العرف

حقيقته وحجيته

تأليف

 الشيخ أسعد كاشف الغطاء

   

 

 

مقدمــة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.

وبعد:

لما وجدت ان موضوع العُرْف من المواضيع التي اختلف الأصوليون فيها من حيث الحجية وعدمها وأنها أصل أم لا وهل السيرة داخلة في العرف أم لا فبادرت إلى جمع شتات الموضوع ومعرفة آراء المتقدمين منهم والمتأخرين للوصول إلى حقيقته وحجيته مع مراعاة عدد الصفحات والاقتصار على الأهم ثم المهم ليتضح من خلال ذلك خلاصة البحث.

وقد رتبته إلى مقدمة وسبعة فصول :الفصل الأول في تعريفه، والثاني في أنواعه، والثالث في الفرق بينه وبين السيرة والإجماع والعادة،و الرابع في حجيته،والخامس في الأصل، والسادس في الاعتبار، والسابع في القواعد المترتبة عليه، وخاتمة،وسائلاً الله تعالى قبول البحث هذا والتوفيق لإتمامه ببركة جوار مولانا أمير المؤمنين -عليه السلام-.

أسعد كاشف الغطاء

1415هـ  النجف الأشرف

                                                              

الفصل الأول

تعـــريف العــــرف

أولاً: لغة

ثانياً: اصطلاحاً

إن تعريف العُرْف لغة: ضد النُّكر، والمعروف ضد المنكر، والمعروف: كالعُرْف، يقال أولاه عرفاً أي معروفاً. جاء في لسان العرب ((والمعروف: ضد المنُكر والعُرْف: ضد النُّكر يقال: أولاه عرفاً أي معروفاً والعرف والمعارفة والمعروف واحد: ضد النُّكر، وهو كل ما تعرفه النفس من خير وتأنس به وتطمئن إليه))(1) وفي القرآن الكريم أشير إلى العُرْف بالمعنى اللغوي فقال تعالى ((خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين))(2)والعرف هنا ((بمعنى المعروف وهو كل ما حسن في العقل فعله أو في الشرع ولم يكن منكراً ولا قبيحاً عند العقلاء وقيل بكل خصلة حميدة))(3)  وقوله تعالى ((والمرسلات عرفاً))(4)فالعرف هنا قيل بمعنى  المعروف أي ((المراد بها الأنبياء جاءت بالمعروف))(5).

وأما اصطلاحاً فقد عرفه سماحة آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء((وهو ما تعارف واعتاد بين الناس فعله أو تركه أو قوله وهو المسمى بالعادة العامة ويسمى بالســيرة مع عدم رد الشارع عنه))(6)كما عرفه الخلاف فقال ((العرف هو ما تعارفــه الناس وساروا عليه من فعل أو قول أو ترك ويسمى العادة))(7) وان هذين التعريفين أقرب إلى هذا الفن كما سيتضح من خلال ذكر التعاريف وترجيح مـا ظـهر الراجح ترجيحه منها.فعرَّفة الجُرجاني بقوله:

 ((العرف ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول))(1)وقريب من هذا التعريف ما عرَّفه علي حيدر في شرحه للمجلة قال:((العادة هي الذي يستقر بالنفوس ويكون مقبولاً عند ذوي الطبائع السليمة بتكراره المرة بعد المرة والعرف بمعنى العادة))(2) ويرد على هذين التعريفين كما ذكر الأستاذ الحكيم((أخذها شهادة العقول وتلقى الطباع له بالقبول في مفهومه مع أن الأعراف تتفاوت وتتختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة فهل تختلف العقول والطباع السليمة معها أم ماذا؟ ثم ان قسماً من الأعراف سموها بالأعراف الفاسدة فهل أن هذه الأعراف مما تقبلها العقول والطباع السليمة ؟ وكيف يتسع التعريف لها وهي مجانبة للسليم من انطباع مع انهم جميعاً يذكرون في تقسيماته انقسامه إلى فاسد وصحيح إلى غير ذلك مما يرد عليها))(3) وعرفه الأستاذ محمد مصطفى شلْبي فقال ((فالعرف إذاً هو ما تعوّده الناس أو جمع منهم وألفوه حتى استقرت في نفوسهم من فعل شاع بينهم أو لفظ كثر استعماله في المعنى خاص بحيث يتبادر منه عند إطلاقه دون الأصل))(4) ويرد عليه ان فيه زيادة هي :(حتى استقرت في نفوسهم) حيث يكفي بقوله (ألفوه) لان معناهما واحد، هنا أيضا فيه نقص وهو لم يذكر عادة الناس من الترك وأما الأستاذ بدران أبو العينين بدران فقد عرف انه ((ما اعتاده جمهور الناس وألفوه من قول أو فعل تكرر مرة بعد اخرى حتى تمكن أثره في نفوسهم وصارت تتلقاه عقولهم بالقبول-ثم قال- ليس المراد به كل ما عرفه الناس وألفوه بل ما عرفه أهل العقول الرشيدة والطباع السليمة))(1) ويرد عليه كما ورد على الجرجاني من ذكر (الطباع السليمة) حيث ان هنالك عرف فاسد الذي ينتج طباعاً غير سليمة (وأهل العقول الرشيدة) وان العرف يتغير والعقول تتغير مع ان العرف ينطبق على كل واحد سفيه أو صبي كبير أو صغير وكما قال (عقولهم بالقبول) وهنالك أعراف لا يرتضيها بعضهم من الأعراف الفاسدة مثل الغناء في الشوارع وشرب الخمور فان العقول لا تتقبلها دون بعضهم ، وهنالك نقص فيه عدم ذكر الترك.

 ومن هذه التعاريف يظهر أن تعريف سماحة آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء والأستاذ الخلاف أقربهما إلى هذا الفن من حيث عدم ورود ما ورد على غيرهما من التعاريف .

 

الفصل الثاني

أنــواع العـــرف

1- العرف العملي .

2- العرف القولي (الحقيقة العرفية).

3- العرف العام .

4- العرف الخاص .

5- العرف الصحيح .

6- العرف الفاسد .

مما يتضح من التعريف ونلحظه في حياتنا. ان العرف يتنوع الى نوعين عرف عملي، وعرف قولي.

الاول: العرف العملي:

((وهو ما اعتاد عمل الناس في حياتهم وكان متعارفاً في تصرفاتهم ومعاملاتهم وأفعالهم))(1) وله مصاديق كثيرة في حياتنا اليومية. كالبيع بالتعاطي في أشياء كثيرة(المعاطاة). وتعارفهم تقديم جزء من المهر وتأجيل باقيه  وتعارفهم تعجيل الاجرة قبل استيفاء والمنفعة في اجارة المساكن والنقليات كما تعارفوا على السبح في الحمامات العامة والجلوس في المقاهي بأجور معينة دون تحديد لزمن البقاء ....

الثاني: العرف القولي (اللفظي)

ويطلق عليه (الحقيقة العرفية) ((وهو ما تعارف الناس على إطلاق لفظ على معنى غير معناه اللغوي بحيث يتبادر منه هذا المعنى العرفي عند إطلاقه من دون حاجة إلى قرينة -ثم قال- حتى سموا استعمال اللفظ فيه حقيقة عرفية))(2) كاستخدامهم لفظ الولد في الذكر مع انه يشمل الذكر والأنثى. كما في قوله تعالى ((يوصيكم الله في أولادكم…))(1) فان الآية دالة على الاستعمال في الذكر والأنثى بخلاف العرف فانه يدل على الذكر فلو ذكر في الوصية مثاله (ان ما أوصيه إلى ولدي الأكبر)فانه يحمل على الولد الأكبر دون الأنثى.  وكذا لفظ الدابة فان العرف إنما أستعملها في ذوات القوائم خاصة مع انها موضوع لكل ما يدب على الأرض. وكـــــــــــذا إطـــــــلاق لفـــــــظ اللـحم على غير السمك مع ان القرآن صـــــــرح بــأنـــه لحـمٌ قــــال تعـــــــــالى ((وهــــــو الــذي سخر البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً))(2) فلو نذر على ان لا يأكل لحماً فأكل سمكاً لم يأثم، وذلك لمعرفة الموضوع وتشخيصه يرجع للمعنى المراد من العــرف ولا ريب  من ان العرف يوجب انعقاد الظهور للفظ في ما يستعمل فيه. وتعارفوا ((أطلاق كثير من الألفاظ في الايمان والنذر على معان خاصة تغاير معانيها اللغوية. كقولهم في الحلف والله لا أضع قدمي في دار فلان، وفي النذر: عليَّ المشي الى بيت الله، فأنهم أرادوا بالاول الدخول لا حقيقة وضع القدم والثاني المسجد الحرام لا كل مسجد مع ان المساجد كلها بيوت لله))(3).

كما ان العرف العملي والقولي يتنوع الى نوعين عرف عام وخاص.

النوع الأول العرف العام:

وهو العرف الذي يشترك فيه جميع الناس على اختلاف ازمانهم وبيئاتهم وثقافاتهم ومستوياتهم والذي يتعارفه أهل البلد عامتهم وما تعارفه الناس في عصر ومصر قديماً وحديثاً. كتعارف الاستصناع وهو الاتفاق على صنع اشياء معينه من بيع المعدوم. وتعارفهم وقف المنقول من الكتب وغيرها.

وينقسم العرف العام الى قسمين (بناء العقلاء) و (سيرة المتشرعة).

الاول (بناء العقلاء) أو (السيرة العقلائية): وهو ما شارك بين العقلاء في الفعل أو العمل واعتادوا عليه ويكون هذا الفعل او العمل متعارفاً بين المسلمين وغيرهم من الملل والديانات الاخر ومثال ذلك ((سيرة العقلاء وبناؤهم العملي على الرجوع الى اهل الخبرة الموثوق بهم في جميع الامور التي يحتاج في معرفتها إلى خبرة))(1) واستدللنا على انه من العرف العام من أقوال العلماء نذكر قول السيد الحكيم ((فهو -يعني العرف العام-أقرب إلى ما أسموه ببناء العقلاء))(2) وكذا يتضح من تعريف بناء العقلاء أنه قسم من العام.

الثاني (سيرة المتشرعة) أو (عرف المسلمين): كما يسمى (سيرة المسلمين) و(سيرة المتشرعة)وهو ما تعارفوا واعتادوا عليه المسلمون أو خصوص أهل نحلة خاصة منهم على فعل أو ترك. ومثاله سيرتهم في عقد الفضولي وبيع المعاطاة واستدل عـلى أنه قسمٌ من العرف العام كثير من العلماء يذكر العرف أو يقول السيرة ومن هذه الأقوال ما ذكره آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء عندما تكلم عن العرف فقال ((وهو المسمى بالعادة العامة ويسمى بالسيرة مع عدم ردع الشارع عنه))(3)وقال السيد محمد تقي الحكيم عند بحثه عن العرف ((وانما يكشف منه هذا الحكم بعد اثبات كونه من الأعراف العامة -إلى ان قال- ويدخل ضمن هذا المجال كل ما قامت عليه سيرة المتشرعة أو بناء العقلاء))(4) ويتضح من هذا أنه قسمٌ من العرف العام.

النوع الثاني العرف الخاص:

 وهو ما تعارف عليه فئه من الناس من فعل أو ترك أو قول كالأعراف التي تسود في بلد أو قطر خاص تطرأ بين أرباب مهنة خاصة أو علم أو فن كأهل الأصول واصطلاحاتهم وأهل النحو واصطلاحاتهم.

    والـعـرف الــعام والخاص يـتـنـوعان الى عرف صحيـح وعرف فاسـد

 فالعرف الصحيح : هو ((ما تعارف الناس وليست فيه مخالفة لدليل من الادلة ولا يفوِّت مصلحة ويجلب مفسدة))(1) أو ((هو ما لا يعارض دليلاً شرعياً ولا يبطل واجباً ولا يحرم محرماً))(2) كما تعارف في بعـض البلدان بان يبعث الرجل إلى المرأة التي يريد ان يتزوجها شيئاً من الحلي يكون عنواناً تأكيداً عملياً على الموافقة الرجل من المرأة ويسمى هذا بـ(النيشان) ولا يعتبر من المهر إلا أن ينص عليه ، وتعارفهم ان ما يقدمه الخاطب لمخطوبته من حلي وثياب وحلوى يعتبر هدية لا من المهر، وكذا تعارفهم على وقف بعض المنقولات كالكتب العلمية.

وأما العرف الفاسد :فهو ((ما تعارفه الناس وكان مخالفاً لأدلة الشرع))(3) أو ((ما يعارض دليلاً شرعياً ويبطل الواجب أو يحل الحرام))(4) كتعارفهم على مشي النساء وراء الجنائز، وخروج النساء متبرجات والسبح في المسبح مع اختلاط النساء بالرجال وانتشار الغناء في الشوارع والبيوت ونرى كثيراً من الأعراف التي اتخذت من الغرب وأثرت في المسلمين من لعب القمار واختلاط النساء بالرجال في الدخول إلى الجامعات والمدارس من دون الالتزام بالحجاب الإسلامي وقد قال بعض الكتّاب المتأخرين ان الجاهلية تعود بعد الإسلام.

(الحقيقة العرفية)

(الحقيقة اللفظية) هي وضع اللفظ بأزاء المعنى المستعمل أو هو الذي يقع بين المتخاطبين وتنقسم الحقيقة الى:ــ

 (حقيقة لغوية) نحو استعمال لفظ الصلاة بمعنى الدعاء .

و إلى (حقيقة عرفية) كاستعمال لفظ الفقه في الأحكام الشرعية .

والى (حقيقة شرعية) كاستعمال الصلاة في الهيئة المخصوصة التي شرعها الشارع المقدس.

ان الحقيقة اللغوية والعرفية لم يقع فيهما الخلاف بالنسبة إلى الوضع واما الحقيقة الشرعية    فقد وقع فيها الخلاف بين الأصوليين.والظاهر ثبوتها

وأما لفظ (العرف) فتستعمل عند السيرة المتشرعة في حقيقتها العرفية وأما الشرع فقد  استعملها في حقيقتها اللغوية أي بمعنى (المعروف).

 

 

 

الفصل الثالث

في

الفرق بين العرف والعادة

الفرق بين العرف والإجماع

الفرق بين العرف وبناء العقلاء وسيرة المتشرعة

الفرق بين العرف والعادة

 لا فرق بين العرف والعادة في (الحقيقة العرفية) وهما عند الناس سواءٌ فهم  يرون ((أنهما مترادفان فإذا عطف أحدهما على الآخر فقيل هذا الحكم ثابت بدلالة العرف والعادة يكون ذلك من باب التأكيد لا التأسيس))(1) ويؤيد كونهما مترادفين ما قرّره المحققون من العلماء ومن ذلك ما ذكر آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء عند تعريفه للعرف قال ((ويسمى بالعادة العامة))(2) وذكر الخلاف بعد تعريفه للعرف قال ((ويسمى بالعادة))(3) ويتضح من سيرة المتشرعة ان العرف هو العادة كما نلمسه في حياتنا الاجتماعية مع الناس فضلاً عن العلماء.

وقد فرق شلْبي بين العرف والعادة فقال ((والتحقيق أن العادة أعم من العرف فهو نوع منها لان العادة هي الأمر المتكرر مأخوذة من العود أو المعاودة بمعنى التكرار فإذا فعل إنسان فعلاً من الأفعال وتكرر منه حتى اصبح سهلاً عليه إتيانه وشق عليه تركه سمي ذلك عادة له وكما يكون الشيء من فرد يكون من الجماعة وتسمى الأولى عادة فردية وكما تسمى الثانية عادة اجتماعية والعرف لا يصدق الا على النوع الثاني))(4) والرد عليه قررناه عند عدم الفرق وبزيادة انه قد لاحظ العرف والعادة بحقيقتهما اللغوية حيث ان العرف بمعنى المعروف والعادة بمعنى التكرار أما في لحاظ حقيقتهما العرفية الخاصة فلا فرق.

الفرق بين العرف والإجماع

الفرق بينه وبين الإجماع ان الإجماع لا يكون ألا باتفاق الأمة أو مجتهديها أو مجتهدي مذهب على اختلافٍ في المباني واختلاف تعاريف الإجماع ،وفي عصر من العصور ولا يمكن ان يغير في باقي العصور أما العرف فلا يشترط فيه أهليه اجتهاد ولا غيره .

وكذا فان العرف كما يتحقق بتوافق الناس جميعاً يتحقق بتوافق غالبهم ولا يؤثر شذوذ بعضهم فيما عليه العرف ولا ينقص من اعتباره وليس كذلك الإجماع حيث انه يعتبر عنصر الاتفاق مأخوذاً في تحققه فلا يتحقق الإجماع عند مخالفة من بعضهم فتكون مانعة من تحققه فلا يعد إجماعا.

وكذا ان الإجماع اذا كان عملياً يوجد بفعل المجتهدين مرة واحدة وأما العرف فلا يتحقق الا بتكرار الفعل كثيراً حتى يصير متعارفاً.

وان الإجماع متى تم كان ملزماً للمجمعين وغيرهم وأما العرف فلا يكون كذلك.

ان حكم العرف غير ثابت فهو متجدد بتغير العرف لهذا قالوا الفرع يتغير حسب الأصل. أما الإجماع بعد انعقاده فلا يتغير فيه بل لا يكون محلاً لاجتهاد مجتهد.

الفرق بين العرف وبناء العقلاء

لا فرق بين العرف وبناء العقلاء من الناحية العملية حيث ان السيرة العرفية هي عين السيرة العقلائية وذلك تشابهً بلألفــاظ مـثل لفظـي القضاء والقدر، والفقير والمسكين يراد منهما معنى واحد من الناحية العملية، كما انه اذا اجتمعا يراد منهما معنيان وان افترقا فلهما معنى واحد. ولكن عند اجتماع السيرة العرفية في الأصول يكون بينهما فرق كما حقق في موضوعة.

هذا ما أفادني به الدكتور الأستاذ الشيخ عباس كاشف الغطاء في تقريراته لبحوث سماحة الحجة السيد محمد الصدر واليك نصها قال ((السيرة العرفية هي عين السيرة العقلائية، وهنا فروق محتملة بينهما. انه لا فرق بينهما وذلك تشبيهاً بلالفاظ مثل القدر والقضاء، والفقير والمسكين، أي يراد منها معنى واحد من الناحية العملية وان كانت تختلف مفهومها. اذا اجتمعا اختلفا في المعنى واذا افترقنا اجتمعا. باجتماع السيرة العقلائية والسيرة العرفية في الأصول فلا بد لهما من الفرق.

1-ان العقلاء او السيرة العقلائية تعرف من مجموع البشر، وان كان الارتكاز أو السيرة الخاصة بمكان معين سيرة عرفية وهي اضيق مجالاً من السيرة العقلائية.

2- العمق في الفكر لان العمق على ثلاثة أقسام منها العمق وادراكه للواقعيات أي ما ينبغي له ان يعمل وما ينبغي له أن يترك، وثانية غير واقعي ولكن دقيق فهو عقلائي وتارة غير واقعي وغير دقيق فهو عرفي. فالفرق في الدقة والإدراك في المستوى.

3- ان العقلاء يقدمون لنا الكبرى والعرف يقدم لنا الصغرى، فالحاجة الى التفاهم كبرى، واللغة صغرى، وهي عرفية، فالعرف يقدم التطبيقات أي الصغريات))(1)

الفرق بين العرف وسيرة المتشرعة

ان السيرة العرفية وسيرة المتشرعة بينهما عموم وخصوص مطلق حيث كل افراد السيرة وهم المسلمون أو مذهب او ملة معينة ضمن أفـراد العرف حيث العرف يشمل المسلمين وغيرهم.

ان سيرة المتشرعة يجب ان تكون ممتدة الى عصر المعصوم والمعصـوم يقــره أما العرف فيكون في عصر المعصوم وفي غير عصر المعصوم ويكون في عصر معين وزمان معين كما في العرف الحالي. هذا بملاحظة الفقيه أما مـــن الناحية العملية فلا فرق بين العرف والسيرة.

الفرق بين السيرة وبناء العقلاء

كما تقدم لا فرق بين السيرة وبناء العقلاء من الناحية العملية أما بملاحظة الفقيه يكون هنالك اختلاف من  وجوه:

1- ان سيرة المتشرعة إنما تكون مؤسسة وأما السيرة العقلائية فتكون إمضائية.

2- ان الشارع هو رئيس العقلاء (أي من ضمن العقلاء) اما ان يكون متحد المسلك أو مختلف وأما سيرة المتشرعة فيكون خارجاً عنهم ويقره أو لايقره.

3- بينهما عموم و خصوص مطلق حيث ان المسلمين هم المعنيون بالسيرة أما البناء فيشمل المسلمين وغيرهم.

4- ان سيرة العقلائية لا تكون بنفسها كاشفة عن موقف الشارع، وانما تكشف عن ذلك بضم السكوت الدال على الامضاء وأما سيرة المتشرعة فبالإمكان اعتبارها بنفسها كاشفة عن الدليل الشرعي على اساس ان المتشرعة حينما يسلكون سلوكاً بوصفهم متشرعة يجب ان يكونوا قد أحرزوا موافقة الشارع عليه وبكلمة أخرى ان الإجماع المذكور يكشف عن رواية غير مكتوبة ولكنها معاشة سلوكاً وارتكازاً بين عموم المتشرعة.

تنبيه: ان العرف وسيرة المتشرعة وبناء العقلاء تتحد في الحجية وعدمها.

الفصل الرابع

في

العرف حجة أم لا

المثبتون لحجية العرف وأدلتهم

النافون لحجية العرف وأدلتهم

القول الراجح

ان العرف تارة يستدل به على تشخيص موضوع الحكم الشرعي وهذا صحيح لان الاحكام الشرعية يرجع في مواضيعها للعرف وفهمه لانهم هم المخاطبون بها-وسوف نبحث هذا القسم في الفصل السادس بعنوان العرف وتطبيقاته-وتارة يستدل به على الحكم الشرعي وهو بحثنا في هذا الفصل.

لاشك ولا ريب في ان العرف يستدل به على الحكم الشرعي ويثبت حجية العرف اذا اقتضى ثبوته في زمن المعصوم مع عدم ردعه عنه وتمكنه من الردع. فيكون حجة بالإقرار واتحاد مسلكه معهم. وهذا لا بحث لنا فيه لعلمنا ان إقرار المعصوم هو حجة.

اما اذا لم نعلم ونشك هل هذا العرف أقره المعصوم أو لا؟ وقع الخلاف فيه فاثبت حجيته بعضهم وهم الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

ونفى حجيته البعض الآخر وهم الأمامية.

المثبتون لحجية العرف وأدلتهم:

لقد اثبت حجية العرف الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة بالكتاب والسنة والإجماع. وزاد الحنفية والمالكية حتى اتخذوه أصلاً من أصول الاستنباط ــ سوف نبحث هذا الموضوع في الفصل الخامس بعنوان هل العرف اصل أو لا ؟ــ وذكر الأستاذ بدران قائلاً ((لا نعرف أحداً من الفقهاء نازع في اعتبار العرف مصدراً ودليلاً تبنى عليه الأحكام الفقهية ومن يستقرأ أقوال المتقدمين والمتأخرين يجد كثيراً من العبارات الدالة على حجية عرف الناس وعاداتهم))(1) كما ذكر الأستاذ محمد مصطفى شلْبي ((ان الأئمة أصحاب المذاهب اعتبروا العرف وعملوا به وان نازع بعض الأصوليين في ذلك بحكاية الخلاف فيه. لان الخلاف لم يكن في أصل اعتباره ولكنه في تطبيقه في بعض جزئياته أو في التوسع والتضييق في نطاقه))(1) والأدلة التي سيقت للمثبتين كما يلي:

1-الكتاب العزيز:

استدل لحجية العرف من الكتاب العزيز قوله تعالى ((خذ العفو وأمر بالعرف وأعرف عن الجاهلين))(2) قال الأستاذ بدران((فقد هداهم الى هذا -أي حجية العرف-ما ورد في كتاب الله تعالى من قوله تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف)ويقول القرافي (فكل ما شهدت به العادة قضى به لظاهر هذه الآية))(3).

 2-السنة:

استدل لحجية العرف من السنة بقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ((ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن))(4) قال الأستاذ بدران العينين بدران ((ولان العرف إنما صار حجة بالنص. وهو قوله صلى الله عليه (وآله) وسلم -ما رآه المسلمون. الحديث-))(5) ويقول الكمال بن الهمام ((يستدل على حجية العرف بهذا الحديث))(6) كما استدل به السرخسي قال ((وتعامل الناس من غير نكير أصل من أصول كبير لقوله -صلى الله عليه (وآله) وسلم- ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن))(7) وذكر الأستاذ خلاّف قائلاً ((يدل -الحديث- من بعض وجوه على اعتبار العرف))(1) واستدل بحجية العرف كذلك من اقرار الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- للعرف لما فيه من مصلحة راجحة لا غنى للناس عنه قال الأستاذ شلْبي ولا ادل على ذلك لان الرسول ـ صلى الله عليه (وآله) وسلم وهو المبلِّغ عن الله لم يهدهم كل ما تعودوه العرب في جاهليتهم بل أقر منه الصالح وابطل الفاسد وعدّل ما احتاج إلى تعديل -ثم قال- فيكون ـ صلى الله عليه (وآله) وسلم ــ قد حدد لنا نوع العرف الذي يعتبر اساساً  للتشريع فيما بعد وهو أن ما تعوده الناس مما ليس فيه حكم مقرر يوزن بميزان المصلحة بعيداً عن الأهواء والشهوات ـ ثم قال ـ فإذا كان فيه مصلحة راجحة أو يدفع عنهم مفسدة كبيرة ولا يخل بالمجتمع يقر ويعمل به فيصير شريعة واجبة الاتباع ما دام يحقق ذلك))(2)

3- الإجماع:

استدل لحجية العرف من الإجماع حيث سار جميع الصحابة من بعد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- على ما سار عليه في اعتبار العرف. قال شلْبي ((وقف أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه (وآله) وسلم ـ من بعد موقفه من العادات –ثم قال- وبذلك يكون أصحاب رسول الله قد أكدوا بقاء اعتبار العرف الصالح فيما يجري بين الناس ــ ثم قال ــ  وعلى هذا المنهج سار الفقهاء والمجتهدين من بعدهم))(3)قال الأستاذ خلاف((اما العرف الصحيح فتجب مراعاته في التشريع وفي القضاء-ثم قال-ولان المقصود من التشريع تدبير شئون الناس بما يكفل مصلحتهم والعدل بينهم وما دام عرفهم جارياً على فعل أو ترك في تعاملهم ومتفقاً ومصلحتهم وليست فيه معارضة الشرع فتجب مراعاته وفي هذا العرف قال العلماء -العادة شريعة محكمة- والعرف في الشرع له اعتبار. والإمام مالك بن أنس بنى كثيراً من أحكامه على عرف أهل المدينة. والإمام أبو حنيفة واصحابه اختلفوا في عدة أحكام بناء على اختلاف العرف. والإمام الشافعي لما هبط مصراً غيّر كثيراً من أحكامه لما رأى اهل مصر يغاير اهل العراق والحجاز))(1) ومن هذه النصوص يتضح حجية العرف بالنسبة للمثبتين.

أما النافون لحجية العرف وأدلتهم

ان النافين لحجية العرف هم الأمامية وأدلتهم على عدم حجيته هو نفيهم لأدلة المثبتين وهو كما يلي:

1- أن ما استدل به من الكتاب العزيز لم تكن الآية واردة في العرف في حقيقة العرف وانما الشارع أستخدمها بحقيقتها اللغوية حيث دلت التفاسير على ان ((وأمر بالعرف)) معناه وأمر بالمعروف كما سبق ان ذكرنا في تعريفنا للعرف وفي باب الحقيقة العرفية فراجع.

2- وما استدل من السنة رواية عبد الله بن مسعود من أنه قال ((ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)).

قال السيد الحكيم ((ويرد على هذا الاستدلال بها: انها موقوفة على ابن مسعود ولم يروها احد عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وربما كانت كلاماً له لا حديثاً عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومع هذا الاحتمال لا تصلح للدليلية))(2) فيكون الحديث كلاماً لابن مسعود لا حديثاً عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) و قال ايضا ((وهي لا تصلح للحجية بالإضافة إلى ان العرف لا علاقة له بعوالم الحسن لعدم ابتنائه عليها غالباً وما اكثر الأعراف غير المعللة لدى الناس والمعلل منها -أي الذي يدرك العقل وجه حسنه نادر جداً- ثم قال- هذا الحديث لا يزيد على كونه تأكيداً لحكم العقل أو انه من أدلة الإجماع))(1) أو من ادلة الاستحسان كما ذكر من ادلتها.

واما الاستدلال بالسنة أعني تقرير المعصوم فهو لا خلاف في حجيته لو حصل ولكن المعصوم لم يقر أصل العرف وانما أقر ما كان فيه نفع للمسلمين فيكون هذا العرف حجة بأقرار المعصوم ولهذا فالرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يقر كثيراً من الأعراف ويقول شلْبي ((وفي هذا إقرار لمبدأ إعتبار العرف في التشريع غير أنه لم يقره لمجرد كونه عرفاً عمـل الناس به من زمن بعيد والا لأقر كل ما تعوده وأنما أقره لما فيه من مصلحــــة راجحة لا غنى للناس عنها))(2)كما ذكر الأستاذ السيد الحكيم((إن الشارع لم يراع العرف بما انه عرف،وأنما وافقت أحكامه بعض ما عند العرف فأبرزها بطريقة الإقرار، ولذلك اعتبرنا اقراره سنة، وفرق بين ان يقر حكماً لدى أهل العرف لموافقته لاحكامه و ان يعتبر العرف نفسه أصلاً يرجع إليه في الكشف عن الأحكام الواقعية، فمـا اقره من الاحكام العرفية يكون من السنة وليس اصلاً برأسه في مقابلها))(3).

3- وما استدل به من الإجماع من وقوف الصحابة فيما ما سار عليه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا لا يثبت حجية العرف فان عمل

الصحابة ليس بحجة ولو أقرَّ عرفاً أما بطريقة القياس أو بأدلة أخر من الاستحسان أو سد الذرائع أو المصالح المرسلة ومع هذا فان الصحابة في عملهم لا يكون قد أقروا أصل العرف بل أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أقر بعض الأعراف وأنكر شيئاً وأبقى بعضها مجهول الحال فيحمل على الاباحة ظـاهـراً. وأكثر ما استخدم العرف في تشخيص مواضيع الاحكام الشرعية.

وأما موقف الأئمة فأنهم عملوا بالعرف في تشخيص موضوع الحكم الشرعي واختلف فيه الامام مالك فقد اعتبر عرف أهل المدينة لان أكثرهم كان من اصحاب رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وانهم اعلم بأحكامه فكان اعتقاده ان اهل المدينة اكثر علماً بسِنة رسول الله. وأما الحنفية والشافعية والحنابلة أعتبروا العرف لا ن الناس مخاطبين به وهو يبين لهم تشخيص موضوع الحكم فيكون اعتمادهم عليه وأما أقوال العلماء فهي ليست بحجة وهذا الاختلاف في حجيته .

فيكون الاستدلال بالعرف كالملح في الطعام وهو تأكيدي. وذكر الأستاذ بدران ((ان من يدقق النظر في العرف يتضح له بعد البحث والنظر، ان العرف من الأدلة الموصلة للحكم والمساعدة على فهمه: وليس دليلاً واصلاً من الأصول المستقلة بشرع الحكم وبنائه))(1).

القول الراجح:

 من أقوال المثبتين والنافين يتضح القول الراجح وهو بجانب النافين حيث ضعفت أدلة المثبتين كما أفردنا في ترجيح قول النافين هو ما ذكره الأستاذ بدران الذي ذكرناه آنفاً ((إن العرف من الأدلة الموصل للحكم والمساعدة على فهمه))(1) وكما ذكر الأستاذ خلاّف ((والعرف عند التحقيق ليس دليلاً شرعياً مستقلاً وهو في الغالب من مراعاة المصالح المرسلة))(2).

(باب في حجية بناء العقلاء)

ان بناء العقلاء إنما يكون حجة إذا كان يستكشف منه على نحو اليقين موافقة الشارع وامضاؤه لطريقتهم وهذا بديهي ولكن نحن نناقش اطلاق المقدمة القائلة:

ان موافقة الشارع لبناء العقلاء تستكشف من مجرد عدم ثبوت ردعه عن طريقتهم بل لا يحصل هذا الاستكشاف الا بأحد شروط ثلاثة:

1- الا يكون مانع من كون الشارع متحد المسلك مع العقلاء في البناء والسيرة فانه في هذا الفرض لا بد ان يستكشف انه متحد المسلك معهم بمجرد عدم ثبوت ردعه لانه من العقلاء بل رئيسهم ولو كان له مسلك ثان لبينه ولعرفناه وليس هذا مما يخفى.

2- اذا كان هنالك مانع من ان يكون الشارع متحد المسلك مع العقلاء فلابد ان يثبت  لدينا وجريان السيرة العملية حتى في الامور الشرعية بمرائ ومسمع من الشارع فاذا لم يثبت حينئذ الردع منه يكون سكوته من قبيل التقرير لمسلك العقلاء وهذا مثل الاستصحاب فأنه لما كان مورده من قبيل الشك في الحالة السابقة فلا معنى لفرض اتحاد الشارع في المسلك مع العقلاء بالاخذ بالحالة السابقة اذ لا معنى لفرض شكه في بقاء حكمه ولكن لما كان الاستصحاب قد جرت السيرة فيه حتى في الامور الشرعية ولم يثبت ردع الشارع عنه فانه يستكشف منه امضاؤه لطريقتهم.

3- اذا انتفى الشرطان المتقدمان فلابد حينئذ من قيام دليل خاص قطعي على رضا الشارع وامضائه للسيرة العملية عند العقلاء))(1) ومن هذا يتضح ان بناء العقلاء يكون حجة اذا تحقق فيه احد الشروط الثلاثة.

(باب حجية سيرة المتشرعة)

ان سيرة المتشرعة تارة يعلم فيها انما كانت جارية في عصور المعصومين (عليهم السلام) حتى يكون المعصوم احد العاملين بها فلا شك في حجية السيرة قطعاً وتسمى بالإجماع العملي فتكون بنفسها دليلاً على الحكم كالاجماع القولي وانما تكون حجة اذا ثبت من دليل آخر امضاء الشارع لها ولو من طريقة عدم ثبوت الردع من قبله.

وتارة لا يعلم او يشك فيها انها كانت جارية في عصور المعصومين أو انها حدثت بعد عصر المعصوم. فلا نجد مجالاً للأعتماد عليها في استكشاف موافقة المعصوم على نحو اليقين وذلك هو ما نعرف من اسلوب نشأة العادات عند البشر وتأثير العادات في عواطف الناس: ان بعض الناس المتنفذين أو المغامرين قد يعمل شيئاً استجابة لعادة غير اسلامية أو لهوى في نفسه أو لتأثيرات خارجية نحو تقليد الآخرين ويأتي آخر فيقلد الاول في عمله ويستمر العمل فيشيع بين الناس من دون ان يحصل من يردعهم عن ذلك  الغفلة أو التسامح أو لخوف أو لغلبة العاملين فلا يصغون إلى من ينصحهم أو لغير ذلك واذا مضت على العمل عهود طويله يتلقاه الجيل بعد الجيل فيصبح سيرة المسلمين. ويشبه ان يكون من هذا الباب سيرة تقبيل اليد.

ومن أجل هذا لا نثق في السِيرات الموجودة في عصرنا انها كانت موجودة في العصور الاسلامية الاولى ومع الشك في ذلك فاجدر بها ان لا تكون حجة لان الشك في حجية الشيء كاف في وهن حجيته اذ لا حجية الا بعلم))(1).

وقد قيل (اذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال).

شروط حجية السيرة وهي:

1- ان لا يكون العمل المذكور ناشئاً عن المسامحة وقلة المبالاة ولذا لا تكشف سيرتهم في معاملة الاطفال بالبيع والشراء عن رأي الامام مع انه متداول في جميع الاعصار والأمصار.

2- ان لا يكون هناك اجماع قولي أو نص او حكم عقلي على خلاف مقتضى السيرة اذ لا يجامع ذلك الاستكشاف المذكور.

3- ان لا يكون عملهم منتهياً الى تقليد مجتهد اذ لو علم ذلك كشف عن رأي المجتهد ومع الشك لم يكشف عن رأي الامام.

4- ان يحرز وجه العمل وهو العمدة اذ من دونه لا يمكن استكشاف وجه خاص فان العمل الواحد قابل للوجوه العديدة والافعال مسلوبة الدلالة على وجه خاص.

5- عدم كون عملهم عن اكراه.

والحاصل ان اعتبار سيرة العلماء والمسلمين إنما هو لاجل كشفها عن تقرير المعصوم ويشترط فيه كما قرر من علمه -عليه السلام- بما جرت عليه سيرتهم وكون عملهم على سبيل العادة المتعارفة دون طريقة الاعجاز وكشف المغيبات وتمكنه من الردع واحتماله -عليه السلام- لا تردع الفاعل عند ردعه -عليه السلام- عن ذلك الفعل.

القول الراجح في حجية العرف وبناء العقلاء وسيرة المتشرعة

اتضح مما تقدم في كلامنا عن حجية العرف وسيرة وبناء العقلاء إنه:

1- اذا اقر المعصوم العرف أو السيرة أو بناء العقلاء واتحد مسلكه معهم ولم يكن هنالك من منع لردع السيرة او البناء العقلاء أو العرف فيكون حجة.

2- اذا شككنا في اقرار المعصوم ولم نعلم اقراره بالعرف والسيرة وبناء العقلاء فاجدر بها ان لا تكون حجة الا ان الشك في حجية الشيء كاف في عدم حجيتها اذ لا حجة الا بعلم.

واذا ورد الاحتمال بطل الاستدلال.

(مدى دلالة العرف)

ان العرف عندما يكون حجة فاقصى ما يقتضيه ان تدل على مشروعية الفعل وعدم حرمته او يدل على مشروعية الترك وعدم وجوب الفعل.

اما استفادة الوجوب من عرف الفعل والحرمة من عرف الترك فأمر لا يقتضيه العرف نفسه بل كذلك الاستحباب والكراهة الا ان العمل في حد ذاته مجمل لا دلالة  له على اكثر من مشروعية الفعل او الترك.

 

 

 

 

الفصل الخامس

في

العرف أصل أم لا ؟

القائلون بأن العرف أصل

القائلون بأن العرف ليس بأصل

تقدم في حجية العرف ان بعض مثبتي الحجة العرف اتخذه أصلاً في مقابل الاصول الاستنباط وهو الحنفية والمالكية.

ذكر أبو زهرة قال ((هذا -العرف- أصل اخذ به الحنفية والمالكية في غير موضع النص -ثم قال- وهذا يعد اصلاً من اصول الفقه، قد اخذ من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) (ما رآه المسلمون -الحديث-) -ثم قال- ولذلك وقال العلماء في المذهب الحنفي والمالكي ان الثابت بالعرف الصحيح غير فاسد ثابت بدليل شرعي))(1) .

والبعض الآخر لم يتخذوا العرف اصلاً وهم الشافعية قال أبو زهرة ((واعتبار العرف أصلاً من اصول الاستنباط موضع خلاف بين الشافعية والحنفية))(2) وقد قال ابو العينين ((ليس دليلاً واصلاً من الاصول المستقلة بشرع الحكم وبنائه))(3) وكما ذكر خلاف ((والعرف عند التحقيق ليس دليلاً شرعياً مستقلاً))(4) .

والأمامية تقول ليس بأصل ومن أجل معرفة أنه أصل أو ليس بأصل. نذكر مجال العرف.

والعرف له مجالان هما:

1- يستدل به على تشخيص موضوع الحكم الشرعي الذي أوكل الشارع أمر تحديده الى العرف مثل لفظ الاناء والصعيد وكذلك ما هو قيمي وما هو مثلي ((فتشخيص مثل هذه المواضيع مما يرجع به الى العرف وفي هذا

القسم نرى تفاوت الاحكام بتفاوت مواضيعها الناشيء من اختلاف الاعراف بأختلاف الأزمنة والبيئات، فمصارف الزكاة التي ذكرتها الآية المباركة أكثر مواضيعها عرفية))(1) .

2- ما يستدل به على تشخيص الحكم الشرعي وهذا لا يكون الا اذا ثبت أقراره من المعصوم وأنه متحد المسلك مع العرف فيكون حجة يستدل به مثل بيع السلم والاستصناع وعقد الفضولي.

قال السيد الحكيم ((وأنما يكشف منه مثل هذا الحكم بعد اثبات كونه من الاعراف العامة التي تتخطى طابع الزمان والمكان لنستطيع ان نبلغ بها عصر المعصومين ونضمن اقرارهم لها لتصبح سنة بالاقرار))(2) .

هل العرف أصل ؟

يتضح من المجالين اللذين ذكرناهما ان العرف ليس بأصل في مقابل اصول الاستنباط وأنما هو نوع من الاجماع العملي حيث تقدم في المجال الثاني ان العرف لا يكون حجة الا بأقرار المعصوم فهو يكون سنة بالاقرار قال الأستاذ السيد الحكيم ((أما ما يتصل بالمجال الاول فواضح لرجوعه الى السنة بالاقرار لان المدار في حجيته هو اقرار الشارع له لبداهة ان العرف لا يكسبنا قطعاً يجعل الحكم على وفقه، فلا بد من رجوعه الى حجة قطعية وليست هي الا اقرار الشارع أو امضاؤه له –ثم قال- فالشارع امضى الاستصناع او عقد الفضولي مثلاً، وهما حكمان عرفيان ولم يمض جميع ما لدى العرف من احكام، بل لم يمض اصل العرف كما يتوهم ليكون اصلاً في مقابل السنة لعدم الدليل على هذه التوسعة))(1) .

وأما المجال الثاني فهو ليس من كبريات الاصول حيث عرف الاصول (هو ما يقع من كبريات استنباط الاحكام الشرعية) وان هذا المجال يشخص الصغريات لمسائل الاصول ولهذا يقول السيد الحكيم ((فلا يزيد أمره -أي المجال الثاني- على تشخيص صغريات السنة حكماً أو موضوعاً، وقد مضى القول منا ان كل ما يتصل بتشخيص الصغرى لمسألة أصولية، فهو ليس من الاصول بشيء فعد العرف اصلاً في مقابل الاصول لا أعرف له وجهاً))(2) ويتضح مما تقدم ان العرف ليس اصلاً في مقابل الاصول الاستنباط.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل السادس

في

1- العرف وتطبيقاته.

2- اعتبار العرف.

3- العرف والادلة الشرعية.

اتفاق العرف مع الادلة الشرعية

مخالفة العرف مع الادلة الشرعية

4- مخالفة العرف مع القياس والاستحسان والاستصلاح

العرف والتطبيق والاحكام الشرعية

ان العرف تارة يستدل به على تشخيص الحكم الشرعي(وهذا ما تقدم في مبحث الحجية وعدمها الفصل الرابع) وتارة يستدل به على تشخيص موضوع الحكم الشرعي وهذا يكون صحيح ومتفق عليه بين المذاهب الاسلامية وذلك لان الشارع جاء مخاطباً  العرف وفهمه اليه لانهم المخاطبون ولهذا قال شلْبي ((وللعرف عمل آخر لا يقل في اهميته عن كونه دليلاً كاشفاً عن حكم الله وهو تحكيمه في تطبيق الاحكام المطلقة التي تختلف باختلاف البيئات والازمان، فهذه الاحكام يفسرها العرف وهي كثيرة من ذلك))(1) العبادات اغلب مواضيع احكامه راجع الى العرف كما في تعيين الزكاة فان العرف يقول هذا فقير او لا واما بنسبة الى المعاملات فهنالك الكثير ما يترتب موضوعه على العرف ومن ذلك ان الشارع اوجب النفقة الى الزوجة ولكن مقدار النفقة اطلقه ولم يحدده وتركه الى العرف والآية دلت على ذلك قال تعالى ((لينفق ذو سعة من سعته))(2) والاحكام المبنية على العرف تتغير بتغير الزمان والمكان فنرى في الواقعة المترتبة على العرف لها عدة وجهات نظر بين العلماء فيقولون اختلاف في عصر وزمان لا في حجة وبرهان ولهذا وقع اختلاف بين أبي حنيفة وبين محمد بن الحسن حيث كان يجوز بيع دودة القز وبيع النحل بينما ابو حنيفة كان لا يجوز ذلك وان الامام الشافعي عند انتقاله الى مصر غيرّ كثيراً من احكامه وذلك لتغير العرف وهذا راجع الى القول ان الاختلاف في عصر وزمان لا اختلاف في الحجة والبراهان. قال الزرقاء: (( ومن الواضح بعدما تقدم ان جميع ما بنى من الاحكام على العرف يتبدل العرف، بتبدل العرف، ويدور معه كيفما استدار وذلك لان من المقرر فقهاً ان الحكم يدور مع العلة وعن هذا وضعت القاعدة الفقهية القائلة }لا ينكر تغير الاحكام بتغير الأزمان{))(1) .

اعتبار العرف

جاء الاسلام فوجد كثيراً من الاعراف عند الجاهلية فاقر منها الصالح واتخذه بعد ذلك حكماً يجب اتباعه ومن ذلك اقر الدية على العاقلة وشرط الكفاءة في الزواج لهذا درج الفقهاء على اعتباره.

ما يعتبر من العرف وما لا يعتبر: ان الذي اعتبر من العرف هو العرف الصحيح الذي لا يعارض نصاً شرعياً ويكون فيه مصلحة عامة للفرد والمجتمع ((العرف الذي يقره الشرع هو العرف الصحيح الذي لا يخالف دليلاً  من الادلة الشرعية ولا يخالف قاعدة من قواعد الشرع العامة واحكامه الثابته))(2) وقد اعتبره الفقهاء ويجب على المجتهد مراعاته، كما يجب على القاضي اعتباره في قضائه وقد كتب ابن عابدبن الرسالة في العرف وسماها (نشر العرف فيما بني من الاحكام على العرف) ومما قاله (لا بد للحاكم من فقه في احكام الحوادث الكلية، وفقه في نفس الواقع واحوال الناس، يميز به

الصادق والكاذب، ثم يطابق هذا وهذا –ثم قال- وكذا المفتي الذي يفتي بالعرف لا بد له من معرفة الزمان وأحوال اهله))(3).

والادلة على اعتباره هي:

1- ان ما يتعارفه الناس عرفاً صحيحاً يصير من الحاجات إليهم، ويعتبر من مقومات حياتهم، فهم اذا عملوا يصدر عملهم على وفق عرفهم، فما قالوه وما كتبوه وما سكتوا كان حسب ما تعارفوا عليه ولهذا قال العلماء ((المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً)).

2- ان الشارع اعتبر العرف الصحيح فأقرَّ الصحيح منه كالكفاءة في الزواج وابطل العرف الفاسد.

واما العرف الذي لا يعتبر: فهو الفاسد الذي يخالف نصاً أو قاعدة شرعية وهذا لا يعتبر لان الشارع الغاه في احكامه واعتبره معارضاً له ((ان في اعتباره الغاء النص الشرعي وابطال عمله وهو قريب من النسخ فلو صححنا العمل بهذا النوع من العرف لادى الى النسخ ولا نسخ بعد عصر الرسالة بالاجماع))(1).

 وان الفقهاء والاصوليين وضعوا للعرف المعتبر شروطاً وهي:

ان يكون العرف مطرداً او غالباً: والمراد بالاطراد والاغلبية ان يكون متعارفاً بين الناس في حوادثهم ولا يختلفون فيه كما في تأجيل المهر ((فاذا كان متعاملاً به في بعض الحوادث متروكاً في البعض الآخر فلا يصح دليلاً ولا مستنداً، لتعارض العمل به مع الترك))(2) .

ان يكون العرف المراد تحكيمه في التصرفات قائماً عند انشائها: فان العرف المتجدد بعد أمر من الامور الناس لا اعتبار له ((فالعرف الحاكم في أمر من الامور بين الناس يجب ان يكون موجوداً عند وجود هذا الامر ليصح حمله عليه. وهذا احتراز عن العرف الحادث فانه لا عبرة له بالنسبة الى الماضي ولا يحكم فيه))(1). كما لو عقد رجل على امرأة دون ان يصرح بتعجيل بعض المهر وتاجيل بعضه فان العرف الشائع هو الذي يكون فاصلاً في مثل هذا فان العرف يقضى بعدم التاجيل ثم لو حصل نزاع بين الزوجين لسبب ان العرف تغير الى تعجيل بعضه وتاجيل بعضه الآخر فانه يحكم بالعرف الذي كان وقت انشاء العقد، وهو تعجيل جميع المهر، ولا عبرة بالعرف الجديد.

3- ان لا يعارض العرف تصريح بخلافه: هذا شرط يقيد القاعدة في بيان عرف المعاملات (المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً) ((فاثبات الحكم المتعارف في هذه الحال انما هو من قبيل الدلالة فاذا صرح بخلافه بطلت هذه الدلالة، اذ من القواعد الفقهية المقررة انه ((لا عبرة للدلالة في مقابلة التصريح))(2) كما لو تعارف اجارة خياطة ثوب بقدر معلوم ولكن صرح بثمن معين عُين الثمن وترك المتعارف لان (لاعبرة للدلالة في مقابلة التصريح).

4- الا يكون العرف معطلاً لنص، او مناقضاً لاصل من الاصول الشرعية القطعية: وفي معارضة العرف للشرع يكون العرف فاسد غير معتبر لان نص

الشارع مقدم على العرف. وفي اعتبار العرف الخاص يعتبر كاعتبارنا الى العرف العام ولا يلتفت لمن انكر اعتباره لمن انكر فالتجار يعتبر ما يدور بينهم من معاملات حتى قال العلماء (المعروف بين التجار كالمشروك بينهم).

العرف والادلة الشرعية

اتفاق العرف مع دليل شرعي: في حالة اتفاق العرف مع دليل شرعي او اتحاده مع اصل من الاصول الشرعية القطعية فيكون العرف راشداً ومفهماً للحكم كما ذكر سماحة آية الله العظمى السيد عبد الاعلى السبزواري حيث قال ((ولو ورد دليل من اجماع أو نص فهو ارشاد محض الى المرتكزات –أي العقلائية والعرفية- لا ان يكون دليلاً مستقلاً في مقابلها. نعم يمكن ان يلاحظ فيه جهة المولوية ايضاً مضافاً الى الارشاد))(1) ويقول بدران ((ان من يدقق النظر في العرف يتضح له بعد البحث والنظر ان العرف من الادلة الموصلة للحكم والمساعدة على فهمه))(2) .

مخالفة العرف للدلالة الشرعية

قد يخالف العرف دليلاً شرعياً ويكون معطلاً للنص الشرعي اذا اخذ به وهذا العرف لا يأخذ به الفقهاء كما عليهم ان يأمروا الناس بترك هذا العرف والا سلط الله عليهم اشرارهم فيدعون فلا يستجاب لهم.

 وقد يخالف العرف دليلاً شرعياً عاماً وفي هذه الحالة يكون العرف هو المخصص للعام فيكون ظن الدلالة ليس بقطعي.

ومما تقدم يتضح ان للعرف حالتين عند تصادمه مع الادلة الشرعية وإليك الحالتان مع موقف الشارع منهما:

الحالة الاولى (حالة اختلاف العرف مع نص شرعي مخالفة كليه): في هذا الحالة يقدم النص على العرف لان الشريعة جاءت لمصلحة الناس

وارشادهم الى الحسن ما هو حسن ونهيهم عن القبيح بما هو قبيح وعند تقديم العرف يكون تعطيل للنص وبمرور الزمن يصبح الإسلام أثراً لا عيناً.

ومثال ذلك لو تعارف الناس شرب الخمر فان هذا يعارض النص ويجب على الناس ترك هذا العرف والأخذ بالنص الدال على حرمة شرب الخمر. فالنص يكون أمراً ثابتاً ولو خالفه عرف فلا يعتبر أي عرف على خلافه. وقد تقدم ذكر أقوال هذا الخصوص فراجع.

الحالة الثانية (مخالفة العرف للنص الشرعي مخالفة جزئية): في حالة تعارض العرف مع النص معارضة جزئية ففي العرف العام يكون العرف العام مخصصاً للنص وفي هذا اتفق الفقهاء واستدل على تخصيص النص العام بالعرف العـام بالمأثور عن الرسول –صلى الله عليه وآله- ((نهى عن بيع ما ليس عند الانسان ورخص في السلم)). واثبت الحكم الى عقد الاستصناع (انه عقد مع ما ليس عند الانسان) واجاز الفقهاء العمل به لما فيه مصلحة للعقلاء. لان هذا العقد يعمل به جميع الناس وفيه مصلحة للناس ويتحد المسلك مع الشارع فاجمع العلماء على جوازه لجريان العرف به واعتبروا هذا العرف مخصصاً لعموم النص العام.

والامامية اشترطوا في كون  العرف العام مخصصاً ان يكون متحد المسلك مع الشارع وان الشارع يقره واذا لم يتوافر هذا الشرط فان العرف العام لا يخصص.ويكون العرف العام مخصصاً قولياً او عملياً.

اما العرف الخاص فقد وقع فيه الخلاف في تخصيصة فقالت الحنفية ان العرف العام يقوى على تخصيص النص اما العرف الخاص فلا يصلح مخصصاً لنص حيث انه ليس له القوة والسلطة كما للعرف العام كما بقية المذاهب فعندهم يعتبر العرف الخاص.

اما الامامية مع اشتراط تقرير المعصوم وان يكون متحد المسلك مع العرف واما اذا لم يثبت انه مخصص من المعصوم فيبنى على عدم التخصيص.

تعارض العرف مع القياس واستحسان واستصلاح

في حالة تعارضه مع القياس والاستحسان والاستصلاح فان اغلب الاصوليين قد اتفقوا على ترك القياس والاستحسان والاستصلاح في مقابل العرف فهو اقوى منها فيرجع عليهم عند التعارض وقال ((الكمال بن همام انه بمنزلة الاجماع شرعاً عند عدم النص  فيترك به القياس بسبب العرف وايضاً لانه لا يعارضه نص خاص ولا عام مباشرة، فيترك القياس به ويشير الى هذا ما افتى به محمد بن الحسن الشيباني من جواز بيع النحل، ودود القز لما جرى التعامل بذلك في زمنه مع ان امامه أبا حنيفة النعمان كان قد اصدر حكمه في ذلك بعدم جواز بيعهما، لانهما ليسا من الاموال في عصره، وقياسا لهما على هوام الارض كالضفادع. واذا كان العرف يترجح على القياس الذي يستند الى نص تشريعي مباشر فانه يقدم على الاستصلاح الذي لا يستند الى نص بل الى مجرد المصلحة الزمنية التي هي عرضة للتبدل بحسب اختلاف الازمنة)).

الفصل السابع

في

القواعد الفقهية المتخذة من العرف

ان القواعد الفقهية التي استنبطت من العرف كثيرة ولكن قد حصلنا على ما تيسر منها من كتاب القواعد الفقهية وهي:

1-العادة محكمة:

ومعناها ان العرف والعادات يرجع اليها لاثبات الاحكام اذا لم يرد هناك نص واصل هذه القاعدة قوله صلى الله عليه وآله وسلم ((ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن)).

 2-(استعمال الناس حجة يجب العمل به):

أي يعتبر استعمال الناس لامر من الامور وشيوع ذلك في فض النزاع كما لو استعان شخص بآخر لبيع متاعه في السوق وبعد البيع طالبه الرجل باجرته فينظر الى تعامل اهل السوق فان كانت العادة ان يعمل مثل هذا العمل بالاجرة فله اجر مثله والا فلا.

3- (الممتنع عادة كالممتنع حقيقة):

أي ان ما يستحيل عادة ان الجنين الذي في بطن هذه المرأة قد باعني المال الفلاني أو اقر بأن ذلك الجنين قد استقرض منه مبلغاً قدره كذا فادعاه واقراره غير صحيحين لانه اسندها الى سبب يستحيل عادة وكذلك اذا ادعى بنوة شخص اكبر منه سناً.

4- (لا ينكر تغير الاحكام بتغير الازمان):

أي ان الاحكام المبنية على الاعراف والعادات تتغير بتغير الازمان لاختلاف ظروفهم اما الاحكام المبنية على النص فلا تتغير فالفاظ الواقفين تتغير حسب العرف وما استحدث من تركيبه الشهود جائز بعد ان لم يكن ذلك في الايام الاولى لصلاح الناس وورعهم قَلْ.

5- (الحقيقة تترك بدلالة العادة):

أي اذا كان للمصطلح معنيان احدهما حقيقي والآخر عرفي فان المعنى الحقيقي يترك ويحمل المصطلح على المعنى العرفي عند المتعاقدين كما لو استأجر شخص عاملاً بأجرة يومية معينة فاختلفا في الزمن الذي يجب ان يقضيه العامل في عمله فان زمن اليوم الواحد محدد في العرف بساعات معينة حسب الاعراف والعادات ولا يرجع في تغير معناه الى المعنى الحقيقي.

6- (إنما نعتبر العادة اذا اطردت او غلبت).

وهذه القاعدة تعني ان العبرة بالعادات المطردة او الغالبية. لا العادات المنقطعة فاذا كان التعاقد قد جرى على تجهيز بدلات بلبس هيئة معينه انصرف العقد اليها دون غيرها فان لم تكن دون غيرها لم تكن مطردة فلا ينصرف العقد الى نوع ما ما لم يبين ذلك للجهالة العجلة بالعقد.

7- (العبرة للغالب الشائع لا للنادر):

وهي بمعنى القاعدة السابقة كالحكم بالبلوغ اذا بلغ الصبي سن الخامسة عشرة لانه سن شائع.

8- (المعروف عرفاً كالمشروط شرطاً):

ومثل هذه القاعدة قولهم الثابت بالعرف كالثابت بدليل شرعي وقولهم المعروف عرفاً كالمشروط شرعاً قولهم الثابت بالعروف بالنص وقولهم المعروف عرفاً كالمشروط باللفظ ومعنى ذلك انه يجب مراعاة العرف في تجديد الاشياء لم يبددها العقد ومثال ذلك من يأوى الى فندق فينام فيه عليه اجرة المنام وهكذا الذي يدخل حماماً فيغتسل فيه.

9- (المعروف بين التجار كالمشروط بينهم):

وهذه القاعدة تبين وجوب مراعاة العرف الخاص كعرف التجار وارباب الحرف والصنائع فان لهم اعرافاً يجب مراعاتها كأن يجري على بيع البضاعة مطروحة في موضعها أو منقولة الى المشتري أو غير ذلك.

10- (الكتاب كالخطاب):

أي تقوم الكتابة مقام الخطاب ويتم ذلك في البيع والاجارة وفي سائر المعاملات.

11- (الاشارة المعهودة للاخرس كالسبات باللسان):

أي ان إشارة الأخرس المعهودة مقام الكلام لانه لو لم نعتبر اشارته لما صحت معاملته لاحد من الناس ولا دعا به الى ان يموت جوعاً.(1)

الخاتمة

في ختام موضوعنا لبحث العرف نلخص ما تقدم في نقاط:

ان العرف هو ما تعارف الناس من قول او فعل او تقرير.

العرف ليس بحجة اذا لم يكن معلوماً عن معصوم اما اذا ثبت ان المعصوم امضاه فيكون حجة بالاقرار.

3- قد استدلوا على حجية العرف قالوا انه أصل مع انه  ليس بأصل لما اسلفنا من الكلام.

4- العرف يكون معتبراً لمن لم تثبت حجيته واصلة ومع الشروط التي ذكرت.

5- في مخالفة العرف مع الكتاب والسنة ومخالفته أما كلية أو جزئية فان كانت كلية قدم الكتاب والسنة عليها وان كان جزئياً وظنية فانه يخصص النص.

6- معارضته للقياس يقدم على القياس .

والحمد لله الذي انعم عليَّ باكمال البحث

تقريظ: ــ

[ فضيلة العلامة الجليل السيد عبد الستار الحسني ]

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى فضيلة العالم الجليل الشيخ اسعد نجل شيخ المجتهدين الامام الشيخ علي الكاشف الغطاء تحية إكبار وإجلال

 وبعد:

       كِتابكَ في العُرْفِ نِعْمَ الدليل        على أَنَّكَ العالِمُ العـارِفُ

       أَتى حاكِياً فَضْلَكَ المُسْتديـــم        بـما لا يُحيطُ بهِ الواصفُ

       فــيابْنَ الذين أماتُوا الضَّــلال       وصُـدَّ بهمْ سَيـْلُـهُ الجارفُ

       بـهــم قـامَ لـلـدّيْـنِ بُـنـيــانـُـــهُ         فــفاءَ لـهُـمْ ظَـلــَّهُ الوارِفُ

       أبـــوكَ (عليُّ) إمـامُ الجمـيـع        بـ(تقديمهِ)هَتَـفَ الهـاتِــفُ

       و(عباسُ) فَخْرُ بـني (جعفرٍ)       أخـوكَ وأستاذُكَ النائِــفُ

       هما بحـرُ عـلْمٍ طَـمــا فَيْضُـــهُ         وأنْــتَ بــلُـجَّتِـــهِ غــارِفُ

24/ربيع الثاني 1415هجرية

                                                                 المخلص

                                                       السيد عبد الستــــار الحسني

من خُدام الشرع الشريف

وخُدام أسرة آل كاشف الغطاء

العلماء زاد الله في شرفهم

المصادر

القران الكريم.

الأصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم/مطبعة دار الأندلس – بيروت / الطبعة الأولى 1963م.

أصول الفقه / الشيخ محمدرضا المظفر /مطبعة دار النعمان – النجف الأشرف / سنة 1391هـ –1971م.

أصول الفقه / بدران ابو العينين بدران / دار المعارف / سنة 1969م.

أصول الفقه / أبو زهرة.

أصول الفقه الإسلامي/محمد مصطفى شلبي/دار الجامعة/سنة1403هـ-1983م.

تقريرات الإمام الحجة السيد محمد الصدر/ الشيخ عباس كاشف الغطاء/ مخطوط.

تهذيب الأصول / سماحة آية الله العظمي السيد عبد الأعلى السبزواري/ مطبعة الآداب في النجف الأشرف /سنة 1399هـ –1979م.

علم أصول الفقه / عبد الوهاب خلاف.

القواعد الفقهية ودورها في اثراء التشريع الحديث/ محيي هلال السرحان/مطبعة أركان-بغداد/سنة 1987م.

لسان العرب المحيط/للعلامة ابن منظور/دار لسان العرب-بيروت-لبنان.

مجمع البيان في تفسير القران/ ابو الفضل بن الحسن الطبرسي/دار الحياة للطباعة والنشر-بيروت

مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني / سماحة آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء/مطبعة الآداب في النجف الأشرف –حي عدن/سنة 1408هـ-1988م.

المدخل الفقهي العام الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد/ مصطفى احمد الزرقاء/ طبعة دار الفكر-بيروت.

المدخل في الفقه الإسلامي  تعريفه وتاريخه ومذاهب نظرية الملكية والعقد/الشيخ محمد مصطفى شلبي/ دار الجامعة/سنة 1985م-1405هـ .

نشر العرف في ما بني من العرف/ مجموعة رسائل ابن عابدين.

 


(1) لسان العرب/ ابن منظور / ج2 / ص746

(2) سورة الأعراف / آية 199

(3) مجمع البيان /الطبرسي / مجلد 3 ص88-89

(4) سورة المرسلات / آية 1

(5) مجمع البيان / الطبرسي / المجلد 6 ص156

(6) مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني / الشيخ علي كاشف الغطاء / ج1 ص118

(7) علم أصول الفقه / خلاف ص91

(1) نقلاً عن الأصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم / ص419

(2) نقلاً عن الأصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم / ص419

(3) الأصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم ص419

(4) أصول الفقه الإسلامي / محمد مصطفى شلْبي ص325

(1) أصول الفقه / بدران أبو العينين بدران / ص327

(1) مصادر الحكم الشرعي / الشيخ علي كاشف الغطاء / ج1 / ص118

(2) مدخل أصول الفقه الإسلامي  / محمد مصطفى شلْبي /ص326

(1) سورة النساء / آية 11

(2) سورة النحل / آية 14

(3) أصول الفقه الإسلامي / محمد مصطفى شلْبي / ص326

(1)  أصول الفقه / المظفر /ج3 / ص142

(2) أصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم /ص420

(3) مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني / الشيخ علي كاشف الغطاء/ ج1 / ص118

(4) أصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم /ص422

(1) أصول الفقه / بدران أبو العينين بدران / ص330

(2) علم أصول الفقه / عبد الوهاب خلاف /ص95

(3) علم أصول الفقه / عبد الوهاب خلاّف / ص99

(4) أصول الفقه / بدران أبو العينين بدران / ص330

(1) مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني / الشيخ علي كاشف الغطاء / ج1 / ص118

(2) مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني / الشيخ علي كاشف الغطاء / ج1 / ص118

(3) علم أصول الفقه / عبد الوهاب خلاف / ص95.

(4) مدخل في الفقه الإسلامي / محمد مصطفى شلْبي / ص304

(1) تقريرات سماحة الحجة السيد محمد الصدر/ الشيخ عباس كاشف الغطاء  / مخطوطة

(1) أصول الفقه / بدران أبو العينين بدران / ص329

(1) أصول الفقه الإسلامي / محمد مصطفى شلْبي / ج1 ص334

(2) سورة الأعراف / آية 199

(3) أصول الفقه / بدران ابو العينين بدران /  ص329.

(4) نقلاً عن الأستاذ بدران ابو العينين بدران ص239.

(5) أصول الفقه / بدران ابو العينين بدران /  ص329

(6) نقلاً عن الأستاذ بدران ابو العينين بدران ص239.

(7) نقلاً عن أصول العامة للفقه المقارن/ السيد محمد تقي الحكيم ص424

(1) أصول الفقه / عبد الوهاب خلاف / ص91

(2) أصول الفقه الإسلامي / محمد مصطفى شلْبي / ج1 / ص336

(3) أصول الفقه الإسلامي / محمد مصطفى شلْبي / ج1 / ص336

(1) أصول الفقه / عبد الوهاب خلاف / ص96

(2) اصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم /  ص375

(1) أصول العامة للفقه المقارن /  السيد محمد تقي الحكيم / ص424

(2) أصول الفقه الإسلامي / محمد مصطفى شلْبي / ج1/ص326

(3) أصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم / ص425

(1) أصول الفقه / بدران أبو العينين بدران /  ص326

(1) أصول الفقه / بدران أبو العينين بدران /  ص326

(2) علم أصول الفقه / عبد الوهاب خلاف /  ص97

(1) أصول الفقه / الشيخ محمد رضا المظفر/ ج3 /  ص179/ بتصرف.

(1) أصول الفقه / الشيخ محمد رضا المظفر / ج3 /  ص174/ بتصرف.

(1) اصول الفقه / محمد ابو زهرة /  ص273.

(2) اصول الفقه / محمد ابو زهرة /  ص272

(3) أصول الفقه / بدران ابوالعينين بدران /  ص326

(4) علم أصول الفقه / عبد الوهاب خلاف /  ص97

(1) أصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم / ص423

(2) المصدر السابق / ص422

(1) اصول العامة للفقه المقارن / السيد محمد تقي الحكيم /  ص423

(2) المصدر السابق ص424

(1) أصول الفقه الإسلامي / محمد مصطفى شلْبي /  ص338

(2) سورة الطلاق / آية 7

(1) الفقه الاسلامي العام / مصطفى احمد الزرقاء /  ج2 / ص868

(2) اصول الفقه / بدران أبو العينين /  ص331

(3) نشر العرف فيما بني على العرف / ابن عابدين / مجموعة رسائله / ج2 / ص125-126.

(1) أصول الفقه الإسلامي /  محمد مصطفى شلْبي /  ج2 /ص868

(2) اصول الفقه / بدران ابو العينين بدران / ص332

(1) مدخل للفقه الاسلامي / مصطفى احمد الزرقاء /  ج2 / ص870

(2) المصدر السابق.

(1) تهذيب الاصول / السيد عبد الأعلى السبزواري / ج2 / ص179

(2) أصول الفقه / بدران ابو العينين بدران / ص332

(1) القواعد الفقهية ودورها في اثراء التشريع الحديث / محيي هلال السرحان / ص41 / كل ما نقل من القواعد من هذا المصدر.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD