Maqbola Al Hussinya

تأليف

1290-1361هـ

الناشر

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة الناشر

الحمدُ للهِ الَّذِي زَيَّنَ صَحائِفَ الْعُلَماءِ الأَبْرارِ بِـ (الأَعْمالِ المَقْبُوْلَة)، واصْطَفى مِنْ ضِئْضِئ الشَّرَفِ الأَقْدَسِ وَالطِّرازِ الأَنْفَسِ سَيِّدَنا وَنَبِينا مُحَمَّداً أَبا القاسِمِ عَبْدَهُ وَرَسُوْلَه، صَلَّى الله تعالى عَلَيْهِ وَعلى آلِهِ أَئِمَّةِ الْحَقِّ والْهُدى الَذِينَ أَحْكَمُوْا من الدين الحنيف فُرُوْعَهُ بِما أَرْسَوْا بِهِ أُصُوْلَه.

وَبَعْدُ:

فَإِنَّ الرَّجَزَ هُوَ أَحَدُ البحورِ السِّتَّة عَشَر الُمْصطَلَحِ عَلَيْها في فَنِّ الْعَرُوْضِ, وَهُوَ مِنْ قِسْمِ البحورِ الأَحَدَ عَشَرَ المعروفَةِ بِـ (السُّباعيّة) وتفعيلاتُهُ:

مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
 

 

مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ مُسْتَفْعِلُنْ
 

 

وقد ذَكَرَ بَعْضُ الدّارِسِيْنَ وَالنُّقّادِ الْمَهَرَةِ أَنَّهُ مِنْ أَوائِلِ ما نَظَمَ العَربُ على وَزْنِهِ مِنَ الْبُحُوْر، وَلِسَلاسَةِ هذا الْبَحْرِ وَخِفَّةِ وَزْنهِ وَعَدَمِ اشْتِراطِ توحيد الْقَوافي فِيْهِ نَظَمَ كثيرٌ مِنَ الْعُلَماءِ لا سيما عُلَماءِ الحوزاتِ العِلْمِيّةِ أَراجِيْزَ في مختلف فنونِ العِلْم وضُروب الْمَعْرِفَة مِنْ سِيَرٍ وفِقْهٍ واصُوْلٍ ومنطقٍ وفلسفةٍ وحِكْمةٍ ونحْوٍ وصَرْفٍ وبلاغة وبيانٍ وَغيرِها من الفنونِ.

وَمِنْ هاتِيْكَ الأَراجيز ما جادَتْ بِهِ قريحة سماحة آية الله العُظمى الفقيه النحرير والأديب الشاعر القدير الشيخ هادي آل كاشِف الغطاءُ  قدس سره  مِنْ رَجَز مُسْتَوسِقِ الْمَباني مُطَّرِدِ الْمَعاني في مَوْضُوْعِ واقِعة الطّفِّ وَأَحْداثِها الْمُؤْلِمَة، وَقَدْ وَسَمَ مَجْمُوْعَ ما نَظَمَهُ بِـ (المقبولة الحسينية) لِمُعْجِزَةٍ ظاهِرَةِ الْبُرْهان ذُكِرَتِ في طبعة الكتاب الأوْلى. وإِنَّ هذِهِ الأرجوزة المُشْجِيةِ لَتَعُدُّ مَصْدَراً مُهِماً وَسِجِلاًّ خالِداً في توثيقِ أَحْداث معركة الطَّفِّ الدّامِيةِ مِنْ بِدايتِها إِلى مُنْتَهاها, فقد جاءَتْ في أَلْفِ بَيْتٍ جَمَعَتْ فَأَوْعَتْ مِنْ أَوْثَقِ المَصادِر القديمة المعتبرة, وَهِيَ بِهذا اللِّحاظِ قَمِيْنَةٌ أَنْ تُنْظَمَ في سِلْكِ كُتُبِ (المَقاتِل) مَع امتيازِها عليها بكونِها جاءَت منظومَةً على بحر الرَّجَز.

وَقَدْ وَشّى لَها شيخُنا الفقيهُ الهادي طابَ ثَراهُ حِبَراً مُنَشَّرَةً وَفَوائِدَ مُحَبَّرةً جَعَلَها مُقَدِّمَة لِهذِهِ الأُرْجُوْزَة، مِنْ تحديد الحائر الحُسيني الشريف, والاِستِشْفاءِ بالتّربَةِ الحُسينيّة المُطَهَّرَة, وزِيارَةِ سيّد الشُّهَداءِ الامام أبي عبد الله  عليه السلام  النائِيَةِ, وبيانِ مسائِلِ الاستهانة في زيارتهِ سلام الله عليه وَما يَتَّصِلُ بذلك من التجهيز للزيارة وثواب الإعانة عليها وموقف الرأس الشريف, وَلَهُ فيه (اختيارٌ) جَدِيْرٌ بالوقوف عليه، وَقَدْ اُلْحِقَتْ بخاتمتهِ بعض مَراثي اَهل البيت  عليهم السلام .

ومن نافلة القول أَنْ نُشِير هنا أَنَّ هذه (المقبولة) المباركة بعد طبعتها الأولى سارَتْ مَسير الأمْثال, وَحفِظَ الكثيرَ من أبياتِها خُطباءُ المَنابر الحسينية, وَأَخذوا يردّدونَها مِنْ على صَهواتِ المَنابِر.

ومُؤَسَّسَةُ كاشِف الغِطاء في النجف الاشرف إِيماناً مِنْها بضرورة نَشْرِ تُراث أَهْلِ البيت  عليهم السلام  وَضَمانِ توثيقهِ والحِفاظِ عليه بادَرَتْ إلى نَشْرِ هذا الأَثَرِ النفِيس في بابهِ مُزْداناً بحُلَّةٍ قَشيبَةٍ وطبْعٍ مُوْنِقٍ. فَلا يَسَعُنا إلاّ الدُّعاءُ الخالصُ للقائمين على شؤونها, ونخصّ بالذكر أمينَها العامّ سماحة حُجّة الإسلام والمسلمين العلاّمة الشيخ الدكتور عباس آل كاشف الغطاء دامت بركاته, راجين لهم مزيد التوفيق في إتحاف المكتبة العربية الاسلامية بروائع الآثار ممّا دبجته أنامل علمائنا الأعلام.

والحمد لله أوّلاً وآخرا.

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

كلمة الناشر في الطبعة الأولـى

اعلم أن ناظم المقبولة الحسينية متعنا الله بحياته وأدام الله علينا فيض بركاته، شرع في إنشائها في العشر الأوائل من محرم سنة 1339هـ في النجف الأشرف، وكملت إلا بعض الملاحظات والزيادات في أواخر صفر من السنة المذكورة، وأول بيت جرى منها على لسانه قوله:

لهفي وهل يجدي غليلا لهفي

وكان إذ ذاك أحد المستمعين في المأتم المنعقد في دار جدهم الشيخ الأكبر كاشف الغطاء أعلى الله مقامه، وفي أثناء استماعه لقراءة العزاء وتذكره لما جرى على أهل الذكر والولاء خطر له في ذلك النادي المقدس أن ينظم واقعة الطف على بحر الرجز الذي تُنظم عليه المتون العلمية غالباً، وأنها أولى بذلك من وجوه، وأخذ يزداد لذلك شوقاً وتوقاً، حتى كاد أن لا يملك نفسه، فشرع من ذلك الحين معتمداً على كتابي (الإرشاد)([1]) و(اللهوف)([2]) غالباً، وكان يأتيه النظم بسهولة عجيبة، وكلما فرغ من نظم واقعة يجمع أهله فيتلو عليهم ما نظمه، فيرى من تأثير ذلك فيهم ما يشد عزيمته، ويؤكد رغبته، حتى مَنَّ الله بإكمالها في مدة لم يكن في الحسبان أن يتهيَّأ مثله فيها مع كثرة العوارض والأشغال وتشويش البال بالثورة العراقية، ومن العجائب ما اتفق له دام ظله لما كان ينقلها إلى البياض، وذلك أنه لما بلغ إلى قوله من الفصل الذي ذكر فيه السبايا، وهو:

تودُّ أن جسمها مقبورُ
 

 

ولا يراها الشامت الغيورُ
 

 

شاهد بعينيه هذا البيت مثبتاً في المسودة، وهو قول القائل:

وهي بأستار من الأنوارِ
 

 

تحجبها عن أعيُنِ النُّظَّارِ
 

 

ولما نقله إلى البياض عاد إلى المسودة ليكتب ما بعده فلم يجد له فيها أثراً، فكان كشيء رآه فغاب عنه، فعلم أن هذا البيت ليس من إنشائه، وأن له شأناً لا ينكره أهل الإيمان والولاء.

وقد كان وسَم هذه المنظومة بكتاب (الألف فيما جرى في الطف)، ثم بكتاب (الألفين فيما جرى على الحسين عليه السلام )، ولكن اتفق قبل أن يبلغ تلك الغاية أنه سافر إلى كربلاء، وكان قد أخذها معه هدية إلى مولاه سيد الشهداء عليه السلام ، ولمَّا تشرف بالحرم المقدس الحسيني خاطب الحسين عليه السلام  قائلاً: يا مولاي وابن مولاي، هذه هديتي إليك، وهي دون قدرك وشامخ مقامك، وهي جهد المستطيع وقصارى الواجد، وجائزتي منك أن تشفع إلى الله عز وجل في قبولها وتعميم النفع بها.

ثم صار ديدنه في أيام إقامته في كربلاء أنه كلما مضى إلى الحرم الشريف يستصحبها معه، فإذا فرغ من الزيارة والصلاة قرأ منها ما بينه وبين نفسه أبياتاً ثم انصرف.

فاتفق في تلك الأيام أن بعض من استصحبه معه من أولاده([3]) لشدة حبّه له مرض مرضاً أشرف معه على الهلاك، وقد طال مرضه أكثر من عشرين يوماً، ولما يئس منه أخذ المنظومة بيده ومشى إلى الحائر الشريف، فدعا له بالشفاء تحت القبة الطاهرة، ثم خاطب سيد الشهداء قائلاً: يا سيدي هذه هديتي، وأنا على يقين من قبولها لما أعلمه من لطفكم وعطائكم على أهل الولاية والبراءة، ولكن أطلب منك أن تجعل أمارة القبول شفاء ولدي هذه الليلة.

قال: فخرجت من الحرم وأتيت إلى الدار، فلم ألبث فيها إلا يسيراً من الزمان، حتى أخذه العرَق، فأصبح وليس فيه شيء من الحمى، فكان سروري بقبولها أعظم من السرور بشفائه، فسمَّيتها عند ذلك بالمقبولة الحسينية، وأرجو من الله تعالى التوفيق لملاحظتها وإكمال فصولها، إنه أرحم الراحمين.

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

ترجمة الناظم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خيرته من خلقه محمد وآله الغر الميامين، وبعد:

فإن اليراع ليقف حائراً وهو بسبيل تدبيج ترجمة مختصرة لشخصية فذًّة كُتب لها أن تنتظم في سلك أعاظم الفقهاء من أعلام الإمامية في القرن الرابع عشر الهجري، تلك هي شخصية العلامة الفقيه المجتهد المطلق الشيخ هادي آل كاشف الغطاء  قدس سره . وما ذلك إلا لتعدد جوانب النبوغ والعبقرية، وتشعب مناحي العظمة في رجل من طراز شيخنا الهادي طيَّب الله ثراه.

وقد تصدَّى غير واحد من الأعلام إلى الكتابة عنه، ومن أجمع ما جاءنا في ذلك هو ما رقمه يراع حفيده العلامة الفقيه الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره ، فقد توسَّع في ترجمته وأحصى أسماء مصنفاته من مخطوط ومطبوع، كما ذكر مشايخه ومجيزيه، ثم قفَّى على ذلك بذكر ما قيل فيه من مديح ورثاء، فجاءت ترجمته له جامعة مانعة. وقد احتجنت هذه الترجمة (405) صفحة من القطع الكبير، ونحن في هذا المقام نجتزئ بما يقتضيه شرط هذه المجموعة الموجزة على سبيل مراعاة النظير مع الاقتصار على ذكر المهم من أحواله، ومن الله التوفيق.

اسمه ونسبه:

هو شيخنا أبو الرضا المدعو بالهادي، نجل العلامة الجليل الفقيه الشيخ عباس، نجل العلامة المحقق الشيخ علي صاحب الخيارات، نجل الشيخ الأكبر فقيه عصره الشيخ جعفر النجفي صاحب كتاب كشف الغطاء، الذي باسمه لُقِّبت الأسرة.

والمتواتر عند مشايخ الأسرة وأعلام التحقيق ما ذكره الشعراء المتقدمون في مدح أسلافهم كالسيد صادق الفحام وغيره، أن نسب هذه الأسرة يتصل بالتابعي الجليل أبي إبراهيم مالك بن الْحارِثِ الأشتر النخعي صاحب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .

وقد نال شيخنا كذلك شرف الانتساب إلى سيد الكائنات وفخر الموجودات رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  عن طريق والدته، فهي من أسرة عريقة علوية يتصل شرف نسبها الوضاح بموسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، كما قال الشاعر:

حَلَّ مِنْ سامِقِ الْفَخارِ بِشَأْوٍ
 

 

قَدْ كَفانا وُضُوْحُه التعريفا
 

حَيْثُ كالشَّمْسِ قَد تناهى سَناه
 

 

وَتَباهى بأنْ إليه أُضِيفا
 

فَبِجَدَّيْه (مالِكٍ) و(عَلِيٍ)
 

 

قَدْ حَوى المجْدَ تالِداً وطريفا
 

 

ولادته:

وُلد في يوم السابع عشر من شهر ربيع الأول من سنة 1290هـ في مدينة النجف الأشرف، وترعرع في أكناف ذلك الجو العابق بأريج الهداية والإيمان، وتربى في حجر أبيه العلاَّمة العباس، وأتقن قراءة الكتاب المجيد وكتابة الخط العربي عند أساتذة ماهرين، وكان يغلب عليه منذ نعومة أظافره الهدوء وقلة الكلام، وعدم المداخلة في الشؤون التي لا تعنيه، مع رقة طبع ولين جانب ودماثة أخلاق وسماحة وتديّن، وعقل وورع، كما قال فيه شاعر عصره السيد جعفر الحلي:

الكامل العقل والعشرون ما كملت

 

 

والناجع الرأي في سن الفتى الجذعِ
 

سمات والده في وجهه ظهرت
 

 

كالشبل تعرف فيه هيبة السبُعِ
 

 

... إلى آخر الأبيات المذكورة في ديوانه المسمى (سحر بابل وسجع البلابل المطبوع)([4]).

وقد قُدر للمترجم  رحمه الله  أن ينشأ بين ثلة من أهل الأدب والكمال والعلم والتدين من أقربائه، فكان لا يعاشر في الغالبِ غيرهم، ولا يألف سواهم، فحاز ملكة النظم والنثر الجيدين قبل بلوغه بسنين، وكان له ولع بشعر أبي الطيب المتنبي حتى انتخب منه مجموعة في ذلك الوقت سماها (المحمود من شعر أحمد) أو (الطيب من شعر أبي الطيب).

مشايخه:

ومن اشهر مشايخه العلامة الشيخ فتح الله المعروف بشيخ الشريعة الاصفهاني، ووالده العلامة الشيخ عباس كاشف الغطاء، فإنه حضر درسه مدة حياته في دار جدهم الكبير كاشف الغطاء التي خرج منها على نقل الثقات من المشايخ (800) مجتهد في زمانه.

ومن مشايخه العلامة الشهير الشيخ محمد طه نجف، والشيخ آغا رضا الهمداني، والشيخ الميرزا حسين خليلي، والشيخ محمد كاظم الخرساني (صاحب الكفاية)، والسيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي صاحب (العروة الوثقى)، وغيرهم من الأعلام.

وفي روايةِ الحديثِ أَجازَه سَيِّدُنا الفقيه الرّجاليُّ الكبير السيّد الحَسَنُ الصَّدْرُ الكاظِمِيُّ (ت 1354هـ) إِجازَةً مُفَصَّلَة.

تلامذته:

وأما تلامذته فلا يأتي عليهم الإحصاء، ومن أشهرهم وَلَدُه العَلاّمَةُ الرِضا، وَحَفِيْدُه العلامة الشيخ علي قدس سرهما.

مصنفاته:

1. نظم الزهر في نثر القطر: وهو من أوائل مصنفاته، ألفه بعد فراغه من قراءة شرح القطر لابن هشام، حيث نظم متنه من أوله إلى آخره في أبيات تزيد عن (500) بيت.

2. مستدرك نهج البلاغة: قال عنه العلامة الكبير آغا بزرك الطهراني في الذريعة 12 عليهم السلام 6: ((في ثلاثة أجزاء: الخطب والأوامر والكتب والوصايا والحكم والأدب، طُبع أولها في سنة 1354هـ)).

قلت: وقد استدرك فيه ما فات الشريف الرضي الوقوف عليه كما يدل اسمه على مسمّاه، معتمداً فيه المصادر الموثوقة عند علماء الفريقين.

3. مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات عنه: قال عنه العلامة الأميني في الغدير 4 عليهم السلام 191: ((وقد أفرد العلامة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء كتاباً في ست وستين صحيفة حول الكتاب ودفع الشبهات عنه بعد نقلها، فقد جمع فأوعى وتبسط فأجاد)).

أقول: وقد طُبع مع كتابه المستدرك في النجف الأشرف سنة 1354هـ. وذكر هذا الكتاب أيضاً العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة 20 عليهم السلام 241.

4. المقبولة الحسينية: أرجوزة في شرح واقعة الطف وبعض ما يتعلق بسيد الشهداء عليه السلام ، وهي هذه التي بين يديك, ذكرها الشيخ آغا بزرك الطهراني في الذريعة 22 عليهم السلام 16, وقد طبعت في النجف الأشرف سنة 1342هـ.

5. أوجز الأنباء في مقتل سيد الشهداء: قال العلامة الطهراني في الذريعة 2 عليهم السلام 473: ((هو في غاية الإيجاز ليتمكن في قراءته في مجلس واحد... طُبع مع مراثيه الموسومة بالمقبولة الحسينية سنة 1342هـ)).

6. أجوبة مسائل موسى جار الله: وصفه حفيده العلامة الشيخ علي  قدس سره  بأنه من خير ما ألف في ردِّه.

7. شرح على تبصرة العلامة الحلي.

8. شرح على شرائع الإسلام، للمحقق الحلي.

9. حاشية على طهارة العلامة الشيخ الأنصاري، لم تتم.

10. شرح على الدرة النجفية: للعلامة السيد مهدي بحر العلوم.

11. قاموس المحرمات: مرتب الأوائل على الحروف الهجائية.

12. قاموس الواجبات: لم يتم.

13. كتاب الرد على أيهما: وهي رسالة رَدَّ بِها على بعض النصارى، برهن على أفضلية المسيح عليه السلام  في الولادة والحياة والمعجزات والممات.

14. الرد على الوهابية: هو كتاب كامل مخطوط.

15. منظومة في أحوال الزهراء عليها السلام : ذكرها الشيخ محمد هادي الأميني في كتابه معجم رجال الفكر والأدب في النجف خلال ألف عام صفحة 367.

16. هدى المتقين: وهي رسالة لمقلديه، طُبعت سنة 1342هـ، ذكرها صاحب معارف الرجال 3 عليهم السلام 247. والمطبوع منها مجلد يحوي جميع كتب العبادات القلبية والبدنية واللسانية.

17. الكشكول: وهو سفر جليل في مسائل مختلفة فقهية وأصولية وأدبية ولغوية وتاريخية, وفيه من ذكر الحوادث ووقائع الأيام ما لا يوجد مسطوراً في كتاب، مِمّا يُشْبِه أنْ يَكُوْنَ من مصاديق (تاريخ ما أهمله التاريخ).

كما له تعليقات وَحَواشٍ ومقالات كثيرة ومراسلات مع أعلام عصره مبثوثة في المجاميع.

وله شعر رائق ونظم فائق يدل على ما وهبه الله من امتلاك ناصية هذه الصناعة، وما أُوتي فيها من البلاغة والبراعة.

وفاته:

بَعْدَ عُمُرٍ حافِلٍ بالمآثر والأعمال الجليلة اسْتَأْثَرَتْ رَحْمَةُ الله بشَيْخِنا الهادي، وذلك في ليلة الأربعاء 9 محرم الحرام سنة 1361هـ، وشيع تشيعاً مهيباً، إلى حيث مقبرتهم الخاصة في محلَّةِ العمارة من النجف الأشرف، ورثاه شعراء ذلك الوقت بأبلغ المراثي، ومنهم السيد محمد جمال الهاشمي، والسيد محمود الحبوبي الحَسَني، والشيخ علي الصغير، والسيد مير علي أبو طبيخ الموسوي، والشيخ عبد الغني الخضري وغيرهم.

عقبه:

أعقب ولدين هما الشيخ عبد المجيد وكان فاضلاً أديباً مترسلاً، عاجله الأجل المحتوم وهو في ريعان شبابه حيث توفي سنة 1323هـ، ولا عقب له، الثاني: هو العلامة الفقيه الشيخ محمد رضا المتوفى سنة 1366هـ، وله عقب.

 

 

 

ما وراء الطف

 

 

 

   1  

تحديد الحائر

هنا أمور لا تخلو من فائدة نذكرها على سبيل الإيجاز:

الأول: فضل كربلاء: والأخبار في ذلك كثيرة لا يتسع لها المجال, ومنها: ما ورد من أن الله اتخذ كربلاء حرماً آمناً مباركاً قبل أن يتخذ مكة حرماً، وأن الله قدَّسها وبارك عليها، فهي مقدّسة مباركة، ولا تزال كذلك.

وعن علي بن الحسين عليه السلام  في قوله تعالى: [فَحَمَلَتْه فَانتَبَذَتْ بِه مَكَاناً قَصِيّاً]([5]), قال خرجت مريم من دمشق حتى أتت كربلاء، فوضعته في موضع قبر الحسين عليه السلام ، ثم رجعت من ليلتها([6]).

وأما الحائر: فهو على ما في المعجم والقاموس اسم موضع فيه قبر الحسين عليه السلام  أو مشهده، وفي الأخير أنه اسم كربلاء أيضاً، وقد ذكر الشهيد([7]) ونقل عن غيره من أهل العلم أنّ المتوكل العباسي لما أمر بإطلاق الماء على قبر الحسين عليه السلام  ليعفيه حار الماء، فلم يبلغ القبر الشريف، والحائر أحد مواضع تخيير الصلاة فيه، والتمام أفضل، والقصر أحوط، والجمع أكمل.

وقد اختلف في تحديده، والأقرب كما لعله الظاهر من بعض الأخبار من أهل اللغة والعلم من أصحابنا وغيرهم أنه ما دار عليه سور الحضرة الحسينية وسور المسجد المتصل بها، وأما ما في خبر إسحاق بن عمار قال: (امسح من موضع قبره اليوم خمسة وعشرين ذراعاً من ناحية رأسه وكذا من ناحية رجليه ومن خلفه، ومما يلي وجهه)([8])، فلم يعلم أن ذلك تحديد للحائر، إذ يحتمل أنه تحديد لموضع استجابة الدعاء أو غيرها، فتأمل.

وقد اختلفت الأخبار في مقدار حرم الحسين عليه السلام  وحريم قبره سعة وضيقاً، وحملت على التفاوت في الفضل بحسب القرب والبعد([9]).

 

   2  

الاستشفاء بالتربة الحسينية

في الاستشفاء بالتربة وطين القبر، وقد سلف في النظم أن فيها الشفاء من كل داء، وأنها الدواء الأكبر، وأن حملها أمان من كل خوف، ولتؤخذ من قبره إلى سبعين ذراعاً على الأفضل، ففي الدروس أنه (يستشفي بتربة من حريم قبره، وحده خمسة فراسخ من أربع جوانبه، وروي فرسخ من كل جانب)([10]) انتهى.

ويحرم أكل الطين مطلقاً إلا طين قبر الحسين عليه السلام  للاستشفاء بقدر الحمصة أو مثل رأس الأنملة. وعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام  (أن عند رأس الحسين عليه السلام  تربة حمراء فيها شفاء من كل داء إلا السام)([11]).

ويظهر من الأخبار أن لأخذها واستعمالها وحملها شرائط:

أولها: أن يأخذها وهو يرى أن الله تعالى ينفعه بها.

ثانيها: أن يأخذها فيقبِّلها ويضعها على عينه ويمرها على سائر جسده، ويقول: ((اللهم بحق هذه التربة، وبحق من حل بها وثوى فيها، وبحق أبيه وأمه وأخيه والأئمة من ولده، وبحق الملائكة الحافين به إلا جعلتها شفاء من كل داء، وبرء من كل مرض، ونجاة من كل آفة، وحرزاً مما أخاف وأحذر))([12]) ثم يستعملها.

ثالثها: أن يقول عند حملها للأمان من كل خوف من سلطان وغيره ما ورد من أنه عليه السلام  قال: إذا خفت فلا تخرج من منزلك إلا ومعك من طين قبر الحسين، وقل إذا أخذته: ((اللهم إن هذه طينة قبر الحسين وليِّك وابن وليك، أخذتها حِرزاً لما أخاف ولما لا أخاف))، فإنه قد يرد عليك ما لا تخاف([13]).

وروي غير ذلك من الدعاء وقراءة بعض السور.

والظاهر من ملاحظة جميع أخبار الباب أن هذه الشرائط شرائط كمال، وليست شروطاً لأصل الانتفاع بالتربة المقدسة والاستشفاء بها، فإنهم  عليهم السلام  كانوا يسقونها الصبيان والنساء، ويعطون منها لأهل ولائهم، بل الظاهر مما روي عن محمد بن مسلم([14]) حصول الشفاء بها لمن شربها وإن لم يعلم، ولكن الأولى قصد الاستشفاء ونحوه مما تستعمل لأجله.

 

   3  

زيارة الحسيـن عليه السلام  من البلاد النائية

وهي من المستحبات الأكيدة في كل يوم وفي كل جمعة وعقيب الفرائض، وكذا زيارة النبي  صلى الله عليه واله وسلم  والأئمة الطاهرين، وروى الشيخ المفيد وغيره عن الصادق عليه السلام  أنه قال: (إذا بعدت بأحدكم الشقة ونأت به الدار فليعلُ على منزله وليصلِ ركعتين وليومِ بالسلام إلى قبورنا، فإن ذلك يصل إلينا).

وزاد في التهذيب: (وليسلِّم على الأئمة من بعيد كما يسلِّم عليهم من قريب)([15]).

غير أنه لا يصح أن يقول: (أتيتك زائراً)، بل يقول في موضعه: (قصدتُك بقلبي زائراً إذ عجزت عن حضور مشهدك، ووجَّهت إليك سلامي لعلمي أنه يبلغك، صلى الله عليك، فاشفع لي عند ربك عز وجل. وتدعو بما أحببت)([16])، والظاهر أن هذه الزيادة من كلام الشيخ  رحمه الله  لا من تتمة الخبر.

وروى سدير عن الصادق عليه السلام  أنه قال: (يا سدير، تزور قبر الحسين في كل يوم؟ قلت: جعلت فداك، لا. قال: فما أجفاكم. قال: فتزورونه في كل شهر؟ قلت: لا. قال: فتزورونه في كل سنة؟ قلت: قد يكون ذلك. قال: يا سدير، ما أجفاكم للحسين عليه السلام ، أما علمت أن لله عز وجل ألفي ألف ملك شعثاً غبراً يبكونه ويزورونه لا يفترون، ما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسين في كل جمعة خمس مرات، وفي كل يوم مرة. قلت: جعلت فداك، إن بيننا وبينه فراسخ كثيرة. فقال لي: اصعد فوق سطحك، ثم التفت يمنة ويسرة، ثم ترفع رأسك نحو السماء، ثم تنحو قبر الحسين عليه السلام ، فتقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته. تُكتب لك زورة، والزورة بحَجّة وعمرة)([17]).

وذكر الشهيد في الدروس مضمون هذه الرواية إلا الالتفات يمنة ويسرة، ثم قال: وإذا زاره فليزر ولده علي بن الحسين عليه السلام ، وليزر الشهداء وأخاه العباس والحر بن يزيد([18])، وفي بعض الروايات اغتسل واصعد على السطح.

ويظهر من جملة الأخبار أن صلاة ركعتي الزيارة من البعيد قبل الزيارة والسلام، ويظهر من بعضها أنها بعد الزيارة، فالقول بالتخيير لا بأس به، وإن كان الأرجح تقديم الصلاة.

وصرَّح بعض الأصحاب بجواز الزيارة في أي مكان يتيسَّر وإن لم يكن موضعاً عالياً. ثم قال: إن الأحوط والأفضل إيقاعها في موضع عال أو في الصحراء. وهو جيد.

ولكن يمكن أن يقال: إن ذلك بالنسبة إلى زيارة غير الحسين عليه السلام  من المعصومين  عليهم السلام ، أو بالنسبة إلى زيارته لمن لم يكن في مشهد أمير المؤمنين عليه السلام ، وأما من كان فيه فله أن يزور الحسين عليه السلام  في الموضعين وفي حرم أمير المؤمنين عليه السلام ، بل لا يبعد أنه أفضل المواضع لذلك، لما ورد من الأمر بزيارته في حرم أبيه سلام الله عليهما، والأفضل أن يزوره بزيارة عاشوراء، أو بالزيارة المعروفة التي في ضمن زيارة أمير المؤمنين عليه السلام ، المروية عن صفوان وبغيرها من يروي، وأن يزوره في الأوقات المخصوصة بالمأثور.

وفي التهذيب: عن أبي الحسن عليه السلام  أنه قال: (من لم يقدر على زيارتنا فليزر صالح إخوانه يُكتَب له ثواب زيارتنا، ومن لم يقدر أن يصلنا فليَصِل صالح إخوانه يُكتَب له ثواب صلتنا)([19]).

وفي خبر آخر: (فليَصِل فقراء شيعتنا)([20]).

وفي زيارة المؤمن وزيارة قبره أجر عظيم.

 

   4  

الاستنابة والتجهيز للزيارة والإعانة عليها

أما النيابة والاستنابة مجاناً أو بأُجرة عن الأموات فلا شبهة في رجحانها وحصول الأجر عليها للثلاثة، لأن الزيارة من العبادات التي تقبل النيابة.

أما عن الأحياء فيستنيب شخصاً عن غيره من الأحياء كأبٍ أو حميم، فلا ينبغي الإشكال في جوازها، فيستأجر من يزور عنه ويصلي ركعتين مثلاً، يهدي ثوابهما له، بل يجوز أن يستنيب غيره وإن كان زائراً بنفسه. ولو استأجر شخصاً واشترط عليه أن يجعل ثواب زيارته له صح.

ويستحب أن ينوب عن غيره من الأحياء تبرُّعاً، ففي الكافي والتهذيب في خبر طويل وفيه: ثم قف عند رأسه  صلى الله عليه واله وسلم  وقُل: ((السلام عليك يا نبي الله من أبي وأُمّي وزوجتي وولدي وحامتي، ومن جميع أهل بلدي حُرّهم وعبدهم، أبيضهم وأسودهم. فلا تشاء أن تقول للرجل: إني قد قرأت رسول الله عنك السلام إلا كنت صادقاً))([21]).

وفي التهذيب: ((من خرج زائراً عن أخ له بأجر فليقل عند فراغه من غسل الزيارة: اللهم ما أصابني من تعب أو نصَب أو شعث أو لغوب فأجر فلان بن فلان فيه، وأجرني في قضائي عنه)). فإذا سلَّم على الإمام فليقل في آخر التسليم: ((السلام عليك يا مولاي من فلان ابن فلان، أتيتك زائراً عنه فاشفع له عند ربِّك)). ثم تدعو له بما أحببت)([22]).

وذكر بعض أصحابنا أن الحسن العسكري عليه السلام  أنفد زائراً عنه إلى مشهد أبي عبد الله الحسين عليه السلام .

ثم إن النيابة في الزيارة كالنيابة في غيرها من العبادات، لا بد فيها من النية وقصد القربة، وتعيين المنوب عنه. وقد ذكر أهل المصابيح كالسيد  رحمه الله  وغيره صفة عمل من ينوب عن غيره، فليرجع إلى ذلك من أراد التفصيل.

وأما إهداء ثواب العمل لأحد المعصومين  عليهم السلام  أو الوالدين أو للأخ في الدين أو للمؤمنين فهو من الأعمال المندوبة الراجحة. وقد رُوي (أن ثواب ذلك يصل إلى من جُعِل له من غير أن ينقص من أجره شيء)([23]).

ويمكن إهداء ثواب العمل الواحد لشخص، ثم إهداء ما أثابه الله تعالى على ذلك لآخر، وهكذا.

أما التجهيز على الزيارة فمن الإعانة على البر والتقوى.

ففي خبر صفوان الجمال، قلت: (فما لمن جهز إليه ولم يخرج لعلَّة قال: يعطيه الله عز وجل بكل درهم أنفقه مثل أُحُد من الحسنات، ويخلف عليه أضعاف ما أنفق، ويُصرَف عنه من البلاء ما قد نزل، ويُحفظ في مالِه...الخبر)([24]).

فائدة:

زيارة الإمام العسكري عليه السلام  نيابة عن ولده الحجَّة إمام العصر أرواحنا فداه، فيها أجرٌ عظيم وثواب جسيم، وكذا في الدعاء له عليه السلام ، والتصديق عنه، فلا يفوتنك ذلك إن شاء الله.

 

   5  

في ذِكر بعض ما له دخل في زيارة الحسيـن عليه السلام

مما لم يسبق ذِكره

فمن الآداب أن لا يتطيَّب الزائر وإن استحب في غير زيارته، ولا يدهن ولا يكتحل حتى يأتي القبر وهو حزين ومكروب أشعث مغبر جائع عطشان، ولا يأكل في سفره غير الخبز واللبن، وأن يحسن الصحابة لمن صحبه، ويكثر من ذكر الله، ويقلل من الكلام إلا بخير، وأن يكون خاشعاً مكثراً من الصلاة على النبي  صلى الله عليه واله وسلم ، مواسياً لإخوانه، معيناً لذوي الحاجة منهم، مجتنباً للجدال والخصومة وكثرة الأَيمان، محافظاً على الآداب والسنن.

هذا وقد بقيت فوائد جليلة وآداب أكيدة تتعلق بالزيارات لم يساعد الوقت على ذكرها، نسأل الله أن يعين على نشرها، وأن يوفقنا وجميع المؤمنين للعلم الراجح والعمل الصالح، إنه أرحم الراحمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، آمين.

 

   6  

فائدة في مدفن الرأس الشريف

وفي الموضع الذي دُفن فيه أقوال، أشهرها بين الإمامية أنه أُعيد إما من الشام أو من المدينة، ودُفن مع جسده الشريف في كربلاء, ونقل السيد عمل الطائفة على هذا.

وذهب بعض علمائنا إلى أنه دُفن بجنب أمير المؤمنين عليه السلام ، استناداً إلى بعض الروايات التي منها ما رُوي عن الصادق عليه السلام  من أنه قال لولده إسماعيل: (أنه لما حمل إلى الشام سرَقه مولى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين عليه السلام )([25]).

ومنها: ما رواه في فرحة الغري بسنده عن أبي الفرج السندي، قال: (كنت مع أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام  حين قدم إلى الحيرة، فقال: الليلة اسرجوا لي البغلة. فركب وأنا معه حتى انتهينا إلى ظهر الكوفة، فنزل وصلى ركعتين، ثم تنحَّى فصلى ركعتين، ثم تنحَّى فصلى ركعتين. فقلت: جعلت فداك، إني رأيتك صليت في ثلاثة مواضع ! فقال: أما الأول فموضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام ، والثاني موضع قبر الحسين عليه السلام ، والثالث منبر القائم).

وغير ذلك من الروايات التي تقارب ما ذُكر.

قال في البحار: (واعلم أنه يظهر من الأخبار المتقدمة أن رأس الحسين وجسد آدم ونوح وهود وصالح  عليهم السلام  مدفون عنده عليه السلام ، فينبغي زيارتهم جميعاً بعد زيارته).

ويظهر مما روي أن الصادق عليه السلام  زار (رأس الحسين عليه السلام  عند رأس أمير المؤمنين عليه السلام ) ومن غيره من الأخبار تعين موضعه في الجملة.

ومما يؤكِّد كونه عند قبر أبيه صلوات الله عليهما استحباب زيارته في مشهده، ولم يرد استحباب زيارة إمام في مشهد إمام آخر غيرها، وليس ذلك ظاهراً إلا لدفن الرأس الشريف فيه، كاستحباب زيارة آدم ونوح + فيه دون غيرهما من الأنبياء.

ويقال: إن جماعة من العلماء والأتقياء شاهدنا بعضهم كانوا لا يمرون في الصحن الشريف الغروي من جانب الرأس المقدس، وإذا مروا خلعوا أحذيتهم احتياطاً في طلب الاحترام والتعظيم، وهو أمر حسن لا ينبغي إهماله.

وأما موضع منبر القائم أو منزله فيظهر من الأخبار أنه قريب من قبر أمير المؤمنين عليه السلام . وأما أنه هو المقام المعروف الآن بمقام المهدي الذي في وادي السلام فلم نتحققه.

ويقال: إن هذا المقام موجود من قديم الزمان، وأن بعض العلماء في القرن الحادي عشر تعرّض لذكره في بعض مصنفاته، وقد نُقلت عنه بعض الكرامات، والله العالم.

والحاصل أن أقوال الخاصة والعامة مختلفة في تعيين موضع الرأس الشريف، وبقيت أقوال أُخر:

منها: أنه في الموضع المعروف بالحنانة. ذهب إليه بعض علمائنا استناداً لما روي في أمالي الشيخ  رحمه الله  من أن مولانا جعفر بن محمد الصادق عليه السلام  لما جاز بالمائل القائم في طريق الغري نزل فصلى عنده ركعتين، وقال: ((هذا موضع رأس جدي حسين)).

وروي أيضاً أنه زار الحسين عليه السلام  فيه.

وعن كتاب المزار لمحمد بن المشهدي أنه قال: (فيه زيارة أخرى له عليه السلام  يزار بها في كل يوم وفي كل شهر، ويزار بها أيضاً عند قائم الغري، فقد جاء في الأثر أن رأس الحسين عليه السلام  هنالك).

ولا يبعد أن يكون المراد من قوله عليه السلام : ((هذا موضع رأس جدّي الحسين)) المكان الذي وُضع فيه، فإنهم لما حملوا الرؤوس الطاهرة إلى الكوفة وضعوا الرأس الشريف في هذا المحل. ويقال: إنه أول منازله، كما لا يبعد حمل بعض الأخبار الواردة في هذا الشأن على هذا المعنى.

ويظهر من بعض أكابر الفقهاء أن الموضع المذكور موضع دفن بعض أجزائه الشريفة، وقد عبّر عن ذلك بما لا يستحسن التعبير به عنه.

ومنها: أنه دُفن بالمدينة عند قبر أُمِّه فاطمة عليها السلام .

ومنها: أنه دُفن بالشام في باب الفراديس.

ومنها: أنه دُفن في مصر، نقَله إليها مِن عسقلان لما استولى عليها الإفرنج بعضُ الصالحين من وزراء الخلفاء الفاطميين، وهو طلايع بن رزّيك، وبذل في سبيل ذلك أموالاً طائلة، واحتفل باستقبال الرأس أعظم احتفال يكون في عهده.

وقيل في موضع دفنه غير ذلك.

وهذه الأقوال الأخيرة لم يذهب إليها أحد من علمائنا فيما نعلم.

وفي الختام أقول: إن خفاء موضعه وتردده بين مواضع متعددة كخفاء قبر أُمّه الصدّيقة الطاهرة الكبرى دليل الفضل وعظيم المنزلة، كما في ليلة القدر التي هي خير الليالي، وساعة الإجابة التي هي خير الساعات، والصلاة الوسطى التي هي أفضل الصلوات، فينبغي زيارته عليه السلام  في جميع المواضع المحتملة لذلك طلباً للأجر والثواب، وتتأكد زيارته عند قبر أبيه أمير المؤمنين عليه السلام ، نسأله التوفيق لذلك بمحمد وآله الطاهرين.

 

اوجز الانباء

في مقتل سيد الشهداء

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمَّ إليكَ الشَّكْوى، وَبِكَ الْعَدْوى، وَإلَيْكَ نَرْفَعُ ظُلاَمَةَ عِتْرَةِ نَبِيِّكَ، أَهلِ الّذِكرِ وأُوِلْي الأمْرِ، الّذِيْنَ اخْتَرْتَهمْ مِنْ بَرِيَّتِكَ وَطَهرْتَهمْ مِنَ الرِّجْسِ تطهيراً، فأقامُوْا دَعائمَ الدِّيْن، وَجاهدُوْا الكافِرِيْنَ والظالمِين، وَلَمْ تأخُذْهمْ فِيْكَ لَوْمةُ لائِمٍ، ولا عَذْلُ عاذِلٍ، حتى سُفِكَتْ في طاعَتِكَ دِماؤُهمْ، وَأُرْمِلَتْ نِساؤُهمْ، وأُيْتِمَتْ أطفالُهمْ، ونُهبَتْ رِحالُهمْ.

اللهمَّ إنّا نَنْشُرُ عَلى بِساط عَدْلكَ ونَعْرضُ على قِصاص انْتِقامِكَ حَدِيْثَ مَقْتَلِ فَرْخِ نَبيِّكَ وَرْيحانَةِ رَسُولِكَ وَسَيّدِ شَبابِ أَهلِ الْجَنَّةِ، في هذا اليَوْمِ الَّذيْ تَتَجَدَّدُ فِيْه الْمَصائِبُ والأحْزانُ على أهلِ الوَفاءِ وَالإِيمانِ، بِتَذَكُّرِ ما جَرى عَلى ابْنِ سَيّدِ الْوَرى، وَخَيْر مَنْ وَطِئَ الثَّرى، سَيِّدِ الشُّهداءِ، وَقُرَّةِ عَيْنِ سَيِّدِ الأنْبِياءِ، الْمُرَمَّلِ بِالدِّمَاءِ، قَتِيْلِ الأدعِياء.

فَقَدْ كانَ مِنْ أَمْره صَلوَاتُ الله عَلَيْه أَنَّه كانَ قاطِناً في حَرَمِ جَدِّه، أَليْفَ الْمِحْراب، حَلِيْفَ الْكتِاب، يُنْكِرُ الْمُنْكَرَ بِاللِّسانِ وَالْقَلْبِ، وَيَأْمُرُ بِالْمعُرُوْفِ حَسْبَ الطّاقِة وَالْوُسْعِ.

وَلمَّا تَضَعْضَعْت أَرْكانُ الظُّلْمِ وَانْكَسَرَ بابُ الْجَوْرِ بِمَوْتِ مُعَاوِيَة بْنِ أَبي سُفْيان، وَقامَ ابْنُه يَزيدُ شَارِبُ الخُمُوْرِ وَرَأسُ الفُجُوْر، كَتَبَ إِلى عامِله بالمدينةِ يَأمُرُه بِأَخذِ الَبْيَعةِ عَلى أَهلها عامّةً وَعلى الْحُسَيْنِ خاصَّةً، وَيَقولُ لَه: إنْ أبَى عليكَ فاضْرِبْ عُنُقَه، وَابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِه. فَدَعاه إلى بَيْعَةِ يَزيدَ، فَعلَّلَه وَأمُّلَه.

خَرَجَ عليه السلام  مِنْ مَدينَة جَدِّه خائِفاً يَتَرقَّبُ بَأهلِه وَثِقَلِه مُلْتَجِئاً إلى حَرَمِ الله، عائِذا بِبَيْتِ الله، وذلكَ لثِلاثٍ مَضَيْنَ مِنْ شَعْبان سَنَةَ 60 مِنَ الهجْرَةِ.

وَلمَّا سمَعَ أَهلُ الكُوْفةِ بِوُصُوْلِه إِلى مَكَّةَ وَامْتِناعِه مِنْ بَيْعَةِ يَزْيدَ كَتَبُوا إلَيْه، وَأَعْطَوْه العُهودَ والمواثيقَ، حتّى وَرَدَ عليه في يَوْمٍ واحِدٍ سِتُّمِائَةِ كِتابٍ. فَسَيَّرَ إلَيْهمُ ابْنَ عَمِّه وَثِقَتَه مِنْ أهلِ بَيْتِه مُسْلِمَ بْنَ عَقِيْلِ، فَخَذلُوْه وَنَكَثُوْا بَيْعَتَه وَتَفرَّقُوْا عَنْه، وأْبقَوْه وَحِيْداً فَرِيْداً، لا ناصِرَ لَه ولا مُعِيْن.

وَلَمْ يَكْفِهم ذلِكَ حَتّى قاتَلُوْه وَحارَبُوْه، وَأَمْكَنُوا مِنْه عَدُوَّ الله وَرَسُوْلِه وَعَدُوَّ الإِسْلامِ، حَتّى قَتَلَه وَرَمى بِجَسَدِه المُطَهرِ مِنْ أَعْلى الْقَصْرِ.

وَفي هذا الْيَوْم الّذِي قُتِلَ فيه مُسْلِمٌ سَلامُ الله عَلَيْه، وَهوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ خَرَجَ الحُسَيْنُ عليه السلام  مِنْ مَكَّةَ بأَهلِه وأوِلادِه وشيعته خَوْفاً مِنْ أَنْ تُسْتَباحَ حُرْمَةُ الْبَيْتِ باغْتِيالِه فيه، مُجِيباً دَعْوَةَ أهلِ الْكُوْفَةِ في ظاهرِ الْحال، وَقَدْ بَلَغَه في أَثْناءِ الطَّرِيْق قتلُ مُسْلِمٍ، فَأَحْزَنَه وَلَمْ يَثْنِه عَنْ عَزْمِه لِما هوَ بِه أَعْلَمُ وَبِشَأْنِه أَخْبَرُ.

ولَمّا صارَ على بُعْدِ مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ الكُوْفَةِ رأى الْحُرَّ بْنَ يَزِيْدَ الرياحي في زُهاءِ أَلْف فارِسٍ، فقالَ لَه الحُسينُ: أَلَنَا أَمْ عَلَيْنَا؟ فقالَ: بَلْ عَليْكَ يا أبا عَبْدِ الله. فقالَ عليه السلام : لا حَوْلَ ولا قُوّةَ إِلاّ بِالله العِليّ العظيمِ.

فَضَيَّقُوا عَلَيْه، وَكُلَّما أَرادَ المَسيْرَ مانَعُوْه تارَةً، وَسايَرُوْه أُخرى، حَتّى بَلَغَ كربلاء في اليومِ الثاني مِنَ المُحَرّمِ.

وَلَمّا بَلَغَها قالَ: ها هنا مَحَطُّ رِحالِنا، وَمَسْفَكُ دِمائِنا، وَمَحَلُّ قُبورِنا، حَدَّثنِي بِهذا جَدّي رَسُوْلُ الله  صلى الله عليه واله وسلم .

فَنَزَلَ الحُرُّ وَأصحابُه ناحِيَةً، وَصارَتْ عَساكِرُ أَهلِ الْكُوْفَةِ وَجُيُوْشُهمْ تَتَوارَدُ إِلى كَرْبَلاَءِ لِقِتالِ الحُسَيْنِ عليه السلام ، حَتّى تَكَمَّلَ فيها إلى سِتِ لَيالٍ خَلَوْنَ مِنَ الْمحَرّم عِشْرُوْنَ ألفَ فارِسٍ غَيْرَ الرَّجّالَةِ.

فَدَعاهمْ عليه السلام  إلى الْحَقّ بالحِكْمَةِ والمْوعِظَةِ الحَسَنةِ، وَحَذَّرهم وَأَنْذَرَهمْ، وَأَتَمَّ عَلَيْهم الحُجَّةَ بَاْلمَواعظِ والنَّصائح والخُطَبِ النّاصِعَةِ، فَلَمْ يَزْدادُوْا إلاّ تَمادِياً في الباطِلِ وَإِصراراً على الظُلْمِ، وَإِلاّ إِقْداماً عَلى إِزْهاقِ النّفُوْسِ المُقَدَّسَة، وإهراقِ الدِّماءِ المُطَهرةِ، فناَجَزُوْا وَلَيَّ الله بالقِتالِ، وَعاجَلُوْه بالنِّزالِ، وَضَيَّقُوْا عَليْه المَجالَ، وَمَنَعُوْه وَعِياله مِن وُرُوْدِ الماءِ الزُّلالِ، وَبدّأوْه بِالحْربِ وَالطّعْنَ.

وَلمَّا رَآهمْ قَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهم الشَّيْطانُ، وَحَقَّ عَلَيْهمْ غَضَبُ الرَّحْمنِ، وَقَفَ لَهمْ مُطْمَئِنَّ الْجَأشِ، ساكِنَ البالِ، لَمْ يَرْهبْه عَدَدُهمْ، وَلَمْ يُرْعه وئيدهم، وَجاهدَهمْ عَنْ دِيْنِ الله وَحَرَمِ رَسُوْلِه، صابِراً مُحْتَسِباً:

وَأَثْبَتَ في مُسْتَنْقَع الْمَوْت رِجْلَه
 

 

وَقالَ لَها مِنْ تَحْتِ أَخْمَصِكِ الْحَشْرُ
 

 

وَثَبتَ مَعَه أَهلُ بَيْتِه أَقْمارُ الدُّجى ونُجُوْمُ الأرضِ مِنْ آلِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ سَلامُ الله عَلَيْهمْ، وأنْصارُه حِزْبُ الرَّحْمنِ وَأْقطابُ الإِيْمَانِ:

مِنْ تَحْتِهمْ لَوْ تَزُوْلُ الأَرْضُ لاَنْتَصَبُوْا
 

 

 

عَلى الهوَى هضُباً أَرْسى مِنَ الْهضُبِ
 

     

 

وَكانَ مِمّا خاطَبَهمْ بِه عليه السلام  قَوْلُه: أَلا وإنَّ الدَّعِيَّ ابْنَ الدَّعِيّ قَدْ رَكَزَ بَيْنَ اثْنتَيْنِ، بَيْنَ السَّلَّةِ والذّلِةِ، وَهيْهاتَ مِنّا الذِّلةُ، يَأبى الله ذَلِكَ لَنا وَرَسُوْلُه والْمؤْمنُوْنَ، وَحُجُوْرٌ طابَتْ وَطَهرَتْ، وَأُنُوْفٌ حَمِيَّّةٌ، وَنُفُوْسٌ أَبِيَّةٌ، مِنْ أَنْ نُؤْثِرَ طاعَةَ اللّئام عَلى مَصارِعُ الكِرامِ، أَلا وَإِنّيْ زاحِفٌ بهذه الأُسْرَةِ مَعَ قِلَّةِ العَدَدِ وَخذْلانِ النّاصِرِ.

إلى أَنْ قالَ: إِنّيْ تَوَكَّلْتُ عَلى الله رَبّيْ وَرَبِّكُمْ، وَما مِنْ دابَّةٍ إلاّ وَهوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها، إنَّ رَبِي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيْم.

ثُمَّ دَعا بِفَرَسِ رسُوْلِ الله  صلى الله عليه واله وسلم  فَرَكِبَه، وَعَبَّأَ أَصْحابَه لِلقِتالِ، وَأَقْبَلَتِ السِهامُ مِنَ الأَعْداءِ كَالمْطَرِ، فَقالَ عليه السلام  لأِصْحابه: قُوْمُوْا رَحِمَكُمُ الله إِلى المْوتِ الّذِيْ لا بُدَّ مِنْه، فَهذِه السِّهامُ رُسُلُ الْقوْمِ إِلَيْكُمْ.

فَاقْتَتَلُوْا ساعَةً مِنَ النَّهارِ حَمْلَةً وَحَمْلَةً، وَقَدْ أَنْزَلَ الله النَّصْرَ عَلى الحُسِيْنِ وَخُيّرَ بَيْنَه وَبَيْنَ لِقَاءِ رَبِّه، فَاخْتارَ لِقاءَ الله، ثُمَّ صاحَ عليه السلام : أما مِنْ مُغِيْثٍ يُغِيْثُنا لِوَجْه الله؟ أَما مِنْ ذابٍّ يَذُبُّ عَنْ حُرَمِ الله؟

وَتَسابَقَ أَصْحابُه أَنْصارُه إِلى المْنَايا، وَسارَعُوْا إِلى الْقَتْلِ بَيْنَ يَدْيه وَالْفَوْزِ بالشَّهادَةِ، وَقَدْ طَحَنُوْا جُنُوْدَ الْفُجّارِ، وَغَبَّرُوْا في وُجُوْههمْ، وَصَبَغُوْا الأَرْضَ بِدِمائِهمْ.

وَلَمّا لَمْ يَبْقَ مَعَه سِوى أَهلِ بَيْتِه وَهمْ ثَمانِيَةَ عَشَرَ رَجُلاً خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْن، وَكانَ مِنْ أَصْبَحِ النّاسِ وَجْهاً وَأَحْسَنِهِمْ خَلْقاً وَأَشْبَهِهِمْ بِجَدِّهِ رَسُوْلِ اللهِ  صلى الله عليه واله وسلم ، فَاسْتَأْذَنَ أَباهُ في القِتالِ فَأَذِنَ لَهُ، وَنَظَرَ إِلَيْهِ نظرَ آيِسٍ مِنْهُ وَأَرْخى عَيْنَيْهِ بالدُّمُوْعِ، وَقالَ: يا ابن سِعْدٍ قَطَعَ اللهُ رَحِمَكَ كَما قَطَعْتَ رَحِمِيْ.

فَقاتَلَ قِتالَ الأَبْطال، وَأنْزَلَ بِهِمُ الْوَيْلَ وَالنَّكال، وَهُوَ في تِلْكَ الحْالِ يَطْلُبُ شَرْبَةً مِنَ الماءِ فَلا يَجِدُ إِليْها سَبِيْلاً، حَتّى صُرِعَ فَنادى: يا أَبَتاهُ، هذا جَدّيْ رَسُوْلُ اللهِ يُقْرِئُكَ السَّلامَ.

فَجاءَهُ الحُسَيْنُ، وَوَضَعَ خَدَّهُ على خَدِّهِ وَقالَ: قَتلَ اللهُ قَوْماً قَتَلُوْكَ، يا بُنيَّ ما أَجْرَأَهُمْ عَلى الرَّحْمنِ وَعلى انْتِهاكِ حُرْمَةِ الرَّسُوْلِ، عَلى الدُّنْيا بَعْدَك الْعَفا.

ثُمَّ صارَ أَهْلُ بَيْتِهِ يَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنْهُمْ بَعْدَ الرَّجُلِ، حَتّى قُتِلَ جَماعَةٌ مِنْهُمْ، فَصاحَ الْحُسَيْنُ عليه السلام : صَبْراً يا بَنِيْ عُمُوْمَتِيْ، صَبْراً أَهلَ بَيْتي، فَلا رَأَيْتُمْ هَواناً بَعْدَ هذا الْيَوْمِ. ثُمَّ قَالَ: هَوَّنَ ما نَزَلَ بِيْ أَنَّهُ بِعَيْنِ اللهِ.

وَاشْتَدَّ الْعَطَشُ بِالْحُسَيْنِ، فَرَكِبَ الْمُسَنّاةَ يُرِيْدُ الْفُراتَ، وَأَخُوْهُ الْعَبّاسُ بَيْنَ يَدِيْهِ يَحْصِدُ الرُّؤُوْسَ وَيُزْهِقُ النُّفُوْسَ، وَيقْتُلُ الأَبْطالَ، وَيَلِفُّ الرِّجالَ بِالرِّجالِ، فَلَمْ يَزالُوْا بِهِ حَتّى قَطَعُوْا يَدَيْهِ، وَأحاطُوْا بِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، فَبَكى الْحُسَيْنُ عليه السلام  لِقَتْلِهِ بُكاءً شَدِيْداً.

ثُمَّ أَحْدَقُوُا بِالْحُسَيْنِ عليه السلام  مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَأَحاطُوْا بِهِ مِنْ كُلِّ ناحِيَةٍ، وَلَمْ يَسْتَحُوْا مِنْ غُرْبَتِهِ وَانْفِرادِهِ وَفَقْدِ أَنْصارِهِ وَأَوْلادِهِ، وَأَسْرَعُوْا إِلى حِمى اللهِ ليَهْتِكُوْهُ، وَإلى دَمِ الْمُصْطَفى ليَسْفِكُوْهُ، حَتَّى أَثْخَنُوْهُ بالجِراحِ، وَجَعَلُوْا جِسْمَهُ المُقَدَّسَ طُعْمَةً لِلسُّيْوفِ وَالرِّماحِ، وَهُوَ صابِرٌ مُحْتَسِبٌ، يُدافِعُ عَنْ نَفْسِهِ وَحَرَمِهِ، قَدْ فَطَرَ كَبِدَهُ الظَّما، وَخُضِّبَتْ كَرِيَمَتُهُ الشَّرْيفَةُ بالدِّماءِ، إِلى أَنْ نَكَّسُوْهُ عَنْ جَوادِهِ صَرِيْعاً عَلى وَجْهِ الثَّرى، عَلى وَجْهِهِ الْعَزْيِزِ عَلى اللهِ, الْعَزِيْزِ عَلى جَدِّهِ وَأَبِيْهِ، الْعَزِيْزَ على أَنْبياءِ اللهِ وَأَوْلِيائِهِ ومَلائِكَتهِ، وَهُوَ يَجُوْدُ بِنَفْسِهِ، وَيَنْقَلِبُ يَمِيْناً وَشِمْالاً، قَدْ رَشَحَ لِلْمَوْتِ جَبِيْنُهُ، وَسَكَنَ أَنِيْنُهُ، فأسْرَعَ جَوادُهُ إِلى الخِيامِ مُحَمْحِماً باكِياً، وَبِصَهِيْلِهِ شاكِياً ناعِياً، وَلَمّا رَأَيْنَهُ مُخَدَّراتُ الْعِصْمَةِ وَوَدائِعُ النُّبُوَّةِ والرَّحْمَةِ، خَرَجْنَ مِنَ الْخُدُوْرِ، يَدْعُوْنَ بالَوْيلِ والثُّبُوْرِ.

ثُمَّ احْتَزُّوْا رَأْسَهُ الْمُقدَّسَ الْمُعَظَّمَ، رَأْسَ رَئِيْس الْمُسْلِمِيْنَ وَسَيّدِ شَبابِ أَهْلِ الْجَنَةِ، وَإنَّهُ لَيُكَلِّمُهُمْ وَيَطْلِبُ مِنْهُمْ شَرْبَةً مِنَ الْمَاءِ الْمُباحِ، فَيَقُوْلُوْنَ لَهُ: لا تَذُوْقُ الماءَ أبا عَبْدِ اللهِ.

ثُمَّ هَجَمُوْا على خِيامِ آلِ الرَّسُوْلِ وَبَناتِ الزَّهْراءِ البَتُوْلِ، يَنْتَهِكُوْنَ الأَسْتارَ وَالْمَقانِعَ، وَيَنْتَزِعُوْنَ الأقْراطَ وَالْمَلاحِفَ، وَقَدْ تَرَكُوْا تِلْكَ الْجُثَثَ الطَّواهِرَ وَالأَجْسادَ الزَّواكِيَ عارِيَةً عَلى الثَّرى فِيْ رَمْضاءِ الْهَجِيْرِ، تَنْتابُها العَواسِل، وَتُعَفِّرُها أُمَّهاتُ الْفَراعِل، وَحَمَلُوْا الُرُّؤْوسَ الطّاهِرَةَ عَلى رِماحٍ تَعْتَذِرُ بِلسانِ الْحالِ إِلَيْها، وَتكادُ أَنْ تُقَبِّلَ الأَرْضَ بَيْنَ يَديْها. وَأمَرُوْا بِذلِكَ الرَّأْسِ المُعَظَّمِ، فَطافُوْا بِهِ في سِكَكِ الْكُوْفَةِ.

رَأْسُ ابْنِ بِنْتِ الْمُصْطَفى وَوَصِيِّهِ
 

 

لِلنّاظرِينَ عَلى قَناة يُرْفَعُ
 

وَالْمُسْلِمُوْنَ بِمَنْظَرٍ وَبِمَسْمَعِ
 

 

لا مُنْكِرٌ مِنْهُمْ وَلا مُتَفَجِّعُ
 

 

وَقَدْ سارُوْا بِالنِّساءِ وَالعيالِ مُقَرَّنِيْنَ بِالْحِبالِ، تَحْدُوْا بِهِنَّ الأَعْداءُ مِنْ بَلَدٍ إِلى بَلَدٍ، يَتَصَفَّحُ وُجُوْهَهُنَّ القريبُ والبعيدُ والدَنِيُّ وَالشَّرِيْفُ، لَيْسَ مَعَهُنَّ مِنْ رِجالِهِنَّ وَليّ، وَلا مِنْ حُماتِهِنَّ حَمِيّ. وَقَدْ حَمَلُوْا الإِمامَ زَيْنَ الْعابِدِيْنَ وَسَيِّدَ الْمُتَّقِيْنَ عَلى بَعِيْرٍ ظالِعٍ بِغَيْرِ وِطاءِ، وَرَأْسُ أَبِيْهِ عَلى عَلَمٍ، وَالنِّساءُ خَلْفَهُ عَلى بِغالٍ واكِفَةٍ، وَالْفارِطَةُ خَلْفَهُمْ وَحَوْلَهُمْ، إِنْ دَمِعَتْ مِنْ أَحَدِهِمْ عَيْنٌ قَرَعُوْا رَأْسهُ بِالرُّمْحِ، وَهُمْ بِحالٍ أَبْكَتِ الأَعْداءَ، وَحُقَّ أَنْ يَبْكُوْا طَوِيْلاً، وَيَضْحَكُوْا قليلاً، فقد فَرَوْا كَبِدَ رَسُوْلِ اللهِ، وَأَسَرُوْا حَرَمَهُ، وَسَفَكُوْا دَمَهُ، وَلا عَجَبٌ إِنْ مَطَرَتِ السمَّاءُ دَماً، وَلَعَذابُ اللهِ أَخْزى، فَالْوَيْلُ وَالثُّبُوْرُ لِلْفَجَرَةِ الْغَدَرَةِ.

كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمْون أَيَّ رِجالٍ قَتَلُوْا، وَأَيَّ نِساءٍ أَرْمَلُوْا، لَقَدْ قَتَلُوْا الإِيمانَ والإِسلام، وَهَدَمُوْا الرُّكْنَ وَالْمَقام. وَقَدْ بَكَتْكَ يا أَبا عَبْدِ اللهِ السَّماءُ وَمَنْ فِيْها، وَالأَرْضُ وَمَنْ عَلَيْها، وَالْجِنانُ وَخُزّانُها، وَالْبِحارُ وَحِيْتانُها، فَأَيُّ قَلْبٍ لا يُصْدَعُ لِقتلِك؟! وَأَيُّ عَيْنٍ لا تَدْمَعُ لأَجْلِك؟! وَكَيْفَ يَدَّعيْ الْوَفاءَ وَالْوَلاءَ مَنْ لا يُواسِيْ جَدَّكَ وأَباكَ وَأُمَّكَ وَأَخاكَ فِيْ الْحُزْنِ وَالأَوْصاب، وَالْبُكاءِ عَلى جَلِيْلِ الْمُصاب.

فَها نَحْنُ نَصْرُخ إِلى اللهِ، وَنَنْعَاك إِلى جَدِّكَ رَسُوْلِ اللهِ، قائِلِيْنَ: يا رَسُوْلَ اللهِ، قُتِلَ سِبْطُكَ وَفَتاك، وَاسْتُبِيْحَ حَرَمُكَ وَحِماك، وَسُبِيَتْ بَناتُكَ وَعِيالُك، وَأُيْتِمَتْ بَنُوْكَ وَأَطْفالُكَ، وَقَدْ تَرَكُوْا فَرْخَكَ وَرَيْحانَتِكَ صَرِيْعاً عَلى الثَّرى، فَأَحْسَنَ اللهُ لَكَ العَزاءَ يا رَسُوْلَ اللهِ، وَأَحْسَنَ اللهُ لَكَ العَزاءَ يا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ، وَأَحْسَنَ اللهُ لَكِ الْعَزاءَ يا سَيِّدَةَ النِّساء، وَأَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاءَ يا سِبْطَ الْمُصْطَفى بِأَخِيْكَ وَشَقِيْقِكَ، وَأحْسَنَ اللهُ لَكُمُ الْعَزاءَ يا أهْلَ بَيْتِ الْمُصْطَفى بِسَيِّدِ الأُسْرَة وَقَتِيْلِ العَبْرَة.

يا مَوْلانا يا صاحِبَ الزَّمانِ، يا بَقِيَّةَ اللهِ، أَيُّها القائِمُ الْمُنْتَظَرُ وَالإمامُ الْمُرْتَجى وَالْحُجَّةُ المُؤَمَّلُ، أَحْسَنَ اللهُ لَكَ الْعَزاءَ بِجَدِّكَ سَيِّدِ الشُّهَداءِ وَبِأَطايِبِ العِتْرَةِ وَصَفْوَةِ الأُسْرَةِ، فَعَلى مِثْلِهِمْ فَلْتَذْرِفِ العُيُوْن، وَلْيَبكِ الباكُوْن.

أَيْنَ الْحُسَيْنُ وَأَبْناؤُهُ؟ وَأَيْنَ أَهْلُ بَيْتِهِ وَأَنْصارُهُ؟ عَزِيْزٌ عَلَيْكَ وَعَلى آبائِكَ وَأَهْلِ وَلائِكَ أنْ يُصْبِحُوْا صَرْعَى عَلى الثَّرَى، قَدْ خَذَلَهُمُ الوَرى.

اللّهُمَّ إِلَيْكَ الْمُشْتَكى، وَبِكَ النَّصْرُ عَلى مَنْ ظَلَمَ وَاعْتَدَى، أَغِِثْنا بوَلِيِّ الأَمْرِ وَإِمامِ العَصْرِ، وَاجْعَلْنا مِنَ الطَّالِبِيْنَ بالثّأرِ، الْمُدرِكِيْنَ لِلأَوْتارِ مَعَ إِمامِنا وَوَلِيِّنَا الْمَهْديّ القَائِمَ بِالْحَقِّ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ. أَللّهُمَّ أَحْسِنْ عَزاءَنَا وَعَظِّمْ أُجُوْرَنَا بِمُصابِنا بِموْلانَا وإِمامِنا وَشَفِيْعِنا أَبي عَبْدِ اللهِ الْحُسَيْن.

السَّلاَمُ عَلَيْكَ يا أبا عَبْدِ اللهِ، سَلامَ عارِفٍ بِحُرْمَتِك، مُخْلِصٍ في وَلايَتِكْ، يَبْرأ مِنْ أَعْدائِك، وَيَتَقَرَّبُ إِلى اللهِ بِوَلائِك، سَلامَ مَنْ يَقِيْكَ بِنَفْسِهِ، وَيَفْدِيْكَ بِمُهْجَتِه. لَبَّيكَ داعِيَ اللهِ، إِنْ كانَ لَمْ يُجِبْكَ لِسانِيْ عِنْدَ اسْتِنْصارِك، وَبَدَنِيْ عِنْدَ اسْتِغاثَتِك، فَقَدْ أَجابَكَ قَلْبِيْ وَلُبِّيْ وَرَأْيِيْ وَهَواي.

السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها الْمُحْتَسِبُ الصّابِرُ الْمَظْلُوْمُ بِلا ناصِر، السَّلامُ عَلى مَنْ نُكِثَتْ ذِمَّتُهُ، وَهُتِكَتْ حُرْمَتُهُ، السَّلامُ عَلى الْمَقْطُوْعِ الْوَتِيْن، والمُحامِيْ بِلا مُعِيْن، السَّلامُ عَلى البَدَنِ السَّلِيْب، وَالْخَدّ التَّرِيْب، وَالثَّغْر الْمَقْرُوْع بِالْقَضِيْب، السَّلامُ عَلى الْمُرَمَّلِ بِالدِّماءِ، المَهْتُوْكِ الخِباء، السَّلامُ عَلى الْمُجَدَّلِيْنَ بِالْفَلا، الْمَنْبُوْذِيْنَ بِالْعَرا، السَّلامُ عَلى الدِّماءِ السائِلات، وَالأَعْضاءِ المُوَزَّعات، بَأَبِيْ أَنْتُمْ وَأُمّيْ وَأُسْرَتِيْ، طِبْتُمْ وَطابَتِ الأَرْضُ الَّتِيْ فِيْها دُفِنْتُمْ، وَفُزْتُمْ وَاللهِ فَوْزاً عَظِيْماً، فَيا لَيْتَنا كُنّا مَعَكُمْ فَنَفُوْزَ فَوْزاً عَظِيْماً. السَّلامُ عَلى الحُسَيْنِ وَعَلِيّ بِنْ الْحُسَيْنِ، السَّلامُ عَلى الْعَبّاسِ بِنْ عَلِيّ، السَّلامُ عَلى أَنْصارِ الْحُسَيْنِ، مِنِّيْ وَمِنْ آبائِيْ وأُمَّهاتِيْ وَجَمِيْعِ إِخْوانِيَ الْمُؤْمِنِيْنَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُه.

 

 

 

 

المقبولة الحسينية

 

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله على ما قدَّرا
 

 

نحْمَدُه وإنْ جرى ما قد جرى
 

نَزَّه عن دارِ الغُرورِ حِزْبَه
 

 

قَرَّبَهمْ لَمَّا أرادوا قُرْبَه
 

ترى لديهم فرحةَ المُصدِّقِ
 

 

وخشيةَ العبدِ المطيعِ المُتّقي
 

تلذَّذوا للبذلِ للأرواحِ
 

 

واستأنسوا بالموتِ والكفاحِ
 

قد خلعوا عنهم جلابيبَ البَقا
 

 

كي يَقْرَعوا بالنُّجْحِ أبوابَ اللِّقا
 

عليهمُ قد هانتِ الحياةُ
 

 

لأَنَّهم قبلَ المماتِ ماتوا
 

فعرَّضوا النفوسَ للحُتوفِ
 

 

شوقاً إلى مواطنِ التشريفِ
 

قاتِلُها بسيفِه أَحياها
 

 

ومِنْ جِوارِ ربِّها أَدناها
 

وكُلُّ ما أشْغَلَ عن جَلاله
 

 

وكل ما باعد عن وصاله
 

لمْ يَجْرِ يوماً لهمُ في خاطرِ
 

 

في باطنٍ من أمرِهمْ وظاهرِ
 

وفي سبيلِ الله أَهلُ الله
 

 

يستسهلون أَصْعَبَ الدواهي
 

ثم الصلاةُ والسلام تترى
 

 

على نبيٍّ بالعزاء أَحرى
 

قَدْ بَضَعَتْ سيوفُهم بَضْعَتَه
 

 

وَقَتّلَتْ علوجهمْ عِتْرَتَه
 

حتى استباحوا لَحْمَه المُطَهرا
 

 

وقد أسالوا دَمَه على الثرى
 

ثم على عِتْرَتِه الأطهارِ
 

 

لا سِيّما الطالبُ بالأوتارِ
 

القائمُ المهديُّ نجلُ الحَسَنِ
 

 

مبيدُ أهلِ الشركِ مُحي السُّنَنِ
 

 

فصلٌ

في فضل البكاء والتباكي

(وبعدُ) فاعلَمْ أيّها المُواليْ
 

 

للمصطفى والمُرتضى والآلِ
 

بأَنَّ منْ بكى وأَبْكى فِيهمُ
 

 

فلا تمسُّ جِسْمَه جهنمُ
 

وَأَنَّ مَنْ قد ذُكِروا لديه
 

 

يوماً ففاض الدَّمعُ من عينيه
 

وانْ يكُنْ كالجُنْحِ للذبابِ
 

 

يُغْفَرْ لَه الذنبُ بلا ارتيابِ
 

فابكِ دماً على قتيلِ العَبْرة
 

 

والسيدِ السِبْطِ شهيدِ العِتْرَة
 

عِبْرَةِ كلِّ مؤمنٍ ومتَّقي
 

 

فما بكى باكٍ عليه فَشقيْ
 

وإنْ يَفُتْكَ أن تكونَ باكي
 

 

فلا يَفُتْكَ الأجرُ بالتباكي
 

فعنهمُ لِمَنْ تَباكى يُروى
 

 

جنةُ عدْنٍ هيَ نعمَ المأوى
 

 

فصلٌ

في الولاية واشتراطها في جميع الأعمال

والحزْنُ والبكاءُ خيرُ آيةْ
 

 

تُشْعِرُ بالحبِّ وبالولايةْ
 

مَنْ صام لله وصلَّى واقْتَرَبْ
 

 

وجاء مُخْلِصاً بأفْضَلِ القُرَبْ
 

وأنفَقَ المالَ وَجدَّ واجْتهدْ
 

 

وطُولَ عُمرِه لِربِّه عبَدْ
 

ثمّ أتى الله بِلا ولايةْ
 

 

فهوَ كأَهلِ الشِرْكِ والغِوايه
 

وَليس في أَعمالِه ثوابُ
 

 

ثمّ عليه الخَزيُ والعذابُ
 

دِيني الوِلاءُ والتبرِّي مَذْهبي
 

 

وحبُّ أهلِ البيتِ أقصى إربي
 

وقد جعلتُ في الخطوبِ مَوْئِلي
 

 

مُحَمَّداً وابنَيْ عليٍّ وعليْ
 

وَبَضْعَةَ الهادي شفيعِ الأُمَّة
 

 

والغُرَّ مِن أبنائِها الأئمة
 

هم بابُ حِطَّةٍ أَحُطُّ ذنبي
 

 

فيه وأحظى باللِقا والقُرْبِ
 

سفينةُ النجاةِ والسلامة
 

 

ليس على راكِبها ندامة
 

لم يَخْشَ مُنْكراً وَلا نكيرا
 

 

وَلا يخافُ في غدٍ سعيرا
 

 

فصلٌ

في قول الشعر فيهم  عليهم السلام

وإنَّ من ولاءِ أهلِ الذِكرِ
 

 

نَظْمَ القريضِ فيهم والشِعْرِ
 

مدحاً رِثاءً ندبةً توسلا
 

 

أُجْمِلَ من مقالةٍ أوْ فُصِّلا
 

نَزِّههمُ عن وصف ذي الجلالِ
 

 

وَقُلْ بِهمْ ما شِئْتَ من مقالِ
 

فضلاً علاً مجداً تقىً جلالا
 

 

علماً هدىً زُهداً ندىً كمالا
 

صُغْ فيهمُ اللؤلؤَ والدّراري
 

 

وانظِمْ نجومَ الليلِ في الأقمارِ
 

ففيهمُ من قالَ بيتَ شِعْرِ
 

 

كانَ له بذاك خيرُ أَجْرِ
 

يُبْنى له في واسعِ الجِنانِ
 

 

بيتٌ له رَبُّ العِبادِ باني
 

مُؤَيَّداً يغدُو بروحِ القدسِ
 

 

يُصْبِحُ في تأييده وَيُمْسي
 

وفي كتابِ الله خيرُ قدوةْ
 

 

في مدحِ أهلِ الذِكْرِ والنُبوَّةْ
 

ما قالَ فيهم مؤمِنٌ من شعرِ
 

 

يَمْدَحُهمْ في نَظْمِه وَيُطْري
 

إلاّ بنى الله له في الجنةْ
 

 

مدينةً بالخير مُطْمَئِنَّةْ
 

أوسعَ من دُنْياكُمُ مِرارا
 

 

تَغْدو بها الرُّسْلُ لَه زُوّارا
 

وَقد هداني خالقي ذو اللُّطْفِ
 

 

لِنَظْمِ بَعْضِ ما جرى في الطَّفِّ
 

وإنْ يكُنْ لمْ يخلُ مِنْ قُصورِ
 

 

لاَ يُتْرَكُ الميسورُ بالمعسورِ
 

أرْجو قبولَ ذاك لا لُحسْنِه
 

 

مِنْ خالقي بَلْ لِعَميمِ مَنّه
 

وآلُ بيتِ المصطفى وَسائلي
 

 

هم فوزُ كلِ طالبٍ وَسائلِ
 

 

فصلٌ

في استحباب عقد المآتم وجملة من الآداب الشرعية

جديرةٌ بالفضلِ والثناءِ
 

 

مَآتِمٌ تُعْقَدُ للعزاءِ
 

تُقيمُها الرِّجالُ والنساءُ
 

 

تَدْعُو إليها الحُبُّ والولاءُ
 

مُصابُ أَهلِ البيتِ فيها يُذْكَرُ
 

 

وذَنبُ مَنْ يبكي عليهمْ يُغْفَرُ
 

يُنْشَرُ فيها ذِكرُ أَهلِ الذِكْرِ
 

 

يحيا بها أمْرَ وُلاةَ الأَمْرِ
 

يُلْعَنُ فيها الجبتُ والطاغوتُ
 

 

ومُنْكِرُ الولايةِ الممقوتُ
 

مَجالسٌ قال الإِمامُ مُعْلنا
 

 

إِني أُحِبُّها فأَحْيُوا أَمْرَنا
 

دَعا لِمُحْي أَمْرهمْ بالرّحمةْ
 

 

فيا لَها من مِنَّةٍ ونِعْمَةْ
 

عليك بالبذلِ وحُسْنِ الخُلْقِ
 

 

لِقاصدِيها من جميعِ الخَلْقِ
 

وبالصغيرِ ارفُقْ وبالكبيرِ
 

 

وَوقِّرِ الجديرَ بالتوقيرِ
 

عَظِّمْ شِعارَ الْحُزْنِ والمُصابِ
 

 

على أَبي الأئمةِ الأَطيابِ
 

عَظِّمْه بالمشروعِ مهما تَسْتَطِعْ
 

 

ولا تُعَظِّمْه بغيرِ ما شَرعْ
 

فالسبطُ لا يرضى بأنْ يُعَظَّما
 

 

بما يكُون فِعْلُه مُحَرَّما
 

وإنه في كلِّ حالٍ تُجْتنَبْ
 

 

آلاتُ لَهوٍ وغناءٍ وَطَرَبْ
 

فاحْذَرْ بأنْ يَخْدَعَكَ الشيطانُ
 

 

حتى يكونَ رِبْحَكَ الخُسْرانُ
 

والضِّحْكَ والمزْحَ اجْتَنِبْ والهزَلا
 

 

فيها وَرَدِّدْ قولَ لا حول ولا
 

وأمُرْ بسقي الماءِ واللَعْن على
 

 

مَنْ منعَ الماءَ غريبَ كرْبلا
 

فاذكُرْه والعَنْ قاتليه مَهما
 

 

تَشْرَبْ تَنَلْ خيراً وأَجْراً جَمَّا
 

ولا يكنْ قصدُك في الأَعمالِ
 

 

غيرَ امتثالِ أَمْرِ ذي الجَلالِ
 

وَاجْهدْ بأنْ يَسْلَمَ مِنْكَ الْعَمَلُ
 

 

مِنَ الرِّياءِ فالرياءُ مبطلُ
 

ومن أَرادَ سُمْعَةً أو شُهرَةْ
 

 

أَحْبَطَ في دارِ الجزاءِ أَجْرَه
 

ولا أرى بِضَمِّ أَمْرٍ راجحِ
 

 

بَأْساً كَنَفْعٍ لِتَقيٍّ صالحِ
 

ولا بضَمِّ قاصدٍ لِمَأتمِ
 

 

زيارةً لمؤمنٍ أَو رَحِمِ
 

ولا يكُنْ من قَصْدِكَ المُفاخَرَة
 

 

ففيه خُسْرانُ ثوابِ الآخرةْ
 

 

فصلٌ

في آداب القراءة والقرّاء وفقهم الله

بالصدقِ والإخلاصِ في القراءةْ
 

 

يلقى من الخيرِ امرُؤً جزاءه
 

فليس من أَجْرٍ ولا خَلاصِ
 

 

إلاّ لأهلِ الصِدق والإخلاصِ
 

إياكَ منْ نَقْلِ حديثٍ أَوْ خَبَرْ
 

 

لمْ يُرْوَ في مَتْنِ كتابٍ مُعْتَبَرْ
 

وإنْ عَلِمْتَ الأَمْرَ فانقُلْ ما وَرَدْ
 

 

وَلوْ بغيرِ لفظِه ولا تَزِدْ
 

أَفْصِحْ وجئْ بأَحْسَنِ الأَصواتِ
 

 

وَقِفْ على أَواخرِ الأبياتِ
 

وكيف شئتَ أقْرأْ لإِدراكِ المُنى
 

 

إِنْ لم يَصِلْ ذاكَ إِلى حَدِ الْغِنا
 

قامَ على تحريمه الإِجماعُ
 

 

وحيثُ يُعْصى الله لا يُطاعُ
 

وَاحذَرْ من التحريفِ والألحانِ
 

 

وَخُذْ مِنَ العارفِ باللسانِ
 

واقرأْ من النحوِ ومِنْ عِلْمِ الأَدَبْ
 

 

شيئاً به تَعْرِفُ أَقوالَ الْعَرَبْ
 

تدري به إِنْ قلتَ ما تقولُ
 

 

وما هو المرْدودُ والمقبولُ
 

وَأَقْبَحُ العيوبِ في اللسانِ
 

 

عند الأديبِ وَصْمةُ الإِلحانِ
 

تَنْشَأُ منه سيّئاتٌ جَمَّة
 

 

كِذْبٌ وتحريفُ مَقالٍ عُجْمَة
 

وبعدَ هذا كُلِّه عليكَ أَنْ
 

 

تَلْحَظَ حالَ الحاضِرينَ والزَمَنْ
 

فتقرأُ الأَلْيَقَ بالمقامِ
 

 

وما هو الأَحْرى مِنَ الكلامِ
 

وراعِ في ذلكَ حالَ الأكثرِ
 

 

وَما بِه يَكْثُرُ نَفْعُ الحُضَّرِ
 

وفَّقَكَ الله إلى النجاحِ
 

 

والفوزِ بالصلاحِ والفلاحِ
 

 

فصلٌ

في فعله عليه السلام

كان عليماً بمصيرِ الحالِ
 

 

وبالذي يجري منَ الأهوالِ
 

مكلَّفاً بما عليه اعْتَمَدا
 

 

بقتله في الله قدْ تَعَبَّدا
 

وماضياً فيما به قدْ أُمِرا
 

 

منْ جدِّه وهوَ بهذا أَخْبَرا
 

وإِنّ أعلا رُتَبِ السعادةْ
 

 

للمرءِ نيلُ شَرَفِ الشهادَةْ
 

فهو نجاةٌ للفتى لا تَهلِكَه
 

 

والفوزُ والبشرى لِمَنْ قَدْ سلَكَه
 

فما لِـ[لا تُلْقُوا] هنا مَجالُ
 

 

وَلَوْ جَرَتْ لم يُكْتَبِ القِتالُ
 

وَكُلَّما يَفْعَلُه المعصومُ
 

 

فهوَ صوابٌ نَهجُه قويمُ
 

وَالدينَ لو لا ما جَرى مما جَرى
 

 

مِنْ قَتْلِه لم نرَ منه أَثَرا
 

فهوَ الذي بقتله أَحياه
 

 

وَكادَ أنْ تُمِيْتَه أَعداه
 

 

فصلٌ

في ذكر شهر المحرَّم الحرام

مُحَرَّمٌ فيه الهنَا مُحَرَّمُ
 

 

وَالحُزْنُ فرْضٌ والبُكا مُحَتَّمُ
 

شهرٌ به الإيمانُ ثُلَّ عَرْشُه
 

 

وَالكُفْرَ بالإسلامِ بانَ بَطْشُه
 

هلالُه قَوْسٌ رمى قلبَ الهدى
 

 

والدينِ في سْهم الحتوف والردى
 

قد كان عند الكفرِ والإسلامِ
 

 

فيه القتالُ أعظم الآثامِ
 

وآلُ حربٍ حاربوا ربَّ السما
 

 

فيه وحللوا الدّمَ الْمُحَرَّما
 

وانتهكوا حُرْمَةَ ساداتِ الْحَرَمْ
 

 

وارْتَكَبوا ما أَمْطَرَ السماءَ دَمْ
 

يا آلَ حربٍ لا لقيتمْ سِلْما
 

 

ولا وُقِيتُمْ مِنْ لِسانٍ ذَمّا
 

لُعِنْتُمُ في الأرضِ والسماءِ
 

 

على لسانِ جملةِ الأحياءِ
 

بُشراكُمُ بالوَيلِ والثبورِ
 

 

وبالعذابِ يَوْمَ نَفْخَ الصُّوْرِ
 

كم حُرَّةٍ للمصطفى هتَكْتُمُ
 

 

وكم دَمٍ لوُلْدِه سَفكتُمُ
 

يا أُمَّةَ الخِذْلانِ والكُفْرانِ
 

 

وَعُصْبَةَ الضلالِ والشيطانِ
 

بأي عينٍ تبصرونَ جَدَّه
 

 

وَقد فعلتُمْ ما فعلتُمْ بعده
 

جَزَرْتُمُ جَزْرَ الأضاحي نسله
 

 

وسقتُم سوقَ الإماءَ أهلَه
 

نسيتم إحسانَ يومَ الفتحِ
 

 

نَسِيتمُ فيه جَميلَ الصَفْحِ
 

قد كنتم لولا بدورُ هاشمِ
 

 

سِرّاً يضيعُ في ضِلُوعِ كاتمِ
 

بهم تسنمتُمْ ذُرى المنابرِ
 

 

كما عَلوْتُم صَهوةَ المَفاخرِ
 

 

فصلٌ

في سبب خروج الحسين عليه السلام  من المدينة

لما دنا الهلاك مِنْ مُعاوية
 

 

وَقامَ بالأمرِ يزيدُ الطاغية
 

منَّته نَفْسُه بأخذِ البيعةْ
 

 

وهي ضلالٌ للورى وَضيعةْ
 

وما كفاه ذاك حتى رامها
 

 

ممن له ألقى الهدى زِمامَها
 

من لا يدانيه عُلاً ومفخرا
 

 

إلا كما دانى الحضيضُ القَمَرا
 

الله ما أعظَمَها صَلافةْ
 

 

مثلُ يزيدٍ يدعي الخلافةْ
 

أفي زناه أم بشربِ خمره
 

 

أم بفسوقه وخُبْثِ نَجْرِه
 

وانظر رعاكَ الله ممن يطلبُ
 

 

ممن يرومُ إِنَّ هذا أَعْجَبُ
 

أطمَعَه في أمرِها أبوه
 

 

فهو بكلِ باطلٍ يقفوُه
 

واللومُ والعارُ لتلك الأمّة
 

 

كيف اغْتَدَتْ بمثلِه مُؤْتَمّة
 

دعا إلى بيعته الوليدُ
 

 

قالَ لهم إِمامُكُمْ يزيدُ
 

وأحضَرَ السبطَ لهذا الأمرِ
 

 

فقال ذا لا ينبغي في السرِّ
 

لا تصلُحُ البيعةُ إلاّ عَلَنا
 

 

فإِنْ دَعْوتَ الناسَ صبحاً فادْعُنا
 

فقال مروانُ وأبدى غَدْرَه
 

 

لا تقبلنْ من الحسين عذرَه
 

خُذْ منه طوعاً بيعةً مُحَقَّقَةْ
 

 

وإنْ أبى البيعةَ فاضربْ عُنُقَه
 

فَأَغْضَبَ الحُسينَ في كلامِه
 

 

وفي تجرِّيه على إِمامِه
 

قالَ له كذبتَ يا بنَ الزرقا
 

 

وَما ادَّعَيْتَ ما ادَّعَيْتَ حقا
 

ونحنُ أهلُ البيتِ وَالرِّسالة
 

 

ومعدنُ التنزيلِ والدّلالة
 

قدْ فَتَحَ الله بنا وَقَدْ ختمْ
 

 

وَأَخْرَجَ الوجودَ من كتم العَدَم
 

وإنما يزيدُ رِجسٌ فاسِقُ
 

 

شارِبُ خمرٍ ظالمٌ مُنَافِقُ
 

فانظُرْ وَنَنْظُرْ أيُّنا الأَحَقُّ
 

 

وَمنْ لهذا الأمرِ يَسْتَحِقُ
 

 

فصلٌ

في خروجه عليه السلام  إلـى مكة المشرفة

فلمْ يجد بداً من الخرُوجِ
 

 

خوفاً من الطُّغام والعلُوجِ
 

فسارَ ظاعناً من المدينةْ
 

 

لكي يصون نَفْسَه وَدينَه
 

بأَي شرعٍ سِبْطُ طه يخرَجُ
 

 

يَفِرُّ من ديارِه وَيُزْعَجُ
 

وَطِيبَةٌ طابَتْ بهم أرجاؤها
 

 

وَشُرِّفتْ بجَدِّهم بطحاؤها
 

قد أخرجوه مِنْ جوارِ جدِّه
 

 

مُشرَّداً بأهلِه ووُلْدِه
 

إلى حِمى الله التجا لِيحتمي
 

 

وَهوَ أمانُ مكةً والحَرَمِ
 

ما البيتُ ما الكعبةُ ما أركانُه
 

 

هم قبلةُ البيتِ وَهم أمانُه
 

ما الركنُ ما الحطيمُ ما المشاعرُ
 

 

هم باطنُ الأمرِ وَذاك الظاهرُ
 

فكلُّها لو عَلِموا أشباحُ
 

 

وهم لها دونَ الورى أرواحُ
 

وقد أتتْه كتْبُ أهلِ الكوفة
 

 

لكنَّها بغَدرِهمْ محفوفة
 

صحائفٌ قد رُقِمَتْ بالغدرِ
 

 

وأسْطُرٌ قد أُعْجِمَتْ بالمكرِ
 

أعطوْه فيها العهدَ والميثاقا
 

 

وأظهروا الطاعةَ والوفاقا
 

قالوا له: أينعتِ الثمارُ
 

 

وأخْصَبَ الجنَابُ والمزارُ
 

أَقبِلْ فإنَّا جندُك المجنَّدُ
 

 

قد كَمُلَتْ عدّتُنا والعددُ
 

فَأرْسَلَ ابنَ عمِّه إليهمُ
 

 

وليس فيهم وحسينٍ مُسْلِمُ
 

فأسلموه للردى والأسْرِ
 

 

وانصرفوا عنه بغيرِ عُذرِ
 

أين الوَفا والدينُ والذِّمامُ
 

 

أين الحَيا والصدقُ والإسلامُ
 

أين المواعيدُ وأين الكُتُبُ
 

 

ما خِلتُ هكذا يكونُ الكَذبُ
 

 

فصلٌ

في ذكر مصرع مسلم بن عقيل  رضي الله عنه

نَفسِي الفِداءُ لقتيلٍ صَبْرا
 

 

بكى له السِبْطُ بعَينٍ عَبْرى
 

خَيرُ سَليلٍ مِنْ بَني عَقيلِ
 

 

من هاشمٍ من أَشْرَفِ القَبِيلِ
 

قَضّى الذي كانَ عليه وقَضى
 

 

فَفَازَ بالأَجْرِ الجَليلِ والرِّضَا
 

لو كانَ في الكوفةِ غيرُ مسلمِ
 

 

من مسلمٍ ما ضَرَّجوه بالدّمِ
 

قد نَقَضُوا ما كانَ أبرَمُوه
 

 

وافْتَرَقُوا عنه وأَسْلَمُوه
 

أمْسَى بغيرِ ناصرٍ وَمُنْجِدِ
 

 

ولا امرئٍ به الطَريقَ يَهتَدِي
 

فسارَ حتى جاءَ بابُ طوْعَة
 

 

وَقَدْ عَرَتْه حَيْرةٌ وَرَوْعَة
 

قالَ لها هلْ أَنتِ لي مُجِيْرَة
 

 

فليسَ لي في المِصْرِ منْ عَشِيرَة
 

قالَتْ أَأنْتَ مُسْلِمٌ قالَ أَجَلْ
 

 

فقالتِ ادخُلْ بيتَ داري فَدَخَلْ
 

فلمْ يَذُقْ في بيتِها طَعاما
 

 

وعينُه ما عَرَفَتْ مَناما
 

دلَّ عليه الفاسقُ ابن الأشْعَثِ
 

 

قُبِّحَ منْ عاتٍ ظَلُومٍ أَخْبَثِ
 

ومُسْلِمٌ لمّا أَحَسَّ بالطَلَبْ
 

 

ثم رأى عَدُوَّه منه اقْتَرَبْ
 

صالَ عليهمْ صَولَةَ الآسادِ
 

 

وهوَ بأعْلى صَوتِه يُنادي
 

أقْسَمتُ لاُ أُقْتَلُ إلاّ حُرّا
 

 

وإنْ رأيْتُ المَوْتَ شَيْئاً نُكْرا
 

وَبعدَ أَنْ سَقاهمُ الحِتُوفا
 

 

وَفَرَّقَ الجُموعَ والصِفُوفا
 

تكاثَروا وا أَسَفاً عليه
 

 

وبادَرُوا بجَمعِهمْ إليه
 

ثمَّ غَدَوا يَرمُونَه بالنارِ
 

 

وبالحِجارِ مِنْ أَعالي الدّارِ
 

وبعدَ أَنْ أُثْخِنَ بالجراحِ
 

 

وكادَ أَنْ يَهوى على البِطاحِ
 

قالُوا لَكَ الأَمانُ وهوَ مِنْهمُ
 

 

غَدْرٌ وفيه كانَ يَدْري مُسلِمُ
 

لكِنْ فَما الحِيلَةُ ما التَدْبِيرُ
 

 

وما لَه عَونٌ ولا نَصِيرُ
 

بَكَى وما كانَ بُكاه إلاّ
 

 

على الحسيِن وكفاه فَضْلا
 

ورامَ منهم جُرعَةً مِنْ ماءِ
 

 

يُطْفي بها حَرارةَ الأَحْشاءِ
 

فقالَ كَلْبٌ لم تَلِدْه حُرَّة
 

 

والله لا تَذُوقَ منه قَطْرَة
 

وَقد جَرى مِنَ الكَفُورِ المُلْحِدِ
 

 

نغلِ زيادٍ الظَلُومِ المُعتَدِي
 

ما قد جَرى من فاحِشِ الخِطابِ
 

 

ومِنْ قَبِيحِ الرّدِ والجَوابِ
 

وَغيرُ ضائرٍ عَواءُ الكَلبِ
 

 

إذا عَوَى على النُجُومِ الشُّهبِ
 

وكيفَ يُرْجى منْ عَدوِ الله فيِ
 

 

وَليِّه شيءٌ مِنَ التَعطف([26])
 

قد صَعَدُوا به لأَعْلَى القَصْرِ
 

 

يَلْهجُ باسْتِغفارِه والذِكْرِ
 

ثمّ رَمَوا بجسْمه المُطهَّرِ
 

 

مِنْ بَعدِ قَتله بسَيفِ الأَحْمَرِي
 

رُزْءٌ بَكى السِبْطُ له واسْتَعْبَرا
 

 

الله ما أَعْظَمَه وَأَكْبَرا
 

وأَخْرَجُوا ابنَ عُروَةٍ منْ حَبْسِه
 

 

فقالَ وهو آيسٌ منْ نفسِه
 

وا مذحجاً وأينَ مِني مَذْحَجُ
 

 

هل بطَلٌ مُسْتَلئِمٌ مُدَجَّجُ
 

فلم يُجِبْ نِداءَه مُجِيبُ
 

 

ولم يَغِثْه الخِلُّ والقَرِيبُ
 

جَزاه ربُّ الخَلْقِ عَنْ وَلائِه
 

 

بما جَزَى خُلَّصَ أَوْليائِه
 

 

فصلٌ

في خروجه عليه السلام  من مكة إلـى العراق

وَلمْ أخَلْ من عادةِ الليالي
 

 

أن تَحكُمَ العبيدُ في المَوالي
 

قدْ ضَيّقُوا الدُنيا بِمَنْ لَوْلاهمُ
 

 

لم يَخْلُقِ الله لهم دُنياهمُ
 

مِثلُ الحُسَينِ خائفاً يُشَرَّدُ
 

 

وابنُ الطليقِ في النَعيمِ يَرقِدُ
 

حتى انْجَلى عن مَكةٍ وهوَ ابنُها
 

 

وسارَ خائِفاً وفيه أَمنُها
 

خافَ بأَنْ يُغْتالَ في ذاكَ الحَرَمْ
 

 

فتُستباحَ فيه هاتيكَ الحُرَمْ
 

والحَجُّ لمّا خافَ من إتْمامِه
 

 

بِعُمرةٍ أحَلَّ من إحْرامِه
 

أَمَّ العراقَ لَيْتَه لا أَمَّه
 

 

وليتَ أن الله عفَّى رَسْمَه
 

وَقالَ فيما قالَ خُطَّ المَوتُ
 

 

على البرايا ليسَ منه فَوْتُ
 

كأنَّ أَوْصاليَ تُرمى في الفَلا
 

 

بينَ النواوِيسِ وبينَ كَربلا
 

إنَّ رِضا الله رِضانا نَصْبِرُ
 

 

بما جَرى به القَضا والقَدَرُ
 

مَنْ كانَ فِينا باذِلاً مُهجَتَه
 

 

وَمُخلصاً لربّه نِيَّتَه
 

على لقاءِ الله قدْ تَوَطَّنا
 

 

فَلْيَرْحَلَنَّ مُصْبِحِينَ مَعَنا
 

فسارَ في أَصْحابِه مُجِدَّا
 

 

يقطعُ حَزْناً ويجوبُ وَهدا
 

وَهوَ عليمٌ بمَصِيرِ الأَمْرِ
 

 

وما عليه في العراقِ يجري
 

وإن غَدَتْ قلُوبُ أهلِه مَعَه
 

 

لكِنْ رماحُهمْ إليه مُشْرَعَةْ
 

وَلو أرادَ مَحْوَهمْ مَحاهمُ
 

 

عن صفحةِ الكونِ وما أبقاهمُ
 

قد نَزَلَتْ ملائِكُ السماءِ
 

 

في عددٍ جَلَّ عن الإحصاءِ
 

والجِنُّ من شِيعَته قد جاؤوا
 

 

ليقتِلُوا أَعداه لو يَشاءُ
 

لكنّه اخْتارَ لقاءَ ربِّه
 

 

على اخْتِيارِ نَصْرِه في حَرْبِه
 

وَقالَ ما مَعْناه إنَّ مَصْرَعي
 

 

هناكَ لا شكَ وأصْحابي مَعِي
 

من ذا يَكُونُ ساكناً في بُقْعَتي
 

 

وكيف تغدو مَعْقِلاً لشِيعَتي
 

والله قَدْ شاءَ بأَنْ يَراه
 

 

مُخَضِّباً بالطّفِ في دِماه
 

وَأَنْ يَرى نِساءَه سَبايا
 

 

في الأَسْرِ فوقَ هزَّلِ المَطايا
 

فأَسْرَعُوا والموتُ فِيهمْ يُسْرِعُ
 

 

إلى جِنانٍ هيَ نِعْمَ المَرْجِعُ
 

قالَ لَه الأَزْدِيُّ في الطَرِيقِ
 

 

يا ابنَ النبي المُصْطفى الصِدِّيقِ
 

ماذا دَعاكَ اليومَ للرَحِيلِ
 

 

عن حَرَمِ الإله والرسولِ؟
 

قالَ: صَبرتُ والإله الحَكَمُ
 

 

إذ أخذوا مالي، وعِرْضي شَتَمُوا
 

وأنَّهمْ سَفْكَ دَمي قدْ طَلَبوا
 

 

وَليسَ منْ ذلِكَ إلا الهرَبُ
 

 

فصلٌ

في سعادةِ زهير  رضي الله عنه

قدْ يُسْعَدُ المرءُ بغيرِ جُهدِ
 

 

فيرتقي أقْصى مراقي المجدِ
 

وَقدْ ينالُ ساعةً من دَهرِه
 

 

ما لم يَنَلْه المرءُ طُوْلَ عُمْرِه
 

يسوقُه التوفيقُ للنجاحِ
 

 

حتى ينالَ غايةَ الفلاحِ
 

ينالُ في الدنيا جميلَ الذِكْرِ
 

 

فخراً وفي الأخرى جليلَ الأجرِ
 

كان زُهيرٌ صاحِبَ التوفيقِ
 

 

يسايرُ الحسينَ في الطريقِ
 

وفي النزولِ يتنحى عَنْه
 

 

حتى التجا إلى الدِّنُو مِنْه
 

فجاءَه الأمرُ من الحُسَينِ
 

 

أن ائتِ نَحْوَنا أَيا بنَ القَيْنِ
 

فأَدْرَكَتْه فكرةٌ في نفسه
 

 

حتى كأنَّ الطيرَ فوقَ رأسِه
 

وَوَبَّخَتْه في التواني دَيْلَمُ
 

 

وذَاكَ منها خيرُ نُصْحٍ يُعْلَمُ
 

فعادَ بَعْدَ أَنْ مَضى مُسْتَبْشِرا
 

 

أَشْرَقَ نوراً وَجْهه وَأَسْفَرا
 

محوّلاً فِسطاطَه وَثَقْلَه
 

 

مُسْتبَدِلاً بخيرِ أَهلٍ أهلَه
 

موطِّناً لنفسه على الرَدى
 

 

وأَنْ يَكُونَ لإمامِه فِدى
 

ثم انثنى مُطلِّقاً لأهلِه
 

 

خوفَ أذىًّ يُصِيبُها مِنْ أَجلِه
 

قامت إليه وَبَكَتْ مودِّعَةْ
 

 

على فراقٍ منه لا لِقا مَعَه
 

دَعَتْ له الله بأَنْ يَكُونا
 

 

لَه على أَعدائِه مُعِينا
 

أَوصَته أَنْ يَذْكُرَها في المحْشَرِ
 

 

عند النبي المصطفى المُطَهرِ
 

 

فصلٌ

في بلوغ خبر مسلم الحسيـن عليه السلام

لمَّا أتَى السِبطُ إلى زُبالةْ
 

 

أتاه فيها خَبَرٌ قَدْ هاله
 

وَيا لَه مِنْ خَبرٍ فَظِيعِ
 

 

تَجْري له الآماقُ بالدموعِ
 

لا صَوَّتَ الناعي أَيَدْري مَنْ نَعى
 

 

وأيَّ قلبٍ للهدى قدْ صَدَعا
 

جاءَ بها قاصِمَةً للظَّهرِ
 

 

لذِكرها يُصَمُّ سَمْعُ الدَهرِ
 

قدْ قَتَلُوا خيرَ بَني عَقيلِ
 

 

بَدْرَ النَّدى ودِيْمَةَ التأمِيلِ
 

وقَتَلُوا اللَيثَ الهزَبْرَ هاني
 

 

وأَصْبحا في السُوقِ يُسْحَبانِ
 

فأَعْلَمَ الناسَ الحُسَينُ بالخبرْ
 

 

كَيْ لا يَكونَ سيرُهمْ على غَرَر
 

وَقالَ مَنْ أحَبَّ في غَيرِ حَرَجْ
 

 

فَلْيَمضِ عنا سالِكاً في أيِّ فَجْ
 

شِيعَتُنا قَدْ شايَعَتْ أَعداءَنا
 

 

وأهرَقَتْ بغَدْرِها دِماءَنا
 

فانْصَرفَتْ عنه ذوو الأَطْماعِ
 

 

وَمَنْ أَتى للفَوزِ بالمَتاعِ
 

تَفَرّقوا عَنه وَلمْ يَبْقَ مَعَه
 

 

إلاّ الذي مِنْ طَيْبَةٍ قدْ تَبِعَه
 

وَنَفرٌ مِنْ غَيرِهمْ يَسيرُ
 

 

قَلّوا عِداداً وَهمُ كَثِيرُ
 

همْ خَيرُ أَصحابٍ وَخيرُ عُدَة
 

 

أهلُ الحِفاظِ والوَفا والنَجْدَة
 

بِمُهجَتي أَفْدِيهمُ مِنْ صَحْبِ
 

 

ليوثِ حَربٍ وغُيوثِ جَدْبِ
 

مِنهمْ ذوو الفَخرِ بَنو عَقيلِ
 

 

الطالِبونَ بدَمِ القَتيلِ
 

قد أَقسَمُوا لا نَرجَعَنَّ حتىْ
 

 

نُصِيبَ ثأراً أو نَذُوقَ مَوتاْ
 

والسبطُ قالَ بَعدَ هؤُلاءِ
 

 

لا خَيرَ في العَيشِ ولا البَقاءِ
 

 

فصلٌ

فيما جرى عند لقائه عليه السلام  الحر  رضي الله عنه

انْظرْ بعَينِ الفِكرِ والبَصيرة
 

 

ما لِلإمامِ مِنْ جَمِيلِ السِيرَة
 

ما حلَّ أمرٌ مِنْ جَليلِ الخَطْبِ
 

 

إلاّ تلقّاه بصَدرٍ رَحْبِ
 

كانَ مَعَ الصَفوَةِ مِنْ شِيعَتِه
 

 

وَأهله والغُرُّ مِنْ أُسْرَتِه
 

فَصادَفَ الحُرَّ بيومٍ شامِسِ
 

 

يَصْحَبُه زُهاءُ أَلفِ فارسِ
 

جاؤُوا إليه وَهمُ أَعداءُ
 

 

ولم يَبِنْ مِنْهمْ لَه وِلاءُ
 

جادَ لَهمْ على ظَماً بالماءِ
 

 

حتى ارْتَووا بأَحْسَنِ الرِّواءِ
 

وَغادرَ العَطْشى مِنَ الأَفْراسِ
 

 

تَشْرَبُ بالقِصاعِ والطِساسِ
 

وقَدْ جَرى لَه معَ المُحارِبي
 

 

من سَعَةِ الخُلْقِ ولِيْنِ الجانِبِ
 

قامَ بنَفْسِه إلى السِقاءِ
 

 

حتى سَقاهمْ مِنْ زُلالِ الماءِ
 

يا سعدُ صرِّحْ ليَّ بالجوابِ
 

 

وأوضِحِ الحقَّ ولا تُحابيِ
 

أَمِثْلُه وَهوَ ابنُ ساقي الكَوثَرِ
 

 

وَمالكِ الحوضِ بيومِ الْمَحْشَرِ
 

يَصْدُرُ ظمآنَ الفؤادِ صادِي
 

 

وقد أُبيحَ الماءُ للورَّادِ
 

أَمِثْلُه يَحُقُّ للفُجَّارِ
 

 

أنْ يمنَعُوا عنه الفُراتَ الجاري
 

ويُظْمِئوا عِيالَه وأَهلَه
 

 

ويُعْطِشوا رَضيعَه وطِفْلَه
 

وهلْ مِنَ العَدلِ أَوِ الإنصافِ
 

 

من عُصبةِ الضلالِ والخِلافِ
 

أن يَقْلِبوا لِمْثلِه ظَهرَ الْمِجَنْ
 

 

ولا يُقابِلُوا الحُسَينَ بالحَسَنْ
 

مِنْ بَعدِ ما أنْ كَتَبوا ما كَتبَوا
 

 

وأَوْجَزُوا في قولِهمْ وأَطْنَبوا
 

قَدْ طَلَبوا قُدُومَه أيَّ طَلَبْ
 

 

وأَظْهرُوا مِنَ الوَلاءِ ما أَحَبْ
 

فجاءَهمْ مُلبِّياً مُجِيبا
 

 

يَطْوِي الفلا ويَقْطَعُ الشُعوبا
 

لأَنْ يَكُونَ كَالأَبِ الشَفيقِ
 

 

يَهدِيهمُ لواضحِ الطَريقِ
 

يَدفَعُ عنهمْ كُلَّ جَورٍ وَعَنا
 

 

لِيَبْلغُوْا في الدِّينِ والدُّنْيا المُنى
 

حتى إِذا ما حَلَّ في دِيارِهمْ
 

 

مُؤَمِّلاً للفوزِ بانتِصارِهمْ
 

وكانَ فيما بَينَهمْ كَالضَيفِ
 

 

كانَ قِراه منهمُ بالسَيْفِ
 

ولَيتَ أنَّ القَومَ لمَّا كانوا
 

 

على خِلافِ ما لَه أَبانُوا
 

لمْ يَمْنَعُوُه السَيرَ في الطّريقِ
 

 

ويَأخذُوا عَليه بالمَضِيقِ
 

يَعُودُ مِنْ حَيثُ أَتاهمْ قافِلا
 

 

لا يَبْتَغي مِنهمْ سِواها نائِلا
 

قالوا: أَتى الأَمرُ مِنَ الأَميرِ
 

 

بمَنْعِكَ اليومَ مِنَ المَسِيرِ
 

فأَنْزَلوا الحُسَينَ بالعَراءِ
 

 

بغيرِ ماءٍ وبِلا كَلاءِ
 

فَقامَ في أصحابِه خَطيبا
 

 

ولم يكنْ في الأَمْرِ مُسْتَرِيباْ
 

قالَ: أَلا تَرَوُنَ ما قَدْ نَزَلا
 

 

وما عَرَا مِنَ الخُطُوبِ والبَلا
 

ولا أَرى الحيَاةَ إلا بَرَما
 

 

والموتَ إلاّ راحةً وَمَغْنَما
 

أَدبرَتِ الدُنيا وقَدْ تَنَكَّرتْ
 

 

وعَنْ قديمِ حالِها تَغيَّرتْ
 

لم يبقَ من نَعيمِها إلا الوشَلْ
 

 

وغَيرُ عيشٍ مُستَهانٍ مُبْتَذَلْ
 

لا يتَناهونَ بِها عنْ باطلِ
 

 

وكُلُّهمْ بالحقِّ غيرُ عامِلِ
 

فقَامَ مِنْ أَنصارِه ابنُ القَينِ
 

 

وقالَ قَولاً ما به مِنْ مَيْنِ
 

وَآثَرَ الموَتَ مَعَ الإمامِ
 

 

على الحياةِ دائِمَ الأَيامِ
 

كذا هلالٌ وبُرَيرٌ قاما
 

 

وَأَبدَيا عَزْمَاً أبي قداما([27])
 

وقد تَساوى الصَّحْبُ في الحِميّة
 

 

وفي الوَلاءِ وَخُلُوصِ النِيّةْ
 

فَسارَ بعدَ أنْ جَرَى الذيْ جَرَى
 

 

لا يَنْثَني بالعذلِ عَما أُمِّرا
 

وَالقومُ تارَةً يُسايرُونَه
 

 

وتارَةً أُخْرَى يُمانِعُونَه
 

حتى إذا ما جاءَ أرْضَ كرْبلا
 

 

وَعاذَ منْ كَرْبٍ بِها ومِنْ بَلا
 

وقال انزِلوا فَهيَ مَحَطُّ رَحْلي
 

 

وَهيَ محلُّ تُرْبَتي وَقَتْلي
 

إني عَلى عِلْمٍ بذا وخُبْرِ
 

 

حَدَّثَني جَدّي بهذا الأَمْرِ
 

 

فصلٌ

وَاعتزَلَ الحسينُ وَهو يُنْشِدُ
 

 

وَسيفُه أمامَه مُجَرَّدُ
 

يا دَهرُ أُفٍ لكَ من خليلِ
 

 

كمْ لكَ بالإشراقِ والأصيلِ
 

منْ صاحبٍ وطالبٍ قتيلِ
 

 

وَالدَّهرُ لا يَقْنَعُ بالبَديلِ
 

وَكُلُّ حيٍّ سالكٌ سَبِيلي
 

 

ما أقرَبُ الوَعدُ منَ الرَحيلِ
 

وقدْ وَعتْ هذا النشيدَ زَيْنَبُ
 

 

وَكادَ قلبَها له يَنشَعِبُ
 

قالتْ أُخَيَّ يا عزيزَ أهلي
 

 

هذا الكلامُ موقِنِ بالقتلِ
 

قالَ لها نَعَمْ أَيا أُخْتاه
 

 

قالتْ له بَعدَكَ واثُكْلاه
 

يَنْعى إليها نَفْسَه الحُسَينُ
 

 

يقوْلُ قَدْ دَنا إليَّ الْحَيْنُ
 

وشَقَّقَتْ جُيوبَها النساءُ
 

 

وقَدْ عَلا العَويلُ والبكاءُ
 

وأُمُ كُلْثومٍ غَدَتْ تُنادي
 

 

تَنْدُبُ بالآباءِ والأجدادِ
 

وا أَبَتاهُ وا محمَّداه
 

 

وَوا علياهُ ووا أخاهُ
 

تَقُولُ وا ضَيعَتَنا جميعا
 

 

بعدَك إذْ تغدوا لِقى صَريعَاْ
 

قالَ تَعَزَّيْ بعَزاءِ الله
 

 

وَفَوِّضي الأمرَ إلى الإله
 

فكلُّ مَنْ فَوقَ الثَرى لا يبقى
 

 

وإنَّ سُكَّانَ السماءِ تَفْنى
 

صبراً إذا أَنا قُتِلْتُ صَبْرا
 

 

فلا تَقُلْنَ بَعْدَ قتلي هُجْرا
 

ولا تَشُقَنَّ عليَّ جَزَعا
 

 

جَيْباً وإِنْ جَلَّ المُصابُ موقِعا
 

وَقَدْ روى المفيدُ في الإرشادِ
 

 

مُذْ سَمِعَتْ زَيْنَبُ بالإنشادِ
 

قامَتْ تجَرُّ الثَوبَ وهي حَسْرى
 

 

إلى أَخيها لا تُطيقُ صَبْرا
 

قالتْ له يا ليتَ أَنَّ موتي
 

 

أعْدَمَني الحياةَ قبلَ الفَوْتِ
 

اليومَ ماتَتْ أُمِّيَ الزَهرَاءُ
 

 

وَماتت الأُخْوَةُ والأبناءُ
 

قالَ لها وَشأنُه الكِتْمانُ
 

 

لا يُذْهبِنَّ حِلْمَكِ الشيطانُ
 

وَهوَ الذي لمْ يكُ بالجَزوعِ
 

 

ترَقرَقتْ عيناه بالدِّموعِ
 

ثم هوَتْ مَغْشيَّةً عليها
 

 

فقامَ جَلَّ صَبْرُهُ إليها
 

عنْ نَفْسِه بِنَفْسِه عَزَّاها
 

 

وبَالرِّضا والصبرِ قَدْ أَوْصاها
 

 

فصلٌ

في مجيء الجيوش والتضييق على الحسيـن عليه السلام

وَأَقْبَلَتْ جيوشُ آلِ حَرْبِ
 

 

حَتى بهمْ قدْ ضاقَ كُلُّ رَحْبِ
 

جاءَتْ له بخيلِها والرَّجْلِ
 

 

كأنَّها تَطْلُبُه بذَحْلِ
 

عشرُونَ ألفَ فارسٍ بل زادُوْا
 

 

وَالرَّاجلونَ ما لَهمْ عِدادُ
 

فضيّقوا على الحسينِ السُبُلا
 

 

وَمَنَعوه سَهلَها وَالجَبَلا
 

وَشَمّرُوا ثيابَهمْ للحرْبِ
 

 

واستسهلُوا لذاكَ كُلُّ صَعْبِ
 

حرْبٌ أثارَتْها بنو حرْبٍ لأَنْ
 

 

تُطْفِئَ نورَ الحقِّ فِيْها والسُّنَنْ
 

وَتَظْهرَ الفسادَ في البلادِ
 

 

وتَنْشُرَ الجوْرَ على العِبادِ
 

تُمِيتُ معرُوفاً وَتُحْيِيْ مُنْكرا
 

 

وَلمْ تَدَعْ لدينِ طه أَثرا
 

وَالناسُ طُرَّاً همَجٌ رُعاعُ
 

 

وَهمْ لِكلِّ ناعقٍ أتباعُ
 

ما بَرِحُوا يَسْتَسْمِنُوْنَ ذا وَرَمْ
 

 

جَهلاً ويَنْفُخُونَ في غيرِ ضَرَمْ
 

قادَهمُ شيطانُهمْ فانقادُوا
 

 

واتبعوا أهواءَهمْ فحادُوا
 

وليسَ يُجْدي نَظَرُ الأَبصارِ
 

 

إنْ عَمِيتْ بصائرُ النُظَّارِ
 

وَمُذْ بَدا من أَمْرِهمْ ما قدْ بَدا
 

 

وأَظْهروا للسبطِ حَرْباً وَعِدا
 

وَهوَ عليه أفضلُ السلام
 

 

أشْفَقُ من أُمٍّ على أيتامِ
 

صَرَّحَ بالوَعْظِ لهمْ والنُّصْحِ
 

 

لِيَسْلِكُوْا طُرْقَ الْهُدى والنُّجْحِ
 

وَلْيُبْصِروا لو أَبْصَروا الْمَحَجّة
 

 

واضحةً حتى تَتُمَّ الحُجَّة
 

قامَ أَمامَهمْ وَنادى مُعْلِنا
 

 

أَنْشُدُكُمْ هلْ تعرفوني مَنْ أنا؟
 

قالوا نعم خَيْرُ البرايا حَسَبَا
 

 

وَخيرُهمْ جَدَّاً وَأُمَّاً وَأَبا
 

آلُ النبي المصطفى وَرَهطُه
 

 

وَأَنْتَ رِيحانَتُه وَسِبْطُه
 

وهذِه عمامةُ الرَّسُولِ
 

 

وَشأنُها لمْ يكُ بالمجهولِ
 

وَقد تَقَلَّدْتَ بسيفِ المصطفى
 

 

نَعْلَمُ هذا الأمرَ ما فيه خَفا
 

قال بماذا تَسْتَحِلُّونَ دَمِي
 

 

وتَهْتِكُونَ في البرايا حُرَمي
 

وَوالدي مالِكُ حَوضِ الكَوثَرِ
 

 

يذودُ قوماً عنه يومَ المَحْشَرِ
 

وفي يمينه لِواءُ الْحَمْدِ
 

 

رَفَّ على أَهلِ الهدى والرُّشدِ
 

قالوا عَلِمْنا ذاكَ كُلَّه وما
 

 

نحنُ بتارِكِيْكَ فَلْتَقْضِ ظَما
 

وَمُذْ وَعَيْنَ ما جَرَى النِساءُ
 

 

علا عَوِيلُهُنَّ والبُكاءُ
 

فَأَمَرَ السِبْطُ بتسكيتِ النِّسا
 

 

وإِنْ أَضَرَّ الحُزْنُ فيها والأَسى
 

وَلستُ أَدرِي واللبيبُ أَدْرَى
 

 

لأمْرِهنَّ بالسكوُتِ سِرّا
 

إلاّ الحِذارَ مِنْ شَماتَةِ العِدى
 

 

فَإنَّها أَوْجَعُ مِنْ حَزِّ المُدى
 

 

فصلٌ

وأقبلَ القومُ إلى الْمُخَيَّمِ
 

 

والنارُ في الخندقِ ذاتُ ضَرَمِ
 

فَصاحَ شِمْرٌ قَدْ تَعَجَّلْتُمْ بِها
 

 

وَهوَ بِها أَحَقُّ لو تَنَبَّها
 

نادى الحسينُ رافِعا نِداه
 

 

خاطَبَهمْ وقالَ ما مَعْناه
 

يا أيها الناسُ اسْمَعوا لا تَعْجَلوا
 

 

وَبعد ذاكَ ما تشاؤونَ افْعَلُوا
 

أَلا انْسِبوني وانْظُرونِي مَنْ أَنا
 

 

وَراجِعوا أَنْفُسَكُمْ في أَمْرِنا
 

فَهلْ لَكُمْ يَصْلُحُ هتْكُ حُرْمَتي
 

 

وَهلْ لَكُمْ قَتْلي وَقَتْلُ أُسْرَتي
 

ألمْ أَكُنْ بَقِيّةَ النبيِّ
 

 

وابْنَ الوصيِّ المرتضى عَلِيِّ
 

حمزةُ عمي أَسَدُ الرّحمنِ
 

 

وَجعفرُ الطيارُ في الجِنانِ
 

أَما سَمِعْتُمْ قولَ جَدِّي فينا
 

 

واسْتَعْلِموا إِنْ رُمْتُمُ اليقينا
 

سَلوا ابْنَ عبدِ الله([28]) وابْنَ سَعْدِ([29])
 

 

لِتَسْمَعُوا ما سَمِعا مِنْ جَدِّيْ
 

أَما بِهذا حاجزٌ عن قتلي
 

 

وَهتْكِ عِرْضي وانتهابِ رَحْلي
 

وهل تشكّونَ بِأَنَّ أُمِّي
 

 

فاطمةٌ بنتُ النبي الأُمِّيْ
 

والله ما في الأرضِ غيري أَحَدُ
 

 

مَنْ أُمُّه بِنْتُ نبيٍّ يُوجَدُ
 

أتطلبوُنَنِي بمالٍ لَكُمُ
 

 

أو بقِصاصٍ أو قتيلٍ منكُمُ
 

وَأَنْتَ يا قيسُ ويا ابْنَ أبْجَرِ
 

 

أَمَا كَتَبْتُمْ تطلبونَ مَحْضَرِيْ
 

فقالَ قيسُ الظالِمُ الجهولُ
 

 

لم نَدْرِ يا حسينُ ما تقولُ
 

لكن على حُكْمِ بني العمِّ انْزِلِ
 

 

تَجِدْ مِنَ الإحسانِ خَيْرَ مَنزِلِ
 

فقالَ لا والله لا أُعْطي يَدي
 

 

ذُلاً ولا أُقِرُّ مِثْلَ الأَعْبُدِ
 

فَصَمَّمَ الْقَوْمُ على القِتالِ
 

 

واقبلوا زَحْفاً إلى النِّزالِ
 

 

فصلٌ

فقال لِلعباسِ سِرْ لِلْقَوْمِ
 

 

وَاصْرِفْهم بَيَاضَ هذا اليومِ
 

لَعَلَّنا لِرَبِنا نُصَلِيْ
 

 

في هذِه الليلةِ ذاتِ الفَضْلِ
 

وَقَدْ تَوقَّفَ ابْنُ سَعْدٍ عُمَرُ
 

 

والخيرُ مِنْ أَمثالِه لا يَظْهرُ
 

لكنَّ بَعْضَ القومِ من أتباعِه
 

 

أبْدى له الملامَ في امتناعِه
 

قالَ لَوَ انَّ غَيْرَهمْْ إلَيْنا
 

 

جاؤوا ورَامُوا ذاكَ ما أَبَيْنا
 

كيف وَهمْ أَجَلُّ ساداتِ العَرَبْ
 

 

وَهمْ سُلالةُ النبي المُنْتَجَبْ
 

فقالَ ذلِكَ الظلومُ المُعْتدي
 

 

إِنِّيَ قد أَجَّلْتُهمْ إلى غَدِ
 

والسبطُ ليلاً قد دَعا أصحابَه
 

 

مُوَجِّهاً إليهمُ خِطابَه
 

فقالَ بَعْدَ الحمدِ والثناءِ
 

 

والشكرِ للمنعِمِ ذي الآلاءِ
 

إنِّي لا أَعْلَمُ فيما أَعْلَمُ
 

 

أوْفى ولا أصْلَحَ صَحْباً منكُمُ
 

وَلستُ أَدري أَهلَ بيتٍ أَفْضَلا
 

 

مِنْ أَهلِ بيتي نَجْدَةً وَأوْصلا
 

جزاكُمُ الله جميعاً خَيْرا
 

 

وَلا رأيتُمْ ما حَيِيْتُمْ ضَيْرا
 

ألا وإنِّي قد أَذِنْتُ لَكُمُ
 

 

فانطلِقوا لا عَهدَ لي عليكُمُ
 

والليلُ قد أَجَنَّكُمْ وَأَقْبَلا
 

 

فاتَّخذوه لِلنَّجاةِ جَمَلا
 

والقومُ لا يَبْغُونَ غيري أحَدا
 

 

فارتحِلوا لِتَسْلَمُوا من الرَّدى
 

فابْتَدَأ العبّاسُ في مقالِه
 

 

وقد جرى الصَّحْبُ على مِنْوالِه
 

قالوا جميعاً: ولماذا نَفْعلُ
 

 

نَظَلُّ أَحياءً وَأَنْتَ تُقْتَلُ
 

فلا أرانا الله ذاكَ أَبَدا
 

 

وَليتَ أَنَّا لكَ قدْ صِرْنا فِدا
 

قالَ مُخاطِباً بني عقيلِ:
 

 

حَسْبُكُمُ مُسْلِمُ مِنْ قتيلِ
 

وَعندَ ذا تكلّموا جميعا
 

 

وَقَدْ أَبَوا عنْ عَزْمِهمْ رُجوعا
 

وَأقسَموا أنْ لا يُفارِقوه
 

 

يومَاً وبالأَنْفُسِ أنْ يَقُوه
 

فالعيشُ من بعدِ الحسينِ يَقْبُحُ
 

 

وبَعدَه الحياةُ ليست تَصْلُحُ
 

ثم تلاهمْ مُسْلِمُ بْنُ عوسَجَةْ
 

 

قالَ مقالاً صادِقاً ما أبْهجَه
 

نحنُ نُخَلِّيكَ كذا وَنسري
 

 

وَقَدْ أحاطَ فيكَ أهلُ الغدرِ
 

ما العذرُ عند الله في أداءِ
 

 

حَقِّكَ وَهوَ أَوْجَبُ الأشياءِ
 

لأحْفَظَنَّ غيبةَ الرسولِ
 

 

بالنفسِ والكثيرِ والقليلِ
 

لو لم يكنْ معي سلاحٌ أبدا
 

 

قَذَفتُهمْ بالصخرِ حتى يَنْفَدا
 

سبعينَ مرَّةً لَوَ انِّيْ أُقْتَلُ
 

 

أُحْرَقُ مِثْلَها بنارٍ تُشْعَلُ
 

ثم أُذرّى بَعْدُ في الهواءِ
 

 

ما مِلْتُ عنْ نَصْري ولا ولائي
 

فكيفَ وهي قتلةٌ وبعدها
 

 

كرامةٌ خالِقُها أَعَدَّها
 

وَقامَ بعد مسلمٍ زُهَيْرُ
 

 

وَكُلُّهمْ يُؤْمَلُ فيه الخيرُ
 

قالَ: ودِدْتُ لو قُتِلتُ ألفاً
 

 

وَيدفعُ الله بذاكَ الحَتْفا
 

عنكَ وعَنْ فتيانِكَ الأبرارِ
 

 

ذوي الإبا والعزِّ والفَخَارِ
 

تكلَّمَ الباقونَ منْ أصحابِه
 

 

وَالكُلُّ قدْ أجادَ في جوابِه
 

قالوا له: أَنْفُسُنا لكَ الفِدا
 

 

نقيكَ بالأرواحِ مِنْ بأسِ العِدى
 

فإنْ قُتِلنا فَلَقَدْ وَفَّيْنا
 

 

وقدْ قَضَيْنا لَكَ ما عَلَيْنا
 

 

فصلٌ

فيما جرى لمحمد بن بشر الحضرمي  رحمه الله

وقَدْ أتَى لِلْحَضْرِمي الخبَرُ
 

 

أَنَّ الأعادِي لاِبْنِهِ قدْ أَسَرُوْا
 

قالَ قَدِ احْتَسَبْتُه ونَفسي
 

 

عندَ إِلهِيْ إِذْ أَحُلُّ رَمْسِيْ
 

ما كنتُ أهوى بعده بقائي
 

 

وهو أسيرٌ في يَدِ الأعداءِ
 

دعا لَه سِبْطُ الهدى بالرَّحمةْ
 

 

لما رأى أمْرَ ابنِه أَهمَّه
 

قالَ له: مِنْ بيعتي في حِلِّ
 

 

أنت فَسِرْ ولا تُقِمْ مِنْ أَجلي
 

وَاطلبْ نجاةَ ابنِكَ مِنْ هلاكِه
 

 

واعمَلْ بما يُجديكَ في فِكاكِه
 

قالَ السباعُ أكَلَتني حَيّا
 

 

إنْ رُمْتُ عنكَ مَوْضِعاً قَصِيا
 

فانظرْ رَعَاكَ الله ما أوْفاه
 

 

وما أَبرَّه ومَا أتقاه
 

وهكذا فَليكُنِ الإيمانُ
 

 

والحبُ والوفاءُ والعرفانُ
 

لَمْ يعتذرْ وَعُذْرُه مَقْبوُلُ
 

 

وما انْثَنى ورَزْؤه جليلُ
 

مَضَى مضاءَ الصارم الصقيلِ
 

 

في طاعَةِ المهيمنِ الجليلِ
 

عنْ ابنه وهو أسيرٌ أَعْرَضا
 

 

وفوَّضَ الأمرَ إلى ملكِ الفَضا
 

لَمْ يفتتنْ قطُ بتلك المِحْنَةْ
 

 

والوِلد للأَبِ العَطوُفِ فِتْنَة
 

حقٌ بأنْ نرْثي لمِثْل حاله
 

 

وَحَق أنْ نَبكي على أمثالِه
 

 

فصلٌ

في بعض ما جرى ليلة عاشوراء

والسبطُ والصَحْبُ أُولو الوفاءِ
 

 

باتُوا بِتلكَ الليلةِ اللَّيلاءِ
 

لهمْ دَوِيٌّ كَدَوِيُّ النَّحْلِ
 

 

مِنْ ذاكرٍ لله أَوْ مُصَلِّي
 

صلاةَ عَبْدٍ خاشعٍ مُوَدِّعِ
 

 

يَدْعُوْهُ بالخضُوعِ والتضرُّعِ
 

أحْيَوا جميعَ الليلِ بالعبادَة
 

 

فَأَدْرَكُوا سعادةَ الشهادة
 

وأَصْبَحوا مِثْلَ الليوُثِ الضارِية
 

 

قد أَرْخَصُوا النفوسَ وَهْيَ غالية
 

لَذَّ لَهمْ طعمُ المنايا وَحَلا
 

 

في طاعةِ الرحمنِ جَلَّ وَعَلا
 

طابَ ورَاقَ لَهمُ المماتُ
 

 

والموتُ في نصرِ الهدى حياةُ
 

فاستقبلوا الموتَ بجأشٍ ثابِتِ
 

 

وعَزْمِ شهمٍ للحياةِ ماقِتِ
 

 

فصلٌ

في كلام لبُرير  رحمه الله  

قالَ بُرَيْرٌ لابْنِ عبدِ رَبِّه
 

 

لمَّا رأى تأنِيْبَه بِعَتْبِه
 

قدْ علمَ القومُ جميعاً أنّني
 

 

ما مِلْتُ للباطلِ طُولَ زَمني
 

وإنما أفعلُ ذا استبشارا
 

 

بما إليه أمرُنا قدْ صارا
 

ما هو إلاّ أنْ نخُوضَ الحربا
 

 

بالسُّمرِ طعناً والسيوفِ ضرْبا
 

وبعدها لا نَصَبٌ ولا عَنَا
 

 

نُعانقُ الحُوْرَ وَنحظى بالمُنى
 

 

فصلٌ

في تعبئة الجيوش يوم عاشوراء

وأصبحَ السبطُ فأعطى الراية
 

 

إلى أخيه قمرِ الهداية
 

إلى المحامي الناصرِ المُواسي
 

 

الصابرِ المجاهدِ العبّاسِ
 

وَصَحْبُه منْ فارِسٍ وَراجِلِ
 

 

سبعونَ واثنانِ بنقلِ الناقلْ
 

صَفَّهمُ للحرْبِ خَيْرَ صَفِّ
 

 

وكلُّ فردٍ منهمُ بألفِ
 

وَحَلَّ في الميمنةِ ابْنُ القينِ
 

 

وفي اليسارِ ناصِرُ الحسينِ
 

البطلُ النَّدْبُ حبيبُ الأَسَدِيْ
 

 

ذو العلمِ والعِرفانِ والتهجُّدِ
 

واستقبلوا القومَ بوجه واحدِ
 

 

واحترسوا من هجَماتِ الكائدِ
 

وأقبلَ العدُوُّ بالجنودِ
 

 

وجاءَ بالعُدَّةِ والعديدِ
 

أعطى دُريداً راية الضّلالِ
 

 

تَبَّتْ يَدُ العبدِ وَمَنْ يُوالي
 

عَمْراً([30]) على مَنْ في اليمينِ أَمَّرَهْ
 

 

والشمرُ قدْ أحَلَّه في المَيْسرةْ
 

وعروةَ الباغي على الخَيّالةْ
 

 

وَشِبْثاً الطاغي على الرَّجّالَةْ
 

وَكُلُّهُمْ على الضلالِ صَمَّموا
 

 

صُمُّوا عَمُوا على الهدى وأُبكِموا
 

رامُوْا عظيمَ الخزيِ في الدارَينِ
 

 

فأدركوه بِدَمِ الحُسينِ
 

فيا لها صفقَةَ غُبْنٍ فاجرةْ
 

 

قَدْ خَسِرُوا الدنيا بها والآخِرَةْ
 

نالوا بها من ربِّهم ما نالوا
 

 

خِزْيٌ عَذابٌ لعنةٌ نَكالُ
 

والسبطُ لما أقبَلوا إليه
 

 

دعا الإله رافعاً يَدَيْهِ
 

بما رَواه الشيخُ في الإرشادِ
 

 

فادْعُ بهِ للْفَوْزِ بالمُرادِ
 

 

فائدة

تتعلق بهذا الدعاء

لقد رَوى هذا الدُّعا الثِّقاتُ
 

 

والفَقَراتُ منه شاهداتُ
 

فصاحةُ المَتْنِ دليلٌ مُعْتَمَدْ
 

 

وَرُبما أَغْنَتْكَ عن أمْرِ السَّنَدْ
 

وَمن له معرفةٌ وَخِبْرة
 

 

يعلمُ مِنْ ذا البحرِ تلكَ القَطْرَة
 

فَادْعُ به مُحاذِياً لِرَأسه
 

 

في حائرِ مُشَرَّفٍ بِرَمْسِه
 

ففيه سرٌّ لاستجابةِ الدُعا
 

 

فلا تَرِمْ ما اسْطَعْتَ عنه مَنْزَعا
 

وَقد سمعتُ ذاك مِمَّنْ أَثِقُ
 

 

به وَمَنْ بقولِه أُصَدِّقُ
 

 

فصلٌ

في وعظ أهل الكوفة وإتمام الحجة عليهم

مضى بُرَيْرٌ سَيِّدُ القُرّاءِ
 

 

لِوَعْظِ أهلِ البغيِ والعداءِ
 

أَسْمَعَهمْ وعظاً فلم يستمِعوا
 

 

وأحسنَ الذِّكْرى فَلَمْ يَنْتَفِعُوا
 

ثم مضى إليهم سبطُ الهدى
 

 

لأن يكونَ هادياً ومرشدا
 

فاسْتَنْصَتَ القومَ له فَأَنْصَتوا
 

 

وقد وَعَوا كلامَه إِذْ سَكَتُوا
 

لكنَّ عين رُشْدِهمْ عمياءُ
 

 

قلوبُهمْ موتى وَهمْ أحياءُ
 

بالغَ في المقالِ والنصيحة
 

 

وجاءَهمْ بالحُجَجِ الصريحة
 

لوماً وإرشاداً وتَذكيراً بما
 

 

عليهمُ من واجبٍ قَدْ حُتِما
 

وكانَ مما قالَ في خِطابِه
 

 

وفي مَلامِه وفي عتابِه
 

إنَّكُمُ سَلَلْتُمُ علينا
 

 

سَيْفاً لنا وَأَمْرُه إلينا
 

لأوليائِكُمْ غدوتُمْ حَرْبا
 

 

كما غدَوْتُمْ لعِداكم ألْبا
 

من غيرِ عدل فيكم أفشَوه
 

 

وَلا رجاءٍ فيهمُ أبدَوْه
 

وَقدْ أَبَتْ نفوسُنا الأبِيَّة
 

 

أن نُؤْثِرَ الذُلَ على المنيّة
 

أو نَرْتَضيْ بِطاعَةِ اللئامِ
 

 

يوماً على مَصارعِ الكرامِ
 

أَلاّ وإِنِّي زاحفٌ بأُسرتي
 

 

وَإِنْ هُم قلُّوا وقلَّت عُدّتي
 

لا تلبثُونَ بَعْدَها ولا ضُحى
 

 

حتى تَدُوْرَ بكمُ دَوْرَ الرَّحى
 

فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمُ إليكُمُ
 

 

ولا يكُنْ ذا غُمَّةً عليكُمُ
 

إنِّي توكلتُ على الرَّحْمنِ
 

 

في باطِنِ السِرِّ وفي الإِعْلانِ
 

 

فصلٌ

في ابتداء الحرب

وابتدأتْ بالحربِ آلُ حرْبِ
 

 

بَغْياً وكُفْراً منهمُ بالرَّبِّ
 

تقدم الرجسُ ابنُ سَعْدٍ فرمَى
 

 

نحوَ اْلحُسَيْنِ سَهمَه المصمَّما
 

قال اشْهَدُوْا عند الأميرِ أَنَّنِيْ
 

 

أوّلُ مَنْ رَمى بِهذا الموْطِنِ
 

وأقبلَتْ مِنْ بَعْدِهِ السِّهامُ
 

 

كَالقَطْرِ إذْ جادَ به الغَمامُ
 

فقال للصَّحْبِ حسُينٌ قومُوا
 

 

للموْتِ فهو اَلكائِنُ المحتومُ
 

لقدْ دعَوكُمْ للنِّزالِ فانزلوا
 

 

وَهذه السهامُ منهمْ رُسُلُ
 

فَاقْتَتَلُوْا مِنَ النهارِ ساعة
 

 

قضى مِنَ اَلصَّحْبِ بها جَماعة
 

منْ بعدما جَثوا لَهم على الرُّكَبْ
 

 

وَأوْرَدوهمُ الدمارَ والعَطَبْ
 

وَالسبطُ لمّا قامت الحربُ على
 

 

ساقٍ وجَلَّ أمرُها واستفحلا
 

خُيِّرَ ما بَيْنَ لِقاءِ رَبِّهِ
 

 

وَنصْرِه على العِدا في حَرْبِه
 

فَاخْتَارَ مِنْ ذلك أنْ يلقاهُ
 

 

قدْ خَضَّبَتْ شَيْبتَهُ دِماهُ
 

وَقَدْ دَعا هَلْ مِنْ مُغيثٍ ناصرِ
 

 

ينصُرُنا على الْعَدُوِّ الغادرِ
 

هَلْ ذائِدٌ عَنْ حُرَمِ الرِّسالَةْ
 

 

يَدْفَعُ أهلَ البغيِ والضَّلالَةْ
 

 

فصلٌ

في سعادة الحُرِّ  رحمه الله  

وَأقبلَ الحُرُّ إلى ابْنِ سَعْدِ
 

 

لعله يُسِرُّ ما لا يُبْدي
 

قالَ له ما أنتَ قُلْ لي فاعلُ
 

 

هل أنتَ لاِبْنِ فاطمٍ مُقاتِلُ
 

قال: نَعمْ حرباً تُسِيلُ الأنْفُسْ
 

 

وُتَسْقُطُ الأيدي به والأرؤُسْ
 

وَمُذْ رآه عازماً مصمِّما
 

 

محارباً حُجَّةَ جبَّارِ السما
 

مضى وقد عراه مِثْلُ الإفْكَلِ
 

 

وصارَ عنْ أصحابِه في مَعْزِلِ
 

فارْتابَ بعضُ([31]) صحبِه في أمرِه
 

 

وَما درى بما جرى في فِكْرِه
 

فقال ما هذا الّذي منك بَدا
 

 

وَلمْ أجِدْ أشْجَعَ منكَ أحَدا
 

فقال إني اليومَ بالخِيارِ
 

 

ما بينَ جَنَّةٍ وبينَ نارِ
 

ولستُ أختارُ على الْجِنانِ
 

 

شيئاً وإنْ أُحرِقتُ بالنِّيْرانِ
 

ثمّ مضى نحوَ الحسينِ قاصدا
 

 

مُسْتغفراً مُعْترِفاً مُجاهدا
 

قالَ له أنا الّذي قد جَعْجَعا
 

 

بكُمْ وقدْ صَدَّكَ عنْ أنْ تَرْجِعا
 

قد إِبْتُ للحقِّ ونِعمَ الأوبَة
 

 

وَتُبْتُ منْ ذنبي فهلْ من توبة
 

قالَ له نَعَمْ يتُوبُ الله
 

 

عليك فانزِلْ أيّها الأوّاه
 

فقالَ إني فارِسٌ مُقاتلا
 

 

أكونُ خيراً لك مني راجِلا
 

أشُدُّ فيهم كأبي الشبوُلِ
 

 

وآخرُ الأمرِ إلى النزولِ
 

واستَأْذَنَ الإمامَ في القتالِ
 

 

وصالَ فيهم صولة الرِئْبالِ([32])
 

أردى بحدِّ السيفِ والسِنانِ
 

 

جمعاً من الأبطالِ والشُّجْعانِ
 

ثم مضى لربِّه شهيدا
 

 

عاشَ سعيداً وَمضَى حميدا
 

وَشِيْلَ محمولاً إلى الحُسَيْنِ
 

 

مُعَفَّرَ الجبينِ والَخدَّينِْ
 

فصارَ يمسحُ الترابَ عَنْه
 

 

عن وجهه وَذاك عَطْفٌ مِنْه
 

وَهوَ يقولُ أَنْتُ حُرٌّ مِثْلَما
 

 

أُمُّكَ قد سمَّتْكَ فيما قَدُما
 

وأَنْتَ في الدُّنيا كذا في الأُخْرى
 

 

حُرٌّ فَفُزْ فَقَدْ غَنِمتََ أجَرْا
 

 

فصلٌ

في شهادة بُريْر  رحمه الله

وأقبل الندْبُ الهُمامُ الزاهدُ
 

 

بُرَيرٌ البَرُّ التقيُّ العابدُ
 

وَهوَ وَمنْ بارَزَه تبَاهلا
 

 

أَنْ يَجعَلَ الله المُحِقَّ القاتِلا
 

فَمكَّنَ الله بُرَيراً التّقيْ
 

 

مِنْ قَتْلِ ذاك الفاسقِ الرجْسِ الشِقيْ
 

وَلم يَزَلْ مُقاتِلاً حتى قُتِلْ
 

 

بُشْراه بالرِّضْوانِ في خَيرِ السُّبُلْ
 

 

فصلٌ

في شهادة وَهب بن حُبابٍ الكلبي  رحمه الله

وَصالَ وَهبُ بْنُ حُبابِ الكلبي
 

 

صولةَ ضَرْغامٍ هزَبْرٍ نَدْبِ
 

أَحْسَنَ في الجِدالِ والجِلادِ
 

 

بالَغَ في الدِّفاعِ والجِهادِ
 

قال لأُمِّه: أَهلْ رَضِيْتِ
 

 

وهل من الأعداءِ قد شُفِيْتِ
 

قالَتْ لَه: لم أَرْضَ عنكَ إلاّ
 

 

بالموتِ في نَصْرِ الحسينِ قَتْلا
 

قاتَلَ حتى قُطِعَتْ يَداه
 

 

وقد جَرَتْ على الثرى دِماه
 

تناوَلَتْ زوجتُه عَمُوْدا
 

 

قالت له هيهاتَ أنْ أعودا
 

قاتِلْ فِداءٌ لكَ أُمِّي وأبي
 

 

دونَ الكرامِ الطيِّبينَ النُّجُبِ
 

قالَ لها خامِسُ أصحابِ الكِسا
 

 

يرحمُكِ الله ارجِعي إلى النِّسا
 

جُزِيتُمُ بأَحْسَنِ الجزاءِ
 

 

مِنْ أَهلِ بيتٍ صادقي الوِلاءِ
 

وَلم يَزَلْ وَهبٌ يُديمُ حَرْبَه
 

 

حتى قضى فَدَتْه نفسي نَحْبَه
 

قضى شهيداً صابِراً مُحْتَسِبا
 

 

فازَ مِنَ الله بأَحْسَنِ الحَبا
 

 

فصلٌ

في شهادة مسلم بن عوسجة  رحمه الله  

نفسي فِداءُ مسلمِ بْنِ عَوْسَجَة
 

 

ما ارْتاعَ مِن هَوْلِ الخُطوبِ المُزْعِجَةْ
 

بالَغَ في القِتالِ والكفاحِ
 

 

وجادَ بالنفسِ على الصِّفاحِ
 

هوَى إلى الأرضِ وفيه رَمَقُ
 

 

بحيثُ لا يكادُ ضَعْفاً يَنْطِقُ
 

قال له السِّبطُ مقالاً مُرْتَضى
 

 

يَرحَمُكَ الله [فَمِنْهُم مَّن قَضَى]([33])
 

دَنا حَبِيْبٌ منه حَيْثُ يَسْمَعُ
 

 

قال عَلَيَّ عَزَّ مِنْكَ المَصْرَعُ
 

لو لمْ أَكُنْ أعلمُ أنّي في الأَثَرْ
 

 

أَحْبَبْتُ توصيني بكلِّ ذي خَطَرْ
 

قال بِذا أُوصيكَ أَنْ تُعِيْنَه
 

 

قاتِلْهمُ حتى تَمُوْتَ دُوْنَهُ
 

قال بنفسي أفتدِي حُسَينا
 

 

وأُنْعِمَنَّكَ الغَداةَ عَيْنا
 

وَبَعْدَ أن أَوصى بما اقْتَضاه
 

 

إيمانُه ولاؤُه وَفاهُ
 

مَضى لرَبِّهِ شهيداً صابِرا
 

 

وللحسينِ بْنِ عَلِيٍّ ناصِرا
 

 

فصلٌ

في شهادة عَمْرو بن قُرْظة

واسْتأذَنَ النَّدْبُ الهمامُ عَمْرُو
 

 

وصَالَ وَهوَ الأَسَدُ الهِزَبْرُ
 

أبَادَ جَمْعاً منهمُ كَثيراً
 

 

وشَبَّها على العِدا سَعيرا
 

لاقى شِفارَ البِيْضِ والرِّماحِ
 

 

حتى لقَدْ أُثْخِنَ بالْجِراحِ
 

فقالَ للحُسينِ هلْ وَفَّيتُ
 

 

وما عَلَيَّ لَكَ هلْ قَضَيتُ
 

قالَ له نَعَمْ فَكُنْ أَمامي
 

 

في الخُلْدِ واقْرا المصطفى سَلامي
 

أَعْلِمْه أَني قادمٌ على الأَثَرْ
 

 

ما لِيَ في الدنيا مَقامٌ أَوْ مَقَرْ
 

 

فصلٌ

في شهادة جَوْن

إنْسانُ عَينِ الْمَكْرُماتِ جَونُ
 

 

وهوَ على المَعرُوفِ نِعْمَ العَونُ
 

خالٌ بخَدِ المجدِ ما أَبْهاه
 

 

طابَ فَما المِسْكُ وما رَيّاه
 

مَولى التَقيِّ جُنْدبِ الغِفاري
 

 

عبَدٌ فِداه أَكثَرُ الأَحْرارِ
 

قالَ لَه الحُسَينُ لمّا وافى
 

 

إنّكَ في إذنٍ فَسِرْ مُعافىْ
 

لا تَبْتَلِ مِنْ أَجْلِنا بداهية
 

 

فإنما تَبِعْتَنا للعافية
 

فقالَ لا والله لَسْتُ أبرَحُ
 

 

ولا إلى الفِراقِ يوماً أَجْنَحُ
 

حتى دَمي يُخْلَطُ في دِمائِكُمْ
 

 

وأَبْتَلي في الدَهرِ بابتلائِكُمْ
 

أَفي الرّخاءِ والنَعيمِ أَتْبَعُ
 

 

وفي البَلا أَخْذِلُكُمْ وأَقْطَعُ
 

رِيْحِيَ نَتْنٌ حَسَبِيْ لَئيمُ
 

 

واللّونُ مِني أَسودٌ بَهيمُ
 

فإِن تَفَضَّلْتَ عَلَيَّ يَطِبِ
 

 

رِيحي ويَعلُو في البَرايا حَسَبي
 

يَبيَضُّ مني الوَجه اذْ تَسْوَدُّ
 

 

وُجُوْهُ قَوْمٍ كَفَروا وارْتَدُّوا
 

 

فصلٌ

في شهادة حنظلة الشامي

وَقدْ أَتى نَحوَ الحُسَينِ حَنْظَلة
 

 

يَقيه مِنْ نَخْزِ السِّهامِ المُقبِلَة
 

ومِنْ سِيُوفِ القَومِ والرِماحِ
 

 

بِنَحرِه وَوَجْهه الوَضّاحِ
 

فقالَ للسِّبْطِ ألا نَرُوحُ
 

 

لربِّنا اليومَ ونَسْتَريحُ
 

قَال لَه رُحْ لِنَعيمٍ يَبْقَى
 

 

ومَنزِلٍ مَنْ حَلَّهُ لا يَشْقى
 

فحارَبَ القَومَ بعَزْمٍ ومَضا
 

 

وجَدَّ في قِتالِهمْ حتى قَضَى
 

 

فصلٌ

في شهادة سعيد بن عبد الله الحنفي  رحمه الله

تَقَدَّمَ الليثُ سعيدُ الحَنَفي([34])
 

 

لموقِفٍ أَعظِمْ به مِنْ مَوقِفِ
 

أَمامَ سِبطِ المصطفى يَقيه
 

 

مِنْ أسْهمِ الأعداءِ إذْ تأتيه
 

وكانَ قدْ صلَّى صَلاةَ الظُّهْرِ
 

 

بِهِمْ صَلاةَ الخَوفِ ذاتَ قَصْرِ
 

ما زالَ عَنْ مَوقِفِه سَعيدُ
 

 

ثمَّ هوى بِنَفسِه يَجُوْدُ
 

وقال ربِّ خُصَّهُمْ بالْلَّعْنِ
 

 

وأَبْلِغِ الهاديْ السَّلام مِنّيْ
 

بَلِّغْهُ ما لاقَيْتُ مِنْ آلامِ
 

 

في نَصْرِ ذُرِّيته الكِرامِ
 

ثمّ قَضى النَّدْبُ السعيدُ نَحْبَهُ
 

 

أَرْضَى نَبِيَّهُ وَأَرْضَى رَبَّهُ
 

 

فصلٌ

في شهادة سُوَيْد بن عَمْرو  رحمه الله

ثُمَّ بَدا سُوَيْدٌ بْنُ عَمْرِو
 

 

أشجعُ من ذي لُبْدةٍ هزَبْرِ
 

قاتَلَهمْ قِتالَ ليثٍ باسِلِ
 

 

ولم يرُعْه كلَّ خَطْبٍ هائِلِ
 

حتى هَوى للأرضِ بينَ القتلى
 

 

فارقَ مِنه قُوَّةً وَحَوْلا
 

ولم يزل مُلْقَىً إلى أن سَمِعا
 

 

أنَّ إمامَه الحُسَينَ صُرِعا
 

أبدى لهم من خُفِّه سِكِّينا
 

 

واخْتارَ عَنْ حَياتِه المَنونا
 

قاتَلهمْ بِها إلى أن قُتِلا
 

 

وفازَ بالرُضوانِ مِنْ رَبِّ العُلا
 

 

فصلٌ

في شهادة حبيب بن مُظْهر([35])

كَمْ للحَبيبِ موقفٌ حَبيبُ
 

 

لله نَشْرُ ذِكْرِه يَطِيبُ
 

قَدْ نَصَرَ السِبْطَ لِساناً وَيدا
 

 

مُسْتَعْذِباً مُرَّ الحُتُوْفِ مَوْرِدا
 

كان خَبيراً بمَصيرِ الأَمْرِ
 

 

وما عَلَيه مِنْ قَضاءٍ يَجْري
 

وبينَه وبَينَ مِيْثَمٍ([36]) جَرىْ
 

 

ما بمَزيدِ علمِه قدْ أشْعَرا
 

مِمَّنْ عَليه عَرَضُوا الأَمانا
 

 

والمالَ جَمْعاً فَأَبى إيمانا
 

وقاتَلَ القَومَ قِتالاً باهرا
 

 

وقاتلَ الجِيوشَ والعَساكِرا
 

مُسْتَقبِلاً رِماحَهمْ بِصَدْرِه
 

 

وبِيْضَهمْ بِوَجْهه ونَحْرِه
 

عِندَ الرَّسولِ قالَ لَسْنا نُعْذَرُ
 

 

إن قُتِل السِبطُ ونَحنُ ننَظرُ
 

أنعَمَ عينَ مُسْلِمٍ بفِعلِه
 

 

وجادَ في نَصرِ الهدى بقَتلِه
 

وكانَ مَسروراً به مُسْتَبشِرا
 

 

مُسْتَيْقِناً خيرَ جَزاءٍ ذُخْرا
 

ساءَ الحُسَينَ قتلُه وهدَّه
 

 

إذْ كانَ خيرَ صاحِبٍ أعَدَّه
 

مُذْ قتَلُوه قالَ عِندَ ربَّي
 

 

أَحْتَسِبُ اليومَ حُماةَ صَحْبي
 

واشْتَرَكَ الحُصَيْنُ والتميمي
 

 

في دَمِه المطهرِ الكَريمِ
 

عَلَّقَ مِنه رأْسَه المُطهرا
 

 

وجالَ في الناسِ به مُفتَخِرا
 

وبَعدَه عَلَّقَه التَميمي
 

 

بُشراه في أُخراه بالجحيمِ
 

 

فصلٌ

في شهادة زهير  رحمه الله  

لا يُبْعِدَنْك الله يا زهيرُ
 

 

يا خَيرَ مَنْ يُرجى لَدْيه الخَيرُ
 

جُزِيتَ خَيرَ الخَيرِ يا ابْنَ القَينِ
 

 

يا ذائداً بالسَيفِ عَنْ حُسَينِ
 

أجابَه لما دَعاه مُسرِعاْ
 

 

مسْتَحْلياً مُرَّ المَنونِ مَشْرَعاْ
 

وطَلّقَ الأَهلَ وَعافَ صَحْبَه
 

 

أرضى إمامه وأَرْضَى ربَّه
 

حَدَّثَهمْ ما قالَه سَلمانُ
 

 

وَهوَ الذي قَضَّى به الإيمانُ
 

ولمْ يَزلْ معَ الحُسَينِ ناصِراْ
 

 

قَولاً وفِعْلاً باطِناً وظاهراْ
 

يَجِدُ في الدفاعِ والقتالِ
 

 

وحَربِ أَهلِ البَغي والضَلالِ
 

أبَادَ مِنهمْ عَدَداً كثيراْ
 

 

أَصْلاهمُ مِنْ سَيفه سَعيراْ
 

واشْتَركَ الشَعبيُّ والتَميميْ
 

 

في قتلِ هذا البطلِ الكَريمِ
 

أَنْزلَه الرَّحمنُ خَيرَ مَنْزِلَةْ
 

 

وَجَدَّدَ اللَعنَ على مَنْ قتَلَه
 

 

فصلٌ

في شهادة باقي الأنصار ورثائهم

وسارَعَ الباقونَ للشَهادة
 

 

ونَيلِ أَعْلى رُتَبِ السَعادة
 

ساروا إلى وِردِ الرَدى وازْدَحَمُوا
 

 

وأَيْقَنوا بِمَوْتِهمْ وأَقْدَمُوا
 

وأَرْخَصُوا النُفُوسَ والأَرْواحا
 

 

وصافَحُوا الصِّفاحَ والرِماحا
 

واَسْتَنْشَقُوا النَقْعَ المُثارَ عَنْبَرا
 

 

واَسْتَبْدَلُوا عنِ الثَراءِ بالثَرى
 

تَدرَّعُوا بالصَبرِ لا الْدِروعِ
 

 

فلم تَرُعْهمْ كَثرةُ الجُموعِ
 

تنَافَسُوا على ذَهابِ الأَنفُسِ
 

 

وعانَقُوا سُمرَ الرِماحِ القُنَّسِ
 

حتى أَحالُوا الجوَّ نَقْعاً أَكْدَرا
 

 

والأَرضَ مِنْ دَمِّ الأَعادي أَبحُرا
 

لَهفي وهلْ يُجْدي غَليلاً لَهفي
 

 

لأنجُم قد غَرُبَتْ في الطَفِّ
 

لهفي على الأَصحابِ والأَنصارِ
 

 

أُولي الإِبا والعزِّ والفَخارِ
 

بُدورُ تَمًّ غالَها الخُسوفُ
 

 

وكَوَّرتْ أنوارَها السِيُوفُ
 

صَرْعى على الصَعيدِ كَالأضاحي
 

 

موزَّعي الأعضاءِ بالصِّفاحِ
 

قدْ غُسِّلوا مِنَ النِحُورِ بالدِّما
 

 

وإنهمْ أَطهرُ مِنْ ماءِ السَما
 

وكُفّنتْ أَشْلاؤُهمْ بالذّاري
 

 

وهيَ بأكفانٍ من الأنوارِ
 

لقد حمَوا دينَ النبي بالضُّبا
 

 

ونَصَرُوا خامسَ أصحابِ العَبا
 

هانَ على نُفوسِها المَمَاتُ
 

 

لأنَّ مَوتَهمْ هوَ الحَياةُ
 

لمِثلِهمْ فلْتَلطِمِ الصِدُورُ
 

 

وَلْيَكْثُرِ العَويلُ والزفِيرُ
 

لِمِثلِهمْ فلْتندُبِ النَوادِبُ
 

 

ولْتُنْشَرِ الشُعورُ والذَوائِبُ
 

 

فصلٌ

في ذكر بني هاشم ودخولهم الحرب

ومذْ قَضوا حقَّ العُلا واستشهدوا
 

 

ومَنهمُ لم يبقَ حيًّا أحَدُ
 

وأَظْلمَ النادي لأَقمارِ الهدى
 

 

ولم يُجِبْ من حيِّهم إلا الصَدى
 

لم يبقَ عندَ السِبطِ إلا أَهلُه
 

 

آلُ النبي المصطفى وثِقلُه
 

الهاشميونَ ومَنْ كَهاشِمِ
 

 

في شَرفِ الأصلِ وفي المكارمِ
 

والطالبيونَ الأُولى إنْ طُلِبوا
 

 

لم يُلحَقوا ولم يفتْهم طلَبُ
 

والعَلَوِيونَ ومَنْ مِثْلُ عَليْ
 

 

في العِلْمِ والإيمانِ والتوَكُّلِ
 

همْ سادةٌ لَها الوَرى عَبيدُ
 

 

وحقَّ للأبناءِ أن يَسُودوا
 

همْ صَفوةُ الباري مِنَ الأَنامِ
 

 

طَهّرَهمْ مِنْ دَنَسِ الآثامِ
 

بفَضلِهمْ قد نَطقَ الكتابُ
 

 

وفيهمُ قد عُرِفَ الصوابُ
 

همْ حُجَجُ الله على العبادِ
 

 

وقادةُ الأنامِ للرَشادِ
 

أعظَمُ ما قَدْ زادَني عَناءُ
 

 

أنّهمُ ما قابَلُوا أَكْفاءُ
 

ما وَطِأَتْ نِعالُهمْ مِن عِفْرِ
 

 

أَشْرَفَ مِنْ صَخرٍ وآلِ صَخرِ
 

قَدْ بَرَزُوا لِمَنْ بشَسْعِ النَعْلِ
 

 

لو قِيسَ كانَ دُونَه في الفَضْلِ
 

أَولهمْ سَبقاً إلى النِزالِ
 

 

وحَربِ أهلِ الغَدرِ والضَلالِ
 

بَدرُ النَديِّ دِيْمَةُ التَفَضُّلِ
 

 

ذاكَ عَليُّ بنُ الحُسَينِ بنُ عَليْ
 

لقَدْ أَتى مُسْتَأذِناً أَباه
 

 

بَلْ جاءَه مُودِعاً إياه
 

جادَلَه بالإذنِ بالقِتالِ
 

 

لكنَّه صارَ بأَيِ حالي
 

نَظْرَةُ آيسٍ إليه نَظَراْ
 

 

وَدَمعُه على خِدُودِه جَرى
 

هذا الوَداعُ فَمَتى اللِقاءُ
 

 

بَعْدَكَ لا يَطِيبُ لي بَقاءُ
 

تَرْضَى بأَنْ أَرْضى بما أُلاقي
 

 

وما أُقاسِيه مِنَ الفُراقِ
 

 

فصلٌ

في رثاء علي الأكبر شهيد الطف

أَكْثِرْ مِنَ البُكاءِ والتَحَسُرِ
 

 

عَلى عَليُ بنُ الحُسينِ الأَكْبَرِ
 

على رَبيبِ الفَضْلِ والفَواضِلِ
 

 

مَنْ لا يَبيعُ حقَّه بباطلِ
 

مِن أَهلِ بَيتٍ طُهّرُوا تَطْهيرا
 

 

بجَنْبِ عَرشِ الله كانوا نُورا
 

أَولُ سابقٍ إلى الشَهادَة
 

 

مِن قادةٍ همْ لِلبَرايا سادَة
 

صالَ علَيهمْ صَوْلَةَ الضّرغامِ
 

 

والصَقرُ إذْ شَدَّ على الحَمامِ
 

ففَرَّ منه الجَمْعُ غيرُ سالمِ
 

 

يَعْثرُ بالرؤوسِ والجَماجِمِ
 

كَمْ فارسٍ بِطَعْنَةٍ أَرداه
 

 

وراجلٍ بضَربةٍ ثنَّاه
 

أَهلَكَ جَمْعاً مِنهمُ كَثيراْ
 

 

سقاهمُ كأسَ الرَدى مَريرا
 

عادَ إلى أبيه وهوَ قائِلُ
 

 

قولاً له تَصدَّعُ الجَنادِلُ
 

يا أَبَتاه عَطَشي قَدْ هدَّني
 

 

وذا الحَديدُ ثُقلُه أَجْهدَني
 

تَفَتَّتتْ مِنَ الظَما أَحْشائي
 

 

هلْ من سَبيلٍ لِوُرودِ الماءِ
 

جادَ لَه لكِنْ بماءٍ قَدْ جَرى
 

 

منْ عينه زادَ الحَشا تَسَعُّرا
 

وكَيفَ لِيْ يا وَلدِي بالماءِ
 

 

وقَدْ حَمَتْه زُمَرُ الأعداءِ
 

بُنيَّ قاتِلْهمْ فما أَسْرَعَ ماْ
 

 

تُسقى بماءٍ لَيسَ بَعْدَه ظَماْ
 

جَدُّكَ يُسْقِيكَ بِها فَتَشْفى
 

 

بكأَسِه ذاكَ الرَويِّ الأَوْفى
 

عادَ على ظَماه للقتالِ
 

 

ولمْ يَذُقْ مِنْ باردِ الزُّلالِ
 

كَأَنه اسْتَغْنى بِفَيضِ النَحْرِ
 

 

عن باردٍ مِنَ الفُراتِ يَجْري
 

وصاحَ مُذْ أَرداه سَهمُ العَبدي
 

 

يا أَبَتاه إنَّ هذا جَدّي
 

يُقْرِئُكَ السلام منه قائِلاْ
 

 

أَقدِمْ عَلينا ياحُسَينُ عاجِلا
 

لهفي علَيه وعَلى أَبيه
 

 

حَقٌ له بأَنْ يَقولَ فيه
 

بُنَيَّ مِنْ بَعْدِكَ لاحَلاْ لِيْ
 

 

عَيشٌ ولا طابَتْ لِي اللَيالي
 

تَرَكْتَني فَرْداً وَأَبعَدْتَ المَدا
 

 

بَينَ اليَتامى والنِساءِ والعِدى
 

فيا شَبيه سَيّدِ الأَنامِ
 

 

في الخَلقِ والخُلقِ وفي الكَلامِ
 

قَطَّعْتَ يا فَلْذَةَ قَلْبي كَبِدِي
 

 

فعَزَّ يا عَزيزَ نَفْسِي جَلَدِي
 

يا غُصُناً أُصِيبَ بالذُبولِ
 

 

وكَوْكَباً أَسْرَعَ في الأُفولِ
 

مَنْ ذاْ سَقاكَ الحَتْفَ والمَنونا
 

 

وعَفَّرَ الخَدَينِ وَالجَبِينا
 

كَيفَ أَراكَ يا عَزيزَ نَفْسِي
 

 

ملقىً على التُربِ بحَرِ الشَمسِ
 

بُنَيَّ ما أَجْرَأَهمْ مِنْ جيلِ
 

 

على انتهاكِ حُرْمَةِ الرَسولِ
 

مِنْ بَعْدِكَ الدُنيا لها العَفاءُ
 

 

فلا يُطيبُ العَيشُ والبَقاءُ
 

وأَقبَلَتْ عَمَتُه تُنادي
 

 

أيَا حَبيبَ القَلبِ والفُؤادِ
 

جاءتْ إليه واْنحَنَتْ عَليه
 

 

تَلْثِمُ ثَغْرَه وَوَجْنَتيه
 

مُرمَلاً رَأَته بالدِماءِ
 

 

مُوَزَعُ الأَوصالِ وَالأَعْضاءِ
 

يا بنَ أَخيْ عَزّ عَليَّ أَنْ أَرىْ
 

 

جِسْمَكَ منْ فَوقِ الثَرى مُعَفَّرا
 

فرَدَّها السِبطُ إلى الخِباءِ
 

 

تَعُولُ بالنَّوحِ مَعَ النِساءِ
 

 

فصلٌ

في ذكر القاسم بن الحسن عليه السلام

لهفي عَلى القاسِمُ نَجْلِ الحَسَنِ
 

 

سِبطُ النبي المُصطفى المُهيمِنِ
 

لَهفي على ابنُ الحَسنِ الزَّكيُ
 

 

شمْسُ المَعالي قَمرُ النَدّيُ
 

تبَّتْ يَدا مَنْ سَيفُه أَرْداه
 

 

فَصاحَ لما خَرَّ يا عَمّاه
 

فقالَ وهوَ واقِفٌ عليه
 

 

يَفْحَصُ بالتُرابِ عنْ رِجْلَيه
 

عز على عَمِّكَ إذْ تَدعُوه
 

 

ولم يَكُنْ يُجْدِيكَ إذْ تَرجُوه
 

بُعداً لقومٍ قَتلُوكَ بُعدا
 

 

قد خاصَمُوا فِيكَ أَباً وَجدّا
 

عَزَّ على عَمِّكَ إذْ يَراكا
 

 

وصَارمُ الأَزْديُّ قَدْ عَلاكا
 

عَزَّ علَيه وعلى آبائِه
 

 

إنَّ ابنَهمْ يَسْبَحُ في دِمائِه
 

مُتَرَّبُ الجَبينِ والخَدينِ
 

 

يَفْحَصُ بالرِجْلَينِ وَاليَدَينِ
 

يومٌ جليلٌ قَلَّ فيه الناصرِ
 

 

وقد تَكاثرَ العدوُّ الواتِر
 

وجاءَ وهوَ حاملٌ إياه
 

 

ما بَينَ قَتْلى أهله أَلقاه
 

ومذْ رَأى فتيانَه قد صُرِّعوا
 

 

وصحبَه بالمُرهفاتِ وُزِّعوا
 

نادى أَلا هلْ مِنْ مُغِيثٍ ناصرِ
 

 

ينصرُنا على العدوِّ الجائرِ
 

هلْ منْ موحِّدٍ يَخافُ فِينا
 

 

ربَّ الورى يَغْدُو لنا مُعينا
 

هلْ من فتىً عن حرَمِ الرَسولِ
 

 

يذبُّ بالمهنَّدِ الصَقيلِ
 

لبّيكَ داعيَ الهدى والدِّينِ
 

 

وداعيَ الإيمانِ واليَقينِ
 

لبيكَ بالقَلْبِ وباللِسانِ
 

 

لبَيْكَ في السرِّ وفي الإعلانِ
 

إنْ لم يُجِبْكَ سَيدي لِساني
 

 

فالنَفسُ في عالمها الرّوحاني
 

لبَّتْكَ وهيَ كلُّها لِسانُ
 

 

لبَّاكَ منها السرُّ والإعلانُ
 

فليتَها في عالمِ الأجسامِ
 

 

حلَّتْ غداةَ أعوزَ المحامي
 

حتى تَفُوزَ عَنكَ بالفِداءِ
 

 

بقتلِها تَغدُو مِنَ الأحياءِ
 

 

فصلٌ

في ذكر طفله عليه السلام

لهفي على الطفلِ الصغيرِ الظامي
 

 

لَهفيْ على الذَبيحِ بالسِهامِ
 

قدْ جاءه مودعاً أبوه
 

 

وسَهمُ حَتْفِه أَتى يَقْفُوه
 

أوْما إلى تقبيله مُوَدِعاْ
 

 

فأقبل السَهمُ إليه مُسرِعاْ
 

قَبّلَه مِنْ قَبله سَهمُ الرّدى
 

 

حلاَّ لُجَينُ الجيدِ منه عَسْجَدا
 

شَلَّتْ يَدا حَرْملَةَ بنُ كاهلِ
 

 

أصابَ نَحْرَه بسَهمٍ قاتلِ
 

رَفَّ رفيفَ الطائرِ الذَبيحِ
 

 

مُضَرَّجاً في دَمه المَسْفوحِ
 

منه امْتَلَتْ كَفَّا أبيه فرَمى
 

 

في دَمِه الزاكي إلى نحَوِ السَما
 

وقالَ قدْ هوَّنَ ما بي نَزَلا
 

 

كانَ بعَينِ الله جلاّ وعلاّ
 

 

فصلٌ

في ذكر أبي الفضل العباس  رضي الله عنه

إنَّ أَحَقَّ الناسِ بالبكاءِ
 

 

والنوْحِ والعَويلِ والرِّثاءِ
 

فتىً بَكى لِفَقْدِه سِبطُ الهدى
 

 

وبَعده بانَتْ شَماتَةُ العِدى
 

ساقي العطاشى وابنُ ساقي الكوثرِ
 

 

والأسَدُ الضرغامُ شبلُ حيَدرِ
 

ذاكَ أبُو الفَضلِ معَ الفَضائلِ
 

 

وخَيرُ حامٍ للهدى وكافلِ
 

أَوْدى الرّدى بالفارسِ المِغوارِ
 

 

أَوْدى بكَبشِ الفَيلقِ الجَرّارِ
 

بالبَطلِ الغَضَنْفَرِ الأبيِّ
 

 

بالناصِحِ المحُتسِب الوفيّ
 

بالصابرِ المجاهدِ المحامي
 

 

والناصِرِ الحافِظِ للذّمامِ
 

جاهدَ في الله عِداه مُخلِصا
 

 

وقَدْ أَطاعَ رَبَّه وما عَصَى
 

فَلَّ الرّدى من هاشمٍ صَمْصاما
 

 

وهدَّ من عَليائِها دِعاما
 

مَضى على بَصيرةٍ مِنْ أَمْرِه
 

 

فعَزَّ دينُ المصطفى بنَصْرِه
 

لَقدْ فَدى بنَفسِه أَخاه
 

 

وذَبَّ حتى قُطِعَتْ يَداه
 

جاءَ إليه وانْحَنى عَليه
 

 

ودَمعُه قد فاضَ من عَينيه
 

وقَدْ دَعاه بلِسانِ الحالِ
 

 

وفي لسانِ الصِدقِ والمقالِ
 

أُخيَّ يا عَوْني ويابنُ والدي
 

 

يا عَضُدي يا ناصِري يا ساعِدي
 

لقد كَسرتَ يا أُخيَّ ظَهري
 

 

وحِيلَتي قَلَّتْ وعِيْلَ صَبْري
 

أُخيَّ مَنْ يَحْمِلُ لِي لِوائي
 

 

ومَنْ يُعينُني على أَعدائي
 

وكيفَ من بَعدِكَ تُحمَى الحُرَمُ
 

 

إنْ صِرن يَسْتَرْحُمْن مَنْ لا يَرْحَمُ
 

 

فصلٌ

في تعزية أم البنيـن رضوان الله عليها

أُمَّ البنينَ طابَتِ الأبناءُ
 

 

منكِ كما قد طابتِ الآباءُ
 

أُمَّ الأُسودِ من بني عَمْرو العُلا
 

 

أُمَّ الحُماةِ والأُباةِ النُّبَلا
 

أُمَّ أبي الفضلِ وأُمَّ جعفرِ
 

 

وأُمَّ عبدِ الله شِبْلِ حيدرِ
 

وأُمَّ عثمانَ الذي سمَّاه
 

 

باسْمِ ابنِ مظعونَ الأبُ الأواه
 

الأنجبينَ الطاهرينَ أنفُسا
 

 

الأكرَمين الطيبينَ مَغْرَسا
 

آجَركِ الله وإيانا فما
 

 

أَمْلِكُ لوْ رُمْتُ أُعَزِّيكِ فما
 

لِرُزْئِكِ الشامِتُ رَقَّ وبكى
 

 

فليس إلا للإله المشتكى
 

حَقَّ بأنْ يُصَدَّعِ الصخرُ الأصمْ
 

 

لَه وتجري أدمُعُ الألحاظِ دَمْ
 

وَحقَّ أنْ تَبْكِي لَهمْ وتَندبي
 

 

والله يعطيكِ الرّضا فاحتسبي
 

 

فصلٌ

في ذكر سيد الشهداء عليه السلام

أَفْدِي أَبِيَّ الضيمِ ذا الإِباءِ
 

 

بالنفسِ والأبناءِ والآباءِ
 

أَفدِيه بالقرِيبِ والبعِيدِ
 

 

أَفديه بالطارفِ والتليدِ
 

كان رَبيعَ البائسِ المسكينِ
 

 

وكانَ عِزّاً للهدى والدينِ
 

ناغاه جبرئيلُ عند مَهدِه
 

 

وكان يمتَصُّ لسانَ جدِّه
 

وَرُبَّما أرْضَعَه الإِبهاما
 

 

فيكتفي بمصِّه أياما
 

فَدَمُه مِنْ دَمِه تولَّدا
 

 

وَلحْمُه مِنْ لحمِه تجسَّدا
 

شَدَّ عليهم مُطْمَئِنَّ الجاشِ
 

 

ليس بواجلٍ ولا مُخاشي
 

مُقْتَحِماً قساطِلَ الغُبارِ
 

 

يذودُهمْ بالمُرْهفِ البتَّارِ
 

ما ارتاع من جيوشِها المجتمعةْ
 

 

وكيف يخشى الناسَ والله مَعَه
 

وَمِنْ جليلِ عزمِه في جَمْعِ
 

 

ومِنْ جميلِ صبرِه في درْعِ
 

وَلَمْ يزل يقتُلُ كُلَّ من برَزْ
 

 

حتى أبانَ النقصَ فيهم والعوَزْ
 

فاجتمعوا عليه من كُلِّ حَدَبْ
 

 

وكُلُّهمْ لقتلِه قد انْتَدَبْ
 

لم يرْقبوا الله ولا الرَّسولا
 

 

فيه ولا الوَصي وَالبتولا
 

فأحدَقوا به كمِثْلِ الهالَة
 

 

وأنْ يكن عديدُهمْ ما هالَه
 

رَمْياً وَضرْباً وَطِعاناً بالقَنا
 

 

جَمْعاً فرادى مِنْ هنا وهاهنا
 

وبَينَه حالوا وَبينَ رَحْلِه
 

 

فاقتطعوه مُفْرداً عنْ أَهلِه
 

فقالَ: يا شيعةَ آلِ حَرْبِ
 

 

يا عُصْبَةَ الغدْرِ وأهلَ النَّصْبِ
 

كونُوا إذا لم ترْقَبوا الجبّارا
 

 

يا قَوْمُ في دنيا كُمُ أحرارا
 

وراجعوا عندَ الفعالِ الحَسَبا
 

 

إنْ كُنْتُمْ كما زَعَمْتُمْ عُرُبا
 

على الرِّجالِ الخوضُ في الكفاحِ
 

 

وما على النساءِ منْ جُناحِ
 

ما دُمْتُ حياً فامنعوا الجُهالا
 

 

لا تَتَعَرَّضُوا لنا عِيالا
 

فانْكَفَأوا بالحرْبِ يقصدونَه
 

 

وما لديه مَنْ يحامي دُونَه
 

وقد أصابَه مِن الجُراحِ
 

 

ما يُضْعِفُ المَرْء عن الكِفاحِ
 

بيناه يَستريحُ إِذْ أتاه
 

 

إلى الجبينِ حَجرٌ أَدْماه
 

تناوَلَ الثوبَ ليمسحَ الدِّما
 

 

رَمَوا فُؤادَه بسهمٍ سُمِّما
 

وَالسهمُ فيه شُعَبٌ ثلاثُ
 

 

للدَّمِ مُذْ أصابَه انبعاثُ
 

أخْرَجَ ذاك السَّهمَ منْ قَفَاه
 

 

فانبعثتْ سائِلَة دِماه
 

وَعنْ قتالِ القَومِ أعيا وَوَقَفْ
 

 

وكُلَّما أتاه شخصٌ انْصَرَفْ
 

حتى أتاه مالكُ بْنُ النَّسْرِ
 

 

قُبِّحَ مِنْ جافٍ ظلومٍ غُمْرِ
 

تَعَمَّدَ السِبْطَ بشَتْمٍ وَبسَبْ
 

 

وَرَأْسَه الشريفَ بالسيفِ ضَرَبْ
 

والسيفُ شَجَّ رَأْسَه المُكَرَّما
 

 

فامتلأَ البُرْنُسُ مِنْ ذاكَ دَما
 

 

فصلٌ

يتضمنُ ذكر عبد الله بن الحسن عليه السلام

مَضَوا عنِ الحسينِ ثمَّ عادوا
 

 

لَه وَقدْ ساقَهمُ الإلحادُ
 

أَتاه عبدُ الله نَجلُ المجتبى
 

 

وكانَ في أَولِ رَيْعانِ الصِبا
 

أقْبلَ يشتدُ إلى أنْ وَقَفا
 

 

بجَنْبِ عَمّه وما تَوقّفاْ
 

أبَى على عَمّتِه أنْ يَرْجِعا
 

 

وقَدْ أَرادَتْ حَبْسَه فامْتَنَعاْ
 

وقالَ لا والله وهوَ الصادِقُ
 

 

لَسْتُ لعَمّي أَبداً أُفارِقُ
 

أَهوى إلى الحُسينِ بالحُسامِ
 

 

بَعضُ شِرارِ العُصْبةِ الطُغامِ
 

قالَ له يا بنَ خَبيثَةِ النِسا
 

 

تَقْتِلُ عَمّي وإليكَ ما أَسا
 

شَدَّ على ذاكَ الغُلامِ الطاهرِ
 

 

بالسَيفِ شُلّتْ يَدُه مِنْ كافِرِ
 

بَرَّى إلى الجلْدِ يَدُ الغُلامِ
 

 

لمّا اتقى الضَرْبَةَ بالُحسامِ
 

صاحَ لمِا دَهاه يا أُمّاه
 

 

وَعَمُّه لِحِجْرِه آواه
 

قالَ له يا ابنَ أُخَيَّ صَبْرا
 

 

فاحْتَسِبِ الخيَرَ غَنِمْتَ الأَجْرا
 

وهوَ بِحِجْرِ عَمِّه رَماه
 

 

حَرْمَلَةٌ سَهماً به أَرْداه
 

أُقسِمُ بالرّحمنِ أنَّ قَلَمي
 

 

مِنْ وُجْدِه يَكادُ يَجْري بالدّمِ
 

قَدْ سَوّدتْ ليقَتها محْبَرتي
 

 

حُزْناً وما ارْتَوَتْ بغَيرِ عَبْرَتي
 

وما جَرى في الطّرسِ منْ مِدادي
 

 

كادَ يَجِفُ مِنْ جَوَى فُؤادي
 

ولا أُطيقُ شَرْحَ ما أَقاسي
 

 

مِنْ فاجِعاتِ الطَّفِ في قُرْطاسِي
 

 

فصلٌ

في كيفية قتله عليه السلام

ورامَ ثَوباً مِنْه إذ يُجَرَّدُ
 

 

لا يَرْغَبَنَّ فيه مِنهمْ أَحَدُ
 

جيءَ بتَبّانٍ فَقالَ كَلاّ
 

 

هذا لِباسُ مَنْ عَنى وذَلاّ
 

وَمُذْ رَأى الرِجْسُ ابنُ وَهبٍ حالَه
 

 

وَما مِنَ القَومِ الطّغامِ نالَه
 

أُثْخِنَ بالجِراحِ وَالآلامِ
 

 

وَصارَ كالقُنْفِذِ بالسِهامِ
 

أَصابَه بطَعْنَةٍ في الجَنْبِ
 

 

خَرَّ لَها مِنْ فَوقِ وَجْه التُرّبِ
 

وقَدْ بَدَتْ زَينَبُ مِنْ خِبائِها
 

 

ذاهلَةً بالخَطْبِ عَنْ بُكائِها
 

نادِبَةً تَصيحُ وا أَخاه
 

 

وا أَهلَ بَيْتاه وسَيداه
 

وصاحَ شِمرٌ بالرِجالِ عَجِّلُوا
 

 

عليه ما تَنتظِرونَ فاَحْمِلُوا
 

وا أَسَفاه حَمَلُوا عَلَيه
 

 

مِنْ كُلِّ جانِبٍ أَتَوا إليه
 

قَدْ ضَرَبُوا عاتِقَه المُطهراْ
 

 

بِضَرْبَةٍ كَبا لها على الثَرى
 

صارَ وقَدْ أَعْيا وَقَدْ أَضَرّاْ
 

 

يَنوءُ تارَةً وَيَكْبو أُخْرى
 

لم يَسْتَطِعْ ممّا به قِياماْ
 

 

يَسْقِطُ كُلّما نُهوضاً رَاما
 

نَفْسي فِداه ما الّذي يُلاقي
 

 

مِنْ طَعْنه بالرّمْحِ في التَراقي
 

نَفْسي فِداه ما جَرى مِنْ أَمْرِه
 

 

مُذْ طَعَنُوه في بَواني صَدْرِه
 

نَفْسي فِداه ما الّذي قَدْ نابَه
 

 

مُذْ نَزَعَ السَهمَ الّذي أَصابَه
 

فِداه كُلُّ ما جَرى عَلَيه
 

 

لمّا مَلا مِنْ دَمِه كَفَّيه
 

وصارَ مِنْ دِمائِه يَخْتَضِبُ
 

 

وَقَلْبُه مِنَ الظَما يَلْتَهبُ
 

يَقولُ هكَذا لِربّي أَلقىْ
 

 

مُخَضَّباً وَقَدْ غُصِبْتُ حَقاْ
 

قالَ ابنُ سَعدٍ لخبَيثٍ نَغْلِ
 

 

أَرِحْ حُسَيناً عاجِلاً بالقَتلِ
 

فجاءَه أَلْعَنُ مَنْ فَوقَ الثَرى
 

 

فَاحتَزَّ مِنه رَأسُه المُطهَّرا
 

فَضَجَّتْ الأَمْلاكُ بالبُكاءِ
 

 

إلى الإله خالقِ السَماءِ
 

وَاغْبَرَّتْ الآفاقُ وَالأَرْجاءُ
 

 

حُزْناً وهبّتْ زَعْزَعٌ حمْرَاءُ
 

حَلَّ بِهمْ لولا ابنُه العَذابُ
 

 

وفاجَأَ البَسيطةَ انْقِلابُ
 

ليَتَ السَماءُ أُطْبِقَتْ على الثَّرى
 

 

وَدُكْدِكَتْ شُمُّ الجبالِ والذُّرى
 

صَبري غَريبٌ يا غَريبَ الدارِ
 

 

والدَمعُ جَارٍ لابنِ حَامي الجارِ
 

تبَكي السَماْ والأَرضُ والأَفْلاكُ
 

 

لِفَقْدِه والجنُّ وَالأَمْلاكُ
 

وَحَقَ أَنْ أَبْكي على الشَهيدِ
 

 

دَماً مِنَ القَلْبِ على الخُدُودِ
 

قَدْ بَكَتْ السَبعُ السَماواتُ دَماْ
 

 

وَالجنُّ والإنْسُ أَقامَتْ مَأْتَماْ
 

 

فصلٌ

فيما جرى من جواده عليه السلام

وأَسْرَعَ المُهرُ إلى الخيامِ
 

 

وَما لَها غَيْر العَليلِ حامِي
 

وَمُذْ رَأَينَه النِساءُ باكيا
 

 

والسّرجُ مَلوياً علَيه خاليا
 

بَرزْنَ مِنْ خِدُورَها بَينَ العِداْ
 

 

حَسْرَى الوُجوه لا قِناعاً لا رِدا
 

يَرْكُضنَ عَدْواً نَحوَ حَومَةِ الوَغى
 

 

والشِمْرُ سَيفَ بَغْيه قَدْ أَوْلَغا
 

وا حُزُني لِشَيْبه الخَضيبِ
 

 

وا حُزُني لِجِسْمِه السَليبِ
 

واحَزَني ولَيسَ يُجْدي حَزَني
 

 

لميِّتٍ في الطَفِّ لَمْ يُكفَّنِ
 

لهفي على مَنْ هُتِكَتْ حُرمتُه
 

 

لهفي على مَن نُكِثتْ ذِمَّتُه
 

لهفي على فَرْخِ النبي المصطفى
 

 

لهفي عَلى المذبوحِ ظُلْماً مِن قَفا
 

قَدْ قتَلُوا بقَتلِه الإسلاما
 

 

وعَطَّلوا الصَلاةَ والصِياما
 

ومَزَّقوا عَزائِمَ القُرآنِ
 

 

وهدّمُوا قَواعِدَ الإيمانِ
 

فقُمْ نُعَزِّ جَدَّه الرَسولا
 

 

والمُرتَضى وأُمَّه البَتولا
 

قَدْ قَتَلُوا السِبْطَ الإمامَ العَدْلا
 

 

خيرَ البرايا حَسَباً وفَضْلا
 

وَقدْ سبَوا مِنْ بَعْدِه الذّراري
 

 

وأَيْتَموا سُلالَةَ المُخْتارِ
 

 

فصلٌ

في سلبه ونهب ثقله

قَدْ ترَكُوه بالعَرا مُجَرَّدا
 

 

لا مِئْزَرٌ يَستُرُه ولا رِدا
 

واسْتَلَبوا القَميصَ والسِرْوالا
 

 

والدِرْعَ والثِيابَ والنِعالا
 

واَسْتَلَبَ الخاتَمَ منه بَجْدَلُ
 

 

وزادَ في الكُفرِ على ما فَعَلوا
 

بَرَى بِحَدِّ مُرهفٍ إصبَعَه
 

 

مُذْ صَعُبَ الخاتَمُ أنْ ينزَعَه
 

ثُمَّ تَسابَقوا إلى الرِّحَالِ
 

 

لِنهبِ ما فيها مِنَ الأثقالِ
 

وانتَزَعوا مَلاحِفَ النِساءِ
 

 

وقد بَدَتْ تَركِضُ في البَيداءِ
 

وأَضْرموا النيرانَ في الخيامِ
 

 

على ذَراري سيِّدِ الأَنامِ
 

خَرَجْنَ مِنْ أَسْرِ العِدا حَواسِرا
 

 

لَيسَ لَها غيرُ الأَكُفِّ ساتِرا
 

ينَظُرْنَ أَجساماً على الرّمالِ
 

 

وأَرْؤُساً تُرفَعُ بالعَوالي
 

 

فصلٌ

في جَرْي الخيل عليه عليه السلام

وانْتَدَبُوا مِنهمْ رِجالاً عَشْرةْ
 

 

بالخيلِ داسُوا صَدْرَه وظَهرَه
 

داسُوا خِزانَةَ الهدى والرَحمَة
 

 

وسَفَطَ العِلْمِ وكَنْزَ الحِكْمَة
 

داسُوا كِتَابَ الله بالحوافِرِ
 

 

وبَضعةَ الهادي النبي الطاهرِ
 

بِرَضِّ ضِلْعِ فاطِمَ البتولِ
 

 

رُضَّتْ ضلوعُ السبطِ بالخيولِ
 

وفي سِيوفٍ شُهرتْ ببَدْرِ
 

 

قَضَى الحسينُ لا بسيفِ شِمْرِ
 

لم يكُ في العَشْرةِ إلاّ ابنُ زِنا
 

 

حقَّ بكلِّ لعنةٍ أَنْ يُلعَنا
 

وما رَأَيْنا مِثلَ هذا الفِعْلِ
 

 

ولا سَمِعْناه أَتى في النقْلِ
 

أَلمْ يَكُنْ في جَمعِهمْ إنسانُ
 

 

إنْ لم يكنْ دِينٌ ولا إيمانُ
 

 

فصلٌ

في ذكر السجَّاد زين العابدين علي الأصغر عليه السلام

لا تَنْسَ ذِكرَ السيدِ السجَّادِ
 

 

زينِ العِبادِ زِينةِ العُبَّادِ
 

بقيَّةِ الله الإمامِ المرْضِي
 

 

حُجَّةُ جبَّارِ السَما في الأَرضِ
 

كَمْ مِنْ مَناقِبٍ لَه لا تُحْصَرُ
 

 

يُطْوى أَريجُ المِسكِ حينَ تُنْشَرُ
 

لَه انْطَوَتْ مَهامُه القِفارِ
 

 

وكَلّمَتْه الحُوتُ في البِحارِ
 

وَكَلّمَته ظَبْيَةُ الفَلاةِ
 

 

بما لها مِنْ أَعْظَمِ الحاجاتِ
 

ردَّ عليها خِشْفَها فَسرها
 

 

فأَرْضَعَتْه بَعدَ يَأسٍ دَرَّها
 

والحَجَرُ الأَسَعدُ قَدْ أَتانا
 

 

بِحُجَّةٍ ناصِعَةٍ بُرْهانا
 

لاقى الرَزايا والخُطوبَ والمِحَنْ
 

 

بالعَزْمِ والتَفْويضِ والصَبرِ الحَسِنْ
 

وَالخَطْبُ ما زَلْزَلَ طَودَ صَبْرِه
 

 

وإن أزَالَ الطَودَ عَنْ مَقَرّه
 

فَلا نَبيَّ مِثلَه تحَمَّلا
 

 

ولا وَصيَّ كَابْتِلائِه ابْتَلى
 

لهفِي لَه وَهوَ عَليلٌ مُلْقى
 

 

لِماْ بِه الصَخرُ الأَصَمُّ رقّا
 

قَدْ سَلَبوُه النَّطْعَ والوَسادَةْ
 

 

وصَيّرُوا الضَربَ له عِيادَةْ
 

عَزاؤُه مِنهمْ على أَبِيه
 

 

والصَفْوَةِ الأَبْرارِ مِنْ أَهليه
 

بالشَتْمِ والزَجْرِ وبالتَهدِيدِ
 

 

وبالجَفا والأَسْرِ والقِيُودِ
 

على أَبِيه قَدْ بَكى سِنيِنا
 

 

لا زالَ فيه واجِداً حَزِينا
 

ما ذَكَرُوا مَصْرَعَ تِلكَ العِتْرَة
 

 

في الطَفِّ إلاّ خَنَقَتُه العَبْرَة
 

لَولاه ساخَتْ بِهمُ المِهادُ
 

 

وانْهدّتْ الجِبالُ والأَطْوادُ
 

والأَرضُ مارَتْ والسَماءُ انْفَطَرَتْ
 

 

والشمسُ غارتْ والنجومُ انكَدرتْ
 

قَدْ اسْتَجابَ ربّه دُعاءَه
 

 

أَهلكَ في حيَاته أَعْداءه
 

وَسَلّطَ المُختارُ حتّى انْتَقَما
 

 

مِنْ عُصْبَةٍ قدْ حارَبَتْ رَبَّ السّما
 

بالسَيفِ قَدْ أبادَهمْ والنارِ
 

 

قبَلَ عَذابِ القادرِ الجَبّارِ
 

 

فصلٌ

 في ذكر السيدة العقيلة الكبرى عليها السلام

لله صَبْرُ زَينبَ العَقِيلَة
 

 

كَمْ صابَرَتْ مَصائِباً مَهولَة
 

رَأَتْ مِنَ الخُطُوبِ والرَزايا
 

 

أَمْراً تَهونُ دُونَه المَنايا
 

رَأَتْ كِرامَ قَومِها الأَماجِدِ
 

 

مُجزَّرِينَ في صَعِيدٍ واحِدِ
 

تَسْفِي على جُسُومِها الرّياحُ
 

 

وهيَ لِذُؤْبانِ الفَلا تُباحُ
 

رَأَتْ عَزيزَ قَومِها صَرِيعا
 

 

قَدْ وَزَّعُوه بالظُّبا تَوزِيعا
 

رَأَتْ رُؤسَاً بالقَنا تُشالُ
 

 

وجُثَثَاً أَكفانُها الرِّمالُ
 

رَأَتْ رضِيعاً بالسِهامِ يُفْطَمُ
 

 

وصِبْيَةً بَعدَ أَبيِهمْ أُيتِمُوا
 

رَأَتْ شَمَاتَةَ العَدُوِ فِيها
 

 

وَصُنْعَه ما شاءَ في أَخِيها
 

رَأَتْ عَناً أَسْراً هواناً ذُلا
 

 

ظُلْماً جَفاً جَوْراً سِباباً ثُكْلا
 

وإنَّ مِنْ أَدْهى الخُطُوبِ السُودِ
 

 

وُقُوفَها بينَ يَدَيْ يَزيدِ
 

 

فصلٌ

في يوم عاشوراء وبعض آدابه

لو كانَ يَدْري يومُ عاشُوراءِ
 

 

ما كانَ يَجْرِي فيه مِنْ بَلاءِ
 

ما لاحَ فَجْرُه ولا اسْتَنارا
 

 

ولا أَضاءَتْ شَمسُه نَهارا
 

سَوَّدَ حُزْناً أَوجُه الأَيامِ
 

 

بَلْ أَوْجُه الشهورِ والأَعوامِ
 

الله ما أَعْظَمَه مِنْ يَومِ
 

 

أزالَ صَبْرِي وأَطارَ نَوْمِي
 

اليومَ أهلُ آيةِ التطهيرِ
 

 

بَينَ صَرِيعٍ فيه أوْ عَفِيرِ
 

اليومَ قدْ ماتَ الحِفاظُ والوَفا
 

 

اليومَ كادَ الدِينُ يَقْضي أَسَفا
 

اليومَ نامتْ أعيُنُ الأَعداءِ
 

 

وسَهدَتْ عيُونِ ذِي الوَلاءِ
 

ويْلي وهلْ يُجْدِي حَزِيناً وَيْلُ
 

 

لأَضْلُعٍ تَدُوسُهنَّ الخيلُ
 

وأَرأُسٍ لها الرِماحُ تَرْفَعُ
 

 

وجُثَثٍ على الصَعِيدِ تُوضَعُ
 

وثاكِلٍ تَبْدُو مِنَ الخِدُورِ
 

 

تَعُجُّ بالوَيلِ وبالثُّبورِ
 

ومُرضِعٍ تَرنُو إلى رَضِيعِ
 

 

على التُرابِ فاحِصٍ صَرِيعِ
 

ونسوةٍ تُسْبى على النِياقِ
 

 

حَسْرى تُعاني ألَمَ الوِثاقِ
 

أَهمُّ شَيءٍ لِذَوِي الوَلاءِ
 

 

أَنْ يَجْلِسُوا للنَّوحِ والعَزاءِ
 

فيه تُقامُ سنَنُ المُصابِ
 

 

والترْكُ للطَعامِ والشرابِ
 

 

فصلٌ

في سير السبايا إلـى الكوفة

سَارُوا إلى الكُوفَةِ بالسَبايا
 

 

تُساقُ فوقَ هزَّلِ المَطايا
 

مغلُولةَ الأَيدِيْ إلى الأعْناقِ
 

 

تُسبْى على عُجْفٍ من النِياقِ
 

حاسِرةَ الوَجه بغَيرِ بُرْقِعِ
 

 

لا سِترَ غيرُ ساعِدٍ وأذرُعِ
 

قد تَركَتْ عَزيزَها على الثَرى
 

 

وخلَّفتْه في الهجِيرِ والعَرا
 

إنْ نظَرتْ لها العيونُ وَلْوَلَتْ
 

 

أو نَظَرَتْ إلى الرؤُوسِ أَعْوَلَتْ
 

تَوَدُّ أنَّ جِسْمَها مَقبوُرُ
 

 

ولا يَراها الشامِتُ الكَفُورُ
 

وهي بأستارٍ مِنَ الأَنوارِ
 

 

تحجُبُها عن أَعْيُنِ النُّظَّارِ
 

فاجتَمعَ الناسُ علَيهمْ للنَظَرْ
 

 

وفيهمُ مَن لَيسَ يَدرِي ما الخَبرْ
 

فأَشْرَقتْ ذاتُ خمارٍ منهمُ
 

 

تقولُ: مِن أيِّ الأُسارى أَنتُمُ
 

قُلْنَ لها إذْ رَامَتْ التَعرُّفا:
 

 

نحَنُ أُسارى آلِ بيتِ المصطفى
 

فهيَّأَتْ مَقانِعاً وأُزْرا
 

 

نالتْ بها عَنِ العيونِ سِتْرا
 

يَسْترُها جَلالُها والنُورُ
 

 

فَالطرْفُ عنها خاسِئٌ حَسِيرُ
 

وا عَجَبَاً للأُمَّةِ الكُوفيةْ
 

 

تَبكِي على الذرّيةِ المرضيَّةْ
 

وهيَ التي قَدْ قَتلَتْ رِجالَها
 

 

وأيْتَمَتْ بقَتلِها أَطفالَها
 

 

فصلٌ

فيما كلمتهم به زينب الكبرى عليها السلام

وخاطبتْهم زينَبُ العقيلة
 

 

في خطبة باهرة جَلِيلَة
 

كأنما تُفرِغُ نُطقاً فيها
 

 

عن الإمامِ المرْتَضى أَبِيها
 

وكان مما خاطبتْهمُ به
 

 

والبَعضُ كافٍ منه للمُنتَبه
 

تَدرُونَ أيَّ كَبِدٍ فَرَيتُمُ
 

 

للمصطفى وحُرَّةٍ أَبدَيتُمُ؟
 

أتُظهرونَ النوحَ والعَويلا
 

 

فابكُوا كَثيراً واضْحَكُوا قَلِيلا
 

ذهبتمُ بالعارِ والشَّنارِ
 

 

وبُؤْتُمُ في غَضَبِ الجبَّارِ
 

أيَّ دَمٍ للمُصطفى سَفَكتُمْ؟
 

 

وأيَّ حُرمَةٍ له هتَكتُمْ؟
 

بُعداً لكمْ من أُمةٍ وسُحقا
 

 

صيَّرتُمُ أَنفُسَكُمْ أَرِقَّا
 

 

فصلٌ

فيما تكلمت به فاطمةُ الصُّغْرى

قدْ خَطَبَتْ حَرَّى الفؤادِ عَبْرى
 

 

فاطِمَةٌ بِنْتُ الحسينِ الصُّغْرى
 

قالَتْ لأهلِ الخُيلاءِ والجَفا
 

 

والمكرِ والغُدْرِ بآلِ المصطفى
 

إنَّا بني المختارِ أَهلُ الحُكْمِ
 

 

عَيْبَةُ عِلْمٍ ووِعاءُ فَهمِ
 

أَكْرَمنا الرَحْمنُ بالكرامَةْ
 

 

وَخَصَّنا بالفَضْلِ والزَّعامَةْ
 

كَفَّرْتمُونا وبنا اهتَدَيْتُمُ
 

 

إنْ كُنْتُمُ اليومَ كما ادَّعْيتُمْ
 

رَأيْتُمُ قتالَنا حَلالا
 

 

وَقَدْ أَسَأْتُمْ مَعَنا فِعالا
 

سُيوفُكُمْ تَقْطُرُ مِنْ دمائِنا
 

 

وأَرْضُكُم تُمْلأُ مِنْ أَشْلائِنا
 

تَبَّاً لكُمْ فانتظِروا العَذابا
 

 

والخِزْيَ واللعنةَ والعِقابا
 

 

فصلٌ

في بعض ما تكلَّمَ به السجادُ  عليه السلام

قالَ لَهمْ مِنْ بَعدِ حَمْدٍ وَثَنا
 

 

وَنَقْلِ مَعْنىً بَعْضُه فيه غِنى
 

أنا عَليُّ بنُ الحُسَينِ بنُ عَلِيْ
 

 

أنا ابْنُ سبطِ المصطفى المُبَجَّلِ
 

أنا ابنُ مَنْ قد هُتِكَتْ حُرْمَتُه
 

 

وَانتُهبتْ بين الورى نِعْمَتُه
 

أنَا ابْنُ مَنْ قدْ قَتلُوه صَبراً
 

 

وَقدْ كفى المرءَ بذاك فَخْراً
 

ناشدْتُكُمْ بالله هلْ كَتَبْتُمْ
 

 

إلى أبي وَعْهدَكُمْ أعْطَيتُم
 

دَعَوتمُوه وخَدَعْتمُوه
 

 

وَمُذْ أَجابَكُمْ قَتَلْتُموه
 

تبَاً لما قَدّمتُمُ مِنَ العَمَلْ
 

 

وُسوءة لمِا صَنَعْتُمْ وَخَطَلْ
 

بأَيِ عَينٍ تنَظِرُونَ المُصْطَفى
 

 

وَقد فَعَلْتُم كُلَّ جَوْرٍ وجَفا
 

حِينَ يقُولُ قَدْ قَتلتُمْ عِتْرَتي
 

 

إِلَيْكُمُ فَلسْتُمُ مِنْ أمَّتَي
 

فقالَ بَعضُ الحاضِرينَ منهمُ
 

 

هلَكْتُمُ وأنتُمُ لم تَعْلَمُوا
 

قالَ الإمامُ فاقبَلُوا نَصِيحَتي
 

 

لكُمْ وفي الله اقبَلُوا وَصيَّتي
 

قالوا له نَحنُ جميعاً نسْمَعُ
 

 

نُطيعُ ما أَمرتَنا وَنَتْبَعُ
 

مُرْنا بما تَشاءُ لَسْنا نَرغَبُ
 

 

عنكَ وَلا مولىً سواك نَطْلُبُ
 

قالَ لهمْ هيهاتَ هيهاتَ الوَفا
 

 

وكيف أَنسى منكُمُ ما سلَفا
 

رِمتُمْ بأنْ تَأتُوا إليّ مِثلَما
 

 

جئتُمْ لآبائي فيما قَدُما
 

كلا وَربِّ الراقصاتِ الإبِلِ
 

 

فالجُرحُ لم يُسْبَرْ وَلم يَنْدَمِلِ
 

قتلتمُ أبي وأهلَه مَعَه
 

 

وَالصلحاءَ الغُرَّ ممَّنْ تَبَعه
 

وغُصَصُ الَخطْبِ المَهوْل تجرِيْ
 

 

بين حناجِري وَبَيْنَ صَدْرِي
 

مَسْألتي بأنْ تكونُوا لا لَنا
 

 

وَلا علينا وَهوَ غايةُ المنى
 

 

فصلٌ

في دخولهم على عبيد الله بن زياد لعنه الله

وأعظمُ الخُطُوبِ وَالدَواهي
 

 

دخُولُهمْ على عَدوِّ الله
 

إذْ حلّ قَصرَ الظُلْمِ والعِدْوانِ
 

 

وقَدْ دَعا الناسَ إلى الإتيانِ
 

وجيءَ بالرأسِ الشَريفِ الطاهرِ
 

 

لذلكَ الرِجْسُ الظَلُومِ الفاجِرِ
 

وأَدْخَلُوا العيالَ والأَطْفالا
 

 

عليه في حالٍ تَسُوءُ الحالا
 

كلّمَ زَينَباً كلاماً قَبُحا
 

 

مما بِه إناؤه قَدْ رُشِحا
 

وقالَ: كَيفَ قدْ رَأيتِ ما وَقَعْ
 

 

وفي ذَوِيكِ اليومَ ما الله صَنَعْ
 

قالتْ لَه خَيرَ كَلامٍ قِيلا
 

 

لم أرَ إلاّ حَسَناً جَمِيلا
 

قد كُتبَ القَتلُ علَيهمْ فَمَضَواْ
 

 

إلى نعيمٍ دائِمٍ لما قَضَوا
 

بينَ يَدَي عَدْلٍ تُقامُ الحُجَجُ
 

 

فَانْظُرْ إذاً لِمَنْ يَكونُ الفَلَجُ
 

قالَ لَها شَفى الإله قَلْبي
 

 

مِنكُمْ ونِلْتُ ظَفَراً في حَرْبي
 

قالتْ لعَمْريْ قَدْ قتَلْتَ كَهلي
 

 

قَطَعْتَ فَرْعِي واَجْتَثثتَ أَصْلي
 

فإنْ يَكُنْ بِقَتلِهم شِفاكا
 

 

فقدْ بَلغْتَ منْهمُ مُناكا
 

واسْتَقبلَ السَجادَ في خطابه
 

 

ومذْ رَأى الصَوابَ في جَوابِه
 

قالَ اقْتِلُوه فبه جراءة
 

 

قدْ رَدّنَي وردُّه إساءة
 

قالَتْ له بنتُ الإمامِ مَهلا
 

 

إنكَ قدْ أَسْرَفْتَ فِينا قَتْلا
 

وقَتْلَه إنْ رُمْتَ فَاقْتُلني مَعَه
 

 

ما دامَتِ الحياةُ لي لَنْ أَدعَه
 

والسَيْدُ السَجادُ عنْ خِطابه
 

 

أَسْكَتَ زَينبَاً وفي جَوابه
 

قال أَبالقتلِ تُهدِّدُونا
 

 

وإننا لا نَرْهبُ المَنُونا
 

ألسْتَ تَدْريْ القَتلُ فِينا عادَة
 

 

وعندَنا الكرامةُ الشَهادَة
 

 

فصلٌ

في شهادة عبد الله بن عفيف  رحمه الله

وهلْ سَمِعتَ بحدِيثِ الأَزْدِي
 

 

وكانَ مِنْ أَهلِ الوَلا والزُهدِ
 

كانَ يُعَدُّ مِنْ خِيارِ الشِيعَة
 

 

وفي التُقىْ ذو رُتبْةٍ رَفيِعَة
 

عَيناه زالتا بِخَيرِ السُبِلِ
 

 

في يومِ صِفّينَ ويَومِ الجَمَلِ
 

قدْ أَنْكَرَ المنُكرَ لما سَمِعا
 

 

قولاً له رُكْنُ الهدى تَصَدّعا
 

مِنْ ابنِ مَرجانةَ فَوقَ المِنْبَرِ
 

 

بمشْهدٍ من جَمْعِهمْ وَمَحْضَرِ
 

قامَ العَفيفُ ابنُ عَفيفٍ قائِلا
 

 

وما أَرادَ بالمَقالِ باطِلا
 

قالَ له أَنْتَ ومَنْ وَلاّكا
 

 

كلٌ أَراه الكاذِبَ الأَفّاكا
 

أَتَقْتِلُونَ يا عَدُوَ الله
 

 

بَنِي النبي الطاهرِ الأَوّاه
 

وتَنْطِقُونَ بَعْدُ بالبُهتانِ
 

 

مِنْ فَوقِ أَعْوادِ ذَوِيِ الإيمانِ
 

أيْنَ المُهاجِرونَ والأَنصارُ
 

 

وَأينَ أولادُهمُ الأَبْرارُ
 

فانتَفَخَتْ مِنْ غَضَبٍ أَوْداجُه
 

 

وزادَ مِنْ مَقالِه هياجُه
 

فقالَ آتُوني به فقامُوا
 

 

لابنِ عَفيفٍ عُصْبَةٌ لِئامُ
 

فَقامَتْ الأزدُ ذوَوَه حاجِزَه
 

 

وخَلّصُوه مِنْ يَدِ الجَلاوُزَةْ
 

وقاتَلوا ذَويه حَتّى وَصَلُوا
 

 

واقْتَحَمُوا الدارَ وفِيها دَخَلُوا
 

وابنَتُه صاحَتْ: أتاكَ القَومُ
 

 

ولَيسَ يُجْدِي حَذَراً ولَومُ
 

فقالَ: لا علَيكِ ناولِيني
 

 

سَيْفي لأَحْمِي مُهجَتِي وَدِيني
 

وَدّتْ بأَنْ تكُونَ ذاتَ مَقْدرة
 

 

حتى تُخاصِمَ اللِئامَ الفَجَرة
 

دارَ علَيه الجَمْعُ وهوَ مُفْردُ
 

 

ومِنه لمْ يُقْدِمْ عَلَيه أَحَدُ
 

وكُلّما جاؤُوا عَلْيه مِنْ جِهة
 

 

لَه تَكُونُ ابْنَتُه مُنَبّهة
 

تَقولُ قَدْ جاؤُوكَ منْ نحَوِ كَذا
 

 

تَخْشى علَيْه غِيلَةً أنْ يُؤخَذا
 

فَقالَ مُذْ تَكاثَرُوا علَيه
 

 

ومالَه مِنْ ناصِرٍ لَدَيه
 

أُقسِمُ لو يُفسَحُ لي عنْ بَصَرِي
 

 

ضاقَ عَليْكُمْ مَوْرِدي وَمصْدَري
 

وَلمْ يَزالُوا فيِه حتى حُمِلا
 

 

على الدَعِيّ ابْنِ زيادٍ أُدْخِلا
 

فقالَ ما تقُولُ في عُثمانِ
 

 

والأمْرُ لا يَحْتاجُ للبَيانِ
 

فقالَ يا عبدَ بَني عِلاجِ
 

 

مالَكَ في ذاكَ مِنْ احْتياجِ
 

وإنمَا الله وَلِيُّ خَلقِه
 

 

يَقْضِي لكلِّ مِنْهمُ بِحَقِه
 

وعنْ يزيدَ سَلْ وعَنْ أَبيه
 

 

وعنْ أَبيكَ الجاهلِ السَفِيه
 

فقالَ لا أَسْأَلُ شيئاً حتّى
 

 

تَذُوقَ بالسَيفِ الحُسامَ مَوْتا
 

فقالَ عبدُ الله ذا مُرادِي
 

 

وبُغيتي مِنْ خالِقِ العِبادِ
 

من قبلِ أَنْ تُوجَدَ في الأَحيْاءِ
 

 

كُنْتُ طَلَبْتُ منه في الدُعاءِ
 

شهادةً خالصةً أنْ يَرزُقا
 

 

علَى يَدَيْ أَلْعَنِ شَخْصٍ خُلِقا
 

وقدْ يئِسْتُ حِينَ كفَّ بَصَرِي
 

 

ولمْ أَكُنْ أَعْلَمُ بالمُقَدَّرِ
 

فالحمدُ لله على ما رَزَقا
 

 

قد استجابَ لي دُعاءً سَبَقا
 

أرسَلَ جمعاً نَحوَه كثيراً
 

 

جاؤوا به منْ بَيْته أَسِيراً
 

لَه الهنا قَدْ أَدْركَ الشهادَة
 

 

وفازَ بالأَجرِ وبالسعادَة
 

 

فصلٌ

في سيرهم إلى الشام

سارَ إلى الشامِ بِهمْ مُحَقّرُ
 

 

وهمْ كَسَبي الرُومِ إذْ يُسَيَّرُ
 

وأَدْخَلُوهمْ في دِمَشْقِ الشامِ
 

 

في مَسْلَكٍ يَضِيقُ بالزّحامِ
 

والرُّوُسُ فيما بَينَهمْ تُشالُ
 

 

يَمِيدُ فيها الأَسمَرُ العَسَّالُ
 

بِنْتُ عليٍّ طَلبَتْ منْ شِمرِ
 

 

أمراً علَيه ما به مِنْ عُسْرِ
 

قالتْ: إذا الشامُ دَنَتْ ديارُه
 

 

سِرْ مَسْلَكاً قَلِيلَةٌ نُظَّارُه
 

ونَحِّنا عَنْ أرؤُسِ الأهلينا
 

 

مِنْ كِثْرَةِ النُّظَّارِ قدْ خُزِينا
 

ونحنُ في حالٍ كَما تَرانا
 

 

تَشْمَتُ في رُؤْيتِنا أَعْدانا
 

وقدْ أتَى بعَكْسِ ما تُريدُ
 

 

هذا الكفورُ الظالمُ العنيدُ
 

بفعْلِه ذاكَ الشَنِيعُ ما اكتفا
 

 

حَيثُ يُقامُ السَبْيُ فِيهمْ وقَفَا
 

 

فصلٌ

في دخولهم على يزيد لعنه الله

وأدخَلوهمُ بتلكَ الحالِ
 

 

وَهمْ مُقَرَّنُونَ بالحِبالِ
 

على يزيد وهوَ في سُلطانِه
 

 

في أوليائِه وفي أَعوانِه
 

والرأسُ ما بين يديه وُضِعا
 

 

وهوَ بِعُودِ خَيزُرانٍ قَدْ دَعا
 

ينكثُ ثغراً وثنايا غُرَّا
 

 

قَدْ كانَ يُولِيها النبي ثَغْرا
 

وهو بِشِعرِ ابن الزبعرى ينطقُ
 

 

وهوَ لأَمرِ كُفرِه مصدِّقُ
 

قالت: من العَدلِ أيا ابنِ الطُّلقا
 

 

حينَ لكَ الأمرُ صفَا واستَوْسَقا
 

وخاطَبَتْه زينبٌ بما جَرى
 

 

مِنْ مَنْطِقٍ وأَلقَمَتْه حَجَرا
 

تَخْدِيرُكَ الإماءَ والبَغايا
 

 

وسَوقُ آلِ المصْطَفى سَبايا
 

ولَيسَ مِنْ حُماتِها حميُّ
 

 

ولَيسَ مِنْ رِجالِها وَليُّ
 

فاسْعَ وكِدْ فَلَسْتَ تَمحُو ذِكْرَنا
 

 

ولا تَمِيتُ وحيَنا وأَمْرَنا
 

وَلمْ تَكُنْ تَرحَضُ عَنكَ عارَها
 

 

وسَوفَ تُصْلَى في الجَحِيمِ نارَها
 

هل رأيُكَ الخائبُ إلا فنَدُ
 

 

وجَمعُكَ الخائنُ إلا بَدَدُ
 

حَسْبُكَ بالله القَديرِ حاكما
 

 

وبالنبي المُصْطَفى مُخاصِما
 

وإنْ تَكُنْ قدْ جَرَتْ الدَواهي
 

 

عليَّ تَكلِيمُكَ بالشِّفاه
 

إنّي لأَسْتَصْغِرُ منِكَ القَدْرا
 

 

ولا أَرَى لَوْمَكَ يُجْدي أمْرا
 

وقدْ دَعَا هذا الكَفُورُ المُفْتَري
 

 

بخاطِبٍ يَصْعَدُ فَوقَ المِنْبَرِ
 

يَمدَحُه وشَيخَه ويَهجُو
 

 

مَنْ غَيْرَهمْ في حَشْرِنا لا نَرْجُوا
 

قد ذمَّ في خطبتِه أهلَ الهُدى
 

 

فليتبَوّأْ في الجَحيمِ مَقْعَدا
 

وأَنزَلُوه مَنزِلاً مُحقَّرا
 

 

لهمْ به الرِجسُ يزيدُ أمَرا
 

رَدَّ عَليهمْ بَعضَ مَا قَدْ نُسِبا
 

 

لِفاطِمٍ ومِنهمُ قَدْ سُلِبا
 

مِقْنعَةٌ قِلادَةٌ قَمِيصُ
 

 

ومَغْزَلٍ جاءَتْ به النُصوصُ
 

وقال: رُدوا عِترَة الرَسُولِ
 

 

أُومُوا بِهم مَدِينَةَ الرسولِ
 

 

فصلٌ

 في عودهم إلـى المدينة ومرورهم بكربلاء

مُذْ عادتِ النساءُ والعيالُ
 

 

إلى العراقِ للدليلِ قالوا:
 

مُرَّ بنا على طريقِ كربلا
 

 

مصرعُ ساداتِ بني عَمْرو العُلا
 

نبكي على أهلِ الوفا والصدقِ
 

 

فيها ونَقْضِي ما لَهمْ مِنْ حقِّ
 

وافُوا إليها بعيُونٍ عَبْرى
 

 

وحَرِ أَشْجانٍ تُذيبُ الصَخْرا
 

وقد أقامُوا عندَها أيَّاما
 

 

يبكونَ بَدْراً سَكَنَ الرُّغاما
 

وأنجماً تُزري سَناً بالشُّهبِ
 

 

غيَّبَها الحِمامُ تَحْتَ التُرَبِ
 

وانفصَلُوا منها ولمَّا قارَبُوا
 

 

طَيبَةَ وابنُ حذْلَمٍ مصاحِبُ
 

قال له السجَّادُ: يا بشيرُ
 

 

هلْ أنتَ بالشِّعْرِ امرؤٌ بصيرُ؟
 

قال نعم قال امضِ نحوَ يثربِ
 

 

وانعَ بها سِبطَ النبي الأنجبِ
 

قال بشيرٌ: فَركِبتُ فَرَسي
 

 

وجِئْتُ نحوَ المسجدِ المقدَّسِ
 

لأَهلِها ناديتُ: لا مُقامُ
 

 

لكُمْ بها، قَدْ قُتِلَ الإمامُ
 

الجسمُ منه بالطفوفِ مُودَعُ
 

 

والرأسُ من فوقِ القناةِ يُرفَعُ
 

هذا ابنُه بِقُربِكُم نزولُه
 

 

وافى إليكُم وأنا رسولُه
 

لم تبقَ في طَيبةَ ذاتُ خِدْرِ
 

 

إلا بَدَتْ ناشرةً للشَّعرِ
 

ضاربةَ الوجوه والشعورِ
 

 

تعجُّ بالويلِ وبالثبورِ
 

ففارَقوا ناعيَه وساروا
 

 

وفيهمُ قد ضاقَتْ القِفارُ
 

جاؤوا خِباءَ السيدِ السجَّادِ
 

 

بدا ودَمْعُ ناظريه بادي
 

فعجَّت الأصواتُ أيَّ عجَّة
 

 

وضجَّت البقعةُ أيَّ ضجَّة
 

فأُسْكِتَ الضجيجُ بالإيماءِ
 

 

وقالَ حامداً لِذي الآلاءِ
 

نحمَدُه على عظيمِ الأمرِ
 

 

وما جرَى مِنْ فاجعاتِ الدهرِ
 

على جليلِ الرزءِ والمصائبِ
 

 

وفادحاتِ الخطبِ والنَوائِبِ
 

يا قومُ إنَّ ربَّنا ابتلانا
 

 

بثُلمةٍ في الدينِ جلَّتْ شانا
 

قد قُتِل الحسينُ والذرّيّة
 

 

وقدْ غَدَتْ نساؤه مسبيَّة
 

ورأسُه يُدارُ في البلدانِ
 

 

من فوقِ عالي الرُمحِ والسِنانِ
 

أيُّ امرئٍ يُسَرُّ بعد قتلِه
 

 

وأيُّ قلبٍ لم يذُبْ من أجلِه
 

وأيُّ عينٍ تحبسُ الدموعا
 

 

وتغنمُ الراحةَ والهجُوعا
 

وقد بكَتْ لقتلِه البحارُ
 

 

وما بِها والنَبْتُ والأشْجارُ
 

والأرَضُونَ والسماواتُ العُلا
 

 

والإنسُ والجنُّ وسكَّانُ الفَلا
 

صرنا مشَرَّدينَ مَطْرودِينا
 

 

وعن ديارِنا مُبعَّدينا
 

من غيرِ ما جُرمٍ قد اكتَسَبْنا
 

 

وغيرِ مكروه قد ارتَكَبْنا
 

والله لو أن النبي أعلنَا
 

 

أوصى بقتلِنا كما أَوصى بِنا
 

لَما همُ زادوا على ما فعلوا
 

 

بنا وما كانوا بنا قد عَمِلُوا
 

مصيبةٌ والله ما أوجعَها
 

 

وما أكضَّها وما أفْضَعَها
 

فحسبُنا الله العزيزُ وكفى
 

 

فيما أصابَنا وعنه خَلَفا
 

وسارَ قاصداً إلى المدينة
 

 

بأُسرةٍ باكيةٍ حزِينة
 

جاؤوا ربوعاً لهمُ خوالي
 

 

قد ندبتْهم بلِسانِ حالِ
 

تقولُ:أينَ جِيَرتي وأهلي
 

 

وأين سكَّاني غيوثُ المَحْلِ
 

وأين مَن طابتْ بِهمْ أَرْجائي
 

 

وافتخرتْ أرضي على السماءِ
 

أين الأُولى كانوا أمانَ الخائفِ
 

 

وعِصْمةَ اللاجي من المخاوفِ
 

تبًّا لمن لم يرْعَهم وسُحْقا
 

 

مِن عاقرِ الناقةِ كان أشقى
 

ما حفظوا محمداً من بعدِه
 

 

ويُحفَظُ المرءُ بحفظِ وُلْدِه
 

كم فيهمُ أوصى ولو أوصاهمُ
 

 

بالْجَوْرِ ما زادُوْا على أذاهمُ
 

 

فصلٌ

 يشتمل على الوعظ والتسلي بمصاب أهل العَبا  عليهم السلام

حكمُ المنايا في البرايا جارِي
 

 

لكِنْ بأَمرِ الواحِدِ القَهارِ
 

هل تنفعُ الشَكوى منَ المكتُوبِ
 

 

أو يشتكي الربُّ منَ المربُوبِ
 

إياكَ أنْ تجزَعَ مِنْ مَوتِ أَحدْ
 

 

وانْ يَكُنْ أباً شَفيقاً أو وَلدْ
 

فليسَ منْ موتِ امرئ من بُدِّ
 

 

وليستْ الدُنيا بدارِ خُلْدِ
 

إنْ جانبٌ اصْبحَ منها عَذْبا
 

 

أمرَّ منها جانبٌ فأَوبى
 

فالمالُ والبَنونُ حرثُ العاجلة
 

 

والعملُ الصالِحُ حَرثُ الآجلة
 

فاتعِظوا بالعِبَرِ النوافِعِ
 

 

واعتبروا بالحِكَمِ السَواطعِ
 

أَنفُسكُمْ فهي أعزُّ الأَنفسِ
 

 

حقٌ عليكُمْ صَوْنُها مما يُسِي
 

فحاسِبوها قَبلَ أنْ تُحاسَبوا
 

 

وعاتِبُوها قَبلَ أنْ تُعاتَبوا
 

لا تنسَ ذكرَ هادِمُ اللّذاتِ
 

 

إنْ لم تَجِئه فهوَ جاءٍ آتي
 

فهلْ منَاصٌ منه أو مَعاذُ
 

 

وهلْ خَلاصٌ منه أو مَلاذُ
 

وكلُ حيّ هالكٌ إلاه
 

 

لم يبق حياً خالداً سواه
 

وهيَ وإنْ عِشْتَ إلى زمانِ
 

 

فانيةٌ وَمَنْ عليها فاني
 

لا تجْزعن لهالك فتشقى
 

 

فالله خيرٌ خلفَاً وأَبقى
 

وإنْ أصبت فتذكر ما جرى
 

 

على اُولي العِصْمَةِ ساداتُ الوَرى
 

وما بِهمْ حَلَّ مِنَ المَصائبِ
 

 

ومن عظيمُ الخَطْبِ والنَوائِبِ
 

ففيهمُ للمَرءِ نعمَ الأُسوةْ
 

 

وهم لذِي الإيمانِ خيرُ قُدوةْ
 

قضَى الحُسَينُ السبطُ والأنصارُ
 

 

وولدَه والعترةُ الأَطهارُ
 

ماتوا جميعاً في نهارٍ واحدِ
 

 

بلا ممرِّضٍ لهمْ وعائدِ
 

ماتوا ولم يَحْضُرْهمُ مِنْ أحدِ
 

 

لِشَدّ لحيين ولا مَد يدِ
 

ولا لتغميضٍ وتطبيقِ فمِ
 

 

ولا لأمرٍ واجبٍ محتَّمِ
 

ما حُمِلوا ما غُسِّلوا ما كُفِّنوا
 

 

ما حُنِّطوا ما شُيِّعوا ما دُفِنوا
 

وأهلُهم ماذا عليهمُ جَرى
 

 

ما حالُهم ليلةَ حادي عشَرا
 

عما بهم قد حلَّ مَنْ سَلاّهمُ
 

 

وعنْ عَزيزَ الله مَنْ عزَّاهمُ
 

وهل أُقيمَ مأتمُ الوفاةِ
 

 

لهمْ كما يُقامُ للأمواتِ؟
 

 

فصلٌ

 في تعزية صاحب العصر عليه السلام  وندبته

يا ابنَ الهداةِ المهتدينَ النُجبا
 

 

وابنَ الأُولى سَنُّوا المَعالي والإبا
 

يا ابنَ العلومِ الكاملاتِ والسُّننْ
 

 

يا ابنَ عليٍّ والحُسَينِ والحَسَن
 

أينَ استقرّتْ سَيدي بِكَ النَوى
 

 

بغيرِ رَضوى أمْ بِها أم ذِي طُوى
 

عزَّ عليَّ ما جَرى وقُدِّرا
 

 

إني أَرى الخَلقَ وأنتَ لا تُرى
 

عزَّ عليَّ أن أُجيلَ بَصَري
 

 

ولا أراك فوق ظهرِ مَنبَرِ
 

بيْ أنتَ مِنْ مُغيَّبٍ عنْ ناظري
 

 

وحاضرٍ في فِكرَتي وخاطري
 

بيْ أنتَ مِنْ مُغيَّبٍ يَرعانا
 

 

لم نَرَه لكنَّه يَرانا
 

إلى مَتى هذا النَوى إلى مَتى
 

 

شملُ اصْطباري عنكَ قَدْ تَشَتَّتا
 

فهلْ إليكَ مِنْ سَبيلٍ أو سبَبْ
 

 

أو حِيلةٍ تُلْفى فَقَدْ أَعيا الطَلَبْ
 

يومٌ نراكَ فيه يومُ عِيدِ
 

 

يُفدى بعُمرِ الزَمنِ المَديدِ
 

تُملأُ فيه الأَرضَ عَدْلاً مِثلَما
 

 

قد مُلِئَتْ بالجَورِ مِمّن ظَلَما
 

إلى متى الغَيبةُ والسَّرارُ
 

 

إلى متى الصَبرُ والانتظارُ
 

إلى متى الذِّلةُ والخُضوعُ
 

 

إلى متى يَصْطَبِرُ الجَزوعُ
 

إلى متى السِتارُ والتقيّة
 

 

إلى متى أَحْكامُكُمْ مَخْفية
 

دِينُكمُ تبدَّلَتْ أَحكامُه
 

 

وشَرْعُكُمْ قد نُكِّسَتْ أَعلامُه
 

تَلاعبوا بالدِّينِ والآياتِ
 

 

تَلاعِبَ الصِبيانِ بالكُراتِ
 

لم تبقَ من آثارِه إلا الرمَقْ
 

 

إن لم تَدارَكْ ذلكَ الباقي انْمَحقْ
 

أينَ مَضى ناشِرُ راياتِ الهدى
 

 

وصاحبُ النصرِ على مَنْ اعْتَدى
 

أينَ الإمامُ الغائِبُ المنتظَرُ
 

 

لأَنْ يُقيمَ الحقَّ حينَ يَظهرُ
 

أينَ الذي يَطلبُ بالذّحولِ
 

 

وبالدمِ المطهرِ المطلولِ
 

نَفْسي لكَ الفِداءُ والوقاءُ
 

 

إن الأعادي صَنَعوا ما شاؤوا
 

قد قتلوا خامسَ أصحابِ الكِسا
 

 

وأَثْكَلُوا فاطمةً خيرَ النِّسا
 

وكَمْ دَمٍ لكُمْ أَسالوا هدْرا
 

 

وحُرَّةٍ قَدْ هتَكُوها سِتْرا
 

قدْ أَخْلَوا المنِبرَ والمِحْرابا
 

 

ومزَّقوا السُّنَةَ والكتابا
 

أينَ الحُسينُ السِبطُ أينَ وُلْدُه
 

 

أينَ بَنو أَخيه أينَ جُنْدُه
 

وأينَ أَنصارُ الحُسينِ الصُّلَحا
 

 

أينَ الشِموسُ الطالِعاتُ في الضُّحى
 

لِمِثلِهمْ فلْتُذرَفِ الدموعُ
 

 

ولْتُكثَرِ الحَسرَةُ والوُلوعُ
 

لِمِثلِهم وما لَهمْ مَثيلُ
 

 

فَلْيَكْثرِ الصراخُ والعَويلُ
 

لِمِثلِهم فليحزنِ المقامُ
 

 

ومكةٌ والمشعرُ الحَرامُ
 

ولتحزنِ القبلةُ والمَشاعِرُ
 

 

والبيتُ والأركانُ والمنابرُ
 

مَنْ لِيتامى الناسِ والأَراملِ
 

 

قد أصبحوا بغيرِ كافٍ كافِلِ
 

مَنْ للمَساكينِ وللوُفودِ
 

 

مِن بعدِ ما أقفرَ بيتُ الجُودِ
 

لِقتلِهم شُهبُ السماءِ انْكَدَرَتْ
 

 

وشمسُها حزناً عليهم كُوِّرتْ
 

وقدْ بَكتْهمُ السَماواتُ دَمَا
 

 

والكونُ ماجَ والهواءُ أَظلَما
 

فانْهضْ فَدَيناكَ وَخُذْ بالثارِ
 

 

وأعْطِ حَقَّ الأَبيضَ البَتارِ
 

اذْهبْ به غَيظَ قُلُوبِ الشِيعَة
 

 

واشفِ به صدُورُها الوجِيعة
 

يا خيرَ مسؤولٍ وخيرَ مُفْضِلِ
 

 

صلِّ على المنتظرِ المؤمَّلِ([37])
 

على الإمامِ خاتمِ الأئمَة
 

 

القائمِ العَدلِ إمامُ الأُمَة
 

أيِّدْه يا ربِّ برُوحِ القُدسِ
 

 

وحُفَّه بالملأ المقدَّسِ
 

أبدِلْه بَعدَ خَوفِه أَمانا
 

 

ومِن لدُنْكَ اجْعَلْ لَه سلْطانا
 

واجْعَلْه داعياً إلى الكتابِ
 

 

وقائماً بدِينِك الصوابِ
 

إِحْيِ به الحقَّ وفُكَّ أَسْرَنا
 

 

وأعطِنا السؤْلَ ويسِّرْ عُسرنا
 

والْمُمْ به الشَعْثَ وسدَّ الخُلّة
 

 

واعزِزْ به الإسلامَ بعد الذلّة
 

يا ربِّ واَكحُلْ ناظري بالنظَرِ
 

 

إلى إمامٍ غائبٍ منتظَرِ
 

وَأَرِني طَلْعَتَه الرَشيدة
 

 

والغرّةَ الباهرةَ الحميدة
 

واجْعَلنيَ اللهمَّ مِنْ أَشْياعِه
 

 

ومن مواليه ومن أتباعِه
 

جدِّدْ لَه في كلِّ يَومٍ عَهدا
 

 

وبيعةً في عنقي وعَقدا
 

وإن تحُلْ ما بيننا الأَيامُ
 

 

وصَدَّ عن لقائه الحِمامُ
 

فأَحْيِني في ذلكَ الأوانِ
 

 

من جدَثي مؤتزِراً أكفاني
 

معتقِلاً للسيفِ والقَناةِ
 

 

مُلبِّياً لدعوةِ الهداةِ
 

ممتثِلاً لأمرِه مُسارِعاً
 

 

مُستشهداً بين يديه طائعاً
 

إليك نَشْكُو مِنْ تَظاهرِ الزَمنْ
 

 

وَكِثْرَةِ العِدا وشِدّةِ المِحَنْ

 

وغَيبةِ الوليِّ والأميرِ
 

 

وقلةِ العُدةِ والنَصيرِ
 

فيا إلهنَا إليكَ نَرْغَبُ
 

 

في دولةٍ كريمةٍ تُنْتَجَبُ
 

تجعلُنا فيها مِنَ الدُّعاةِ
 

 

إلى سبيلِ الحَقِ والنَجاةِ
 

 

 

 

الخاتمة

 

 

 

فضل كربلا

تُزْهِرُ كَرْبَلا لأَِهْلِ الْجَنّةْ
 

 

كَالْكَوْكَبِ الدُّرِّيِّ في الدُجُنّة
 

وفَضْلُها كالشمْسِ ليسَ يُجْحَدُ
 

 

كيفَ وفي الدُّرةِ قالَ السّيِّدُ([38]):
 

(وَمِنْ حَديثِ كربلا والكَعْبَة
 

 

لِكَرْبَلا بانَ علوُّ الرُّتْبَة)
 

لم تُخلَقِ الكَعْبةُ لولا كَرْبَلا
 

 

وَكَرْبلا نالَتْ بمَنْ فِيْها الْعُلا
 

 

فضل التربة الحسينية

فاسْجُدْ على تُرْبَتهِ الْقُدسِيَّةْ
 

 

فإنَّ فيها الفَضْلُ والمَزيّةْ
 

فَنُوْرُها يَخْرِقُ سَبْعَ الْحُجُبِ
 

 

يَفُوْقُ نُوْرَ نَيّراتِ الشُّهُبِ
 

ما سَجَدَ الْصَّادِقُ مَهْما صَلّى
 

 

إلاّ عَلَيْها وكَفَانا فَضْلا
 

وَطِيْنُ قَبْرهِ الَدَّواءُ الأكبَرُ
 

 

فِيْهِ الشِّفا مِنْ كُلِّ داءٍ يُذْكَرُ
 

والأَمْنُ في اسْتِصْحابِ طِيْنِ القَبْرِ
 

 

مِنْ كُلّ خَوْفٍ فَهْوَ خَيْرُ ذُخْرِ
 

فَاكْتُبْ بِهِ للْحرز والأمانِ
 

 

ما سُنَّ أَنْ يُكْتَبَ في الأَكْفانِ
 

وَبِالْحُنُوْطِ خَلْطُهُ مَندوبُ
 

 

فَإِنّهُ بِطِيْبِهِ يَطِيْبُ
 

وَاجْعَلْ تِجاهَ مَيِّتٍ في القَبْرِ
 

 

مِنْ ذاكَ شَيْئاً طَلَباً لِلسّتْرِ
 

حَنِّكْ بها الطِّفْلَ وفي المتَاعِ
 

 

ضَعْها لِحِفْظِهِ مِنَ الضِّياعِ
 

 

فضل السُّبْحَةِ الحُسَيْنيَّة

(سَبِّحْ بِطِيْنِ الْقَبْرِ لا تَسْتَبْدِلِ
 

 

وَاتَّخِذِ السُّبْحَةَ مِنْهُ وَاحْمِلِ)
 

(أَكْرِمْ بِها مِنْ سُبْحَةٍ مُرَجَّحَةْ
 

 

عَنْ حامِلٍ يَحْمِلُها مُسَبِّحَةْ)
 

يُكْتَبُ مَنْ يَحْمِلُها مُسَبِّحا
 

 

إِنْ لَمْ يُسَبِّحْ رَبَّهُ أوْ سَبَّحا
 

 

الصلاة والدعاء عند قبره عليه السلام

قَدْ جَعَلَ اللهُ الشِّفا في تُرْبَتِهْ
 

 

وَالْخُلَفَاءَ الْغُرَّ مِنْ ذُرِّيّتِهْ
 

وَعِنْدَ قَبْرِهِ اسْتِجابةُ الدُّعا
 

 

فَلْيُكْثِرِ الدُّعاءَ فِيْهِ مَنْ دَعا([39])
 

وَالنَّصُّ في الصَّلاةِ عِنْدَ الْقَبْرِ
 

 

بِالفَضْلِ يَقْضِيْ وَعَظِيْمِ الأَجْرِ
 

(فَأَدِّ عِنْدَ قَبْرِهِ الْمُفْتَرَضا
 

 

وَالنَّفْلَ واقْضِ ما عَلَيْكَ مِنْ قَضا)
 

فَذاكَ بَيْتٌ أَذِنَ اللهُ بِأَنْ
 

 

يُرْفَعَ قَدْراً فبه أَدِّ السُّنَنْ
 

(برشَّةٍ مِنْ دَمِهِ مُطَهَّرَةْ
 

 

طَهَّرَهُ اللهُ لِعَبْدٍ ذَكَرَهْ)
 

لَقَدْ عَلا قَدْراً بِمَنْ فِيْه ثَوى
 

 

فَاخْلَعْ بِهِ النَّعْلَ فَما وادِيْ طُوى
 

وَبَعْضُ أهْلِ الْعِلْمِ والإِتْقانِ
 

 

قالَ وَقَدْ أَجادَ في الْبَيْانِ
 

وَلا تُقَدِّمْ فِيْ الصَّلاةِ قَبْرَهُ
 

 

فَالشَّرْعُ بالنَّهْيِ أَبانَ حَظْرَه
 

وَفي الْمُساواةِ لَهُ كَلامُ
 

 

وَالْمَنْعُ أَوْلى إذْ هُوَ الإمامُ
 

بَلْ خَلْفَهُ قِفْ وإِلَيْهِ وَلِّ
 

 

وَجْهَكَ شَطْرَ قِبْلَةِ الْمُصَلِّيْ
 

أَوْ عَنْ يَمِيْنِ الْقَبْرِ أَوْ شمالِهِ
 

 

فَإِنَّهُ أَوْلى مِنِ اسْتِقْبالِهِ
 

وَآثرِ اليَمينَ فَهْوَ أَفْضَلُ
 

 

وَالْقُرْبُ مِنْهُ وَاللُّصُوْقُ أكْمَلُ
 

 

فضلُ زيارته عليه السلام  وشيء من آدابها

زيارةُ الحسينِ من خيرِ القُرَبْ
 

 

وهيَ على المؤْمِنِ فرضٌ قد وَجَبْ
 

قَدْ نَطقتْ بذلكَ الأخبارُ
 

 

وقَدْ روَى ذاكَ لنا الأَخيارُ
 

وهيَ على الرجالِ والنساءِ
 

 

للنصِّ والتكليفِ بالسواءِ
 

في فَضلِها قد جاءَ ما لا يُحصَى
 

 

ما عَمَّ كلَّ زمنٍ وخصَّا
 

فلا تدعْها عجَزاً أو كسَلا
 

 

ولا تهاوناً بها أو بَخَلاْ
 

وتَركُها فيه عقُوقٌ وجَفَا
 

 

فَراعِها إنْ كنْتَ مِنْ أَهلِ الوَفا
 

وزُرْ ضَريحَ سَيدٍ مَنْ زارَه
 

 

يَحُطَّ عَنه ربّه أَوزارَه
 

ومَنْ أتاه عارِفاً بحقّه
 

 

مِنْ سَيئاته يفزْ بعتقِه
 

له بكُلِ دِرهمٍ قدْ أَنفَقَه
 

 

عَشْرةُ آلافٍ له مُحقَقَةْ
 

حقٌ على الفقيرِ عندَ القُدرَة
 

 

يزوره في كلِ عامٍ مرّة
 

وذُو الغِنى يَزُورُ مَرتَينِ
 

 

في كلِ عامٍ مَشهدَ الحُسَينِ
 

وَزُدْ فانَّ الجَزْمَ في الزيادة
 

 

لأنّها مِنْ أَفضَلِ العِبادَة
 

في حالِ خَوفٍ وأَمانٍ ومَلقْ
 

 

فأفْضلِ الأعْمالِ ما كانَ أَشَقْ
 

وزُرْه كُلَّ جمعةٍ وشَهرِ
 

 

تنَلْ مِنَ الله عَظيمَ الأَجْرِ
 

وكُنْ على طَهارةٍ مُوَظّفَة
 

 

وفي ثيابٍ جُدُدٍ مُنظّفَة
 

بالبابِ قِفْ مُستأذناً واليُمنَىْ
 

 

قدِّمْ وقُلْ مِنَ الدُعا ما سَنّا
 

لا نصَّ في التقْبيلِ للأَعتابِ
 

 

لكنْ عليه عمَلُ الأَصحابِ
 

واسْجُدْ إذا شِئْتَ سِجودَ شُكرِ
 

 

لله إذْ فُزتَ بهذا الأَجْرِ
 

وادْخُلْ وَزُرْ بما هوَ المأْثورُ
 

 

وإنْ كَفى السلام والحضُورُ
 

وراعِ مهما اسطعْتَ قُربَ الرّمسِ
 

 

وآثِرْ الصَلاةَ عندَ الرأْسِ
 

وأحْضِرِ القَلبَ بكُلِ حالِ
 

 

في سَائرِ الأَقوالِ والأَفعَالِ
 

وإنَّ مِنْ إكرامِ صاحِبِ الحَرمْ
 

 

إكرامُ مَنْ حلَّ به مِنَ الخَدَمْ
 

لا تمكُثنَّ إنْ قضَيتَ الوطَرا
 

 

وإنْ خَرَجْتَ منه فامشِ القَهقَرى
 

 

في زيارة جابر بن عبد الله على ما ورد في بعض الروايات

وأَولُ الناسِ مِنَ الزُوّارِ
 

 

قبرَ الحُسَينِ جابرُ الأَنْصاري
 

جاء إلى شاطي الفرات فاغْتَسَلْ
 

 

ثمَّ بذكْرِ الله بعده اشْتغَلْ
 

حتى دنا فقال ألمسنيهِ
 

 

لصاحبٍ قدْ كانَ يَصْطَفيه
 

فخَرَّ مَغْشياً علَيه جابرُ
 

 

وَالوجْدُ والحُزنُ علَيه ظاهرُ
 

صاحَ ثَلاثاً يا حُسَينُ لما
 

 

أَفاقَ إذْ رُشَّ علَيه بالما
 

قالَ حَبيبٌ لم يُجِبْ حَبيبه
 

 

وَكيفَ يَرجوْ منه أنْ يُجِيبه
 

ورَأسه فارقَ منه البَدنَا
 

 

والبيضُ قدْ تَقاسَمَته والقناْ
 

أشهدُ يا خامسَ أصحابِ الكسا
 

 

ويابنَ خِيْرةِ الرجالِ والنِسا
 

إنّكَ طِبْتَ مَيتاً وحَيا
 

 

والقَلْبُ عنكَ يَكْرَه المُضِيا
 

أيتها الأَرْواحُ ما أزْكاكمُ
 

 

فيما دَخَلتُمْ فيه شاركْناكُمُ
 

وإنْ نكُنْ لم نَرَ ما رأَيتُمُ
 

 

ولمْ نُقاسِ بَعضَ ما قاسَيتمُ
 

نحبكُمْ ومَنْ أحَبَّ معشرا
 

 

مَعَ الّذي أَحَبَّهُ قَدْ حُشِراْ
 

وإنَّ نيّتي انطوَتْ على ما
 

 

كنتمْ نوَيتمُوه حرباً سلماْ
 

وما عَمِلتُمُ منَ الأعْمالِ
 

 

نُحِبُّهُ بِالْقَلْبِ وَالْمقَالِ
 

وَمَنْ أَحَبَّ عَمَلاً وما فَعَلْ
 

 

أُشْرِكَ يومَ البعْثِ في ذاكَ العمَلْ
 

 

قال جابر: سمعت حبيبي رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  يقول: (مَن أحبَّ قوماً حشر معهم، ومن أحب عمل قوم أُشرك في عملهم)([40]).

اللهم إنَّا لنحبّهم، ونحب عملهم، ونبغض أعداءهم في السر والعلانية، فزدنا لهم حبَّاً ولأعدائهم بغضاً، واجعلنا نموت على ذلك ونحيا.

تمت المقبولة الحسينية بحمد الله ومنِّه.

 

 

ملحق

مراثي اهل البيت

 

 

 

في أحوال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

أفضلُ مَنْ صَلّى وَصامَ واقْتَرَبْ
 

 

بَعْدَ نَبِيِّ الْحَقِّ سَيِّدِ العَرَبْ
 

أخوه وابنُ عمِّه وصِهرُه
 

 

به كهارونَ يُشَدُّ أَزْرُه
 

منْ لم يُواله فلا إِيمانَ لَه
 

 

والله لَنْ يَقْبَلَ مِنْه عَمَلَه
 

لَه من الفضائلِ المأثورةْ
 

 

ما لم تَسَعْه الصُّحُفُ المنشورَةْ
 

عِلماً تُقىً شجاعةً فصاحةْ
 

 

زُهداً حجىً عِبادَةً سَماحَةْ
 

باسْمِ أميرِ المؤمنينَ اخْتُصّا
 

 

وَكَمْ على هذا حديثٌ نَصّا
 

فلا تُسَمِّ أَحداً سواه
 

 

وإنْ يكُنْ ذلكَ مِنْ أَبْناه
 

أخو النبيِ وأبو سِبطَيْه
 

 

وَنَفْسُه تحُلُّ في جَنْبَيْه
 

هل فيهمُ منِ اقتفى آثارَه
 

 

أو شَقَّ في مَكرُمَةٍ غُبارَه
 

وهل لَهمْ من العلومِ والحِكَمْ
 

 

مِعْشارُ ما قد صَحَّ عَنْه وارتَسَمْ
 

هذا مع الغَضِّ عن النصوصِ
 

 

عليه بالعمومِ والخصوصِ
 

من آيةٍ تُتْلى وَمِنْ نصِّ خَبَرْ
 

 

عَنِ النبي المصطفى قد اشْتَهرْ
 

وأَوْضَحَ الحقَّ النبي الأُمِّيْ
 

 

للناس طُراً في غديرِ خُمِّ
 

فَمَنْ ترى أولى بهذا الأمرِ
 

 

فاحكُمْ بِوجدانك يا ذا الْخُبْرِ
 

فكيفَ والتقديمُ للمفضولِ
 

 

تَمْنَعه أوائلُ العقولِ
 

قد غصبوه عن عداءٍ حَقَّه
 

 

ولم يُراعوا قرْبَه وَسَبْقَه
 

وعاشَ فيهم صابراً مُضْطَهدا
 

 

صَبْراً على أَمَضّ من وَخْز المُدى
 

لا والذي كَوَّنَه بجودِه
 

 

أَكْبَرَ آيَةٍ على وجوده
 

ما كان ذاكَ مِنْه جُبْناً أو حَذر
 

 

أو عجزاً عن النِضّالِ أو خَورْ
 

 

في رثائه عليه السلام

تَهدَّمَتْ والله أركانُ الهدى
 

 

فَهَلْ فَقَدْنا حَيْدَراً أو أحمدا
 

نعم هوى حيدرُ في محرابه
 

 

فانْهضْ وَعَزِّ الدينَ في مُصابه
 

فالدينُ أضحى ثاكلاً بفقده
 

 

طامسةً أَعلامُه مِنْ بَعْدِه
 

تَنْدُبُه السُّنَّة والكتابُ
 

 

والبيتُ والمِنْبَرُ والمحرابُ
 

هوى مُخَضَّبَ المُحَيّا بالدمِ
 

 

بسيفِ أَشقى الأَشقيا ابنِ مُلْجمِ
 

فاندبْ وَنُحْ وابْكِ بِدَمعٍ سائلِ
 

 

على أَب الأَيتامِ والأَراملِ
 

على أمينِ الله في بِلاده
 

 

وحجةِ الله على عباده
 

 

وله  رحمه الله  وقد أنشأها في الثالث من محرم في كربلاء

لكل امرئٍ من زاده ما تزوَّدا
 

 

وَلسْتَ ترى كالعقلِ للمرءِ مُرْشدا
 

ولا مُرْشدٌ للعقلِ كالدينِ إِنَّه
 

 

يكونُ له عن كلِ عيبٍ مُسدِّدا

 

ألا إنما الدنيا خيالٌ وباطلٌ
 


 

وأعمالُها الكبرى وإن عَظُمَتْ سُدى

 

وَمَنْ يَرَ ما فيها بعينِ بصيرةٍ
 


 

يَجِدْ حُلْوَها مُرَّاً وإرْواءَها صدى
 

وإني بها نعم الخبيرُ لأَنَّني
 

 

تَدَبرْتُها كَهلاً وشيخاً وأمْرَدا
 

رأيتُ بِها بُؤْساً وَنعْمى وَصِحَّةً
 

 

وَسُقْماً وإِقْلالاً وَذُلاَّ وَسُؤْدَدَا
 

وكم أَبْصَرَتْ عَيْنايَ فيها مُملَّكاً
 

 

وَنَدْباً عِصامِيّاً وَحَبْراً مُمَجَّدا
 

فلم تكُ إِلاّ مِثْلَ أَحْلامِ نائِمٍ
 

 

بِها ليس يرجو أَنْ تَعُوْدَ فَيَرْقُدا
 

وما كان فيها الأُنْسُ إلا مُكَدَّراً
 

 

وَما كانَ فيها العيشُ الا مُنَكَّدا
 

 

رثاؤه لأبي الفضل العباس عليه السلام

أبا الفضلِ قد أَشْبَهْتَ بالفضلِ حَيْدرا
 

 


 

 

 

أَباكَ فأَحْرَزْتَ الْفَخَارِ الْمُخَلَّدا
 

لأنَّكَ أنت البابُ لِلسِّبْطِ مِثْلَما
 

 


 

 

 

أبوكَ عليُّ كانَ باباً لأِحْمَدا
 

وكانَ وزيراً للنبيِ مُؤيِّداً
 

 


 

 

 

كما كُنْتَ للسِّبْطِ الوزيرَ المُؤَيِّدا
 

وَصُلْتَ على الأعداءِ صَوْلَتَهُ الَتي
 

 


 

 

 

تُغادِرُ شَمْلَ الظالمِينَ مُبَدَّدا
 

بِسَيْفِ أبيكَ الدِّيْنُ كانَتْ حَياتُهُ
 

 

 

 

 

وَكُنْتَ لِسِبْطِ المصطفى في الْوَغى فِدا
 

أَبُوْكَ فَدى الهاديْ النَّبِيَّ بِنَفْسِهِ
 

 


 

 

 

وَلولاكُمُ في الطّفِّ أَوْدى بِه الرَّدى
 

وَلكِنَّهُ مِنْ كَيْدِ أَعْدَائهِ نَجا
 

 


 

 

 

وَبِتَّ عَلى وَجْهِ الصَّعِيْدِ مُوَسَّدا
 

ظَمِئْتَ وَأَرْوَيْتَ الثَّرى مِنْ دِمائِهِمْ
 

 


 

 

 

غَداةَ غَدا طَعْمُ الرَّدى لَكَ مَوْرِدا
 

وَمِنْكَ بَسِيْفِ الَبْغيِ إِنْ قطَّعُوا يَداً
 

 


 

 

 

فَقَدْ كُنْتَ في المعروفِ أَطْوَلَهُمْ يَدا
 

أَبوكَ يُلاقِيْ الجيشَ في خَيْرِ عُدَّةِ
 

 

 

 

 

وَأَنْتَ تُلاقي الجَيْشَ في الحَرْبِ مُفْرَدا
 

وإنْ هُوَ نَادى أَنْجَدَتْهُ ضَرَاغِمٌ
 

 


 

 

 

وَأَنْتَ إِذا نادَيْتَ لَمْ تَلْقَ مُنْجِدا
 

سِوى صارِمٍ عَضْبٍ تُحَلِّي لجَيْنَه([41])
 

 

 

 

 

رِقابَ الأَعادِيْ مِنْ دَمِ التُّرْسِ عَسْجَدا([42])
 

وَصَبْرٍ وإقدامٍ على كُلّ هائِلٍ
 

 

 

 

 

مِنَ الْخَطْبِ يُقْرِيْ([43]) الطيرَ مِنْ جُثَثِ العِدا
 

تَزِيْدُُ عَلى ضَغْطِ الحُروبِ حماسةً
 

 

 

 

 

كَجَوْهَرَةٍ بالصَّقْلِ زادَتْ تَوَقُّدا
 

إذا ما دَجا لَيْلُ المنايا وأَظْلَمَتْ
 

 

 

 

 

قَساطِلُها([44]) أَشْرَقْتَ فِيْهِنَّ فَرْقَدا
 

تَسِيْرُ إلى الْهَيْجاءِ مِنْكَ بِجَحْفَلٍ
 

 

 

 

 

مِنَ الْعَزْمِ ماضٍ ما وَنى أَوْ تَرَدَّدا
 

وَكُنْتَ مُعِيْناً للحُسَيْنِ وَناصِراً
 

 

 

 

 

وَبَعْدَكَ لَمْ يُبْصِرْ مُعِيْناً ومُسْعِدا
 

فَيا ابْنَ عليٍّ والعُلا لَكَ شيمةٌ
 

 

 

 

 

لَقَدْ طِبْتَ مولوداً كما طِبتَ مَوْلِدا
 

حقيقٌ بأن يغدو لك الدهرَ مأتماً
 

 

 

 

 

به النوحُ لا يزدادُ إلا تجدُّدا
 

وحقّ بأن تبكي عليك العُلا دماً
 

 

 

 

 

وتلبسَ جلباباً من الحزنِ أسودا
 

أبوكَ عليٌّ كان أرجَحَهُمْ حِجىً
 

 

 

 

 

وأبعدَهم شَأواً وأقرَبهُمْ جَدى
 

ومَن كأخيكَ السيّدِ الحَسَنِ الذي
 

 

 

 

 

تجسَّم من نورِ النبوةِ والهُدى
 

ومَن كحسينٍ والسيوفُ تنوشُه
 

 

 

 

 

تُقَىً نجدةً صبراً إباءً تجلُّدا
 

سننتُم إباءَ الضيمِ بالطفِّ للورى
 

 

 

 

 

وكنتم لمن يبغي المكارمَ مُقتدَى
 

ومَن كمصابيح الهدى آلِ هاشمٍ
 

 

 

 

 

بها ليلَ مَن لاقيتَ لاقيتَ سيِّدا
 

لقد أرخصُوا منهم نفوساً نفيسةً
 

 

 

 

 

بها يُختَمُ الذِّكْرُ الجميلُ ويُبْتَدا
 

                                                                                                           

 

نبذة يسيرة في أحوال سيدة النساء فاطمة عليها السلام  

فاطمةٌ خيرُ نساءِ الأمّةْ


 

 

من كلِّ ذنبٍ عُصِمَتْ ووَصمةْ


 

خيرُ النساءِ فاطمُ الزهراءِ


 

 

يزهرُ نورُها إلى السماءِ


 

قَدْ فَطَمَتْ من الجحيمِ الحاطمةْ
 

 

شيعتَها فسُمِّيتْ بفاطمةْ
 

ما مِثْلُها في كُلِّ أقربائِه
 

 

لا مِن بناتِه ولا نِسائه
 

قد وُلِدتْ مِن بعدِ عامِ البعثةْ
 

 

وقد حوتْ دونَ بنيِه إرثه
 

وكان منها دونَ مَن عداها
 

 

مِن أهلِه نسلُ النبي طاها
 

أُمُّ أبيها وَهْيَ أُمُّ ابْنَيْهِ
 

 

أحبُّ أهلِ بيتِه إليه
 

لولا عليٌّ لم يكنْ كُفءٌ لها
 

 

مِنْ آدَمٍ وَقَدْ كفاه شرَفا
 

ومَن بهم باهلَ سيّدُ الورى
 

 

و[قُلْ تَعَالَوْاْ] أمرُها لن يُنكَرا
 

و[هَلْ أَتَى] في حَقِّها وكم أتى
 

 

مِنْ آيةٍ ومِن حَدِيْثٍ ثَبَتا
 

لِما رَوَوْهُ في الصحيحِ المُعْتَبَرْ
 

 

مِنْ أَنّها بَضْعَةُ سيِّدِ البَشَرْ
 

وَبَضْعَةُ المعصومِ كالمعصومِ
 

 

في الحُكْمِ بالخُصوصِ والعُمومِ
 

لأِنَّها مِنْ نَفْسِهِ مُقْتَطَعةْ
 

 

فَحَقُّها فَي حُكْمِهِ أَنْ تَتْبَعَهْ([45])
 

إِلاّ الذي أخْرَجَهُ الدَّليلُ
 

 

فإنّنا بذاك لا نقولُ
 

ولم يَرِدْ في غيرِها ما وَرَدا
 

 

في شأنِها فالحُكْمُ لَنْ يَطَّرِدا
 

وآيةُ التَطهيرِ قد دَلَّتْ على
 

 

عِصْمَتِها من الذنوبِ كُمَّلا
 

أَذْهَبَ عَنْها رَبُّها الرِّجْسَ كَما
 

 

طَهَّرها في الخُلْقِ عَمّا وَصَمَا
 

صَلِّ عليها إنَّ مَنْ صَلَّى عَلى
 

 

فاطِمَةٍ يُغْفَرْ لَهُ ما فَعَلا
 

وَرَبُّهُ يُلْحِقُهُ امْتِناناً
 

 

بِالْمُصْطفى بالخُلْدِ حَيْثُ كانا
 

 

فصل في وفاتها ومُدَّة بقائها بعد أبيها  صلى الله عليه واله وسلم  

وَيْلٌ لِمَنْ ماتَتْ عَلَيْهِ غَضْبى
 

 

في شَأنِها لم يَرْعَ حَقَّ القُرْبى
 

قد بَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيْها المُصْطَفى
 

 

شَهْراً وَعَشْراً فعلى الدُّنيا العَفَا
 

وقِيلَ شَهْرَيْنِ وَنِصْفَ شَهْرِ
 

 

قَدْ بَقِيَتْ بَعْدَ أَبِيْها الطُّهْرِ
 

وقيلَ تِسْعِيْنَ مِنَ الأَيّامِ
 

 

وَخَمْسَةً تَكُوْنُ بالتَّمامِ
 

وقيلَ في ذلكَ أقوالٌ أُخَرْ
 

 

وما ذَكَرْناهُ هُوَ الَّذِيْ اشْتَهَرْ
 

هذا وَلكِنْ أوّلُ الأَقْوالِ
 

 

أَنْسَبُها([46]) بِمُقْتَضى الأَحْوالِ
 

فإنَّها لاقَتْ من الأهوالِ
 

 

وَسَيّئِ الأفعالِ والأقوالِ
 

ما لَوْ يُلاقِيْ بَعْضُهُ الجِبَالا
 

 

لزُلْزِلَتْ مِنْ وَقْعِهِ زِلْزالا
 

وكيفَ تَبقى مُدَّةً مِنَ الزَّمَنْ
 

 

مِنْ بَعْدِ هاتِيْكَ الخُطوبِ والمِحَنْ
 

يَكْفِيْ لِمَوْتِها مِنَ الأَخْطَارِ
 

 

وَقْعَةُ بَيْنَ البَابِ وَالْجِدارِ
 

في دارِها قد هَجَمُوْا عَلَيْها
 

 

فَرَوَّعُوْها وأخَافُوا ابْنَيْها
 

وشَاهَدَتْ بِعَيْنِها ما قَدْ جَرَى
 

 

مِنْهُمْ على ابْنِ عَمِّها مَوْلى الوَرَى
 

مِنْ بَيْتِها قَد أَخْرَجُوْهُ قَهْرا
 

 

يُقادُ بالنِّجادِ قَوْدَ الأَسْرى
 

رَأَتْ مِنَ الذُّلَّةِ والهَوانِ
 

 

وَقِلَّةِ الأَنْصارِ والأَعْوانِ
 

وَمِنْ أبَيْها مَنَعُوْا مِيْراثَها
 

 

ولم تَجِدْ في القَوْمِ مَن أَغَاثَها
 

لم يَحْفَظُوْا بَضْعَتَهُ مِنْ بَعْدِهِ
 

 

وَيُحْفَظُ الْمَرْءُ بِحِفْظِ وُلْدِه
 

لَقَدْ أضَاعُوْا حَقَّها جِهارا
 

 

وَأَنْكَرُوْا حُجَّتَها إِنْكارا
 

وَطَلَبُوْا بَيِّنَةً مِنْها عَلى
 

 

ما كانَ تَحْتَ يَدِها مُسْتَعْمَلا
 

ما طَلَبَتْ لأَنْ يُصِيْبُوْا رُشْدا
 

 

ما طَلَبَتْ إلاّ لأِنْ تُرَدّا
 

كَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوْا أَمْرَ فَدَكْ
 

 

وَلا دَرَوْا بِمَنْ لَها كانَ مَلَكْ
 

أكانَ يَخْفى أَمْرُها عَلَيْهِمْ
 

 

وَلَمْ يَصِلْ مِنْ مُخْبِرٍ إِلَيْهِمْ
 

وَهَلْ بِهذا الأَمْرِ مِنْ خَفاءِ
 

 

وَأََنَّها نَحِيْلةُ الزَّهْراءِ
 

وكيفَ تَسْتَعْظِمُ غَصْبَهُمْ فَدَكْ
 

 

أَوْ يَعْتَريْكَ الْيَوْمَ في ذلِكَ شَكْ
 

وَقَدْ جَنَوْا ما هُوَ أَدْهى وَأَمَرْ
 

 

وَارْتَكَبُوْا أَمْراً عَظِيْماً ذا خَطَرْ
 

خِلافَةً تَقَمَّصُوْها غَصْبَا
 

 

مِنْ أَهْلِها وَانْتَهَبُوْها نَهْبَا
 

وَاغْتَصَبُوْا مِنَ الْوَصِيِّ حَقَّهُ
 

 

وَلَمْ يُراعُوْا قُرْبَهُ وَسَبْقَهُ
 

لا رَاقَبُوْا مَعَادَهُمْ وَأنْصَفُوْا
 

 

لا أَذْعَنُوْا لأِمْرِهِ وَاعْتَرفُوْا
 

هَلْ فِيْهِمُ مَنِ اقْتَفَى آثارَهُ
 

 

أَوْ شَقَّ في مَكْرُمَةٍ غُبارَهُ
 

وَهَلْ لَهُمْ مِنَ العُلومِ وَالْحِكَمْ
 

 

مِعْشارُ ما قَدْ صَحَّ عَنْهُ وارْتَسَمْ
 

لَهُ مِنَ الفَضائلِ المأثورَةْ
 

 

ما لَمْ تَسَعْهُ الصُّحُفُ المنشورَةْ
 

عِلْماً تُقَىً شَجاعةً فصَاحَةْ
 

 

زُهْداً حجَىً عِبادَةً سَماحَةْ
 

هذا مَعَ الغَضِّ عَنِ النُّصُوْصِ
 

 

عَلَيْهِ بِالْعُمُوْمِ وَالْخُصُوْصِ
 

مِنْ آيَةٍ تُتْلى ومِنْ نَصِّ خَبَرْ
 

 

عَنِ النَّبيّ المُصْطَفى قَدِ اشْتَهَرْ
 

وأوْضَحَ الحقَّ النبي الأمي
 

 

للناسِ طُرَّاً في غديْرِ خُمِّ
 

فمَن تُرى أَولى بهذا الأمرِ
 

 

فاحكُمْ بوجدانِكَ يا ذا الخبْرِ
 

وكيفَ والتقديمُ للمفضولِ
 

 

تمنعُه أوائلُ العُقُولِ
 

أخو النبي وأبو سِبْطيه
 

 

بلْ نفْسُه إلى لدى جنْبيه
 

لا تصبرُ الشمُّ الرعافُ صَبْرَه
 

 

ولا تُداني حلْمَه وقَدْرَه
 

شَاهدَ منهم فاطِماً وظلمها
 

 

وغَصبهم حقوقَها وهضمها
 

يسمعُ ملءَ سَمعِه شَكواها
 

 

ثم يَرَى بعينه بُكَاها
 

من كان يرضى أنها تهتظم
 

 

أو أنها بعد أبيها تظلم
 

مَا كانَ ذاكَ منه جُبناً وحَذَرْ
 

 

أو عجزاً عن النضَالِ أو خَوَرْ
 

لا والذي كوّنَه بجُودِه
 

 

أكبَرَ آيةٍ على وُجُودِه
 

بل ذلَّلَ النفسَ لعِزِّ الدينِ
 

 

وما انطوى في عِلْمِهِ المَكْنُوْنِ
 

 

وقال في ترجمة الحسن السبط عليه السلام  

إِنَّ الإِمامَ الْحَسَنَ الْمُهَذَّبا
 

 

خَيْرُ الْوَرى جَدّاً وَأُمّاً وَأَبا
 

كَرِيْمُ أَهْلِ الْبَيْتِ أَهْلِ الْكَرَمِ
 

 

عَلَيْهِمُ بَعْدَ الصَّلاةِ سَلِّمِ
 

كُنْيَتُهُ الغُرُّ([47]) أبُوْ مُحَمَّدِ
 

 

وَأُمُّهُ الزَّهْراءُ بِنْتُ أَحْمَدِ
 

سَمّاهُ جَدُّهُ النبيُّ المُصْطَفى
 

 

وَعَقَّ عَنْهُ وَكفاهُ شَرَفا
 

ألْقابُهُ السيّدُ والزكيُّ
 

 

والسِّبْطُ والطَيِّبُ والتَّقِيُّ
 

كان جَمِيْلَ الْوَجْهِ جَعْدَ الشَّعَر
 

 

ما فِيْهِ مِن طُوْلٍ ولا مِنْ قِصَرِ
 

طَلْقَ المُحَيّا أَدْعَجَاً ذا وَفْرَة
 

 

أَبيضَ لَوْنٍ مُشْرَباً بِحُمْرَة
 

أَزَجَّ أَقْنى الأَنْفِ كَثَّ الشَّعرِ
 

 

ذا طَلْعَةٍ مُشْرِقَةٍ كَالْقَمَرِ
 

أَشْبَهَ جَدَّهُ النَّبِيَّ أَحْمَدا
 

 

خَلْقاً وَخُلْقاً وَحِجىً وَسُؤْدَدا
 

أَنْفَقَ مَرَّتَيْنِ كُلَّ ما مَلَكْ
 

 

للهِ ما أَبْقى لَهُ وَما تَرَكْ
 

وَقاسَمَ اللهَ ثلاثاً مالَهُ
 

 

وَلَمْ يُخَيِّبْ مَنْ جَدى آمالَهُ
 

وَكانَ شَهْماً صابِراً حَلِيْما
 

 

وَسَيّداً ومُصْلِحاً عظيما
 

مَوْلِدُهُ أَعْلى الإله ذِكْرَهْ
 

 

في سَنَةِ اثْنَتَيْنِ بَعْدَ الْهِجْرَةْ
 

قَضى شهيداً سَنَةَ الخَمْسِيْنِ
 

 

أَوْ سَنةَ التِّسْعِ وَأَرْبَعِيْنِ
 

 

في خلافته وإمامته عليه السلام

الحَسَنُ السِّبْطُ الزَّكِيُّ المُجْتَبى
 

 

خامِسُ أَهْلِ الْبَيْتِ أَصْحابِ الْعَبا
 

أَحَقُّ خَلْقِ اللهِ بالْخِلافَةْ
 

 

وَلا يُجِيْزُ مُسْلِمٌ خِلافَهْ
 

نَصَّ عَلَيْهِ بِصَرِيْحِ اللَّهْجَةْ
 

 

مَنْ نَصُّهُ عَلى البَرايا حُجَّةْ
 

وَهْيَ كَما رَوَوْا ثلاثونَ سَنَةْ
 

 

مِنْ بَعْدِهِ ثُمَّ تَعُوْدُ سَلْطَنَةْ
 

وَبايَعَتْهُ النّاسُ طَوْعاً وَرِضا
 

 

بَيْعَةَ حَقٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ تُنْقَضا
 

دَلَّ عَلَيْهِ الطَّبْعُ لِلْحَصاةِ
 

 

كما الَّتي في خَبَرِ الثِّقاتِ
 

فَهْوُ إمامُ الخَلْقِ بالإِجْماعِ
 

 

بَعْدَ الأَبِ الطُّهْرِ بِلاَ نِزاع
 

وَقَدْ جَرى عَلَيْهِ مِثْلُ مَا جَرى
 

 

عَلى أَبِيْهِ بَعْدَ سَيّدِ الْوَرى
 

فَمَنْ عَصاهُ ما عَصاهُ وَحْدَهُ
 

 

عَصى الإِلهَ وَالنَّبِيَّ جَدَّهُ
 

 

في بيعته لمعاوية لعنه الله

بايَع كَرْهاً لا عَنِ اخْتِيارِ
 

 

خَوْفاً مِنَ الطُّغاةِ والفُجّارِ
 

وَقِلّةِ الأَنْصارِ والأعوانِ
 

 

وَكَثْرةِ النِّفاقِ والخِذْلانِ
 

وَما بِهِ أَدْرى وَفِيْه أعْلَمُ
 

 

فطالما تَخْفى علَينا الحِكَمُ
 

بَيْعَةُ كَرْهٍ نالَها مُعاوِيَةْ
 

 

وَهْيَ على البَصِيْرِ غَيْرُ خافِيَةْ
 

سَعى لنَيْلِها بِكُلّ حِيْلَةْ
 

 

تَمَّتْ بِقَتْلِ ابْنِ النَّبِيِّ غِيْلَةْ
 

خَذَّلَ عَنْهُ الصَّحْبَ وَالأَنْصارا
 

 

وَأَنْفَقَ الدّرْهَمَ والدِّينارا
 

وَاسْتَعْمَل الْحِيْلَةَ وَالْخَدِيْعَةْ
 

 

وَحادَ عَنْ منَاهِجِ الشَّرِيْعَةْ
 

وَما وَفى بِما عَلَيْهِ اشْتَرَطا
 

 

عَنْ قُدْرَةٍ مُعْتَمِداً لا عَنْ خَطا
 

كيفَ وَمَهْما انْتَفَتِ الشُّرُوْطُ
 

 

فإنَّهُ لا يَسْلَمُ الْمَشْرُوْطُ
 

قالَ وَما اسْتَحْيى أمامَ الأُمَمِ
 

 

كُلُّ اشْتِراطٍ فَهْوَ تَحْتَ قدمِيْ
 

كَمْ لاِبْنِ هِنْدٍ سَيّئاتٍ مُوْبِقَةْ([48])
 

 

صَريْحَةٌ في الكُفْرِ أَوْ في الزَّنْدَقَةْ
 

خُرُوْجُهُ على إِمامَيْ عَصْرِهِ
 

 

وَسَيِّدَيْهِ وَوَلِيَّيْ أَمْرِهِ
 

وَقَتْلُهُ لَعَمْرٍوْ ابْنِ الْحَمْقِ
 

 

مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وَبِغَيْرِ حَقِّ
 

وكان من أفاضل الصحابة
 

 

ذا دعوة لله مستجابة
 

وَقَتْلُ حِجْرِ بْنِ عَدِيّ الطّاهرِ
 

 

وَصَحْبِهِ مِنْ أَعْظَمِ الْكَبائِرِ
 

قَدْ أَمَّرَ الفُسَّاقَ وَالفُجّارا
 

 

مُسْتَلْحِقَاً بَالنَّسَبِ الْعِهارا
 

وَرامَ أَمْراً لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْله
 

 

وَلَمْ يَكُنْ مِنْ فَرْعِهِ وَأَصْلِهِ
 

وقالَ بِالْجَبْرِ وبالإِرْجاءِ
 

 

ونالَ مِنْ خَيْرِ بَنِيْ حَوّاءِ
 

وَكان مَعْزُوَّاً لِغَيْرِ صَخْرِ
 

 

فَلَمْ يُنَزَّهْ عَنْ خَناً وَعُهْرِ
 

سَبَّب قَتْلَ ابْنِ النَّبِيِ الطاهِرِ
 

 

وَأَنَّهُ أقَوْى مِنَ الْمُباشِرِ([49])
 

وَهْوَ عَلَيْهِ واجِبُ الإِطاعَةْ
 

 

ما حَلَّلَ اللهُ لَهُ نِزاعَهْ
 

ماتَ عَلى مَعْصِيَةٍ وَحُوْْبَةْ([50])
 

 

مِنْ غَيْرِ إِقْلاعِ وَغَيْر تَوْبَةْ
 

وَمَنْ يَزِيْدُ بَعْضُ سَيّئاتِهِ
 

 

ماذا يَقُوْلُ الْمَرْءُ في صِفاتِهِ
 

مَلَّكَهُ أَمْرَ رِقاب الأُمَّةْ
 

 

فَزادَ ذاكَ وِزْرَهُ وَإِثْمَهْ
 

 

في ذكر الأسباب التي اضطرته للصلح

لَوْ وَجَدُ السّبْطُ لَهُ أَنْصارا
 

 

لَما جَرى ما قَدْ جَرى وَصَارا
 

لكِنْ رَأى الخُلْفَ وَخافَ صَحْبَهْ
 

 

أَنْ يُسْلِمُوْهُ أَنْ تَكُوْنَ الْوَثْبَةْ
 

فِيْهِمْ مَنِ اسْتَحَلَّ سَفْكَ دَمِهِ
 

 

كَما نَوى يُسْلِمُهُ لِخَصْمِهِ
 

بَلْ أظْهَرُوا تَكْفِيْرَهُ وَسَبَّهُ
 

 

وَجَوَّزُوْا مَعَ ابْنِ حَرْبٍ حَرْبَهُ
 

قَدْ طَعَنُوْهُ غِيْلَةً بِالْمِغْوَلِ
 

 

حَتّى اسْتبانَ مِنْهُ عَظْمُ الْمِفْصَلِ
 

وَخانَهُ أَهْلُ الْوَفا وَالقُرْبِ
 

 

وَمالَ عَنْهُ رُؤَساءُ الْحَرْبِ
 

فَلَمْ يَجِدْ بُدّاً مِنَ الْمُصالَحَةْ
 

 

وَالتَّرْكِ لِلْجلاد وَالْمُكافَحَةْ
 

مُشْتَرِطاً شَرائِطاً([51]) كَثِيْرَةْ
 

 

تَضَمَّنَت مَصالحاً خَطيرةْ

 

بِها الْوَفاءُ واجِبٌ مُحَتَّمُ
 


 

وَنَقْضُها في الدِّيْنِ مِمَّا يَحْرُمُ
 

كَيْفَ وَقَدْ أَكَّدَهَا بِالْحِلْفِ
 

 

وَالْعَهْدُ إِنّما بِغَيْرِ خُلْفِ
 

لكِنَّ مَنْ بِها أَقَرَّ والْتَزَمْ
 

 

لَمْ يَكُ مِنْ أَهْلِ الْوَفاءِ والذِّمَمْ
 

لا يَرْقَبُ اللهَ وَلا الرَّسُوْلا
 

 

وَلا الَّذِيْ في حَقِّهِ قَدْ قِيْلا
 

لَمْ تَخْفَ حالُهُ عَلى الإِمامِ
 

 

وِفِعْلُهُ في سالِفِ الأَيَّامِ
 

يَدْرِيْ بِغَدْرِهِ وَبِاحْتيالِهِ
 

 

وَلَمْ يَثِقْ بِقِيْلِهِ وَقالِهِ
 

لكنَّهُ اضْطُرَّ لِما في البَيْنِ
 

 

وَاخْتارَ مِنْهُ أَهْوَنَ الشَّرَيْنِ
 

 

في أسباب قتل معاوية لعنه الله له

لَمّا رَأى أنَّ وُجُوْدَ الْحَسَنِ
 

 

لِبَيْعَةِ ابْنِهِ مِنَ الْمُوَهِّنِ
 

لأِنَّ سِبْطَ الْمُصْطفَى مِنْ بعْدِهِ
 

 

قَدْ صارَ بِالشّرْطِ وَليَّ عَهْدِهِ
 

دَسَّ شَقِيُّ هذِهِ الْبَريَّةْ
 

 

جَعْدَةَ بِنْتَ الأَشْعَثِ الْكِنْدِيَّةْ
 

مائَةَ أَلْفَ دِرْهَمٍ نُقُوْدا
 

 

وَبَعْدَها تَزْوِيْجُها يَزِيْدا
 

فَأَطْعَمَتْهُ السَّمَّ في طَعَامِهِ
 

 

وَكانَ لِلإِفْطارِ مِنْ صِيامِهِ
 

وَكانَ ذاكَ السَّمُّ سَمّاً مُرْدِيْ([52])
 

 

أَرْسَلَهُ لِذَلِكَ ابْنُ هِنْدِ
 

فَصارَ مِنْ ذاكَ عَليْلاً مُسْقَما
 

 

يَدْعُوْ بِطَسْتٍ فِيْهِ يَقْذِفُ الدَّما
 

قالَ لَقَدْ سُقِيْتُهُ مِرارا
 

 

وَهذِهِ أَشَدُّها إضْرارا
 

وَقَدْ لَفَظْتُ قِطْعَةً مِنْ كَبِدِيْ
 

 

قَلَّبْتُها الْيَوْمَ بِعُوْدٍ في يَدِيْ
 

وَاللهُ جَلَّ لِلَّذِيْ أَتَّهِمُ
 

 

أَشَدُّ بَأساً وَنَكالاً مِنْكُمُ
 

إِنِّيْ لَعارِفٌ بِمَنْ سَقانِيْ
 

 

وَاللهُ رَبِّيْ خَصْمُهُ فِيْ شأنِيْ
 

فَلا تُطالِبُوْا بِوِتْرٍ أَحَدا
 

 

وَلا تُؤاخِذُوْا بَرِيْئاً أَبدَا
 

إنْ أَنا مُتُّ فَاحْمِلُوْا سَرِيْرِيْ
 

 

لِقَبْرِ جَدِّيْ الْمُصْطَفى الْبَشِيْرِ
 

أُجَدِّدُ الْعَهْدَ بِذاكَ الْمرقَدِ
 

 

مَرْقَدِ سَيّدِ الْوَرى مُحَمَّدِ
 

وَعِنْدَ جَدِّيَ اجْعَلُوْا لِيْ قَبْرا
 

 

إِلاّ إِذا خِفْتُمْ بِذاكَ شَرّا
 

ثُمَّ قَضى مِنْ بَعْدِما أَوْصى إِلى
 

 

شَقِيْقهِ السِّبْطِ شَهِيْدِ كَرْبَلا
 

قَضى شَهِيْداً صَابِراً مُحْتَسِبَا
 

 

قَدْ قَطَعَ السَّهْمُ حَشاهُ إرَبا
 

وَمُذْ أَتَوْا بِنَعْشِهِ الْمُطَهَّرِ
 

 

لِقَبْرِ جَدِّهِ شِفِيْع الْمَحْشَرِ
 

ظَنُّوْا بأَنَّهُمْ سَيَدْفنُوْنَهُ
 

 

بِقُرْبِ جَدِّهِ فَحالُوْا دُوْنَهُ
 

وَجَدَّ مَرْوانُ بِهذا الأَمْرِ
 

 

لمِا بِهِ مِنْ حَسَدٍ وَكُفْرِ
 

قالَ وَقَدْ أَقْبَلَ فِي قَوْمٍ مَعَهْ
 

 

يا رُبَّ هَيْجا هِيَ خَيْرٌ مِنْ دَعَةْ
 

وَأَقْبَلَتْ تَدْعُوْ بِأَعْلى صَوْتِ
 

 

تَقُوْلُ نَحُّوْا ابْنِكُمُ عَنْ بَيْتِيْ
 

وَقَدْ رَمَوْا جَنازَةَ الإِمامِ
 

 

لِكُفْرِهِمْ بِالنَّبْلِ وَالسِّهامِ
 

شَلَّتْ([53]) يدُ الرّامِيْ أَيَدْرِيْ مَنْ رَمى
 

 

رَمى الإِمامَ الطِّاهِرَ الْمُعَظَّما
 

رَمى أَمِيْنَ اللهِ في بِلادِهِ
 

 

وَحُجَّةَ اللهِ عَلى عِبادِهِ
 

وَقَدْ رَمى ريحانةَ الرسولِ
 

 

وَمُهْجَةَ الكَرّارِ والبتولِ
 

لَمْ يَكْفِهِمْ ما صَنَعُوْا مِنْ فِعْلِ
 

 

حَتّى رَمَوْا سَريرَهُ بالنَّبْلِ
 

أُقْسِمُ باللهِ الجليلِ ذِيْ المِنَنْ
 

 

لولا الذي كانَ به وَصّى الْحَسَنْ
 

ما صَبْرُ أَيّوْبَ عَلى بَلْواهُ
 

 

كَصَبْرِهِ على الَّذِيْ قاساهُ
 

رَأى مِنَ العَدُوِّ وَالْمُوالِيْ
 

 

أَمَضَّ مِنْ إِصابةِ النّبالِ
 

أَسْمَعَهُ أَصْحابُهُ مِنَ الْكَلِمْ
 

 

ما لا يَهُوْنُ جَرْحُهُ وَيَلتَئِمْ
 

وبالَغَ الأعداءُ في أذاهُ
 

 

سَبُّوْا على أَعْوادِهِمْ أَباهُ
 

وَقَدْ رأى شماتَةَ الأَعْداءِ
 

 

وَإِنَّها مِنْ أَعْظَمِ البَلاءِ
 

وَما جَرى على ذَوِيْ الإيمانِ
 

 

مِنْ العنا والذّلِّ والهوانِ
 

وَقَتْلَ مَنْ والى أباهُ صَبْرا
 

 

ظُلْماً وَلمّا يَأْتِ شَيْئاً نُكْرا
 

ما زالَ وَهْوَ صابِرٌ مُحْتَسِبُ
 

 

ما زَعْزَعَتْهُ حِدَّةٌ أَوْ غَضَبُ
 

وَصَبْرُهُ كَذا دَلِيْلُ الْعِصْمَةْ
 

 

وَأَنَّهُ سِبْطُ نَبِيِّ الرَّحْمَةْ
 

أَوْصى بِأَنْ لا يُهْرِقُوْا في أَمْرِهِ
 

 

دَماً ولا يُطالِبُوْا بِوِتْرِهِ
 

 

في رثاء سيد الشهداء عليه السلام

رَبْعٌ مَحا الْحدْثانُ رَسْمَهْ
 

 

وَالدَّهْرُ أَجْرى فِيْهِ حُكْمَهْ
 

كَمْ رُمْتُ كِتْمانَ الْغَرا
 

 

مِ بِهِ وَيَأْبى الْوَجْدُ كَتْمَهْ
 

ما خابَ مِنْ نَيْلِ المُنى
 

 

مَنْ زارَ مَغْناهُ وَأَمَّهْ
 

عَفِّرْ جَبِيْنَكَ في ثَرا
 

 

هُ وَزِدْ عداكَ اللّوْمُ لَثْمَهْ
 

أَوْحَشْتَ يا رَبْعَ الهُدى
 

 

وَلَبِسْتَ بَعْدَ النُّوْرِ ظُلْمَةْ
 

دَهْرٌ غَدا حَرْبا لأهـ
 

 

لِكَ لَسْتُ مِمَّنْ رامَ سَلْمَهْ
 

وَزَمانُ سوْءٍ سَاءَهُمْ
 

 

لَهُوَ الجديرُ بِأنْ أَذُمَّهْ
 

وَلَقَدْ أَشابَتْ لُمَّتِيْ
 

 

نُوَبٌ تُشَيِّبُ كُلَّ لُمَّةْ
 

بُمِلِمَّةٍ طَرَقَتْ فَأنـ
 

 

سَتْ كُلَّ طارِقَةٍ مُلِمَّةْ
 

يَوْمٌ أَبِيُّ الضَّيْمِ فِيْـ
 

 

ـهِ أبى الْمَذَلَّةَ وَالْمَذَمَّةْ
 

زَعَمَ العَدُوُّ بِأَنْ يَذُ
 

 

لَّ فَخَيَّبَ الرَّحْمنُ زَعْمَهْ
 

فَأَثَار قَسْطَلَها وَدَكْدك
 

 

كُلَّ رابِيَةٍ وَأكْمَهْ
 

وَسَقى الثَّرى بِدَمِ العَدُوْ
 

 

دِرْعاً أَبى الإِيمانُ فَصْمَهْ
 

وافى لِعَرْصَةِ كَرْبَلا
 

 

مِنْ هاشِمِ في خَيْرِ غِلْمَةْ
 

أَقْمارُ تَمٍّ أَسْفرَتْ
 

 

بِدُجى الخُطوبِ المُدْلَهِمَّةْ
 

وَلُيُوْثِ حَرْبٍ صَيَّرَتْ
 

 

سُمْرَ الرِّماحِ لَهُنَّ أَجْمَةْ
 

لَمْ يَنْقَمُوْا إِلاّ بأنَّهُمُ
 

 

على الأعداءِ نِقْمَةْ
 

مِنْ كُلِّ فارِس مَهْمَهٍ
 

 

ما هَمُّهُ إِلاّ المُهِمَّةْ
 

كُلُّ يَرى أَمْرَ الحتُوفِ أبَاهُ
 

 

والهَيْجاءَ أُمَّهْ
 

إِنْ كَلَّ حَدُّ السَّيْفِ جَرَّدَ
 

 

لِلْمَنايا السُّوْدِ عَزْمَهْ
 

حتى إِذا نَزَلَ القَضاءُ
 

 

وَأَنْفَذَ المقدورُ حَتْمَهْ
 

نَهَبَتْهُمُ بِيْضُ الظُّبا
 

 

وَتَقاسَمَتْهُمْ أَيَّ قِسْمَةْ
 

فَقَضَوْا كِراماً باذِلِيْنَ
 

 

نُفُوْسَهُمْ للدِّيْنِ خِدْمَةْ
 

يا صَدْمَةَ الدِّيْنِ التي
 

 

ما مِثْلُها في الدِّيْنِ صَدْمَةْ
 

دَكْدَكْتِ أَرْكانَ الهُدى
 

 

وَثَلَمْتِ في الإِسلامِ ثُلْمَةْ
 

قُتِلَ الإِمَامُ ابْنُ الإمامِ
 

 

أَخُوْ الإِمامِ أبُوْ الأَئِمَّةْ
 

ما ذاقَ طَعْمَ الْماءِ حَتّى
 

 

صارَ لِلأَسْيَافِ طُعْمَةْ
 

مُلْقىً عَلى وَجْهِ الصَّعِيْدِ
 

 

تَدُوْسُ جُرْدُ الْخَيْلِ جِسْمَهْ
 

وَتَرُضُّ صَدْراً مِنْهُ أَمْسى
 

 

كَنْزَ مَعْرِفَةٍ وَحِكْمَةْ
 

أَمُغِدَّها بِمُطَهَّراتٍ
 

 

نُزِّهَتْ عَنْ كُلِّ وَصْمَةْ
 

عُصِمَتْ فَطَهَّرَها الإِلهُ
 

 

لأِنَّها مِنْ بَيْتِ عِصْمَةْ
 

خَفِّضْ عَلَيْها إِنَّها
 

 

لَمْ تَدْرِ ما جَذْبُ الأَزِمَّةْ
 

رَقَّ الحَسودُ لِحالِها
 

 

وَبَكَتْ لَها الأعداءُ رَحْمَةْ
 

وَعَلِيْلُها يُسْبى وَيَسْمَعُ
 

 

سَبَّ والِدِهِ وَشَتْمَهْ
 

لِلهِ صَبْرُكَ مِنْ حَلِيْمٍ
 

 

لا تُوازِيْ الهُضْبُ حِلْمَهْ
 

لا يَرْحَمُ اللهُ الأُوْلى
 

 

قَطَعُوْا مِنَ الْمُخْتارِ رَحْمَهْ
 

لَمْ يَرْقُبُوْا لِنَبِيِّهِمْ
 

 

في آلِهِ إِلاًّ([54]) وذِمَّهْ
 

هَجَمُوْا على حَرَمِ النّبُوَّةِ
 

 

بِالعَوادِي أيَّ هَجْمَةْ
 

حَرَمٌ تَطُوْفُ بهِ المَلائِكُ
 

 

غادَرُوْهُ بِغَيْرِ حُرْمَةْ
 

أَبَنِيْ أُمَيَّةَ أَنْتُمُ
 

 

في النّاسِ كُنْتُمْ شَرَّ أُمَّةْ
 

لا شَبَّ طِفْلُكُمُ وَلا
 

 

شَبَّتْ لَكُمْ في الدَّهْرِ ضَرْمَةْ
 

خَسِرَتْ تِجارَةُ مَنْ يَكونُ
 

 

شَفِيْعُهُ في الحَشْرِ خَصْمَهْ
 

وَلَزِدْتُمُ فِيْما فَعَلْتُمْ
 

 

خُبْثَ عُنْصِرِكُمْ وَلُؤْمَهْ
 

لَوْ كان ثَمَّة لِلّزِيادَةِ
 

 

مَوْضِعٌ لَوْ كان ثَمَّةْ
 

 

في رثاء سيد الشهداء عليه السلام  

نظمها ليلة الحادي عشر من المحرم

أَتَعْلَمُ أيُّها السَّيْفُ الصَّقِيْلُ
 

 

بِحَدِّكَ في الطّفُوْفِ مَن الْقَتِيْلُ
 

وَمَنْ تَبْكِيْ السَّماءُ دَماً عليهِ
 

 

وَمَنْ يَنْعاهُ فِيْها جِبْرَئِيلُ
 

وَمَنْ بِمُصَابِهِ خَيْرُ البَرايا
 

 

مُعَزّىً والبتولُ بِهِ ثَكُوْلُ
 

أَتْدرِيْ مَنْ فَللَتْ فَللْتَ عَضْباً
 

 

حُساماً ما بِشَفْرَتِهِ فُلُوْلُ
 

أَتَدْرِيْ مَنْ قَتَلْتَ قَتَلْتَ فَرْداً
 

 

مِنَ الأشَرافِ يَفْدِيْهِ القَبِيْلُ
 

بِهِ فَقَدَتْ لُؤَيٌّ([55]) طَوْدَ عِزٍّ
 

 

تَزُوْلُ الرّاسِياتُ ولا يَزُوْلُ
 

تفل لِمُؤَمِّلِ المعروفِ رَأْساً
 

 

فَقَدْ أَوْدى المُؤَمَّلُ والمُنِيْلُ
 

لَئِنْ جَزِعَ الصبورُ فُرُبَّ خَطْبٍ

 

 

بِهِ لا يَحْسُنُ الصَّبْرُ الجَميلُ


 

أرى حَسناً بُكاك على حُسَيْنٍ
 


 

وَيَحْسُنُ فِيْهِ نَوْحُكَ وَالعَويْلُ

 

فَيا كَهْفَ الأراملِ مَنْ يُرَجّى
 


 

وَأَنْتَ لَقىً تُكَفِّنُكُ الرُّمُوْلُ

 

ويا غَوْثَ الصّريخِ مَنِ المُحامِيْ
 


 

إذا ما فاجَأ الخَطْبُ المَهُوْلُ

 

قَضَيْتَ مُبَرَّءاً مِنْ كُلِّ عَيْبٍ
 


 

فَما يَدْرِيْ حَسُوْدُكَ ما يَقُوْلُ
 

بِيَوْمٍ تَظْمَأ الأبطالُ فيهِ
 

 

وَيُرْوى الرُّمْحُ وَالْعَضْبُ الصَّقِيْلُ
 

لِقَرْعِ السَّمْهَرِيّ بِهِ دَوِيٌّ
 

 

وَوَقْعُ الْمَشْرِفيِّ لَهُ صَلِيْلُ
 

إِذا رَعَدَتْ لِبرق ظُباكَ نَفْسٌ
 

 

جَرَتْ في الأرضِ مِنْ دَمِها سُيُوْلُ
 

أَبَتْ لَكَ يا أَبِيَّ الضَّيْمِ نَفْسٌ
 

 

مُقَدَّسَةٌ زَكَتْ مِنْها الأُصُوْلُ
 

بَنِيْ عَمْرِوْ الْعُلى هُبُّوْا سِراعاً
 

 

فَقَدْ أَوْدى بِعزِّكُمُ الْخُمُوْلُ
 

أَيَرْضى الْمَجْدُ أَنَّ كِلابَ حَرْبٍ
 

 

يُداسُ بِها لِلَيْثِ الْغابِ غِيْلُ
 

ويُقْرَعُ مِنْ عَمِيْدِكِ ثَغْرُ مَجْدٍ
 

 

وَقِدْماً كان يَلْثِمُهُ الرَّسُوْلُ
 

فَلا بَلَغَ الْفِطامَ لَكُمْ رَضِيْعٌ
 

 

وَطِفْلُ السِّبْطِ تَفْطِمُهُ النُّصُوْلُ
 

وَلا عَذُبَ الفُراتُ لَكُمْ شَراباً
 

 

وليسَ لَهُ إلى وِرْدٍ سَبِيْلُ
 

وَفَوْقَ اليَعْمَلاتِ بَناتُ وَحْيٍ
 

 

لَها مِنْ هَيْبَةِ الْبارِيْ سُدُوْلُ
 

سَرَتْ وَحُماتُها في الأرضِ صَرْعى
 

 

مُرَمَّلَةً وَكافِلُها عَلِيْلُ
 

قَضَوْا حَقَّ الْعُلى وَمَضَوْ كِراماً
 

 

عَلى الأَسَلاتِ أَنْفُسُهُمْ تَسِيْلُ
 

حَلا مُرُّ الحُتُوْفِ لَهُمْ مَذاقاً
 

 

كَأَنَّ الْمَوتَ شَهْدٌ سَلْسَبِيْلُ
 

وَقَدْ ثَبَتُوْا هِضابَ حِجَىً بِيْومٍ
 

 

تَطِيْشُ بِهِ الْبَصائِرُ وَالْعُقُوْلُ
 

وَجادُوْا بِالنُّفوْسِ وَلَيْسَ فِيْهِمْ
 

 

فَتَىً بِنَفِيْس مُهْجَتِهِ بَخِيْلُ
 

وَقَدْ هَدْ الإمامَ مُصَابُ شِبْلٍ
 

 

تَحامَتْهُ الضّرَاغِمُ والَشُّبُوْلُ
 

رَآه عَلى الثَّرى شِلْواً فَنادى
 

 

وَجارِيْ دَمْعِ مُقْلتِهِ هَمُوْلُ
 

على الدُّنْيا العَفاءُ فَما أَراها
 

 

تَطِيْبُ وَأَنْتَ مُنْعَفِرٌ جَدِيْلُ
 

لَكُنْتَ الكَوْكَبَ الدُّرِيَّ ضاءَتْ
 

 

أَشِعَتُّهُ فَفاجَأَهُ الأُفُوْلُ
 

وَكُنْتَ الْغُصْنَ أَوْرَقَ مِنْهُ عُوْدُ
 

 

الرَّجا غَضّاً فَفاجَأهُ الذُّبُوْلُ
 

قَصُرْتَ مُهَنَّداً وَقَصُرْتَ عُمْراً
 

 

وَفي الْعَلْيا لَكَ الباعُ الطَّوِيْلُ
 

 

في مديح أبي جعفر محمد بن الإمام علي الهادي +

وقد اقترحت عليه القافية

أَلا يا ابْنَ الإِمامِ سَقى مَحَلاً
 

 

بِهِ مَثْواكَ صَوْبُ حَيَاً مُلِثُّ
 

لأَِمْلاكِ السَّما فِيْهِ مَقامٌ
 

 

وَفِيْهِ لِرَحْمَةِ الْجَبّارِ مُكْثُ
 

وَكَمْ عَنْ قاصِدِيْهِ زالَ كَرْبٌ
 

 

وَكَمْ لِمُؤَمِّلِيْهِ لُمَّ شَعْثُ
 

لَقَدْ ظَهَرَتْ فَضائِلُهُ فَأَضْحَتْ
 

 

مَطِيُّ بَنِيْ الرَّجاءِ لَهُ تُحَثُّ
 

عَلا مِنْهُ فنا مجدٍ فأَضْحى
 

 

لِهَيْكلِكَ المُقَدَّسِ فِيْهِ لَبْثُ
 

وَفِيْهِ مِنْكَ زاكِيْ النَّجْرِ([56]) نَدْبٌ
 

 

طَوِيْلُ الباعِ سَهْلُ الخُلْقَ دَمْثُ
 

وَكُنْتَ وَلِلإمامَةِ كُنْتَ أَهْلاً
 

 

بِذاتِكَ والفخارُ الجَمُّ إرْثُ
 

نَباتُ ثَراكَ ريْحانٌ وَوَرْدٌ
 

 

وَنَبْتُ عِداكَ أَشْواكٌ وَرَمْثُ
 

وَطِيْنَتُكُمْ لَقَدْ طَهُرَتْ وَطابَتْ
 

 

وَفيها قَدْ زَكا زَرْعٌ وَحَرْثُ
 

بَنِيْ الْهادِيْ لَقَدْ طِبْتُمْ أُصُوْلاً
 

 

ذَكَتْ ما شابَها عُهْرٌ وَخُبْثُ
 

مَعالِيْكُمْ تُجَدَّدُ كُلَّ يَوْمٍ
 

 

وَشانِئُكُمْ مَعالِيْهِ تَرثُّ
 

وَإنَّكُمُ لَنا حِرْزٌ وَذُخْرٌ
 

 

إِذا أَضْحى مِن الأَجْداثِ بَعْثُ
 

نُوالِيْكُمْ وَنَبْرَأُ مِنْ عِداكُمْ
 

 

وَما لولائِكُمْ نَقْضٌ ونَكْثُ
 

بِمَدْحِ عُلاكُمُ نُرْوى وَنَشْفى
 

 

إِذا ما مَسَّنا ظَمَأٌ وَغرْثُ
 

وَما قُلْنا بِفَضْلِكُمُ اعْتِباطاً
 

 

وِلكِنْ دَلَّنا فَحْصٌ وَبَحْثُ
 

عُلُوْمُ الدِّيْنِ أَجْمَعُها لَدْيكُمْ
 

 

وَمِنْها في الْبَرايا ما يُبَثُّ
 

لَكُمْ شَجَرُ الْمَعالِيْ باسِقاتٌ
 

 

إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا تُجَثُّ
 

إِذا مَدَحَ الفَتى شَخْصاً سِواكُمْ
 

 

فَإنَّ مَدِيْحَهُ هَزْلٌ وَغَثُّ
 

إِذا أَقْسَمْتُ بَيْتُكَ خَيْرُ بَيْتٍ
 

 

فَلا أَخْشى بِهذا القَوْلِ حِنْثُ
 

عَلَيْكُمْ يا بَنِيْ الْهادِيْ سَلامٌ
 

 

كَصَوْبِ الْعادِياتِ أَتى مُلِثُّ
 

 

 


([1]) الإرشاد: للشيخ المفيد محمد بن محمد النعماني العكبري الحارثي البغدادي المتوفى 413 هجرية.

([2]) اللهوف في قتلى الطفوف: للسيد عبد الكريم بن موسى بن جعفر آل طاووس الحسيني الحلي المتوفى 693 هجرية.

([3]) المقصود هو الشيخ علي كاشف الغطاء.

([4]) سحر بابل وسجع البلابل: السيد جعفر الحلي، ص 293.

(1) سورة مريم: الآية 22.

([6]) وسائل الشيعة للحر العاملي: 10/405، باب استحباب التبرك بكربلاء، حديث، 7.

([7]) هو الشيخ الأجل الفقه أبو عبد الله شمس الدين محمد بن مكي العاملي. ولد سنة  [     Y734هـ، وتوفي شهيداً سنة 786هـ.

([8]) وسائل الشيعة: 10/400، باب (67) حد حرم الحسين عليه السلام  الذي يستحب التبرك بتربته، حديث 4.

([9]) وسائل الشيعة للحر العاملي: 10/399، باب (67) حد حرم الحسين عليه السلام  الذي يستحب التبرك بتربته.

([10]) الدروس الشرعية في فقه الأمامية للشهيد الأول محمد بن جمال الدين مكي العاملي (734هــ ــ 786هـ)، كتاب المزار، طبعة حجرية.

([11]) وسائل الشيعة للحر العاملي: 10/409، باب (70) حديث 1.

([12]) وسائل الشيعة للحر العاملي: 10/409، باب (70) حديث 5، الأمالي للحسن ابن محمد الطوسي، ص 201.

([13]) تهذيب الأحكام للطوسي: 6/75، وسائل الشيعة للحر العاملي: 10/411، باب (70)، حديث (9).

([14]) محمد بن مسلم بن رباح أبو جعفر الأوقص الطحان، مولى ثقيف الأعور من وجوه أصحابنا بالكوفة، فقيه ورع، صاحَب أبا جعفر الباقر وأبا عبد الله الصادق +، وروى عنهما، وكان من أوثق الناس. (رجال النجاشي، ص226).

([15]) تهذيب الأحكام في شرح المقنعة للشيخ المفيد تأليف شيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن حسن الطوسي: 6/103.

([16]) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: 6/103.

([17]) تهذيب الأحكام للشيخ الطوسي: 6/116.

([18]) الدروس الشرعية في فقه الأمامية للشهيد الأول، كتاب المزار.

([19]) التهذيب للشيخ الطوسي: 6/104، رواية 148، باب 22.

([20]) الفقيه: 2 /73، رواية 1765.

([21]) تهذيب الأحكام للطوسي: 6/109.

([22]) تهذيب الأحكام للطوسي: باب ما يقول الزائر عن أخيه بأجر، ص105.

([23]) بحار الأنوار للشيخ المجلسي: 102 /259، رواية 6، باب 11.

([24]) وسائل الشيعة للحر العاملي: باب استحباب كثرة الإنفاق في زيارة الحسين والأئمة /، 10/ 375، رواية 19655.

([25]) بحار الأنوار: 45 / 178، رواية 28، باب 39.

([26]) ورد في المطبوعة: من التعصب.

[27]. هكذا ورد, والظاهر أنه من تصحيف الناسخ.

([28]) ابن عَبْدِ الله: جابر بِن عبد اللهِ الأنْصاريّ  رضي الله عنه.

([29]) ابن سَعْد: سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَاعِدِيّ  رضي الله عنه.

([30]) يعني عمرو بن الحجاج الزَّبيدي لعنه الله.

([31]) هو المهاجر بن أوس.

([32]) الرئبال: الأسد.

([33]) إشارَة إلى قوله في سورة الأحزاب: 23، [مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ  فَمِنْهُم  مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً].

([34]) نسبة إلى بني حنيفة بن لُجَيم، وهم بطن من ربيعة، وأكثر أهل اليمامة منهم.

([35]) هكذا ورد اسم أبيه (مُظهِر) في القسم الثاني من الإصابة 1/373، وبذلك ضبطه الحافظ الذهبي في تبصير المنتبه 1/1296، فما شاع على الألسن من أن اسمه مظاهر غلط قطعاً. وإنْ ذَكَرَهُ العلاّمةُ في رجالهِ على الْوَجْهَيْنِ.

([36]) مِيْثَمٌ: بكسر الميم وسكون الياء وفتح الثاء المثلثة وفتح الميم من الغلط الشائع.

([37]) ينبغي للقارئ أن يقف مستقبلاً ويقرأ هذه الأبيات ويجعلها ختاماً للقراءة كلما قرأ.

([38]) هو الفقيه الكبير السيد محمد مهدي الطّباطبائيُ المُلَقّب (بحر العلوم) (ت 1212هـ) والمقصود بـ (الدُّرة) (الدّرة النجفية) وهي أرجوزة طويلة في الفقه.

([39]) هذا في معنى قول الشاعر الحليّ القديم:

يُجابُ بِها الدّاعِيْ إِذا مَسَّهُ الضُّرُّ
 

 

لَهُ تُرْبَةُ فيها الشّفاءُ وَقُبَّة
 

أَئِمَّةُ حَقٍّ لا ثَمانٍ وَلا عَشْرُ
 

 

وَذُرِيَّةٌ دُرّيَّةٌ مِنْهُ تِسْعَةٌ
 

 

 

(1) بحار الأنوار للمجلسي: 68/130 حديث جابر، باب 18.

([41]) اللُّجَيْنُ: الفِضَّةُ.

([42]) العَسْجَدُ: الذَّهَبُ.

([43]) يُقري: يُطْعِمُ، مِنَ الْقِرى.

([44]) القَسْطل: غُبار الحَرْب.

([45]) وَلذلِكَ قالَ مالِكُ بِنْ أَنَسٍ أَحَدُ أئمَّةِ الْمَذاهِبِ الأَرْبَعَةِ لا أُفَضِّلُ على فاطِمَةَ أَحداً بعدَ رسول الله لأنَّها بَضْعَةٌ مِنْهُ.

([46]) كذا وَرَد مع أنَّ الفعل الرباعي مِثْل (ناسَبَ) لا يُصاغ منه أفعل التفضيل فلا يقال: هذا  أَنسبُ من هذا, بلى يقالُ: أكثرُ مناسَبَةً، لكن وَرَدَ (الأنسب) في كلام أحد أئمة اللّغة وهو الأزهريُّ في (تهذيب اللغة).

([47]) الغُرّ: جمع الأغر والغرّاء، والكنية مفردة فالوَجْهُ أن يُقَالَ هُنا: كُنْيتُهُ الْغَرّا (بحذف الهمزة لِضَرُورَةِ الوَزْنِ).

([48]) مُوْبِقَة: مُهْلِكَة.

([49]) أي: المُباشِر للقَتْلِ.

([50]) الحُوْبَةُ وَالْحُوْبُ: الإِثْمُ.

([51]) صَرَفهُما لمُراعاة الَوزْن.

([52]) مُرْدِيْ: مُهْلِكٌ، مُمِيْتٌ.

([53]) بفتح الشِّيْنِ لاَ بِضَمِّها كمَا شاعَ خَطَأَ.

([54]) الإِلُ: العَهْدُ.

([55]) أَنَّثَهُ على مَعْنى القبيلةِ.

([56]) النَّجْرُ: الأَصْلُ. 

 

 

 
 
Design By : MWD