمل.

 

دعاء

بسم الله الرحمن الرحيم

إلهي وسيدي :

وهؤلاء الصهاينة قد أرهفوا لنا حد سيوفهم, وسددوا إلينا صوائب أسلحتهم واضمروا لنا أن يسموننا المكروه, ويجرعوننا سموم مرارته, فانصرنا بقوتك, وأشدد أزرنا بنصرك, ورد مكائدهم إلى نحورهم, وأقمصهم أذلاء مأسورين يداهم بالأغلال التي كانوا يؤملون أن يرونا فيها ويبصرونا بها, فإنه لن تقرع الحوادث ولا مدلهمات الخطوب من قرع باب رحمتك ولجأ إلى معقل الانتصار بك.

إلهي وسيدي : وكم من عبد من عبيدك في فلسطين أمسى وأصبح شاخصا عن أهله وولده بعيداً عن وطنه وصحبه متحيراً في رزقه تائها في المهمة السحيق وحيداً فريداً لا يعرف حيلة ولا يهتدي السبيل قد فتك به المرض والفقر فتك الطاغية المستبد مادا طرفه نحو السماء ينتظر من يعود عليه بفضل أو يتصدق عليه بشقة تمر, قد منع من الكلام وحجب عن الخطاب, ينظر لنفسه بحسرة لا يستطيع دفع ضرٍ ولا نفعٍ.

فيا من تحل به عقد المكاره ويزال به حد الشدائد أكشف شدته وأرحم ذلته برحمتك.

كلمة في فلسطين

إن من هزل الدهر أن تطغى على أمة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم  ) فئة فاءها الغرب على شاطئ البحر, ولفظها العالم الإنساني في فلسطين فيالرهبة الموقف وسوء المنقلب إنها خسارة الأمس, وفقدان الأمل بالمستقبل ألاّ وإن من خطأ القول أن يعزى موت الأمة إلى سوء الطالع أو إلى الظروف والتقادير.

ولكنها تنتحر بخذلان أبنائها لها في ساعاتها الحرجة ومواقفها الحاسمة, وتموت بتفويت سراتها الفرص الذهبية, وعدم سهرهم على الدفاع عن كرامتها الاجتماعية.

كلمة في الصحن الحيدري الشريف

بسم الله الرحمن الرحيم

 أيها الملأ الصالح المتجه نحو الله تعالى, والمتمسك بولاء أهل  البيت (F ) أمامكم مشكلة لم يمر بمثلها الزمن, وهي تفشي الإلحادية بألوانها الجذابة, وغلبة المادة العمياء على الروح بسواحرها الفتانة. وما أدري كيف نستقبل وتستقبلون هذا الحدث العظيم ونحن في تخاذل وتخاصم يأكل بعضنا بعضا؟ فيالرهبة الموقف وسوء المنقلب, أنها والله خسارة الأمس وفقدان الأمل بالمستقبل, ولو أدرك قادة الفكر الإسلامي في شرق الأرض وغربها وعلى رأسها النجف الأشرف العاصمة الدينية الكبرى حقيقة الموقف الراهن والزمن الذي نحن فيه لما تركوه بهذا النحو من التفكك والتشتت, ولعضوا الأنامل من الأسى والأسف على ما أضاعوه من الفرص الذهبية الأخيرة, ولعلموا علماً لا يشوبه شك أن مصير هذه النفوس الدينية بملايينها معلق على الوقفة التي سيقفها رجالهم في هذا الوقت, ولعل تجارب الحقب السالفة تعطينا درساً في وجهة النظر, فقد دلت على أن فقدان الوعي الديني يشكل خطراً في أوساط المجتمع الإنساني, ولو فتحتم دفاتر المحاكم المدنية وسجلات الجرائم فيها لما وجدتم في المجرمين من أهل الدين واحداً من مائة بل ولا واحدا من ألف وهو أول دليل على محاربة الدين للجريمة, وإن الثقافة الدينية من خير ما تعرض على الشعوب والقبائل البشرية كيف لا والوعي الديني يقود الإنسان نحو هدف يسمو به فينفق قواه وجهوده في سبيله ويطلعه على حال وسطي وواقعهم الأليم فيسعى لصالحهم ويعمل لنفعهم كما يدل الوعي الديني على الطريق الذي يجب أن يسير فيه الإنسان سيراً قويماً متجها نحو السعادة التي تتضمنها الحياة بثقة وأطمئنان, ويساعد البشرية على تنمية كيانها النوعي والشخصي والعقلي والجسمي. ولعل الجميع متفقون على أن أصلح زمان لغرس هذا الوعي الديني في الإنسان هو زمن تلمذته ودور طفولته ومراهقته، فإن نفسه في هذا الدور الأول مرآة صقيلة تقبل التوجه وإذكاء الروح الطيبة فيها, فعليَّ وعلى المسؤولين أن يبذلوا قصارى الجهد والجد لإنماء هذا الوعي في أوساط الناشئة بكل وسيلة ممكنة لرفع شأنهم لتطوى عنهم الجريمة وآثامها. وينبغي لتحقيق هذه الأماني الذهبية من تكوين هيئة صالحة تسير في خدمة الدين والوطن على خطط قويمة ذات ذهنية وقادة علمية متجردة عن الأنانية بعيدة كل البعد عن التطرف في الأفكار والطفرة في التصرفات, ويسوئني جدا أن حياتنا الاجتماعية لا تعين أصحاب المواهب على الزمن في إنتاجهم الفكري تستفيد من أغلاط الأمس والتفريط بالواجب ما يصلح للسير والسلوك الديني.

 

كلمة في ليلة مباركة

بسم اله الرحمن الرحيم

أيها الملأ الروحاني المتجه نحو الله والداعي إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة.

إن هذا الاجتماع منكم في هذه الليلة المباركة على صعيد الدعوة الإسلامية, وقد زاد في عظمته وروعته أنه تجلى بأجلى مظاهر القداسة الإلهية وأبرزها، بل دل وبرهن على أن المسلمين في هذا الجزء الغالي من وطننا الكريم أن يضحون بأنفسهم عندما يجد الجد وتأزف الساعة نحو ما تتطلبه وتقتضيه رسالتهم الدينية، وأنهم يقفون صفا واحدا وجهة متراصة بحزم وعزم وصلابة وقوة بوجه الإلحاد وعملائه ودعاة السوء وأربابه والشر وأعوانه. يا قوم أن الرائد لا يكذب أهله والدليل العريان الذي مزق الأسى والأسف قلبه، أن المسلمين في كل صقع ومكان أصبحوا في أشد خطر وأصعب مرحلة إذ العدو الأثيم الذي تدجج بالسلاح لتوجيه الضربة إليهم تلو الأخرى في سائر مجالات الحياة أصبح وجها لوجه في قلب المعركة وأن اليوم يوم الفصل وما هو بالهزل, وإن الشعوب الإسلامية تطالبكم بأن تفتحوا أعينكم نحو المشاريع العدوانية الجهنمية, وتتخذوا العدة لهذه الساعات الرهيبة الخطيرة وتنسقوا الجهود والطاقات المادية والأدبية والروحية لنهضة ثورية للانطلاق في معركة تحقق لنا الأمل والمنى, وتوصل حاضر هذه الأمة الممزقة الأشلاء بمجدها التليد، وتأخذ بيدها هذا الجيل الصاعد لتقيه من الكبوات والهفوات, فقد أصبح يسير في خضم متلاطم من المبادئ الوافدة عليه من هنا وهناك قد انقضت عليه صواعق الإلحاد وعوامل الشر والفساد, وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والعاقبة للمتقين.

كلمة في سعادة المؤمنين

بسم الله الرحمن الرحيم

بسم الله كلمة المعتصمين ومقالة المحترزين ونسأله أن يصلي على الدليل وعلى آله وصحبه الطيبين الأبرار والأخيار مصابيح الدجى وأعلام الهدى.

أيها الجمع الكريم:

 طلبت مني أسرة هذا الحفل المجيد كلمة فيها فلاح المستعين وسعادة المجتمعين, وما علموا أن الحوادث الزمنية والفتن الصماء الخرساء التي لا زال الدهر يسددها نحوي والأيام تقدمها إليّ قد أذهبت المعين عن معدنه وحلق الطائر لها عن وكره, وأصبحت بها التعس جثة هامدة وحثالة راكدة أبرد غلتها من بحور الذات المطلعة واكر صولجان الأماني وألمس فيها بصخرة الإيمان والتقوى وأكرع من رحيق الحكمة المحمدية واهتدى بضوئها في ظلمات آفاق الإنسانية، فإن في ذلك سعادة الدارين وخير النشأتين، أما السعادة في الآخرة فلأن فيها صك ضمان المستقبل من وحي رب العالمين بالفوز بالروح والريحان وبالقصور والجنان، وأما السعادة في الدنيا للفرد والتمسك بالدين والمجتمع، أما الفرد المتمسك بدينه لا تهمه الحوادث وإن عظمت والكوارث وإن جلت لما يراه من الثواب العظيم والأجر الجزيل في دار جنات النعيم وقد رأيت الكثير ممن آمن بالله إذا فقد عزيزه كأنه قد سافر عنه ويلتقي به بعد حين وهذا علي أمير المؤمنين ( عليه السلام  ) لما ضربه ابن ملجم نادى بصوت الدين (فزت ورب الكعبة) وهذه زينب (I) عندما شاهدت أخاها الحسين ( عليه السلام  ) وصحبه قالت (فزت ورب الكعبة) وما ذلك إلا للعقيدة بما وراء الموت من السعادة الأبدية والهناء السرمدي، وأما سعادة البيت فإن البيت الذي يفقد الوعي الديني تنعدم الثقة فيما بين أفراده ويزول الأمان فيما بين أشخاصه فإن سلطان الشهوة لا يقهره شيء لا شرف النفس ولا حسن التربية إذا جد الجد واتسع المجال إلا تمركز العقيدة وهيمنة الدين ولنا على ذلك شواهد كثيرة ودلائل واضحة, وأما سعادة المجتمع فإذا المجتمع الذي يفقد الميزة الدينية تتحكم فيه الأهواء والرغبات فلا صدق ولا أمانة ولا إخلاص وما حاجة الحكومات بها إلى سن هذه القوانين إلا نتيجة لفقد بعض ما في شعوبها للعقيدة الدينية, ولعل أحسن برهان نقيمه على ذلك هو أنك لو فتحت دفاتر الإجرام في محاكم العدل والجزاء في سائر الدول الكبيرة والصغيرة لا تجد في المجرمين من المؤمنين واحدا من ألف وهذا الاستقراء أول دليل على محاربة الإيمان للأجرام.

 

الأدب في محيط الخيال

ليس الأدب في هذا المحيط هو ما خط القلم عن القراطيس من نثر أو نظم يمتاز بحسن الاستعارة ورقة التشبيه، أو هو ما نطق به اللسان من الشعر أو الكلام بالمحسنات اللفظية والمعنوية كما توهم بعض الناس مجموعة قصص تتلى عند الفكاهة, أو أباطيل من طرفة تذكر في أوقات المسامرة, وإنما الأدب هو البيان الذي يستمد غذائه مما يمكن من أسرار العالم وأطوار الحياة, فإن الأسرار ما برحت كائنة في كل شيء, وما زالت تصادف من هذا الكاتب وذاك الشاعر من يبرزها إلى حيز الوجود في هذه الصورة, أو تلك في مقادير مختلفة من الوضوح والجلاء وبدرجات متفاضلة من البيان وجمال التعبير كل على حسب ناموس فضله وفضيلته والأدب ليس إلا كشف وجلاء لبدائع الطبيعة ونواميس الحياة, وهو معرض أفكار النفوس الحية والأرواح الحساسة التي لم تبرح كل ما ينتابها من عوامل الوجود, وتنشد كل ما شاهدته من بيضات الحياة ألا وإن الأدب هو هذه القصيدة والرسالة, وتلك المقالة والرواية التي ينشدها صاحبها لا يريد بها إلا الجمال الفني في نفسه لا يريد بها إلا أن تظهر شعورا اشتملت عليه نفسه وأحس به ضميره, أو خاطره كونه عقله في لفظ يناسبه وكلام يلائمه في الرقة والعذوبة واللين والروعة والعنف والخشونة هو هذه الآثار التي تصدر عن صاحبها كما يبعث النور الأثير من القمر المنير وكما يصدر التغريد من البلبل الصداح عندما يميل به الغصن الرطيب وكما ينبعث العرف من الزهرة الأرجة.

هذا هو الذي اضطر الشاعر إلى إنتاجه والكاتب إلى كتابته اتصاله بالآثار الطبيعية التي تمثل طورا من أطوار الحياة في نفوسنا وناحية من أنحاء الجمال التي في قلوبنا إذن فالأدب هو الذي خصّ بجمال التنسيق ورنة الوقع وصحة الفكر ودقة البيان عما تحدثه بدائع الطبيعة في أوتار قلبه من التأثير فيه, هو الذي لا يزال يخضع لكل ما تخضع له التأثيرات النفسية من الزمان والبيئة والمحيط والجماعة إلى غير ذلك من المؤثرات.  

الأدب والأديب

إليكم أيها الأفاضل أوجه كلماتي حول معرفة هذا الموضوع المبهم الذي لم يزل سراً غامضاً ولغزاً مبهما لما هو مطروح من أراء المفكرين ومحل تصادم نظرياتهم, فكل ذهب إلى مذهبه حيث أستوت كتباً ضخمة مشحونة إلى حواشيها بكل ما تخيله المتخيلون وكد فيه الباحثون حتى ادعى بعضهم أن الأدب صعب, وها أنا حاسر عن ذراعي لحل هذا السر المبهم واللغز المعمى عسى ولعل أن أظفر بالحقيقة وأصل إلى كنهه, باذلاً كل وسعي وجهدي على مقدار ناموس فضلي وفضيلتي.

على المرء أن يسعى بمقدار جهده         وليس عليه أن يساعده الدهر

إن الأدب في محيط الاصلاح معنى وفي محيط الخيال معنى آخر, وطالما حصل الخلط بين هذين المعنيين فتشب نار الاختلاف وتتضارب الآراء والأفكار. أما الأدب في محيط الإصلاح ليس إلا هو الطبيعة الإنسانية في أفضل معانيها وأحسن مبانيها والنفس البشرية بأجمل مظاهرها وأفضل حالاتها. والأدب, وهو ميزان الطبيعة العادلة لا يعطي للأفراد إلا ما يستحقونه كما هو الكلمة الجامعة لمحاسن الأشياء سواء أكانت من الأفعال أم الأقوال. كيف ولا زالت الأحكام والشرائع من ظواهره وتخيلاته, وإن ما يرفع البلاد نحو العظمة ويمد سطوتها المادية والأدبية ويجعلها مسيطرة على سائر الأمم ليس إلا الأدب, كيف وهو مبدأ الطاعة وأساس العظمة وإلى مفعوله يستند عرش السلطة وصولجان القوة.

إن الناس لا تكاد تنجح في مشروعها الحيوي إلا إذا استعانت بذوي العقول الحاذقة وتبعث إرشادات الآداب الحسنة, وقد سجل التاريخ مراراً ترشدنا إلى هذه الحقيقة وأهميتها في محيط النجاح.

فأن رجلاً قال لبعض العقلاء, مالك لا تجمل الملبوس وزينة الثياب تدل على حسن الفطنة, فقال العاقل: إنما يرفع المرء أدبه وعقله لا حليته وحلته, قاتل الله امرئ يرضى أن ترفعه هيئته وجماله لا أدبه وعقله.

لكل شيء زينة في الورى
 

 

وزينة المرء تمام الأدب
 

 

  والأدب تستمد نفسيته من أمور ثلاثة:

أولها : حسن السلوك إذ به يستطيع الإنسان في حياته الفردية أن يكون ذا منزلة بين قومه وصحبه.

قد يشرف المرء في آدابه
 

 

فينا وإن كان وضيع الحسب
 

 

ثانيها: الاعتماد على النفس إذ به تستطيع النفس الإنسانية أن تنال مطلوبها حيث يقوى العزم بالاعتماد على الذات ويضعف عند الاعتماد على الغير.

و إنما رجل الدنيا وواحدا
 

 

من لا يعول في الدنيا على رجل
 

 

 

ثالثها: المثابرة على العمل إذ بها يتوصل الإنسان لأمانيه بأقرب مدة وأقصر زمان, إذ إن فلاح البشر في سبيل الحياة العامة منوطا بسعيهم وعملهم, وأكثرهم أقداماً وأمضاهم عزيمة، أنجحهم وقد قيل :

الجد في الجد و الحرمان في الكسل
 

 

فما تصيب قريب غاية الأمل
 

 

فهذه هي الصفات الأولية التي تتكون منها الروحية الأدبية, وأما الحلم والمروءة والوفاء والإنصاف وحسن الخلق والصدق والأمانة فهي وإن كانت لها مدخل في أدبية النفس البشرية إلا إنها عوامل ثانوية ترجع إلى حسن السلوك, إذ ليس الحلم إلاّ التغلب على عوامل الغضب مع التجنب عن الانتقام وليس الوفاء إلا الخضوع إلى ناموس الأخوة وعامل الصداقة وليس الإنصاف إلا استيفاء الحقوق من نفسه لغيره, ومن غيره لنفسه وليس الصدق إلا التجنب عن التحلي بغير المظهر الحقيقي, وليست الأمانة إلا ترك التعدي على ما جعل تحت السيطرة العامة أو الخاصة, وليست المروءة إلا إغاثة الملهوف وإعانة الضعيف والعدل في الحكم والكف عن الظلم وليس حسن الخلق إلا أن يكون الشخص لين الجانب حلو الوجه قليل النفور طيب الكلمة.

لقد تناول هذا الموضوع المفكرون وتصادمت نظرياتهم فيه فكل ذهب إلى رأي إن للأدب في محيط السير والسلوك معنى, وفي محيط الخيال معنى أخر وطالما حصل الخلط بين هذين المعنيين فشبت نار الاختلاف وتضاربت الآراء والأفكار.

ولولا الخوف من الضجر من كثرة الكلام في هذا الموضوع لأقمت البراهين العلمية والدلائل  النقلية المبرمة المحكمة إن هذا هو الأدب في محيط الإصلاح وعند علماء الأخلاق وأما الأدب في محيط الخيال فقد مرّ الكلام عليه في الكلم الطيب.

كيف تكون آراءنا صحيحة؟

إن المجتمع الإنساني من نظر إليه بالنظر الدقيق رأى أن الأعمال التي رفعته من الهمجية المحضة إلى الرقي المادي والأدبي إنما تستند إلى الرأي الصحيح والفكر الصائب والنظر الدقيق. فالجدير بنا أن نبحث عن طرق الوصول إليه لنتخذه نبراسا لإضاءة ظلمات الحياة وآلة للظفر للأعمال الحسنة. إن المثابرة على العمل والنشاط والشجاعة وإن كانت لها مدخل في صرع الطبيعة العمياء إلا أنها ليست جوهرية بالنسبة إلى الفكر الصائب والرأي السديد.

الرأي قبل شجاعة الشجعان
فإذا هما اجتمعا لنفس واحد
 

 

هي أول وهي المحل الثاني
بلغا من العلياء كل مكان
 

 

 وللحصول على الرأي الصحيح والعقل السليم يتأتى لنا بأمور :

أولا: تكون واثقا من نفسك بحصولك على مرامك إما إذا كنت مرتابا في ذلك، فالنجاح لا يكون مضمونا لك.

 

ثانيا: أن تجرد ذهنك من الشواغل والمشاغل.

ثالثا: أن تبعد عن نفسك كل المخاوف.

رابعا: أن تفكر بالمطلب المرام وتجمع فكرة فيه كما تجمع العدسة. المرئية لأشعة الشمس في مركز واحد.

خامسا: لا تتشبث بعقائدك وتقاليدك وآراءك بل كن على استعداد من تلبية ضميرك خال عن كل شيء, وحاذر من الكلمات الخلابة ولتبعد عن أي رأي كان حتى لا تخدع  بما يخدع به ذوي الأفكار المحدودة حيث يروج سوق الإبهام والغموض .

سادسا: الصحة للبدن فإن الأعضاء لا تقوى على التفكير بدونها وقد قيل (إن العقل السليم في الجسم السليم).

سابعا: أن يكون الوقت مناسبا .

 

خطبة في أهمية مدينة النجف الأشرف

لا ريب ولا شك أن هذا البلد الإسلامي، قد أشرقت فيه شمس الهداية وبرقت في آفاقه بوارق المعارف الإلهية, فإن هذا البلد الأمين قد خاض المعركة الفكرية بطاقاته الزاخرة, وما زال ولم يزل تبرق الحقائق العلمية الدينية فيه من تصادم الأفكار والآراء بين جهابذة العلم وفطاحل قادة الفكر, كما قد أقام سياسته ومواقفه الحاسمة على الظفر بالمثل العليا للدراسة الدينية, وبرهن على استعداده الدائم لتلبية كل من تصبو نفسه لأن ينهل من معين معدن الثقافي الزلال, فأنجب من عباقرة الفن وبهاليل العلم ما يعجز البيان مهما أوتي من قوة بيان عن تحديد أفقهم العلمي ومقدرتهم الفنية. ومنذ تطلع عشاق الفضيلة ليوقظوا قلوبهم من سفه الغفلة ينقذوا بصائرهم من درن الضلالة, ويستلهمون القيم الروحية التي تقوم عليها أسس المدينة الفاضلة من المواقف المشهودة لإحياء كلمة الله والدعوة الدينية والجهاد عن شريعته حجوا للنجف البلد الأمين مقرا لدراستهم فيها متخذيها ومحلا لثقافتهم الروحية بها التي  تقوم عليه أسس الحضارة الإسلامية, فحجوا لها من كل فج عميق ومن كل حدب وصوب ليكرعوا من رحيق الحكمة المحمدية.

ويهتدوا بضوء شعاع اليقين, ويكسروا صولجان الأماني والمنى يضمره الإيمان والتقوى دون أن تسحرهم فواتن الحياة أو تسخفهم دنيا اللذات, فاستخرجوا من فم الدهر مستقبلا مجيداً طافحاً إلى ضفتيه بالهناء والسعادة والخير والبركة ليقطعوا مفاوز هذه الحياة المظلمة بسلام, ويجتازوا عقباتها الكؤودة بأمان. ومن هنا وهناك استقر وضع الدراسة الدينية على ذلك في هذا البلد المقدس حصيلة للخبرة التامة من لدن عباقرة الفن ورجال الزمن وفقهاء العصر بعد تصور علمي وتخطيط دقيق وتفكير صحيح حيث لم يجدوا بعد تجاربهم الكثيرة في مختلف الظروف والأحوال أحسن مغرس وأطيب معرس من هذا البلد المقدس مرتبط بباب مدينة العلم الإمام علي ( عليه السلام  ).

مقابلة مع مجلة الدستور

بسم الله الرحمن الرحيم

لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, كلمة استفتح بها المقال واسأل الله تعالى أن يسدد الحديث بالصواب, وأفوض أمري إلى الله كلمة استدفع بها كل عمل مكروه أوله سخط واستجلب كل عمل محبوب أوله رضاه, وإنا لله وإنا إليه راجعون كلمة تنطق بها ألسنة الأسى والأسف عن هذا الموضوع.

 

 يمر اليوم بالأقطار الإسلامية ظرف عصيب ووقت رهيب, يقطع فيه المسلمون أصعب المراحل الخطيرة الحرجة في تأريخهم الحديث وفي حياتهم الجديدة, فإن عباقرة عبيد المادة العمياء, ودعاة الإلحاد والكفر والزندقة يوالون الاجتماعات إثر الاجتماعات باذلين أقصى جهودهم المحمومة, ومتخذين أقصر الطرق المباشرة وغير المباشرة لإضرام المسلمين بنار لا يسهل إخمادها, وإثارة فتنة صماء هوجاء جرداء بين صفوفهم يصعب الخروج من مأزقها, وما هذه المساعدات الأمريكية والإسرائيلية إلا لتحقيق إذابة المسلمين في بودقة اللادينية, والسقوط في هوة عميقة سحيقة, وعلى سراة الإسلام أن لا تخدعهم مساعدات الكفرة الفجرة ولا لين ملمسهم ولا بذل سراتهم العطاءات والمغريات بالفتن الهوجاء لشق عصا الوحدة إلى أبعد حد, والفَتْ في عضد مقدراتنا الاجتماعية إلى أبعد مسافة، فإن ذلك حرام محرم بالآيات القرآنية والسنة النبوية يهلك به المتخاصمان ولا يندحر به إلا المبدأ السامي الإسلامي بل يحقق الأماني والآمال لأعداء الله, ويكشف عن البعد عن تفهم حقيقة القيم الإسلامية التي تتكون منها مدنيتهم الفاضلة. فعلى المسلمين أن يجعلوا أنفسهم في ذلك كله كما يريده منهم الله ورسوله والأئمة الأطهار والصحب الأبرار لا كما يريده أعداء الله وأعدائهم.

خطبة لعقد الزواج

الحمد لله على ما سرنا به من بهجة الأفراح بهذا الزواج الميمون, والاقتران الجميل المبارك المصون. قد أخذت تغدو وتروح عليه نسمات شذى الأماني والهنا, وهلهلت في رحاب آفاقه بشائر السعادة والمنى, وعم به الفرح والسرور واليمن والبركة والحبور في حفل ملئه البهجة والمسرة تحبطه بعد رعاية الله وعنايته زغاريد الأهل والأحبة, وتضيء في جوانبه قناديل المسرة والمحبة. فياله من منظر ما أبهاه وأبهره, من سرور ما أوفاه وأوفره, في أجمل وقت واسعد طالع, قد جلب به الخير بخيله ورجله, أعطيت فيه القوس لباريها ونالت الأحبة به غرَّ أمانيها ونسأله تعالى أن يجعل به التوفيق موصولا والهناء به موفوراً في رواق من السعادة والسرور وبتاج من العزة والحبور ويلتقي فيه البحران فيخرج لنا منهما اللؤلؤ والمرجان بجاه من لذنا بجواره مولانا أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) أمير الأنس والجان, وتتبادل فيه العواطف بحرمة مولاتنا فاطمة الزهراء سيدة النساء حتى نساء مكة والطائف.

 

البيان الذي أصدره سماحته عندما استفحل الانشقاق

بين المسلمين

بسم الله الرحمن الرحيم

ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

أيها الملأ الصالح المتجه نحو اللطف الإلهي بأبهى تحية ورعاكم بأحسن رعاية, أمامكم مشكلة لم يمر بمثلها الزمن, وهي تفشي الإلحادية بألوانها الجذابة وغلبة المادة العمياء بسواحرها الفتانة, وما أدري كيف نستقبل وتستقبلون هذا الحدث العظيم وأنتم بهذا التخاذل والتخاصم يأكل بعضكم بعضا قد عبثت فيكم الأهواء, وشقتكم المبادئ التي لم ينزل الله بها من سلطان. فعليكم بالتمسك بالمبادئ الدينية, والمعارف الإلهية, والقوانين التي أنزل بها القرآن الشريف, والولاء لأهل البيت ( عليه السلام ) حيث قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ): (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا) وكونوا يدا واحدة يشد بعضكم بعضا في سبيل الدعوة للدين الحنيف ,وإحياء كلمة الله وتركيز الدين في النفوس,فإنه التحفة السماوية التي ضمنت للعالم الإنساني سعادة الدارين وخير النشأتين.

يا قوم أن الرائد لا يكذب أهله - يمينا غير غموس - أن العالم اليوم في صراع مستمر والأوضاع فيه أصبحت محفوفة بالمخاطر والمخاوف, والمسالك وعرة مشحونة بالإبر والأشواك, والحرب الضروس التي تحرق اليابس والأخضر ماثلة أمام الأبصار والحق تطغى عليه القوة وعلى الأماني المنايا, وأصبح الشباب على شفا جرف هار يوشك  أن تلتهمه نيران المطامع الأجنبية والدسائس الاستعمارية, وما ذاك إلا لضعف العقيدة الدينية في النفوس وعدم تركيزها في القلوب وأنتم المسؤولون أمام الله يوم لا ينفع مال ولا بنون. فالله الله بمعارفكم الإلهية, والله الله بمقدساتكم الدينية فإنها ستحفظكم من كل سوء وخطر  وتوصلكم لحياة سعيدة تطفح ضفتاها بالفلاح والنجاح.


 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


(1) بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج96/ ص304/ رواية19/ باب37.

(1) قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في وصيته (الله الله في الزكاة فأنها تطفئ غضب ربكم). بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج96/ ص20/ رواية44/ باب1.

(1) ابن المتوكل عن أسعد آبادي عن أحمد بن النظر عن عمرو بن شمر قال سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) (حصنوا أموالكم بالزكاة وداووا مرضاكم بالصدقة وما تلف مال في بر ولا بحر إلا بمنع الزكاة).بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج96/ ص20/ رواية45/ باب1.

(2) بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج75/ ص172/ رواية10/ باب58.

(3)عن البرقي عن السيار عن الحارث بن دلهاث عن أبي الحسن الرضا ( عليه السلام ): (إن الله عز وجل أمر بثلاث مقرون بها ثلاث أخرى أمر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزكِ لم تقبل منه صلاته وأمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتقي الله عز وجل). بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج74/ ص68/ رواية40/ باب2.

(4) عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال (الصدقة باليد تقي ميتة السوء وتدفع سبعين نوعاً من أنواع البلاء).

(5) بحار الأنوار/المحدث محمد باقر المجلسي/ج96/ص127/ح48/باب14.

(1) سورة التوبة، الآية (34-35).

(2) سورة المدثر، الآية (42-44).

(3) سورة الماعون، الآية (1-3).

(4) سورة الحاقة، الآية (25-34).

(5) سورة آل عمران، الآية (180).

(6) علي عن أبيه عن ابن أبي عمير عن عبد الله بن مسكان عن محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد الله  عليه السلام   عن قول الله (عز وجل ) [ سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة] فقال يا محمد ما من أحد يمنع من زكاة ماله شيئا إلا جعل الله ذلك يوم القيامة ثعباناً من نار مطوقا في عنقه ينهش من لحمه حتى يفرغ من الحساب ثم قال هو قول الله (عز وجل ) [سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة ] يعني ما بخلوا به من الزكاة، بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج7/ ص195/ رواية65/ باب8.

(1)الحسين بن إبراهيم القزويني عن محمد بن وهبان عن محمد بن أحمد بن زكريا عن الحسين بن فضال عن علي بن عقبة عن أسباط بن سالم عن أيوب بن راشد قال سمعت أبا عبدالله( عليه السلام ) يقول (مانع الزكاة يطوق بحية قرعاء تأكل من دماغه وذلك قول الله تعالى [سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ]، بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج7/ ص182/ رواية28/ باب8.    

(2) وروى بعض الأفاضل من جامع البزنطي عن جميل عن رفاعة عنه( عليه السلام ) مثله, وروى بهذا الإسناد عنه( عليه السلام ) أنه قال (ما فرض الله على هذه الأمة شيئا أشد عليهم من الزكاة وفيه تهلك عامتهم). بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج96/ ص22/ رواية51/ باب1.

([16]) سورة التوبة، الآية (34-35).

([17])عن البرقي عن السياري عن الحارث بن دلهاث عن أبيه عن أبي الحسن الرضا( عليه السلام ) قال(إن الله (عز وجل ) أمر بثلاثة مقرون بها ثلاثة أخرى أمر بالصلاة والزكاة فمن صلى ولم يزك لم تقبل منه صلاته وأمر بالشكر له وللوالدين فمن لم يشكر والديه لم يشكر الله وأمر باتقاء الله وصلة الرحم فمن لم يصل رحمه لم يتق الله (عز وجل )). بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج74/ ص68/ رواية40/ باب2. 

([18]) سورة الليل، الآية (5-21).

([19]) سورة الأعلى من الآية (6-19).

([20]) عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن صالح بن عقبة عن يزيد بن مالك عن أبي عبد الله( عليه السلام ) قال: (تزاوروا فإن في زيارتكم إحياء لقلوبكم وذكر لأحاديثنا وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم وهلكتم فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم)، بحار النوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج: 74/ ص: 258/ رواية: 56/ باب: 15.

([21]) (الكافي) بالاسناد المتقدم عن محمد بن سليمان عن محمد بن محفوظ عن أبي المغرا قال: سمعت أبا الحسن( عليه السلام ) يقول: (ليس شيء أنكى لإبليس وجنوده من زيارة الأخوان في الله بعضهم لبعض)، بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج: 63/ ص: 258/ رواية: 131/ باب: 3.

([22]) (كتاب الإمامة والتبصرة) عن محمد بن عبدالله عن محمد بن جعفر الرزاز عن خاله علي بن محمد عن عمرو بن عثمان الغزاز عن النوفلي عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه ( عليه السلام ) قال: قال رسول الله (8): (الزيارة تنبت المودة) وقال (8): (زر غباً تزدد حباً)،بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج: 74/ ص: 355/ رواية: 36/ باب: 21.

([23]) بالاسناد المتقدم عن صالح بن عقبة عن عقبة عن أبي عبد الله( عليه السلام ) قال: (لزيارة مؤمن في الله خير من عتق عشر رقاب مؤمنات ومن أعتق رقبة مؤمنة وقى الله( عز وجل  ) بكل عضو عضوا من النار حتى أن الفرج يقي الفرج)، بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج: 74/ ص: 349/ رواية: 13/ باب: 12.

([24]) عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن يزيع عن صالح بن عقبة عن عبد الله بن محمد الجعفي عن أبي جعفر وأبي عبد الله( عليه السلام ) : قالا (أيما مؤمن خرج إلى أخيه يزوره عارفا بحقه كتب الله له بكل خطوة حسنة ومحيت عنه سيئة ورفعت له درجة فإذا طرق الباب فتحت له أبواب السماء فإذا التقيا وتصافحا وتعانقا أقبل الله عليهما بوجهه ثم باها بهما الملائكة فيقول انظروا إلى عبدي تزاورا وتحابا في حق على إلا أعذبهما بالنار بعد ذا الموقف فإذا انصرف شيعه ملائكة عدد نفسه وخطاه كلامه يحفظونه عن بلاء الدنيا وبوائق الآخرة إلى مثله تلك الليلة من قابل فإن مات فيما بينهما أعفى من الحساب وإن كان المزور يعرف من حق المزائر ما عرفه الزائر من حق المزور كان لله مثل أجره). بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج: 76/ ص: 34/ رواية: 32/ باب: 100.

([25]) روي عن أبي محمد الحسن بن علي العسكري( عليه السلام ) أنه قال: (علامات المؤمن خمس الصلاة، زيارة الأربعين، التختم باليمين، وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم). بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج: 101/ ص: 106/ رواية: 17/ باب: 14.

([26]) أخبرنا جماعة من أصحابنا عن أبي محمد هارون بن موسى بن أحمد التلعكبري قال حدثنا محمد بن علي بن معمر قال حدثني أبو الحسن علي بن محمد بن مسعده والحسن بن علي بن فضال عن سعدان سعدان بن مسلم عن صفوان بن مهران الجمال قال: (قال لي مولاي الصادق صلوات الله عليه في زيارة الأربعين تزور عند ارتفاع النهار وتقول السلام على ولي الله … إلى أخر الزيارة)، بحار الأنوار، المحدث محمد باقر المجاسي، ج: 101، ص: 331، رواية: 2، باب: 25.

([27]) سورة الزلزلة، الآية (7-8).

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD