تأليف

إصدار

 

العراق - النجف الاشرف

1437هـ - 2015م

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

الآية  (48) من سورة المائدة

 

 

المقدمة

الحمد لله الذي مهّد قواعد الدين بكتابه المحكم، وشيّد معاقل العلم بخطابه وأحكم, وصلى الله على محمد عبده ورسوله المخصوص بجوامع الكلم وبدائع الحكم، وودائع العلم والكرم, وعلى آله خزان العلم والحكمة.

وبعد:

فهذه قواعد مهمّة وفوائد جمّة تضبط للطالب أصول الأحكام، وتطلعه من مآخذ الفقه ما كان عنه قد تغيب، وتنظم له منثور المسائل في سلك واحد وتقيّد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد، فلقد سنح بالبال في غاية من الإعجال في أيامٍ يسيرة وليال, أن أضع هذا الكتاب المقرر كمادة علمية مقصود بها التدريس لطلبة كلية الفقه, انتخبت فيه بعض القواعد الفقهية التي تعم أكثر الأبواب الفقهية, ولم يؤلف لأجل بيان قضية علمية بحتة, وإنما لأجل بيان القاعدة الفقهية ومدركها وتطبيقاتها وما يتعلق بها. لذا جاءت مطالبه على أسلوب لغوي قريب من أذهان الطلبة بعيداً من العبارات المختصرة. ويأبى الله العصمة لكتاب غير كتابه، وأرجو الاغتفار لي من الخطأ فيه، وأسأله أن يوفقنا لصواب القول والعمل, وأن يرزقنا اجتناب أسباب الزيغ والزلل، إنه قريب مجيب لمن سأله ولا يخيب من إياه رجا وعليه توكّل.

 

عباس كاشف الغطاء


 

 

 

 

تمهيد

أنواع القواعد:

إن من ضروريات المتبحر في الفقه الإسلامي الذي يروم البلوغ إلى رتبة الاجتهاد الشرعي الإحاطة بثلاثة أنواع من القواعد:

الأولى: القواعد الأصولية: ويرتكز عليها قياس استنباط الفقهاء للأحكام الشرعية الفرعية الكلية, وهي قواعد علم أصول الفقه.

الثانية: القواعد الحديثية: وهي التي وضعها علماء الحديث لضبط الروايات وقبول الأسانيد والحكم عليها بالصحة أو الضعف, والجرح والتعديل للاعتماد على الصحيح في الاجتهاد والاستنباط, وتسمى بأصول الحديث أو قواعد الحديث.

الثالثة: القواعد الفقهية: وهي أحكام كلية تندرج تحت كل منها مجموعة من المسائل الشرعية المتشابهة من أبواب شتى, وهي القواعد الكلية في الفقه الإسلامي.

وبالإحاطة بهذه القواعد تحصل للفقيه ملكة الاجتهاد الشرعي، فيعظم قدر الفقيه وتتضح مناهج الاستنباط لديه.

ومما ينبغي على الفقيه تحقيقه والبحث عنه هي (القواعد الفقهية) التي تكون ذريعة للوصول إلى أحكام كثيرة وتبتني عليها الفروع عامة.

تعريف القواعد الفقهية

القواعد لغة:

القواعد جمع قاعدة، والقاعدة هي الأصل والأساس، وقواعد البيت: أساسه([1]), ومعناه مأخوذ من القعود, أي الثبات والاستقرار([2]) لقوله تعالى: [وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ]([3])، وكذلك [فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ]([4]).

وكذلك القاعدة: هي الشيء العام الذي يمكن تطبيقه على جزئيات أو مفردات تنضوي ضمنها.

القاعدة الفقهية اصطلاحاً:

هي التي تتضمن الأحكام المتناظرة للمسائل الجزئية المتشابهة، وعرفها السيد مير علي في حاشيته على قوانين الأصول: (هي قضية كلية يُعرف منها أحكام جزئيات موضوعها)([5]).

أو هي حكم كلي أو قانون عام يندرج تحته مجموعة من المسائل الشرعية المتشابهة تشابهاً يجعل الحكم الكلي يشبهها([6]). وهذه التعاريف تكاد تكون متقاربة, والقدر المتفق عليه ان القاعدة الفقهية فيها شمولية واتساع بما تنطوي عليه من دلالة, وبما ينضوي تحتها من أحكام, وهي من هذه الزاوية تعدّ  مصدراً وأساساً لأحكام فرعية تبتني عليها تفريعات كثيرة.

الغاية من القواعد الفقهية:

لا تقل أهمية البحث عن القواعد الفقهية عن أهمية البحث في القواعد الأصولية، فالقواعد الأصولية تكمن أهميتها من خلال وقوعها في طريق استنباط مجموعة الأحكام الفقهية، وكذلك الأمر في القواعد الفقهية، فالفقيه يستعين بها في تحصيل مجموعة من الأحكام الفقهية.

< >إن العمل بالقاعدة الفقهية أعظم فائدة من العمل بالفروع الجزئية كونها تسهل عمل الفقيه وتوسع نظراته الفقهية, فهي تجمع للفقيه الأحكام الفرعية العديدة والمسائل الجزئية المتناثرة في عبارات وجيزة, وجمل مصقولة, وتراكيب عامة وشاملة تضبط علم الفقه, وتنسق أحكامه, وتقرّبه للأذهان, وتجعله سهل الحفظ والضبط, وتبعده عن النسيان, وتساعد في تكوين الملكة الفقهية.معرفة القواعد الفقهية تحفز على تنمية وتوسيع الملكة الفقهية. وقد أورد القرافي بخصوصها ما نصه (إن هذه القواعد الفقهية كثيرة العدد عظيمة المدد مشتملة على أسرار الشرع وحكمه، وعظيمة النفع وبقدر الإحاطة بها يعظم قدر الفقيه ويشرف)([7]).القواعد الفقهية تمثل المرجع والدليل في المسائل الفقهية في حالة فقدان الدليل اللفظي.لكل قاعدة دور كبير في معرفة أحكام الجزئيات بسهولة وبضبط دقيق, فهي تسهل تعليم الفقه وتعلّمه.إنها تساعد على ارتباط مسائل الفقه بأبوابه المتعددة بوحدات موضوعية يجمعها غرض وهدف واحد مما يساعد على ضغط الفقه وضبطه وحفظ الأحكام. إنها تساعد الفقيه (المجتهد) الذي يشتغل في مسائل الفروع، في عدم وقوعه في اللبس والاشكال عندما تتعارض أمامه الفروع فالقواعد هي التي تضبط المسائل بميزان دقيق، وتنظم الأحكام المتشابهة، وترجع الفروع إلى أصولها.إن الارتباط الوثيق بين القواعد الفقهية وعلم الحقوق يمكّن من الاستفادة من القواعد الفقهية في مجال علم الحقوق, وبديهي بحاجة ماسة إلى هذا التعامل بين علمي الفقه والحقوق في عصرنا.القواعد الفقهية تكون في أغلب مواردها مشتركة بين المذاهب الفقهية الإسلامية, والخلاف فيها قليل جداً, ولهذا نستطيع أن نستخدمها كوسيلة تعامل بين المدارس الفقهية المختلفة في الفروع والجزئيات فهي مهمة للتعرف على الفقه المقارن.تدوين القواعد الفقهية وتبويبها يسهل الأمر لمن يريد أن يتعرّف على الأحكام الإسلامية والقوانين الحقوقية من قبل غير المسلمين.([8])سبب نشوء القواعد الفقهية:

بعد كثرة المستجدات والحوادث والتساؤلات بسبب اعتناق أعداد غفيرة من بلدان مختلفة للإسلام نهج الفقهاء إلى إلمام مجموعة من المسائل تحت ضابط وقواعد معينة ليُعِينهم على تطبيق حكم القاعدة الشرعي على جميع المسائل المنطبقة عليها. وقد صيغت نصوص القواعد الفقهية بالتدريج على أيدي الفقهاء في عصور متعددة خلافا للنصوص القانونية، فإن فقهاء القانون ينظرون من العام لينطبق على الجزئيات بعكس فقهاء الشريعة فإنهم في تنظيرهم يستقرؤون الجزئيات ويستنبطون منها قاعدة وضابطة كلية تنطبق على جميع المصاديق.

نبذة تاريخية من القواعد الفقهية:

القواعد الفقهية دوّنَت بعد تدوين علم الفقه, وقد اعتنى فقهاء مدرسة الخلفاء بالقواعد الفقهية, وفقهاء الحنفية خاصّة([9]) كانوا أسبق من غيرهم في وضع القواعد؛ لأن طبيعة فقههم واتجاههم نحو الرأي, ووجود الفقه الافتراضي بينهم, وتوسعهم في الفروع جعلهم يعملون على إيجاد قواعد كلية تحكم هذه الفروع المتنافرة.

أما سائر فقهاء المذاهب الإسلامية فقد شاع الاهتمام بها في القرن السابع والثامن لكثرة التدوين بها.

أما فقهاء مدرسة أهل البيت  عليهم السلام  فجذور القواعد الفقهية في نصوص الأئمة المعصومين  عليهم السلام , ويمكن القول بأنهم أول من فتح هذا الباب وبدأ ببيانها, فقد أملى الإمام الباقر  عليه السلام  وأعقبه الإمام الصادق  عليه السلام  على تلامذتهم قواعد كلية (الأشياء مطلقة مالم يرد عليك أمر ونهي, وكل شيء يكون فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً مالم تعرف الحرام منه فتدعه)([10]).

وروي عن الإمام الصادق  عليه السلام : (إنما علينا أن نلقي إليكم الأصول وعليكم أن تفرّعوا)([11]).

القواعد الفقهية لا تنحصر في عدد معيّن:

إن القاعدة الفقهية ترجع في حقيقتها إلى حكم شرعي عام له سعة وشمولية لمجموعة مسائل فقهية هي بمنزلة المصاديق له، فيتضح أن القواعد الفقهية لا تنحصر في عدد معين بل يمكن من خلال مراجعة الكتب الفقهية الحصول على قواعد فقهية كثيرة من قبيل قاعدة (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) أو (البينة على من ادّعى واليمين على من أنكر) أو (من حاز ملك) أو (كل شرط نافذ إلاّ ما خالف الكتاب العزيز ومقتضى العقد) أو (ما على المحسنين من سبيل).

مصادر القواعد الفقهية:

إن في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة من القواعد الفقهية ما يمكن الفقهاء استخراجه منهما، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر.

أولا: في القرآن الكريم أمثلة منها: [لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا]([12])، [وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ]([13])، [لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ]([14])، [وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى]([15])، [فَمَنْ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ]([16])، [يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ]([17]).. فهذه النصوص الشرعية القرآنية هي مصادر لكثير من القواعد الفقهية.

ثانيا: في السنة الشريفة:

إن السنة الشريفة تعتبر المصدر الرئيس في تأسيس القواعد الفقهية، فبعض الأحاديث الشريفة هي بمثابة القواعد الفقهية الكلية، منها:

< >إنما الأعمال بالنيات.لا ضرر ولا ضرار.الغرم بالغنم.الأمور بمقاصدها.تدوين القواعد الفقهية:

دوّن بعض الفقهاء القواعد الفقهية وألفوا فيها كتبا مستقلة، ومن أبرزهم عند الإمامية:

< > قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام/ العلامة الحلي (ت: 726هـ). القواعد والفوائد/ الشهيد الأول (ت: 786هـ)، محقق من قبل الدكتور السيد عبد الهادي الحكيم/ مطبوع بجزئين.نضد القواعد الفقهية على مذهب أهل البيت  عليهم السلام / لأبي عبد الله الفاضل المقداد السيوري (ت: 826هـ).  عوائد الأيام في مهمات أدلة الأحكام/ أحمد بن محمد أبو ذر النراقي (ت: 1224هـ)، وقد تضمن على (88) عائدة, وكل عائدة تعد قاعدة فقهية.بلغة الفقيه/ السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي (ت: 1326هـ), وطبع في أربعة مجلدات. القواعد الفقهية/ الشيخ ناصر مكارم الشيرازي, مطبوع في أربعة مجلدات, درس فيه (20) قاعدة فقهية. دروس تمهيدية في القواعد الفقهية/ الشيخ محمد باقر الايرواني/ مطبوع. القواعد الستة عشر/ الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ت: 1228هـ).القواعد الفقهية/ ميرزا حسن البجنوردي (ت: 1395هـ) سبعة أجزاء مطبوع.القواعد الفقهية/ الشيخ باقر الايرواني.وبعض هذه الكتب التي ذكرناها لم تكن قواعد فقهية خالصة, وإن كانت تضم بين دفتيها قواعد أصولية وقواعد نحوية.

 

أقسام القواعد الفقهية:

تقسم القواعد الفقهية حسب التقائها في وحدة مواضيعها مثل القواعد الفقهية في الصلاة أو في البيع، أو في موضوع معين، وتارة أخرى تقسيمها حسب عموميتها وخصوصيتها.

أقسام القواعد حسب العموم والخصوص لمواضيعها وهي:

أولاً: قواعد تخص باباً فقهيّاً واحداً, كقاعدة (لا تعاد) وقاعدة التجاوز فإنها خاصة بباب الصلاة.

ثانياً: قواعد تعم أكثر من باب فقهي، مثل قاعدة (لا ضرر) وقاعدة (نفي العسر) فإنها تعمان أبواب الفقه المختلفة من معاملات وعبادات.

فالقواعد الفقهية هي أحكام عامة فقهية تجري في أبواب مختلفة وموضوعاتها وإن كانت أخص من المسائل الأصولية إلاّ إنها أعم من المسائل الفقهية, فهي كالبرزخ بين الأصول والفقه.

وهذا بخلاف المسائل الأصولية فإنها اما لا تشتمل على حكم شرعي أصلاً بل يكون واقعاً في طريق استنباطه لكثير من المسائل, وإما تتضمن حكماً عاماً كالبراءة الشرعية الجارية فيما لا نص فيه من غير اختصاص بموضوع دون آخر بل تجري في جميع الموضوعات اذا فقد فيها النص.

أبرز مميزات القواعد الفقهية:

< >إنها موضوعة بعبارة موجزة فقد تصاغ بكلمتين مثل: (لا ضرر ولا ضرار) أو بضع كلمات (لا يسقط الميسور بالمعسور). فهي سهلة الحفظ, بعيدة النسيان, لأنها صيغت بعبارة جامعة سهلة تبيّن محتواها, فمتى ذكر أمام الفقيه فرع أو مسألة فإنه يتذكر القاعدة.إنها جمعت الفروع الجزيئية المشتتة التي قد تتعارض ظواهرها تحت رابط واحد ومن خلاله يسهل الرجوع إليها.القواعد الفقهية جليلة القدر كثيرة العدد مشتملة على أسرار التشريع وحكمه في إدراك مقاصد الشريعة وأهدافها العامة, وملاكات الأحكام؛ لأن مضمون القواعد الفقهية يُعطي تصوراً واضحاً عن المقاصد والغايات, مثل قاعدة (لا ضرر ولا ضرار) و(نفي الحرج في الشريعة الإسلامية).إنها تساعد وتسهل عمل المقنن الوضعي والقانوني وتمنحه فرصة الاطلاع على الفقه الإسلامي بروحه ومضمونه وأسسه وأهدافه, ومعرفة القواعد الرئيسية للاجتهاد في مدارك الأحكام الثابتة للفروعات المختلفة في أبواب الفقه, وتقدم العون لهم لاستمداد الأحكام منه, ومراعاة الحقوق والواجبات فيه([18]).إن أكثر القواعد الفقهية موضع اتفاق عند أئمة المسلمين, وأن مواضع الخلاف فيها يسيرة, فإنها تساعد الباحث على فهم المسائل عند المذاهب الإسلامية, وتوفر له المجال في دراستها دراسة مقارنة([19]).الفرق بيـن القاعدة الفقهية والمسألة الفقهية:

أن القاعدة الفقهية موضوعها عام ومثاله (كل شيء لك طاهر حتى تعلم بنجاسته) فله معالجات شمولية لموضوعات متعددة ولم يؤخذ في موضوع معين, إما المسألة الفقهية فأن موضوعها خاص ومثاله (الصلاة واجبة) (وشرب الخمر حرام فالمسألة الأولى خاصة بموضوع الصلاة والثانية بموضوع شرب الخمر) فلا تطبيقات لها بحيث يستنتج منها أحكام.

أبرز مميزات المسألة الأصولية

المسالة الأصولية هي القواعد العامة الممهدة لحاجة الفقيه إليها في تشخيص الأحكام والوظائف الكلية للمكلفين، وهي:

< >انها ممهدة لحاجة الفقيه اليها في تشخيص وظائف المكلفين، مثل صيغة الأمر ومادتها وكذا المشتق.إن نتائجها أحكام ووظائف كلية، فالبحث عن حجية الاستصحاب في الشبهات الموضوعية ليست أبحاثا أصولية لان نتائجها احكام ووظائف شخصية. إنها لا تخص باباً دون باب وبموضوع معين دون آخر، بل تشمل جميع الموضوعات في جميع أبواب الفقه مهما وجد لها مصداق، فإن البحث عن هيئة الأمر ومادته لا يختص بباب دون باب.الفرق بيـن القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية:< >القواعد الأصولية أسبق في التدوين من القواعد الفقهية, لأن القواعد الأصولية تسبق الأحكام الفقهية, وأما القواعد الفقهية فهي لاحقة وتابعة لوجود الفقه وأحكامه وفروعه.ان القاعدة الأصولية تستخدم من قبل المجتهد لاستخراج واستنباط الأحكام الفقهية من أدلتها، والتي يختص بإجرائها المجتهد فقط، ووضعت كأدوات للاستنباط والاجتهاد.أما القاعدة الفقهية فهي جمع الأحكام المتناظرة للأحكام الجزئية المتشابهة ويمكن ان يجري العمل بها من قبل كل مكلف حتى إذا كان غير مجتهد بتطبيقها على نفسه للعمل على وفقها.

 

< > الاختلاف في القواعد الأصولية أقل من الاختلاف من القواعد الفقهية, وذلك لأن القواعد الأصولية أكثرها مسائل عقلية بخلاف القواعد الفقهية, لذا تتصف القواعد الأصولية بالثبات فلا تتبدل ولا تتغير, أما القواعد الفقهية فليست ثابتة وإنما تتغير أحياناً بتغيّر الأحكام.القاعدة الأصولية إنتاجها دائماً هو حكم كلي أو وظيفة كلية مثل (ما من عام إلا وقد خص), (الأمر يدل على الوجوب) وهكذا الكلي ينطبق على كل ما يندرج تحته, بينما القاعدة الفقهية خلال تطبيقها تقدم حكماً جزئياً أو وظيفة جزئية (مثل قاعدة لا ضرر ولا ضرار).تطبيق القاعدة الاصولية لاستنباط احكام شرعية كلية مغايرة لذلك الحكم العام مثل حجية خبر الثقة من خلال تطبيق هذه القاعدة الأصولية نستفيد مسائل عدة ليست مصاديق لها إنما مغايرة.بينما القاعدة الفقهية عند تطبيقها نحصل على أحكام شرعية جزئية هي مصاديق لذلك العام كقاعدة (الطهارة) وهي (ان كل شيء يُشك في نجاسته فهو محكوم بالطهارة) وهي أحكام تتفق مع مضمونها. فالقاعدة الفقهية يستفاد منها في مجال التطبيق على مصاديقها, بينما القاعدة الأصولية يستفاد منها في مجال الاستنباط لأحكام أخرى مغايرة للقاعدة الأصولية.

 

< >القاعدة الأصولية هي قاعدة آلية ما لا ينظر فيها, بل ينظر بها فقط, وأما القاعدة الفقهية ينظر فيها, فهي نفسها حكم كلي إلهي, تثبت بها أحكام كلية أخرى وتكون منظوراً فيها.الفرق بيـن القاعدة والضابط:

القاعدة بمعنى الضابط في الأصل, لكن وقع التمييز بينهما عند العلماء في العقود الأخيرة, وهو مصطلح مستحدث غير موافق لما اصطلح عليه في علم الأصول والفقه, وذلك بأن القاعدة تحيط بالفروع والمسائل في أبواب فقهية مختلفة, مثل قاعدة (الأمور بمقاصدها) فإنها تطبق على أبواب العبادات والجنايات والعقود والجهاد والإيمان وغيرها من أبواب الفقه.

أما الضابط فإنه يجمع الفروع والمسائل من باب واحد من الفقه مثل (الإسلام يَجُبّ ما قبله) من حقوق الله دون ما تعلق به حق آدمي كالقصاص وضمان المال, يقول السيوطي: (لأن القاعدة تجمع فروعاً من أبواب شتى, والضابط يجمع فروع باب واحد)([20]), ويقول أبو البقاء بعد تعريف القاعدة (والضابط يجمع فروعاً من باب واحد)([21]). وإن هذا التفريق بين القاعدة والضابط ليس عند معظم العلماء, بل ليس تفريقاً حتماً جازماً, فقد يذكر كثير من العلماء قواعد فقهية وهي في حقيقتها ضابط.

الفرق بيـن القواعد والنظريات:

إن القواعد إنما تضبط وتجمع الفروع والجزئيات الفقهية, ويعتمد عليها الفقيه في معرفة الأحكام الشرعية. أما النظريات الفقهية فهي دساتير ومفاهيم كبرى تشكل نظاماً متكاملاً في جانب كبير من جوانب الحياة والتشريع وان كل نظرية تشمل مجموعة من القواعد الفقهية, كما ان النظرية تقوم على أركان وشروط ومقومات أساسية, وكثيراً ما تخلو من بيان الأحكام الفقهية. لذا النظرية في مصطلح العرف الحديث تعني القاعدة الكبرى التي موضوعها كلي تحته موضوعات متشابهة في الأركان والشروط والأحكام العامة, وإن لكل موضوع أركاناً وشروطاً خاصة, وتمتاز عن القاعدة الفقهية بأنها تحتاج في تكوينها إلى أركان وشروط وأحكام بحيث تشمل جانباً كبيراً من الفقه وتصلح أساساً له. أما القواعد فلا يوجد لها أركان وشروط, وتنطوي على عدد كبير من الأحكام الفقهية والفروع والمسائل([22]).

مثال القواعد الفقهية (العبرة في العقود المقاصد والمعاني لا الألفاظ والمباني) التي تفسر صيغة العقد وموضوعه لتحديد الآثار المترتبة عليه.

ومثال النظريات الفقهية (نظرية العقد) التي تتناول جميع العقود الشرعية في مختلف أحكامها وأطرافها من التعريف والأركان والشروط والآثار, وموقع العقد بين مصادر الالتزام الأخرى.

والحاصل ان القواعد الفقهية هي الوسط بين المسائل والنظريات.

 

أولاً:

قاعدة اليد

ان المراد من اليد ليس خصوص يد الملكية بل بمفهومها العام الشامل ليد المالك والمستأجر ومتولي الأوقاف والمستعير والودعي, فان كيفية السلطة والاستيلاء على الاموال والمنافع مختلفة.

1. تعريف قاعدة اليد

هي من القواعد التي يعتمدها الفقيه في المعاملات والقضاء للحكم من خلالها بالملكية فمن له الاستيلاء على شيء بحيث كان الشيء واقعاً في حوزته, ويعدُّ من توابعه فذلك الاستيلاء يكون أمارة على الملكية, فمن كان لابساً للثوب يتصرف فيه تصرف المالك له, أو له سيارة أو كتاب أو دار وأشباه ذلك ويتصرف في ذلك تصرف الملاك, فذلك بنفسه يعدُّ أمارة على ملكيته لذلك الشيء, إلاّ أن تقوم بينة ونحوها على خلاف ذلك فتسقط أمارية اليد عن الاعتبار.

2. لماذا سميت قاعدة اليد

فقد عبّر عن قاعدة اليد كناية عن الاستيلاء وكون الشيء تحت تصرف الشخص وفي حوزته, وليس المقصود بها الجارحة الخاصة بنحو الحقيقة. ولعل المناسبة في الاستعانة باليد للتعبير عن ذلك هي ان التصرف والاستيلاء يقع عادةً باليد, وإن المنشأ الاول لملكية الانسان الأشياء هي الحيازة, والحيازة تقع عادة باليد لذا عبَّر باليد كناية على الاستيلاء.

3. التدوين التاريخي للقاعدة

تعرض الشيخ النراقي في كتاب عوائد الايام الى هذه القاعدة, وبحثها الشيخ الأنصاري في مبحث الاستصحاب عند تعارضها له وأيهما يقدم, وكتب الشيخ الأصفهاني صاحب كتاب نهاية الدراية رسالة مستقلة في قاعدة اليد.

4. الفرق بيـن قاعدة اليد وقاعدة أخبار ذي اليد

ان قاعدة اليد تعني أن نفس اليد أمارة على ملكية صاحبها, أما قاعدة إخبار ذي اليد فالمقصود منها ان من كانت له يد الاستيلاء على شيء فإذا أخبر عن حال من أحواله ككونه طاهراً أو نجساً صُدِّق في ذلك وكان إخباره حجة. والحجة في قاعدة إخبار ذي اليد هو الإخبار المقيّد باليد دون نفس اليد مثل الإخبار بملكية السيارة الى خالد مثلاً.

5. الفرق بيـن قاعدة اليد وقاعدة على اليد

 ان قاعدة اليد يراد بها جعلها أمارة على الملك, بينما قاعدة على اليد يراد بها جعل اليد سبباَ للضمان وهي قاعدة أخرى مستقلة.

6. مدرك القاعدة

لاشك في حجية اليد ودلالتها على الملك.

أولاً: الأخبار: إن الأخبار المستدل بها على القاعدة -وإن كانت كثيرة- لا يمكن التمسك بها إطلاقاً في موارد الشك, وإنما تدل على القاعدة في الجملة, وهذه الأخبار هي إرشادية إلى السيرة العقلائية ومنها:

  1. صحيحة حماد بن عثمان عن الامام الصادق  عليه السلام  في حديث فدك قال: إن أمير المؤمنين  عليه السلام  قال لأبي بكر: أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟ قال: لا, قال: فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه أدعيتُ أنا فيه من تسأل البينة؟ فقال: إياك كنت أسأل البينة على ما تدعيه على المسلمين, قال: فاذا كان في يدي شيء فأدعى فيه المسلمون تسألني البينة على ما في يدي وقد ملكته في حياة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وبعده ولم تسأل المؤمنين البيّنة على ما ادّعوه عليّ, سألتني البينة على ما أدعيت عليهم... إلى آخره)([23]).
  2. رواية حفص بن غياث عن أبي عبد الله الصادق  عليه السلام  (قال له رجل: إذا رأيت شيئاً في يدي رجل يجوز لي أن أشهد انه له؟ قال: نعم؛ قال الرجل: أشهد انه في يده ولا أشهد انه له فلعله لغيره. فقال ابو عبد الله الصادق  عليه السلام  أفيحلُّ الشراء منه؟ قال: نعم. فقال ابو عبد الله  عليه السلام  فلعله لغيره ، فمن أين جاز لك ان تشتريه ويصير ملكاً لك ثم تقول بعد الملك هو لي وتحلف عليه؟ ولا يجوز أن تنسبَه الى من صار ملكه من قبله إليك؟ ثم قال أبو عبد الله  عليه السلام : لو لم يَجُز هذا لم يقم للمسلمين سوق)([24]).

       والرواية صريحة, إن اليد لو لم تكن دليلاً على الملك لزم العسر الأكيد, والحرج الشديد, واختل النظام, ومعلوم أنه إذا لم يقم للناس سوق لم يقم لهم بلد ولا دار ولا شيء من أمور معاشهم ودنياهم ودينهم.

  1. موثقة يونس بن يعقوب عن الإمام أبي عبد الله الصادق  عليه السلام  في أمراة تموت قبل الرجل أو رجل قبل المرأة. قال (ما كان من متاع النساء فهو للمرأة, وما كان من متاع الرجال فهو للرجل, وما كان من متاع الرجل والنساء فهو بينهما، ومن استولى على شيء منه فهو له)([25])  .

فإن جملة (من استولى على شيء منه فهو له) واضحة الدلالة على حجية اليد.

  1. صحيحة جميل بن دراج عن الإمام الصادق  عليه السلام  (قلت: فرجل وجد في صندوقه ديناراً قال  عليه السلام  يدخل احدٌ يده في صندوقه غيره أو يضع فيه شيئاً قلت لا: قال  عليه السلام  فهو له)([26]).

ثانياً: سيرة العقلاء: ان أهم مدرك لقاعدة اليد هي سيرة العقلاء الجارية على التعامل مع صاحب اليد معاملة المالك، فمن كانت له يد على دار نتعامل معه معاملة المالك، فإذا أراد بيعها اشتريناها منه، وإذا وهبها قبلنا هبته، وإن عادة العقلاء قد جرت على ذلك، وحيث انه لم يردع عنها فهي ممضاة.

وهذه السيرة إنما نشأت من المبادئ الأولية في حصول الملك, فإنها نشأت حينما نشأ من ناحية الحيازة على الأشياء التي توجد في عالم الطبيعة, وهي معتمدة في سابق الأزمان على اليد الجارحة, ثم جاءت بعد ذلك الأولوية الاعتبارية التشريعية ([27]).

إن مدرك هذه السيرة العقلائية على أمارية اليد هي عدة آراء منها:

  1.  الشيخ النائيني اختار جهة الغلبة أي أن غالب أصحاب الأيدي كونهم ملاّكاً وليسوا غاصبين وهذا يدل عن دلالتها على الملكية([28]).
  2. الشيخ أغا ضياء العراقي أعتبر إن قاعدة اليد وظيفة عملية يرجعون إليها في ظروف الجهل بالواقع, فإن العقلاء كما لهم أمور يرجعون إليها من باب كونها كاشفة عن الواقع, كما هو الحال في خبر الثقة وبقية الأمارات كذلك لهم أمور يرجعون إليها عند استتار الواقع من باب أن استقامة نظام معاملاتهم لا تتم إلاّ بذلك.
  3.  الشيخ الأنصاري في الرسائل أشار الى كلي الرأيين فقال المحتمل تمسك العقلاء باليد من باب الغلبة ومن المحتمل كونه من باب الوظيفة العملية ثم رجح كون مدرك أمارية اليد هي الغلبة([29]).
  4. السيد الشهيد محمد باقر الصدر Q اعتبر الغلبة هي مدرك سيرة العقلاء حيث ان العقلاء يبنون على اليد جهة الكاشفية للاستيلاء الخارجي عن الاستيلاء التشريعي الذي هو عبارة أخرى عن الملكية([30]).

ثالثاً: الإجماع: الإجماع المدعى على القاعدة فهو محتمل المدرك حيث يحتمل استناده الى الأخبار أو السيرة فهو إجماع مدركي لا حجة فيه. وقال السيد الشهيد السيد محمد الصدر (وهي من القواعد الفقهية المسلمة فقهياً وقانونياً وعقلانياً ومتشرعياً وعليها إجماع علماء المسلمين)([31]).

7. ضابط اليد

إن اليد أمارة على الملك للسيرة العقلائية يجدر ان نحدد المقصود من كون الشيء تحت اليد وانه لا يقصد جزماً كون الشيء مقبوضاً باليد كقبض القلم والدينار للجزم بتحقق اليد في مثل السيارة والدار عرفاً والحال أنها ليست مقبوضة في اليد وكذلك لا يكفي التصرف أي تحت قدرة التصرف فإن رئيس الدولة ذائد على جميع ما في الدولة من أشياء لأنه قادر على التصرف في شيء.

والحاصل ان اليد عبارة عن تصرف الشخص في شيء ووقوعه في حوزته بحيث يُعدُّ من توابعه عرفا، ويبقى الرجوع الى العرف هو الميزان الأساسي لتشخيص صدق اليد وعدمه, فمن بيده مفتاح الدار مع سكن الغير فيها لا يصدق كونه صاحب يد عليها بخلاف ما إذا لم تكن مسكونة.

وقد يتعارض أنحاء اليد بالنسبة إلى أشخاص مسيطرين على شيء واحد بأنحاء مختلفة, وكل يدعي كونه مالكاً, كدعوى المشتري وصاحب الدكان في متاع يكون بيد المشتري من دكان غيره, فالمشتري يدعي أنها ملكه اشتراها من غيره, وصاحب الدكان يدعي انه من أمتعته, وهما في الدكان, فلا يبعد أن يقال بكون كل منهما ذات يد على المتاع, فمن جهة المشتري كون المتاع بيده حقيقة, وصاحب الدكان من جهة كونه في حيطة سلطانه واستيلائه, وهذا ناشئ من تنوّع اليد باختلاف المقامات, وقد يكون بعض هذه الأيدي أقوى من بعض, وقد تتساوى فتتعارض, ولحل الدعاوي مقام آخر.

8. قاعدة اليد أصل أو أمارة

اتفق الأصوليون على تقدم قاعدة اليد على الاستصحاب عند اجتماعهما في مورد واحد فمن جعلها لها جهة الكشف والطريقة فهي أمارة، ومن اعتبرها وظيفة عملية عند عدم وجود كاشف معتبر عن الواقع فهي أصل. وإما وجه تأخر قاعدة اليد عن الأمارات فأن كانت هي من الأصول فواضح, وإن قلنا هي من الأمارات, فوجه تقدم البينة عليها هو ان بناء العقلاء على اليد يقدم على إلحاق اليد المشكوكة باليد العرفية الشرعية (المالكة), فإن قامت الأمارة على أنّ هذا الشيء الذي بيد محمد هو لعلي, فلا يبقى شك بنظر العرف, ومعه لا مجال للإلحاق.

وكذلك لو أقرَّ محمد انّ ما بيده كان لعلي, وقد انتقل إليه, فإن العقلاء يرون درجة الكشف في إقراره أن العين لعلي أقوى من درجة كشف اليد أنها له.

9. اليد على المنافع

انعقدت السيرة على أن اليد على العين  كونها أمارة على الملك, أما وضع اليد على المنفعة مثل سكن رجلٌ داراً وعلمنا بعدم كونه مالكا فهل نحكم بملكه على المنفعة بإجارة  أم لا تمسك بأمارة اليد؟ فإن القدر المتيقن من سيرة العقلاء هو إثبات ملك العين باليد, وأما ملك المنافع مستقلاً عن العين فهو مشكوك فيقتصر على القدر المتيقن, نعم إذا كان مسلّماً, فالأصل في صحة تصرفاته. ومن المعلوم أن المنافع ليس لها وجود فعلي لتتعلق به اليد وإنما توجد بالاستيفاء شيئاً فشيئاً. فلا تشمل قاعدة اليد المنافع.

تطبيقات:

  1. ان ملاك حجية اليد ليس غلبة الأيدي المالكية, بل الملاك فيها ظهور حال اليد وهو مقتضى طبعها الأولي.
  2. ان هذه الغلبة قد انقلبت في الاعيان الموقوفة, فإن الغالب في الايدي الجارية عليها حدوثاً أو بقاءً بأي نحو كانت هو عدم المالكية.
  3. إذا كانت اليد لا بعنوان الملك كالإجارة أو العارية أو العدوان ثم شك في انقلابها ملكاً فلا تكون حجة في ذلك.
  4. اجراء أمارة الملكية لليد في الحالة السابقة المشكوكة الحال.
  5. البينة أقوى من أمارة اليد لإثبات الملكية.
  6. إذا علم شخص من الخارج ان استيلاء الشخص الفلاني على عين خاصة ليس استيلاءً مالكياً فتسقط يده عن الدلالة على الملك, ولكن تبقى يده على المنافع دليلاً على ملكه لها.
  7. لو شك الإنسان في بعض ما في يده أنه ملكه أو أمانة للغير أو شبيهها فلا شك في أجراء حكم الملك عليه مالم تقم قرينة على ملك غيره.
  8. من وجد شيئاً في صندوقه ولا يعلم لمن, فقاعدة اليد تثبت ملكيته له. اذا كان يتصرف بالصندوق وحده دون غيره.
  9. صاحب اليد على شيء عليه اليمين فإن ادّعى شخص أخر ملكيته لما في يد صاحب اليد فعليه البينة ويسمى المدعي.
  10. وضع اليد على المباحات العامة أو غنيمة الحرب تصبح ملكاً له. (من سبق إلى ما لم يسبق إليه أحد من المسلمين فهو أحق به)([32]), عن النبي صلى الله عليه واله وسلم من أحيا أرضاً مواتاً فهي لهُ).
  11. الحقوق والمنافع وضع اليد عليها لم تكن أمارة على الملكية.
  12. يد المسلم أمارة على التذكية لإصالة صحة أفعال المسلم.
  13.  قبول قول صاحب اليد في أحوال العين التي تحت يده كونها نجسة أو طاهرة.

 

ثانياً:

قاعدة نفي الحرج والعسر

معنى الحرج لغة: مادة حرج تطلق على معانٍ كثيرة, ولكن لا تخرج دلالتها عن معنى الضيق. فيقال مكان حرج أي ضيّق كثير الشجر مثلاً, وأحرجه إليه ألجأه, وضيّق عليه([33]). وأما الاستعمال الآخر للحرج فهو بمعنى الإثم والحرام, ويقال: أحرج امرأته بطلقة أي حرمها.

معنى الحرج اصطلاحاً: هو منع وقوع أو بقاء الحرج على العباد بمنع حصوله ابتداء أو بتخفيفه أو تداركه بعد تحقق أسبابه([34]).

الحرج على أنواع:

إن العسر والحرج في الأفعال يكون على أقسام:

أولاً: يبلغ حداً لا يطيق المكلف تحمله, وهذا خارج عن القاعدة تخصُّصاً لدليل بطلان تكليف ما لا يطاق.

ثانياً: يكون دون ما لا يطاق, ولكن تحمله يوجب اختلال النظام, وهو كذلك خارج عن محل الكلام, لقبح التكاليف الموجبة لاختلال النظام؛ لأن المقصد الأسمى والأقصى للشارع المقدس من تكاليفه ليس إلا حفظ النظام.

ثالثاً: العسر والحرج يستلزم الضرر في الأموال والأنفس والأعراض, وهذا داخل في قاعدة نفي الضرر.

رابعاً: إن العسر والحرج ليس إلا مجرد المشقة والضيق, وهذه الأحكام الحرجية هي مورد القاعدة.

التقسيم من حيث محل تأثيره:

ان الحرج نفسي والعسر بدني إذا ذكرا معاً, وأما إذا انفردا كانا بمعنى واحد فالذي يمشي مسافة طويلة تحت الشمس يكون عسراً عليه بينما البنت اذا احتلمت وجب عليها الغسل فإنها حرج عليها ان تغتسل أمام ابيها.

أولاً: العسر البدني أو المالي: ما كان تأثيره واقعاً على البدن, في الحال أو المال, كالدخول في الأعمال الشاقة ذات التأثير المباشر على القوة البدنية الظاهرة, كصوم المريض, والدوام على قيام الليل.

ثانياً: الحرج النفسي أو المعنوي: فما كان تأثيره واقعاً على النفس, كمن يرتكب خطأ فيتألم لصدوره منه, أو يقوم بعمل فيندم على ارتكابه إياه, فإن هذه الأمور تحدث قلقاً وألماً في النفس.

ومن هذا الحرج الشك المورث لضيق الصدر والتبرم والجزع لكل ما يحصل بسبب ضعف الإيمان الباعث على الاطمئنان والاستقرار, قال تعالى: [وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ]([35]).

وهذان القسمان كلاهما منفي وعالجهما الإسلام وذلك من خلال نفي العسر بالأدلة الشرعية, وقد أوجد الوسائل لتخليص المكلف من الحرج والعسر كالتوبة والكفارات وغيرها.

مضمون القاعدة:

هذه قاعدة نفي الحرج والضرر والنسيان والجهل أو أحكام المكره والمضطر تسمى بالعناوين الثانوية, وهذه الأحكام تكشف مدى مراعاة الشريعة الإسلامية لمصالح العباد.

فالمقصود من قاعدة نفي الحرج كل حكم يستلزم ثبوته الحرج على العباد, مثل وجوب الوضوء أو الغسل أو وجوب إعفاء اللحية أو حرمة كشف المرأة عورتها أمام الطبيبة للفحص وغير ذلك فإذا استلزم الحرج يكون مرفوعاً.

وقد نص الكتاب الكريم على نفي الحرج في سورة الحج في سياق بيان من الله عز وجل على الأمة الإسلامية فقال سبحانه وتعالى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاَكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ]([36]). وفي هذه الآية الشريفة هو رفع الحرج عن أمة الإسلام والمنة على المسلمين, وعدم جعل الحرج في الدين بقوله تعالى [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ]([37]), ليس إلاّ عبارة عن عدم تشريع الأحكام المستلزمة ثبوتها للحرج.

والمراد من الدين هي الأحكام المجعولة من قبل الشارع المسماة بالأحكام الفقهية من الطهارة الى الديات, فالمنفي هو نفس الحكم الذي ينشأ من قبله الضيق والحرج.

مدرك القاعدة:

الأدلة على مدرك قاعدة نفي الحرج هي:

  1. الكتاب العزيز
  2. قوله تعالى [وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ٍ]([38]). ان المراد بالجعل الذي نفاه الله تعالى هو الجعل التشريعي لا الجعل التكويني.

أولاً: هذه الآية فصلت حكم التيمم كمثال لنفي الحرج في الدين, كما ذكرت الآية ثلاث حالات لتسويغ التيمم عند المرض وعند السفر وعند فقدان الماء وذكرت مثالين لموجباته احدهما الغائط الذي يوجب الوضوء وعند تعسره يتبدل إلى التيمم, الثاني ملامسة النساء الموجبة للغسل وعند العسر يوجب التيمم.

ثانياً: ذكرت كيفية التيمم وذلك بالضرب على الأرض الطيبة والمسح عنها بالوجه واليدين, ومعروف ان ذلك من ابسط الأعمال, والذي لا يسبب التعب ولا يستغرق وقتاً طويلاً, وهذا يصح مثلاً رائعاً لرفع الحرج وكيف يتبدل الغسل الى تكليف التيمم.

ثالثا: ذكرت الآية كيفية نفي الحرج كقاعدة عامة لعموم ألفاظها وضرب الأمثلة من السفر والمرض وعدم وجدان الماء, فقد زادت القاعدة تبياناً لمعرفة كيف يبتلى المريض والمسافر بالصعوبات, فإما المريض فعندما يحس بالألم والضعف وخطر استخدام الماء عليه احياناً, وإما المسافر فالإرهاق والابتعاد عن الماء وربما خطر الوصول إليه.

ب. قوله تعالى: [وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ]([39]).

اعتراض: 

لا يمكن الاستدلال بالآية لاحتمال اختصاص قوله (يريد الله بكم) بخصوص الصوم ولا يعمّ بقية الأبواب الفقهية, فإنه يمكن الجواب بأنه ليس علة ليتمسك بعموم العلة بل هو حكمة, لأنه لو كان علة للزم دوران الحكم مدارها والحال أن المسافر يلزمه الإفطار حتى ولو لم يعسر عليه الصوم.

  1. قوله تعالى: [لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا]([40]), الآية نافية للتكليف بما ليس في الوسع, والوسع ما يسع الإنسان ولا يضيق عليه ولا يحرج فيه, فدلالة الآية لا يكلف الإنسان إلاّ ما هو في حدود طاقته وفي ميسوره, لا ما لا يبلغ مدى الطاقة والمجهود. وقد استدل الإمام  عليه السلام  ببعض هذه الآيات على رفع الأحكام الحرجة حيث قال  عليه السلام  هذا وامثاله يعرف من كتاب الله أمسح على المرارة (ما جعل الله عليكم من حرج).
  1. قوله تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]([41]), إن الآية الكريمة تنفي الحرج عن الدين, فقد جاء الحرج نكرة في سياق النفي مما يفيد نفي عام.
  1. السنة الشريفة
  1. ما روي عن الإمام الصادق  عليه السلام  (قلت لأبي عبد الله  عليه السلام  عثرت فأنقطع ظفري فجعلت على اصبعي مرارة فكيف اصنع بالوضوء؟ قال  عليه السلام : يعرف هذا وأشباهه من كتاب الله عز وجل, قال الله عز وجل: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]([42]) إمسح عليه).
  2. عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله  عليه السلام  (انا نسافر فربما بلينا بالغدير من المطر يكون إلى جانب القرية فتكون فيه العذرة ويبول فيه الصبي ويتبول فيه الدواب وتروث فقال  عليه السلام  (ان عرض في قلبك منه شيء فقل هكذا يعني أفرج الماء بيدك ثم توضأ فإن الدين ليس بمضيّق, فإن الله عز وجل يقول: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]([43]).
  3. عن الأمام الباقر  عليه السلام  كان يقول: (ان الخوارج ضيقوا على انفسهم بجهالة وان الدين أوسع من ذلك).
  4. وقوله صلى الله عليه واله وسلم (بعثت على الشريعة السمحة السهلة).
  1. الإجماع

لا يمكن الاستدلال بالإجماع فلأنه مدركي لاحتمال بان مدرك المجمعين هو النصوص من الكتاب العزيز والسنة الشريفة, والإجماع المدركي ليس حجة, لأن حجية الإجماع هي باعتبار كاشفيته عن رأي الأمام  عليه السلام , ومع وجود مدرك يحتمل استناد المجمعين إليه.

  1. العقل

لا يمكن الاستدلال بالعقل على قاعدة نفي الحرج, لأنه لا يرى امتناع التكليف بالأمر الشاق, كيف وقد وقع التكليف بالأمر الشاق في الشرائع السابقة كما تشير إليه الآية الكريمة (ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا) فإن الإصر عبارة عن الأمر الشاق.

وإنما العقل يمنع من التكليف بالأمر غير المقدور, ولكن المفروض ان الحرج ليس هو الأمر غير المقدور بل هو الأمر الشاق.

ثم ان القاعدة وردت للامتنان ولا امتنان في رفع مالا يمكن أن يطاق او غير مقدور عليه, بل الحرج هو جعل حكم يوجب الضيق على المكلّفين هذا المعنى ليس ممتنعاً أو قبيحاً ولكن الله تبارك وتعالى لطفا وكرماً لم يجعل الأحكام الحرجية بالنسبة الى جميع العباد أو بالنسبة إلى خصوص الأمة المرحومة كرامة لنبينا صلى الله عليه واله وسلم ومن هذا يظهر ان مدرك القاعدة هي الكتاب والسنة الشريفة دون العقل والإجماع.

الفرق بيـن الحرج والضرر:

الحرج هو المشقة والضيق دون عدم القدرة على الشيء, وليس كل مشقة حرجاً بل هو عبارة عن خصوص المشقة الشديدة وذلك لأن جميع التكاليف فيها مشقة فلو فسرت الحرج بالمشقة المطلقة لأصبحت جميع التكاليف حرجية لان التكليف مأخوذ من الكلفة والمشقة.

والضرر هو النقص إما في المال او البدن أو غيرهما فما لا يكون نقصاً لا يكون ضرراً وهذا بخلافه في الحرج, فأنه المشقة ولو لم تكن مشتملة على النقص كالوضوء بالماء البارد في الشتاء القارص, فإنه قد يبلغ المشقة الشديدة من دون طرو مرض على البدن.

مثال الحرج دون الضرر:

لو حصل المكلف على مقدار من المال يساوي مقدار الاستطاعة الى الحج, وكان بحاجة الى شراء بيت به, فإن وجوب صرفه في الحج لا يوجب الضرر بمعنى النقص وإنما يوجب الحرج بمعنى الوقوع في المشقة.

مثال الضرر دون الحرج:

إذا استلزم الوضوء زيادة المرض وتأخر برأه.

تقدم قاعدة نفي الحرج على الأدلة الأولية:

إنّ وجه تقديم قاعدة نفي الحرج على الأدلة الأولية هو الحكومة,([44]) فقاعدة لا حرج حاكمة بمعنى أنها ناظرة الى الأدلة الأولية, وتريد ان تبين ان تلك الأدلة الأولية لا تريد اثبات الأحكام بشكل مطلق وشاملة حتى لحالة الحرج, بل هي تختص بحالة عدم الحرج, فان الله سبحانه وتعالى لم يجعل على عباده الحرج والدليل على ذلك نفي الحرج في تشريعاته ودينه.

فدليل وجوب الوضوء مثلاً يثبت وجوب الوضوء بشكل مطلق وشامل حتى لحالة الحرج ودليل نفي الحرج ينفي كل حكم حرجي بما في ذلك وجوب الوضوء.

وهن قاعدة نفي الحرج بكثرة التخصيص:

ان كثرة تخصيص القاعدة يؤدي الى وهنها بل تصبح مستهجنة فمثلاً الجهاد حرجي وقد خرج وجوبه عن القاعدة وهو واجب بالرغم كونه حرجاً, وهكذا حرمة الفرار أو وجوب تسليم النفس للحد والقصاص وغيرها من الأحكام. ويلزم من هذا أن للقاعدة معنى مجهولاً لا يعرف فلا يمكن الاستدلال بهذه القاعدة.

ولكن يمكن الرد على هذا الإشكال بان القاعدة ناظرة الى ما يكون رفعه عقلائياً وهذه الموارد المخصصة بما أن رفعها لم يكن عقلائياً فلا تجري القاعدة فيها بل الأمر العقلائي أثباتها لما يترتب من المصالح وحفظ النظام فلا معنى لرفعها.

رفع الحرج النوعي أو الشخصي:

الحرج تارة يكون شخصياً وأخرى نوعياً, والحرج الشخصي هو الحرج الثابت لهذا الشخص بخصوصه أو لذلك بخصوصه, أما الحرج النوعي فهو الحرج الثابت لنوع الناس أي غالبهم كما هو الحال في وجوب الوضوء حالة المرض, فإنه حرجي لغالب المرضى وإن لم يكن حرجياً بلحاظ بعض المرضى. وباتضاح الحرج الشخصي والحرج النوعي فهل قاعدة نفي الحرج تنفي الأحكام الأولية في حالة لزوم الحرج الشخصي بالخصوص ولا يكفي الحرج النوعي, فوجوب الوضوء مثلاً لا يرتفع إلاّ عمن كان ثبوت الوجوب في حقه حرجياً بالخصوص ولا يكفي كونه حرجياً بلحاظ  النوع والغالب. أو ان القاعدة تنفي الأحكام حالة الحرج النوعي أيضاً ولا يلزم تحقق الحرج الشخصي فإن الوضوء يرتفع وجوبه في حق كل مريض حتى من لم يكن ثبوت الوجوب في حقه حرجياً.

والصحيح أن قاعدة نفي الحرج تنفي الحرج الشخصي لأن ذلك هو المتبادر والمفهوم من لسان دليل القاعدة (ما جعل عليكم في الدين من حرج), والحمل على الحرج النوعي يحتاج إلى قرينة وهي مفقودة. ثم إن رفع الحرج مما امتنَّ الله تعالى به علينا, وهذا يقتضي أن يكون الرفع ملحوظاً فيه حال كل شخص بحسب نفسه, وإلاّ فأي امتنان في رفع الحكم عن شخص بلحاظ شخص آخر؟!

رفع الحرج رخصة أم عزيمة:

هل المقصود من القاعدة رفع الإلزام دون الرخصة أم المقصود منها رفع الإلزام والرخصة معاً؟ أي لو فرض انه تكلّف واتى بالإلزام بالرغم من كونه حرجيا في حق المكلف فهل يقع منه صحيحاً؟ فلو اتى بالوضوء ولو كان حرجياً فهل يقع صحيحاً؟

فعلى الرأي الأول: هو رفع الإلزام دون الرخصة أي أنه مرخّص في ترك الوضوء مثلاً وليس بملزم به.

وعلى الرأي الثاني: إن الرفع وارد بنحو العزيمة, أي ان المكلف ملزم بترك الوضوء مثلا وليس مرخّصاً في ذلك.

والرأي الراجح بما ان القاعدة نفي الحرج وارده في مورد الامتنان على الأمة الإسلامية فهي تدل على مطلبين في آن واحد وهما: رفع الوجوب وبقاء الملاك والرجحان, وعليه فالحكم بصحة الفعل الحرجي في موارد الحرج وهو المناسب اي رفع الإلزام دون الرخصة.

قاعدة نفي الحرج تعم الأحكام الوضعية:

ترفع قاعدة نفي حرج الأحكام الوضعية كما ترفع الأحكام التكليفية, ولكن قد ترفع الحكم التكليفي الحرجي دون الحكم الوضعي مثاله لو أن رجلاً كانت معاشرته لزوجته سيئة بحيث يضربها ويؤذيها فهنا يحكم بجواز خروجها من بيتها من دون أذن زوجها الى بيت أهلها, لأن حرمة الخروج بدون إذنه تستوجب الحرج لها, ولكن هذا يرفع الحكم التكليفي هو وجوب طاعة الزوج دون الحكم الوضعي هو بقاء الزوجية, ومثال رفع الحكم الوضعي بقاعدة نفي الحرج هو لزوم البيع في حالات الغبن, فإنه يترتب عليه وقوع المغبون في الحرج, فيحكم بعدم لزوم البيع وجواز فسخه تمسكاً بالقاعدة.

شروط العمل بالقاعدة من قبل الفقيه:

  1. أن لا يكون المورد مما لا يرضى بتركه ولو كان الفعل حرجياً شاقاً على المكلف كالواجبات التي بني الإسلام عليها كالصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج وأمثالها مما لا يرضى الشارع بتركها على كل حال.
  2. أن لا يكون مما لا يرضى بفعله لاشتماله على المفسدة العظيمة كقتل النفس المحرمة والزنا واللواط والفرار عند الزحف وارتكاب المعاملة الربوية والقمار وشرب الخمر وسائر المحرمات الكبيرة.

تطبيقات:

  1. جواز ارتكاب بعض الأطراف في الشبهة التحريمية غير المحصورة لأن الاحتياط في اطرافها واجب العسر.
  2. جواز ترك بعض الأطراف في الشبهة الوجوبية غير المحصورة.

ثالثاً:

قاعدة سوق المسلميـن

هي من القواعد المهمة التي ينتفع بها في التعايش بين المسلمين, وهي أمارة على التذكية, فمثلاً ان الحيوان المأكول اللحم الذي يشك في تذكيته محكوم بحرمة تناول لحمة إلا إذا أُخذ من سوق المسلمين فإنه محكوم بالحلية, فلولا هذه القاعدة لا يمكن شراء اللحم من الأسواق والأكل منها لاحتمال عدم تذكيتها.

أولاً: مضمون القاعدة:

يقصد من القاعدة بأمارية السوق على التذكية, أي أن الحيوان الموجود في سوق المسلمين قد ذكي على وفق الطريقة الشرعية وأن تذكيته حصلت مع جميع الشروط المعتبرة, فإن الحيوان إذا لم يذك لم يجز تناول لحمه ولا الصلاة مع جلده لأنه ميتة, وإذا شك في التذكية حكم عليه بعدمها تمسكاً بالاستصحاب, فإن الحيوان حالة حياته لم يكن مذكى فإذا شك في حصولها له عند إزهاق روحه استصحب ذلك العدم. وهذا الاستصحاب حجّة ويحكم على الحيوان بعدم التذكية ومن ثمَّ بعدم جواز تناول لحمه ولا الصلاة في جلده, ونجاسته وتنجس اليد والملابس بإصابتها له مع الرطوبة. ولكن إذا كان الحيوان من سوق المسلمين فإنه محكوم بالتذكية.

وإما اثبات الملكية والطهارة فذلك أجنبي عن أمارية سوق المسلمين.

ثانياً: مدرك القاعدة:

1. الروايات الشريفة:

  • صحيحة فضيل وزرارة ومحمد بن مسلم حيث سألوا الأمام أبا جعفر الباقر  عليه السلام  عن شراء اللّحوم من الأسواق ولا يدري ما صنع القصابون فقال: (كُلْ إذا كان في سوق المسلمين ولا تسأل عنه)([45]).
  • موثقة اسحاق بن عمار عن العبد الصالح  عليه السلام  (لا بأس بالصلاة في الفراء اليماني وفيما صنع في أرض الإسلام, قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس)([46]).

ج- مضمرة البيزنطي (سألته عن الرجل يأتي السوق فيشتري جبة فراء لا يدري مذكاة هي أم غير مذكاة أيصلي فيها؟ فقال: نعم ليس عليكم المسألة, ان أبا جعفر  عليه السلام  كان يقول: ان الخوارج ضيقوا على انفسهم بجهالتهم, إنّ الدين أوسع من ذلك)([47]).

  • صحيحة الحلبي قال سألت ابا عبد الله  عليه السلام  عن الخفاف التي تباع في السوق, فقال: (اشتر وصل فيها حتى تعلم أنها ميتة بعينه)([48]). والظاهر هو سوق المدينة أي سوق المسلمين.

وهي تدل على ذم السؤال والفحص حذراً من ايقاع المؤمن نفسه في المشقة.

والاعتبار هو بسوق المسلمين لا مطلق السوق وهو ما كان اكثر أهله مسلماً.

2. التمسك بسيرة المتشرعة

التعامل بسوق المسلمين وشراء لحومها معاملة المذكى بالرغم من ان القصاب الذي تشتري منه لا نجزم بتذكية الحيوان بل نحتمل إما انه لم يذكه أساساً أو ذكاه لا على الوجه الشرعي، ومن تحرّج عن الشراء والأكل عُدَّ منحرفاً عن الاتجاه العام الذي يسير عليه المسلمون.

ولا نحتمل هذه السيرة متجددة وحاصلة في العصور المتأخرة، بل حتى في عصر الأئمة  عليه السلام  كان المسلمون يشترون اللحم من السوق ولم يجزموا ان كل القصابين يجرون التذكية ثم ان هذه السيرة لا تحتاج إلى إمضاء من الشارع كالسيرة العقلائية, بل هي حجة لأنها متلقاة من الشارع المقدس وإلاّ لم تكن سيرة متشرعة.

وكان الأئمة وأصحابهم يشترون من السوق من دون تفحص عن التذكية.

3. اختلال النظام بعدم حجية سوق المسلميـن

إن لازم عدم حجية سوق المسلمين اختلال النظام, حتى ورد عنهم  عليهم السلام  في رواية حفص بن غياث (لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق)([49]) إذا يلزم ان يذبح كل فرد مسلم الحيوان لنفسه, ولا يجوز شراء اللحم من السوق وأكله لان احتمال عدم التذكية مادام موجوداً فالاستصحاب يثبت عدم تذكية الحيوان المشكوك ومن ثم عدم جواز أكله.

ثالثاً: هل يد المسلم أو سوق المسلميـن أمارة على التذكية:

القول الأول: إن أمارة التذكية هي يد المسلم وليس سوق المسلمين بالمعنى الدقيق, بل سوق المسلمين أمارة على أمارة, فالروايات الشريفة تعبّر بكلمة السوق ولكن لا نحتمل ان تريد ذلك البناء الخاص الذي يشمل على المحلات بل باعتباره يضم المسلمين والكاشف عن كون اليد المأخوذ منها يداً مسلمة. فما نأخذه من لحم من يد مسلمة في بلاد الكفار أمارة على التذكية.

وتظهر ثمرة هذا القول فيما لم تكن على المشكوك تذكيته أمارة على التذكية من سوق المسلمين أو أرض الإسلام أو تصرف المسلم بل لم يكن إلاَّ في يد المسلم من دون انضمام تصرفه المتوقف على التذكية إليها او سوق المسلمين أو غير ذلك من الأمارات الدالة على التذكية, كما لو وجد اللحم في يد المسلم وهو في الطريق ولم يعلم أنه ذاهب ليأكله او ليلقيه وينبذه, فإن قبلنا بإمارية يد المسلم بنفسها جاز ترتيب آثار التذكية على هذا اللحم وإلا فلم يجوز ترتيبها ما لم ينضم إليها التصرف المتوقف على التذكية.

وقد ذهب المحقق الهمداني الى أن اليد المسلمة هي أمارة على التذكية وذلك من رواية اسماعيل بن عيسى عن الجلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من اسواق الجبل, أيسأل عن ذكاته اذا كان البائع مسلماً غير عارف؟ قال  عليه السلام : (عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك, وإذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه)([50]).

القول الثاني: الأمارة على التذكية سوق المسلمين وارض الإسلام وتصرف المسلم, أما يد المسلم فلا دليل على أمارتها على التذكية. نعم هنالك خبر واحد وارد في يد المسلم وهو خبر اسماعيل بن عيسى إلا ان الحكم بالحلية فيه مرتب على تحقيق التصرف المتوقف على التذكية من المسلم دون مجرد كونه في يده وكون التصرف مورداً ولا يخصص الوارد فلا يدل أمارية اليد بما هي يد.

ثم حجية سوق المسلمين وأرض الإسلام وتصرف المسلم على التذكية مرجعها لأصالة الصحة أم لا؟ فذهب صاحب الجواهر إن مرجع الجميع الى إصالة الصحة في فعل المسلم ولأجل ذلك حكم بعدم أمارية اليد المجردة عن التصرف المتوقف على التذكية.

واعترض المحقق الهمداني بأن أصالة الصحة في فعل المسلم أن تثبت صحة العمل الصادر من المسلم المشكوك في صحته للشك في وجود بعض شرائطه ولا تثبت وجود المشكوك وتحققه في الخارج, فهي في المقام تثبت صحة البيع أو صحة الصلاة بمشكوك التذكية اما أنها تثبت التذكية المشكوكة كي تصح الصلاة المشترى فيه فلا, فلا وجه لإرجاع أمارية هذه الأمور الى أصالة الصحة.

إنّ السوق امارة عن التذكية لنكتة عقلائية وهي الكاشفية عن كون البائع مسلماً وكاشفيته يده عن كونها تطبق الشرائط الشرعية للتذكية, وكلتا الكاشفيتين تستند إلى الغلبة فالغالب في السوق هم مسلمون, فالسوق يكشف عن كون اليد المأخوذ منها يد مسلمة.

وتظهر الثمرة لو كان سوق المسلمين هو الامارة على التذكية لحكم بما في يد الكافر الموجود في سوق المسلمين بالتذكية, بخلاف ما لم يكن امارة مستقلة بل كان امارة على الامارة للعلم بعدم تحقق يد للمسلم التي هي الإمارة فلا أثر لسوق المسلمين.

نعم في صورة الشك بتحقق يد المسلم بان الشك في كون ذي اليد مسلماً أو كافراً يحكم بمسلميته بمقتضى السوق, وهذا معنى أمارية سوق المسلمين.

رابعاً: شرائط أمارية سوق المسلميـن:

  1. السوق أمارة على التذكية فيما اذا كان الطابع العام على أصحاب السوق الإسلام أو غالبهم مسلمون, أما اذا كان عكس ذلك فلا أمارة للسوق.
  2. إذا علم بأن أصحاب سوق المسلمين يستوردون بعض الأحزمة أو الجلود أو الأحذية المصنوعة في الدول غير الإسلامية, وعدم مبالاة المسلم التاجر بالتذكية وهو غير ملتزم دينياً بل همّه الأرباح فلا يجوز شراؤها استناداً إلى أمارة السوق لأن السوق لا أمارية له بعد ضعف المبالاة بتعاليم الإسلام أو انعدامها.
  3. إذا وجد في سوق المسلمين بعض المحلات المشتملة على لحوم غير مذكاة وعلمنا بذلك من دون تشخيصها فلا بد من هجر الشراء من تلك المحلات لسقوط السوق عن الأمارية بعد العلم باشتماله على غير المذكى.
  4. ان يد المسلم أمارة على التذكية لو كان يتعامل مع اللحم بعنوان الأكل والجلود للبيع ولبسها في الصلاة أما اذا كان يتعامل بها من اجل القائها في المزبلة أو الإحراق فلا يعتبر السوق أمارة أو يد المسلم أمارة.

خامساً: لا فرق بيـن المسلميـن:

سوق المسلمين أمارة على التذكية لعموم المسلمين ولا يخص مذهب من المذاهب الإسلامية وإن ذهب جمهور الفقهاء أي اهل السنة الى القول بطهارة جلد الميتة بالدباغة وحلية ذبائح أهل الكتاب وذلك لوجهين:

  1. أطلاق النصوص وعدم تقييد كلمة المسلمين فيها بفرقة دون أخرى.
  2. ان الطابع العام لسوق المسلمين في عصر صدور النصوص احتواؤها على مذاهب أخرى غير الإمامية وتخصيصها بالإمامية دون غيرهم يلزم تخصيص الأكثر الذي يكون مستهجن عرفاً.

سادساً: مصنوع أرض الإسلام:

  1.  الأحزمة والجلود المصنوعة في بلاد غير المسلمين محكوم عليها بعدم التذكية ونجاستها عند ملاقاتها بالرطوبة.
  2. الأحزمة والجلود المصنوعة في بلاد المسلمين مثل تركيا اذا حصل الاطمئنان بصحة الكتابة المكتوبة عليها يحكم بالتذكية عليها.

رابعاً:

قاعدة لا ضرر ولا ضرار

وهي من القواعد المهمة التي تنفي الأحكام التي ينشأ منها الضرر, فتنفي وجوب الوضوء فيما إذا كان ضررياً, وكذلك نفي وجوب الصوم اذا ترتب علية الضرر.

وهي مستمدة من أخبار الشارع بعدم جعلهِ الحكم الضرري في شرعه ودينه تكليفياً كان أو وضعياً أو هي حكم الشارع بانتفاء الموضوع الضرري ادعاء بعناية عدم جعل الحكم له.

أولاً: مضمون القاعدة:

كل حكم يتسبب من ثبوته ضرر على المكلف فهو مرفوع وغير ثابت في الشريعة كما رخص بالتيمم ورخص بالتقية وأجاز ترك الصوم, كما لا يجوز إيقاع الضرر بالآخرين ولا مقابلة الضرر بالضرر مثله والمقصود من ذلك رفع الضرر والمضرة.

فللقاعدة موضوع ومحمول, موضوعها الحكم الضرري أو الموضوع الخارجي الضرري, ومحمولها الإخبار عن عدم جعل ذلك الحكم حقيقة أو عدم ذلك الموضوع تنزيلاً وادعاءً بلحاظ عدم حكمه.

ثانياً: مدرك القاعدة:

1. الآيات الشريفة:

  1. قال تعالى: [وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]([51]) نهى سبحانه عن إضرار الأم بولدها بترك إرضاعه غيظاً على أبيه لبعض الجهات, كما انه نهى عن اضرار الاب بولده بمنع رزقهن وكسوتهن بالمعروف مدة الرضاع, فيمتنعن عن ارضاع الولد فيتضرر منه الولد.
  2. قوله تعالى: [أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاَتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى]([52]) نهى سبحانه عن الأضرار والتضييق على المطلقات في السكنى والنفقة في أيام عدتهن. كما أوصى بهن في موضع أخر بقوله [وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا]([53]) نهى عن الرجوع  الى المطلقات الرجعية لا لرغبة فيهن بل لطلب الاضرار بهن كالتقصير في النفقة أو لتطويل المدة حتى تلجأ الى بذل مهرها.
  3. قوله تعالى: [يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا]([54]) نهى الله عن الاضرار بالوارث وتضييع حقوقهم في الوصية بان يوصي ببعض الوصايا اجحافاً عليهم ودفعاً لهم عن حقهم أو يقر بدين ليس عليه دفعاً للميراث عنه.
  4. قوله تعالى: [وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ]([55]) نهى عن إضرار كاتب الدين والشاهد عليه أو على البيع, بان يكتب ما لم يمل أو يشهد بما لم يستشهده عليه, ويمكن حمل الآية الشريفة على النهي بالإضرار بالكتاب والشهداء إذا أدوا حق الكتابة والشهادة على اختلاف الأقوال في تفسير الآية الشريفة.

2. الأحاديث الشريفة:

  1. قضية سمرة بن جندب التي رواها محمد بن يعقوب الكليني في الكافي([56]) (عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد عن أبيه عن عبد الله
     بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر الباقر  عليه السلام  قال: انّ سمرة بن جندب
     كان له عذق في الحائط([57]) لرجل من الأنصار, وكان منزل الأنصاري بباب البستان, وكان يمر به الى نخلته ولا يستأذن فكلمه الانصاري ان يستأذن إذا
    جاء فأبى سمرة, فلما تأبّى جاء الانصاري الى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فشكا إليه وخبره الخبر: فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وخبّرة بقول الانصاري وما
    شكا وقال: إن أردت الدخول فاستأذن فأبى, فلما ساومه حتى بلغ به الثمن
    ما شاء الله, فأبى أن يبيع, فقال: لك بها عذق يمدُّ لك في الجنة, فأبى أن
    يقبل, فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم للأنصاري أذهب وأرم به إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار).

اعتراض:

ما اختاره الميرزا النائيني والسيد الخوئي من أن الأمر بالقلع لم يستند إلى القاعدة (لا ضرر ولا ضرار) وإنما استند الى ولاية النبي صلى الله عليه واله وسلم وكونه حاكماً ووظيفته حفظ  النظام, فمن باب كونه يجب عليه الحفاظ على النظام أمر بالقلع وليس من باب قاعدة لا ضرر.

الجواب:

إن النبي صلى الله عليه واله وسلم حينما أمر بالقلع علل بقوله لا ضرر, حيث قال صلى الله عليه واله وسلم (إذهب فاقلعها وارم به إليه فإنه لا ضرر ولا ضرار) فإن ذلك واضح في كون القاعدة قد ذكرت كتعليل للأمر بالقلع.

  1. مسألة الشفعة: روى المشايخ الثلاثة الكليني والطوسي والصدوق عن عقبة بن خالد عن الإمام أبي عبد الله الصادق  عليه السلام  قال: قضى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن. وقال لا ضرر ولا ضرار, وقال إذا ارّفت الأرف([58]) وحدت الحدود فلا شفعة)([59]).

إن العلة والحكمة في جعل (حق الشفعة) للشريك هي لزوم الضرر والإضرار عند فقده, فإن الإنسان لا يرضى بأي شريك, وان هذا الحق ثابت في المشاع وقبل القسمة, وأما بعدها فلا شفعة وهو المراد من قوله  عليه السلام : (إذا ارفت الأرض وحدت الحدود فلا شفعة).

جـ. مسألة مشارب النخل وفضل الماء, فقد روى الكليني بسنده إلى عقبة بن خالد عن الإمام أبي عبد الله الصادق  عليه السلام  قال: (قضى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بين أهل المدينة في مشارب النخل: أنه لا يمنع نقع البئر([60]), وقضى بين أهل البادية أنه لا يمنع فضل ماء ليمنع فضل كلاء فقال لا ضرر ولا ضرار)([61]) والام للعاقبة ومعنى الحديث (أي لا يمنع فضل الماء الذي عاقبته المنع من فاضل الكلأ).

ثالثاً: توضيح المفردات

الضرر هو النقص الذي يدخل على الشيء عند أصل اللغة, وهو ضد النفع([62]), فالضرر يطلق عند أهل اللغة يراد به النقصان وعلى الأذى مطلقاً إذ يشمل المضايقة لديهم([63]).

والضرر أنه النقص في المال أو البدن أو العرض, بل تعميم النقص للحق كذلك, فمن كان له حق عقلائي وشرعي في قضية معينة فالمنع من ممارسته لحقه المذكور ضرر, فمثلاً من حق الشخص ان يعيش في داره حراً والحيلولة دون ممارسة حقه ضرر.

والحاصل ان الضرر لا يختص بالنقص في المال أو العرض أو البدن, بل التجاوز على حقوق الأخرين والتعدي عليها ضرر. ويمكن تعريفه: هو الأذى الذي يصيب الشخص في الجسم أو العرض أو المال أو أي شأن محترم شرعاً من شؤونه ناشئاً عن احداث عمل غير مشروع([64]).

رابعاً: الفرق بيـن الضرر والضرار:

إن كلتي الكلمتين تشتركان في معنى النقص ولكن تتميزان, والتفريق بينهما هو إن الضرر اسم مصدر بينما الضرار مصدر, والفارق بين المصدر واسم المصدر هو إن المصدر هو الدلالة على الحدث من حيث صدوره من الفاعل بينما اسم المصدر دلالته على الحدث دون دلالته على النسبة الى الفاعل فمثلاً العلم إذا لوحظ منسوباً الى الفاعل وقيل عِلْمُ زيد بالقضية ثابت فهو مصدر أما اذا قيل العلم خير من الجهل فهو اسم مصدر.

فان الضرر هو نفس النقص بلا لحاظ حيثية صدوره من الفاعل, بينما الضرار يكون حيثية الصدور من الفاعل ملحوظة وان كلمة الضرر تدل على نفس النقص وكلمة الضرار تدل على الضرر الصادر من الفاعل عن تعمّد ونقص. وتحريم الاضرار يستبطن بالملازمة العقلائية تشريع الوسائل الوقائية والوقوف أمام تحقق الظلم أو بقائه ولو بإعطاء ذلك كصلاحية للحاكم. فمن الوسائل في المقام قلع النخلة إذ بدون قلعها يبقى سمرة داخلاً وخارجا, وذلك يستلزم استمرار الإضرار, ومجرد منعه بدون الاستئذان لا يكفي للوقوف أمام ظلمه فلما كان قلع النخلة هي الوسيلة الوقائية المنحصرة, في دفع الضرر أمر صلى الله عليه وآله بالقلع.

وقيل إن الضرار فعل الاثنين والضرر فعل الواحد, أو المجازاة على الضرر أو الإضرار بالغير بما لا ينتفع به, بخلاف الضرر فإنه الإضرار بما ينتفع, أو أن الإضرار عمدي والضرر أعم منه.

خامساً: المقصود من قاعدة الضرر:

ان المقصود من القاعدة نفي تحقيق الضرر في حق المكلف من ناحية التشريع والأحكام, فكل حكم يكون ثبوته مستلزماً للضرر يكون منفياً, وإن الاضرار لوحظ في جنبة الصدور من الفاعل ونفي الإضرار وتحريمه يستبطن بالملازمة العقلائية تشريع الوسائل الوقائية والوقوف أمام تحقق الظلم أو بقائه. فمثلاً النهي عن الاحتكار فلو نُهي شخص عن الاحتكار وبالرغم من ذلك أحتكر فجاء الحاكم وأخرج السلع المحتكرة  وباعها لم يشكل على ذلك بان النهي عن الاحتكار لا يستوجب إلا تحريم الاحتكار لا أكثر, بل يرون وجود ملازمة بين تحريم الاحتكار وتشريع الوسيلة الوقائية وأن الأوّل دون الثاني أشبه بالتفكيك بين المتلازمين.

فقاعدة نفي الضرر توجب منع الضرر مطلقاً, فتشمل دفعه قبل وقوعه, ورفعه بعد وقوعه, فيكون المراد نفي ماهية الضرر في دين الإسلام, أي ليس في أحكام دين الإسلام ما يوجب الضرر والضرار سواء أكان حكماً تكليفياً أو وضعياً فهي تشمل جميع أبواب الفقه معاملات وعبادات سواء أضر بنفسه أم بغيره, فالوضوء أو الغسل إذا استلزم ضرراً يكون منفياً, والحج إذا استلزم ضرراً لا يجب, وإتلاف مال الغير بدون تدارك ضرر عليه عرفاً فهو منفي في الشرع فلا بد من تداركه, والجاهل بالغبن والعيب يكون تمليك ماله مما هو دون قيمته ضرر عليه فيجب تداركه بالخيار أو الإرش إلى غير ذلك ما يبنى على نفي الضرر.

الضرر المنفي وشروطه:

إن الضرر المنفي هو الضرر المادي والضرر المعنوي، والضرر المادي يتمثل بالإصابة الجسدية أو الخسارة المادية, واما الضرر المعنوي وهو يتمثل بالإخلال بمصلحة غير مالية كما لو كان الأذى يمس الشرف والكرامة أو السمعة أو العاطفة أو غيرها.

وأما الشروط التي يجب أن تتوفر في الضرر المنفي وهي:

  1. وقوع الضرر بمعنى أنه قد وقع أو محقق الوقوع.
  2. أن يكون ماساً بحق محترم شرعاً.
  3. أن يعدّه الشرع أو العرف ضرراً.

 

الضار وشروطه:

الضار من أوقع الضرر بقصد أو بغير قصد, مختاراً أو مضطراً, عالماً أو جاهلاً مباشراً أو متسبباً, فلو أحدث الإنسان ضرراً بغيره عن غير قصد, فيكون قد ارتكب فعلاً غير مشروع فيلزمه الضمان دون الإثم, وإنما يلزم محدث الضرر برفع الضرر عن الغير بالضمان أو نحوه بسبب فعله, والفعل هنا أعم من أن يكون مادياً أو يكون معنوياً, ثم الفعل الضار قد يقع مباشرة أو تسبيباً, وشرط اعتباره ضاراً أي محدثاً للضرر صحة إسناد الضرر إليه, فالذي يسند إليه الضرر شرعاً أو عرفاً فهو الضار, ويلزم بجبر الضرر, ولا يشترط في الضار أن يكون ذا أهلية في الضمان بل حتى لو كان غير مميز أو مجنوناً أو صبياً أو نائماً وترتب على فعله ضرر فهو ضامن.

سادساً: كثرة تخصيص قاعدة لا ضرر:

إن قاعدة لا ضرر قد طرأت عليها تخصيصات كثيرة, أي ان هنالك أحكام كثيرة ثابتة في الاسلام وهي ضررية ولا ترتفع بقاعدة لا ضرر كما هو الحال في الحدود والديات والتعزيزات والقصاص وباب الضمان بالإتلاف أو اليد وباب الخمس والزكاة والحج والجهاد والانفاق على الزوجة وباب الكفارات, وكثرة التخصيص يوجب وهن القاعدة. ثم ان العمل بالقاعدة على عمومها بحيث لا يلزم تخصيصها يلزم فقه جديد والالتزام  بتخصيصها يلزم وهنها.

الجواب:

ان الضرر في الأمثلة المذكورة في الاعتراض وغيرها لم يعد يصدق أنه ضرر عقلائي, فان هذه الاحكام والقوانين تعود بالنفع الى المجتمع وافراده فالضرر الناتج منها لم يعد يصدق عليها ضرر عقلائي ولا يعدّها العقلاء ضرراً أو على الأقل يعدُّ ضرراً غير أنه ضرر مقبول لدى العقلاء, وحديث نفي الضرر حينما يقول لا ضرر يقصد نفي ما يكون ضرراً على المستوى  العقلائي.

سابعاً: شمول قاعدة لا ضرر للأحكام العدمية:

ان قاعدة لا ضرر تشمل الأحكام العدمية فضلا عن شمولها  للأحكام الوجودية  فوجوب الوضوء حكم وجودي تشمله قاعدة لا ضرر ولكن هل تشمل مثلاً عدم ثبوت حق الطلاق لغير الزوج عند عدم قيامه بالنفقة على الزوجة أو لحبسه مدة زمنية طويلة  تضر بالزوجة فهو حكم  عدمي وعدم  انتفائه يستوجب الضرر؟ فذهب بعض الفقهاء الى شمولها للأحكام العدمية وذهب المحقق النائيني من ان لازم شمول القاعدة للأحكام العدمية تأسيس فقه جديد إذ يلزم صيرورة أمر الطلاق بيد الزوجة في حالة تضررها فمن حقها ان تطلق نفسها ولو لم يطلقها زوجها وهذا غريب لا يذهب إليه أحد.

اعتراض:

ان حديث لا ضرر غير شامل للأحكام العدمية لأن حديث لا ضرر ناظر للأحكام المجعولة التي جعلها الشارع وشرعها لينفيها في حالة الضرر, وعدم الحكم ليس أمر مجعولاً من قبله ليشمله الحديث.

الجواب:

ان المقصود من حديث لا ضرر نفي الضرر اللازم من الموقف الشرعي, ففي عالم التشريع لم يتخذ الشارع موقفا يلزم منه الضرر على المكلفين ومن الواضح ان عدم حكم الشارع بثبوت حق الطلاق للزوجية أو للحاكم الشرعي موقف من قبل يلزم منه الضرر على الزوجة, وهكذا بالنسبة إلى بقية الأمثلة. فلا موجب لتخصيص الحديث في خصوص الاحكام المجعولة.

تقديم حديث لا ضرر على الأدلة الأولية:

إن تقديم حديث لا ضرر على أدلة الأولية  من قبيل  جهة التخصيص, لأنه لو لم يقدم حديث لا ضرر على الأدلة الأولية يلزم إلغاؤه رأساً وعدم بقاء مورد له, وهذا بخلاف ما لو قدّم فإنه لا يلزم إلغاء الأدلة الأولية رأساً وإنما يلزم اختصاصها بموارد عدم الضرر, وكلما دار الامر بين دليلين من هذا القبيل قدّم ما يلزم من عدم تقديمه وإلغاؤه رأساً وهو حديث لا ضرر في المقام.

وهنالك وجه أخر هو للتقديم هو حكومة([65]) حديث لا ضرر على الأدلة الأولية وهذا الوجه هو المعروف بين المتأخرين.

والفرق بيـن الحكومة والتخصيص:

اذا كان الدليلان لسان كل منهما مسالم للدليل الثاني فالأول هو الحاكم والثاني هو المحكوم مثل أكرم كل عالم, والدليل الثاني والفاسق ليس بعالم كان لسان الثاني مسالماً للدليل الاول فهنا المورد مورد حكومة.

أما إذا كان الدليلان لسان كل منهما منافٍ للدليل الاخر مثل أكرم كل عالم, والدليل الثاني لا تكرم كل فاسق, كان لسان الدليل الثاني منافياً للأول وهذا هو التخصيص.

ثامناً: يتفرع على قاعدة لا ضرر ولا ضرار القواعد الآتية:

1. الضرر يزال

أي يجب أن يرفع الضرر وتزال آثاره, فمن سلط ميزابه على طريق عام يتضرر به المارة فعليه أن يرفعه. فإذا لم يتمكن من إزالة الضرر بالكامل لسبب ما كما لو ترتب على إزالته ضرر مماثل, فيزال حينئذ بما أمكن ومثلوا الفقهاء بما لو فتح أحد شباكاً يطل على دار جاره فإنه يكفي ان يضع ستارة سميكة تحجب الرؤية إذ به يندفع الضرر.

2. الضرر يدفع بقدر الإمكان

أي يجب أن يدفع الضرر قبل وقوعه قدر الإمكان, ذلك بكل وسيلة كافية, فالوقاية خير من العلاج. فوجوب العدة الكافية لإرهاب العدو. ويقصد بها منع الضرر قبل وقوعه أي بالحيلولة دونه, وذلك بوضع التشريعات اللازمة التي من شأنها أن تمنع وقوع الضرر, فلا يصل الأمر إلى الرفع إلا عند التجاوز وعدم الالتزام, ويتمثل ذلك في تشريع العقوبات [وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ]([66]) وتشريع الخيارات لقوله تعالى: [وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ]([67]).

3. الضرر لا يزال بمثله:

الضرر اذا كانت إزالته واجبة فلا يزال بضرر مثله أو أعظم منه فلا يزال ضرر الاختلاط والفتنة بالحبس والحجز. فلا يجوز إزالته بإحداث ضرر مثله لأنه في هذه الصورة لا يعد إزالته حقيقية, فإن لا ضرر ولا ضرار المراد بالضرار عدم جواز مقابلة الضرر بالضرر. فلا يجوز إتلاف مال أحد بسبب أنه أتلف مالي.

4. تحمّل أخف الضررين لدفع أشدهما:

الضرر الأشد هو الضرر الذي يلحق بالمضرور أذى أكبر أو خسارة مالية أكبر أو هو ما يفوّت منفعة أصلية وبعكسه الضرر الأخف وقد أطلق فريق من الفقهاء على الضرر الأشد تسمية الضرر الفاحش, وآخرون أطلقوا عليه تسمية الضرر الأكثر([68]). ومفاد القاعدة أنه عند تعارض ضرر أشد أو أكثر مع ضرر أخف أو أقل فيرتكب الضرر الأخف لدفع الضرر الأشد أو الأكثر.

يجوز أن يزال الضرر بضرر أخف منه, والضرر الأشد يزال بضرر أخف مثل زرع الأرض في غير مستحقها,  أخذ مال الغير خوفاً من الهلاك نفسه.

5. تحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام:

يقصد بالضرر الخاص ما يصيب فرداً على حدة, أما الضرر العام فهو ما يصيب أكثر من فرد أو جماعة غير محصورة, وعبّر الشهيد الأول عن الضرر العام بأنه أعظم مفسدة([69]). ومفاد القاعدة: أنه إذا تعارض ضرر يلحق بفرد أو مجموعة قليلة مع ضرر يلحق المجموع أو عموم الناس فإنه يرى العام فيعرّض الفرد للضرر ويتحمله دفعاً للضرر الذي يمكن أن يصيب المجموع.

هدم الأبنية الآلية للانهدام إلى السقوط مع تضرر صاحبه خوفاً من سقوطها وجواز حجر المفتي الماجن والطبيب الجاهل والمكاري والمفلس وان تضرروا دفعاً لضررهم  عن الجماعة في أرواحهم  ودينهم ومالهم, ومنها  التسعير عند تعدي أرباب الطعام في بيعه بغبن فاحش, وهدم الدور الملاصقة للحريق إذا خيف سريانه.

تاسعاً:

الضرر المنفي في قاعدة لا ضرر ولا ضرار هو الضرر الشخصي لا الضرر النوعي, والمراد بالضرر الشخصي هو أن المناط في رفع الحكم ترتب الضرر الشخصي الخارجي عليه فمن الممكن أن يكون الحكم ضررياً في حق شخص  دون شخص آخر بل لشخص واحد في مورد دون مورد آخر.

وأما الضرر النوعي كون الحكم ضرريا نوعاً وإن لم ينشأ منه ضرر في بعض الأحيان أو لبعض الأشخاص. والظاهر من الحديث الشريف هو الضرر الشخصي لا النوعي؛ لأن معنى الحكومة رفع كل حكم في كل مورد نشأ منه ضرر.

وإن حديث لا ضرر ولا ضرار في مقام الامتنان يقتضي أن يكون الرفع بلحاظ حال كل شخص بحسب نفسه, وإلاّ رفع الحكم عن شخص بلحاظ شخص آخر أي امتنان فيه.

 

خامساً:

قاعدة على اليد

أولاً: مضمون القاعدة:

يقصد من قاعدة على اليد: (إن كل من استولى على مال غيره ووقع تحت يده كان ضامنا له وإن لم يتلف أو تلف عند غيره).

فإذا ركب شخص سيارة غيره من دون موافقة مالكها كان ضامنا لها وملزماً بإرجاعها إليه سالمة, فإذا تعيب بعض أجزائها أو سرقت منه ولو مع تحفظه الكامل عليها كان ضامناً لها.

وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأصل في الضمان هو رد العين قبل تلفها؛ لأنها الموجب الأصلي إذا لم تتغير تغيراً فاحشاً؛ لأن الحق متصل بالعين مباشرة, أما رد بدل العين من المثل أو القيمة فهو مخلص.

فكل من ضمن عيناً وجب عليه رده إلى المالك, سواء طالب المالك بردها أم لا مادامت العين باقية.

ثانياً: الفرق بيـن قاعدة على اليد وقاعدة الإتلاف:

إذا أتلف شخص مال الغير فهو له ضامن فيما إذا كان عن قصد وتعمّد ويكون الضمان ثابتا عليه وهذه هي قاعدة الإتلاف, بينما قاعدة على اليد فيما لو تلف من غير تعدٍ ولا تفريط يكون كذلك ضامنا فإذا حدث الإتلاف من دون قصد وتعمد من قبل المستولي على العين كانت قاعدة على اليد دالة على الضمان.

ثالثا: الفرق بيـن قاعدة على اليد وقاعدة اليد:

إن الفارق هو أنه في قاعدة اليد يراد إثبات أمارية اليد على الملكية فإن من كانت له يد على شيء فذلك أمارة على كونه مالكاً له. وهذا بخلافه في قاعدة على اليد فإنه يراد إثبات أن المستولي على مال غيره هو ضامن له.

رابعاً: مدرك القاعدة:

  1. الحديث المشهور عن النبي صلى الله عليه واله وسلم (على اليد ما أخذت حتى تؤدي). وهو موجود في عوالي اللئالي لأبي جمهور الأحسائي ومستدرك المحدث النوري([70]). وكثيراً ما يستشهد به الفقهاء في كتبهم الفقهية وأولهم الشيخ الطوسي في كتاب الخلاف([71]). ولكن روى أهل السنة مسنداً في كتبهم عن (سمرة بن جندب فرواه أحمد بن حنبل في مسنده([72]), والبيهقي في سننه([73]). وانجبار ضعف سند الراوية بعمل المشهور من الفريقين.
  2. ويدل على هذه القاعدة الروايات الخاصة الواردة في أبواب العارية والإجارة والمضاربة والرهن وغير ذلك, مما يدل على ان المستعير أو المستأجر أو العامل أو المرتهن إذا حصل منه التعدي أو التفريط فهو ضامن لتلف العين وليس ذلك إلا لان يده تنقلب إلى يد غير أمنية.
  3. دلالة قاعدة (احترام مال المسلم) وقاعدة (السلطنة على المال) على قاعدة على اليد بعدم جواز التصرف في مال الغير من دون إذنه, فلو تصرف فيه وتسلط عليه فتلف كان ضامنا وإلاّ انتهكت الحرمة للمال.
  4. إن بناء العقلاء لا يزالون يحكمون بضمان من استولى على شيء بغير حق ثم تلف عنده ولو لم يكن عن تعدٍ أو تفريط.

خامساً: قاعدة على اليد للحكم التكليفي والحكم الوضعي:

إن المراد من اليد في قاعدة على اليد كناية عن الاستيلاء, وإن من استولى على شيء فهو عليه الضمان إلى أن يتحقق منه الرد الكامل, وإنما عبّر باليد لأنها الوسيلة عادة لتحقق الاستيلاء. والظاهر أن قاعدة على اليد ناظرة إلى الحكم التكليفي, أي على اليد حفظ ما أخذت إلى زمان أدائه, فيما إذا كانت ناظرة إلى فعل المكلف, وإما إذا كانت القاعدة ناظرة إلى نفس المال فكذلك تثبت الحكم الوضعي وهو الضمان فمن استولى على سيارة غيره مثلا ودفعها إلى ثانٍ جاز لدى العقلاء رجوع صاحبها الأول ومطالبته بها للضمان.

والموصول في قوله (ما أخذت) عام يشمل كل شيء كما أن اليد عامة تشمل اليد الأمينة والخائنة والضامنة ولكن استثنت اليد الأمينة إذا لم تتعد أو تفرط. واليد هنا كناية عن السلطة على شيء لا الجارحة المعروفة, فإنها لما كانت سبباً للسلطة على الأشياء غالباً صارت كناية عن هذا المعنى فلو حصلت السلطة بغير اليد فلا شك انه داخل في القاعدة.

و(الأخذ) ليس المراد به الأخذ الخارجي باليد أو غيرها, بل التسلط على شيء ولو لم يكن بأخذه. وإما لفظة (على) فهي للاستعلاء كما هو الأصل فيها فكأن الأشياء المأخوذة تستقر على يد آخذها, ويكون ثقلها عليها ما لم تؤدها إلى صاحبها.

سادساً: شمول قاعدة على اليد للمنافع والأعمال:

وقع البحث في أن قاعدة على اليد تشمل المنافع كما تشمل الأعيان, لان القاعدة في ذيلها قوله (حتى تؤدي) والأداء حيث لا يمكن تحققه بالنسبة إلى غير الأعيان فتخص القاعدة بها.

والمناسب الرجوع إلى السيرة العقلائية دون القاعدة بألفاظها الخاصة لضعف سند الحديث وإذا رجعنا إلى السيرة العقلائية فإنها تثبت الضمان للمنافع لأنه مال فوت على صاحبه. فلو استولى شخص على سيارة غيره بدون إذنه وأرجعها بعد يوم من دون حدوث أي نقصان فيها سواء أنتفع بركوبها أم لا؟ فهو يضمن المنفعة الفائتة سواء كانت مستوفاة أم لم تكن مستوفاة.

سابعاً: المثل أو القيمة:

لا إشكال في أن العين المأخوذة من الغير من دون موافقة مالكها يلزم ردَّها كاملة إليه فمن استولى على عين غيره وجب ردّه إليه مادامت العين باقية وذلك لإرجاع ثلاثة حقوق وهي الشخصية والنوعية والمالية, ثم ان تعذر رد العين لتلفها وجب ضمان المثل لحفظ الحقين الباقيين هما النوعية والمالية, فإن تعذر رد المثل فالقيمة أي الحق المالي فقط.

والمدار على القيمة قيمة يوم الأداء لان العين بالاستيلاء عليها بدون إذن مالكها ثابتة بنفسها في ذمة المستولي حتى مع تعذر المثل, فإن القاعدة تقول على اليد ما أخذت أي أن نفس ما أخذته ثابت في الذمة وتنشغل به حتى تؤديه فهو باقٍ في الذمة حتى مع تعذر المثل ولا ينتقل إلى القيمة إذ لا موجب لذلك فإن مقتضى إطلاق على اليد ما أخذت بقاء ما استولى عليه في ذمة المستولي حتى مع تلفه بل وحتى بعد تعذر المثل.

ثامناً: بدل الحيلولة وأجرة اليد:

اختلف الفقهاء في عين لم يتحقق تلفها وبالإمكان رد المستولي عليها إلى مالكها بعد فترة من الزمن فهل يلزم دفع مثلها أو قيمتها إلى المالك لبدل الحيلولة ومثاله مثل سقوط خاتم في حوض ويحتاج إلى عدة أيام لإخراجه وربما يستدل بقاعدة على اليد ضمان بدل الحيلولة. وقد ذهب بعض الفقهاء إلى التأمل والتوقف للضمان ببدل الحيلولة للشك في ذلك والأصل فيه البراءة عن بدل الحيلولة.

 تاسعاً: الأجرة على رد العيـن:

إن العين المستولى عليها إذا كانت موجودة وبالإمكان ردُّها ولكن كان ردُّها يحتاج إلى أجور, فهذه الأجور على المستولي للسيرة العقلائية.

عاشراً: عموم القاعدة للجاهل والصغير:

معلوم إن الضمان على من وضع يده على مال غيره إذا كان عالماً بالغاً وكذلك الجاهل والصبي لأن الضمان حكم وضعي وهو لا مانع من شموله للجاهل والصغير وإنما الذي لا يشملهما هو الحكم التكليفي بالخصوص.

وعليه فوجوب الرد مثلا هو حكم تكليفي لا يشمل غير البالغ بخلاف الضمان لو تحقق التلف عنده فانه لا محذور في شموله له, غايته يكون المكلف بالدفع من أموال الصبي هو وليه.

وهكذا الحال فيمن وضع يده على مال الغير وهو جاهل بذلك متخيلاً أنه ملكه فإنه ضامن له لو تلف عنده بل ولو لم يتلف عنده.

حادي عشر: استثناء القاعدة من الأمانة:

إن يد الأمانة لا إشكال في عدم ضمانها حتى مع تحقق التلف عندها, وذلك لأن السيرة العقلائية التي هي مدرك لضمان اليد ضيقة من الأول ومحدودة من البداية بحدود اليد غير الامانية, فان العقلاء إذا ائتمنوا شخصاً وأودعوا عنده مالا وتلف لديه فلا يحكمون عليه بالضمان إلا إذا فرّط وتعدى. وأيدته الروايات القاضية بأن يد الأمانة لا تكون ضامنة إلاّ مع التعدي والتفريط روي في الصحيحة عن الإمام الباقر  عليه السلام  (إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: ليس لك ان تتهم من قد ائتمنته). والصحيحة تدل بوضوح على الضمان مع تحقق التعدي والتفريط.

حاصل أحكام قاعدة على اليد:

  1. قاعدة على اليد للضمان فهي عبارة عن كون اليد الغاصبة سبب لضمان صاحبها وإن وقع التلف لمتلف سماوي.
  2.  أو ورد على المال نقص أو عيب.
  3.  واليد الأمنية إذا خرجت عن الأمانة بالتعدي أو بالتفريط فهي ضامنة.

 

سادساً

قاعدة القرعة والاستخارة

تعريف القرعة لغة: مأخوذ من قرع: أي ضرب الشيء. يقال قرعت الشيء أقرعه ضربته, والإقراع والمقارعة: هي المساهمة([74]).

تعريف القرعة اصطلاحاً: (العمل المعهود المتعارف لتعين المطلوب في الأمور المشتبهة, فإذا اشتبه الأمر ولم يكن الطريق إلى كشفه فيتوسل بها لتعيين المطلوب)([75]).

كيفية القرعة:

لم تتقيد الفقهاء بطريقة أو كيفية محددة في إجراء القرعة, إذ المهم عندهم تمامية إجرائها بأي طريقة كانت فهي قد تتم بالكتابة على الأوراق أو غيره, وتنقيح موضوعها يوكل إلى العرف عادة وعلى هذا الأساس وعبر تاريخ استعمالها, فإن هنالك كيفيات معينة تمت القرعة فيها ويمكن استحداث طرق أخرى تبعاً لتغيير الزمان والمكان والأعراف منها: تعليم السهام أو الكتابة على السهام أو بواسطة الخواتيم أو كتابة أجزاء المقسوم في رقاع.

أولاً: مضمون القاعدة:

 وهي من القواعد المعمول بها في كثير من أبواب الفقه عند اشتباه حال الموضوعات وعدم معرفتها على ما هي عليها, إن الواقع إذا أشكل في مورد ولم يمكن تشخيصه من خلال أمارة أو أصل فيمكن المصير في تعيينه إلى الاقتراع وذلك بكتابة قطع متعددة وسحب واحدة منها.

واستشكل بعض الفقهاء على عموم هذه القاعدة في العمل بها, بل جوزوا العمل بها إلاّ في موارد مخصوصة عمل بها الأصحاب.

ثانياً: مدرك القاعدة:

الأدلة على حجية القرعة

أولاً: الكتاب الكريم:

الآية الأولى: قوله تعالى: [وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ (141)]([76]).

المساهمة هو الاقتراع, قال الراغب في مفرداته (فساهم فكان من المدحضين) (استهموا اقترعوا), والسهم هو ما يرمى به لضرب الحظ. خرجت القرعة على النبي يونس  عليه السلام  في إلقائه بالبحر.

إن ظاهر الآية جواز الإقدام على هلاك أحد بالقرعة عند الضرورة أو شبهها فهل هذا أمر جائز يمكن الحكم بمقتضاه حتى في الشريعة الإسلامية ولو أجتمع فيه جميع الشرائط التي اجتمعت في أمر يونس  عليه السلام  أو لا؟ والمسألة لا تخلو عن إشكال وتحتاج إلى تأمل.

وقد يعترض على الاستدلال بالآية منها:

إن الواقعة وقعة في الشرائع السابقة ولا يدل على الإمضاء في شريعة الإسلام فشرع ما قبلنا ليس شرعاً لنا.

الجواب: أن الآية الكريمة صريحة في اشتراك يونس الذي هو نبي معصوم في عملية المساهمة في الاقتراع, مضافا إلى أن السكوت عن تأنيب الفعل يستفاد منه الإمضاء ثم استصحاب حكم الشريعة السابقة وعدم نسخه.

الآية الثانية: قوله تعالى: [­وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ]([77]).

دلت الآية الشريفة على حجية الاقتراع على كفالة مريم بنت عمران التي كانت من أسرة معروفة بخدمتها للبيت المقدس, فتنافسوا على خدمة مريم فاتفقوا على الاقتراع وألقوا أقلامهم, أي الأقلام التي كانوا يكتبون بها الكتاب المقدس في النهر فغطست جميعاً إلاّ قلم زكريا فإنه طفا فكفلها, وهذا يدل على حجية القرعة.

الآية الثالثة: وفي قصة يوسف  عليه السلام  مع أخوته, يقول الطبرسي نقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم (فلما جهزهم وأعطاهم وأحسن إليهم في الكيل, قال لهم: من أنتم؟ قالوا نحن قوم من أرض الشام, رعاة أصابنا الجهد فجئنا نمتار, فقال: لعلكم عيون جئتم تنظرون عورة بلادي؟ فقالوا: لا والله ما نحن بجواسيس, وإنما نحن أخوة بنو أب واحد, وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن, ولو تعلم بابينا لكُرمنا عليك, فإنه نبي الله)([78]) وبعد أن أخبروه بقصتهم, طلب منهم أن يأتوه بأخيهم الذي من أبيهم (بنيامين) لكي يصدّق مقالتهم أن لهم أخاً آخر بقي عند أبيه, فقالوا له (سنراود عنه أباه) لكنه قال لهم دعوا عندي رهينة حتى تأتوني بأخيكم فاقترعوا بينهم فأصابت القرعة شمعون وكان أحسنهم رأيا في يوسف فخلوه رهينة عند يوسف  عليه السلام .

فكانت القرعة هي المخرج عندهم لتعيين أحدهم للبقاء. فكانت القرعة طريقة معروفة لحل المشكل.

ثانياً: السنة الشريفة:

هنالك أخبار عامة دالة على حجية القرعة منها:

  1. صحيحة محمد بن حكيم (سألت الإمام أبا الحسن  عليه السلام  عن شيء فقال لي: كل مجهول ففيه القرعة. قلت له: إن القرعة تخطيء وتصيب. قال: كل ما حكم الله ليس بمخطئ)([79]) ومضمون هذه الرواية عامة لعدم تخصص الحكم بالخصومة والمنازعة بل عنوانها (كل مجهول).
  2. ورد عن أمير المؤمنين  عليه السلام  والإمام أبي جعفر الباقر  عليه السلام  والإمام أبي عبد الله الصادق  عليه السلام  (أنهم أوجبوا الحكم بالقرعة فيما أشكل)([80]).

أما الأخبار الخاصة فهي كثيرة منها:

  1. صحيحة إبراهيم بن عمر عن الإمام أبي عبد الله الصادق  عليه السلام  (الرجل قال: أول مملوك أملكه فهو حر فورث ثلاثة قال  عليه السلام : يقرع بينهم فمن أصابه القرعة أعتق. قال: والقرعة سنة)([81]).
  2. روى الآلوسي في روح المعاني عن الإمام الصادق   عليه السلام أنه قال: (ما تقارع قومٌ فوضوا أمرهم إلى الله عز وجل إلا خرج سهم المحق, وقال: أي قضية أعدل من القرعة إذا فوض الأمر إلى الله سبحانه وتعالى, أليس الله تعالى يقول: [فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنْ الْمُدْحَضِينَ ]([82]).([83])
  3. في قضية استعلام موسى بن عمران  عليه السلام  النّمام الذي كان من بين أصحابه بالقرعة, وبإيحاء من الله (عز وجل) له, فقد روى عثمان بن عيسى في نوادره عن بعض أصحابه عن الإمام أبي عبد الله الصادق  عليه السلام  قال: (إن الله أوحى إلى موسى  عليه السلام : إن بعض أصحابك ينم عليك فاحذره, فقال: يا رب لا أعرفه فأخبرني به حتى أعرفه, فقال يا موسى: عبتُ عليك النميمة وتكلفني أن أكون نماماً؟ قال: يا رب فكيف أصنع؟ قال الله تعالى فرّق أصحابك عشرة, ثم تقرع بينهم, فإن السهم يقع في العشرة التي هو فيهم, ثم تفرقهم وتقرع بينهم فإن السهم يقع عليه, قال: فلما رأى الرجل أن السهام تقرع قام, فقال: يا رسول الله أنا صاحبك لا والله لا أعود أبداً)([84]).
  4. حادثة عبد المطلب وردت الحادثة التاريخية لعبد المطلب جد النبي صلى الله عليه واله وسلم الذي كان له تسع بنين, فنذر في العاشر إن رزقه الله تعالى غلاماً فإنه يذبحه فرزق (عبد الله), فلم يقدر أن يذبحه لمحبته الشديدة له وحيث كان صغيراً فجاء بعشرة من الإبل فساهم عليها وعلى عبد الله, فخرجت السهام على عبد الله فأخذ يزيد من كل مرة عشرة من الإبل, وتخرج السهام على عبد الله إلى أن وصل عدد الإبل إلى مائة, فخرجت السهام عليها, قال عبد المطلب: الآن علمت ُ أن ربي قد رضي بها فنحرها)([85]). 

ثالثا: السيرة العقلانية:

لا شك في انعقاد القرعة في الأمور المشكلة مثل القرعة في عدد محدود للحجاج إلى بيت الحرام وقبول الطلاب في الكليات أو منح الزمالات الدراسية وغيرها.

وهذه السيرة لعلها ممضاة والدليل قوله  عليه السلام  (والقرعة سنّة).

مورد القرعة:

إن مورد القرعة يكون خاصاً بالشبهات الموضوعية لا الشبهات الحكمية, والقرعة لا تختص في باب التنازع والقضاء, بل موردها أعم من ذلك, أي في عموم المجهول والمشتبه والمشكل حتى جعلت طريقاً للوصول إلى الحل وإزالة الاشتباه والإشكال والجهالة في الموضوعات.

القرعة وظيفة مطلقة:

إن القرعة وظيفة مطلقة يمكن لأي أحد إعمالها عند اشتباه الأمر واستحكامه وانغلاق جميع طرق المعرفة الصريحة بين الأفراد وعند التزاحم, ووقع التصريح فيها بعنوان القوم كما يظهر من إطلاق الروايات ومنها: (ما تقارع قوم ففوّضوا أمرهم إلى الله إلاّ خرج لهم الحق)([86]) و(ليس من قوم فوّضوا أمرهم إلى الله ثم أقرعوا, إلا خرج سهم المحق)([87]) و(وما من قوم فوّضوا أمرهم إلى الله عز وجل وألقوا سهامهم إلا خرج السهم الأصوب)([88]).

فيبدو من هذه الروايات التي استقطعت منها موضع الشاهد أن فيها العموم لكل قوم وليس فيها اختصاص, أي من حق كل أحد القيام بها مع تراضي أطراف النزاع في اللجوء إلى طرف ثالث يقوم بعملية الاقتراع بينهم إذ بعد ذلك يكون الخروج بالحل المرضي لجميع الأطراف.

القرعة رخصة أم عزيمة: 

وقع الخلاف في موارد الالتزام بها, ففيما إذا كان أمراً لازم التعيين سواء كان له واقع ثابت مجهول أم لا, ولم يكن طريق آخر للتعيين فيجب إجراؤها لتعيين ذلك الواقع المجهول.

وأما في غيره مما ليس هنالك أمر لازم التعيين فلا يلزم أصلاً العمل بالقرعة, ولا الأخذ بمقتضاها, وإنما تكون هي من باب أحد الأطراف المخيّر في إجرائها وليس من باب فرض إجرائها بالذات.

القرعة أمارة أم أصل:

إن موضوع القرعة هو المجهول بما هو مجهول, نظير سائر الأصول التي موردها خصوص صورة الشك, كأصالة الحلية والاستصحاب, فلا مجال لدعوى الأمارية في القرعة بل هي أصل عند العقل وعند الشارع يرجع إليها فيما لم يكن مرجح في البين, ولم يكن هنالك أصل أو أمارة إصلاح, لأن القرعة ليس لها جهة الكاشفية عن الواقع بل تكون مطابقتها للواقع من باب الاتفاق لا بمعنى للحال والتصادف الدائمي أو الأكثري بإرادة الله تعالى والأسباب الغيبية وإن كانت ممكنة لكنها بعيدة غايتها بل لا يمكن الالتزام به.

الاستخارة:

الاستخارة بالقرآن الكريم أو بالسبحة نوع من أنواع القرعة, فإنه إذا أشكل على إنسان أمر يفوضه إلى الله تعالى, ثم يدعو ببعض الدعوات المأثورة ثم يستخير الله فيعمل على طبق الاستخارة.

تعريف الاستخارة لغة: المشهور عن علماء اللغة أن الاستخارة هي بمعنى طلب الخيرة من الله سبحانه وتعالى عند الحيرة وعدم القطع في الأمور التي تواجه الإنسان في حياته العملية, قال ابن منظور: (خار الله لك أي أعطاك ما هو خير لك, والخيرة بسكون الياء: الاسم من ذلك, واستخار الله: طلب منه الخيرة, يقال: استخر الله يخر لك, والله يخير العبد إذا استخاره)([89]).

تعريف الاستخارة اصطلاحاً: الاستخارة عند الفقهاء يراد بها نفس المعنى اللغوي, فهي أن يسأل الله سبحانه أن يجعل الخير فيما أراد إيقاعه من أفعال, وأن يوفقه لما يختار له وييسره له, أي أنه قد رجح في نفسه أحد الأفعال ورغب فيها([90]).

الفرق بيـن القرعة والاستخارة:

ان الاستخارة تلتقي مع القرعة في حال التفويض والتسليم إلى الله تعالى والطلب منه أن يرشده إلى مطابقة الحكم الظاهري للحكم الواقعي للقضية, ويمكن إجمال الفروق بما يأتي:

  1. إن القرعة إنما تكون للأمر المعلوم واقعاً, والمبهم ظاهراً, فلا يُعلم حكمها الشرعي الجزئي لاشتباه موضوعها في الغالب مع تزاحم الحقوق, بينما تكون الاستخارة فيما يعلم حكمها الشرعي وموضوعها.
  2. ما يكون إجراء القرعة غالباً لازماً, ولا يمكن الحياد عن نتيجتها وعدم الالتزام بها, كما في الشاة الموطوءة, أو تداعي عدة أشخاص ببنوة الولد أو غيرها, لأن فيها فضاً لنزاعٍ قائم أو حل مشكل متعسر حله على الأطراف المقترعة. بينما يدور الأمر في الاستخارة بين أمور مباح لكن يشك في صلاحها وفسادها في عاجله أو آجله, فإذا لم ينته أمره إلى طريق بيّن يتوسّل بها لكشف ما هو صلاحه ورفع حيرته ويجوز له بعد إجرائها عدم الالتزام بنتيجتها أو تطبيقها.
  3. القرعة تكون بين شخصين أو عدة أشخاص في الغالب, تزاحمت حقوقهم فأرادوا إخراج أحدهم بالقرعة, أما الاستخارة فعادة ما تكون عند شخص واحد أراد تمييز أو ترجيح أمرين صعُبَ عليه الاختيار بينهما.

الحكمة من الاستخارة:

إن الأصل في الاستخارة الذي يدل عليه أكثر الأخبار المعتبرة هو أن لا يكون الإنسان مستبداً برأيه معتمدا على نظره وعقله, بل يتوسل بربه تعالى ويتوكل عليه في جميع أموره, ويقر عنده بجهله بمصالحه, ويفوض جميع ذلك إليه, ويطلب منه أن يأتي بما هو خير له في أخره وأولاه, كما هو شأن العبد الجاهل العاجز مع مولاه العالم القادر, فيدعو بأحد الوجوه من الدعوات مع الصلاة أو بدونها بل بما يحضر بباله من الدعاء أن لم يحضره شيء من ذلك, ثم يرضى بكل ما يترتب على فعله من نفع أو ضر.

وبعد ذلك الاستخارة من الله سبحانه وتعالى ثم العمل بما يقع في قلبه, ويغلب على ظنه أنه أصلح له. (اللهم إني أستخيرك خيرة لي أو لفلان أنت أعلم فيما هو صالح والخيرة لي).

الأخبار الشريفة على مشروعية الاستخارة:

  1. ما روي عن الإمام الصادق  عليه السلام  (ما أُبالي إذا استخرت الله على أي طرفي وقعت, قال  عليه السلام  وكان أبي يُعلمني الاستخارة كما يعلمني السورة من القرآن)([91]).
  2. روي عن جابر بن عبد الله الأنصاري  رضي الله عنه  قال (كان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يعلمنا السورة في القرآن)([92]).

كيفية الاستخارة:

(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اسألك بحق محمد وآل محمد أن تصلي على محمد وآل محمد, وأن تخرج لي خير السهمين في ديني ودنياي وآخرتي وعاقبة أمري في عاجل أمري وآجله أنك على كل شيء قدير, ما شاء الله لا قوة إلا بالله صلى الله على محمد وآل ثم تكتب ما تريد في الرقعتين أفعل أو لا تفعل وتكون الثالثة غفلا (أي مخيرة) ثم تجيل الرقاع فأيما خرجت عملت عليه ولا تخالف. ويستحب استقبال القبلة عند إجرائها, واستحباب أن يكون على طهارة, وفي مكان شريف كالمسجد, وزمان كيوم الجمعة.

 

سابعاً:

قاعدة التقية

أولاً: التقية لغة:

مصدر من اتقى يتقي, واتقيت الشيء حذرته, فالتقية مصدر والتقوى اسم مصدر.

ثانياً: التقية اصطلاحاً:

التقية (كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا)([93]), أو (إخفاء أمر ديني لخوف الضرر من إظهاره), أو (التحفظ من ضرر الغير بموافقته من قول أو فعل مخالف للحق)([94]).

إن أتباع مدرسة أهل البيت  عليهم السلام  هم أكثر من احتاج إلى ممارسة التقية من بين باقي المذاهب, فقد استعمل الأئمة الأطهار  عليهم السلام  التقية في مقابل الحكام الظلمة, ومارسها أصحاب الأئمة في الأخذ منهم ونشر علومهم.

ثالثاً:

  1. التقية ديدن الأقلية المغلوبة.
  2.  هي أمر فطري لحفظ النفس.

جـ. العقل يحكم بها.

  1. أمر بشري غير مختص بأتباع مذهب أئمة أهل البيت عليهم السلام  ولا بعصر دون عصر.

        فالتقية تشمل الجانب الفقهي والاعتقادي والمواقف السياسية, وكل ما يتعرض له الإنسان من خوف أو إضرار, فيجوز له التمسك بالتقية دفعاً لهذا الخطر سواء في الأحكام الفقهية أو العقيدية أو المواقف السياسية أو الاجتماعية. فالتقية تمارس في ثلاث جهات:

الأولى: جهة الإسلام (التقية الإسلامية), ويراد بها التقية التي يمارسها المسلم في مقابل الكفر وأهله.

الثانية: جهة الإيمان (التقية الإيمانية), وهي أشد من الأولى؛ لأن هذه التقية يمارسها المسلم في مقابل من يشترك معه في الإسلام, ولكن يختلف معه في المذهب أو المعتقد.

الثالثة: جهة العمل (التقية العملية), وهي أشد من الثانية؛ لأنها تقية يمارسها الإنسان المؤمن من أهل الإيمان الذين يخالفونه في الرأي أو الموقف الفكري أو السياسي, وهذه التقية هي الغالبة في البلدان المستبدة أو المجتمعات التي تعاني أزمة.

مفاهيم تنافي التقية

هنالك مفاهيم تنافي التقية منها:

أولاً: النفاق: هو إظهار خلاف ما يبطن الإنسان, ويتحقق ذلك باختياره, ومن دون حاجة ألجأته إليه, والنفاق مذموم قبيح عند العقلاء, وعلى هذا تفترق التقية عن النفاق بفوارق عديدة:

  1. التقية ثبات القلب بالإيمان وظهور خلافه باللسان, بينما النفاق عكس ذلك, فهو ثبات القلب على الباطل وإظهار الحق على اللسان فقط.
  2. التقية لا تكون من غير إضرار أو مصلحة معتد بها شرعاً, أما النفاق فهو خالٍ من ذلك.
  3. التقية محمودة عند عقلاء الناس, بينما النفاق رذيلة توجب انحطاط صاحبها.

ثانياً: المداهنة: لغة المصانعة, وهي خلاف ما يضمر الإنسان وإظهار ما يوافق الآخرين من أجل جلب النفع والمصلحة, بينما التقية فيها دفع الضرر والخطر, كما ان المتقي يمارس التقية وهو يعلم بأحقية مذهبه, بينما المداهن لا يعلم وفيها معصية وهي مذمومة.

والمداهنة في الظاهر هي التزلف كذباً, كمن يثني على ظالم أو مبتدع ويصدر بدعته حقاً.

ثالثاً: المداراة: هي المجاملة والتوافق لأجل التعايش والتفاعل الاجتماعي, على أن لا يؤدي إلى ضياع المفاهيم وبالتالي الذوبان, أو على حساب المبادئ فيعيش المسلم في الخداع. نعم يستحسن التوافق لأجل إيصال الآخرين إلى المبادئ, فعن الإمام أبي عبد الله الصادق  عليه السلام  قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (أمرني ربي بمداراة الناس كما أمرني بأداء الفرائض)([95]). فالمداراة ليست نفاقاً, وإنما هي طريق للوصول إلى الغاية, وهذا ما أشار إليه الرسول الأعظم صلى الله عليه واله وسلم في حديثه الشريف إذ قال: (ثلاث مَن لم يكن فيه لم يقم له عمل: ورع يحجزه عن معاصي الله, وخلق يداري به الناس, وحلم يرد به جهل جاهل)([96]).

رابعاً: الأدلة الشرعية على مشروعية التقية:

القرآن الكريم:

  1. قوله تعالى: [لاَ يَتَّخِذْ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمْ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ]([97]).

نهى سبحانه وتعالى عن اتخاذ الكافرين أولياء, والاستعانة بهم في الأمور ومن فعل ذلك من المؤمنين فليس من الله في شيء, والله بريء منهم وليسوا في ولاية الله ورعايته, ثم استثنى منه مقام التقية [إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً]([98]) والمعنى إلاّ أن يكون الكفار غالبين والمؤمنون مغلوبين, فيخافهم المؤمن إن لم يظهر موافقتهم ولم يحسن العشرة معهم, فعندئذ يجوز إظهار مودتهم بلسانه ومداراتهم تقية منه ودفعاً عن نفسه من غير أن يعتقد, فالآية صريحة في جواز التقية في الدين عند الخوف على النفس فهي جائزة في الأقوال كلها والأفعال ما عدا القتل والدماء وأفساد الدين.

  1. قوله تعالى: [مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ]([99]).

إنها نزلت في عمار وياسر أبيه وأمه سمية وصهيب وبلال وحباب حيث أخذهم الكفار وعذبوهم وأكرهوهم على كلمة الكفر والبراءة من الإسلام ورسول الله صلى الله عليه واله وسلم فلم يعطهم أبو عمار وأمه فقتلا, وكانا أول شهيدين في الإسلام وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا منه, فأخبر سبحانه بذلك رسول الله فقال قوم كفر عمار, وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (إن عمار مليء إيماناً من قرنه إلى قدمه واختلط الأيمان بلحمه ودمه, ثم جاء عمار إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وهو يبكي, فقال: ما وراءك فقال: شر يا رسول الله, ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير, فجعل رسول الله يمسح عينيه ويقول إن عادوا لك فعد لهم بما قلت). فالآية دالة على جواز التقية بإظهار كلمة الكفر من دون قصد عند الضرورة.

  1. قوله تعالى: [وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّي اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ]([100]).

هذه الآية وما بعدها تحكي عن قصة مؤمن آل فرعون واحتجاجه على قومه نقلها القرآن بلسان القبول والرضا, فهي دالة على جواز كتمان الأيمان عند الخوف على النفس ومثله. ولا شك ان كتمان الإيمان لا يمكن عادة بمجرد الإظهار عن مكنون القلب بل لا يخلو عن إظهار خلافه, لاسيما إذا كان ذلك مدة طويلة كما هو ظاهر حال مؤمن من آل فرعون. فكتمان إيمانه لا يتيسر إلا بالاشتراك معهم في بعض أعمالهم وترك بعض وظائف المؤمن الخاصة به. فالآية دليل على جواز التقية.

الأحاديث الشريفة:

لا شك في تواتر الأخبار الدالة على جواز التقية وهي على طوائف:

الطائفة الأولـى:

ما تدل على ان التقية ترس المؤمن وحرزه وجنته, وقد ورد روايات عديدة منها:

  1. عن الإمام الصادق  عليه السلام  (التقية ترس المؤمن والتقية حرز المؤمن)([101]).
  2. عن الإمام الصادق  عليه السلام  (التقية ترس الله بينه وبين خلقه)([102]).

وروايات هذه الطائفة تدل على جواز التقية في موارد الخوف لحفظ النفس والتقاء به كما يتقى بالحرب عن ضربات العدو بالجنة والترس وأشباههما.

الطبقة الثانية:

ما يدل انه لا دين لمن لا تقية له, وان تسعة أعشار الدين هي التقية, وإن دين بدونها يكون ناقصاً منها:

  1. روي عن الإمام الصادق  عليه السلام  (إن تسعة أعشار الدين في التقية, ولا دين لمن لا تقية له)([103]).
  2. روي عن الإمام الصادق  عليه السلام  (لا دين لمن لا تقية له و لا إيمان لمن لا ورع له)([104]).

الطائفة الثالثة:

ما دل على ان التقية من أعظم الفرائض, وأن أكرمكم عند الله أعملكم بالتقية وإن الأيمان بدونها كالجسد بلا رأس ومنها:

  1. ما روي عن الإمام الحسن العسكري  عليه السلام  في تفسير قوله تعالى: [وعملوا الصالحات] قال: (قضوا الفرائض كلها بعد التوحيد واعتقاد النبوة والإمامة، قال: وأعظمها فرضان: قضاء حقوق الاخوان في الله، واستعمال التقية من أعداء الله عز وجل)([105]).
  2. وعنه  عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (مثل مؤمن لا تقية له كمثل جسد لا رأس له)([106]).
  3. وعنه  عليه السلام  قال أمير المؤمنين: (التقية من أفضل أعمال المؤمنين يصون بها نفسه وإخوانه عن الفاجرين)([107]).

الحكمة من التأكيد على التقية في الأحاديث الشريفة:

  1. إن عوام الشيعة كثيراً ما يقومون بالمعارضة أمام الحكومات المتوالية عليهم من دون عدة ولا تخطيط فيلقون بأنفسهم إلى التهلكة.
  2. يرى عوام الشيعة إعلان عقيدة الحق ولو لم يكن واجباً ونافعاً, وإخفاءها ولو لم يجلب إلا الوهن والضرر على المذهب ومقدساته حراماً.
  3. يرى عوام الشيعة التقية كذباً ومجرد ذكر كلمة الشرك شركاً وكفراً وإن كان القلب مطمئناً بالأيمان ولذا بكى عمار بعد إظهار كلمة الكفر تقية.
  4. إن كثيراً من عوام الشيعة وبعض خواصهم كانوا يتركون العشرة من غيرهم من المسلمين لأنهم إن أظهروا عقيدتهم الحق ربما وقعوا بالخطر والضرر وجلب البغضاء والعداوة, وإن أخفوها كانوا مقصرين في أداء ما عليهم من إظهار الحق مرتكبين الأكاذيب فيرون الأرجح ترك العشرة معهم. فندبهم الأئمة عليهم السلام  العشرة معهم بالمعروف وحسن المصاحبة والجوار.
  5. التقية تسد الأبواب على العدو, لا باب المضرة فقط بل باب التعيير واللوم وغيرها, فهي الحصن الحصين الذي لا يقدرون ظهورها ولا يستطيعون له نقبا. ويكون نجاة الأئمة وشيعتهم من سفلة الرعية, قال الإمام الصادق  عليه السلام : (ليس منا من لم يلزم التقية ويصوننا عن سفلة الرعية)([108]).

خامساً: أقسام التقية:

إن التقية لا تنحصر في حفظ الأنفس ودفع الخطر عنها أو عن ما يتعلق بها من الأعراض والأموال, بل قد يكون ذلك لحفظ وحدة المسلمين وجلب المحبة ودفع الضغائن فيما ليس هنالك دواع مهمة إلى إظهار العقيدة والدفاع عنها.

كما أنه قد يكون لمصالح أخر, من تبليغ الرسالة بنحو أحسن كما في قصة إبراهيم واحتجاجه على عَبَدَة الأصنام أو مصلحة أخرى كما في قصة يوسف مع أخوته. فهي تكون على أقسام ثلاثة:

القسم الأول: التقية الخوفي والقسم الثاني: التقية التحبيبي والقسم الثالث: التقية لمصالح أخر.

وتنقسم التقية باعتبار الموضوع:

القسم الأول: التقية الخوفية: وهي فيما كانت منشأ التقية هو الخوف لأجل دفع الضرر من الغير, بأن يخاف إيصال الضرر إليه سواء كان الضرر على نفسه, أو عرضه أو ماله أو ما يتعلق به.

القسم الثاني: التقية المداراتية أو التحبيبية: وهي تكون للمداراة من خوف أو ضرر فعلي, أو لحسن معاشرة, ويكون المقصود منها هو جلب المودة والتحبيب, فالتقية المداراتية تتوافق ومصلحة المسلمين؛ لأنها تصون وحدتهم.

القسم الثالث: التقية الكتمانية: وهي نوع من أنواع التقية في أسلوب عمل, وهي الحفاظ على الأفكار والأفراد والتدرج في إعطاء الأفكار ومخاطبة الناس على مقدار عقولهم, كما بدأت الدعوة سرية ثم علنية كما في بداية الدعوة الإسلامية.

وغير خفي أنها بأجمعها تشترك في معنى واحد وملاك عام هو إخفاء العقيدة أو إظهار خلافها لمصلحة أهم من الإظهار فالأمر في جميعها دائر بين ترك الأهم أو المهم, والعقل والنقل يحكمان بفعل الأول وترك الثاني, من غير فرق بين أن تكون المصلحة التي هي الأهم حفظ النفوس أو الأعراض والأموال, أو جلب المحبة ودفع عوامل الشقاق والبغضاء وغير ذلك مما لا يحصى.

سادساً:حكم التقية:

إن التقية تجب في مواضع وتجوز في مواضع بالمعنى الأخص, وإن المصلحة التي تنحفظ بفعل التقية إن كانت مما يجب حفظها ويحرم تضيعها وجبت التقية. وإن كانت مساوية لمصلحة ترك التقية جازت (الجواز بالمعنى الأخص) وإن كان أحد الطرفين رجحاً فحكمهاً تابع له.

وإن مورد وجوبها يعلم بمذاق الشرع وأهمية بعض المصالح ورجحانها على بعض كما يمكن كشف ذلك بالعقل كما في موارد حفظ النفوس إذا كانت التقية بمثل ترك المسح على الرجلين والاكتفاء بالمسح على الخفين مثلاً وأشباهه.

فالروايات الدالة على أن التقية من الدين وأن تاركها يعاقب عليه, وأن تركها مثل ترك الصلاة وأمثال هذه التعبيرات ناظرة إلى موارد الوجوب. فحكم وجوبها فضلاً عن أنه تعبدي كذلك عقلي فلا تختص بقوم دون قوم وملة دون أخرى كما أنه قد يرجح ذلك على الإخفاء وتكون التقية مرجوحة وتركها راجحاً وفضلاً.

كل ذلك منوط بالظروف الخاصة وما فيها من الشرائط والجهات, ومن هنا قد يجد الفقيه البارع المجاهد العارف بزمانه الخبير بمواضع الأحكام ظرفاً خاصاً منطبقاً لمورد الحرمة أو الكراهية فيحكم علانية بحرمة التقية والجهاد بالأموال والأنفس ورفض المدارة فيها, فلا شك أن الحكم خاص بذلك الظرف والزمان, وليس حكماً دائمياً.

سابعاًً: عموم التقية:

لا ينبغي الشك في عدم اختصاص التقية لغة واصطلاحاً ولا دليلا بخصوص ما كان في قبال أهل السنة من مذهب العامة, وهي إخفاء العقيدة أو عمل ديني في إظهاره من الضرر وإنما ملاكها في الأصل قاعدة الأهم والمهم وترجيح المحذور الأخف لرفع المحذور الأشد وإنها قاعدة عقيلة تشهد به جميع العقلاء على اختلاف مشاربهم, ولو أنكرها بعض باللسان لبعض الدواعي فهو مؤمن بها بالجنان وتظهر في أعماله وأحواله عند اضطراره إليها.

ومن الواضح انه ليس في شيء من ذلك اختصاص بأهل السنة, بل لا فرق في ذلك بينهم وبين الكافرين أو ظلمة الشيعة, بل ما يبتلي به كثير من الناس لاسيما الضعفاء في قبال ظلمة الشيعة أكثر وأهم مما يبتلى به تجاه غيرهم, وإن لم يكن ذلك في العبادات بل كان في غيرها, وقد يتقى من ظلمة الشيعة في عصرنا بما لا يتقي من أهل السنة.

ثامناًً: موارد تحرم التقية:

هو كل مورد تكون المصلحة المترتبة على ترك التقية أعظم من فعلها, مما لا يرضى الشارع المقدس بتركها أو يستقل العقل في الحكم بحفظها. ومن هذه الموارد:

  1. لا يجوز التقية في فساد الدين إذا استلزم ذلك, وتزلزل أركان الإسلام ومحو الشعائر, وتقوية الكفر, وكل ما يكون حفظه أهم في نظر الشارع من حفظ النفوس والأموال والأعراض مما يشرع لها الجهاد والدفاع عنها ولو بلغ ما بلغ ويكون تشخيص هذا الأمر من قبل المجتهدين الفقهاء, وكثير من الروايات تدل على ذلك ننقل واحدة منها ما رواه أبو حمزة الثمالي قال: قال الإمام أبو عبد الله الصادق  عليه السلام  إلى أن قال: (وأيم الله لو دعيتم لتنصرونا لقلتم لا نفعل إنما نتقي! ولكانت التقية أحب إليكم من آبائكم وأمهاتكم، ولو قد قام القائم ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك ولأقام في كثير منكم حد النفاق)([109]). ودلالته على لزوم ترك التقية فيما إذا وقع الدين في الخطر واستنصار الإمام  عليه السلام  غير خفية على أحد, فإذا قام القائم عجل الله فرجه أقام حد المنافق على كل من ادعى لزوم التقية, فالتقية في هذا المورد ومثله من أشد المحرمات وأوكدها.
  2. لا تجوز التقية في الدماء, فإذا بلغت التقية الدم فالواجب رفضها وعدم الخوض فيها, لأن المؤمنين تتكافأ دماؤهم, وإنما جعلت التقية لحقن الدماء وحفظ النفوس فإذا بلغت الدم فلا معنى لتشريعها وكانت ناقضة للغرض كما لو أمر السلطان الجائر بقتل المؤمن ولو لم يقتله لقتله فلا يجوز قتل المؤمن تقية حتى لا يقتل. والروايات دالة على هذا منها ما روي عن الإمام الباقر  عليه السلام  قال: (إنما جعل التقية ليحقن بها الدم فإذا بلغ الدم فليس تقية)([110]).
  3. حرمة التقية فيما ورد فيه نص كشرب والنبيذ, وقد وردت روايات في تحريم التقية في شرب الخمر والمسح على الخفين ومتعة الحج منها ما روي عن الإمام الصادق  عليه السلام  قال (والتقية في كل شيء إلا في النبيذ والمسح على الخفين)([111]).

ولكن الرواية الواردة عن الإمام الصادق  عليه السلام  (ثلاث لا أتقي فيهن: شرب الخمر والمسح على الخفين ومتعة الحج)([112]) ولكن بالنسبة إلى شيعته إذا وصل الأمر إلى الخطورة على النفوس والأعراض والأموال جاز التقية فيها. فإنه لم يقل الإمام الواجب عليكم أن لا تتقوا فيهن أحداً بل قال لا أتقي فيهن أحداً وكأنه من مختصات الإمام  عليه السلام .

  1. لا تجوز التقية في غير الضرورة فإذا لم يكن هنالك ضرورة لم يكن هنالك تقية لأخذ الخوف في موضوعها, والدليل ما روي عن الإمام الباقر  عليه السلام  قال: (التقية في كل ضرورة وصاحبها أعلم بها حين نزل بها)([113]). ما روي عنه أيضاً (التقية في كل شيء يضطر إليه أبن آدم فقد أحلهُ الله له)([114]).
  2. لا تقية في انتهاك الأعراف وهدم العظائم من المقدسات, كمثل الكعبة المشرفة والمشاهد المشرفة وغيرها من الأمور التي تعد هتكاً لحرمات المسلمين وإذلالهم.
  3. لا تقية فيما يؤدي إلى الهرج والمرج واختلال النظام وغيرها من المحظورات شرعاً أشد من الخطر.

تاسعاً: حكم التقية في إظهار كلمة الكفر والبراءة:

أتفق على جواز التكلم بكلمة الكفر والبراءة باللسان مع حفظ الأيمان بالقلب والجنان عند الخطر على النفس والخوف, واختلفوا في الراجح هو ترك التقية وتحمل الضرر أو فعل ما يندفع به الضرر والخطر بالتقية.

فدليل الجواز ما روي عن الإمام الباقر  عليه السلام  (رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما أبرئا عن أمير المؤمنين  عليه السلام  فبرئ واحد منهما وأبى الآخر فخُلي سبيل الأول الذي برئ وقتل الآخر, فقال إما الذي برئ فرجل فقيه في دينه وإما الذي لم يبرء فرجل تعجل إلى الجنة)([115]).

عاشراً: حكم العبادات والأعمال الصادرة تقية

إن العبادات والأعمال الصادرة تقية تكون مجزية ولا يحتاج الإعادة في الوقت أو خارجه للعموم الروايات منها:

  1. ما روي عن الإمام الصادق  عليه السلام  (وكل شيء يعمله المؤمن بينهم لمكان التقية مما لا يؤدي إلى الفساد في الدين فانه جائز)([116]).
  2. ما روي عن الإمام الباقر  عليه السلام  (التقية في كل شيء يضطر إليه ابن آدم فقد أحله الله له)([117]). وغيرها من الروايات التي تدل على الجواز من حيث الحكم التكليفي, وعمومها يدل على جريانها في العبادات وغير العبادات, ولاسيما إن التقية في العبادات من أظهر مصادقيها ومن أشدها وأكثرها ابتلاءاً, والجواز التكليفي بإتيان العبادة على وجه التقية لدفع ما يترتب على تركه من الضرر وإن كان لا ينافي وجوب أعادتها في الوقت أو خارجه إذا أرتفع العذر, ولكن هذا أمر يحتاج إلى بيان لغالب الناس والتوجيه إليه, وسكوت هذه العمومات وسائر أدلة وجوب التقية عن الإشارة إلى وجوب القضاء أو الإعادة مما يوجب الاطمئنان بجواز الاكتفاء بما يؤتى تقية, ولو لم تكن العمومات سابقة.

فالحاصل جواز الاكتفاء بالعبادات التي يؤتى بها تقية في مواردها, كما في الأوامر الواقعية الاضطرارية.

حكم الصلاة خلف المخالف تحبيباً للوحدة:

لا إشكال في صحة إجزاء الصلاة خلف أهل السنة عند الخوف, ولكن هل يجوز الصلاة خلفهم عند عدم الخوف من باب حسن العشرة معهم والتحبب إليهم, كما في موسم الحج للأخوة الإسلامية, والظاهر من الأخبار رجحان ذلك والندب إليه مؤكداً.

ويأتي بالصلاة بنية الانفراد ويقرأ في نفسه ويأتي بما يأتي به منفرداً ولكن يأتي بالأفعال معهم، ومن الأخبار في ذلك:ـ

  1. ما روى زيد الشحام عن الإمام الصادق  عليه السلام  قال: (يا زيد خالقوا الناس بأخلاقهم صلوا في مساجدهم وعودوا مرضاهم وأشهدوا جنائزهم, وإن استطعتم أن تكونوا الأئمة والمؤذنين فافعلوا, فإنكم إذا فعلتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية رحم الله جعفراً ما كان أحسن ما يؤدب أصحابه, وإذا تركتم ذلك قالوا هؤلاء الجعفرية فعل الله بجعفر ما كان أسوء ما يؤدب أصحابه)([118]). في الصلاة في مساجدهم معناه معهم وبجماعتهم, وجواز الأجزاء بهذه الصلاة معهم حسب الإطلاق المقامي.
  2. ما روى الحلبي عن الإمام الصادق  عليه السلام  (من صلى معهم في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله صلى الله عليه واله وسلم)([119]).
  3. ما روى الإمام الصادق  عليه السلام  (المصلي معهم في الصف الأول كالشاهر سيفه في سبيل الله)([120]).

والظاهر هذه الروايات تدل جواز الصلاة وأنها مجزية وأن وجه الشبه بالصلاة خلف رسول الله من حيث أثرها في عز المسلمين وشوكتهم وقصم ظهور الأعداء ولذا شبه بمن يشهر سيفه في سبيل الله.

الحادي عشر: عدم المندوحة في التقية:

وقع الكلام بين الفقهاء في اعتبار عدم المندوحة وما يكون به الفرار في التقية, على أقوال:

الأول: عدم الاعتبار عدم المندوحة مطلقاً, كما حكى عن الشهيدين الأول والثاني والمحقق الثاني في البيان والروض وجامع المقاصد.

ثانيها: اعتبار عدم المندوحة مطلقاً كما حكى عن صاحب المدارك.

ثالثها: التفصيل بين ما كان متعلق التقية مأذونا فيه بالخصوص وورد فيه دليل خاص فهو صحيح مجز سواء كان هنالك مندوحة أم لا مثل الصلاة متكتفاً.

وبين ما كان الدليل عليه هو عمومات التقية الدالة على أنها في كل ضرورة واضطرار فلا يصح العمل إلا عند عدم المندوحة لعدم صدق الضرورة بدونه كالإفطار في يوم شهر رمضان كما المحكي عن المحقق الثاني.

فهنالك صور ثلاث:

الصورة الأولى: ما إذا كان المتقي قادراً على امتثال الحكم الواقعي من دون تعريض في الزمان والمكان كما إذا كان عمله في الظاهر على وفق مذهب المتقى منه, مع إتيانه بالعمل الصحيح الاختياري واقعاً, كمن يقرأ مثلاً(خلف أمامهم سراً وهو يريهم أنه لا يقرأ من دون أي محذور, فهذا مما لا يصح التقية فيه لوجود المندوحة بلا حاجة إلى تغيير زمانه أو مكانه).

الصورة الثانية: ما إذا كان في ضرورة بالنسبة إلى بعض الوقت دون تمامه فلو أراد الصلاة مثلاً في أول وقتها لم يمكنه إلا بالتقية, فهذا صحيح مجز ولا يعتبر عدم المندوحة في تمام وقتها.

الصورة الثالثة: ما إذا كان في ضرورة بالنسبة إلى مكان خاص دون جميع الأمكنة كمن لا يقدر على ترك التقية في مسجد النبي صلى الله عليه واله وسلم أو المسجد الحرام مع قدرته على العمل الصحيح التام في غيرهما, وهذا أيضاً مجز فلا يعتبر عدم المندوحة في كل مكان.

الثاني عشر: مخالفة التقية:

لو خالف المكلف التقية في موارد وجوبها فهل يكون العمل المخالف له صحيحاً وان كان عاصياً, كما إذا صلى منفردا فيما اقتضت التقية الجماعة مع من لا يراه صالحاً لها, أو يفسد العمل مطلقاً, أو هنالك تفصيل. وللشيخ الأعظم الشيخ الأنصاري تفصيل في ذلك على صورتين:

الصورة الأولى: ماذا كان العمل المخالف له أمراً متحدا مع العبادة كالسجدة على التربة الحسينية مع اقتضائها تركها (ومثله الوقوف بعرفات وصوم يوم الشك إذا خالف اعتقاده لا اعتقاد مخالفه في تعين يوم عرفة ويوم العيد) فهنا ذهب إلى فساد العمل.

الصورة الثانية: فيما إذا كان العمل المخالف له أمراً خارجاً عن العبادة كترك القبض أي التكتف في الصلاة إذا اقتضت التقية فعلها فهنا حكم بالصحة وإن خالف.

والوجه في ذلك هو دخول المسألة في مسألة اجتماع الأمر والنهي, ففي الأول يكون السجدة أو نفس الوقوف والصيام محرماً منهياً عنه لا يصلح للتقرب المعتبر في صحة العبادة بخلاف الثاني فأن الحرام أمر خارج عن عبادته مثل النظر إلى الأجنبية حال الصلاة.

الثالث عشر: التقية واجب نفسي أم غيري:

اختلف في أن التقية واجب نفسي يترتب على تركة العقاب وغيره من آثاره أم واجب غيري مقدمي بماله من آثار مختلفة, والذي يستفاد بادئ الأمر من أدلتها هو الواجب الغيري فإنها شرعت لحقن الدماء وحفظاً عن الضرر الديني والدنيوي, كما إن الدليل العقلي لا يقتضي أزيد من المقدمية. ولكن الناظر بفحص يرى ان التقية واجب نفسي وذلك لأمرين:

الأمر الأول: أن الظاهر من إطلاقات أدلة التقية وجوبها نفسي عند الخوف من الضرر سواء ترتب على تركها ضرر أم لا, وإما ما ذكر من حقن الدماء في الروايات فأنها من قبيل الحكمة لا العلة.

الأمر الثاني: أن ترك التقية بنفسه إلقاء النفس في التهلكة, لا أنه مقدمة لها ومن المعلوم أن ذلك بنفسه حرام فترك التقية بنفسها حرام يترتب عليها العقاب.

الرابع عشر: أقسام التقية (القسم الثالث للتقية):

عرفت النوعين من التقية, النوع الأول التقية الخوفية ما يكون الغرض منها حفظ النفوس والأعراض والدين والنوع الثاني التقية التحببية فهي لجلب المودة وجمع الكلمة وائتلاف الفرقة وتوحيد صف المسلمين على اختلاف مذاهبهم في مقابل أعداء الإسلام وأعداء الحق. وهنالك نوع ثالث وهو ما يقابل الإشاعة وإذاعة السر, وأنه حكم سياسي شرع لحفظ المذهب ولو لم يكن هنالك خوف على أحد أو مجال لجلب المودة وتوحيد الكلمة. وقد وردت أخبار في مضمون ذلك منها:

  1. ما روي عن الإمام الصادق  عليه السلام  (قال من أذاع علينا حديثنا فهو بمنزلة من جحدنا حقنا)([121]).
  2. وعنه (من أذاع علينا حديثنا سلبه الله الإيمان)([122]). ومفاد هذه الأحاديث وجوب كتمان عقيدة الحق أو إظهار غيره من الموارد التي تكون من الأسرار التي يجب كتمانها عن غير أهلها لما في إذاعتها عند غير أهله من الضرر...

والحقيقة أن هذا النوع من التقية يرجع إلى النوع الأول في موارد تقية الخوف.

 

ثامناً:

قاعدة السلطنة

إن قاعدة السلطنة من القواعد العقلائية قبل أن تكون قاعدة فقهية, وقد شاع الاستدلال بها في جل أبواب المعاملات, وإنها من القواعد المسلّمة لدى الفقهاء, وان المستفاد من قاعدة السلطنة هو التصرف لكل مالك بماله كيف شاء, إلا ما خرج منها بالدليل المعتبر الذي يخالف الحدود الشرعية, فله حرية تامة في التصرف إلا ما يُستثنى منها.

معنى السلطنة لغة:

السلطنة بمعنى الملك والتحكم والتمكن من التصرف([123]).

معنى السلطنة اصطلاحاً:

ذهب بعض الفقهاء بأن السلطنة بمعنى الملكية والإحاطة, وهي من الأمور الاعتبارية العقلائية لا وجود لها في الخارج, وقد ذُكرت السلطنة في مبحث تعريف البيع([124]).

أولاً: مدرك القاعدة

أولاً: القران الكريم: قوله تعالى: [ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا]([125]).

يستفاد منها أنه لا يجوز مزاحمة أي إنسان في ماله إلا من طرق معينة وردت في الشرع. دلت على عدم جواز أكل أموال الناس إلا من طرق خاصة مشروعة, تبتني على رضا الطرفين, وجعل حرمة المال كحرمة قتل الأنفس وكأنه إلى هذا ينظر الحديث المعروف: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر وأكل لحمه معصية لله وحرمة ماله كحرمة دمه)([126]).

  1. قوله تعالى: [وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا]([127]).

وهذا دليل على أن الإنسان لو لم يكن قادراً على حفظ أمواله لا بد أن تحفظ من طريق من يقدر على ذلك, وأن الولي يجب عليه كمال الاحتياط فيه, وإلا أرتكب إثماً عظيماً.

والتعبير بأموالكم وأموالهم دليل واضح على الملكية الخاصة في هذه الأموال لا ملكية المجتمع.

  1. قوله تعالى: [وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا]([128]).

دلت على أنه لا يجوز التصرف في شيء من أموالهم الحاصلة من طريق الصداق إلاّ بأذنهن ورضاهن.

ثانياً: السنة الشريفة:

  1. قال: (الناس مسلطون على أموالهم).

ذكر فقهاء الإمامية هذا الحديث في كتبهم الفقهية من غير سند روائي ولكن قد عمل به المشهور, بل أرسله الفقهاء في كتبهم الاستدلالية إرسال المسلمات, حتى جعلوا مفاده من القواعد الفقهية المسلمة, ويلتجئون إليها في موارد شتى, ولإذن هذا يكون عملهم هذا جابر لوهن الخبر وضعفه.([129])

  1. روي عن الإمام الصادق  عليه السلام : (إن لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء مادام حياً إن شاء وهبه وإن شاء تصدق به, وإن شاء تركة إلى أن يأتيه الموت)([130]).

إن ذكر الهبة والصدقة من باب المثال لما وقع التصريح فيها بأن له أن يصنع بماله ما شاء, وليست السلطة على المال غير هذا.

  1.  روي عن الإمام الصادق  عليه السلام : (صاحب المال أحق بماله ما دام فيه شيء من الروح يضعه حيث يشاء)([131]).
  2. روي عن الإمام الصادق  عليه السلام : (الإنسان أحق بماله ما دام الروح في بدنه)([132]). فإطلاق الروايات قوله (أولى) و(أحق) يشمل أنواع التصرفات الناقلة وغير الناقلة. وتقيد روايات الوصية بالثلث كتخصيص هذه الاطلاقات بغير مرض الموت بناء على كون منجزات المريض من الثلث لا من الأصل, لا يضر بالمقصود فإن إطلاق السلطنة على المال كسائر الاطلاقات يقبل التقييد مهما ورد دليل عليه.

ثالثا الإجماع: فإن الإجماع ظاهر كلمات القوم حيث إرسالها إرسال المسلمات

رابعاً: دليل العقل وبناء العقلاء:

هذه القاعدة عقلائية قبل أن تكون شرعية بل هي من القواعد الفطرية فإن لها أصولاً وجذوراً في فطرة الإنسان, فإن الناس جميعاً لا ينكروها فإن أنكروها لفظاً فلا ينكروها عملاً, فإن كل أحد إذا ظفر بمال احتفظ به ولا أحد يزاحمه فيه, ويرى في نفسه السلطنة عليه بجميع أنواع التسلط بل حتى الحيوانات تشترك في هذه القاعدة, فيكون حكم الشرع بها قبيل إمضاء ما عند العقلاء لا تأسيساً.

ومعلوم أن الإسلام جعل مالكية كل إنسان من طرق كسبه المشروع, ونفوذ تصرفاته المشروعة, وعدم جواز مزاحمته بغير إذنه.

ورد عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم: (إن حرمة مال المسلم كحرمة دمه)([133]) و(وأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلاّ بطيب نفسه)([134]).

أقسام السلطنة:

أولاً: سلطنة الفرد:

إن لكل إنسان سلطة على أمواله يفعل فيها ما يشاء ويقلبها كيف يريد, ولكن هذا المعنى لا ينافي تحديدها بحدود شرعية وقيود أخلاقية, بل لا ينافي الاستثناءات الكثيرة الواردة عليها من طريق بناء العقلاء وطبقاً لأحكام الشرع.

نعم حددها الكتاب العزيز والسنة الشريفة من حيث متعلقها تارة ومن ناحية طرق كسبها أخرى وكيفية مصرفها ثالثة والحقوق المتعلقة بها رابعة وغير ذلك.

أ: ناحية المتعلق:

فقد حرّم الشرع كل ما فيه وجه من وجوه الفساد, مثل الميتة والدم ولحم الخنزير ولحوم السباع والخمر, وكل شيء من وجوه النجس, وكل منهي عنه ما يتقرب به لغير الله عز وجل كالأصنام وكل بيع ملهو به كآلات القمار وآلات اللهو وكل ما يقوى به الكفر والشرك مثل كتب الضلال و ما أشبه ذلك.

ب: طرق كسبها وتحصيلها:

فلا يجوز تحصيل ما يباح ملكه من طريق معونة الظالمين وأخذ الرشوة والغش والخيانة والسحر والشعوذة والقمار وتعليم ما يحرم تعليمه والفحشاء واللعب بآلات اللهو وغير ذلك مما يحرم فعله فإن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه, وأشترط في طرق كسبها الحلال أن تكون تجارة عن تراضٍ دون أكراه و لا إجبار, وصدور العقد عن البالغ العاقل المتمكن شرعاً من التصرف في أمواله, وكون المعاملة غير غررية ولا ربوية, وغير ذلك من الشروط. كما أن تسلط على المال أن لا يكون موجبا للضرر على المسلمين.

جـ: مصرف المال:

ليس مصرف المال مطلقاً في الإسلام بل لا بد أن لا يكون فيه إسراف ولا تبذير ولا أن يصرف في وجوه المعاصي وطرق الفساد, ولا الإضرار بالغير ولا بالأنفس إجمالاً. كما لم يثبت تسلط الإنسان على ماله بإتلافه أو إحراقه أو إفساده.

والحاصل: إن كون الإنسان مسلطاً على أمواله يتقلب فيه كيف يشاء لا ينافي تقييده بقيود مختلفة من شتى الجهات, بل أحكام أبواب المعاملات على سعتها إنما شرعت لبيان تلك القيود.

اعتراض وجوب:

إن عموم قاعدة السلطنة أو التسلط لا ينافيها تعلق حق الفقراء وغيرهم مثل أبواب الزكاة والخمس وغيرهما, فهي قاعدة عامة ما لم يرد على تخصيصها وتقيدها دليل خاص, فهي حجة في جميع أبواب المعاملات ما لم يوجد دليل خاص يخالفها.

شمول قاعدة السلطنة للحقوق:

ورد في الأخبار الشريفة سلطنة الناس على أموالهم ولم يرد تسلطهم على حقوقهم ولكن الفقهاء استدلوا على التسلط الناس على حقوقهم بما يلي:

  1. بناء العقلاء وقبولهم سلطنة كل ذي حق على حقوقه بعد عدم ردع الشارع عنه.
  2. التمسك بقياس الأولية فإن الإنسان إذا كان مسلطاً على أمواله كان مسلطاً على حقوقه من باب أولى.

قاعدة السلطنة على الأنفس:

إن الإنسان متسلط في إرادته على نفسه في طاعة الله وفعل ما يجوز له فعله بحسب حكم الشرع, بل قد يعبّر عن هذه السلطة بالملكية كما ورد في قوله تعالى حكاية عن النبي موسى  عليه السلام  عند عصيان بني إسرائيل وخروجهم عن أمره قال عز من قائل: [قَالَ رَبِّ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ]([135]) ولتسلط الإنسان على نفسه في الشريعة الإسلام بحدود وقيود:

أولاً: إن الإنسان قادر على أن يتسلط على نفسه بإجارتها, فيجوز أن يكون أجيراً على كل أمر مشروع أراده, لأن أفعال الإنسان الحر وإن لم تكن أموالاً بالفعل ولكنها أموال بالقوة.

ثانياً: إن الإنسان متسلط على نفسه في عقد نكاحه وعدم الإكراه والإجبار.

ثالثا: لم يتسلط الإنسان على نفسه في قتلها من دون أي مبرر أو إلقائها في التهلكة في غير ما أهم منه, وكذلك لم يتسلط في نقص أعضائه والضرر بها على جسمه وعقله, فإن أي شيء من ذلك غير جائز وهذا التسلط لم يثبت لأحد على نفسه.

ثانياً: سلطنة المجتمع:

هي سلطنة الناس جميعاً على المال العام, مثل الجبال والمياه وأمثالها, ولا يسمح لفرد من الأفراد أو جهة معينة بالسلطنة عليه, لقوله تعالى: [هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا]([136]), فقد روي عن الإمام الصادق  عليه السلام : (لا يحل منع الملح والنار)([137]), وقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: (المسلمون شركاء في ثلاثة: في الماء والكلأ والنار)([138]).

ويحكم العقل بعدم الإمكان لفرد من الأفراد أن يختص بسلطنة على الموارد الطبيعية, أو جهة معينة, فإنه يلزم منه اختلال النظام الاقتصادي للمجتمع والدولة.

ثالثاً: سلطنة الدولة:

إن سلطنة الدولة هي سلطة الدولة وهي ليست سلطة مطلقة, كما إنها ليست مستمدة من ذات الدولة؛ لأن الدولة بمثابة مؤسسة قانونية لا تمنح لنفسها السلطة, كما أن وظيفتها لا تقتضي هذه السلطة بالإطلاق, وإنما مرتبطة بالجهة المانحة من حيث السعة والضيق ومتصلة بالأمانة والرعاية الموكلة للدولة ومنوطة بالمسؤوليات التي على عاتقها فضلاً إلى أن السلطة ليست دائمة.

قاعدة السلطنة وقاعدة الضرر:

هنالك خلاف بين الفقهاء في قاعدة السلطنة عند معارضتها لقاعدة لا ضرر في مسألة جواز تصرف المالك في ملكه عند تضرر جاره فاحشاً كحفر بلوعة عند بئر جاره, أو جعل داره مدبغة أو مطحنة, وقد أوضح السيد علي الطباطبائي صاحب الرياض بأن قاعدة السلطنة مقدمة للأحاديث لان قاعدة لا ضرر تكون معارضة فيما لو قصد الأضرار.

والإنصاف هنالك عدة صور في تعارض عموم قاعدة السلطنة وقاعدة لا ضرر وهي:

  1. إذا لزم من ترك تصرف المالك في ملكه ضرر عليه يعتد به.
  2. إذا لزم من تركه التصرف ضرر ولكن يفوت بعض منافعه.
  3. إذا لم يلزم شيء من ضرر عليه ولا يفوت بعض منافعه بل يعتبر التصرف عبثاً أو لبعض المنافع الجزئية التي لا يعتد بها.
  4. إذا كان قصده من التصرف في ملكه الإضرار بالغير فقط من دون ان ينتفع به.

لا ريب في عدم جواز التصرف في الصورة الرابعة لعموم قاعدة لا ضرر فقط, أما الصور الباقية فإن تعارض ضرر المالك والجار فيما لا يخرج تصرف المالك في ملكه عن الحدود العقلائية, وكذلك إذا لزم من ترك تصرفه فوت منفعه منه, من دون ورود ضرر عليه.

نسبة قاعدة التسلط مع الواجبات المالية:

إن ما دل على وجوب الزكاة والخمس في أموال الناس وما دل على ثبوت الثلث في المال للميت إذا أوصى به, وكذا ما دل على حجر المفلّس بحكم الحاكم وغيرها على قوله تعالى: [وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ]([139]).

وقال: (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم). وقوله  عليه السلام : (لو ان الناس أدوا حقوقهم لكانوا عائشين بخير)([140]) فلا شك أنّ أدلة تعلق هذه الواجبات المالية حاكمة على قاعدة السلطنة فلا يبقى شك في تخصيصها بها.

 

تاسعاً:

قاعدة الشروط

تعريف الشرط:

الشرط لغة: هو الإلزام والالتزام, أي الإلزام المقيد بالالتزام. والجمع شروط وشرائط.

الشرط اصطلاحاً: اصطلاح خاص للشرع فيه وعند الفقهاء, وقد وقع موضوعاً للأحكام في الشريعة الإسلامية([141]). نعم تكلم علماء الأصول عن الواجب المشروط والواجب المطلق, وعرّفوا الجملة الشرطية هي (لا بُدّية الجزاء عند فرض حصول الشرط, أو دلالتها على ربط الجزاء بالشرط).

وأول من تعرض للشرط الشيخ الأنصاري وأفرد عنوان الشروط, واستدل بشمول عقد المعاطاة, وعدم اختصاصه باللفظ, فإن الشرط لغة مطلق الإلتزام, فيشمل ما كان بغير لفظ).

أما أقدم نص لتعريف الشرط جاء في كتاب القواعد والفوائد للشهيد الأول بقوله: (والشرط لغة العلامة, وعرفاً ما يتوقف عليه تأثير المؤثر في تأثيره, لا في وجوده, ومن خاصيته أنه يلزم من عدمه العدم, لا من وجوده الوجود كالطهارة للصلاة والحول للزكاة)([142]).

والحاصل ليس للشرط حقيقة شرعية, فلم يستعمل الشرط في لسان الشارع والنصوص إلا في معناه العرفي.

الربط في الشرط:

إن الربط والتقييد بين الأمرين قد يكون واقعياً تكوينياً كالربط المتحقق بين العلة والمعلول, وقد يكون اعتبارياً شرعياً كالربط المجعول بين الطهارة والصلاة, وقد يكون اعتبارياً جعلياً يخضع لإرادة المتعاقدين ومطلوبهما كتسليم البضاعة في مكان ما.

تقسيمات الشرط:

القسم الأول: الشرط الحقيقي والشرط الاعتباري:

ينقسم الشرط مبدئيا إلى شرط حقيقي تكويني وشرط اعتباري جعلي؛ وذلك لأن الربط بين الشيئين تارة يكون رابطاً حقيقياً ذاتياً مأخوذ فيهما في مقام الخلق والتكوين, بحيث لا تناله يد الجعل والاعتبار, وضعاً أو رفعاً كالربط بين النار والحرارة, وآخر يكون اعتبارياً جعلياً يتبع إرادة الجاعل وتحديده.

كاشتراط معلوماتية العوضين في المعاملات.

القسم الثاني: والشرط الجعلي ينقسم:

أولاً: ينقسم الشرط الجعلي باعتبار جاعله ومصدره إلى:

  1. الشروط العقلية, كاشتراط القدرة في التكليف.
  2. الشروط العقلائية, كاشتراط المالية في العوضين.
  3. الشروط الشرعية, كاشتراط البلوغ في التكليف.
  4. الشروط المادية, كاشتراط السّلّم للصعود إلى السطح.
  5. شروط المتعاقدين, وهي ما يتفق عليها الطرفان في العقد.

ثانياً: تنقسم الشروط الجعلية بلحاظ مورده وسعة دائرته وضيقها:

  1. الشرائط العامة الثابتة في جميع موارد التكليف, كالبلوغ والعقل والاختيار.
  2. الشرائط الخاصة الثابتة في بعض موارد بمقتضى دليل ذلك المورد كاشتراط القبض في بيع الصرف, وعدم الزيادة في بيع الحنطة بالحنطة.

ثالثاً: ينقسم الشرط الجعلي بلحاظ إضافته إلى مشروطه وبالقياس إلى عنصر الزمان إلى:

  1. الشرط المتقدم, كاشتراط غسل المستحاضة قبل طلوع الفجر في الصوم.
  2. الشرط المقارن, كاشتراط الاستقبال في الصلاة.
  3. الشرط المتأخر, كاشتراط الغسل الليلي للمستحاضة الكبرى في صحة صوم يومها السابق.

رابعاً: ينقسم الشرط الجعلي بلحاظ استقلالية تعهده وارتباطه بغيره إلى:

  1. الوعد: وهو التعهد الابتدائي.
  2. الشرط: وهو التعهد المرتبط بعقد آخر.

وهنالك تفصيلات أخرى مثل الشرط المصرّح به في متن العقد, والارتكازي الضمني كشرط الصحة والمبني علية العقد.

محل الكلام في الشرط:

وقع كلامنا على مفردة واحدة من تلك التقسيمات وهو خصوص الشرط المجعول من قبل المتعاقدين أو أحدهما في ضمن عقد أو إيقاع لما في ذلك من أهمية كبرى بالحياة الاجتماعية اليومية للإنسان في عقوده ومعاملاته.

أولاً: مدرك القاعدة:

  •  
  1. ما روي عن الإمام الصادق  عليه السلام  قال: (سمعته يقول من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب الله فلا يجوز له, ولا يجوز على الذي اشترط عليه, والمسلمون عند شروطهم مما وافق كتاب الله عزوجل).([143])
  2. ما روي عن الإمام الصادق  عليه السلام : (المسلمون عند شروطهم, إلا كل شرط خالف كتاب الله عز وجل فلا يجوز).([144])
  3. ما روي عن الإمام الباقر  عليه السلام  أن علي ابن أبي طالب  عليه السلام  كان يقول: (مَن شرط لامرأته شرطاً فليف لها به, فإن المسلمين عند شروطهم إلا شرطاً حرّم حلالاً أو أحل حراماً.([145])
  4. ما في عوالي اللئالي عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال: (المؤمنون عند شروطهم).([146])

ثانياً: المراد من القاعدة:

إن المراد من هذه القاعدة هو أنه يجب على كل مسلم ومؤمن أن يكون ثابتاً عند التزامه, بمعنى أنه إذا التزم لشخص بأمر فيجب عليه الوفاء له بذلك الأمر, وذلك من جهة وضوح أن هذه الكبرى الكلية الصادرة عن النبي صلى الله عليه واله وسلم في مقام إنشاء الحكم لا الإخبار عن أمر خارجي, فقوله صلى الله عليه واله وسلم المسلمون عند شروطهم: أي جميع المسلمين؛ لأن الجمع المعرّف باللام يفيد العموم يجب أن يثبتوا عند جميع شروطهم. ولان الشروط جمع مضاف يفيد العموم, فهو صلى الله عليه واله وسلم يحكم على جميع المسلمين بلزوم الثبوت عند جميع شروطهم. فيكون المعنى (المسلمون عند شروطهم) هو وجوب الوفاء على كل مسلم بما التزم لغيره لا بما التزم غيره؛ لأنه لا معنى لأن يكون ثابتاً عند إلزامه غيره بأمر.

ثالثاً:

الإجماع والاتفاق قديماً وحديثاً على وجوب الوفاء بالشروط الصحيحة في ضمن العقود اللازمة. ولكن هذا الإجماع مدركي لوجود الروايات المعتبرة.

رابعاً: الشرط في القاعدة:

الظاهر حسب المتفاهم العرفي هو أن يكون الشرط في القاعدة هو بمعنى إلزامه بشيء في ضمن عقد ومعاملة أو أمر آخر, بمعنى أن يكون إلزامه غيره بشيء, أو التزامه لغيره بشيء مربوطاً بأمر آخر, وليس معنى الشرط مطلق الإلزام والالتزام.

خامساً: شرائط صحة الشروط ضمن العقود:

  1. أن يكون مقدوراً للمشروط عليه بمعنى إن الذي يلتزم به المشروط عليه للمشروط يكون إيجاده دخلاً تحت قدرته, إن كان الشرط أي ما التزم به من الأفعال أو كان تسليمه متضمناً بذلك الوصف, وتلك الخصوصية تحت قدرته إن كان ما التزم  به من الأوصاف والحالات.

فمن شَرَطَ أن تكون السيارة صالحة مدة بقائها عنده, أو شرط أن يجعل البسر رطبا, أو قال أتزوجك بشرط أن تلدي ولداً. فهذه شروط باطلة كما أن اشتراط  ما هو لا يجوز شرعاً كاشتراط أن يصنع التمر خمراً باطل؛ وذلك لأن الممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً.

  1. أن يكون سائغاً شرعاً, وهذا ما ذكره الفقهاء, ولكن هذا الشرط داخل في ضمن الشرط الأول؛ لأنه لا فرق في عدم كونه مقدوراً بين أن يكون عدم قدرته من جهة المنع الشرعي أو لجهات تكوينية، مثل شرط توريث من لا يرث.
  2. أن يكون مما فيه غرض معتد به عند العقلاء, وإن لم تكن له مالية عند العقلاء لا يبذلون بإزائه المال, والوجه في اشتراط هذا الشرط هو أنه إن لم يكن كذلك فيكون لغواً, وأدلة وجوب الوفاء بالشروط تكون منصرفة عن مثل هذا الشرط.
  3. أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنة الشريفة. أي اشتراط فعل محرم أوترك واجب, والضابط في ذلك هو أن يكون الشرط نافياً لما أثبته الشارع, أومثبتاً لما نفاه, فلو شرط عليه ارتكاب حرام أو ترك واجب يكون هذا الشرط مخالفاً للكتاب والسنة قطعاً؛ لأن ارتكاب الحرام وترك الواجب مما نفاه  الشارع ومنع عنه.

وأما لو شرط عليه فعل ما ليس بواجب ولا حرام, أو تركه سواء كان مباحاً أو مستحباً أو مكروهاً فلا يكون مخالفاً؛ لأن الشارع لم يمنع عن فعل متعلقات الأحكام غير الإلزامية, ولا عن تركها, فليس الشرط نافياً لما أثبته الشرع أو مثبتاً لما نفاه.

  1. أن لا يكون منافياً لمقتضى العقد, أي لا يكون منافياً لمضمون العقد وآثاره, مثلاً زوّجتك موكلتي بشرط أن لا تستمتع منها, أو بعتك هذا المال بشرط أن لا تتصرف فيه.
  • آثار العقد العرفية, مثل هبته لابنه أو أحد أصدقائه.
  •  منافياً لبعض الآثار الشرعية, أن تشترط الخروج من البيت متى شاءت. نعم, لوشرطت عليه أن يأذن لها الخروج فيما يجوز الخروج, كالخروج لمجالس العزاء يجب الوفاء بهذا الشرط. أما الإذن للخروج إلى المحرّم فلا.
  1. أن لا يكون الشرط مجهولاً وإن كان في ضمن عقد البيع أو غيره؛ لأنه يقضي إلى الغرر, وكل معاملة غررية باطلة؛ لأن شرط المجهول يسري بجهالته إلى نفس المعاملة, بحيث صارت تلك المعاملة بالشرط المجهول غررية.
  2.  أن لا يكون الشرط مستلزماً للمحال, بمعنى أن وجود الملتزم به في مقام الامتثال يكون محالاً, وذلك كقول الشارط بعتك بشرط أن تبيعه مني؛ لأنه مستلزم للدور.

الشروط على ثلاثة أقسام بل أربعة:

  1. مذكورة في ضمن العقد اللازم, هذا هو القدر المتيقن من تناول القاعدة له.
  2. الإلتزامات الابتدائية والمتعهدات المستقلة غير المربوطة بعقد المنشأة باللفظ, ولكن بإنشاء مستقل حيث لا عقد في البين أصلاً, ولا ارتباط بينهما كالوعد. وهذا القسم هو الخارج عن تحت هذه القاعدة تخصصاً أو تخصيصاً بالإجماع.
  3.  هو ما يكون التباني والتوافق عليه خارج العقد, ووقع العقد مبنياً عليه من دون ذكرها في متن العقد. وهو محل الكلام, يجب الوفاء أم لا؟ أو لابد من ذكرها في العقد.
  4.  هو أن يقع التواطؤ والتباني عليه قبلاً, ولم يقع العقد مبنياً عليه, بل كان حال العقد مغفولاً عنه, وهي تلحق بالقسم الثاني.

تطبيقات على الشرط:

  1. إذا تعذّر الشرط في العقد فللمشروط له خيار الفسخ فقط, وليس له الإرش.
  2. إن الثمن في المعاملة المشروطة أو العقد المشروط لا يقسم الثمن على المبيع مثلا والشرط, فليس الشرط طرفاً للمعاوضة والمبادلة, فلا يقع شيء من الثمن بإزائه.
  3. لو اشترط عدم إخراج الزوجة من بلدها فإن كان متعلق الشرط هو عدم سلطنة الزوج على زوجته في إخراجها فهذا خلاف الكتاب, وإما إذا كان شرط الالتزام بأن لا يعمل سلطنته فلا محذور فيه.

 

المصادر

القرآن الكريم.

  1. أثر الخلاف الفقهي في القواعد المختلف فيها ومدى تطبيقها في الفروع المعاصرة/ الدكتور محمد اسماعيل محمد مشعل/ رسالة دكتوراه/ الطبعة الثانية/ دار السلام/ القاهرة/ 2009 ـ 1430هـ.
  2. الأدب المفرد/ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ)/ الطبعة الأولى/ 1348هـ - 1930م/ الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت.
  3. الأشباه والنظائر في النحو/ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (911هـ)/ طبع شركة الطباعة الفنية/ القاهرة/ 1395هـ-1975م.
  4. اصطلاحات الأصول ومعظم أبحاثها/ آية الله الحاج الميرزا علي المشكيني/ الطبعة الخامسة/ مطبعة الهادي/ قم المشرفة/ 1413هـ.
  5. بلغة الفقيه/السيد محمد مهدي بحر العلوم (ت 1226هـ) نشر مكتبة العلمين العامة/ النجف الاشرف مكتبة الصادق/ الطبعة الرابعة/ طهران/ 1403هـ.
  6. بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار/ محمد باقر المجلسي
    (ت 1110هـ)/ تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي ومحمد باقر البهبودي/ الطبعة الثانية المصححة/ 1403هـ - 1983/ الناشر: مؤسسة الوفاء/ بيروت.
  7. بحوث في شرح العروة الوثقى/ السيد محمد باقر الصدر (ت 1400هـ)/ سنة الطبع 1392هـ - 1972م/ مطبعة الآداب/ النجف الأشرف.
  8. تصحيح الاعتقادات/ الشيخ المفيد محمد بن محمد بن النعمان العكبري البغدادي (ت 413هـ)/ تحقيق: حسين دركاهي/ 1414هـ - 1993م/ الناشر: دار المفيد للطباعة والنشر/ بيروت.
  9. حاشية المكاسب/ الشيخ محمد حسين الإصفهاني (ت 1361هـ)/ تحقيق: عباس محمد آل سباع القطيفي/ الطبعة الأولى/ 1418هـ/ المطبعة العلمية.
  10. الخلاف/ الشيخ أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460هـ)/ تحقيق: مجموعة من المحققين/1407هـ/ الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي/ قم المشرفة.
  11. دروس تمهيدية في القواعد الفقهية/ الشيخ باقر الايرواني/ مؤسسة الفقه للطباعة/ الطبعة الثالثة/ 1426هـ/ قم المقدسة.
  12. رسالة في التقية/ الشيخ مرتضى بن محمد بن أمين الأنصاري
    (ت 1281هـ)/ مطبوعة ضمن كتاب المكاسب.
  13. رفع الحرج في الشريعة الإسلامية/ الدكتور يعقوب عبد الوهاب/ رسالة دكتوراه/ جامعة الأزهر/ 1972م.
  14. السنن الكبرى/ أحمد بن الحسين البيهقي (ت 458هـ)/ الناشر: دار الفكر.
  15. سنن النسائي/ أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي (ت 303هـ)/ الطبعة الأولى/ 1348هـ - 1930م/ الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع/ بيروت.
  16. الصحاح/ إسماعيل بن حماد الجوهري (ت 393هـ)/ تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار/ الطبعة الرابعة/ 1407هـ - 1987م/ الناشر: دار العلم للملايين/ بيروت.
  17. شرح القواعد الفقهية/ احمد بن محمد الزرقا/ نسقه وراجعه وصححه الدكتور عبد الستار ابو غدة/ نشر دار الغرب الإسلامي/ 1403هـ-1983م.
  18. العين/ الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 175هـ)/ تحقيق: الدكتور مهدي المخزومي والدكتور إبراهيم السامرائي/ الطبعة الثانية/ 1410هـ/ الناشر: مؤسسة دار الهجرة.
  19. عوالي اللئالي العزيزية في الأحاديث الدينية/ الشيخ محمد بن علي بن إبراهيم الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور (ت نحو 880هـ)/ تحقيق: الحاج آقا مجتبى العراقي/ مطبعة سيد الشهداء/ قم.
  20. الفروق/ شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي المالكي (ت 684هـ).
  21. الفقه الإسلامي ومشروع القانون المدني الموحد/ شفيق العاني/ طبع لجنة البيان العربي/ 1965م/ القاهرة.
  22. الفوائد الطوسية/ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104هـ)/ تحقيق: السيد مهدي اللازودي والشيخ محمد درودي/ سنة الطبع 1403هـ/ المطبعة العلمية/ قم.
  23. فوائد الأصول/ الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني
    (ت 1365هـ)/ تعليق: الشيخ آغا ضياء العراقي/ تحقيق: الشيخ رحمت الله الأراكي/ سنة الطبع 1406هـ/ الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.
  24. القاعدة الكلية/ محمود مصطفى عبود.
  25. القواعد العامة في الفقه المقارن/ السيد محمد تقي الحكيم/ الطبعة الأولى/ 1422هـ - 2001م/ بيروت.
  26. القواعد الأصولية/ سماحة آية الله الشيخ حسن الجواهري/ الطبعة الأولى/ المعارف للمطبوعات/ بيروت/ 1431هـ-2010م.
  27. القواعد الفقهية للفقه الإسلامي نشأتها, رجالها, آثارها/ مكتبة الكليات الأزهرية/ 1933م/ القاهرة.
  28. القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة/ أ.د. محمد مصطفى الزحيلي/دار الفكر/ دمشق/ الطبعة الأولى/ 1428هـ-2007م.
  29. القواعد الفقهية/ السيد ميرزا حسن البجنوردي الموسوي/ مطبعة الآداب/ النجف الاشرف.
  30. القواعد الفقهية/ الشيخ محمد  تقي الفقيه/ دار الأضواء/ بيروت.
  31. القواعد الفقهية/ آية الله ناصر مكارم الشيرازي/ الناشر مدرسة الإمام أمير المؤمنين  عليه السلام / الطبعة الثالثة/ 1411هـ.
  32. القواعد الفقهية/ عبد الله عزام/ الطبعة الأولى/ دار الحديث/ القاهرة/ 1426هـ.
  33. القواعد والفوائد في الفقه والأصول العربية/ أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي المعروف بالشهيد الأول (ت 786هـ)/ تحقيق الدكتور عبد الهادي الحكيم/ منشورات جمعية منتدى النشر/ 1980م/ النجف الاشرف.
  34. الكافي/ محمد بن يعقوب الكليني (ت 329هـ)/ تحقيق وتعليق: علي أكبر الغفاري/ الطبعة الثالثة/ 1367هـ/ الناشر: دار الكتب الإسلامية/ طهران.
  35. الكليات/ أبو البقاء الكفوي/ أيوب بن موسى الحسيني (ت 1094هـ)/ الناشر: وزارة الثقافة/ 1981م/ دمشق.
  36. لسان العرب/ الإمام العلامة أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري (ت 711هـ)/ سنة الطبع 1405هـ/ الناشر: آداب الحوزة.
  37. مائة قاعدة فقهية/ السيد محمد كاظم المصطفوي/ الطبعة الثالثة/ 1417هـ/ مطبعة مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.
  38. المال المثلي والمال القيمي في الفقة الإسلامي دراسة مقارنة مع القانون/ الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.
  39. ما وراء الفقه/ السيد محمد محمد صادق الصدر (ت 1421هـ)/ سنة الطبع 1427هـ - 2007م/ الناشر: المحبين للطباعة والنشر/ قم.
  40. المدخل الفقهي العام/ الدكتور مصطفى الزرقا/ دار الفكر/ الطبعة الأولى/ بيروت.
  41. المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي/ محمد مصطفى شلبي/ مطبعة دار التأليف/ 1397هـ - 1959م.
  42. المدخل لدراسة التشريع الإسلامي/ عبد الرحمن الصابوني/ المطبعة التعاونية/ 1394هـ - 1974م/ دمشق.
  43. مجمع البحرين/ الشيخ فخر الدين الطريحي (ت 1085هـ)/ سنة الطبع 1362هـ/ الناشر: مرتضوي.
  44. مجمع البيان/ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548هـ)/ تحقيق: لجنة من العلماء والمحققين/ تقديم: السيد محسن الأمين العاملي/ سنة الطبع 1415هـ - 1995م/ الناشر: الأعلمي للمطبوعات/ بيروت.
  45. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل/ الميرزا حسين النوري الطبرسي (1320هـ)/ الطبعة الأولى المحققة/ 1408هـ - 1987م/ مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  لإحياء التراث/ بيروت.
  46. مسند أحمد/ أبو عبد الله أحمد بن حنبل (ت 241هـ)/ الناشر: دار صادر/ بيروت.
  47. مصطلحات الفقه/ آية الله المشكيني/ قم المشرفة/ مؤسسة باب الهادي.
  48. مصباح الفقاهة/ السيد أبو القاسم الخوئي (ت 1413هـ)/ الطبعة الأولى المحققة/ المطبعة العلمية/ قم/ الناشر: مكتبة الداوري.
  49. المكاسب/ الشيخ مرتضى بن محمد بن أمين الأنصاري (ت 1281هـ)/ تحقيق: لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم/ الطبعة الأولى/ 1415هـ/ مطبعة باقري/ قم.
  50. من لا يحضره الفقيه/ الشيخ محمد بن علي الصدوق (ت 381هـ)/ تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري/ الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي/ قم. 
  51. نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية/ جمال الدين مقداد بن عبد الله السيوري (ت 826هـ)/ مكتبة آية الله المرعشي النجفي/ الطبعة الأولى/ 1403هـ.
  52. النظرية العامة للمعاملات/ الشيخ أحمد فهمي أبو سنة (ت 1424هـ).
  53. نظرية نفي الضرر في الفقه الإسلامي/ عبد الجبار حمد حسين شرارة/ رسالة دكتوراه/ جامعة بغداد/ كلية الدراسات الدينية الإسلامية/ 1410هـ.
  54. نهاية الأفكار/ محمد تقي بن عبد الكريم البروجردي (ت 1361هـ)/ سنة الطبع 1405هـ/ الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي/ قم.
  55. نيل الأمطار من أسرار منتقى الأخبار/ علي بن محمد بن علي اليمني الشوكاني الحنبلي (ت 1255هـ)/ سنة الطبع 1973م/ الناشر: دار الجيل/ بيروت.
  56. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة/ محمد بن الحسن الحر العاملي (ت 1104هـ)/ تحقيق: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث/ 1414هـ.

 

 

من إصدارات مؤسسة كاشف الغطاء العامة

< value="1" >الأجوبة النجفية في الرد على الفتاوى الوهابية, تأليف: آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء قدس سره  (1361هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.أحكام المتاجر, تأليف: آية الله العظمى الشيخ مهدي كاشف الغطاء قدس سره  (1289هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الشيخ تحسين البلداوي.الإمامة, تأليف: آية الله العظمى الشيخ عباس كاشف الغطاء قدس سره  (1323هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.البحث اللغوي عند علماء كاشف الغطاء, تأليف: الأستاذ سعد نعمة علي.بحوث ومقالات, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.التعادل والتعارض والترجيح, تأليف: آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء قدس سره  (1411هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.الدراسات النحوية عند آل كاشف الغطاء، تأليف: الدكتور باسم خيري.دليل مخطوطات مؤسسة كاشف الغطاء العامة, الإصدار الخامس (1434هـ - 2012م), إعداد: قسم الذخائر للمخطوطات.رسالة في فن التجويد, تأليف: آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء قدس سره  (1361هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الدكتور خليل المشايخي.زيد بن علي  عليه السلام , تأليف: آية الله الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء قدس سره  (1366هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الدكتور خليل المشايخي.الصوت وماهيته والفرق بين الضاد والظاء وما يلحق بذا اللفظ من الفوائد, تأليف: آية الله الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء قدس سره  (1366هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ أ. د. محمـد كاظـم البكـاء, م. فضيلة عبوسي العامري, م. رفاه عبد الحسين الفتلاوي.الغيب والشهادة, تأليف: آية الله الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء قدس سره  (1366هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.الفساد الإداري في المنظور الإسلامي, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.القواعد الستة عشر, تأليف: آية الله العظمى الشيخ جعفر كاشف الغطاء قدس سره  (1228هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.كشف ابن الرضا عن فقه الرضا, تأليف: آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء قدس سره  (1411هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ مصطفى ناجح الصراف.المال المثلي والمال القيمي في الفقه الإسلامي, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.مجموعة آثار علماء آل كاشف الغطاء, قرص ليزري, إعداد مؤسسة كاشف الغطاء العامة بالتعاون مع مركز البحوث الكمبيوترية للعلوم الإسلامية. المدخل إلى الشريعة الإسلامية, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.المقبولة الحسينية, تأليف: آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء قدس سره  (1361هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.المنتخب من القواعد الفقهية, تأليف: الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء.الموسوعة الوثائقية, صدر منها أربعة أجزاء, إعداد قسم الوثائق والأرشفة.نبذة الغري في أحوال الحسن الجعفري, تأليف: آية الله العظمى الشيخ عباس كاشف الغطاء قدس سره  (1323هـ), تحقيق: مؤسسة كاشف الغطاء العامة.


[1]. الصحاح/ الجوهري: ج2/ ص525.

[2]. لسان العرب/ ابن منظور: ج3/ ص357 مادة (قعد).

[3]. سورة البقرة: الآية 127.

[4]. سورة النحل: الآية 26.

[5]. قوانين الأصول/ المحقق القمي: ج1/ ص5.

[6]. الفقه الإسلامي ومشروع القانون المدني الموحد, شفيق العاني, ص103, طبع لجنة البيان العربي, القاهرة, 1965م.

[7]. الفروق/ الإمام القرافي/ ج1/ ص2, 7.               

[8]. سعيد هلاليان/ نظرة تحليلية إلى القواعد الفقهية/ 26.

[9]. علي الندوي/ القواعد الفقهية/ 99.

[10]. المجلسي/ بحار الأنوار/ ج2/ ص274.  

[11]. الحر العاملي/ وسائل الشيعة/ ج27/ ص62.

[12]. سورة البقرة: الآية 286.

[13]. سورة البقرة: الآية 195.

[14]. سورة البقرة: الآية 256.

[15]. سورة الأنعام: الآية 164.

[16]. سورة البقرة: الآية 173.

[17]. سورة البقرة: الآية 185.

[18]. المدخل لدراسة التشريع الإسلامي/ الصابوني: ج1/ ص296؛ المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي/ د. شلبي: 230.

[19]. القاعدة الكلية/ محمود مصطفى عبود: 22.

[20]. الأشباه والنظائر/ السيوطي: ج1/ ص7.

[21]. الكليات/ أبو البقاء: ج4/ ص48.

[22]. القواعد الفقهية/ عبد الله عزام: 30؛ المدخل الفقهي العام/ الزرق: ج1/ ص235.

[23].  الوسائل/ الحر العاملي/ ج27/ ص293/ باب 25/ ابواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى.

[24].  المصدر نفسه.

.[25]  الوسائل/ الحر العاملي/ ج26/ ص216/ الباب8 من أبواب ميزات الأزواج/ ح3.

[26].  الوسائل/ الحر العاملي/ ج25/ ص446/ باب3/ اللقطة/ ح1.

[27]. القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي: ج1/ ص282.

[28].  نهاية الأفكار/ محمد تقي البروجردي/ ج2/ ص21.

[29].  فوائد الأصول/ الشيخ محمد علي الكاظمي/ 409.

[30].  بحوث في شرح العروة الوثقى/ السيد محمد الصدر/ ج2/ ص104.

[31].  ما وراء الفقه/ السيد محمد الصدر/ ج3/ ق2/ ص37.

[32]. المكاسب/ الشيخ الأنصاري/ ج1/ ص161.

[33]. لسان العرب/ ابن منظور: ج2/ ص234.

[34]. رفع الحرج في الشريعة الإسلامية/ الدكتور يعقوب عبد الوهاب/ رسالة دكتوراه/ جامعة الأزهر/ 1972م.

[35]. سورة الأنعام: الآية 125.

[36]. سورة الحج: الآية 77 ــ 78.

[37]. سورة الحج: الآية 78.

[38]. سورة المائدة: الآية 6.

[39]. سورة البقرة: الآية 185.

[40]. سورة البقرة: الآية 286.

[41]. سورة الحج: الآية 78.

[42]. سورة الحج: الآية 78.

[43]. سورة الحج: الآية 78.

[44]. هو كون أحد الدليلين ناظراً إلى حال الدليل الآخر وشارحاً له ومفسراً لمضمونه, فيسمى الدليل الناظر حاكماً والمنظور إليه محكوماً. اصطلاحات الأصول/ المشكيني: 126.

[45].  الوسائل/ الحر العاملي/ ج16/ ص94/ باب 29/ أبواب الذبائح/ ح1.

[46].  الوسائل/ ج3/ ص492/ باب 50/ أبواب النجاسات/ ح5.

[47].  الوسائل/ ج4/ ص456/ باب 50/ أبواب النجاسات/ ح3.

[48]. الوسائل/ ج3/ ص490.   

[49]. الكافي/ الكليني: ج7/ ص387/ من أبواب الشهادات/ ح1؛ من لا يحضره الفقيه/ الصدوق: ج3/ ص51/ ح3307.

[50]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج3/ ص492.

[51]. سورة البقرة: الآية 233.

[52]. سورة الطلاق: الآية 6.

[53]. سورة البقرة: الآية 231.

[54]. سورة النساء: الآية 11.

[55]. سورة البقرة: الآية 282.

[56].  الكافي/ الكليني/ ج5/ ص292؛ الوسائل/ الحر العاملي/ ج25/ ص428/ باب 12 من أحياء الموات/ ح3.

[57].  الحائط: البستان.

[58].  الأرفة: الحد الفاصل ما بين الدور والضياع.

[59].  الوسائل/ الحر العاملي: ج17/ ص319/ باب 5 من أبواب الشفعة/ ح2.

[60].  نقع البئر: اي فضل مائها.

[61].  الوسائل/ الحر العاملي/ ج25/ ص420/ الباب 7 من احياء الموات/ ح2.

[62].  لسان العرب, ج4, ص484.

[63].  العين, الفراهيدي, تحقيق: د. مهدي المخزومي ود. ابراهيم السامرائي/ ج7/ ص6, نشر دار الجاحظ, بغداد, وزارة الإعلام والثقافة.

[64]. نظرية نفي الضرر في الفقه الإسلامي/ رسالة دكتوراه/ عبد الجبار حمد حسين شرارة/ جامعة بغداد/ كلية الدراسات الدينية والإسلامية/ 1410هـ - 1990م/ ص31.

[65]. إن الحكومة عبارة عن كون دليل ناظراً إلى حال دليل آخر, وشارحاً ومفسراً لمضمونه, سواء كان ناظراً إلى موضوعه أم إلى محموله, وسواء كان النظر بنحو التوسعة أم التضيق, وسواء كان دلالة الناظر بنحو المطابقة أو الالتزام, وسواء كان متقدماً أم متأخراً فيسمى الدليل الناظر حاكماً والمنظور إليه محكوماً. اصطلاحات الأصول/ المشكيني: 126.

[66]. سورة البقرة: الآية 179.

[67]. سورة البقرة: الآية 188.

[68]. النظرية العامة للمعاملات/ الشيخ أبو سنة/ نظرية الحق/ 185.

[69]. القواعد والفوائد/ الشهيد الأول/ ج1/ ص144.

[70].  عوالي اللئالي/ ابن أبي جمهور الأحسائي/ ج1/ ص224/ ح106؛ مستدرك الوسائل/ ميرزا حسين النوري/ ج17/ ص88.

[71].  الخلاف, كتاب الغصب, مسألة 22.

[72]. مسند أحمد بن حنبل: ج5/ ص12.

[73]. السنن الكبرى/ البيهقي: ج6/ ص95.  

[74].  ابن منظور/ لسان العرب/ ج8/ ص264-266.

[75].  مائة قاعدة فقهية/ السيد محمد كاظم المصطفوي/ 191.

[76]. سورة الصافات: الآية 139 – 141.

[77]. سورة آل عمران: الآية 44.

[78]. مجمع البيان/ الطبرسي/ ج5/ ص422.

[79]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج27/ ص260.

[80]. مستدرك الوسائل/ الميرزا حسين النوري/ ج27/ ص373.

[81] الوسائل/ الحر العاملي/ ج27/ ص257.

[82]. سورة الصافات: الآية 141.

[83]. روح المعاني/ الآلوسي/ ج3/ ص159.

[84].  الوسائل/ الحر العاملي/ ج12/ ص310؛ مستدرك الوسائل/ النوري/ ج3/ ص200.

[85]. المصدر نفسه/ ج27/ ص260.

[86]. من لا يحضره الفقيه/ الصدوق/ ج3/ ص92.

[87]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج27/ ص257.

[88].  الوسائل/ الحر العاملي/ ج26/ ص313.

[89]. ابن منظور/ لسان العرب/ ج4/ ص267.

[90]. مجمع البحرين/ الطريحي/ ج1/ ص719.

[91]. الوسائل/ الحر العاملي, ج8/ ص81؛ البحار/ المحدث محمد باقر المجلسي/ ج88/ ص223.

[92]. الأدب المفرد/ البخاري/ 152؛ سنن النسائي/ النسائي/ ج6/ ص80.

[93]. تصحيح الاعتقادات/ الشيخ المفيد أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان العكبري (ت 413هـ)/ بيروت/ لبنان/ طح/ 1414هـ: 66.

[94]. رسالة في التقية/ الشيخ الأنصاري مرتضى بن محمد بن أمين (ت 1281هـ)/ مطبوعة ضمن كتاب المكاسب: ج7/ ص320.

[95]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج12/ ص200/ باب 121/ استحباب مداراة الناس.

[96]. بحار الأنوار/ المحدث محمد باقر المجلسي: ج72/ ص401.

[97]. سورة آل عمران: الآية 28.

[98]. سورة آل عمران: الآية 28.

[99]. سورة النحل: الآية 106.

[100]. سورة غافر: الآية 28.

[101]. ما وراء الفقه/ السيد محمد الصدر/ ج1/ ص106.

[102]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج16/ ص207.

[103]. الكافي/ الكليني/ ج2/ ص217.

[104]. بحار الأنوار/ المجلسي/ ج64/ ص303.

[105]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج16/ ص221.

[106]. الوسائل العاملي/ ج16/ ص222.

[106]. بحار الأنوار/ المجلسي/ ج71/ ص229. / الحر العاملي/ ج16/ ص222.

[107]. بحار الأنوار/ المجلسي/ ج71/ ص229.

[108]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج11/ ص466.

[109]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج16/ ص235.

[110]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج11/ ص484.

[111]. ما وراء الفقه/ السيد محمد الصدر/ ج1/ ص119.

[112]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج25/ ص351.

[113]. مائة قاعدة فقهية/ السيد محمد كاظم المصطفوي/ 153.

[114]. الفوائد الطوسية/ الحر العاملي/ 468.

[115]. الكافي/ الكليني/ ج2/ ص221.

[116]. القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي/ ج1/ ص449.

[117]. الفوائد الطوسية/ الحر العاملي/ 468.

[118]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج8/ ص430.

[119]. الكافي/ الكليني/ ج3/ ص380.

[120]. القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي/ ج1/ ص453.

[121]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج16/ ص250.

[122]. المصدر نفسه.

[123]. لسان العرب/ ابن منظور: ج2/ ص1866.

[124]. مصباح الفقاهة/ السيد الخوئي ج2/ ص51؛ حاشية المكاسب/ محمد حسين الإصفهاني ج1/ ص111.

[125]. سورة النساء: الآية 29.

[126]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج12/ ص281.

[127]. سورة  النساء: الآية 2.

[128]. سورة النساء: الآية 4.

[129]. مصباح الفقاهة/ الخوئي: ج2/ ص119.

[130]. القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي/ ج2/ ص22.

[131]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج19/ ص298.

[132]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج19/ ص299.

[133].  القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي/ ج2/ ص31.

[134]. المصدر نفسه.

[135]. سورة المائدة: الآية 25.

[136]. سورة البقرة: الآية 29.

[137]. بحار الأنوار/ المجلسي/ ج101/ ص253.

[138]. نيل الأوطار/ الشوكاني: ج6/ ص49.

[139]. سورة الأنفال: الآية 41.

[140]. الكافي/ الكليني/ ج3/ ص497؛ القواعد الفقهية/ الشيخ مكارم الشيرازي/ ج2/ ص41.

[141] . مصطلحات الفقه/ المشكيني/ 311.

[142]. القواعد والفوائد/ الشهيد الأول/ ج1/ ص64.

[143]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج18/ ص16/ كتاب التجارة/ باب 6 من أبواب الخيار.

[144].  المصدر نفسه.

[145]. الوسائل/ الحر العاملي/ ج18/ ص17/ كتاب التجارة/ باب 6 من أبواب الخيار.

[146]. مستدرك الوسائل/ ميرزا حسين النوري/ ج13/ ص301/ كتاب التجارة/ باب 4 من أبواب الخيار. 

 

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD