تأليف

تحقيق

الشيخ تحسين البلداوي

7801006730 – 00964 / info@kashifalgetaa.com / www.kashifalgetaa.com

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد (3232) لسنة 2019م

 

مقدمة المؤسسة

الحمد لله ربّ العالمين ذي الآلاء السابغةِ والفضلِ الجلي، وأفضل صلواتهِ وأزكى تحياتهِ على مدينةِ علمهِ تبارك وتعالى وبابها عليّ.

وبعد، فبينَ يديك أيها القارئ الكريم كتابٌ قيمٌ في بابهِ، ممهِدٌ لحصول الدرجات السامِقَة لطلاّبهِ، جمع فيه مصنفه سماحة آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  (ت 1411هـ) المطالب التي تنفع في شؤون هذا العلم وطرائفه، والمبادئ التي تزيدُ بصيرةً، وكان تأليف هذا الكتاب ومؤلفه الفقيهِ الكبير بين العشرين والثلاثين من العمر، مما يدل على نبوغهِ المبكر وتفوقهِ النادر في الأخذ من ناصيةِ هذا العلم، والتربع على دست الفتوى فيه.

وقد دأبت مؤسسة كاشف الغطاء العامة على طباعة الكتب النافعة، لا سيما مؤلفات علماء الأسرة منها، تثميناً للعلم وتخليداً لجهود مؤلفيها، وذلك بعد تحقيقها وفق الضوابط العلمية بما يحقق الغايات ويُعين القارئ الكريم وصوله بيسرٍ إلى مبتغاه من معلومات.

كما نتقدّم بخالص الشكر والتقدير لأمين المؤسسة العام سماحة الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء ولجناب الشيخ المحقق ولجميع من أعان في صدوره، سائلين المولى عز وجل بجاه من لذنا بجواره مولانا أمير المؤمنين  عليه السلام  أن يوفق للانتفاع به، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه ولي التوفيق.

                                                                                   اللجنة العلمية

                                                  في مؤسسة كاشف الغطاء العامة

                                                                                         

 

F

مقدمة التحقيق

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.

وبعد، فهذا هو الكتاب الثاني في مقدمات علم الفقه التي ينبغي لطالب العلم أن يطّلع عليها، والتي جعلهما مؤلفهما مقدمة لدورته الفقهية والأصولية، فالأول ما طبعته مؤسسة كاشف الغطاء مشكورة بتحقيقنا هو "أدوار علم الفقه وأطواره"، أما الثاني فالذي بين يديك وهو "باب مدينة علم الفقه" والذي يذكر فيه سماحة آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء مبادئ علم الفقه وتعريفه وموضوعه ورؤوسه على نحو أوسع مما ذكره في الكتاب الأول، مع إضافات جليلة تجعل الطالب على استعداد لتلقي مناهج الحوزة العلمية وخوض غمارها.

وقد عملتُ على تحقيق الكتاب وإضافة كثير من التخريجات التي افتقرت إليها طبعة الكتاب الأولى وإجراء ما يلزم من الترجمة والتعريف والإيضاح لما احتيج إليه من مفردات الكتاب، مثمناً في الوقت ذاته جهود العاملين في المؤسسة على إخراج الكتاب بحلّته الجديدة، بعد مراجعته وتنظيم فهارسه واخراجه فنياً، لاسيما أمينها العام الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء، ونائبه الشيخ أحمد نجله الموفّق.

فجزاهم الله خير جزاء المؤمنين، سائلا المولى  عجل الله فرجه الشريف  أن يوفقهم على ما بذلوه إنه سميع مجيب.

                                                                                تحسين غازي البلداوي        

 

 

ترجمة المؤلف

نسبه:

هو الفقيه الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ هادي ابن الشيخ عباس ابن الشيخ علي صاحب (الخيارات) ابن الشيخ الكبير جعفر صاحب (كشف الغطاء) ابن الشيخ خضر، الجناجي النجفي المالكي.

ولادته ونشأته:

ولد رحمه الله  سنة (1331هـ) في محلة العمارة من محالّ النجف الأشرف، شب
 في بيت علمي، ونشأ مع أسرة أدبية دينية تنحدر من سلالة عربية عريقة ينتهي
نسبها إلى مالك الأشتر([1])، وتولى تربيته جده العلامة الهادي كاشف الغطاء، فكان يلقنه المعارف والحكم، ويغذيه ويدربه على مراقي الفضل والعبقرية،
فنشأ خير منشأ([2])، وبعد أن فرغ من القراءة والكتابة توجه نحو المبادئ من العلوم الأولية، فأتقنها ومهر بها، وجدّ في تحصيل العلوم الدينية من الأصول والفقه حتى صار يُشار إليه بالبنان([3])، فأصبح من فضلاء هذه الأسرة المصلحين،
ومن حملة العلم النابهين، تفوّق على أقرانه وزاحم الشيوخ في معارفهم،
وسبق الكثير منهم في معلوماتهم([4]).

أساتذته:

ومِن أشهر أساتذته الأعلام من غير أسرته الفقيه الكبير الشيخ كاظم الشيرازي، الذي كان مِنْ ألْمع الأساتذة المُدرّسين يوم كانت النجف تَعجُّ بآلاف الطلبة ومئات المحصّلين، وكان هذا الشيخ ذا نظر ثاقب ورأي حصيفٍ وفكرةٍ نـقـّادةٍ، وكان يمتاز أيضاً بقوَّة التقرير وجزالة التحرير والفراسة الصادقة في تمييز مواهب تلامذتـه، ومنْ مصاديق قوّة التَّوَسُّم فيه أنـَّه قدَّم شيخنا المترجَم أعلى الله مقامه على سائر حُضّار بحثه، بلْ كان يُؤثره بإلقاء مطالب عالية في الفقه وأصوله على نحو الاختصاص ولم يشاركه غيره من كبار تلاميذه في حضورهـا، ثم بلغ الأمر بالشيخ الشيرازي أنْ حرَّم على الشيخ كاشف الغطاء أنْ يحضر درس غيره من الأعلام، هذا والشيخ بعد لمّا يزلْ غضَّ الإهاب، لم يخْلع بُرْدَ الفتوَّة، ولم ينـزع جلباب الشباب، وكان جُـلَّ تحصيله عليه حتى تبحر في علوم الفقه والأصول، وتضلَّعَ من المعقول والمنقول، وبلغ درجة الاجتهاد المُطْلق قبل الثلاثين من عُمُرهِ المبارك([5]).

ومن أساتذتـه في المعقول العلامة السيد علي اللكنهوي في الفلسفة والمنطق والعقائد([6])، ومن أساتذته أيضاً الشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين النائيني.

تلامذته:

وتلامذتُـهُ هم جمهرةٌ صالحةٌ من كبار العلماء والباحثين والأدباء والنُّحاة واللَّغـَوييّن، من مشاهيرهم:

  • السيد جمال الدين نجل المرجع الديني الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي  قدس سره .
  • أخوه السيد علي نجل السيد الخوئي  قدس سره .
  • العلاّمة الحجة الكاتب الإسلامي الشهير الشيخ باقر شريف القرشي.
  • العلاّمة الفقيه الشيخ عبد الكريم القطيفي.
  • العلاّمة الشاعر الكبير الشيخ عبد المنعم الفرطوسي.
  • العلاّمة الكاتب الإسلامي الشهير الشيخ أسد آل حيدر صاحب كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة).
  • الخطيب الكبير العلاّمة الدكتور الشيخ أحمد الوائلي.
  • العلاّمة الشيخ نور الدين الجزائري.
  • العلاّمة الدكتور مهدي المخزومي كبير علماء النحو.
  • العلاّمة الشيخ حسين آل زاير دهام المخزومي النجفي.

دوره الديني والعلمي:

إن شعور الشيخ علي كاشف الغطاء نفسه إن واجبه الديني يفرض عليه أن يكون في وسط الأحداث، مرشداً وناصحاً وموجهاً ومسانداً، كان هو المحفّز للقيام بجلائل الأعمال، وقد كان له بجميع مشاركاته فاعلية وقوة وتأثير، ويمكن الإشارة إلى السمعة الطيبة والمكانة المرموقة التي احتلتها أسرته- آل كاشف الغطاء- في المجالات الدينية والعلمية والسياسية قد ساهمت إلى حد كبير في بزوغه، فهذه الأسرة العربية الصميمة قدّمت الزعماء الدينيين على امتداد قرنين من الزمان (القرن التاسع عشر والقرن العشرين)([7]).

رُجِع إليه في التقليد بعد المرجع الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، فقد بلغ درجة الاجتهاد المطلق قبل الثلاثين من عمره، وتولى إمامة الجماعة في الصحن الحيدري الشريف في مكان والده وجده الهادي رحمهما الله، وانتقلت إليه مكتبة جده وأبيه، وأضاف إليها كثيراً من الكتب المطبوعة والمخطوطة، فهي من مكتبات النجف المهمة([8]).

وقد كان الشيخ كاشف الغطاء يتصف بِسِمات الرجل الجادِّ الذي يعمل بنشاط وحماس في كل موقف يرى فيه مصلحة للإسلام والمسلمين([9])، فكان يسعى بكل ما أعطي من حول وطول في قضاء حوائج المؤمنين، والحفاظ على دماء المسلمين، والدعوة لوحدة الصف.

إجازته في الرواية:

يروي الشيخ المترجَم بالإجازة عن جدّه الإمام الهادي عن العلاّمة الكبير الفقيه الأصولي الرجالي الشهير السيد أبي محمد الحسن آل صدر الدين الموسوي العاملي الكاظمي، وقد كتبها السيد المذكور للشيخ الهادي جدّ المترجم على نحو التفصيل وفيها من الفوائد ما لا يستغني عنه فقيه ومُحدّث([10]).

آثاره العلمية:

وله رحمه الله  مصنفات قيّمة في مختلف فنون المعرفة الإسلامية، من الفقه والأصول والمنطق والتراجم والمناظرات بينه وبين كبار علماء الأمة من الفريقين، وهي:

أولاً: المطبوعات:

  1. الأحكام، تقريراً لبحثه الخارج في الأصول (ستة مجلدات)، طبعته مؤسسة الذخائر سابقا -كاشف الغطاء حالياً- طباعة أولية.
  2. أدوار علم الفقه وأطواره، طبعته مؤسسة كاشف الغطاء العامة سنة (1439هـ) بتحقيق الشيخ تحسين البلداوي.
  3. أسس التقوى لنيل جنة المأوى، وهي رسالته العملية، وكانت الطبعة الرابعة منه في سنة (1391هـ) من قبل مطبعة الآداب في النجف الأشرف.
  4. باب مدينة علم الفقه، طبع في مطبعة دار الزهراء في بيروت سنة (1405هـ), وما بين يديك الطبعة الثانية المحققة منه.
  5. التعادل والتعارض والترجيح، طبعته مؤسسة الذخائر سابقا -كاشف الغطاء حالياً- وعادت طباعته مطبعة سليمانزاده في قم سنة (1430هـ).
  6. تعليقة على شرح المنظومة, حققها الشيخ عمار التميمي, وطبعتها مؤسسة كاشف الغطاء العامة سنة (1442هـ).
  7. شرح العروة الوثقى، تقريراً لدرس استاذه الشيخ كاظم الشيرازي، طبعته مؤسسة كاشف الغطاء العامة سنة (1439هـ) بتحقيق الشيخ كريم الكمولي.
  8. كشف ابن الرضا عن فقه الرضا، رسالة مستلة من كتابه شرح المكاسب، حققها مصطفى ناجح الصراف، وطبعت في بيروت من قبل مطبعة صبح سنة (1432هـ).
  9. الكواكب الدرّية في الأحكام النحوية، طُبِع من قبل الذخائر سابقاً.
  10. المختصر من مرشد الأنام لحج بيت الله الحرام، الطبعة الأولى من قبل المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف سنة (1374هـ)، والثانية في النجف أيضا في مطبعة الآداب سنة (1398هـ).
  11. مصادر الحكم الشرعي والقانون المدنـي، (مجلدان)، طبع الأول منه في مطبعة الآداب في النجف الأشرف سنة (1408هـ)، والثاني في مطبعة العاني في بغداد سنة (1410هـ), وأعيد طباعته محققا من قبل مؤسسة كاشف الغطاء العامة سنة (1442هـ) في بيروت.
  12. نظرات وتأملات، وهو شذرات من المطارحات العلمية والمناظرات الأدبية بينه وبين الدكتور فيليب حتي.
  13. نقد الآراء المنطقية (مجلدان)، طبعته المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف، وطبعة أخرى من قبل مطبعة سليمانزاده في قم سنة (1427هـ).
  14. نهج الصواب إلى حل مشكلات الإعراب، طبعته مؤسسة الذخائر سابقاً, وأعيد طباعته مجموعا مع كتاب "الكواكب الدرية" المتقدّم من قبل مؤسسة كاشف الغطاء العامة سنة (1442هـ).
  15. نهج الهدى في علم الكلام، المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف سنة (1354هـ).
  16. النور الساطع في الفقه النافع، تقريراً لبحثه الخارج في الفقه (مجلدان)، الطبعة الأولى منه من قبل مطبعة الآداب في النجف الأشرف سنة (1381هـ)، والثانية من قبل ستارة في قم المشرفة في سنة (1430هـ).

 

ثانياً: المخطوطات:

  1. إظهار الحق، شـرح لحاشية الشيخ ملا عبدِ الله اليزدي.
  2. الحق اليقين في تراجم المعصومين  عليهم السلام .
  3. رسالة في أمارية اليد.
  4. رسالة في وحدة الوجود.
  5. شـرح الرسائل (ستة عشر مجلدا).
  6. شـرح المكاسب (اربعة مجلدات).
  7. شرح تجريد الاعتقاد.
  8. شرح كفاية الأصول (عشرة مجلدات).
  9. الكلم الطيب، مجموعة رسائل ومقالات.

وتعمل مؤسسة كاشف الغطاء العامة على تحقيق وإخراج تلك الدرر ضمن موسوعة تراث الشيخ علي آل كاشف الغطاء.

وفاتُهُ:

لبَّى نداء ربه بعد أنْ أكمل تكبيرة الإحرام من فريضة العشاء، وكان ذلك في ليلة الأربعاء 19 رجب الأصَمّ من سنة (1411هـ)، ودفن في مقبرة جدّهِ الشيخ الأكبر كاشف الغطاء في محلة العمارة من محال النجف الأشرف([11]).

 

مقدمة المصنف

وبه نستعين

الحمدُ للهِ الواحد الأحد الفرد الصمد والصّلاةُ والسلام على محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين مصابيح الدجى وأعلام الهدى.

وبعد فيقولُ المفتقرُ إلى ربِّهِ عليّ نجل الشيخ محمد رضا نجل المبرور الشيخ هادي من آل كاشف الغطاء:

هذا كتاب (باب مدينة الفقه) أو ما يفيد البصيرة فيه، استفرغتُ فيه الوُسْع والطاقة، وركبت فيه الصعب والذلول، وخضت فيه الغمر والضحول، وأنفقت فيه جهداً عظيماً، هو هَيِّنٌ عليّ إذا قست بما أربحه للقراء من الثمرات الطيبة والفوائد الجليلة، لأبحث فيما يُنيرُ الطّريق للتفقّه في الدّين شروعاً، ويفيدُ البصيرة فيه حصولاً وتحصيلاً، فيهديهم إلى مناهج هذا العلم صراطاً مستقيماً، لأمور توصلهم لأسراره بطريق مهيع ونهج لمعرفة مبادئه متّبع، وافٍ بالحاجة، موصل للفائدة، أنفذتُ فيه ما كنت أفكّرُ به من جمع المطالب التي تنفع في شؤون هذا العلم وطرائفه، والمبادئ التي تزيد بصيرة في أُسسِهِ ومصادره، استَخْرَجْتُها بَعْدَ هَنٍ وهَنٍ من مكنونات كُتُبِ الماضين، ومن أعماق فكري يوم كنت بين العشرين والثلاثين، فجاء بحمد الله بهذه الحُلَّةِ القشيبة، الأولُ في نوعه، والوحيد في بُردَتهِ ونَسْجِه، ولا ينبئك مثل خبير، وقد رتبته على مطالب وفصول.

 

المطلب الأول

في مقدّمة علم الفقه (تعريفه، موضوعه، غايته)

قد تعارف عند القوم قبل الدخول في كلّ علمٍ ذكْرُ أمورٍ ثلاثةٍ باسم المقدمة، وهي تعريفُ العلم، وموضوعه، والغاية منه؛ ليكونَ الطالبُ على زيادةٍ من البصيرة عند الشروع فيه.

[اما] وجهُ إهمال بَعْضِ الفُقَهَاء لــ(تعريف الفقه، وموضوعه، وغايته)، فقد أهمل أغلبُ علماء الفقه في موسوعاتهم الفقهية الكبرى التعرُّضَ لهذه الأمور الثلاثة في صدر كتبهم اعتماداً على أنّ الذي يرجع إليها إنّما يكون من أهل الفن، والفقه، فإنّها لم تُصنع إلاّ للمجتهد في هذا العلم، ولا ريب أنّ المجتهد فيه عنده منها ما يكفيه في الرجوع إلى مؤلّفاتهم، والشروع في دراسة الفقه في مصنفاتهم.

وإليك شرحُها في فصول ثلاثة:

 

الفصل الأول

تعريفُ علم الفقه بحسب الاشتقاق والبحث عن صيغته

لابدّ لنا قبل الخوض في تعريفه وبيان معناه الاصطلاحي من التكلّم في الفقه بحسب الاشتقاق لإيضاحِ معناهُ بحسب اللُّغَةِ لظهورِ كلمات بعضهم، بل صريحها في تطابق معناه لغة، واصطلاحاً.

وجه تعرّض العلماء للمعنى اللغوي

وعلى تقدير عدم المطابقة بينهما، فيكون ذلك لبيانِ المناسبة بين المعنى اللغوي المنقول عنه، والمعنى الاصطلاحي المنقول إليه، ولهذا ترى القومَ يذكرونَ المعنى اللّغوي مع أنّه يَجِبُ عليهم أنْ يُبيّنوا المعنى الذي اصطلحوا عليه.

وجهُ تقديمِ بيان المعنى اللّغوي على الاصطلاحي

وإنّما قدّمنا بيانَ المعنى اللغوي على الاصطلاحي لكون المعنى اللغوي سابقاً عليه سَبْقَ الأبِ على الابن، ويلزمُ عند علماء الأدب مطابقة الوضع للطبع.

وجه تقديم التعريف وبيان المطالب الثلاثة ما، وهل، ولِمَ

وإنّما قدّمنا تعريفَهُ على سائر المطالب؛ لأنّه هُنا بمنزلة بيانِ مَطْلَبِ (ما) الشارحة، وهو مقدّم في مقام التعليم على تمام العلوم المتعلّقة ببيان أيِّ شيء كان، كما إنَّ بيانَ موضوعِ العلم بمنزلة بيان مطلب (هل)؛ لأنّه ببيان موضوعه يعرف وجوده، ووجود العلم بوجود موضوعه.

كما أنّ بيانَ غايةِ العلم بمنزلةِ بيان مطلب (لِمَ)؛ لأنّه شرح لعلّةِ تدوينه ووجوده. فتعريفُ العلم، وبيانُ موضوعه وغايته، إنّما هو بمنزلة البيان لمطالب الشيء الثلاثة.

البحثُ عن صيغة لفظ الفقه

وكيف كان فنقول: (الفِقْهُ) بكسر الأول وسكون الثاني، مصدرٌ، وفعلُهُ الماضي (فَقِه) بفتح الأول وكسر الثاني مُتعدٍّ لمفعولٍ واحد، يقال: فَقِه زيدٌ الشيءَ، بفتح أوله وكسر ثانيه، ومضارعه (يَفقَه) بفتح القاف، فيكون من باب فَعِل يَفعَل، مثل عَلِمَ يَعلَم، وليس في لغة العرب (يفقِه) بكسر القاف في المضارع، فلذا جعلنا المضارع مفتوح القاف.

مضافاً إلى أنّ مكسور العين في الماضي لا يَجيءُ مضارعه مكسور العين غالباً، إلاّ إذا كان مِثالاً أي: أوّله حرف علة.

كما أنّه لا يجوزُ ضَمُّ عينِهِ، فلا يصحُّ أنْ يُقال: (يَفقُه) بضمّ القاف؛ لأنّ مكسور العين في الماضي لا يجيء مضارعه مضموم العين.

وإنّما جعلناه من المتعدي؛ لأنّ فَقِه يَفقَه اللازم مصدرُها فَقَهاً بفتح الأول والثاني، نظير فَرِح وتَعِب، فإنّ ما كان على وزن فَعِل يَفعَل من اللازم يكون مصدره الغالب مفتوح الأول والثاني، إلاّ أنّ الشَّأنَ في ثبوتِ هذا الاستعمالِ لـ(فَقِهَ) بالوزن المذكور في المعنى اللازم، ومَجيءُ المصدر له بالوَزْنِ المذكور يَظْهَرُ من صاحب المفردات([12]) والمصباح([13]).

ولا يُتَوَهَّمُ إنّ (الفِقْه) يكونُ فعل ماضيه (فَقُه) بفتح الأول وضم الثاني، فإنّه من باب (فَعُل يَفعُل)، ومصدره (فقاهة)، وليس الفقه بمصدر له؛ لأنّ الغالب على هذا الوزن أنْ يأتي مصدره على فَعالة أو فَعُولة كفصاحة وسهولة، وحيث أنّ فعولة في (فقه) لم يُسمع من العرب، وإنّما المسموع فقاهة كان المصدر له هو فقاهة فقط.

وليُعلم أنّ مضمومَ الوسط في الماضي يكونُ مضارِعُهُ مضمومَ الوسط أيضاً كماضيه لا غير، ويكون لازماً غير متعدٍ، وخاصّاً بالصفات الغريزية اللازمة ككَرُم وحَسُن.

ولذا عُدّ من الشاذ (رَحُبتك الدار) أو أنّ أصلُها (رَحُبَتْ بكَ الدارُ) فحذفت الباء؛ لكثرة الاستعمال، ولذا فسَّرَ اللّغويون (فَقُه) بصار الفقه سجية له.

وهكذا لا يتخيّل أنّ الفِقه فعلُ ماضيه (فَقَه) بفتح الأول وفتح الثاني ومضارعه (يَفقُه) مضموم الوسط من باب نَصَر ينصرُ؛ لأنّ (الفِقْه) بكسر الفاء لا يصلح أنْ يكون له مصدراً؛ لأنّ الغالب في مصدر باب نَصَر يَنصُر هو فتح الأول وسكون الثاني فيكون مصدره فَقْهاً.

وتوضيح ذلك وتنقيحه، إنّما جعلنا فَقَه من باب نصر مع أنّ فعَل قد يجيء مضارعها مفتوح الوسط؛ أو مكسور الوسط، لأنّ (فَقَه) بفتحتين إنّما جاءت في لغة العرب في المغالبة أي: غلبته في الفقه، ومضارعها إنّما يكونُ مضمومَ الوسط.

أسلوبُ التعبير عن المطالبة

وذلك أنّ العرب إذا أرادوا بيانَ الغَلبَة في العمل أتوا بفعلِهِ على وزن مفاعلة دالاًّ على وقوع العمل من الطرفين، ثم بعده يأتون بالفعل على وزن (فَعَل) بفتحتين يكون فاعله الغالب منهما، ومفعوله المغلوب منهما، فيقولون: كارمته فَكَرمته، أو يقال: كارمني فكرمته، من دون فرقٍ في وزن مفاعلة بين جعل الغالب فاعلاً أو مفعولاً.

نعم لو كان الغير هو الغالب تقول: (كارمته أو كارمني فكَرَمني)؛ لما عَرَفْتَ من أنَّ المغلوبَ يكونُ مَفعولاً في هذا الوزن الذي يَجيءُ بَعْدَ المُفَاعَلَة، أعني: وزن (فَعَل) بفتحتين، هذا إذا أرادوا بيانَ الغَلَبَةِ في الماضي.

صيغة الغلبة في المستقبل

وإذا أرادوا بيانَ الغَلَبَةِ في المُستقبل أتوا بمضارعِ الفعل الدّالّ على المشاركة أعني: مضارع فاعل الذي مصدره المفاعلة، وبعده بالفعل المضارع من (فَعَل) على وزن (يَفعُل) بفتح أوله وبضمّ ثانيه، فيقولون: أكارمه فأكرُمُه، أو يكارم زيدُ عمراً فيكَرمُ زيدُ عمراً، ويجوز أنْ يقال ذلك فيما لو اشتركا في المغالبة في الفعل بالغير لا بينهما، وغَلَبَ أحدهما الآخر، ففي المثال المذكور يجوز أنْ يقال ذلك فيما لو اشتركا في المغالبة في إكرام شخصٍ آخر، فيُقال: كارمته في زيد فكَرمُته فيه، أي اشتركت معه في المغالبة في إكرام زيد فغلبته في إكرامه.

والحاصل: إنّه في هذا الباب، أعني: بابُ المغالبة يَجْعَلونَ الفِعْلَ بَعْدَ اشتقاق المفاعلة منه على وزن (فَعَل يَفعُل)، (نَصَر يَنصُر)، وإنْ لم يكن هو على هذا الوزن، ويجعلونه متعدّياً وإنْ كان لازماً كما في المثال المتقدم فإنّ: كَرُمَ مضموم العين ولازم.

وهذه قاعدة مطّردة في كل باب يؤتى فيه بعد المفاعلة التي وقعت فيها المغالبة بالفعل المجرّد الذي هو أصلُها إلاّ إذا كان الفعل من المثال، بأنْ كان أوّله واواً كوَعَدَ أو ياءً كَيسّر، أو من الأجوف بأنْ كان معتلّ الوسط كباع، أو من الناقص اليائي، أعني: الذي آخره الياء كرمي، فإنّه لا ينقل إلى وزن (فَعَل يَفعُل) وإنما يكون عند بيان الغلبة على وزن (فَعَل يَفعِل) بكسر العين في المضارع دون ضمّها فيقالُ عندَ بيانِ المُغالَبة في الأمثلة المذكورة: واعدته فَوعَدته في الماضي أو أواعده فأعِده في المضارع، وياسرته فَيسَرته في الماضي أو أياسره فأيسِره في المضارع، وبايعته فبعته في الماضي أو أبايعه فأبيعه في المضارع، وراميته فرميته في الماضي أو أراميه فأرميه في المضارع.

هذا وقد يقتصر على الفعل المجرّد بالوزن المذكور عند بيان المغالبة من دون سبق المفاعلة عليه لفظاً إلاّ أنّها تكون مقدّرة في المعنى، كما يقال لأحد المتخاصمين (خَصَمَكَ فلانٌ) أي: غَلَبَكَ في الخصومة، كأنه قيل: خاصمك فخصمك.

إعراب قول جرير 

وقد جعل منه في الصحاح([14]) في مادة بكى قول جرير في مرثيته لعمر بن عبد العزيز:

الشمسُ طالعةٌ ليسَتْ بكاسِفَةٍ

 

 

تبكي عليكَ نُجُومَ الليلِ والقَمَرَا([15])

 

 

كأنه قال: تباكي الشمس النجوم والقمر عليك فتبكي الشمس النجوم والقمر عليك، أي: فتغْلِبُها بالبكاء؛ لما فيها من الكَدَر لا للكسوف، فتكونُ نجومُ الليل والقمر منصوبين بتبكي والفاعل هو الشمس.

ويجوزُ نصبه بكاسفةٍ أي: إنّ الشمس ليست بكاسفة للنجوم والقمر؛ لأنّ بكاءَها قد أوجب كدرها وعدم ضيائها، فتظهرُ النجوم ويظهر القمر. وعليه فيكون تبكي منصوب المحل على الحال، وليس من باب المغالبة، والمعنى: إنَّ الشمس طالعةً، وليس بكاسفةٍ للنجوم والقمر حال كونها باكية عليك، وقيل: إنّ (نجوم) منصوب بواو المعيّة المقدّرة، وأنّ المعنى: تبكي عليك مع النجوم. وهو فاسِدٌ لِعَدَمِ صِحَّةِ حَذْفِ واو المعية.

صاحب القاموس

وقد وَهّمَ صاحبُ القاموس صاحبَ الصحاح([16]) في مادَّةِ كَسَفَ فقال: إنّ البيت:

فالشَّمْسُ كاسفةٌ ليست بطالعة      
 

 

تبكي عليكَ نجومَ الليلِ والقَمَرا
 

 

أي: كاسفة لموتك تبكي أبداً.

أقول: إنّ الرواية المعروفة هي ما ذكره صاحب الصحاح، على أنّ صاحب القاموس يرد عليه الإشكال في نصب النجوم والقمر، إلاّ أنْ يلتزم بالمغالبة في يبكي وهو خلاف ظاهر كلامه، أو يلتزم بنَصبها على الظرفية، أي: ما دامت النجوم والقمر، وهو توجيه لا يقبله الذوق العربي.

فتلخّص: أنّ إتيانَ الفعل على وزن (فَعَل يَفعُل) بعد إتيانه على وزن المفاعلة عند المغالبة قياسٌ مطّرد في كلّ فعلٍ ثلاثيٍ متصرّفٍ غير جامد كنعم وبئس تامٌ غير ناقص ككان واخواتها خالٍ من ملزمِ الكسر كالمثال الواوي واليائي والأجوف والناقص اليائي.

قول سيبويه والمناقشة فيه

إلا أنّ المحكيّ عن سيبويه([17]) انه سماعيٌ يكثر في لغة العرب، وليس بقياسيٍّ، فلا يجوزُ نقلُ كلِّ فعلٍ أَرَدْتَ المغالَبَةَ إلى ذلك، وقد تَبِعَهُ على ذلك الشَّيخُ الرّضي([18])، ولكن في التسهيل: إنّه قياس مطّرد([19])، وليس لسيبويه دليلٌ على ما ذهب إليه، إلاّ أنّه لا يقال: (نازعني فنزعتَه)، وإنّما يقال: (غلبته في النزاع)، وقد ردّ عليه في شرح المفصل([20]) بأنّ ما ذكره سيبويه لا يخرج باب المغالبة عن كونه قياسياً، كما أنّه لم يخرج باب التعجب عن القياس عدم قولهم: (ما أقيله)، غاية الأمر إنّما يقتضي قيام دليلٍ خاصّ على عَدَمِ مجيء هذا الوزن في هذا المورد الخاص، وهو كثرةُ استعمالهم هذا المعنى في فعل (نازع) بلفظِِ (غلبته)، فإنّه يدلّ على أنَّ وزن باب المغالبة لا يُستَعْمَل في خُصوصِ هذا المورد.

إذا عَرَفْتَ هذا ظَهَرَ لَكَ أنّ لَفْظَ (الفِقهْ) مصدر لفَقِه يفقَه، وليس بمصدر لفَقُه يَفقُه، فإنّ مصدرها الفقاهة، ولا بمصدر لفقَه يفقُه، فإنّه من باب المغالبة، وليس له مصدر نظير المبني للمفعول، وبهذا يظهر لك فسادُ ما في دائرة المعارف للبستاني([21]) والمنجد([22]) من جعل مصدره فقهاً.

الفقيه بحسب الاشتقاق

ثم لا يخفى أنّ لفظ (الفقيه) صفةٌ مشبّهة، أو من أمثلة المبالغة، أو اسم فاعل بمعنى فاعل كجليس، ولذا كان لا يستوي فيه المذكر والمؤنث.

والفَقِه (بفتح أوله وكسر ثانيه) والفَقُه (بفتح أوله وضم ثانيه) أيضاً من أمثلة المبالغة، ولذا فسَّر القوم هذه الألفاظ الثلاثة بمن كان شديدَ الفهم، وقد تستعمل بمعنى اسم الفاعل مجرّدة عن المبالغة.

الفقه بحسب اللغة

الفِقه في اللغة: الفهمُ، كما في الصحاح([23])، والمغرب([24])، والنهاية([25])، حيث قال فيها: (الفقه في الأصل الفهم).

وفي حديثِ سلمان الفارسي([26]): أنه نزل على نبطية في العراق فقال: هل هنا مكان نظيف أصلّي فيه؟ فقالت: طَهِّر قلبك وصَلِّ حيثُ شئت، فقال سلمان: (فَقِهْتُ)([27]) أي: فهمت.

وروي: (لعن الله النائحة والمستفقهة)([28])، وهي صاحبة النائحة في نوحها. وأطلق عليها ذلك؛ لأنها تتلقّفُ نَوْحَ النّائحة وتفهمه فتجيبها عنه.

ولعلّ اللغويين متّفقون على معناه ذلك.

وإنمّا ذكر بعضُهم له معانٍ أخرى مع الفهم، كالعلم والفطنة كما في القاموس([29])، أو فهم غرض المتكلم من كلامه كما عن الرازي([30])، أو التوصّل إلى علم الغائب بعلم الشاهد كما في مفردات الراغب([31]).

التحقيق في معنى الفقه

والتحقيقُ أنّ الجميعَ يَرْجِعُ إلى الفهم، فإنّه هو المتبادَرُ منه عند إطلاقه
في كلام العرب، والمعاني المذكورة تَرْجِعُ إليه، والأصل عدم الاشتراك، والخصوصياتُ التي تُفْهَمُ من إطلاق الفقه في بعض الموارد كسرعة الانتقال
في الفهم المعبّر عنه بالفطنة، أو فهم غرض المتكلم من كلامه، أو جودة الفهم، أو فهم الأشياء الدقيقة، لا تقتضي أنْ يكونَ معناهُ أخصُّ من الفهمِ؛ لتبادُرِ نفس الفهم من إطلاقه، والخصوصيات إنّما فُهِمَتْ من القرائن المكتنِفةِ بالمقام،
ألا تَرَى أنّه إذا أشار شخصٌ إلى رَجلٍ وقال: (إنّه رَجُلٌ) فإنّه من قرينة
المقام، وصوناً للكلام عن اللغو يحمل على الرجل الكامل في رجولته،
وليس ذلك يقتضي دخول الكمال في مفهومه ومعناه، ويرشدك إلى ذلك إنّه
فيما اطّلعنا عليه من كتب اللغة ليس فيه تفسير الفقه بجودة الفهم كما فسَّرَهُ بذلك شارح الوافية([32]).

نعم يمكُن استفادَتُه بتكلّف من عبارة القاموسي مع ضمِّها لغيرها، ولعلّه يُستفاد من تفسير صاحب الذكرى([33]) وشارح الزبدة([34]) (الفهمَ) بجودةِ الذهن مع ضمِّه لتفسيرهم (الفقه) بالفهم، أو من تفسير بعض علماء اللغة، بل أكثرهم (الذهن) بالذكاء، والذكاء بالفطنة، والفطنة بالحذق، والحذق بمعرفة الغوامض.

الخلاف في معنى الفهم الذي فسّروا الفقه به وما أورد عليه

هذا وقد وقع الخلاف فيما بينهم في معنى، الفهم الذي فُسِّرَ به الفقهُ، فبعضُهم فسَّرَهُ بالإدراك، وأرجع إليه تفسير الجوهري([35]) (الفهم) بالعلم، وزَعَمَ أنّه مُرادُ مَنْ فَسَّرَه بأنّه: هيأةٌ للنَّفس بها يتحقَّقُ معاني ما تحس.

وفسّرَهُ بعضُهُم كصاحب الذِّكرى([36]) وشارح الزبدة([37]) بجودة الذهن والاستعداد لاكتساب المطالب والآراء، وإنْ كان المتّصِفُ به جاهلاً كالعاميّ الفَطِنْ، قيل: وكأنّه مرادُ مَنْ فَسَّرَهُ بسرعة الانتقال من المبادئ إلى المقاصد، وعلى هذا فمعناه يرجع إلى الذكاء والفطنة.

وقد أورد على التفسير الأول بإيرادين:

أحدهما: أنّه يصدُقُ (المدرِك) على البليد، دُونَ أنْ يصدق عليه الفهيم أو الفاهم. وأجيب عنه: بأنّ الفهيم أمثلة مبالغة كعليم، والفاهم قد نُقِلَ معناهُ إلى مَنْ هو شديد الفهم.

وثانيهما: بأنّ المتبادر من الفهم في موارد إطلاقه هو الإدراك الخاصّ، أعني: إدراكَ دقائق الأشياء لا مطلق الإدراك، وإنّ الفقه أيضاً معناهُ هو ذلك لا مطلق الإدراك، ولعلّه إليه يرجع من فسّره بفهم الأشياء الدقيقة.

ولا يخفى ما فيه، فإنّ ذلك إنمّا يتبادر منه بقرائن الأحوال، فإنّ استعمال الفهم في مطلق الإدراك ليس فيه أدنى تكلّفٍ، ولذا المفسّر المذكور قيَّد الفهم بالأشياء الدقيقة، فإنّ ذلك يُشْعِرُ بعمومِ معنى الفهم للأشياء الدقيقة وغيرها.

هذا، والمحكيُّ عن شريف العلماء(1) أنّ جمعاً من العلماء ذهبوا إلى أنّ الفهم مُرادِفٌ للعلم، ورَدَّ عليهم بأنَّ بينهما عُموماً من وجه؛ لصدق العلم بدون الفهم في البليد إذا علم شيئاً، وصِدْقِ الفهم بدون العلم من العامّي الفطن، ويجتمعان في العالم الفطن.

وفيه:

إنّ البليد إذا عَرَفَ المسألة يقال له: إنّه فهمها إطلاقاً لا تكلّف فيه، وهكذا في العاميّ الفطن إذا عَرَفَ المسألة، ولعلّ الذي أوقع القوم في تخيّل الاختلاف هو اشتباههم في معانيها بواسطة ملازمة بعض القرائن لها، أو كثرة استعماله في بعض أفرادها، وإلاّ لو جُرِّدَتْ من القرائن لمَاَ كانَ المتبادَرُ منها، أيْ: من (الفهم والإدراك والعلم) إلاّ معنىً واحداً، وهو التصوّر، كما أنّه من المحتمل أنَّ منشأ ما ذَهَبَ إليه شَريفُ العلماء هو ملاحظته للمشتق منهما، وهو فهيم وعليم.

الفقه بحسب عرف الشارع ونقل بعض الآيات والأحاديث        

الظاهر أنّ الفقه لم ينقله الشارع الأقدس من معناه اللغوي إلى معنى
آخر حتّى يكونُ له حقيقة شرعية، وليس له معنى اصطلاحي جديد عنده،
فهو بَحَسَبِ عرف الشارع مستعمل في معناه اللغوي، فهذا القرآن الكريم قد استعمل الفقه في معناه اللغوي كقوله تعالى في سورة الإسراء: [وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم]([38]).

وكقوله تعالى في سورة النساء: [لا يكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا]([39]).

وكقوله تعالى في سورة هود: [مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ]([40]).

وكقوله تعالى في الأعراف: [لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا]([41]).

وكقوله تعالى في الأنفال والتوبة والحشر: [بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ]([42]).

وكقوله تعالى في سورة المنافقين: [وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ]([43]).

وكقوله تعالى في سورة الأنعام والإسراء [وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ]([44])، بل حتى قوله تعالى في سورة التوبة: [فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ]([45])، بل وحتى قوله  صلى الله عليه واله وسلم : (ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في دين)([46]).

فإنّ تقييد التفقُّهِ والفقه بالدّين يدلُّ على أنَّ المتبادر هو معناه اللغوي، لا معرفة الأحكام الشرعية، وإلاّ لمَاَ قيَّدَهُ بالدّين، ولكنّه قد شاع استعمال لفظ الفقه في خصوص معرفة الأحكام الشرعية والبصيرة في الدين في زمن النبي  صلى الله عليه واله وسلم  بواسطة القرائن اللفظية والحالية، من باب إطلاق الكلي وإرادة الفرد منه، ولو باعتبار تعدّد الدال والمدلول، كقوله  صلى الله عليه واله وسلم : (صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: الأمراء والفقهاء)([47]).

وكقوله  صلى الله عليه واله وسلم : (الفقه ثمّ المتجر)([48])، فإنّ المرادَ به معرفةُ الأحكام الشرعية للتجارة ثم التجارة.

وعنه  صلى الله عليه واله وسلم : (أفضل العبادة التفقه)([49])، وقد رُويَ عن طريق الفريقين إنّ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  دخل المسجد فإذا هو بمجلسين أحدهما يذكرون الله تعالى والآخر يتفقهون فقال رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم : (كلا المجلسين على خير وأحدهما أحبُّ إليَّ من صاحبه، أمّا هؤلاء فيسألون الله تعالى ويذكرونه فإنْ شاء أعطاهم وإنْ شاء منعهم، وأمّا المجلس الآخر فيتعلّمون الفقه ويعلّمون الجاهل، وإنّما بُعثْتُ معلّما) وجلس  صلى الله عليه واله وسلم  إلى أهل الفقه([50]).

وروي عنه أنّه قال: (خيار أمّتي علماؤها وخيار علمائها الفقهاء)([51]).

وعن النبي  صلى الله عليه واله وسلم  إنّه قال: (ما عُبدَ اللهُ بشيءٍ أفضَلُ من الفقه في الدين، ولَفَقيهٌ واحدٌ أشَدُّ على الشيطان من ألف عابدٍ ولكلّ شيء عِماد وعمادُ الدّين الفقه)([52]).

وما رواه في الكافي بإسناده إلى أبي عبد الله  عليه السلام ([53])، والصدوق بإسناده إلى الكاظم  عليه السلام ([54])، أنّه قال رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم : (من حفظ على أمّتي أربعين حديثاً بعثه الله تعالى يوم القيامة عالما فقيهاً).

وهذا الحديث مشهور ومستفيض بين الخاصة والعامة بل حكى في الوافي([55]) والبحار([56]) عن بعضهم أنّه متواتر عن رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم .

تفسيرُ حديث من حفظ على أمّتي أربعيـن حديثاً

والظاهر أنّ المراد من الحفظ هو حفظها بنحو الاستفادة منها، واستنباط المعارف والأحكام الشرعية منها بقرينة جعله عالماً فقيها، ويؤدّي ذلك لفظ (على)، فإنّها ظاهرةٌ في اللام، أي: حَفِظَ لأجل أمّتي، كما في قوله تعالى: [وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ]([57])، أي: لأجل هدايتكم، وإنْ احتمل بعضهم أنّ (على) بمعنى (من)، وفي عوالي اللئالي روي عن النبي  صلى الله عليه واله وسلم : (رَحِمَ اللهُ امرءاً سَمِعَ مقالتي فوعاها، فأدّاها كما سمعها فرُبَّ حامل فقهٍ ليس بفقيه)([58])، وفي رواية أخرى: (فرُبّ حاملِ فقهٍ إلى مَنْ هُو أفقهُ منه)([59]).

والحاصل: إنّه لم يعلم نقل لفظ الفقه إلى معرفة الأحكام الشرعية بالخصوص في عهده  صلى الله عليه واله وسلم  وإنْ حصل الشياع في استعماله في معرفة الأحكام الشرعية، حيثُ لم نعلم إنْ هذا الشياع بَلَغَ حدّاً يُوجِبُ النَّقلَ؛ لاحتمال أنَّ استعماله  صلى الله عليه واله وسلم  فيه كان من باب إطلاق الكلّي على الفرد نظير استعمال (العلم) في ذلك نحو قوله  صلى الله عليه واله وسلم : (طَلَبُ العلم فريضة)([60])، فإنّه يراد به معرفة الأحكام الشرعية من باب إطلاق الكلّي وإرادة الفرد.

والأصلُ عَدَمُ النَّقْلِ، ولو سَلَّمْنا أنّ الشياع قد أوْجَبَ النَّقْلَ لكن لا نُسَلِّمُ أنّ الرَّسولَ  صلى الله عليه واله وسلم  قد نَقَلَهُ إلى ذلك.

والحاصل: إنّا لو سلَّمنا حصول النقل بالشياع فيكون منقولاً عُرفياً عند أهل الشرع، وليس بمنقولٍ عند الشارع وهو الرسول  صلى الله عليه واله وسلم .

وعليه فلا يُحْمَلُ لَفْظُ الفقه في لسان الشارع والكتاب المجيد على غير المعنى اللغوي، ولا وجه لما يُنقل عن بعض المحدّثين من أنّه عند الشارع موضوع لمعنى غير المعنى اللغوي وهو معرفة الأحكام الشرعية.

الفقه بحسب عرف المتشرعة

والمراد بالمتشرّعة العارفون بالأحكام الشرعية، والمطّلعون عليها من المسلمين.

ولا ريب أنّهم قد نقلوا لفظ الفقه من معناه اللغوي إلى معرفة الأحكام الشرعية أصوليةً أو فرعية عن بصيرةٍ في الدّين، بواسطةِ كثرة الاستعمال، حتى صار عندهم حقيقة في ذلك، وهو المراد لمن قال([61]): (إنّ الفقه في العرف العام موضوعٌ لمعرفة أمور الدين، وما جاءت به شريعةُ سيّد المرسلين سواء كانت المعرفة عن اجتهاد أو تقليد بواسطة شيوع استعماله في هذا المعنى في لسانهم وكثرته فيما بينهم كثرة أوجبت انصرافه عند إطلاقه عن معناه اللغوي إلى هذا المعنى المتقدم حتى صار هو المتبادر منه عندهم).

نقل بعض الروايات المشتملة على لفظ الفقه             

ولا بأس بنقل بعض الروايات عنهم  عليهم السلام  التي استعمل فيها لفظ الفقه بمعنى المنقول إليه المذكور، مثل ما روي عن الصادق  عليه السلام  في كتاب معاني الأخبار: (أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا)([62])، وما روي عنه  عليه السلام  أيضاً: (ودَدْتُ أنْ أضرب رؤوس أصحابي بالسّياط حتى يتفقهوا)([63])، وما روي عنه  عليه السلام  أيضاً: (تفقّهوا في الدين فإنّه مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهُ في الدين فهو أعرابي إنّ الله تعالى يقول في كتابه: [لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ]([64])...)([65])، وعن الشيخ في باب الزيارات من الصلاة في الصحيح عن حمزة بن حمران عن أبي عبد الله قال: (ما أعاد الصلاة فقيهٌ قطّ يحتال لها ويدبّرها حتّى لا يُعيدها)([66])، وفي الصحيح أيضاً عن عبيد قال: (سألته عن رجل لم يدرِ ركعتين صلّى أم ثلاثاً، قال:
يُعيد، قلت: أليس يقال: لا يعيدُ الصَّلاة فقيه، فقال: إنّما ذلك في الثلاث والأربع)([67]).

وإطلاقُ الفقيه على الإمام موسى بن جعفر الكاظم H معروفٌ في كلام الرواة، إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي استعمل فيها لفظ (الفقه) في معرفة الأحكام الشرعية مطلقاً.

والحاصل: إنّ المتتبع للأخبار والروايات ولكلمات المسلمين وأهل السيرة والمؤرخين والمتكلمين والمحدّثين منهم يجدُ لفظ (الفقه) قد كثُرَ استعماله في المعنى المذكور حتَّى بَلَغَ ذَلِكَ إلى حَدِّ النَّقْلِ من معناه اللغوي إلى هذا المعنى المتقدم، ويمكن للمتتبع أنْ يحدِّدَ مبدأ عصرِ تحقُّقِ النَّقْلِ من زمن وفاة الرسول الأعظم  صلى الله عليه واله وسلم .

الفقه بحسب العرف الخاص، أي بحسب عرف الفقهاء والأصوليين

ذهب شارح المقاصد وتبعه جملة من الفطاحل إلى أنّ: الأحكام المنسوبة إلى الشرع، منها ما تتعلَّقُ بالعمل وتسمَّى فَرْعيّة وعملية، ومنها ما تتعلّق بالاعتقاد وتسمّى أصلية واعتقادية.

وكانت الأوائل من العلماء ببركة صحبة النبي  صلى الله عليه واله وسلم ، وقرب العهد بزمانه، وسماع الأخبار، ومشاهدة الآثار، مع قلّة الوقائع والاختلافات، وسهولة المراجعة إلى الثقات، مستغنينَ عن تدوينِ الأحكام وترتيبها أبواباً وفصولاً، وتكثير المسائل فروعاً وأصولا، إلى أنْ ظَهَرَ اختلافُ الآراءِ، والميل إلى البدع والأهواء، وكثرت الفتاوى والوقائع، ومَسَّتْ الحاجة فيها إلى زيادة نظر والتفات، فأخذ أربابُ النّظر والاستدلال في استنباط الأحكام، وبذلوا جهدهم في تحقيق عقائد الإسلام، وأقبلوا على تمهيد أصولها وقوانينها، وتلخيص حججها وبراهينها، وتدوين المسائل بأدلّتها و]إيراد[ الشبه بأجوبتها وسمّوا العلم بها فقها.

وخصّوا الاعتقاديات باسم الفقه الأكبر، والأكثرون خَصُّوا العمليّاتِ باْسم الفقه، وسَمَّوا الاعتقادياتِ بعلم التّوحيد والصّفاتِ تسميةً بأشهر أجزائه وأشرفها، و]سمّوها أيضاً[ بعلم الكلام؛ لأنّ مباحثه كانت مصدّرة بقولهم الكلام في كذا وكذا، ولأن أشهر الاختلافات فيه كانت في مسألة كلام الله تعالى أنّه قديم أو حادث، ولأنه يورث قدرة على الكلام في تحقيق الشرعيات كالمنطق في الفلسفيات، ولأنه كثر فيه الكلام مع المخالفين والرد عليهم ما لم يكثر في غيره، ولأنه لقوّة أدلّته صار كأنه هو الكلام دون ما عداه، كما يقال للأقوى من الكلامين: هذا هو الكلام، واعتبروا في أدلّتها اليقين؛ لأنّه لا عبرة بالظن في الاعتقاديات، بل في العمليات (أي: إنّ الظنّ يعتبر في العمليات).

تعريف علم الكلام          

فظهر أنّ (علم الكلام) هو العِلْمُ بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من أدلتها اليقينية.

وهذا معنى العقائد الدينية- أي: المنسوبة إلى دين محمّد  صلى الله عليه واله وسلم - سواء توقّفت معرفتُها على الشّرع أم لا، وسواء كان من الدّين في الواقع، ككلام أهل الحق أم لا، ككلام المخالف.

وصار قولنا: (الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن أدلتها اليقينية) مناسباً لقولهم في الفقه أنه (العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية)، وموافقاً لما نقل عن بعض عظماء الملّة أنّ الفقه: (معرفة النفس مالها وما عليها، وإنّ ما يتعلّقُ منها بالاعتقاديات هو الفقه الأكبر).

وخرج: العلم بغير الشرعيات، وبالشرعيات الفرعية، وعلم الله
تعالى، وعلم الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  بالاعتقاديات، وكذا اعتقاد المقلِّدِ عند من يسمّيه عِلماً.

ودخل: علم علماء الصّحابة بذلك، فإنّه كلام وإنْ لم يكن يسمّى في ذلك الزمان بهذا الاسم، كما أنّ علمهم بالفرعيات([68]) فقه، وإنْ لم يكن ثّمةَ هذا التدوين والترتيب، وذلك إذا كان متعلّقا بجميع العقائد بقدر الطاقة البشرية مكتسباً من النظر في الأدلة اليقينية([69]).

وحُكي عن الغزالي([70]) أنه قال: (إنّ الناس تصرّفوا في اسم الفقه فخصّوه بعلم الفتاوى والوقوف على دقائقها وعللها، واسمُ الفقه في العصر الأول كان يطلق على علم الآخرة ومعرفة دقائق النفوس والاطّلاع على عظم الآخرة وحقارة الدنيا)([71]). انتهى ما أردنا نقله.

وكيف كان فلا ريب أنّ الفقهاء وتبعهم الأصوليون قد نقلوا لفظ الفقه من معناه اللغوي الذي هو مطلق الفهم أو من معناه العرفي الذي هو العلم بمطلق الأحكام الشرعية إلى فهم خاص وفرد مخصوص من أفراده.

تعريف علم الفقه

عرّف الفقهاء علم الفقه بأنه: (العلمُ بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلّتها التفصيلية)، وهذا التعريفُ للفقه قد ذكره أغلَبُ علماء الأصول، وتسالموا عليه وإنْ زاد بَعْضُهُم بعضَ القيود فيه.

ففي مختصر ابن الحاجب([72]) المتوفّى سنة (646هـ)، زاد عليه بعد
ذكر (التفصيلية) قوله: (بالاستدلال)، محترزاً بذلك عن علم الملائكة
ونحوهم.

وفي المنهاج للبيضاوي([73]) المتوفّى سنة (685هـ) أبدل (الفرعية) بالعملية، وأتى بلفظ (المكتسب) بعدها وصفاً للعلم.

وابنُ السبكي المتوفّى سنة (771هـ) تبع البيضاوي في التعريف
المذكور.

وعن الآمدي([74]) المتوفّى سنة (631هـ) إنّه العلم بجملة غالبةٍ من
الأحكام.

وفي تهذيب العلامة ([75]): (العلمُ بالأحكام الشّرعيّة الفرعية المستدلّ على أعيانها بحيث لا يعلم كونها من الدين ضرورة)، وعن المعارج: (هو جملة من العلم بأحكام شرعية عملية مستدلّ على أعيانها)([76]).

وعن الذّكرى هو: العلمُ بالأحكام الشرعيّة العملية عن أدلّتها التفصيلية فتحصل السعادة الأخروية([77]).

وعن التحفة هو: العلم بالأحكام الشرعية الفرعية بالنظر إلى أماراتها.

أشهرُ التعاريف لعلم الفقه

إلاّ أنّ أشْهَرَ هذه التّعاريف، ولعلّ المتأخرين متفقون عليه، هو التعريف الأول، وحيثُ أنّ المعرَّف تتوقف معرفته على معرفة أجزاء التعريف كان علينا التعرّض لبيانها فنقول:

القيد الاول [للتعريف] - العلم

وله معانٍ سبعة:

أحدها: ما هو موضوعٌ له لغةً وعرفاً، وهو المعرفة والاطّلاع على وجه الجزم الثابت المطابق للواقع، ويكونُ متعلّقه هو القضايا.

وهذا المعنى هو مصطلح أرباب الحكمة.

وبالقيد الأوّل خَرَجَ الظنّ؛ لأنه معرفة، ولكن ليست على سبيل الجزم؛ لأنّه يحتمل معه وقوع الطرف الآخر.

وبقيد (الثابت) خرج: التقليد؛ لأنّه وإنْ حَصَلَ به الجزم إلاّ أنّه ليس بثابت؛ لزواله بتشكيك المشكّك أو بتبديل المقلد.

وبقيد (المطابق للواقع) خَرَجَ: الجهل المركب؛ لأنّه وإنْ كان جزماً إلاّ أنّه لم يطابق الواقع.

والحاصل: إنّ العلم الذي هو المصدر يكون حقيقةً في المعنى المصدري الحَدَثي، وهو المعرفة والاطلاع، وليس بحقيقةٍ في حاصل المصدر، وهو الحصول أو الصورة الحاصلة في الذهن الذي يكون به اسم مصدرٍ؛ لاتّفاق علماء العربية على أنّ المصادر حقيقة في المعاني المصدرية.

ثانيها: نفسُ مسائل العلوم المعبّر عنها بالقضايا أو بالمحمولات أو بالنسب التامة المبينة في العلوم، كقولهم: (فلان يعلم النحو والمنطق)، وكقولهم: (علم النحو وعلم المنطق).

والظاهر أنّ إرادة هذا المعنى منه على سبيل التجوّز، من باب إطلاق
المصدر على اسم المفعول، كالخلق على المخلوق، وليس بحقيقةٍ لغوية أو
عرفية عامّة، ولا خاصّة لصحّة السّلب، وعَدَمِ التبادُر وأصالة عدم الاشتراك وعدم النقل.

ثالثها: مطلقُ الإدراك، الأعمُّ من التصوّر والتصديق، وهو مصطلح أهل المنطق، وليس بحقيقةٍ لغوية ولا عرفية عامّة، وإنّما هو حقيقة عند أهل المنطق، وجُعل منه قوله تعالى [وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا]([78]).

ورابعها: الملكة التي يُقتدر بها على معرفة المسائل، وهي الهيئةُ الراسخة في الذهن الحاصلة من ممارسة المسائل وتكرّر الإدراكات لها، كقولهم: (فلان نحويّ وصرفي)، ويحُكى عن صاحب الفصول رحمه الله ([79]) إنّ هذا المعنى هو مصطلحٌ لأرباب العلوم، حتّى صار حقيقةً عندهم بالغلبة أو بالنقل، ولكنّ ظاهر الأكثر أنّه من المجاز المشهور المتداول الذي لا يضرُّ استعماله في الحدود، وأصالَةُ عدم النقل تقتضي أنّه مجازٌ في هذا المعنى.

خامسها: التهيّؤ والاستعدادُ لمعرفة المسائل، وظاهرُ المحكيّ عن التلويح([80]) وجلالِ الدين شارح جمع الجوامع: أنّ هذا المعنى عبارةٌ عن المعنى الرابع؛ فراراً عمّا يردُ عليه من أنّ التهيّؤ البعيد حاصلٌ لغير الفقيه، والقريب غيرُ مضبوط؛ إذ لا يعرف أيّ مقدار من الاستعداد يقال له التهيّؤ القريب.

سادِسُها: مُطْلَقُ التَّصديق الشَّامل للجزم والظنّ والجهل المركّب والتقليد، قال المرحوم الشيخ حسن([81]) عمُّنا الأعلى في شرح مقدّمة كشف الغطاء: أنّه بهذا المعنى من المجاز المشهور، وينبغي حمل العلم في هذا المقام عليه لظهوره فيه لفهم كثير من الأعلام له.

سابعها: مطلقُ الجزم، الشامل للجهل المركّب والتقليد الموجب للجزم.

هذا وقد ذكر صاحب الفصول([82]) للعلم معنىً آخر: وهو التصوّر فقط، وهو لا وجه له؛ لعدم ذكر أحدٍ له ذلك، والأصل عدمه.

إذا عَرَفْتَ ذلك ظَهَرَ لك أنّ الأصحّ هو حملُه في تعريف الفقه على المعنى الأول؛ لأنّه المعنى اللغوي العرفي، واستعماله في غيره لا يصحّ في التعريف؛ لأنّه مجاز وإنْ سلّمنا أنّه مشهور، لكن لا يقدّم على الحقيقة، فلا يصحّ الاعتماد عليه في التعاريف، ولأنّ إرادة الثاني لا تناسب التعدية بالباء إلاّ على ضرب من التجوز؛ ولأنّ الرابع لا يناسب التعدية (بعن) إلاّ على ضرب من التكلّف الذي هو خلاف الظاهر الذي لا يَصِحُّ ارتكابه في التّعاريف.

إنْ قُلْتَ: إنّ حَمْلَهُ على المعنى الأوّل يُنافي مذهب المخطّئة.

قلنا: لا ينافيه، فإنَّ المرادَ به اليقينُ بالحكم الظاهري، أو بوجوب العمل، أو بمدلول الدليل، كما سيجيء إنْ شاء الله.

معنى الباء الداخلة على الأحكام

وأمّا (الباءُ) الدّاخلة على الأحكام فهي داخلة على المفعول به للعلم؛
لأنّ العلم مَصْدَرٌ لِعَلِمَ المتعدّي، ولكنّ مصدر المتعدي يكونُ لازماً إذا
دَخَلَتْ عليه (أل) فيُعدَّى إلى مفعوله بحرف الجرّ فتكون الباء هنا
للإلصاق.

معاني الحكم السبعة وما هو المأخوذ منها في تعريف الفقه

وأمّا الأحكام فجمعُ حكم، والحكم له معانٍ سبعة:

أحدها: الإلزام، كإلزام الآمر والناهي، وإلزام الحاكم المتخاصمين لقطع الخصومة، ومنه يُسمّى الحاكم حاكماً والقضاء حُكْماً.

ثانيها: التصديق والإذعان بالنسبة، الذي طالما المنطقيّون يستعملونه في هذا المعنى، ومن الغريب جَعْلُ هذا المعنى عينُ المعنى الأول، كما هو الظاهر من كلام صاحب بدائع الأفكار([83]).

ثالثها: النّسبة التامة الخبرية، وقد تقيّد بالجزئية بدل الخبرية، ولعلّه من تحريف الناسخ، أو في قبال الكلية التي هي ليست فقهاً كما في المعالم حيث فيها: (ومسائله -يعني الفقه- هي المطالب الجزئية...الخ)([84]).

وإلى هذا المعنى يرجع تفسيرُ الحكم بإسناد أمرٍ إلى آخر أو سَلْبِهِ عنهُ، الذي هو عبارة عن إيقاعه عليه أو انتزاعه عنه.

لأنّ النسبة التامة: إنْ أريد بها مجّرد النسبة المردّدة بين الإيجاب والسلب والموجودة بينهما فعدم صدق الحكم عليها واضح.

وإنْ أريد بها النسبة الثبوتية والسلبية فهي عبارة عن إيقاع المحمول
على الموضوع أو سلبه عنه فترجع إليه، ولو سُلِّم الاختلاف فهو باللحاظ والاعتبار، وإليه يرجع تفسير الحكم بالمسائل؛ لأنّ المسائل لا يُطلق عليها الحكم إلا باعتبار ما اشتملت عليه من النسب التامة الخبرية وإلاّ فمجموعها ليست بحكم.

وعلى هذا المعنى يُحمل الخبرُ المعروف، وهو قوله  عليه السلام : (خمسة أشياء يجب الأخذ فيها بظاهر الحكم)([85]) الحديث.

رابعها: النسبة التامة التي هي مداليل الكلام، أعمُّ من الخبرية والانشائية؛ ليشمل مثل [أَقِمْ الصَّلاَةَ]([86])، وهذا هو المعنى العرفي العام اللغوي له، ولعله تلك المعاني ترجع إليه وهي مصاديقه.

خامسها: خطابُ الله المتعلّق بأفعال المكلفين، وهو اصطلاح الأصوليين في الحكم، حيث فسّروا الحكم بذلك، كما عن الغزالي([87]) المتوفى سنة (505هـ) وإنْ زاد بعضُهم بعضَ القيود- كما في تهذيب العلاّمة رحمه الله - حيثُ زاد قيد (بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع)، بعد لفظ (المكلّفين)، وحكي ذلك عن ابن الحاجب([88])، وصاحب المناهج([89])، والمنتخب، وعن الآمدي: إنّ الحكمَ خطابُ الشارع بفائدة شرعية تختص به([90]).

وكيف كان فكلمتهم من قديم الزمان متفقة على أنّ الحكم عندهم: هو خطاب الشارع، فلا وجه لما ذكره صاحب القوامع([91]) من عدم ثبوت اصطلاحهم على ذلك.

سادسها: خصوصُ الأحكام التكليفية الخمسة، الإباحة والاستحباب والكراهة والوجوب والحرمة، كما هو الشائع المتعارف في عرف
المتشرعة.

سابعها: مداليلُ الخطابات الشرعية بنحو الاقتضاء أو التخيير أو الوضع، أعني: الأعمّ من الأحكام التكليفية الخمسة والأحكام الوضعية الشرعية، كما هو الشائع في عرف الفقهاء، وصرّح به غير واحد منهم.

والظاهر أنّ المراد في التعريف هو المعنى الرابع؛ لأنّ ألفاظَ التعريف- كما قررناه- يجبُ أنْ تستعمل في أظهر معانيها عند العرف العام واللغة ليتّضح المعرَّف عند السامع.

إنْ قلتَ: قد ذكر غير واحد بأنّه يجبُ حَمْلُ الكلام على عرف أهله، فينبغي أنْ تُفَسَّر الأحكامُ بالمعنى السابع؛ ولأنّ العلم بالأحكام التكليفية الوضعية علم بعوارض أفعال المكلفين الشرعية وحقيقة كل علم هو العلم بعوارض موضوعه.

قلنا: هذا فيما لو تقدَّم منهم بيانُ الاصطلاح فإنّه بعد ذلك يُحْمَلُ اللفظ في كلامهم عليه؛ لأنّه يكونُ بمنزلة البيان؛ لما يراد من اللفظ في الكلام، أمّا إذا لم يتقدم ذلك منهم فلا يصحّ استعمال اللفظ عند إيضاح الحقيقة في المعنى المصطلح فيه؛ لعدم اتّضاح الحقيقة به، وهو خلافُ المطلوب، مضافاً إلى لزومِ زيادة قيد الشرعية والفرعية.

(ودعوى) أنّه لو أريد المعنى الرّابع للحكم لَزَمَ خروجُ معرفة الموضوعات المخترعة للشارع كالصلاة، والصوم، مع أنّ معرفتها وظيفةُ الفقيه.

(فاسدة)؛ لأنّه:

إنْ أُريدَ من معرفتها تصوُّرها فهي من المبادئ التصوّرية؛ لأنّ تصوُّرَ الموضوعات- كما قررناه في محلّه- من المبادئ التصورية للعلم، وهي غير خارجة عن العلم.

وإنْ أريد من معرفتها التّصديقُ بصحّة حُدودِها وتعاريفها وبيانُ
أجزائها وشرائطها، فالتصديق بذلك داخلٌ في التصديق بالأحكام الوضعية الشرعية

(ودعوى) أنّ متعلَّق العلم الحاصل من الأدلّة، هو النسبة دونَ طرفيها من الموضوعات والمحمولات، والأحكام عبارة عن نفس المحمولات، فالأولى حَمْلُ الأحكام على المعنى الثالث أو الرابع.

(فاسدة) فإنّ الأحكام عند الفقهاء ليس نفس الوجوب المجرّد، بل هو الوجوب المنسوب لفعلِ المكلّف المخصوص، ولا شكّ أنّ الذي يُفْهَمُ من الأدلّة هو الحكمُ المنسوبُ لفعلٍ خاصّ من أفعال المكلّفين، فإنّ [أَقِمْ الصَّلاَةَ]([92]) يفهم منه الوجوب المنسوب لفعل الصّلاةِ، وهو نفسُ الحكم عند الفقهاء.

(ودعوى) إنّ هذا التعريف ذكره الأصوليون، فينبغي حمله على مصطلحهم، وهو المعنى الخامس للحكم.

(فاسدة) فإنّ كلّ فنٍّ وعلم إذا ذكر تعريفه أهل فنٍّ آخر يذكرونه بالنحو الذي ذكره أربابه، فالأصوليون لا يريدون من هذا التعريف إلا ما أراده أهل الفقه.

هذا، مضافاً إلى أنّ حمل (الحكم) على المعنى الأول فاسدٌ؛ لأنه يخرج عن الفقه العلم بالأحكام غير الإلزامية.

وهكذا حمله على المعنى الثاني كما هو المحكيُّ عن المحقّق الشريف وسلطان العلماء([93]) أيضاً فاسدٌ؛ لأنّ التصديق هو الإذعان، ولازمه أنْ يكون لفظ (العلم) في التعريف مستدرك، إذ لا معنى لقولنا: (العلم بالتصديقات).

إنْ قلت: نحمل (العلم) على الملكة، ونجعل (عن أدلتها)
متعلّق بالأحكام، ونجعل الباء في (الأحكام) للسببية، ونجعل الأحكام
بمعنى تصديقات الفقيه لا الشارع؛ لأنّ الشارع تصديقاته ليست عن الأدلة التفصيلية.

قلنا: قد عرفت وجوب حمل العلم على معناه اللغوي، وظهور الباء في الإلصاق والتعدية، وظهور (عن) في أنّها متعلقة بالعلم.

إنْ قلت: نحمل (العلم) على ملكة التصديق، و(الأحكام) على تصديقات الشارع، و(عن) تعلّقها بالملكة.

قلنا: أيضاً قد عرفتَ لزوم حمل العلم على معناه اللغوي، والتصديقات لا بدّ أنْ يراد بها على هذا اسم مفعول، اعني: المصدَقات من الشارع، وهو أيضاً خلاف الظاهر.

وهكذا حمله على المعنى الثالث- كما هو المحكيّ عن المحقق القمي([94])، والشيرواني([95]) والشيخ البهائي رحمه الله ([96]) وجُمْلَةٌ من المتأخّرين- فاسِدٌ للزوم خروج العلم بالنسب الإنشائية كـ[أَقِمْ الصَّلاَةَ]([97]).

والتجأ بعضُهم؛ فراراً عن الإشكال فقال: بأنّ النسب الإنشائية تستتبع نسباً خبرية لا محالة، فإنّ طَلَبَ الشارع للفعل يوجبُ اتّصافَهُ بالمطلوبيّة، فيندَرِجُ العلم بالنّسب الإنشائية تحت التعريف بالاعتبار الثاني.

ويمكن أنْ يقال عليه: إنّ مثل إحباط العمل وتجسّمه نِسَبٌ تامة خبرية، وهي شرعية- تؤخذ من الشارع- وفرعية؛ لأنها متعلّقة بالعمل بلا واسطة، فيلزم شمول التعريف لها، بخلاف ما إذا فسّرنا الأحكام بالمعنى السابع، فإنّ الإحباط والتجسيم ليس منها.

ويمكن أنْ يقال عليه أيضاً: إنّ النسب الخبرية هي مدلولات الأدلّة التفصيلية، فهي بالنسبة إليها مِنْ قبيل الألفاظ بالنسبة لمعانيها، فلا تكونُ أدلّة اصطلاحية عليها؛ لأنّ الدليل ما يتوصّل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري، وإنّما تكون كواشف عنها، بخلافها بالنسبة إلى الأحكام الشرعية فإنّها تكونُ أدلّة عليها. ومنه يظهر فسادُ حمله على المعنى الرابع.

[اللهم إلا] أنْ يقال: إنّ المراد بها هي نسب الأحكام لموضوعاتها، فإنّ الأدلّة كما تكون أدلّة على الأحكام تكون أدلة على نسبها، والمعنيّ بالتعريف هو نسب الأحكام لموضوعاتها لا النسب التي هي مدلولاتها، ويكون قوله: (عن أدلتها) قرينة على ذلك.

وهكذا حمله على المعنى السادس فاسدٌ؛ لاستلزامه خروجَ معظم المسائل الفقهية، كالبحث عن شرائط العبادات، وموانعها، وأسباب وجوبها، والبحث عن الصحة والفساد، ونحوهما، مما هو المقصدُ الأهمّ في قسم المعاملات.

وجعلُ ذلك كلّه من باب الاستطراد لا وجه له؛ لأنّ معظم مباحث الفقه مكوّن منها.

وجعلُ ذلك بحثاً عن الأحكام التكليفية لرجوع الأحكام الوضعية إليها لا وجه له؛ لعدم ذهاب معظم الفقهاء إلى ذلك؛ مضافاً إلى بطلانه في نفسه، ولو سلّمناه فالفقهاء الباحثون عن ذلك لم يلتفتوا إلى رجوعها للأحكام التكليفية حتى يقال: إنّ بحثهم من جهة رجوعها إليها.

وهكذا حمله على المعنى الخامس فاسدٌ؛ لأنَّ العلم بالخطاب سواء فُسِّرَ بالكلام الموجّه أو بتوجيه الكلام ليس بفقهٍ؛ لأنّ الفقه هو العلم بما استنتج من الخطاب من الأحكام التكليفية أو الوضعية، ولزوم زيادة قيد (الشرعية الفرعية) ولزوم اتحاد الدليل والمدلول بعدَ أنْ كان الكتاب والسنة من الأدلة التفصيلية وهما من الخطاب.

معنى الكلام النفسي

وقد استراح الأصوليون القائلون بمقالة الأشاعرة من وجود الكلام النفسي، وهو معنىً قائمٌ بنفس المتكلّم يدلُّ عليه كلامُهُ اللّفظيّ من قبيل دلالة الأثر على المؤثر، وهو غير الصورة الذهنية للمعنى الذي أخبر بها أو طلبها أو نهى عنها المتكلّم، وغير إرادة الأخبار عنها، وغير إرادة الفعل وكراهيّته.

وفسّره العضدي([98]) بالنسبة القائمة بالنفس بين المفردين، وجعلوه هو الطلب والنهي في الأوامر والنواهي، وإليه يرجع النزاع المعروف في كتب الأصول من أنّ الطلبَ عينُ الإرادة أو غيرها.

وقد أطبق الإمامية والمعتزلة على عدم معقوليّته.

ويمكن أنْ يكون المراد للأشاعرة به هو العقل الباطني، وتحقيق ذلك يطلب مما كتبناه في مبحث اتحّاد الطلب والإرادة، وسيجيء إنْ شاء اللهُ التعرُّضُ له عند البحث عن تعريف الحكم عند الأصوليين.

وكيف كان فبناءً على مذهب الأشاعرةِ من وجودِ الكلام النفسي يُمكِنُ رفعُ الإيراد المذكور حيثُ يكونُ عندهم معنى الأحكام: هو الخطابات التي هي الكلام النفسي، ومعنى الأدلة هو الخطابات التي هي الكلام اللفظي، فتغاير الدليل والمدلول، وبما حققناه من أنّ المراد بالعلم هو المعرفة والاطّلاع يكون العلم بالذّوات وبالصّفات خارجاً عن التعريف بلفظ العلم لا بقيد الأحكام، وإنمّا خرج بقيد الأحكام: العلمُ بالمسائل النحوية والعرفية ونحوها.

القيد الثاني للتعريف - الشرعية

أمّا قيدُ (الشّرعية) فهيَ نسبةٌ للشَّرْعُ، والشرع في اللُّغة والعُرْفُ العام هو الدين، والظاهر أنّهما مترادفان عند العرف، وأمّا عند اللغة، أُخِذَ في الدّين التديّن، وهو عقدُ القلب والالتزام به. كما أنّ الشريعة معناها الطريقة.

(ودعوى) أنّ الشرع في اللغة: (هو الطريق الواضح، نُقِلَ منه عرفاً أو في اصطلاح أهل الاديان)([99]) إلى الإسلام، بل إلى كلّ ما جاء به أحدٌ من الأنبياء من الأديان كما صدرت من صاحب البدائع.

(فاسدة)؛ إذ لا دليلَ عليها؛ لأنَّ لفظ الشرع كلفظ الدين يتبادر منهما معنىً واحدا عرفاً، وهو ما جاءت به الرُّسُلُ من اللهِ تعالى لعباده، ويستعملان فيه بلا تكلّف.

والأصلُ عدم النقل، ولا داعي للالتزام بالنقل، فإنّه لا ملزم له، كيف ولو التزمناه في الألفاظ للزم التسلسل، فالأولى جَعْلُهُ مُرْتَجَلاً بالنّسبة لمعناه، وموضوعاً له على سبيل الاستقلال.

كما أنّه لا وجه لدعوى اختصاصِهِ بشرع الإسلام؛ إذ كلُّ دين يُسمَّى شرعاً، ويجمع على شرائع.

نعم، لا يُنْكَر أنّ لفظ (الشرع) عند المسلمين نُقِلَ لخصوص الدّين الإسلامي، فإنّه إذا أطلق عندهم لا يتبادر منه إلا ذلك.

وعليه فالمراد (بالشرعية) هي المنسوبة للشرع المحمّدي والدّين الإسلامي الحنيف، ولولا هذا النقل لقلنا: إنّ التعريف المذكور يشمل علم علماء الأديان الأخرى الذين علموا بأحكام دينهم عن أدلّتها التفصيلية، ويصحُّ أنْ يطلق عليهم فقهاء.

والحاصل: أنّ المراد بالشرعّية هي المنسوبةُ للشرع، والنّسبَةُ وانْ
كانت تصحّ لأدنى مناسبة، إلاّ أنّ الظاهر أنّ المراد منها هي المجعولة في الشرع
ولو بواسطة جعل كلّيها، سواء استكشف ثبوتها فيه من بيان الشارع أو
إمضائه أو سكوته أو من حكم العقل، كما لو حكم العقل بأنّ هذا الحكم من الشارع.

تقسيم الشرعية إلى قسمين (أصولية وفرعية)

ثمّ إنّ الشرعية على قسمين:

فرعيّة، وهي التي يبحث عنها في هذا العلم.

وأصولية، والأصوليّةُ على قسمين:

أصولية فقهية، وهي التي يبحث عنها في علم الأصول، وتتعلق بأحوال الأدلة.

وأصولية اعتقادية وهي التي تتعلق بأحوال المبدأ والمعاد، ويبحث عنها في علم الكلام على وجه المطابقة مع النقل بطريق النظر والفكر، وفي علم التصوّف بطريق الكشف والرياضة، وفي الحكمة المشائية على قانون العقل من دون ملاحظة المطابقة مع النقل، وفي حكمة الإشراق على قانون العقل بطريق الكشف والرياضة.

وعليه يظهرُ لك فساد تفسير الشرعية بما أُخذ من الشارع ولو شأناً، فإنّ كثيراً من أحوال الأنبياء أخذت من الشارع، مع أنّه لا يقال لها: شرعية، كما أنّ بعض الأحكام لا يصحُّ أخذها من الشارع مع أنّها شرعية؛ لجعل العقل لها من الشرع، كوجوب الاعتقاد بوجود الباري عزّ اسمه، ووجوب الاعتقاد بالرسول، ووجوب النظر في المعجزة.

وعلى ما ذكرناه يكونُ قيدُ الشرعية؛ لإخراج الأحكام العقلية، كالعلم بأنّ العالم حادِثٌ، والحسِّيةُ، كالنّار محرقة، والوضعية التي هي بوضع الواضع، كالفعل مرفوع، والعرفية كاحترام القادم.

القيد الثالث للتعريف - الفرعية

وأمّا قيد الفرعية فهي نسبةٌ إلى الفرع، وهو ما ابتنى على غيره، في مقابل الأصل، وهو ما ابتنى عليه غيره، وقد اختلف القومُ في تفسيرها، فبعضهم فسَّرَها بما ليست أصولية، وبعضهم: بما دُوّنت الكتب الفقهية لأجله، وفسّرها صاحب الفصول([100]) بالمسائل العرفية التي دُوِّنت مهمّاتُها في الكتب المعهودة، وفي هداية المسترشدين([101]) فُسِّرت بما يتعلّق بفروع الدين.

ولا يخفى ما في ذلك من الخطأ؛ إذ المقصودُ من التّعريفِ التمييزُ عن غيرها، وبالتعاريف المذكورة لا تتميز الأحكام الفرعية عن الأصولية؛ لكون الأصولية غيرُ معلومة لمن يجهل الفرعية ويريد تميّزها عن الأصولية، ولا ما دُوِّنَتْ الكتبُ الفقهيّةُ لأجله مَعْرُوفٌ عنده، خصوصاً لمن يُريد البصيرة في الشارع.

وقد استظهر بعضُ المحققين من كلمات الشيخ الأنصاري رحمه الله ([102]) تفسير (الفرعية) بالأحكام الشرعية التي ينتفع بها المقلّد والمجتهد معاً غير الاعتقادية، بخلاف الأحكام الأصولية، فإنّها لا ينتفع بها إلاّ المجتهد المستنبط، لكونها من مقدّمات الاستنباط كحُجّيةِ خبر الواحد.

ثم أشكل هذا المستظهر على الشيخ رحمه الله  بأنّه:

إنْ كان المرادُ بالانتفاع هو الانتفاع بعد معرفة طرفي القضية من الموضوع والمحمول وإحراز ما يعتبر في النفع الفعلي انتقض التعريفُ بدخول المسائل الأصولية الشرعية كحُجّية الخبر الواحد، فإنّها مما ينتفع بها الكلّ بعد معرفتها وإحراز شرائط العمل بها، وهكذا غيرها من مسائل الأصول.

وانْ كان المراد بالانتفاع انتفاعُ المقلِّد بها نفعاً فعلياً غير متوقف على شيء انتقض عكسه بخروج القواعد الفرعية العامّة، كقاعدة ما يُضْمَنْ بصحيحه، وقاعدة الضّرر والحرج ونحوها.

وقد تفسَّرُ (الفرعية) بالأحكام المجعولة لعامّة المكلّفين غير العقائد، بخلاف الأحكام الأصولية، فإنّها مجعولة لخصوص المجتهدين.

ونوقش فيه: بأنّ المجتهد والمقلِّد ليسا بصنفين من المكلَّف حتَّى يكون لكلٍّ منهما حكمٌ مخصوصٌ به، بل هُما يشتركان في جميع الأحكام أصلاً وفرعاً، من غير فرق، إلاّ من حيث القدرة والعجز، كحُجية الخبر، فإنّ المجتهد يقدر على العمل به بإحراز شرائط العمل دون المقلِّد.

وقد تفسر (الفرعية) بما يتعلق بكيفية العمل بلا واسطةٍ، وهو المحكيّ عن سلطان العلماء في حاشيته على المعالم([103])، ولكنّ المحقق القميرحمه الله  لم يأت بلفظ الكيفية، وقال: (ما يتعلّق بالعمل بلا واسطة)([104])، والسرُّ في ذلك أنّ سلطان العلماء لمّا فَسَّّر الأحكام بالتصديقات، والتصديقات إنمّا تتعلَّقُ بكيفيّةِ العَمَل، وهي الأحكامُ الشرعية؛ لأنَّ الأحكام من الكيفيات والأحوال التي تعرض لأعمال المكلفين، وصاحِبُ القوانين لمّا كان يرى أنّ الأحكام هي النِّسبُ التامّة، وهي تتعلَّقُ بنفس الأعمال لم يأت بلفظ الكيفية.

وكيف كان فالمرادُ بهذا التفسير إنّ تعلّق الحكم بالعمل وعروض الحكم عليه يكون على نحوين:

أحدهما: أنْ يكون بلا واسطةِ شيءٍ، كالوجوب العارض على الصلاة، وهذا القسم يسمّى بالحكم الفرعي.

ثانيهما: ما ليس كذلك، ويسمّى بالحُكْمِ الأصليّ، سواء:

لم يكن له تعلّق بالعمل أصلاً كالوجوب العارض للتصديق بالصراط.

أو كان له تعلّق بالعمل بواسطةِ واحدةٍ، ككون الأمر للوجوب والنهي للحرمة، فإنّه له تعلّق بالعمل بواسطة الوجوب والحرمة العارضين للعمل.

أو كان له تعلق بالعمل بوسائط متعددة كوجوب التصديق بالله تعالى، المستتبع لوجوب طاعته، المستتبع لوجوب الفعل أو الحرمة بعد الأمر به أو النهي عنه.

وأورد عليه:

أولا: بدخول جملة من المسائل الأصولية، كصحّة عمل المجتهد برأيه، ووجوب عمل المقلِّد برأي المجتهد، ووجوب العمل بالكتاب، وبالظنون الخاصة من باب التعبد، ووجوب العمل بالراجح من المتعارضين أو التخيير بينهما.

ثانياً: إنّ العمل إنْ أريد به أفعال الجوارح خَرَجَ عن التعريف مثلَ أحكام النية من وجوب قصد القربة، ووجوب الوجه والتمييز في بعض الموارد، والأحكام المتعلقة بالحسد والبخل وسوء الظن، وحرمة العزم على المعصية، أو كراهيته، ونحوها من الأفعال القلبية.

وإنْ أريدَ بالعمل الأعمّ منها ومن أفعال القلب دخل مثل وجوب التسليم للعقائد الدينية، أعني: الانقياد لها والالتزام بها الزائدين على الإذعان بها؛ لعدم كفاية مجرّد الإذعان في الإسلام كما في المنافقين.

وثالثاً: بدخول أصل البراءة والإباحة، فإنّه عِبَارَةٌ عن جواز العمل واباحته فهو يتعلَّقُ بالعمل بلا واسطة.

ورابعاً: بخروج الأحكام الوضعية، كمباحث النجاسات، والمطهرات، والمواريث، ونحوها، فإنّها فرعيّةٌ مع أنّها لا تتعلَّقُ بالعَمَل إلاّ بالواسطة.

وخامساً: يخرجُ منه الأحكام الفرعيّة المتعلّقة بالتروك، إلاّ أنْ يلتزم بتعميم العمل لها.

وقد تُفَسَّرُ (الفرعّيةُ) بالأحكام الشرعيّة التي لم يُقْصَدْ منها الاعتقاد، ولا معرفة حكم آخر شرعيّ كما صدر من صاحب بدائع الأفكار([105]).

فيخرج بالقيد الأوّل أصولُ العقائد، وبالثاني الأصولُ الفقهية التعبدية، كوجوب العمل بالخبر ونحوه، وأمّا أصول الفقه غير التعبديّة كحُجيّة العقل، وعموم العام، ونحو ذلك، فهي خارجةٌ بقولهم (الشرعية).

ويدخل في هذا التعريف الأحكامُ الظّاهريّةُ الثابتة في الطريق للموضوعات، كالبيّنة، واليد، والاستصحاب، ونحوها، وكذا يدخل فيه الأحكام الوضعية على القول بجعلها.

وأُشْكِلَ عليه بالأصول العملية في الشبهات الحكمية، فإنّها من الأحكام الأصولية مع أنّها لا يُستَنْبَطُ منها الحكم الشرعي عند الشكّ، حيث أنّها عبارةٌ عن حكمٍ ظاهريٍّ شرعيّ يُرْجَعُ إليهِ عندَ الشَّكّ في الواقع.

ويُمكِنُ الجواب عنه بما تذكره أخيراً.

نعم يمكن أنْ يرد عليه بالأحكام الوضعية، فإنّها يُعْرَفُ منها حكم آخر.

والظاهر أنّهم أرادوا (بالفرعية) معناها اللغوي، وهي المتفرّعة على غيرها بحسب ذاتها وبمقتضى ماهيتها.

ولا شَكَّ أنّ الأحكام الشرعية بعضُها متفرّعٌ على بعضٍ في العمل بمقتضاه، كما أنّ بَعْضَ الأحكام الشرعية أصلٌ محض لا يتفرّعُ على غيره، كالتوحيد، وبعضُها أصلٌ بالنسبة لكثير من الأحكام، ومتفرِّع بالنسبة لأحكام أخرى، كالنبّوة، فإنها أصلٌ بالنسبة لنوع الأحكام كوجوب الصّلاة وغيرها، وفرعٌ على التوحيد، وبعضُها فرعٌ مَحْضٌ لا يبتني عليه نوعٌ من الأحكام كوجوب الصلاة والزكاة والحج ونحوها، فأرادوا بالفرعية هذا القسم الثالث؛ لأنّها هي الفرعية المحضة.

إنْ قلت: يتفرَّعُ على مثل وجوبِ الصَّلاةِ وجوبُ المقدّمة وحرمة الضدّ.

قلنا: لو سلّمنا ذلك فكُلّيُّ الحكم لا يتفرّع عليها، بل هو ثابتٌ لعنوان المقدّمة ولعنوان الضد، وأمّا كونُ هذه المقدّمة واجبة لوجوب ذيها، فهو ليس بحكم شرعي؛ لأنّ الحكم الشرعي لا يَخْتَلِفُ باختلاف الآراء والأحوال والأزمان، وإنّما هو جزئيٌ يستخرجه العقل من كُلِّي وجوبِ المقدّمة للواجب.

إن قلتَ: فما تصنعُ بالأصول العملية في الشبهات الحكمية، مع أنّ القوم قد عدّوها من الأصول؟

قلت: إنّهم ألحقوها بالأصول؛ لأنّها بحسب نظرهم: إنّ الأحكام المستفادة منها في الشبهات الحكمية أحكامٌ شرعية متفرّعة عليها، ولم يلتفتوا إلى أنّها ليس بأحكامٍ شرعية، وإنّما هي تطبيقٌ للأحكام الشرعيّة في مواردها.

إنْ قلت: فما تَصْنَعُ بالأحكام الوضعية، فإنّها يتفرَّعُ عليها أحكامٌ شرعيّةٌ فيلزمُ عدُّها من الأصول؟

قلت: إنّه لا يتفرع عليه نوعُ الأحكام، وإنّما هو حكم واحد، والأمرُ ليس من الأهمّيةِ بمكانٍ، ولعلَّ الطالب بعد اطّلاعه على ما ذكرناه يستطيعُ أنْ يُخْرِجَ ضابطاً آخر للفرعيّة.

وكيف كان فتكون الفرعية لاخراج الأحكام الشرعية الأصولية الدينية والأصولية الفقهية.

متعلق (عن) في التعريف

وأما متعلق (عن) فهو العلم؛ لأنك قد عرفت أنَّ معنى العلم هو الاطّلاع والمعرفة، وحرفُ الجرّ ظاهرٌ في التعلّق بما هو ظاهر في المعنى المصدري، والعلم بواسطة تعلق الأحكام به صار ظاهراً في المصدرية، بخلاف لفظ (الأحكام) فإنّه قد عرفت أنّه ظاهرٌ في الأحكام التكليفية والوضعية، فهو ظاهر في الذّوات وبعيدٌ عن المصدرية، وأكّدَ ذلك جمعه، فإنّ المصادر لا تجمع إلاّ على ضربٍ من التأويل.

وهكذا (الشرعية الفرعية) فإنّها ظاهرة في الذوات لياء النسبة ولوصفها للجمع.

مضافاً إلى أنّ حرف الجرّ إذا رجع إلى الأحكام:

فإمّا أنْ يكونَ لغواً بأنْ يكون متعلّقاً بنفس الأحكام ولا معنى له؛ لأنّه قد عرفتَ أنّ المراد بالأحكام التكليفية والوضعية، وهي ليست حكميتها عن الأدلة، وإنّما حكميتها من الشارع.

وإمّا أنْ يكون حرف الجرّ مستقراً بأنْ يتعلّق بمحذوفٍ يكونُ صفةً للأحكام، كأن يقدّر (المأخوذة أو المستنبطة والمفهومة أو نحو ذلك) فيلزم الحذف، وهو لا يجوز؛ لما قُرِّر في محلّه من أنّ متعلّق حرف الجر لا يصحّ حذفه إلاّ إذا كان المقدّر الكون أو ما في معناه، ولذا قيل الأصل في الظروف اللغوية.

وهكذا إذا رجع للشرعية؛ لأنّه إنْ كان لغواً فهو لا معنى له؛ إذ شرعيّةُ الحكم ليست عن الأدلة، وإنْ كان مستقراً كان متعلّقه المحذوف صفة للشرعية، فيلزم الحذف والفصل بين الصفة والموصوف باعتبار تخلل الفرعية بينهما.

وهكذا إذا رجع للفرعية؛ لأنه إنْ كان لغواً فلا معنى له؛ إذ لا معنى لفرعيّة الأحكام عن الأدلة، وإنْ كان مستقراً لزم الحذف.

واستدلّ بعضهم على رجوع حرف الجرّ إلى العلم: بأنّ المقصود إخراج علم الله تعالى وعلم الملائكة والأنبياء والأئمة  عليهم السلام  بالأحكام الشرعية الفرعية، فإذا عُلِّق حَرْفُ الجر بالعِلْم خَرَجَت العلوم المذكورة؛ لكونها ليست علوماً عن الأدلة، وإنّما هي عن الوحي والإلهام، بخلاف ما إذا عُلِّقَ بالأحكام أو الشرعية أو الفرعية لم تخرج العلوم المذكورة؛ لأنّه يصدق عليها إنّها علومٌ بالأحكام التي تؤخذ من الأدلة.

نعم، لو قلنا بأنّ الوصف يُشعر بالعليّة كانَ دالاً على أنّ العلم بها حاصل من الأدلة، ولكنَّ القول المذكور ضعيف.

ولا يخفى ما في هذا الاستدلال، فإنَّ التعاريف إنّما يكون الإخراجُ
فيها للغير بالمعاني الظاهرة من ألفاظ قيودها، فإنّ الإخراج فَرْعُ المعنى
الظاهر من التقييد، فلا وجه أنْ يكون الإخراج سبباً لظهور اللفظ في
المعنى ومرجعية القيد.

ولو أبدل في التعريف (عن) (بمن) كان أولى وأحسن، إلاّ أنّ الكتب التي عندي يوجد فيها لفظ (عن).

قيدُ الأدلّة في التعريف (تفسير الدليل)

وأما (الأدلة) فهي جمع: دليل، وهو لغةً: المرشد والهادي.

وفي اصطلاح المنطقيين: (القولُ المؤلَّفُ مِنْ قضايا الذي يلزمُ منه لِذاته قولٌ آخر).

وفي اصطلاح الأصوليين: (ما يمكنُ أن يتوصّل بصحيحِ النَّظَرِ فيه إلى مَطْلوب خبري)، كالتَّغيّر، فإنّه يمكِنُ أن يتوصّل بصحيح النظر فيه إلى أنّ العالم حادث.

والمراد (بالإمكان) هو الإمكانُ العادي، وإنّما أُتيَ بهِ لِيَدْخُلَ الدّليلُ المسبوق بالعلم بمدلوله، والدليل المغفول عنه الذي لم يقع فيه النظر أو وَقَعَ فيه النظر ولكنّه كان غير موصل، ويخرج به الدليل على الضروريات، فإنّه لا يُتَوَصَّلُ به للمطلوب بحَسَبِ العادة، وإلاّ لزم تحصيل الحاصل. ولذا لا يسمّى دليلاً بحسب الاصطلاح. والمرادُ (بالتوصُّل) هو الانتقالُ العِلميُّ أو الظنّي؛ لأنّ الأمارة دليلٌ عند الأصوليين.

في حصول النتيجة من الدليل

وأتوا بلفظ (التوصُّل) دون أنْ يقولوا: (يلزم) كما صَنَعَ المنطقيون؛ لأجل انطباق التعريف على سائر المذاهب.

فإنَّ الأشعري([106]) يرى أنَّ حصول العلم بالنتيجة من العلم بمقدماتها بحسب جريان العادة، فلا يمتنع عقلاً تخلُّفُ العلم بالنتيجة عن العلم بمقدماتها ولا استلزامَ بينهما، وإنّما اللهُ تعالى أجرى العادة بأنْ يحصلَ العلمُ بالنتيجة بعد حصول العلم بمقدماتها.

بخلاف المعتزلي فإنّه يرى أنّ حصولَ العلم بالنّتيجة من العلم بمقدّماتها على سبيل التوليد.

والحكماء ذهبوا إلى أنّ حصول العلم بالنتيجة من العلم بالمقدمات على سبيل الإفاضة من المبادئ الفيّاضة؛ لأنّهم يرونَ أنَّ فيضان الممكناتِ موقوفٌ على استعدادات، وبعد حصول الاستعدادات تجبُ الإفاضة، فيكونَ العلم بالمقدّمات من المعِدَّات لحصول العلم بالنتيجة بواسطة إفاضة المبدأ الفيّاض له بعد العلم بالمقدمات.

وأمّا المناطقة فيرون ذلك لزوماً، وهو الظّاهر من الأصوليين.

وينسب لصاحب القوانين رحمه الله ([107]) أنّه أيَّد مذهب الأشاعرة بما روي عنهم  عليهم السلام  إنّ العلم ليس بكثرة التعليم والتعلم بل هو نورٌ يقذفُهُ اللهُ في قَلْبِ مَنْ
يشاء([108]).

ولا يَخْفَى ما فيه، فإنّه لعلّه ناظرٌ إلى العلم بالمقدّمات، والقذف كان بواسطتها.

وعليه فالتوصُّلُ في كلامهم أعمُّ من أنْ يكون عادياً أو توليدياً أو إعدادياً أو لزومياً؛ لينطبق التعريفُ على سائر المذاهب.

والمراد (بصحيح النظر فيه) الدليلُ المشتمل على الشرائط المعتبرة في دليليّته مادةً وصورةً، فيخرجُ: ما ليس بدليل وإنْ كان موصلاً اتفاقاً. وأمّا ما كان دليلاً لكنّ النظر كان فيه فاسداً فهو لا يخرج عن التعريف؛ لأنّه في الواقع يتوصّل بصحيح النظر فيه إلى المطلوب الخبري، غايةُ الأمر أنّه لم ينظر فيه النظر الصحيح، فلا وجه لما تُخُيل من خروجه، كيف يخرج وقد قسموا الدليل إلى الصحيح والفاسد.

تعريف النظر

(والمراد بالنظر) هو: ترتيبُ أمور معلومة للتأدّي إلى المجهول، وقد تكلّمنا فيه مفصلاً في كتابنا (نقدُ الآراءِ المنطقية) فراجعه([109]).

(والمرادُ بالمطلوبِ الخَبَري) هو المطلوبُ التصديقي المسمّى بالنتيجة، فيخرج بذلك المعرِّف؛ لأنّه وإنْ كان يتوصَّلُ بصحيح النظر فيه إلى مطلوب، ولكنّه ليس بخبريّ، بل تصوّري، وإنّما لم يقيّدوا المطلوب بالعلم فيقولون (إلى العلم بالمطلوب الخبري)؛ ليشمل الظن والعلم، فإنّ الأدلة الشرعية نوعها أمارات مفيدة للظن.

الفرق بيـن تفسير الدليل بيـن الأصولييـن والمنطقييـن

والفرقُ بينَ تفسير (الدّليل) عندَ أهل الميزان وبين تفسيره عند الأصوليين: إنّ تعريف الأصوليين لا ينطبق إلاّ على الحدّ الأوسط، وهو جزءُ الدليل عند المنطقيين؛ لأنّه جُزْءٌ من الصُّغرى والكبرى اللّتين هُما بمجموعهما يكونان دليلاً عند المنطقيين؛ لكونِ الدليل عندهم يكون مؤلّفاً من قضايا، وأيضاً الدليلُ عند الأصوليين هو ما يمكن أنْ يُوصِلُ، وإنْ لم يكن بالفعل قد أوصل، بخلافِهِ عند المنطقيين، فإنّه ما أوصل فعلاً، فعندَ الأول يعتبر إمكان الإيصال، وعند الثاني يعتبر فعليّة الإيصال، وإنّه عند الأول يكون محلاً للنّظر والفكر، وعندَ الثّاني هو نفس النظر والفكر([110]).

المراد بالأدلة في تعريف الفقه

أنّ المراد (بالأدلّة) المذكورة في تعريف علم الفقه هي الأدلّةُ المستعملة في علم الفقه؛ لتقدم العهد الذهني بها، نظير قولك: (جاء الملك)، فإنّه ظاهرٌ في العهد بملك البلد وإنْ لم يسبق بينك وبين المخاطب عهدٌ خاص في ملك مخصوصٍ؛ لأنّ الذي في ذهن أهل البلد هو ملكهم، فوجودُ (أل) في الأدلّة دليلٌ على إرادة العهد بأدلّة هذا العلم؛ لأنّه هو الموجودُ في الذهن، ولو كان العهد غير مراد لجِرُّدت الأدلة من أل، وقيل: (عن أدلة تفصيلية) بل هو أبلغ، لأنه لو لم يكن المراد العهد مع وجود أل لكانت الأدلة ظاهرة في الاستغراق؛ لأنّه جَمْعٌ مقترنٌ بأل، وهي تقتضي أخذ كلّ حكمٍ من جميع الأدلّة، وهو خلاف الظاهر.

وعنده لابدّ من ارتكاب التأويل فيه من حمله على خصوص أدلّة الفقه؛ إذ لم تؤخذ الأحكام الشرعية من غيرها. وارتكابُ خلافِ الظّاهر مَعيبٌ في التَّعاريف التي يُقْصَدُ منها إيضاحُ المعرَّف.

فتَلَخَّصَ: أنّ المراد بالأدلة المعنى اللغوي، وهو المرشد؛ لأنّ الفقهاء ليس لهم اصطلاح في الدليل، فإذا وَرَدَ في كلامهم حُمِلَ على معناه المتعارف، وهو المعنى اللغوي.

وأل في (الأدلة) يرادُ بها العهد للأدلة الفقهية المستعملة في علم الفقه.

(ودعوى) أنّ الأدلّة لو كانت ظاهرةً في الأدلّة المعهودة لكانت ظاهرة في الأدلة الأربعة، وهي: الكتاب، والعقل، والإجماع، والسنة بأقسامها الثلاثة: من فعل المعصوم أو قوله أو تقريره، فيلزمُ خروجُ العِلم بالأحكام من الشّهرة والقياس والإجماع المنقول.

(فاسدةٌ) لأنّا لم نَقُلْ الأدلّةُ الأربعة المعْهودَة- كما قاله بعضهم- وإنّما قُلنا الأدلّة التي تستعمل في عِلْمِ الفقه، فتشمَلُ تلك الأدلة.

وبعضهم حذف أل وأضاف الأدلة إلى ضمير الأحكام، ولابدّ أنْ تكون الإضافة بمعنى اللام وتكون للاختصاص، أي: عن الأدلة المختصة بها، وتكون الإضافة بنحو التوزيع، نظير: (ركب القوم دوابهم)، (وأكل الحجازيون طعامهم)، (ولبس الجند سلاحهم)، فإنّ المراد هو التوزيع، بمعنى: أنّ كلَّ رَجُلٍ منهم قد رَكِبَ دابَّتَهُ، لا أنّ كلّ واحدٍ منهم رَكِبَ جميعَ الدوابّ، وهذا المعنى هو المتبادر من مثل هذه التراكيب.

ما يخرج بقيد (عن أدلتها) عِلمُ الله

وكيف كان: فقد قيل: أو يمكن أنْ يقال: إنّه يخرج بهذا القيد، أعني (عن أدلتها) أمورٌ.

منها: إنّه يخرج به عِلمُ الله تعالى، فإنّه وإنْ كان علماً بالأحكام لكنه ليس بحاصل عن الأدلة ومستفاداً منها.

وبعبارة أخرى إنّ ظاهر قولهم: (العلم عن الأدلة) هو أنْ يكون العلم حاصلاً بطريق النّظر والاستدلال والانتقال من المبادئ إلى المطالب والاستنباط من الأدلة، واللهُ تعالى عالِمٌ بالأحكام بنحو الانكشاف.

وقد أورَدَ على ذلك بعضُ أهل التحقيق: من أنّ العلم بالعلّة يستلْزِمُ العلم بالمعلوم استلزاماً عقلياً من غير فرقٍ بين الله تعالى وبين غيره لاستحالة انفكاك الملزوم عن اللازم. واللهُ تعالى عالمٌ بعلل الأحكام فيكونٌ عالماً بالأحكام باعتبار علمه بعللها.

والأولى أنْ يقال في تقريب الإشكال: إنّ العلم بالأدلّة عِلّةٌ للعلم بمدلولها، واللهُ عالم بأدلّة الأحكام فيكون عالماً بالأحكام باعتبار علمه بأدلّتها؛ لاستحالة انفكاك العلة عن المعلول، فيحتاج إلى إخراج علم الله تعالى إلى الالتزام
بأنَّ المراد بالعلم عن الأدلة من حيثُ دليلّيتها والنظر فيها لا بالخاصية
المذكورة.

وجوابه أنّ (عن) ظاهرةٌ في كون العلم ناشئاً عن الأدلة، ولذا (عن) تسمّى نشوية و(علم الله) تعالى ليس بناشئٍ منها، بل هو عالمٌ بالأحكام وأدلّتها في مرتبة واحدة، دون أنْ يكون بين العِلْمَين ترتّبٌ في الوجود، وإلاّ لزم جهلُهُ في مرتبة وجود علمه بالدليل.

(ودعوى) أنّ المعلول لا يُقْدَرُ عليه في مرتبة وجود العلة فكذا لا يعلم به في مرتبة العلم بالعلة.

(فاسدةٌ) لأنّ عَدَمَ تعلّق القدرة بالمعلول في مرتبة القدرة على العلة ليس فيه نقصاً في قدرة الفاعل العامّة، بل لعدم قابلية المحل - وهو المقدور - لتعلّق القدرة به في تلك المرتبة، بخلاف العلم، فإنّ المعلوم يمكن العلم به قبل العلم بعلّته، كما في الدليل الإنّي.

خروج علم الملائكة عن التعريف

ومنها: خروجُ علم الملائكة بالأحكام الشرعية، فإنّه لا يُسَمَّى فقهاً؛ لأنَّ علمهم لم يَكُنْ عن دليلٍ ونَظَرٍ، وفكرٍ وإنّما هو بواسطةِ انكشاف الواقع لهم، وهو لا يسمّى في العرف دليلاً، مضافا إلى ما عرفتَ من أنّ المراد عن الأدلة المعهودة وهي المستعملة في علم الفقه، والانكشاف للملائكة ليس منها.

وأورد على ذلك بأنّ هذا مبنيٌ على قيام البرهان على فقدانهم للقوّة النظرية الاكتسابية، وإنَّ كمالاتهم بأجمعها فعلية، وأنت خبير بأنه لا سبيل لنا في إدراك ذلك، ولا أخبرنا به صادق يحصل العلم بقوله، فمن الجائز حصول العلم لهم ببعض الأحكام أو كلِّها بالنظر إلى بعض الأدلّة بنحو المجتهد، والأولى أنْ يقال: أنّ علمهم لا نحرز أنّه من الأدلّة فلذا لا يُمْكِنُ أنْ نَجْزِمَ بأنَّه فِقْهٌ.

خُروجُ عِلْمِ الأنبياء عن تعريف الفقه

ومنها: خروجُ علم الأنبياء والأئمّة  عليهم السلام  بنحوِ ما ذُكِرَ في خروجِ علم الملائكة. ويرد عليهم:

أوّلاً: ما أوردناه هناك، ويزدادُ الإيراد بأنَّ المشهور عند الأصوليين: أنّ علم الأنبياء والأوصياء موقوفٌ على مشيئتهم، وعليه فيجوزُ أنْ تكون مشيئتهم  عليهم السلام  هو العلم على سبيل النظر، كما يَظْهَرُ من بعض الأخبار الواردة في استفادة الإمام من القرآن والسنة النبوية بعضَ الأحكام الشرعية استفادةً نظريةً كسبية لا يقدر عليها إلاّ العارفُ بطُرُقِ الاستنباط.

فالحقُّ أنْ يقال في الجواب ما قلناه في علم الملائكة.

ويرد عليهم ثانياً: بأنّه إنْ أريد من الأدلّة معناها اللغوي، وهو المرشد والهادي، فالعلوم المذكورة داخلةٌ في التعريف؛ لأنَّ الوحي والإلهام من الأدلة بالمعنى اللغوي وإنْ أريدَ معناها الاصطلاحي فعِلْمُ المقلَّد يخرج بها ولا يحتاج لقيد التفصيلية.

وفيه: إنّ المراد - كما عرفت - هو الأدلّةُ المعهودة في علم الفقه، والوحي والإلهام ليس منها، على أنّه يمكن أنْ يختار الشقّ الأول ويقال: إنّ الوحيَ والإلهام ليس عند أهلِ اللُّغةِ من الأدلّة فهُمَا نظيرُ الكَشْفِ والضَّرورة.

ويَرِدُ عليهم ثالثاً: أنّه يَصْدُقُ على العُلومِ المذكورة: أنّها عِلْمٌ بأحكامٍ شرعية فرعيّة حاصِلَةٍ من أدلّة تفصيلية وإنْ كان حُصُولُها عن الأدلّة إنّما هو للمجتهدين، وليسَ في التّعريفِ المذكورِ ما يدلُّ على تَعَلُّقِ حَرْفِ الجرِّ بالعلم حتّى يمنع من صدق التعريف على العلوم المذكورة، بل احتمالُ رجوعِهِ للفرعيّة كافٍ في الإيراد عليه؛ لأنَّ الاحتمال المذكور يُوجِبُ حُصُولَ الإيهام والإبهام في التعريف. وفيه ما تقدم منّا: من ظهور تعلّق حرف الجرّ بالعلم.

خروج علم المقلد من تعريف الفقه

ومنها: خُروجُ علم المقلِّد؛ لأنّه ليس بعلم من الأدلة المعهودة في الفقه، وإنّما هو علمٌ من قول مرجع التقليد.

(ودعوى): أنَّه على هذا يكونُ قيدُ التفصيلية زائداً؛ لأنّه إنمّا يخرج به
(علم المقلِّد)، فإذا كان عِلْمُ المقلَّد يخرج بالقيد المذكور فلا حاجة لقيد التفصيلية.

(فاسدة)؛ لما سيجيءُ إنْ شاء الله تعالى من فائدة قيد التفصيلية.

هذا وبعضُهُمْ أخْرَجَ عِلْمَ المقلِّد باعتبار أنّ علمه بالأحكام الشرعية على وجه الضرورة؛ لأنّ التقليد إنّما كانَ عندَهُ حُجَّةٌ بالضَّرورة.

وفيه: إنّ الضرورة هي حُجّيّة الدّليل، وهو التقليدُ، وضَرورَةُ حُجيّة الدليل لا تُوجِبُ ضرورةَ المدلول، كما في الشَّكْلِ الأول.

خروجُ الضَّروريّات عن تعريف علم الفقه

ومنها: خروجُ العِلم بالأحكام الشرعية الفرعية الضرورية؛ لأنَّ العلم بها غير مستفاد من الأدلّة، بل من الضرورة، وهي ليست من الأدلة، كيف والعلم بها بمرتبة الضرورة، فالقيدُ المذكور في تعريف الفقه يخرج العلم بالأحكام الضرورية- كوجوب الصلاة والزكاة - عن علم الفقه، وقد جزم الفقهاء بخروجها، وتابعوا في ذلك طريقة الحكماء والمتكلّمين؛ لأنّهم ذهبوا إلى أنَّ تدوين المسائل البديهية في باب التعليم والتعلّم غير مستحسن، مضافاً لما عرفت من أنَّ المراد بالأدلة، الأدلّة المعهودة في علم الفقه، والضَّرورة ليست منها.

وأَورَدَ عليه أولا: المرحومُ الشيخ محمد تقي صاحب الحاشية على المعالم بما حاصله: (إن الأحكام الضرورية أيضاً مستفادة من الأدلة؛ لأنّ العلم بالأحكام الشرعية الضرورية يتوقف على أمرين:

أحدهما: ثبوتها عن النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم .

والثاني: صدقُ النبي  صلى الله عليه واله وسلم  وحقيّة ما جاء به.

والذي يعلم في الأحكام الضرورية بالضرورة هو الأول لا الثاني؛ لتوقفه على ثبوت النبّوة، ولا ريب أنّ ثبوت النبوة يتوقّفُ على النَّظَرِ والكَسْب، فتكونُ الأحكامُ الشَّرعية بأسرها من غير الضَّروريات، وما ذكره الفقهاء من خروجها مبنيٌ على اشتباهها بسائر الضروريات) انتهى([111]).

وفيه: إنّ الجهةَ المبحوث عنها في الفقه هو إثباتُ نسبة الحكم للشريعة الإسلامية، أمّا إنّ الشريعة الإسلامية، حقّة أم لا؟ وأنّ نبيها  صلى الله عليه واله وسلم  صادقٌ أم لا؟ وأنّ الرواة عنه موثوقون أم لا؟ فهو خارج عن البحث الفقهي.

ولا ريب أنّ بعض الأحكام الشرعية إذا كانت ضرورية من هذه الجهة فهي لا تحتاج من هذه الجهة إلى البحث عنها وإقامة الأدلة عليها؛ لوضوح ثبوتها، فكانت خارجة عن علم الفقه؛ لعدم قابليتها وصلاحيتها للبحث الذي يكون العلم الحاصل منه فقهاً.

وثانياً: إنّ الأحكام الشرعية ليس شيءٌ منها بدهياً لا يحتاج إلى دليل؛ لأنها بأسرها سماعيَة متوقفة على السّماع من صاحب الشريعة ووضوحُ الدليل لا يُوجِبُ بداهة المدلول.

وفيه: إنّ احتياجها إلى السَّماع منه  صلى الله عليه واله وسلم  لا يُنافي أنْ تكونَ ضروريّةَ الثبوت في الشريعة بعد ذلك، فيُستغنى عن البحث عنها، ويكون العلم بها ليس من الفقه عند صيرورتها ضرورية.

وثالثاً: إنّه على هذا يقتضي أنْ يخْرُجَ ضروريُّ المذهب عن علم الفقه، كجواز المتعة وحرمة قول (آمين) في الصلاة عند الشيعة ونحو ذلك، مع أنّه لا إشكال في كونه من الفقه.

وفيه: إنّه لمّا كان هناك من يخالف في نسبته إلى الشرع وَجَبَ البَحْثُ عنه لإثبات أنّه من الشرع؛ لأنّ جهة البحث كانت موجودةً فيه، بخلاف ضروريّ الدين، فإنّه لا خلاف في نسبته للشرع، وإنّما الخلاف يكونُ من باقي الملل في أصل وجود الشرع الإسلامي لا في نسبة هذا الحكم له، فجهةُ البحث غيرُ موجودة فيه.

ورابعاً: إنّ الراوي الذي سمع الحكم من النبي  صلى الله عليه واله وسلم  مشافهةً يكون ثبوته عن صاحب الشريعة ضرورياً عنده مع أنّ علمه من الفقه قطعاً.

وفيه: إنّ مَحَلّ كَلاَمِنا فيما يكونُ ثبُوتُه في الشَّريعَةِ ضرورياً لا فيما يكون الانتقالُ إليه ضرورياً، فإنّ الأمرَ الكسبي قد يكونُ الانتقال إليه ضرورياً وسهلاً من الدليل فيما لو استدل عليه بالشكل الأول، ولذا قالوا: إنّ إنتاج الشكل الأول بديهي، وقد يكون نظرياً كسبياً صعباً فيما لو استدل عليه بالشكل الرابع.

فكذا ما نحن فيه، فإنّه لو سمع من المعصوم كان الانتقال إليه والاطلاع على ثبوته سهلاً، ولكن لو قام عليه خبرُ واحدٍ يكونُ الانتقالُ إليه صعباً يحتاجُ إلى مزيد فحص عن الرُّواةِ وزيادَةِ بحثٍ عن المعارضات.

خروج العلم بالأحكام القطعية عن التعريف

ومنها: خروجُ العلم بالأحكام الشرعية الفرعية القطعية عن الفقه.

والظاهر من كلماتهم أنّ مرادهم بالقطعيات: هي الأحكامُ التي أدلّتها تفيد القطع بها، كالإجماع والخبر المحفوف بالقرائن.

والذي صَرَّحَ بخروجِ العِلْمِ بها عن الفقه العلاّمَةُ الحلي رحمه الله ([112])، والشيخُ البهائي في زبدته، والفخر الرازي في محصوله([113]).

 والظاهُر من كلماتهم أنّ وَجْهَ إخراجها من الفقه هو أنّ الفقه ليس
إلاّ أحكاماً اجتهادية والقطعيات لا اجتهاد فيها لأن الاجتهاد استفراغ الوسع
في تحصيل الظن بالحكم الشرعي. والقطعيات لا يحصل بها الظن بل إنما
يحصل بها القطع.

والتحقيقُ أنّ القطعيّات بالمعنى المذكور ليست بخارجةٍ عن تعريف علم الفقه المذكور، لأنّ العلم بها إنّما كان من الأدلة، غايةُ الأمر إنّ الأدلة تفيد العلم القطعيّ بها، كما أنّ الحق أنّ العلم بها من الفقه، وذلك لأن من أدلة الفقه الإجماع والخبر المحفوف بالقرائن والمتواتر ونحوها مما يفيد القطع بالحكم، ولا زال الفقهاء، يستدلون على أحكام الفقه بالأدلة القطعية، مع أنّ أصحاب
النبي  صلى الله عليه واله وسلم  والأئمة  عليهم السلام  يسمّون بالفقهاء وهم يحصل لهم القطع بالحكم الشرعي الفرعي لسماعهم له من المعصومين  عليهم السلام  مشافهةً، مع أنّا لا نُسلِّمُ أنَّ الفقه ليس إلاّ أحكاماً اجتهادية، بل إنّما مسائله: منها اجتهادية وهي الظنيات، وغير اجتهادية وهي القطعيات.

ولو سلمنا ذلك فنقول: إنّ الاجتهاد لا يعتبر فيه الظنّ، وإنّما قُيِّدَ بالظن باعتبار الغالب، أو لبيان المقدار الكافي في تحقّقه، وإلاّ فلا ريب في أنّ الأحكام الشرعية التي يمكن أنْ يحصل العلم فيها لا يجوز الاكتفاءُ بالظنّ فيها، وقد حرّرنا ذلك مفصلاً في الجزء الأول من النور الساطع([114]).

خروج العلم بالأحكام عن طريق الكشف والإلهام

ومنها: خروجُ العلم بالأحكام الشرعية الفرعية بالإلهام والكشف والوحي والمنام والجفر والرمل، فإنّه ليس من الفقه، ووجهُ خروج ذلك هو أنّ المذكورات ليست بأدلةٍ عند العرف واللغة، فلم يكُنْ العِلمُ بالأحكام من طريقها علماً بالأحكام عن أدلّة، مضافاً لما عَرَفْتَ من أنّ المرادَ بالأدلّة، الأدلّة المعهودة في علم الفقه، والمذكورات ليست منها، ولعلّ كلمة الفقهاء متفقه على عدم عدّ ذلك من الفقه، فالأحكامُ الثابتةُ للفقيه لا تثبَتُ للعالم بالأحكام من تلك الطرق، كما لا تثبت للمُقلِّد العامي.

خروج ُالعلم بالأحكام من طريق الظنّ الإنسدادي

ومنها: خروجُ العلم بالأحكام من الظنّ الانسدادي؛ لكونِهِ ليس من الأدلة المعهودة في علم الفقه.

ولا يخفى ما فيه، فإنّ الظنّ من الأدلة الفقهية، ولذا عَدَّ الفقهاءُ الاستحسانَ والقياس والاستقراء والأولوية الظنيّة من الأدلة، وإنّما فقهاء الشيعة لم يعتبروها.

قيد التفصيلية في التعريف

وأمّا التفصيلية فهي منسوبة إلى التفصيل مَصْدَرُ (فَصَّلَ) بمعنى: بيّن، ضِدّ: أجمل، والتاء ألحقت به لكونه وصفاً للجمع، وهو (الأدلة)، فيكون المراد بها: الأدلّة المبيّنة للأحكام، والموضّحة لها، ويقابلها الأدلّة المجمَلَةُ، وهي التي تدلُّ على الأحكام إجمالاً من دون إيضاحٍ لها، كالآياتِ والأخبار الدالّة على ثبوت الأحكام على المكلّفين من دون تعيين لها، فإنّه وإنْ علم بالأحكام منها لكنها ليست بتفصيلية، بل على نحو الإجمال، مثل قوله تعالى: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ ]([115]) فإنّها تدلُّ على ثبوت الأحكام الشرعية على سبيل الإجمال؛ لأنّ الرّسالَةَ تقتضي تشريعَ أحكامٍ من اللهِ تعالى للمُرْسَلِ إليهم محمّد  صلى الله عليه واله وسلم  ونحو ذلك، فإنّ العلم بالأحكام من هذه الأدلة لا يسمى فقهاً.

إنْ قلت: إنّ القوم قد جعلوا (التفصيليّة) بمعنى: الأدلة المختصة بكلّ حُكْمٍ حُكْم، بأنْ يكون الدليلُ الدالُّ على حكمٍ غير الدالّ على الحكم الآخر، ويكون لكلّ حكمٍ دليلٌ مختصٌ به غيرُ جارٍ في غيره، ويقابلها الأدلّة الإجمالية بمعنى: الأدلة غير المختصة بكلِّ حُكْمٍ حُكْم، بل تجري في سائر الأحكام بعنوان عام، كالدليل الذي يستعمله العاميّ في سائر الأحكام، وهو: (هذا ما أفتى به المفتي، وكل ما أفتى به المفتي فهو حكم الله في حقّي)، نظير معرفة مَنْ في الدار فإنّه تارة يعرّفهم بأسمائهم، وتكون حينئذ معرفة كلّ واحدٍ منهم بوجهِ مختصّ به، وتارة يعرّفهم بأنهم أولاد زيد، فتكون معرفتهم على سبيل الإجمال بوجهٍ عام.

قلنا: هذا خلافُ الظّاهِرِ من لفظ التفصيلية، فإنّ التفصيلَ هو التَّبيين لا التخصيص.

ولو كان المرادُ (بالتفصيلية) هو ذلك لَكَان الواجبُ تقييدَ الأدلّة بالمخصوصة، ويكون المقابل لها الأدلة العامّة، فإنّ المقابلة على ما ذكره القوم تكون بين العموم والخصوص، لا بين البيان والإجمال.

مضافاً إلى أنّهم إِنْ أرادوا بكون الدليل مختصاً بالحكم غيرُ جارٍ في حكم آخر هو نوعُ الدليلِ كالسُّنّة مثلاً فهو باطل؛ لأن السنة تجري في أحكام متعدّدة، وإنْ أرادوا أفرادها كخبر زرارة([116]) الذي قام على الحكم الفلاني فهو صحيٌح، لكنّه فتوى المجتهد بالنسبة للعامي أيضاً أفرادها كلُّ واحدةٍ منها مختصَّةٌ بالحكم الذي دَلَّتْ عليه، ولا تَجري في غير الحكم الذي دَلَّتْ عليه، فكما أنَّ أقوالَ الإمام جَعْفَر الصَّادِق  عليه السلام  أدِلّةٌ تفصيلية بالمعنى المذكور كذلك أقوالُ نائبهِ المجتهدِ أدلَّةٌ تفصيلية للعامّي بذلك المعنى.

والحاصل: أنّ الشخص الذي يعلم بالأحكام الشرعية من أقوال الإمام الصادق  عليه السلام  فقط تكون أدلّتُه تفصيلية؛ لكون قولِ الإمام الصادق  عليه السلام  دليلاً على الحكم الشرعي، فكذا العاميّ إذا علم الأحكام من فتاوى المجتهد الواحد تكون فتاوى ذلك المجتهد أدلّة تفصيلية له؛ لكون فتواه دليلاً على حكم العامي.

ما يُشكل على تعريف الفقه

وحيثُ قد عَرَفْتَ المرادَ بقيودِ التّعريفِ وما احتُرِز بها عنه، فإليك ما أُورِدَ أو يُمْكِنُ إيرادُهُ على التَّعريفِ المذكور.

[أول الإشكالات على تعريف علم الفقه]

أحدها: إشكال أخذ (العلم) أنّ العلم ظاهرٌ في اليقين وحقيقةٌ في: الاعتقاد الجازم الثابت المطابق للواقع، والأحكام ظاهرةٌ في الأحكام الواقعية، فمقتضى التعريف أنْ يكون عِلم الفقه هو: اليقينُ بالأحكام الواقعية عن أدلّتها، مع أنّ الحاصل منها غالباً هو الظن بالأحكام الواقعية، غايةُ الأمر أنّه ظَنٌ معتَبَرٌ، بَلْ بعضُها لا يحصل منه حتّى الظنّ بالحكم الواقعي، كالأحكام التي يُقامُ عليها الأصلُ العملي كالإباحة أو الاستصحاب أو البراءة أو نحوها من القواعد المعمول بها؛ لإثباتِ الحكم أو نفيهِ عند الشَّكّ بالواقع.

توضيحُ ذلك: إنّ الأدلّة على الأحكام في علم الفقه: منها ما هي ظنية الدلالة والسند، كأخبار الآحاد الظاهرة في معناها، أو ظنية السند دون الدلالة كأخبار الآحاد الصريحة الدلالة، أو ظنية الدلالةً دون السند كظواهر الكتاب الشريف والمتواترات اللفظية غير الصريحة دلالةً والخبر المحفوف بالقرائن المفيدة للقطع بصدوره غير الصريح دلالةً والإجماع المتّحد المعقد لفظاً غير صريح معقده، وهذه لا يعقل أنْ يحصل منها القطع بالحكم الواقعي؛ لأنَّ النتيجة تتبع أخسّ المقدمات.

ومن الأدلّة ما هي قواعِدُ مقرَّرَةٌ للشَّاكّ في الحكم الواقعي فالشّكُّ مأخوذٌ في مَوضُوعِها، فكيفَ يُعْقَلُ أنْ تُفيدَ القطع بما كانَ الشّكُّ بهِ مقوّماً لوجودها، وإلا لزم عند وجودها ارتفاعُها.

وعليه فإذا أُريدَ في التَّعريف المعنى الحقيقي للعلم والمعنى الظاهري للأحكام لزم خروجُ أكثر مسائل علم الفقه.

وإنْ أريد المعنى المجازي للعلم كأنْ أريد به الاعتقاد الراجح- كما في المعالم([117])-، أو الظن- كما في الزبدة-([118])، أو أريد بالأحكام الأعم من الظاهرية والواقعية لزم المجاز أو ارتكاب خلاف الظاهر بلا قرينة تدلُّ عليه، وهو معيبٌ في التعاريف التي يقصد بها بيان ماهيّة المعرّف وإيضاح حقيقته وتميّزها عَمَّا عداها.

ويَزْدَادُ هذا الإشكالُ قُوَّةً على مَنْ يقولُ بخُروجِ القَطْعيّاتِ، عَنْ عِلْمِ الفقه.

وقد أُجيبَ عن هذا الإشكال بعدّةِ وُجوه:

أحدها: ما عن غاية المرام: أنّ حَمْلَ العلم على الظّن أحسن الأجوبة عن هذا الإشكال وإنْ كان مجازاً لكنّه مع شيوعِهِ ومحفوفيّتِِهِ بالقرينة، وهو قوله (عن أدلّتها)؛ لأنّ المراد به الأدلة الظنية.

أو إنّ القرينة على ذلك حالية- كما هو المحكي عن الزبدة - بدعوى أنّ الاتفاق قائمٌ على اعتبار الظنّ في الاجتهاد، وهو مقدّمة للفقه.

ولا يخفى ما في هذا الجواب، فإنّ شيوعَ هذا المجاز غيرُ ثابت لا سيّما في الشرعيات، بل المحكيّ عن الشيرواني رحمه الله ([119]) أنّه لم نجد له استعمالاً فيه لم يتطرق إليه احتمال آخر.

وأمّا قيدُ (عن أدلتها) فلا يصْلُحُ للقرينة على ذلك؛ للزوم الدّور، فإنّ التعريف يتوقّفُ على معرفته الشُّروعُ في العلم، ومعرفةُ كونِ الأدلّة ظنيّة موقوف على الشروع في العلم.

على أنّه قِسْمٌ من الأدلّة تفيد القَطْعَ كالإجماع والخبر الصّريح المتواتر أو المحفوفِ بالقرائن الموجبة لليقين بالصّدور أو الكتاب الصريح، فالنّاظر في التعريف يحمل الأدلّةَ على المفيدة للقطع، ويخرجُ الظنَّ بالأحكام من الأدلة الظنية عن علم الفقه.

وإنْ شئتَ قلتَ: إنّ ظهور العلم في اليقين أقوى من ظهور الأدلّة في الظنّيات لوجود القطعيات فيها، ولا أقلّ من التساوي فيحصَلُ الشكُّ، ولا يَصْلُحُ للقرينة ما ذكر.

وأمّا كونُ الاجتهاد معتبراً فيه الظنّ بالحكم، وهو مقدمة للفقه، فأيضاً لا يصلُحُ للقرينة؛ لما ذكرناه مفصّلاً في الجزء الأول من النور الساطع([120])، من أنّ اعتبار الظنّ في تعريف الاجتهاد كما صَرَّحَ به غيرُ واحدٍ باعتبار أنّه الغالب وكفايته عند عدم التمكُّنِ من العلم، وليس لأجل أنَّ الاجتهادَ لا يصحُّ أنْ يكون مؤدّياً للعلم.

ثاني الوجوه التي أُجيب بها عن الإشكال المذكور:

ما عَنْ المنية([121]) والزبدة([122]): إنّ المراد بالعلم بالأحكام العِلْمُ بوجوب العَمَل بها لا بنفسها، فلا تخرجُ الظنّيات؛ لأنّه أيضاً يَجِبُ العَمَلُ بها.

ولا يخفى ما فيه: فإنّ إرادة ذلك: إمّا بأن يكون مستعملاً في العلم بوجوب العمل، أو إضمار الوجوب قبل الأحكام، أو استعمال الأحكام في وجوب العمل، أو أنْ يقال: إنّ المراد هو العلم بالأحكام من حيث وجوب العمل بها وعدمه لا من حيث ثبوتها في الواقع.

وذلكَ كلّه خلافُ ظاهرِ اللّفظِ، مع أنّ العلم بوجوب العمل بها إنّما يُستفاد من الأدلّة الدالّة على حُجّية الأدلّة التفصيلية لا من نفس الأدلّة التفصيلية، فمَثَلاً الأدلّة التي تدلُّ على وجوبِ العَمَل بالأحكام المستفادة من الكتاب هي الأدلّة التي دلّتْ على حُجّية الكتاب، وهي من المسائل الأصولية.

وهكذا الكلام في باقي الأدلّة التفصيلية كالسنّة والإجماع والعقل، فالعلم المذكور يكون من المسائل الأصولية.

ثالث الوجوه التي أجيب بها عن الإشكال المذكور:

هو لا الفقهية إنَّ المرادَ العِلْمُ بمدلول الأدلّة، بأن يقال: إنّ المراد بالعلم معناه الحقيقي وهو القطع، وبالأحكام معناها الحقيقي، ولكن مع ملاحظة استفادتها من الأدلة التفصيلية، نظير ما قلناه أخيراً في إرادة وجوب العمل، فيرجع حاصل التعريف إلى أنّ الفقه هو معرفةُ الأحكام الواقعية من حيث كونها مداليل للأدلّة التفصيلية لا من حيث ثبوتها في الواقع.

قال صاحب بدائع الأفكار مرزا حبيب الله (أعلى الله مقامه): (وهذا أجود وجوه التفصّي عن الإشكال المزبور، ولا أرى فيه عيباً سوى اعتبار الحيثية المزبورة، وأنتَ خبيرٌ بأنَّ ذكر الأدلّة التفصيلية مع علمنا باشتمالها على الأدلّة الظنية أقوى قرينة على ذلك)([123]).

ولا يخفى ما في هذا الجواب، فإنَّ العلم بالأحكام من حيثُ المدلولية للأدلة قد يحصل للمقلّد لا سيّما المراهق للاجتهاد، بل للمجتهد قَبْلَ فَحْصِهِ، فإنّهما قد يعرفان مدلول الكتاب، مع أنّ علمهما لا يُسمَّى بفقه، وليس بمعتبر؛ لاحتمالِ وجودِ النّاسِخِ والمخصِّص أو المعارض من الكتاب نفسه.

وبعبارَةٍ أخرى: إنّ مجرّد العلم بكون الحكم مدلولُ الدليل ليس بفقهٍ، بل لا بُدّ من إحراز صدوره وعدمِ المانعِ منه ونحو ذلك.

مضافاً إلى أنّ الكثير من مداليل الأدلّة التفصيلية ظنّية إنّما استفيدت منها بواسطة أصالة العموم أو الظهور أو نحو ذلك، مضافاً إلى أنّ العلمَ بكونِ الحكم مدلول الدليل ليس يستند إلى الأدلّة التفصيلية، بل إلى أصالة الحقيقة، وأصالة العموم، وأصالة عدم النقل، وكون الأمر حقيقة في الوجوب، وإنّ النهي حقيقة في الحرمة، وأنَّ معنى اللفظ هو كذا لغةً، وأنَّ معنى هذا المركب هو كذا، ونحو ذلك، وهذه الأمور بعضُها من علم الأصول، وبعضها من علم متن اللغة، وبعضها من علوم الفصاحة، وبعضُها مِنْ عِلْمِ النحو.

رابع الوجوه التي أجيب بها عن الإشكال المذكور:

هو أنّ المراد بالأحكام الأعمّ من الظاهرية والواقعية باعتبار أنّ لله تعالى في كلِّ واقعةٍ حُكْمَينْ واقعيّ معيّن لا يختلف باختلاف الآراء ويتنجّزُ التكليفُ بهِ عند التمكّن من تحصيله، وحكمٌ ظاهريٌ يختلف باختلاف آراء المجتهدين وأنظارهم، يجعلُهُ الشارعُ مع الجهل بالواقع والعجز عن تحصيله على طبق ما قام الدَّليلُ الشرعيُّ عليه.

قالوا: إنّ الواجب على المجتهد أنْ يصرف سَعْيَهُ في طَلَبِ الحُكْم الواقعي، ويبذُلُ جَهْدَهُ للعلم به، وبَعْدَ السَّعي الذي يَعْذِرُهُ الشارع فيه، فالذي أدّى إليه دليلهُ هو حُكْمُ اللهِ في حقّه، يجبُ العمل به أصابَ الحكم الواقعي أم لا، علم بالإصابة أم لا؟.

والحاصل: إنّ المراد بالأحكام بالتعريف أعمُّ من الأحكام الواقعية والظاهرية، بأن يريد بها الأحكام الفعلية الثابتة للعبد.

وعليه فالفقيهُ دائماً يَعْلَمُ بالأحكام الشرعيّة حتَّى لو كانَ دليله ظنياً؛
لأنَّ الدليلَ الظنّي إذا قامَ ثَبَتَ في حقِّهِ حُكْمٌ ظاهريٌ شرعيٌّ على طبق
مدلوله.

وبعبارة أخرى: إنّ الأحكام الظاهرية بأجمعها تكونُ معلومة؛ لأنّها عبارةٌ عن مداليل الأدلّة، ومقتضيات الأصول، يَجْعَلُها الشارع للمجتهد بعد قيامها عنده، وهو المحكيُّ عن المحقق الشريف([124])، واحتمَلَهُ بعضُهُم في بَعْضِ أجوبة صاحب الزبدة([125])، وعليه نزّل ما قاله العلامة الحلي في تهذيبه في المقام من أنّ (ظنية الطريق لا تنافي علميّة الحكم)([126])، فلا يلزم التّصويب، كما زعمه صاحب المعالم([127])؛ إذ التصويب إنّما يلزم لو حُمل (الأحكام) على الواقعية دون الفعلية التي هي أعمُّ من الواقعية والظاهرية.

إنْ قلت: إنّ الفقهاء لا يزالون يُخطئون بعضهم بعضاً، ويُقيم كُلٌّ منهم الأدلّة على تخطئة صاحبه وإثبات مطلوبه، ومعلومٌ إنّ ذلك إنّما يكونُ بالنسبة للحكم الواقعي دون الظاهري لاتّفاقِهِم على تعدُّدِهِ بحَسَبِ آراء المجتهدين، فلا تكون التخطِئَةُ بالنسبة إليه. ولا رَيبَ أنّ ذلك يقتضي أنْ يكون محلّ بحث الفقهاء في الفقه هو الحكمُ الواقعيُّ دُونَ الظاهري، فلا وَجْهَ لحمل الأحكام في تعريفه على الأعم من الظاهري والواقعي.

قلنا: إنّ البحث في علم الفقه عن الحكم يسمّى بالاجتهاد، وهذا إنّما يكون بالنظر للحكم الواقعي؛ لأنّه هو الواجب تحصيلُهُ والبحث عنه، ثمّ الحاصل بعد البحث ونتيجة البحث يسمّى بالفقه، فلذا الاجتهاد أُخِذَ في تعريفه الظنّ دون الفقه؛ لأنّ نتيجة البحث إمّا العلم بالحكم الواقعي أو حصول العلم بالحكم المجعول عند الظنّ به أو الشكّ به، فلذا أخذ في تعريفه العلم.

إنْ قلت: إنّ استعمال الحكم في الأعمّ من الواقعيّ والظاهري مجازٌ، وإنّه حقيقةً في الواقعي.

قلنا: ليس بمجازٍ لكونِ الحُكْم موضوعاً للأعمّ من الظاهريّ والواقعي، بدليل صِحَّةِ تقسيمهِ إليهما، وعدمِ صِحّةِ سَلْبِهِ عن الظاهريّ، بل الحُكْمُ الظاهريُّ نظيرُ الحكم الواقعيّ الثانوي.

ولا يَخْفَى ما في هذا الجواب، فإنّ وجودَ حُكمين واقعي وظاهري، غيرُ مسلّم، وأنّه أمرٌ أحدثه بعضُ الأصوليين من المتأخرين، فلا يعقل أنْ يريده المتقدمون من هذا التعريف؛ لعدم التفاتهم له. مضافاً إلى أنّ الأحكام الظاهرية على القول بها إنّما تُستفادُ من أدلّة حُجّية الأمارة والأصول، لا من أدلّة الأحكام الشرعية، فإنّ الحكم الظاهري- وهو الحرمة في موردِ الخبر الذي يدلُّ على حرمة الخمر- يستفاد من الدليل على حجية الخبر، لا من الخبر المذكور، كما اتفقت عليه كلمة القائلين بالحكم الظاهري، وعليه فلا تكونُ الأحكامُ الظاهرية مستفادةٌ من الأدلّة التفصيليةِ لعلم الفقه، كما هو ظاهرٌ التّعريف، هذا غايَةُ ما يُمْكِنُ من تقريب هذا الإشكال الأول على تعريف علم الفقه.

ويمكِنُ الجوابُ عنه: بأنّه قد تَقدَّم أنّ المرادَ بالعلم معناه اللغوي، وهو المعرفة والاطّلاعُ، وهو يَصْدُقُ على ما يَحْصَلُ من الأدلّة الظنية المعتبرة، ألا ترى أنّه يقال: (لغة قد عرفت أنّ هذا المال لزيد عند قيام البيّنة عليه)، فالذي يحصل من الأدلة الظنية المعتبرة عند قيامها على الحكم الشرعي يسمّى عِلماً عند أهل اللغة حقيقة، ولعلّ سائر العلوم النقلية التي أخذ في تعريفها لفظُ العِلْم شاهدة على ما قلناه.

ثاني الإشكالات على تعريف علم الفقه

إنّ (الأحكام) جَمْعٌ مُحلَّى باللام حقيقةٌ في العموم، وظاهرٌ فيه.

فإنْ بقي على ظاهره لزم خروجُ أكثر الفقهاء إنْ لم نقل كلّهم لعدم علمهِم بجميع الأحكام الشرعية الفرعية؛ لأنّ الفروع لا تقف عند حدٍّ، بل طالما توقَّفَ بعضُ الفقهاء العظام عن معرفة بعض الأحكام لبعض الفروع.

وإنْ أخْرَجْنا لفظ (الأحكام) عن ظاهره وهو العموم، وحملنا (ألـ) على إرادة الجنس فيشملُ التعريفُ العلم بالكل والعلم بالبعض، فيلزم دخول علم المقلِّد إذا عَرَفَ بعض الأحكام الشرعية عن الأدلة التفصيلية، مع أنّه في الاصطلاح لا يُسمَّى فقيهاً، ولا علمه فقهاً.

ولعله لهذا الإشكال عَرَّفَ الآمدي([128]) الفقه: بالعلم بجملة غالبةٍ من الأحكام على ما حُكِيَ عنه، وعرَّفه العلاّمة  قدس سره  في منتهى الأصول: بالعلم بأكثر الأحكام الشرعية بالاستدلال، على ما حُكيَ عنه رحمه الله .

وأجيب عن هذا الإشكال بعدّة أجوبة:

أحدها: اختيار الشقّ الأول، وحملُ العلم على التهيّؤ والاقتدار والملكة التي يقتدر بها على استنباط جميع الأحكام عن أدلّتها، بأنْ يكونَ عند المجتهد من المأخذ والشرائط ما يكفيه في تحصيل الأحكام، بحيثُ إذا لاحظه ورجع إليه استنبط الحكم الشرعي، ولا يضرُّ التردّد والتوقّفُ منه في بعض المسائل؛ لأنّه إنّما يحصل منه في مقام الاجتهاد لا في مقام الفقاهة.

ولا يخفى ما في هذا الجواب- لما عرفته- من ظهور العلم في المعرفة والاطلاع، وحمله على ذلك مجازٌ لا يصحّ ارتكابه في التعاريف المقصود منها التوضيح.

(ودعوى) وجودُ القرينة على الحمل المذكور، وهو عدمُ وجودِ فقيه عالم بجميع الأحكام.

(مدفوعة) بأنّ ذلك إنمّا يقتضي التصرّف في العلم أو التصرف في الأحكام بحملها على البعض المعتدّ به، فيكون التعريف مجملاً ومردداً بين إرادة التهيّؤ للعلم بجميع الأحكام وبين إرادة العلم بالقدر المعتد به من الأحكام، والترديد في التعريف يُسْقِطه عن الاعتبار؛ لعدم وضوحِ حقيقة المعرَّف به، مضافاً إلى لزوم صدق الفقه على الملكة، وإنْ لم يستنبط بها حكماً مع أنّه لا ريب في عدم صدقه على ذلك.

ثاني الأجوبة على الإشكال المذكور:

اختيارُ الشقّ الثاني وجَعْلُ اللام للجنس والتزامُ أنّ المقلِّد المذكور مجتهدٌ باعتبار العلم بالمسائل عن الأدلّة، ومقلّد باعتبار تقليده في غيرها.

ولا يخفى ما في هذا الجواب، فإنّ ذلك يقتضي صدق الفقه على
مَنْ علم بمسألةٍ واحدة عن دليلها لتحقُّقِ الجنس بفَرْدٍ واحد، مع أنّ
الكثرة معتبرة في أسامي العلوم، وليست من قبيل أسماء الأجناس الصادقة
على القليل والكثير، بل الكثرة المعتبرة في مفهومها كما هو المشهور
عندهم.

مضافاً إلى أنّه خلاف الظاهر؛ لأنّ اللامَ كما عَرَفْتَ إذا دَخَلَتْ على الجنس تفيد الاستغراق.

والحقُّ في الجوابِ عن هذا الإشكال بأنّ اللام للعهد الذهني باعتبار ما في أذهان الناس من وجودِ مقدارٍ مُعْتَدٍّ بهِ من الأحكام عند كُلِّ فقيهٍ، كقولهم: (صلّى الرّجُلُ جماعة خلف فلان)، (وجمع الأمير الصاغة)، (وأطعم الجند)، (وهجمت العساكر على العدو)، فإنّ اللام في الجميع للعهد الذهني، وهو المقدار الذي يتعارف من الرجال صلاتهم خلف الإمام والمقدار الذي يتعارف من الصاغة جمعهم، ومن الجند إطعامهم، ولعلّه يريد ما ذكرناه من ذهب إلى أنَّ اللام في (الأحكام) أو في (المسائل) أو في (القوانين) ونحوها ممّا هو مذكور في تعاريف العلوم هي للاستغراق العرفي وإلاّ فاللام ليست موضوعة لذلك.

والحاصل: أنّ اللام في (الأحكام والقوانين والمسائل) ونحو ذلك مما هو مذكورٌ في تعاريف العلوم هي للعهد الذهني بجملةٍ معتدّ بها منها كافية في ترتب الثمرة المطلوبة من وضع العلم، بحيث يصدق عرفاً على العالم بها أنّه عالم بمسائل ذلك العلم، وهو بحسب العادة لا ينفكُّ عن وجود الملكة.

ثالث الإشكالات على تعريف علم الفقه

إنّ تفسير الفقه بالعلم بالأحكام لا يُجامع ما اشتهر من أنَّ أجزاء العلوم ثلاثة: (الموضوعات والمبادئ والمسائل).

وهذا الإشكال لا يختص بتعريف الفقه بل يرد على سائر تعاريف العلوم.

وقد أجاب عنه بعضهم: إنّ أسامي العلوم لها إطلاقان:

أحدهما: على العلم المدوّنِ في الكتب.

وثانيهما: على نفس المسائل أو العلم بها.

والقضيّةُ المشهورة ناظرةٌ للاطلاق الأول، وقد أجبنا عن ذلك مفصّلاً في كتابنا نقد الآراء المنطقية([129]) عند الكلام في قولهم: (حقيقة كل علم مسائله) من أنّ مرادهم بالأجزاء أعمُّ من المقوِّمة وغيرها، والمسائل هي الأجزاء المقوِّمة، وهي حقيقة العلم، وما عداها أجزاء غير مقوِّمة.

رابع الإشكالات على تعريف علم الفقه

إنّ العلمَ هو القطعُ المطابق للواقع، وعليه فيَخْرُجُ عن التعريف: القطع بالأحكام المخالفة للواقع مع أنّه من الفقه.

وجوابه: إنّه مع البناء على التصويب فقطعه من الفقه؛ لأنّه علم بالحكم الشرعي، وأمّا مع البناء على عَدَمِهِ فلا نُسلِّمُ أنّ ذلك يُسمَّى فقهاً، وإنّما يتخيل أنّه من الفقه، ولذا لو اطّلع عليه الغير يرميه بالجهالة بالفقه والضَّلالة فيه.

خامسُ الإشكالات على تعريف علم الفقه

إنّ الفقه هو نفس الأحكام العارضة لفعل المكلّف، لا العلم به، ولذا اشتهر أنّ حقيقة كلّ علمٍ مسائله، وجعلوا أجزاء العلوم ثلاثة، ولم يعدّوا منها العلم بالمسائل. وإنّما عدّوا نفس المسائل من الأجزاء، والفقيه هو العالم بهذه الأحكام، فالتعريف لا يكون صحيحاً للفقه.

وجوابُه: إنّ أسماء العلوم تارة تُطْلَقُ على نفسِ القوانين والأحكام، وأخرى تُطْلَقُ على نفسِ العلم بتلك القوانين باعتبار أنّ القوانينَ أمورٌ عقلية لا موطن لها إلاّ العقل، أو نقول إنّ المعرَّف هو علم الفقه لا نفسُ الفقه، فإنّه لو عرّف علم الفقه فلابُدّ من أخذ العلم في تعريفه؛ لأنّه جنسه، وإذا عرف نفس الفقه، فلا بُدَّ أنْ يعرف بالأحكام والقوانين الشرعية؛ لأنّه اسمٌ لها شأن سائر أسماء العلوم.

علم الفقه صناعة أم علم

الصّناعة في العرف العام: هي المعرفة لكيفية إيجاد الشيء، فيقال: فلان يصنع القلادة، يريدون به أنّه له المعرفة بتكوينها، فالصّناعة إذا نسبت لشخص عند العامة أرادوا منها ذلك، وفي العرف الخاص هي العلمُ بالقوانين المتعلّقة بكيفيّةِ إيجادِ الشيء وعمله.

وبعبارةٍ أخرى هي العلومُ المقصودُ منها العَمَل لا مُجَرَّدَ العلم، فعلم النحو من العلوم الصناعية؛ لأنّ المقصود منه كيفية عمل المنطق الصحيح، وعلم المنطق من الصناعة، لأنّ المقصود منه كيفية عمل الفكر الصحيح، وعلم العقائد من العلوم غير الصناعية؛ لأنّه لم يقصد منه إلاّ مجرد المعرفة، وهكذا علم الفلك.

وعلى هذا فعلم الفقه من العلوم الصناعية؛ إذ كان المقصود منه معرفة كيفية العمل المطلوب للشارع (راجع ما كتبناه في نقد الآراء المنطقية)([130]).

البحث في الأصُول العَملية من مسَائل الفقه أو من غيرها

إنَّ الأصول العملية، وهي التي يرجع إليها عند الشبهة والشكّ في الحكم الشرعي، مثل أصل البراءة والاستصحاب والاشتغال والتخيير، يكون البحث فيها تارةً في صِحَّةِ جريانها في الأحكام الكلّية، كوجوب صَلاةِ العيد أو حرمة شرب التتن، وتارة في صِحّة جريانها في الأحكام الجزئية، كطهارة هذا الثوب المشكوك نجاسته.

أما البحث فيها من الحيثية الأولى، أعني: في صحة جريانها في الأحكام الكلية المشكوكة فقد وقع النزاعُ بينهم في أنّه يكون بحثاً عن مسألة أصولية، أو بحثاً عن مسألة كلامية، أو بحثاً عن مسألة فقهية، أو لا ربط له بشيء منها؟ فذهب إلى كلٍّ فريقٌ.

وتظهرُ الثمرة في عدم جواز الاعتماد في اعتبارها على الظنّ أو خبر الواحد على القول بكونها من المسائل الكلامية أو الأصولية بناءً على لزوم قيام الدليل القطعيّ ولا يكفي الدليل الظنّي على اعتبارها.

وجوازه على القول بكونها من القواعد الفقهية- كذا ذكر بعضهم- وإنْ كان غير مستقيم عندنا؛ لأنّ أدلّة الاعتبار للظّن أو خبر الواحد تَشْمَلُ مسائل علم الكلام والأصول، إلاّ إذا كان المسألة يطلب فيها العلم والاعتقاد كوجوب الواجب والتوحيد والنبوة.

وكيف كان، فالتحقيق أنْ يقال: إنّه لا ريب على القول بكون الأصول العملية من الأحكام العقلية التي يرجع إليها عند فقد الدليل على الواقع سواء جُعِلَتْ من المستقلاّت- كما ذهب جماعة إلى القول بذلك في البراءة والاحتياط والتخيير، وكما حكي القول بذلك في الاستصحاب عن الشهيد رحمه الله ([131])- أو من غير المستقلات لا ربط للبحث عنها بعلم الفقه؛ لأنّ البحث حينئذٍ عنها، أمّا من قبيل فروع البحث عن التحسين والتقبيح العقليين أو من قبيل فروع البحث عن المفاهيم والاستلزامات العقلية، ومعلومٌ عَدَمُ ارتباط شيءٍ منهما بالقواعد الفقهية.

وكذا الحالُ بناءً على اعتبارها من باب الأخبار بناءً على أنها إرشادية تفيد إمضاء الحكم العقلي حسبما يستفاد من غير موضع من القوانين.

وإنما الإشكال بناء على كونها من الأحكام العقلية هل يكونُ البَحْثُ
عنها من المسائل الأصولية أو من توابع علم الكلام فتكون من المبادئ التصديقية لعلم الأصول؟

ومنشأ الإشكال هو أنّ موضوع علم الأصول هل هو ذوات الأدلة من حيث هي؟ فيكون البحث عن دليليتها حينئذٍ بحثاً عن عوارضها الذاتية فيدخل في علم الأصول، أو هو الأدلة بوصف أنّها أدلّة؟ فيكون البحث عن دليليتها وحجيتها بحثاً عن إثبات أصل الموضوع ووجوده، فيخرج عن علم الأصول، ويدخل في علم الكلام؟ حيث إنّ علم الكلام يُبْحَثُ فيه عن إثبات الواجب وتوحيده وصفاته وأفعاله، وعن النبوة والإمامة، ودليلية أقوالهم وأفعالهم وحجيتها، وما هي الوظيفة عند فقدها، ومعلوم ان تمايز العلوم بتمايز الموضوعات.

وما ربّما يتخيل من أنّه لو سلّمنا أنّ البحث عن الدليلية من المسائل الأصولية لا يندرج البحثُ عن الأصول العملية أيضاً في علم الأصول؛ لأنّ البَحْثَ عنها يكونُ عن نفسِ وُجودها، نظيرُ البحث عن المفاهيم، فإنه يكون عن نفس وجودها وتحققها، فإنّ البحث عن مفهوم الشرط أو الوصف أو الغاية أو نحوها في الانتفاء عند الانتفاء يكونُ بحثاً عن وجود المفهوم لها، لا أنّه بحثٌ عن حجيّته بعد إحراز تحققه فيكون البحث فيها بحثاً عن مفاد كان التامة، وليس البحث فيها بحثاً عمّا يعرض لوجودها من الدليلية والحجية الذي هو مفاد كان الناقصة، فليس البحثُ عن دليليتها بحثاً عن عوارضها، بل بحثٌ عن وجودها وتحقّقها، وهو ليس من العوارض التي يبحث فيها في العلم.

ويدفعُهُ أوّلاً: إنّه منقوضٌ بسائر المسائل التي تذكر في علم الأصول في الأدلة العقلية حتى مسألة التحسين والتقبيح، فإنّ البحثَ عنها، إنّما هو بحثٌ عن تحقُّقها، وإلاّ فَبَعْدَ التحقُّق لا إشكال في الحُجيّة.

وكذا الكلام في الإجماع حيث إنّ البحث فيه بحثٌ عن تحقُّق الكشف عن قول الإمام  عليه السلام  ورأيه، وإلاّ فحُجيّته مُسلّمة إذا حصل به الكشف.

وكذا الكلامُ في خبر الواحد فإنّه بَحْثٌ عن ثبوتِ السُّنَّة بإخبارِ مُخْبِرٍ
واحد، بل وكذا البَحْثُ عن ظواهرِ الألفاظ فيما كان البَحْثُ عن تحقُّق
الظهور ووجوده، كظهور صيغة إفعل في الوجوب، ولا تفعل في الحرمة،
وظهور الشرطية أو الوصف أو الغاية في الانتفاء لا في الحجية بعد إحراز الظهور.

وثانياً: بالحلّ بأنه لا نُسلِّمُ ذلك، وإنّما البَحْثُ فيها بَحْثٌ عن عروض الدليلية لها، فحُكْمُ العَقْلِ بالبراءة وغيرها من الأصول العملية يبحث عن دليليته على الحكم الشرعي.

موضوعُ علم الأصول

إلاّ أنَّ ظاهر الأصوليين أنّ موضوع علم الأصول هي الأدلّةُ بوصف الدليلية؛ لتعبيرهم عن الأربعة بالأدلّة لا بأسامي كلٍّ منها، فلو كان الموضوعُ ذواتها لَكَانَ اللائق أنْ يقال: إنّ موضوع علم الأصول هو الكتاب والسنة والإجماع والعقل لا الأدلّةُ الأربعة، مع أنّ غرض الأصوليّ من البحثُ عنها هو البحث عنها بوصف دليليتها لإثبات الأحكام لها، لا عن ذاتها، وإلاّ لَدَخَلَ علمُ البلاغة في علم الأصول؛ لأنّه يبحث عن ذاتها من حيث البلاغة كما لا يخفى، فيصيرُ البحث عن حجيتها حينئذٍ من توابع علم الكلام، فإنّ علم الكلام ما يُبْحَثُ فيه عن المبدأ والمعاد، والبحث عن المبدأ يقع فيه البحث عن ذاتِ الواجب وصفاته وأفعاله، من العدل وإنزال الكتب وإرسال الرُّسُلِ ونصب الحجج ونحو ذلك، ويتبعه البحث حينئذٍ عن حُجيّة قوله تعالى وأقوالِ رُسُلِهِ وحُجَجهِ ونحوها.

الحُكْمُ بكُفْرِ مَنْ أنْكَرَ مَسْألَةً من عِلْمِ الكلام

والمناقَشَةُ فيه: بأنَّ البَحْثَ عن دليليتها لو كانَ من علم الكلام لَزَمَ الحكم بكفر مُنْكِرِ دليليّتها، كما هو الشأنُ في مُنكر سائر المسائل الكلامية كما حُكي عن الفاضل النراقي([132]).

فاسدةٌ جدّاً لا ينبغي صدورها عن مثله؛ لأنّ عِلْمَ الكلامِ فيه الكثيرُ من المسائل ما لا يَلْزَمُ من إنكارها الكفر.

وتوضيحُ ذلك: إنَّ الحكم بالكفر على منكر مسألة من مسائل علم الكلام إنّما يُستفاد من الأدلّة الخارجية، وحينئذٍ فكلُّ مسألةٍ من مسائله إذا دَلَّ الدَّليلُ على كُفْرِ منكرها نَحْكُمُ به كما في مسألةِ إثباتِ الواجب وتوحيدِهِ، وبعضِ صفاته وأفعاله ومسألة النبوّةِ ونحوها، وكلّما لم يقم الدليل فيه على ذلك لم نحكم بذلك فيه، ومن المعلوم أنّه لم يقم دليلٌ على كفرِ مَنْ أنكر حجيّة تلك الأصول ودليلية تلك الأدلة.

والحاصل: إنّه بناءً على أنّ موضوع علم الأصول هو الأدلّة بما هي أدلّة يكونُ البحثُ عن دليلية الأصول العَمَلية، بل عن دليليّةِ الأدلة الأربعة جميعاً، بل عن دليليّةِ غيرها من الأدلّة المعتبرة عند العامة، يكونُ من المبادئ التصديقية للمسائل الأصوليّة لا من علم الأصول، حيثُ أنّ البحث المذكور يكونُ عن نفس الموضوع للعلم، لا عن عوارضه، وحيث أنّ الدليلية للمذكورات لم تبيّن في علم آخر احتيج إلى بيانها في نفس علم الأصول، كأكثر المبادئ التصوّرية والتصديقية لِعِلْمِ الأصول ولا غائلة فيه.

وربّما يَتَكَلَّفُ لإدراج البحث عن دليلية الأدلة في علم الأصول ولو بناءً على أنّ الموضوع هو الدليل المتّصِفُ بوصف الدليلية، بأنَّ المراد من الأدلة هي الأدلة الواقعية الثابتة دليليتها في نفس الأمر، فالبحث عن حُجّية شيءٍ في الظاهر بحثٌ عن أحوال الدليل الواقعي من حيث صدقُهُ على المبحوث عنه وعدمه.

ولا يَخْفَى ما فيه من التكلّف والبُعد، بل المنع؛ لأنه مخالِفٌ لظواهر كلماتهم واستدلالاتهم، بل وعناوينهم، ولا ينطبق على البحث عن ظاهر الكتاب وحجية العقل، ونحوهما، ضرورةَ أنّ البحث عنها بحثٌ عن أنّها هل أنها أدلّة في الواقع أم لا؟ وأينَ هو من البحث عن أنَّ الدليل الواقعي يصدق على كل منها؟ فتدبر.

وبالجُمْلَة فبناءً على كونِ الموضوع هو الموصوف المتّصِفُ بالوَصْفِ المذكور لا مناصَ عن جَعْلِ البَحْث عن دليلية جميع الأدلّة من المبادئ التصديقية، ولا يقدح الإطنابُ فيها، وكونُها حينئذٍ أكثر من مسائل العلم، فإنَّ القادح إنّما هو كثرة الكلام في الاستطراديات لا في المبادئ، فإنّها من جهةِ توقُّفِ التّصديقِ بمسائل العلم على التّصديقِ بها صَارَ البَحْثُ فيها كالجزء من العلم. هذا إذا قلنا أنّ العلم عبارة عن المسائل، وأمّا إذا قلنا: إنّ أجزاء العلوم ثلاثة: الموضوعات والمسائل والمبادئ صارَ البَحْثُ عنها بحثاً عن جُزْءِ العلم، وكيفَ كان فلا يَضُرُّ حينئذٍ إطنابُ الكلام فيها.

وقد ذَكَرَ بعضُهم لإثبات كونِ البحث عن الأصول العملية من علم الأصول بأنَّ موضوع علم الأصول ذواتُ الأدلّة من حيث دليليتها أو عمّا يَعْرِضُ لها بعد الدليلية، لا ذات الأدلة في نفسها، ولا الأدلة بوصف الدليلية، وإنّما الموضوع هو ذاتُ الأدلة من الحيثية المزبورة.

وعليه فيكون البحث عن الأصول العملية من المسائل الأصولية؛ لكون البحث عن دليليتها كالبحث عن دليلية سائر الأدلة في علم الأصول داخلٌ في علم الأصول؛ لصدق موضوعه على موضوع مسائلها وانطباقِ تعريفه على مطالبها، بأنّه العِلْمُ بالقواعد الممهِّدَةِ لاستنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلّتها، حيثُ أنّ الأصولَ العملية مما يستنبط بمعونتها الأحكام فيصدُقُ عليه التعريف المذكور.

ويرد عليه أولاً أنه: إنْ أراد به أنَّ الموضوع لعلمِ الأصول عند الأصوليين هو ذلك، فهو ظاهرُ البطلان؛ لما عَرَفْتَ من أنَّ ظاهرهم كونُ الموضوع هو الذّوات بوصفِ الدليلية.

وإنْ أراد به تجديد اصطلاح من نفسه مخافة خروج البحث عن دليلية الأدلة عن الفن فهو وإنْ كان في نفسه صحيحاً؛ إذ لا مشاحة في الاصطلاح إلاّ أنّا لا نتكلم على اصطلاح جديد، بل نتكلم على اصطلاح القوم، مع أنّك قد عرفت أنّه لا غائلة في جعل تلك المسائل من المبادئ، وأنّه لا يَلْزَمُ منه محذورٌ بل جَعْلُها من المبادئ أسْهَلُ وأولى من تجديدِ الاصطلاح بمراتب.

ويرد عليه ثانياً: عدمُ إمكان جعل الموضوع هو ذوات الأدلة من الحيثية المزبورة، فإنّ حيثية البحث عن الدليلية تستدعي كون الموضوع هو الذوات، والبحث عمّا يعرضها بعد الدليلية يستدعي كون الموضوع هو ذوات الأدلة بوصف كونها أدلّة، فإنّ معنى اعتبار الحيثية في الموضوع أنْ يكون البحث عمّا يعرض على ذلك الموضوع من هذه الحيثية، كالتعارض العارض على ذات الأدلة من حيث الدليلية، لا من حيثُ الذّات، ومعنى كونِ الموضوع هو الذات أنْ يكون البحث عمّا يَعْرِضُ على نفس الموضوع المجرّد عن تلك الحيثية، كدليلية الدليل العارضة على الذات، فإنّ البحث عنها بحثٌ عن عوارض ذاتِ الدليل، فإنّها تَعْرِضُ الذّات لذاته لا باعتبار حيثيةٍ من الحيثيات، والجمعُ بين الذات والحيثية المذكورة جَمْعٌ بين المتناقضين حيثُ لا جامع بينهما.

إن قلتَ: يُمْكِنُ الالتزامُ بكون موضوع الأصول أمرين مستقلّين: ذات الأدلة والذّاتُ بوصفِ الدليلية، كما أنّ الموضوع لعلم النحو أمران: الكلمة والكلام مثلاً.

قلنا: إنّه وإنْ كانَ يرفع التناقض إلاّ أنّه يَرِدُ عليه أولاً: أنّ اللازم حينئذٍ أنْ يكونَ البَحْثُ في جميع مسائل علم الأصول عن أحوالها كالبحث في جميع مسائل النحو عن أحوال الكلمة والكلام لا أنْ يوزّع مسائل العلم عليهما، بأنْ يبحث في شطرٍ منها عن أحوال الذات، وفي آخر عن أحوالِ الذات المتصفة بالدليلية، فإنّه يلزم حينئذ أنْ يكون كلٌّ منهما عِلماً مغايراً للآخر لتغايُرِ الموضوع فيهما قطعاً.

وقد اشتهر بينهم أنّ تمايُزَ العُلومِ بتمايُزِ الموضوعات، وتمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات، ومن هنا جعلوا كلاًّ من النحو والصّرف والاشتقاق
ونحوها علماً غير الآخر، مع أنّ الموضوع لجميعِ العلوم المذكورة هو الكلمة والكلام لكنْ مع تغاير الحيثيات، وفيما نحنُ فيه يلزم على ما ذكره الخصم
أنْ يكون الموضوع ذوات الأدلّة من حيث ذاتها، وذوات الأدلة من حيث دلالتها.

ويردُ عليه ثالثاً: أنّه خلاف الظاهر حيث إنّ ظاهرهم أنّ لعلم الأصول موضوعاً واحداً، كما أنّ الظاهر منهم كما مرَّ أنّه الذاتُ بوَصْفِ كونها دليلاً ولو أسقط قيد الحيثية، وجَعَلَ الموضوعَ هو الذّات المجرّدة، كما صنعه في الفصول([133]) حيث قال: (إنّ المراد بالأدلة ذات الأدلة لا هي مع وصف كونها أدلة) فكونها أدلة من الأحوال اللاحقة لها، فينبغي أنْ يبحث عنها أيضاً، وإنْ كان لا يرد عليه المحذوران إلاّ أنّه يردُّه ما مَرَّ من أنّه خلافُ ظاهره إذا أراد أنّها كذلك عند الأصوليين، وإنْ أراد الاصطلاح لنفسه دفعاً لمحذور خُروجِ البحث عن دليلية الأدلّة عن الفنّ فيرُدُّهُ أنّه لا غُبار عليه بَعْدَ إمكان جعلها من المبادئ التصديقية.

ودعوى: أنّه يزيد الكلام والبحث عنها في الفنّ عن البحث عن مسائله بكثير.

مدفوعةٌ بأنّ الزيادة تضرُّ في الاستطراديات لا في المبادئ، كما يَرِدُ عليه أيضاً اشتراكُ علم الفصاحة والبلاغة، بل وغيرهما من العلوم الأدبية معه في الموضوع بالنسبة إلى البَحْثِ عن ظاهرِ الكتاب والسنة، فإنّه يصدُقُ على البحث عنهما من حيثُ البلاغة والفصاحة واللغة ونحو ذلك، أنّه بحثٌ عن عوارض ذات الأدلة فلم يتميّز عِلْمُ الأصول حينئذٍ عن سائر العلوم بموضوعِهِ، بل لم يتميّز عن علم الكلام أيضاً، لما عَرَفْتَ من أنّ البحث عن الدليلية أيضاً من توابع عِلم الكلام، فلا يُمكِنُ التمُّيزُ حينئذٍ إلاّ باعتبار الحيثيات حَسْبَ ما اشتهر بينهم من أنَّ تمايُزَ العلوم بتمايز الموضوعات، وتمايز الموضوعات بتمايز الحيثيات، فيجعل الموضوع لعلم الأصول بحيثية الاستنباط، وإنْ كان أيضاً لا يخلو عن تأمُّل.

ومن هنا ظهر أنّ من اعتبر الحيثية المذكورة من جعل الموضوع ذات الأدلة متحيّثاً بحيثية استنباط الأحكام منها إنّما اعتبرَ تلكَ الحيثية تميزاً للموضوع وإدراجاً لمبحث الاجتهاد والترجيح بناءً على أنّه فعل المجتهد في البحث عن الأدلة؛ لئلا يخلّ حصر موضوع الأصول في الأدلة، أو يخرج عن الفن ويدخل في الاستطراديات، كالبحث عن التقليد- كما زعمه الفاضل التوني([134]) - فتفصّى عن خروج البحث عنهما عن الفن (بجعل الموضوع عبارة عن الأدلة والاجتهاد والترجيح) فإنّه بناءً على اعتبار الحيثية المذكورة يدخُلُ البَحْثُ عن الاجتهاد والترجيح في علم الأصول مَعَ عَدَمِ لُزِومِ الإخلالِ في الحَصْرِ في الأدلّة الأربعة ضرورةَ أنّه مع أخذِ حيثيّة الاستنباط واعتبارها يكونُ البَحْثُ عن المستنبط وما يتعلّقُ به بحثاً عن العوارض الذاتية، فإنّ الاستنباط والمستنبط وإنْ كان من الأعراض الغريبة لذات الأدلّة؛ لأنها أعراض للمجتهد لا للأدلة إلاّ أنّه بعد اعتبار حيثية الاستنباط في الموضوع يصيران من الأعراض الذاتية كما هو واضح فتدبره.

وأما ما تقدم من انطباق التعريف حينئذٍ عليه وموافقته له ففيه:

أولاً: إنّه لا يجُدي، بعد عدم تحقّق التمايز بالموضوع، فإنّ كلامَهم كان في هذا المقام بناءً على أنّ الميزان التمايزُ بالموضوع، لا الميزان صِدْقُ التعريف وغيره، كما ينبئ عنه ما اشتهر من أنّ تمايز العلوم بتمايز الموضوعات، على أنّ القواعد الممهِّدة للاستنباط إنّما تكونُ قواعد أصولية فيما كان البَحْثُ فيها عن العوارض الذاتية للدليل، وإلاّ فمجرَّدُ كونِ الغَرَضِ من التمهيد الاستنباط مما لا يَصْلُحُ أنْ يكون مميزاً.

وأمّا ثانياً: فلأنّ مَفَادَ التعريف: أنْ يكون علم الأصول عبارة عمّا يستنبط بمعونته الأحكامُ الفرعيّة وقواعدها، كما صَرَّحَ به بَعْضُهم، ويقتضيه تعريفُ علم الأصول: (بأنّه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الفرعية الشرعية عن أدلتها التفصيلية)، فيكون البحثُ، عن دليلية ما تستنبط بمعونته الأحكام خارجاً عن علم الأصول قطعاً، ضرورةَ توقُّفِ صِحَّةِ ذلك الاستنباط على ثبوتِ اعتبار دليليّته، والمفروض أنّ علم الأصول هو العلم بذات تلك القاعدة الممهِّدة من حيث إنّها قاعدة ممهدة، لا العلم باعتبار تلك القاعدة ودليليتها فيكون البحث عن دليليتها خارجاً عن فن الأصول.

وعليه فجعلُ الموضوع هو الذّوات المتحيّثة بالحيثية المذكورة لا يوافق التعريف.

وأما ثالثاً: فلأنّه ينتقض بجميع القواعد الفقهية الفرعية؛ لأنّها مُمهِّدة لاستنباط الأحكام الشرعية، فيقال في القاعدة نفي الحرج المستفادة من قوله تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]([135]) أنّها كُبْرَى للحُكْمِ بنَفي الحَرَج في الموارد الحرجية الخاصة، فيُقال: الحُكْمُ بنجاسة الحديد مثلاً مُوجِبٌ للحَرَج، وكلّ ما هو موجب للحرج منفيٌ في الدين، فالحُكْمُ بنجاسة الحديد منفيٌ في الدِّين، وفي قاعدة الطّهارة مثلاً: أنّ ابنَ آوى مما شُكّ في طهارته، وكل ما يُشَكُّ في طهارته، فهو طاهرٌ، فابن آوى طاهرٌ، وهكذا الكلامُ في سائر القَواعِدِ الفقهية، فيَلْزَمُ أنْ يكون قاعدتي نفي الحَرَجْ والطَّهَارة وغيرها من المسائل الأصولية بناءً على ما ذكر. فتأمل هذا كلّه بناءً على اعتبار الأصول العملية من باب العقل والعقلاء.

الكلام في الأصول العملية بناءً على اعتبارها تعبُّداً

وأمّا بناءً على اعتبارها من باب التعبُّدِ من الشَّارع وقيامِ الدّليل النقليّ عليها فذَكَرَ بعضُ مشايخنا تبعاً لبعض مشايخه أنّ فيه وجهين:

أحدهما: كونها من المسائل الفرعية باعتبار أنَّ التكلُّمَ فيها على هذا التقدير إنمّا هو في صِحّة الأخبار الدالة عليها سنداً، وظهورها في ذلك دلالة، كالأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشكّ مثلا.

وعليه فتكونُ متعلّقة بنفس عمل المكلف بلا واسطة، والمسألة الأصولية لا تتعلق بنفس العمل، بل يكون بواسطتها معرفة حكم العمل، فيكون التكلّم في الاستصحاب مثلاً عبارةٌ عن التكلّم في حرمة نقض اليقين بالشكّ، كالتكلُّم في كلّ حكمٍ، فرعيّ كلياً كان أم جزئياً، كحرمة شرب النبيذ، فيكونُ حالُ الأصول العملية حال سائر القواعد الفقهية العامة المستفادة من الأخبار، كقاعدة نفي الحرج والضرر في كونها منِ القواعد الفرعية المتعلّقة بالعمل، وإنْ كان رُبّما يَنْدَرجُ تَحْتَ هذه القاعدة مسألةٌ أصوليّة يَجري فيها الاستصحاب، كاستصحاب حجية أمارة علمٍ بحُجيّتها في زمانِ الحضور مثلاً، وشكٌّ في حُجيّتها في ذلك الزمان، فإنّه لا يمنع ذلك عن كونها من القواعد الفرعية؛ إذ لا دليل على حرمة جريان القاعدة الفرعية في بعض المسائل الأصولية، كما ينفى وجوبُ الفحص عن المخصِّص أو المعارض بقاعدةِِ الحرج التي لا إشكال في كونها من القواعد الفرعية، والحالُ أنّ إجراء القاعدة الفرعية هناك باعتبار كونه بنفسه محلاًّ للعمل لا يرتاب في كون الحكم الثابت له من تلك الحيثية حكمٌ فرعيٌ وأنْ يتحقق بجريانه الحُكْمُ الأُصوليّ.

وبتوضيحٍ أحسن: إنّ مسائل الأصول العملية كالاستصحاب ونحوه من مسائل الفقه؛ لأنّ موضوع الفقه هو فعلُ المكلّف، وموضوع علم الأصول أدلة الفقه، فما يبحث فيه عن عوارض أدلّة الفقه فهو من المسائل الأصولية، وما يُبْحَثُ فيه عن عوارض فعل المكلّف فهو من مسائل الفقه، والبَحْثُ في الأصول العملية وحُجيّتها يَرْجِعُ إلى وجوبِ العَمَل، ففي الاستصحاب يَرْجِعُ لوجوب العمل بالحالة السابقة، وفي البَرَاءَةِ إلى عَدَمِ الوجوب أو الحُرْمَة، وهكذا الباقي منها.

إنْ قلتَ: إنّ النزاع في حُجيّة الاستصحاب كالنّزاع في حُجيّة الخبر أو الكتاب أو الإجماع.

قلنا: فَرْقٌ بينَ المقامين، فإنّ حُجّية الخبر تَعْرِضُ الحُجّيةَ لنفسِ الخَبَرِ بالذَّاتِ ولعَمَلِ المكلّف الدالّ عليه الخبر بالواسطة، وهكذا الباقي، بخلافِ حُجيّة الاستصحاب، فإنّها لمّا كانت عبارةً عن وجوب العمل بالحالة السابقة كانت عارضةً لنفس عَمَلِ المكلَّفِ بالذات، بلا واسطة شيء.

إنْ قُلتَ: إنّ حُجيَّة الاستصحاب أيضاً عارضة لفعل المكلف بواسطة اليقين السابق والشك اللاحق.

قلنا: بعد حجية الاستصحاب لا نحتاجُ إلاّ إلى تعيين موضوعه، وما ذكر إنمّا هو موضوع الاستصحاب ومحلّه ومجراه، كما أنّه يلزمُ تعيينُ الموضوع في سائر المسائل الفقهية، كما في تعيينِ موضوع الحجّ، فإنّا نحتاج إلى تعيين الاستطاعة في مَحَلِّ وجوبه.

وثانيهما: كونُها من المسائل الأصولية باعتبار وجود خاصَّةِ علم الأصول فيها، وهو اختصاصُ إجرائها في الأحكام الكُلّية بالمجتهد، وعدم حظٍّ للمُقلِّد فيه ولو من جهة عدم قدرته على إحراز موضوعه الذي هو الشك المستقرّ المتوقف على الفحص عن وجود الدليل في المورد وعدم الظفر به، فإنّ اختصاص
جميع المسائل الأصولية بالمجتهد إنمّا هو من هذه الجهة، وإلا فجميع التكاليف المستفادة من الأدلة مما يشترك فيها المجتهد والمقلِّد، كما هو الحال في زمان الحضور، لكن لما كانت التكاليف مشروطة بالقدرة بحكم العقل القاطع،
والعمل بالحكم الشرعي الأصولي مشروطٌ بشروط لا يقدر العامّيُ على إحرازها في هذه الأزمنة وما شابهها اختصَّ بالقادر على ذلك وهو المجتهد لا غير.

فمثلاً الاستصحاب سواء قلنا: بأنّه عبارة عن حكم الشارع بالنّهي وحرمة نقض اليقين السابق بالشك اللاحق، أو قلنا: بأنه عبارة عن أنْ يكون حكماً شرعياً بوجوب البناء على الحالة السابقة، فهو لا يختصُّ بالمجتهدِ ابتداءً، ولم يكن مأخوذاً في موضوعِهِ الاجتهادُ، إلاّ أنّه اختصّ به من جهة العوارض، كمعرفة عَدَمِ الدَّليل المعتبر على خلاف الحالة السابقة، وعدم المعارض له ونحو ذلك، كما أنَّ وجُوبَ العمل بخبرِ الواحد المستفاد من آية النبأ([136]) وغيرها لم يُؤخَذُ في موضوعه المجتهد، وإنّما اختصّ بهِ من جهة العوارض، كمعرفة صحّة السند، وعدم المعارض، وحجية ظهوره، وعدم صدوره تقية، ونحو ذلك، ولو لم يجعل مدار التمييز بين علمي الأصول والفقه على ذلك الاختصاص العرضي لصار جميعُ المسائل الأصولية مسائل فقهية، فلا منَاصَ عن جعل المدار على ذلك.

المراد من عدم قدرة العامي على العمل بالمسألة الأصولية

وليس المراد مما ذُكِرَ من عَدَمِ قُدْرَةِ العامّي على العَمَل بالمسألة الأصولية، أنّه لا يتمكَّنُ من ذلك قبل استنباطها من أدلّتها خاصّة فقط، بل كما لا يتمكن من ذلك قبل استنباطها لها عن الأدلة، كذلك لا يتمكّن منه بعد استنباط المجتهد لها من الأدلة أيضاً، بمعنى أنّه لو عَرَضَها المجتهدُ على العامّي بعد استنباطها لم يمكن له العمل بها، فلو استنبط المجتهدُ من آية النبأ وغيرها حُجّية خبر الواحد ووجوب العمل به مثلاً، وعرضه على العامّي لم يتمكن من العمل به بعدُ؛ لعدم تمكُّنه من فهم المراد منه وإنّ له معارضا أم لا، وعلاج المعارض على فرض وجوده، فهذا كما ترى عَجْزٌ عن نفس العمل به؛ ضروَرةَ أنَّ تعيين المراد والمعنى ودفع المعارض غيرُ مأخوذ في أصلِ الحجية، بل هو مأخوذ في العمل به فعلاً، والعامّي غيرُ متمكّن منه كما عرفت.

وكذا الحالُ في الأصول العملية، فإنّه لو فرض قطعية دلالة الأخبار عليها، فلا يتمكَّنُ العامّي من العَمَل بها أيضاً لعجزه عن إحراز الموضوع، وهو الشكُّ المستقرّ الذي لم يتحقّق إلاّ بَعْدَ الفَحْصِ عن وجودِ الدّليل وعدم العثور عليه.

ولا ريبَ إنَّ هذا ليس عجزاً عن إثبات دلالة الأخبار على اعتبار الأصول العملية، ولا دَخْلَ له به، بَلْ هو عَجْزٌ عن نفس العَمَل بعد الاستنباط، وهذا بخلاف المسائل الفرعية، فإنّه لو استنبط المجتهدُ وجوبَ الفاتحة مثلاً من قوله  صلى الله عليه واله وسلم : (لا صَلاةَ إلاّ بفاتحة الكتاب)([137]) وعرضه على العامّي يتمكّن من العمل به بلا إشكال.

والحاصل: إنّ كُلَّ حُكْمٍ يتمكّن العامّيُ من العمل به بعد الاستنباط فهو من المسائل الفرعية، وكلُّ حكم لا يتمكّن من العمل به ولو بعد الاستنباط فهو من المسائل الأصولية، وقد عَرَفْتَ أنّ الأصولَ العملية من قبل الثاني لا الأول.

وأمّا ما رُبّما يقال: من إنّ الميزان المذكور وإنْ كان يتمُّ بالنسبة إلى مسألة حجية خبر الواحد ونحوها إلاّ أنّه لا يتمُّ في الأصول العملية، فإنّها ليست إلاّ في مرتبة المدلول والمعنى، وليست بشيء مع قطع النظر عن الأخبار بخلافِ خَبَرِ الواحد ونحوه، فإنَّ له مع الغضّ عن آية النبأ([138]) ونحوها تَحقُّقاً وموضوعاً في الخارج، فتكون هناك أمورٌ ثلاثة: نفسُ الخبر، والدليل الدالّ على اعتباره، والحكمُ الفرعي المستنبط منه، بخلاف الأصول العملية فلا يتحقّق فيها إلاّ قسمان: الأخبار أو غيرها من الأدلة، والحكمُ الشرعيُّ المستفاد منها، فلا يكون هناك أمرٌ ثالث قائم بنفسه يكونُ أصلاً عَمَلياً يَدُلُّ على حُكْمٍ شرعيٍّ فرعيٍّ فيَلْزَمُ اتّحادُ الدَّليل والمدلول.

فمدفوعٌ([139]) بأنّ أدلة الأصول العملية لها اعتباران، فبملاحظة دلالتها على قاعدةٍ كُلّيةٍ ساريةٍ في جميع الموارد يُسمَّى دليلاً، وهذه الكلّية المستفاد منها تُسمَّى أصلاً عملياً يُستنبَطُ بمعونتها الأحكامُ الفرعية في الموارد المخصوصة فتكونُ هناك أيضاً أمورٌ ثلاثة:

نفسُ الأصل العَمَلي وهو الكلّية المستفادة وهو نظير الخبر الواحد.

والدليلُ الدّالّ عليه وهو الأخبار وهي نظير آية النبأ بالنسبة إلى الخبر الواحد.

والحكمُ المستنبط بها نظير الحكم المستنبط من الخبر الواحد.

وإلى ذلك أشار بعض السادة الأعاظم بقوله: (وليس عموم (لا تنقض اليقين بالشك) بالقياس إلى أفراد الاستصحاب وجزئياته إلاّ كعموم آية النبأ([140]) بالقياس إلى [أخبار] الآحاد)([141]) انتهى.

والحاصل: إنّها بملاحظة إنّها بمرتبةِ المدلول والمعنى وانطباقها على عمل المكلّف في الموارد الخاصّة يكونُ مدلولاً، ويصحُّ أنْ يُعَدَّ من القواعد الفقهية، وهذا المقدار الذي ذَكَرْناهُ من اعتبار الحيثية يكفي في التّغاير بينهما دليلاً ومدلولا.

إشكال صاحب الفصول وجوابه

ونظيرُ ذلك إشكالاً وجواباً ما في الفصول من الإشكال في عَدّ الدليل العقلي دليلاً، فإنّ الدليل العقلي: عبارة عن المفردات العقلية كالاستصحاب وأصل البراءة، والمسائل: عبارة عن إثبات حُجّيتها ووجوب العمل بها فلا محذور([142]).

وما رُبّما يستشكلُ أيضاً بمنع كون ما ذُكر- أي: اختصاصها بالمجتهد- ميزاناً لجعلها من المسائل الأصولية، كيف، وإلاّ يلزم الحكم بدخول جملة من المسائل الفقهية في علم الأصول، فإنّها مما لا ينتفع بها غيرُ المجتهد كمسائل القضاء والحدود ونحوهما وقاعدة الطّهارة والحلّية في الشبهات الحُكْميّة ونحوها، أمّا الأوّلان لعجزه عن إحراز الموضوع فيهما وهو الشك المستقر كما عرفت فتدبر، أو لأنّ هذا الميزان إنّما يُجْعَل ميزاناً بَعْدَ عَدَمِ إمكانِ التمييز بالموضوع، ومقتضى ميزانِ الموضوع كونُ القاعِدَتينِ من الفروع، فلا عِبْرَةَ حينئذٍ بميزانِ الخواصِّ فتدبّر.

في أنَّ للمسألةِ الأصولية وصفاً هيولانيّاً

وقال بعضهم: إنّ لمسألة الأصول العملية وصفاً هيولانيا قابلاً للاندراج تحت مسائل علم الأصول وعلم الفقه وعلم الكلام، ويختلف ذلك باختلاف
غرض المعنون، وقال في توضيحه([143]): إنّ الأمر بالعمل بشيء يتصور على وجوه ثلاثة...

أحدها: أنْ يُرادَ بهِ تَطبيقُ العَمَل على ذلكِ الشيء من الحركة والسكون والاجتماع والافتراق، وبعبارةٍ أخرى: يُراد به عَمَلُ الجوارح، وذلك كالأمر بعمل الصَّلاةِ والزكاة والصوم والنكاح والبيع وأمثال ذلك من العبادات البدنية والمعاملات، حيث أنّ المراد من العمل بجميعِ ذلك هو إيجادُها في الخارج بعمل الجوارحِ حَرَكَةً وسُكوناً اجتماعاً وافتراقاً، فيكون ذلك من المسائل الفقهية المتعلّقة بالعَمَل بلا واسطة.

وثانيها: أنْ يراد به الأخذ به وجعله دليلاً وحُجَّةً ويسُتعَانُ بها لاستنباط الأحكام الشرعية، وهذا في الحقيقة تعليمٌ وإرشادٌ إلى مَدْرَكِ الحُكْمِ وطريقِ استنباطه، كالأمر بالعمل بخبر الواحد وأمثاله من الأدلة، فإنّ الأمر بالعَمَلِ به إنّما يُرادُ به الإرشادُ إلى استنباط الفروعِ منه الفقهية، ومعلومٌ أنّ العَمَلَ بذلك أي: العمل بالصّلاةِ ونحوها، فهذا يكونُ من المسائل الأصولية بلا إشكالٍ؛ لِعَدَمِ تعلُّقِهِ بالعَمَل بلا واسِطَةٍ، بل بواسِطَةِ تعلُّقِ مَدْلُولِهِ بالعَمَل بعد الاستنباط.

وثالثها: أنْ يُرادَ به معنى هيولاني قابل لأنْ يراد به أخذُ المعنيين الأولين وأنْ يراد به معنى ثالث، وهو الاعتقاد بذلك الشيء، وذلك كالأمر بقاعدة نفي الحرج مثلاً فإنّه قابلٌ للاندراج في مسائل أحد العلوم الثلاثة، ويتشخَّصُ كلٌّ عن الآخر بقصد المعنون، والكاشف عنه عنوانه في أحد العلوم، فإن عُنْوِنَ في علم الأصول فيصيرُ ذلك قرينة على أنّ المقصود تعليم مدرك الحكم وإرشاد طريق الاستنباط، فإنّ البحث فيها حينئذٍ إنّما هو ليُتوصَّل بها إلى إثبات حُجيّةِ خبر الواحد أو الظنّ المطلق أو عَدَمِ وُجوبِ الفَحْصِ إذا أدّى إلى الحَرَج.

فيقال: إنّه لو وَجَبَ تحصيلُ القطع بالأحكام أو بعَدَمِ المعارض أو الاحتياط لَزَمَ الحَرَجُ، وهو منفيٌ في الدين، فيجوز العمل بخبر الواحد الظنّي أو الظنّ المطلق، فيتولّدُ من البحث عن مسألة أصولية، وهو حجية الخبر أو الظن المطلق، فتصير تلك القاعدة إمّا من مسائل الأصول، أو من المبادئ التصديقية له من حيث إنّ التصديق بالخبر أو بالظن المطلق يتوقّف على التصديق بها، وحيث لم تتبيّن في علم آخر فتبين في علمٍ الأصول.

وإنْ عنون في الفقه فيصيرُ ذلك قرينة على أنّ المقصود تطبيق العمل عليها، فالبحث عنها حينئذٍ إنّما هو لبيان طريق عمل المكلّف وأنه إذا عَسُرَ عليه الوضوء ينفيه عمَلاً بتلك القاعدة فيتيمّم، أو يحكم بوجوب التيمّم الذي يتعلّق بالعمل بلا واسطةٍ فيكون من مسائل الفقه.

وإذا عُنْوِنَ في الكلام يصيرُ ذلك قرينة على إرادة بيانِ وُجوب الاعتقاد، فالبحث عنها إنّما هو لإثبات كفايَةِ الاعتقاد الظنّي لو أدّى تحصيلُ الاعتقاد، القطعيّ الى الحرج، فيكونُ من مبادئ علم الكلام.

وكذلك الكلام في قاعدة نفي الضرر، بل ويطرد الحكم إلى البراءة والاشتغال والتخيير والاستصحاب.

بتقريب: أنّه إنْ عنونت في الأصول فيكون من علم الأصول لأنّ الغرض من عنوانها بيانُ طريق الاستنباط وتعليم أنهّ من جملة مدارك الحكم ومما يمكن أنْ تستنبط به أحكام كثيرة.

وإنْ عُنونت في الفقه فالمقصود منه بيانُ تطبيق العمل من الحركات والسكنات عليها؛ إذ المرادُ منها حينئذٍ بيانُ الأحكام الفرعية.

وإن عنونت في الكلام فالمراد بها بيانُ لزوم الاعتقاد بنبوّة النبيّ السابق حتّى يثبت خلافه، فتكون من مبادئ علم الكلام.

فالأُصولُ العمليّةُ سواء قلنا باعتبارها من باب العقل أو من باب التعبّد لها حيثيات واعتبارات، يصحُّ أنْ تجعل بلحاظِ كلٍّ منها موضوعاً لعلمٍ غير ما تُجْعَلُ بلحاظه موضوعاً لعلمٍ آخر، وهذا مما لا غرو فيه.

ألا ترى أنّ الكلمة والكلام يُبحثُ عنهما في علم النحو من حيث الإعراب والبناء، وفي علم الاشتقاق من حيث التكلّم عن المشتق والمشتق منه، وفي علم الصرف من حيث التكلّم في الأبنية والاعلال، وفي علم المعاني والبيان والبديع من حيث التكلُّم في الفَصَاحَةِ والبلاغة ومُحَسِّنات الكلام إلى غير ذلك.

وبذلك البيان يَظْهَرُ ضَعْفُ ما ذكره بعضُهُم بعد بيان الوجه في كون الاستصحاب قاعدة فقهية من أنّه رُبّما يندرج تحتَ هذه القاعدة الفقهية مسألة أصولية يجري فيها الاستصحاب قاصداً به أنّ الاستصحاب الجاري في الشبهات الحكمية الفرعية التي محلّ الكلام، وإنْ كان مقتضى هذا الوجه كونه من القواعد الفقهية، إلاّ أنّه ربّما يندرجُ فيها الاستصحاب الجاري في باب الألفاظ الذي لا خلافَ في كونه من المسائل الأصولية، كاستصحاب العموم والإطلاق، وبقاء المعنى اللّغوي واستصحاب عدم المعارض للدليل الشرعي، ونحو ذلك.

ويحتمل أنْ يريد بالاستصحاب المندرج استصحاب حجية ما عُلِمَ حجيّته في زمانِ الحضور لو شك في حجيته في زمان الغيبة.

ووَجْهُ الضَّعْفِ أنّه بناءً على ما تقدَّم من أنّ له معنىً هيولانياً لا معنى للاندراج المذكور، بل هو في حالِ كونهِ من المسائل الفقهية بالاعتبار المذكور، يكون من المسائل الأصولية بالاعتبار الآخر، وكلٌّ منهما مباينٌ للآخر لتغاير الاعتبار، ولا يتفاوت الحال في ذلك بينَ كون المورد والمجرى من المسائل الفرعية وبين كونه من المسائل الأصولية.

ومن هنا يَظْهَرُ ضَعْفُ ما ذكره النراقي([144]) من أنّه إنْ جَرَى في المسائل الفقهية فهو منها، وإنْ جَرَى في الأصولية فهو منها.

وذلك لما عرفته من أنّه إنْ لوحظ باعتبار الاستنباط فهو من الأصول جرى في المسائل الفقهية أو في المسائل الأصولية، وإنْ لوحظ باعتبار تطبيق العمل عليه فهو من الفقه جرى في المسائل الأصولية أو في المسائل الفقهية.

فالنسبة بين النراقي وبين ما حقّقه ذلك البعض عمومٌ من وَجْهٍ، فرُبّما يُتَخيّل رجوعهما إلى قولٍ واحد واضحُ الفساد وإنْ كانا متشاركين في الضعف وعدم قيام بيّنة، ولا شاهد على اعتبار هذه الاعتبارات والحيثيات في المقام، ولا يساعد عليه كلامُ أحدٍ من الأعلام.

فالأقوى إذن عدُّهُ من المسائل الأصولية بناءً على أنّ الموضوع هو ذاتُ الأدلّة، أو من المبادئ التصديقية له مطلقاً بناءً على أنَّ الموضوع لعلمِ الأصول هو الموصوف مع الوصف، أي: الدليل بما هو دليل، ولعله الأظهر.

البحثُ عن حجية الاستصحاب في الألفاظ

بقي هنا شيء، وهو أنّه هل يكون البحثُ عن حُجّية الاستصحاب في الألفاظ لإثباتِ وضعها سواء كان في الموضوعات المستنبطة، كأصالة عدم النقل والاشتراك، أو في الموضوعات الصِّرفة من علم الأصول؛ لأنّه بَحْثٌ عن الحجية، فإنّه يُبْحَثُ فيه عن أنّ الاستصحاب بناءً على اعتباره من باب الظنّ الخاص والأخبار يكونُ حجّةً في الموضوعات المستنبطة، فلو شُكَّ في كونِ لفظٍ منقول أو مشترك فيُنفى بأصالةِ العَدَم، ومثله الكلام في الاستصحاب الجاري لإثبات المرادات، كأصالة عدم التخصيص والتقييد، وعدم القرينة، ونحو ذلك، فإنَّ البحث فيها بَحْثٌ عن الحجّية، وقد يبطل حجية تلك الاستصحابات؛ لأنها من الأصول المثبتة التي لا تعتبر بناءً على اعتبارها من باب التعبّد والأخبار، أو أنَّ حجيتها ثابتةٌ معتبرة بناءً على اعتبارها من باب الظن.

والحقّ أنّ اعتبارها من بابِ بناء العقلاء عليها لا من باب الاستصحاب حتّى يفصّل ذلك التفصيل فيها، وأنّها من مباحث الألفاظ في علم الأصول.

الأصول العملية الجارية في الأحكام الجزئية

وأمّا الأصول العملية الجارية في الأحكام الجزئية والموضوعات الخارجية فالظاهر- كما اعترف به جماعةٌ من الأجلة- أنّ البحث فيها من المسائل الفقهية، سواء جعل مدركها العقل أو الأخبار؛ لأنه على الثاني- أي: إذا كان مدركها الأخبار- يكون البحث عنها كالبحث عن سائر القواعد الكلية الجارية في الشبهات الموضوعية كأصالة الطهارة وعدم الاعتناء بالشكّ بعد الفراغ أو بعد تجاوز المحل.

وأمّا على الأول- أعني: إذا كان مدركها العقل- يكونُ البحث عنها كالبحث عن سائر الأمارات، كيَدِ المسلمين، وسوقهم، والغلبة، والبينة، وغير ذلك.

والسّر في جعله من المسائل الفقهية في تلك الصورة على كُلٍّ من الوجهين هو وجودُ خاصّة الفقه فيه وصدقُها عليه، وهو اشتراك المفتي والمستفتي في التمسُّكِ بهِ بعد تنقيحِهِ وثبوتِ حُجيّته.

ومن المعلوم أنّه يجوزُ للمستفتي بعد ثبوت حجيّتها التمسّك بها، مثلاً يصحّ للمستفتي أنْ يتمسّك باستصحابِ حياة زيد، وبقاءِ رطوبة الثوب، وبراءة ذمته من وجوبِ الصَّلاة عليه عند الشك في الكسوف ونحو ذلك.

وهذا بخلاف المسألة الأصولية، فإنّها ممّا لا حَظَّ للمقلّد في التمسُّك بها، لكنّه مع ذلك لا يخلو عن تأمّل، نظراً إلى أنّه من المستبعد جدّاً اختلافُ مسائل الأصول العملية مع وحدة معناها ووحدة دليلها عقلاً أو نقلاً في الاندراج تحتَ أحد العلمين، لسبب اختلاف موردها، وذلك لوضوح أنّ اختلاف المورد مّما لا رَبْطَ له بذلك سواءً جَرَتْ في الأحكام الكلّية، أو في الموضوعات الجزئية، كما أنَّ الدليل عليها- على أيِّ تقديرٍ- هو العقل أو النقل لم يختلف بين الموردين.

وعلى هذا فكيفَ يُدّعى اختلافُها لسببِ اختلافِ المورد في الاندراج في أحدِ العلمين فيَحَتاجُ إلى عنوانه والبحثُ عنه في كلٍّ من العلمين، مع أنّه ليس له إلاّ معنىً واحد، وليس له إلاّ دليلٌ واحد، ألا ترى أنَّ البحث عن حُجيّة خبرِ الواحد من المسائل الأصولية سواء كان في الأحكام أو في الموضوعات، مع استدلالهم بآية النبأ على حجيّته مطلقاً فتأمل.

والحاصل: أنّ عندهم للأصول العملية جهتين من الكلام.

إحداهما: في الحجية من حيث هي، وهذه الجهة قد عَرَفْتَ أنّ لها عنواناً واحداً، كما أنّ لها معنىً واحداً ودليلاً واحداً لا نظر له إلى المورد والمجرى، وهذه الجهة هي التي يتكلّم فيها من حيث الاندراج في علم الفقه أو في
علم الأصول.

وأخرى: في مجرى من أنّه أمّا أحكامٌ كلّية أو موضوعاتٌ جزئية، ومن المعلوم أنّ اختلاف المورد والمجرى لا يُوجبُ اختلافه اندراجاً في أحد العلمين، فالحقُّ أنّه من علم واحد ولا يضرُّ اختلافُ المورد.

الأصول العملية الجارية في المسألة الأصولية

وأمّا الأصولُ العَمَلية الجارية في المسألة الأصولية، كاستصحاب العموم فيما لو شُكّ في التخصيص أو حجيته بعد العلم الإجمالي بالمخصِّص كما عن بعضهم التمسُّكُ به، فلا إشكال في كونِهِ تابعاً له في الحكم وكونِهِ من المسائل الأصولية ولو على القول باعتباره من باب الأخبار؛ إذ لا ربط لها بالفروع الفقهية ولا حجيّة ولا مجرى.

مراتبُ الفقه (الاجتهاد - الإفتاء - القضاء - النيابة عن الإمام في تدبير شؤون الرعيّة)

إنّ الفقيه له مراتب أربعة:

الأولى: الاجتهاد، وهو ملكة استنباط الأحكام الشرعية عن أدلّتها التفصيلية، وبهذه المرتبة يترقّى من حضيض التقليد إلى درجة الاجتهاد، ويسمّى بهذه المرتبة مجتهدا.

والثانيةُ: مرتبة الفتيا، وهي إخباره عن أحكام الله الشرعية بما يجدُه في
أدلّتها التفصيلية مثل قوله: (الصلاة واجبة)، (وسجدة السهو
 واجبة)، (والخلوّ بالأجنبية مكروه)، (والغيبة حرام) ونحو ذلك مما
 هو مشحونٌ به كُتُبُ الفتاوى كالرّسائل العملية ونحوها، ويسمّى بهذه المرتبة مفتياً.

والثالثة: مرتبة القضاء، وهو إنشاء وإلزام بما تقتضيه الأسباب الشرعية، مثل الإلزام بأداء الدين وفسخ النكاح أو ثبوت الملك ونحو ذلك ويسمى بهذه المرتبة قاضياً. وتوضيحُ ذلك يُطْلَبُ ممّا ذكرناه في القضاء.

والرّابعَةُ: مرتبة النيابة عن الإمام في الزعامة والسلطنة على الأمور، وهي مرتَبَةُ تدبيره شؤونَ الرّعية الدنيوية والأخروية وتفويضُ السياسة العامّة، ورعايته للمصالح ودفعه للمفاسد، وقمع الجناة، وقتل الطغاة، وحفظ الثغور، ويسمّى بهذه المرتبة حاكِمُ الشَّرع والمرجع الديني.

ومن هنا يظهر لك أنّ النبي  صلى الله عليه واله وسلم  والأئمة  عليهم السلام  ما صدر منهم بمقتضى
امامتهم لا يجوز لأحدٍ الاقدامُ عليه إلاّ إذا ثَبَتَتْ له الإمامة أو النيابة
العامة.

وما صَدَرَ منهم بعنوان أنّه حُكْمُ اللهِ تعالى فيعمل به كلُّ أحدٍ عند تحقُّق موضوعه، فقوله  صلى الله عليه واله وسلم : (من أحيا أرضاً فهي له)([145])، أو قولهم  عليهم السلام : (ما كان لنا فهو لشيعتنا)([146]) إنْ كان بمقتضى إمامتهم فلا يجوزُ لأحدٍ أنْ يحيي أرضاً إلاّ بإذنِ إمامِ عَصْرِهِ أو نائبه، ولا أنْ يأخُذَ من مال الإمام إلاّ بإذن إمامِ عصره أو نائبه، وإنْ كان بمقتضى أنّه حُكْمُ اللهِ تعالى قد بيّنه لعبادِهِ جاز ذلك لكلِّ أحدٍ، ولا حاجة أنْ يستأذن من إمام عصره أو نائبه.

الفرق بيـن المجتهد والمفتي والمرجع الديني

ثمّ إنّه قد تداولَ بين الفقهاء استعمالُ لفظ المجتهد، والفقيه، والمفتي والمرجع الديني، والزعيم الديني، والفرق بينها واضح.

فإنّ من تعلّم علم الفقه باعتبار أنّه يعمل بالأدلّة الظنيّة المعتبرة الدالة على الحكم الواقعي يسمّى مجتهداً؛ لأنّ الاجتهادَ: استفراغُ الوسع لتحصيل الظنّ بالحكم الشرعيّ الفرعي.

وباعتبار أنّه يعلم بالأحكام الشرعية الفرعية الظاهرية عن أدلّتها التفصيلية يُطلق عليه الفقيه؛ لأنّ الفقه: هو العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية.

فظهر من هذا أنّه لا يصحُّ إطلاق المجتهد بالقياس إلى الأحكام الظاهرية؛ لأنه عالم بها على سبيل اليقين، ولا يصحُّ إطلاقُ الفقيه عليه بالنسبة إلى الأحكام الواقعية؛ لأنّه منسد باب العلم بها إلاّ إذا علم بها.

وباعتبار أنّه يفتي ويخبر عن حكم الواقعة يسمّى مفتياً.

وباعتبار أنّه يرفع الخصومة بحكمه يسمّى قاضياً وحاكماً.

وباعتبار أنّه يتولّى شؤون المسلمين في أمور الدنيا والدين يسمى إماماً ومرجعاً دينياً وزعيماً روحياً.

الفقه المقارن

قد شَاعَ في هذا الوقت التعبير بعِلْم الفقه المقارنْ، ويرادُ به هو العلم بالآراء المختلفة في حُكْم المسألة الشرعية، ودليلُ كُلِّ رأيٍ فيه، وبيانُ ما هو الحقُّ منها بالبرهان، وعند المتقدّمين يُعبِّرون عنه بعلمِ الخلاف أو الخلافيات، ولا ريب في أنّ الاطّلاعَ على الآراء المختلفة في المسألة الواحدة مع معرفة المصدر لكلٍّ منها يُكسِبُ الإنسان بصيرة فيها، وقد قلتُ في عدة مناسبات إنّ الحقيقة لا زالت تبرق وتظهر من تصادم الأفكار، وعن كتاب القضاء عن المبسوط للشيخ الطوسي رحمه الله  عند ذكره للعلوم التي يتوقّف عليها الاجتهاد ما لفظه: (وأمّا الخلافُ فهو متداول بين الفقهاء يعرفونه حتّى أصاغرهم)([147]) انتهى.

ثمّ إنّ البحث في ذلك على أنواع ثلاثة:

أحدها: أنْ يكونَ خاصّاً في آراء الفقهاء لمذهبٍ واحدٍ، كأنْ يقتصر فيه على بيان الآراء في الحكم الشرعي للمسألة الفقهية للمَذْهَب الجعفريّ فقط أو المالكي فقط.

ثانيها: أنْ يكون عامّاً للمذاهب الإسلامية الأخرى، بأنْ يتعرَّض فيه لمذاهب أخرى غير مذهب إمامه، والكتب التي ألّفت عندنا من قديمِ الدَّهر في هذا الموضوع وإنْ كانت كثيرة جداً بل لعلّ كلّ كتاب فقهيٍّ استدلالي لا يخلو البحث في بعضِ مسائله عن ذلك، إلاّ أنَّ أهمَّها كتابُ الخلاف للشيخ الطوسي رحمه الله  المتوفّى سنة (460هـ)، المطبوع عدّة طبعات في إيران، والظاهر أنّه أوّل كتابٍ أُلّفَ في هذا الموضوع للإمامية، وكتابُ المختَلَفِ للعلاّمة الحلي المتوفى سنة (726هـ)، المطبوع في إيران، إلاّ أنّ أحسنها وأوسعها مُؤلَّفه التذكرة، المطبوع في إيران وفي النجف الأشرف بعض أجزائها.

ونجدُ ذلك في كتاب الإمام الشافعي([148]) (الام)، وكتاب الإمام الطبري([149]) (اختلاف الفقهاء)، والبيهقي([150]) في كتابه (الخلافيات).

ثالثها: أنْ يكون البحثُ في المسألة الفقهية عن الحكم الشرعي
ومقارنته بالقانون المدني فيها، ومقدار مخالفته وموافقته له، وبيان ما
تقتضيه المصلحة العامة ومتطلبات الحياة، وقد تكفّلتْ بهذا البحث كلّيات الحقوق.

ويقال: إنّ أوّل من اقترح دراسة الفقه المقارن بين المذاهب الإسلامية في كلية الشريعة الإسلامية في الأزهر في الدراسة للسنة الرابعة هو الشيخ المراغي رحمه الله ([151])، ولنا معه بعض المطارحات في التفسير وجوابه عليها وجوابنا عليه نشرتها الصّحف وطُبعت في ضمن نظرات وتأملات، وما بين النجف والأزهر.

أقسام الفقهاء

ينقَسِمُ الفقهاء إلى عدّة أصناف:

الأول: الفقهاء الصّحابيّون، وهم من لقي رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  وآمنوا به ولازموه حتى عُرِفوا بالفقهاء، وأمّا مَنْ عاصَرَ الرَّسول  صلى الله عليه واله وسلم  ولم يلقه فلا يسمّى صَحَابياً حتّى لو كان فقيهاً، وانّما يعتبر من التابعين، إلا أنَّ الكثيرَ منهم انصرف إلى
 أمرِ معاشِهِ عن الاشتغال بالفقه، ومنهم مَنْ لَمْ تَتَوفَّر فيه القريحة الفقهية،
وذكر أرباب السير أنّ منهم المُكْثِرُ في الفتوى كالإمام علي  عليه السلام  وزيد بن ثابت([152])، وعبد الله بن عباس([153]) وعبد الله بن عمر([154])، ومنهم المقلّ في الفتوى كالإمام الحسن  عليه السلام ، وأبي عبيدة الجراح([155])، ومنهم المتوسّط في الفتوى كأبي بكر، وأنس بنِ مالك، وأبي سعيد الخدري، وكانوا كلهم في المدينة المنورة، ثمَّ تفرّقوا بعد التوسُّع في الفتح وإسناد الولاية والقضاء إليهم.

الثاني: ما يُسمَّى بالفقهاء التابعين، وهم مَنْ لقيَ الصَّحابة وأخذ منهم، وعصرهم متداخل في عصر الصحابيين والعصر الذي انفردوا به عن الصحابيين قصير جدا، قيل وكان نهايته قبل نهاية دولة بني أمية.

الثالث: ما يُسمَّى بالفقهاء الأرأتيين مفردة (أرأتيّ) نسبة إلى (أرأيت)، وهم الفقهاء الذين يبحثون في مسائل فرضية يستبعد حدوثها ويحكمون فيها بحسب رأيهم فيقولون: (أرأيتَ لو كان الأمر كذا فما كان الحكم؟)، وقد كثر إطلاق هذا اللفظ على فقهاء العراق من أهل الرأي.

الرابع: ما يُسمّى بالفقهاء الواقعيين، وهم الذين يقصرون الفتوى على المسائل الواقعية، وهي التي اشتملت على ذكرها الآيات القرآنية أو السنة.

الخامس: ما يُسمَّى بالفقهاء المتقدّمين، وهُمْ الفُقَهَاءُ الذين كانوا قبل
سقوط بغداد بيد المغول سنة (656هـ)، أعني: ما كانوا قبل منتصف القرن السابع.

السادس: ما يسمّى بالفقهاء المتأخرين، وهم الذين كانوا بعد سقوط بغداد سنة (656هـ) حتّى اليوم.

السابع: ما يُسمَّى بالفقهاء المعاصرين، وهم مَنْ أدرك المتكلّم أو المؤلف زمانه، فإنّ ذلك المتكلم أو المؤلّف يحقّ له أنْ يعبّر عن الفقيه الذي في زمانه بالمعاصر.

الثامن: ما يسمّى بالفقهاء المطلقين، والفقيه المطلق هو الذي له
ملكة الاجتهاد في جميع مسائل الفقه، وقد يطلق على من رجع في
استنباط الأحكام الشرعية للأدلة التفصيلية كالكتاب والسنة والإجماع
والعقل، في مقابل الفقهاء المقلّدين وهم الذين قلّدوا مَنْ سبقهم من
المجتهدين، وانحصر اجتهادهم في فتاواهم، ويسمّون أيضاً بالفقهاء في
المذهب، ويسمّون من كان منهم يُفَصِّلُ ما أجمل من قولِ مرجع تقليده، أو
يُبيِّنُ ما أَبْهَمَ منه ويسمون بأصحاب التخريج.

التاسع: ما يسمّى بالفقهاء المتجزّئين، والفقيه المتجزّئ، هو الذي له ملكة الاجتهاد في بعض مسائل الفقه دون بعض، ويقابله الفقيه غير المتجزئ، وقد يعبر عنه بالمطلق كما تقدم.

العاشر: ما يسمّى بالفقهاء المحدَّثين والأخباريين، وهم الذين يعتمدون على الأدلة النقلية دون الأدلة العقلية، ولا يعتبرون علم الأصول، ويقابلهم الفقهاء الأصوليون، وهم الذين يعتمدون عليها، ويأخذون بعلم الأصول، هذا أصلُ الاصطلاح، ولكن عند الشيعة الاختلاف بين الأصوليين والمحدَّثين قد تجاوز ذلك، وقد ألّف في ذلك جَدُّنا كاشف الغطاء رحمه الله ([156]) كتاباً فيما اختلف فيه الأصوليون والأخباريون.

الحادي عشر: ما يُسمَّى بالفقهاء السلَفيّين، وهم الفقهاء الذين دعوا للمذهب السلفيّ، والرجوع في معرفة الأحكام الشرعية إلى مصادرها الأصلية من الكتاب والسنة ونحوها، وحاربوا التقليد، وشدّدوا النكير على الجمود على الرجوع لفتاوى الفقهاء.

الثاني عشر: ما يُسمَّى بأصحاب الرّأي، وهُمْ أصْحَاب الرّأي والقياس والاستحسان، وهمُ الذين يَبْحَثون عن عللِ الأحكام الشرعية، ومناطاتها ويحكمون على طبقها، ولم يُحجموا عن الفتوى برأيهم عند فقد
النصّ الواضح، وكان أكْثَر فقهاءِ العراق منهم، ويسمّون بأهل مدرسة
الرأي، ويقابلهم أهل الظاهر، وهم الفقهاء الذين لا يُفتون بالرأي مع وجود الظواهر من كتاب أو سنة ونحوها، وكان أكثر أهل الحجاز منهم ويسمّون بأهل مدرسة الحديث.

ويروى في هذا الباب أنّ سعيد بن المسيب([157]) قال لربيعة بن عبد الرحمن المتوفى سنة (136هـ) لما سأله عن علّة الحكم: أعراقيٌ أنتَ([158])؟

الفقهاء للائمة  عليهم السلام  

قد ذكر الكَشّي([159]) أنّ العصابة قالوا بأن: (أفقه الأوّلين ستة
كانوا من أصحاب الباقر  عليه السلام  والصّادق  عليه السلام  وهم: زرارة، ومعروف
بن خرّبود([160])، وبريد([161])، وأبو بصير الاسدي([162])، والفضيل بن يسار([163])، ومحمد بن مسلم الطائفي([164])، قالوا: وأفقَهُ الستّة زرارة، وقال بعضهم([165]) مكان (أبي بصير الاسدي) أبو بصير المرادي([166]) وهو ليث بن البختري).

ثُمَّ ذكر الفقهاءَ من أصحاب الإمام الصادق  عليه السلام  خاصة
وعددهم ستة: جميل بن دراج([167])، وعبد الله بن مسكان([168]
وعبد الله بن بكير([169])، وحَمَّاد بن عيسى([170])، وحماد بن عثمان([171])، وأبان بن عثمان([172])، قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه، وهو ثعلبة بن ميمون([173]): إنّ أفقه هؤلاءِ جميل بن درّاج)([174]).

ثم ذَكَرَ الفقهاءَ من أصحاب الإمام موسى بن جعفر  عليه السلام  وولده الرضا  عليه السلام  وعددهم ستة (منهم يونس بن عبد الرحمن([175])، وصفوان بن يحيى بياع السابري([176]). ومحمّد بن أبي عمير([177])، وعبد الله بن المغيرة([178])، والحسن بن محبوب([179])، وأحمد بن محمّد بن أبي نصر([180]). وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب: الحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن أيوب، وقال بعضهم: مكان ابن فضال: عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى)([181]) انتهى ما ذكره الكشي.

عَدَم إطلاق الفقيه على النبي  صلى الله عليه واله وسلم     

لا يصحُّ إطلاقُ الفقيهِ بالمعنى الاصطلاحيّ على النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم ؛ لأنّ علمه  صلى الله عليه واله وسلم  بالأحكامِ الشَّرعيّة الفرعية لم يستند إلى النظر والاستدلال، بل هو بالوحي المبين، وأمّا الأئمة  عليهم السلام  فقد يُطْلَقُ عليهم الفقهاء، أو يسمّى أحدهم بالفقيه، بمعناه العرفي العام، وهو مطلق معرفة الأحكام الشرعية، سواء كانت عن دليلٍ تفصيليّ أم عن غيره.

وتسميةُ الإمام مُوسى بن جعفر  عليه السلام  بالفقيه بهذا المعنى عند الشيعة، وأمّا عند أهل السنة فإطلاقهم الفقهاء على الأئمة بالمعنى الاصطلاحي.

 

الفصل الثاني

في موضوع علم الفقه وشرح موضوع العلم ووجه التميّز به
والدليل على وجوده

الموضوعُ لكُلِّ علمٍ

الأمرُ الثاني من الأمور التي تُذكر في مقدّمات العلوم هو بيان موضوع العلم، وإنّما ذكروه باعتبار أنّه يرون أنّ تمايزَ العُلومِ في نفسها وذاتها بحَسَبِ تَمَايُزِ موضوعاتها؛ لأنّه هو المبحوث عن أحواله في العلم، بخلاف التمييز بالتعريف فإنّه إنّما يكونُ بحَسَبِ الآثار المرتّبة عليه.

ولأنّه كما تقدَّم بمنزلة مطلب (هل)، حيث أنّه بمعرفة الموضوع يعرف وجود العلم، ومطلب (هل) لا بدّ منه قَبْلَ الشروعِ في الشيء، إذْ الشيءُ لا يشرع فيه ما لم يعلم بوجوده.

وأيضاً إنّ جِهَةَ وحْدَةِ مسائل العلم أولاً وبالذّات هو الموضوع؛ إذ فيه اشتراكها، وبه اتحادها، وإذا عرف جهة اتحادها أحاطَ بها إجمالاً، بحيث إذا قصد تحصيل تفاصيلها لم ينصرف الطلب عمّا هو منها إلى ما ليس منها.

وتحقيق ذلك كما استفدناهُ من كلماتِ القَومِ: إنّ كمال النفس الانسانية بقوّتها الإدراكية، والقوّة الإدراكية إنّما تَحْصُلُ بمعرفة حقائق الأشياء وأحوالها بقدر الطاقة البشرية، ولمّا كانت حقائقُ الأشياء وأحوالها متكثّرة متنوعة، وكانت معرفتها مختلطة غير مستحسنة ومتعسّرة أقتضى حُسْنَ التّعليم وتسهيله أنْ تجعل مضبوطةً متمايزة فتصدَّى لذلك العلماء الأوائل، ووضعوا الحقائق وبحثوا عن أحوالها المختصّة التي هي الأغراض الذاتية لها، وأثبتوها لها بالأدلّة فحَصَلَتْ قضايا كسبية، محمولاتها أعراض ذاتية لتلك الحقائق سمّوها بالمسائل، وأدلّتها وتعاريف ما يتعلّق بها سموّها بالمبادئ، وتلك الحقيقة المبحوث عن أحوالها سمّوها بالموضوع.

فصارت عندهم كلُّ طائفة من الأحوال متشاركة في موضوع عِلْمَاً منفرداً ممتازاً في نفسه، يفرد بالتدوين والتسمية والتعليم نظراً إلى ما لتلك الطائفة من المسائل المتكثّرة المختلفة في المحمولات من الاتحاد في جهة الموضوع والاشتراك فيه على الوجه المذكور، وأصبحت علومهم بالحقائق وأحوالها متمايزة في أنفسها وموضوعاتها، وسَلَكَتْ الأواخر أيضاً هذه الطريقة في علومهم، ثمّ قد تتحد المسائل من جهات أخرى كالمنفعة والغاية ونحوها، ويؤخذ لمجموع تلك المسائل من بعض تلك الجهات ما يفيد تصوّرها إجمالاً من حيث اختصاصها بها، قال بعضهم: فيكونُ ذلك حَدّاً للعلم إنْ دَلَّ على حقيقةٍ سَمَّاهُ الذي هو المركّب الاعتباري، كما يقال هو: عِلْمٌ يُبْحَثُ عن كذا، أو علم بقواعد كذا، وإلاّ فرسماً، كما يقال: هو عِلْمٌ يقتدر به على كذا، أو يحترز به عن كذا، أو يكون آلة لكذا، فظَهَرَ أنّ الموضوع هو جهةُ وَحْدَةِ مسائل العلم الواحد نظراً إلى ذاتها وإنْ عرضت عليها جهاتٌ أخرى كالتعريف والغاية.

لا يقال: على هذا يكون العلم مُتعدِّداً بتعدُّد الموضوعات التي هي مقوّمات المسائل فلِمَ لَمْ يَجعل العلم متعدِّداً بتعدُّد المحمولات مع أنَّها مُقوِّمات للمسائل أيضاً، بأن يكون البحث عن بعض الأعراض الذاتية علماً، وعن البعض الآخر علماً آخر، مع اتحاد الموضوع، ويجعل المميّز هو القَدَرُ الجامع بين المحمولات، بل إنَّ هذا أقرب بناءً على كون الموضوع بمنزلةِ المادّة؛ لتوارد الأعراض عليه، كما تتوارد الصُّور على المادّة، والمادة مأخذ للجنس، والأعراض الذاتية بمنزلة الصُّورة وهي مأخَذٌ للفَصْلِ الذي به كَمَالُ التمييز؛ لأنّه قد قيل: إنّه لا ضبط للأعراض، ولا حَصْرَ لها، بَلْ لكُلِّ أحدٍ أنْ يثبت ما استطاع، فلا ينضبط أمر الاتحاد بين المسائل في العلم والاختلاف بينها فيه.

ولا يَخْفَى ما فيه، فإنّه لَهُم أنْ يفرضوا فائدَةً خاصَّةً لعنوانٍ جامعٍ بَينَ عِدَّة أعراضٍ كإلاعراب والبناء، ويطلبوا المسائل المحصّلة لها، إلاّ أنْ يقال: إنّ هذا لا يتيسَّرُ لنا في سائر العلوم؛ لعَدَم وجودِ القَدَرِ الجامع بين أعراضها، فإنّ أعراض العدد لعلم الحساب لا قدر جامع بها، كيف والأعراضُ بينها تباين واختلاف وتكثّر، بحيث يعسّر جمعها في كلّيٍّ واحد، وإلاّ لو أمكن ذلك صَحَّ أنْ يجعل ذلك العنوان أيضاً مميّزاً للعلم، فلو فَرَضْنا لعلم الفلسفة قَدَرٌ جامع بين محمولات مسائله صَحَّ أنْ يُجعل مميّزاً أيضاً كموضوعه.

وأمّا حَديثُ المادَّة والصّورة فهو غير صحيح؛ لأنّ كُلاًّ من الموضوع والمحمول جزءٌ ماديٌّ من المسألة، وإنّما الجُزْءُ الصُّوريّ لها هو الحكم على أنّ الكلام ليس في المسألة، وإنّما في المركّب الاعتباري الذي هو العلم، ولا خَفَاءَ في أنّ المسائل مادّةٌ للعلم، ومرجعُ الصُّورَةِ إلى جهةِ الاتحاد إذْ بها تصيرُ المسائل علماً واحداً.

الدليلُ على لزومِ وجودِ الموضوعِ لكُلِّ علم

إنّ الكَلامَ في موضوعِ علم الفقه يَستدعي الكَلامَ في مقاماتٍ ثلاثة:

الأوّل: في الدّليلِ على لزومِ وجودِ الموضوع لكلِّ علمٍ.

الثاني: في تعريفِ الموضوع لكلِّ علم.

الثالث: في بيانِ ما هو موضوعُ عِلْمِ الفقه.

أمّا الكلامُ في المقام الأوّل فنقول: إنّ الدليلَ على وجودِ الموضوع للعلم هو ما ذَكَرَهُ علماءُ الفلسفة والحكمة، وأشرنا إليه سابقاً إنّ العُلماءَ لمّا حاولوا معرفة الأشياء بقَدَرِ الطّاقة البشرية، وضعوا الحقائق أنواعاً وأجناساً وغيرها، كالعدد والفَلَك والوُجودُ، وبحثوا عن أعراضها وأحوالها المختصّة بها، وأثبتوها لها بالأدلّة فحَصَلَتْ لكُلٍّ من تلكَ الحقائق قضايا كسبية محمولاتها أعراضٌ ذاتية لتلك الحقائق وسمّوا تلك القضايا بالمسائل.

ثُمَّ إنّ كُلَّ طائفةٍ من تلك المسائل ترجع إلى حقيقةٍ واحدة من تلك الحقائق أفْرَدُوها بالتّدوين، والتسميّة باسم خاصّ في باب التعليم والتعلم، نظراً إلى ما لِتلك الطائفة على كثرتها واختلاف محمولاتها، من الاتّحاد في جهة الموضوع لكونها مشتركة في البحث عن حقيقةٍ واحدة من تلك الحقائق، وقد جعلوا تناسُبَ العلوم وتبايُنها وتداخلها بحسب تلك الجهة، بمعنى أنّ موضوع أحد العلمين إنْ كان مبايناً لموضوعِ الآخر من كُلِّ وجهٍ كالعَدَد للحساب، والكلمة للنحو، فالعلمان متباينان على الإطلاق، وإنْ كانَ أعمُّ منه فالعلمان متداخلان، وإنْ كان موضوعهما شيئاً واحداً بالذّات متغايراً بالاعتبار، أو شيئين متشاركين في جنس واحد، فالعلمان متناسبان، كما قُرِّر ذلك في محله.

وبعبارةٍ أخرى أنّ سعادة الإنسان لمّا كانَتْ منوطةً بمعرفة حقائق الأشياء وأحوالها بقَدَرِ الطاقة البشرية، وكانت تلك الحقائق والأحوال متكثّرة، وكانت معرفتها مختلطة متعسّرة تصدّى الأوائل لضبطها لتسهيل تعلّمها وتعليمها، فأفردوا الأحوال الذاتية المتعلّقة بشيءٍ واحد، ودوّنوها علماً، وسمّوا ذلك الشيء موضوعاً لذلك العلم، فأخذوا الوجودَ المطلق من حيث هو هو وسَمّوا العلم الباحث عن أحواله بالعلم الإلهيّ والفلسفة الأولى، وبالعلم الكلّيّ، وبما بعد الطبيعة، وأخذوا الكمَّ وقسموه إلى متّصلٍ ومنفصلٍ، والمتّصل: إمّا متحرّك أو ساكن، فالعلمُ الباحثُ عن أحوالِ الكمّ المتصل المتحرّك سمّوه بعلم الهيئة، والساكن بعلم الهندسة، والمنفصل: إمّا أنْ يكونَ له نسبةً تأليفية، أو لا يكون، والأول هو الموسيقى، والثاني هو الحساب، وهذه العلوم الأربعة تسمّى بالعلوم الرياضية، ولكلٍّ منها فروعٌ، وأخذوا الجسم الطبيعي وسَمّوا العلم الباحث عن أحواله بالعلم الطبيعي، وجعلوا له فروعاً، وأخذوا النفس الإنسانية من حيثُ اتّصافها بالأخلاق والملكات، وسمّوا العلم الباحث عن أحوالها، بالحكمة العملية إلى غير ذلك من أخذهم الحقائق، وبحثهم عن أحوالها، ولهذا جعلوا لكلِّ عِلمٍ موضوعاً.

الردُّ على صاحب الكفاية 

وعلى هذا فلا يَصحُّ تعريف المسائل بأنّها قضايا جَمَعَها اتّحادُ الغرض والغاية، كما صَدَرَ من صاحب الكفاية رحمه الله ([182])، بلْ تكونُ المسائل قضايا جمعها اتّحادُها في الموضوع الذي يُبْحَثُ عن أحواله في العلم.

والحاصل: إنّ الذين اعتبروا الموضوعَ للعلوم هُمْ علماءُ الحِكْمَة لتقسيمهم الحقائق إلى تلك الأمور، وبحثهم عن عوارضِ كُلِّ قسمٍ، وعليه فيكون المميز الذاتي للعلوم هو الموضوع، ولكنْ عُلماء الفنون التي اخترعوها لغايات خاصّة، كالنّحو لصونِ اللّسان يكونُ المدار عندهم في مسائل العلم، ما كان له دخل في حصول الغرض منه، وليس للموضوع الجامع لموضوعات المسائل عندهم، أيّ أثر في تكوين العلم، ولا في تسميته، ولا يلزم وجود الموضوع على هذا التقدير، وانّما يلزم وجود الغرض، كما أنّه لا يضرُّ البحث عن الأعراض الغريبة لموضوعِ العلم لو فرض له موضوعٌ إذا كان البحث ينفع في ترتّب الغاية عليه.

فظَهَرَ من هذا كُلِّهِ إنّ العلم إنْ كان الميزان في عَدِّه عِلْماً هو بَحْثُ مسائله عن موضوعٍ خاصّ لَزَمَ أنْ يكونَ موضوعاً له، ولزم أنْ يكونَ محمولات المسائل فيه أعراضاً ذاتية له، وإنْ كان الميزانُ في عَدِّهِ علماً هو ترتّب الغاية على معرفة مسائله لم يلزم أنْ يُوجد موضوعٌ له، ولا يلزم أنْ يكونَ محمولات المسائل عرضاً ذاتياً لموضوعه حتّى لو فُرِضَ له موضوعٌ، والمتأخّرونَ لمّا لم يلتفتوا إلى ذلك وقعوا في هذا المأزق الحرج، فأرادوا الجَمْعَ بينَ موضوعِ العِلْم ِوالغايةِ منه، وما دَرَوا أنّ كُلَّ واحدٍ منهما جهة وحدةٍ للمسائل بها تُعَدُّ علماً واحدا.

البرهانُ الفِعليُّ على وجودِ الموضوع

وقد حَاوَلَ بعضُ المتأخّرين إقامة البرهان العقليّ على وجود الموضوع لكلّ علم.

وحاصله بتوضيح منا: هو أنّ مسائل العلم إنْ كانت يترتَّبُ عليها أكثر من فائدة واحدة، بأنْ كانَ بعضُها يترتَّبُ عليه فائدة، وبعض يترتب عليه فائدة أخرى فلا تكونُ المسائل مسائل علم واحد وإنْ ترتب عليها فائدة واحدة، بأنْ أثرت جميعها أثراً واحداً، فلا يكون تأثيرها إلاّ من قبيلِ العِلم، وقد تقرَّرَ في علمِ الحكمة أنّ الواحد لا يصدر إلاّ من واحد.

وعليه فالأثرُ الواحد لا يصدُرُ من مسائلَ متعدّدة فلا بدّ من اتحادها في جهة واحدة، حتّى يمكنُ صدور ذلك الأثر الواحد منها، والجهَةُ الواحِدَةُ في المسائل إمّا أنْ تكونَ بين موضوعاتِ المسائل أو محمولاتها، فإنْ كانت بين موضوعات المسائل فهو المطلوب، إذ قد ثَبَتَ أنّ بين موضوعات المسائل قَدَرٌ جامع، وليس موضوعُ العلم إلاّ القدر الجامع بين موضوعاتِ المسائل، وإنْ كانت بين محمولات المسائل فهي عَرَضٌ لموضوعاتها، فلا بُدّ له من موضوعٍ واحدٍ؛ لأنّ الواحد لا يحلّ إلاّ في واحدٍ، وذلك الموضوع هو الجامعُ لموضوعاتِ المسائل، وهو موضوعُ العلم.

ولكن يرد عليه:

أولاً: إنّ العلومَ بالنسبة إلى أغراضها ليست من قبيل العلل، بل من قبيل الآلة الموصلة لأثر الفاعل لمنفعله، نعم خُصوصُ العلوم الاعتقادية بالنسبة للغرض منها يمكن أنْ يقال إنّها علّة، فلو تمَّ هذا الدليلُ فإنّما يتمُّ بالنسبة لها فقط.

وثانياً: لو سلّمنا إنّها من قبيل العللُ لكن هذه القاعدة إنّما أثبتها الحكماءُ في العلل الموجبة البسيطة وأثرها البسيط، لا في مثل العلم المركّب من المسائل ومبادئها ويكونُ أثره مركّباً من آثار متعدّدة بتعدُّد المسائلْ، فإنّ مثل (الفاعل مرفوع) يؤثر في صون اللسان عن الخطأ في الفاعل، (والمفعول منصوب) يؤثر في صون اللسان عن الخطأ في المفعول وهكذا باقي المسائل.

إنْ قلت: إنّه لا شكّ يَحْصُلُ في النفس من العلم معنى بسيط إجمالي، ولا أقلّ من الملكة.

قلنا: هذا المعنى إنّما يَحْصَلُ من حصول أغراضِ المسائل في النفس، فهو صادرٌ من أغراضِ المسائل، لا من نفس المسائل، ولا مانع من التزام وجود جامع من الأغراض.

والحاصل: إنّ الفائدة من قبيل الكلّ؛ لأنّ لكلّ مسألةٍ فائدةٌ، ومن المجموع يحصل ذلك الأثر، فالفائدة مجموع آثار تلك المسائل.

وثالثاً: إنّ العلم وإنْ كان علّة موجبة لكمال نفساني، إلا أنّ العلّية إنّما هي لمسائله، فلا بُدّ من رجوع مسائله لمسألةٍ واحدةٍ بسيطة، لا رجوعها لموضوعٍ واحد، إذ ذلك الموضوع ليس بنفسه مؤثّر، ولذا عند العلم به لا يؤثر ذلك الأثر أصلاً، ولا يخفى ما فيه، فإنّه على هذا يكونُ له موضوعٌ واحدٌ وهو موضوعُ تلك المسألة التي رجعت لها مسائل ذلك العلم.

ويمكنُ الاستدلالُ على وجودِ الموضوع أيضاً، بأنّ آليّة مسائلِ العلم للغرض الحاصل منه أو علّيتها له دون باقي مسائل العلوم الأخرى بالنسبة لذلك الغرض تقتضي وجودَ خصوصّيةٍ فيها، دُونَ باقي مسائل العلوم الأخر، وإلاّ لزم تأثيرُ باقي المسائل للعلوم الأخر في ذلك الغرض.

وهذه الخصوصية ليست بقائمة بخصوص الانضمام في المسائل؛ لأنّ الانضمام موجودٌ في سائر العلوم مع أنّه تابعٌ للمسائل، ولا في النّسب بين الموضوعات والمحمولات؛ لأنها موجودة في سائر مسائل العلوم، مع أنّ النسب تابعة للموضوعات والمحمولات.

ولو وُجِدَتْ الخصوصيةُ المذكورة في المحمولات، فلا بُدّ أنْ يكون لها محلّ واحد تعرض عليه، وليس هو إلاّ الجامعُ بين موضوعاتِ المسائل، ولم أرَ أحداً تعرّض للاستدلال على وجودِ الموضوع بهذا النحو فيما بين يديّ من الكتب.

ويمكنُ المناقَشَةُ فيه: بأنّ الخصوصية هي في نفسِ المسائل حينَ اجتماعها نظير اجتماع عِدّةِ أدويةٍ لأثرٍ خاصٍّ وليس يلزم وجودُ قدر جامع بينها.

إنْ قلت: إن الخصوصية لا بُدّ وأنْ تكون في الجميع بنحوٍ واحد فتكونُ قدراً جامعاً بينها.

قلنا: لو كان بنحو المعلول البسيط لتمَّ على رأيِ الفلاسفة من جهة لزوم السنخية بين العلّة والمعلول، لا في مثل ما نحن فيه الذي هو من قبيل الآلة ونحوها.

تعريف موضوع العلم (تفسير العوارض- تقسيمها إلى ذاتية وغريبة- تفسير الواسطة وتقسيمها إلـى ثلاثة أقسام)

عرَّف القوم الموضوعَ للعلم بأنه: ما يُبحث فيه عن عوارضه الذاتية، وهذا التعريفُ قد تَسَالَمَ عليه الفلاسِفَة وأربابُ الحكمة المتعالية، وعلماء المنطق والعلوم النقلية. والمراد بالبحث عن العوارض هو التفتيش عنها بإثباتها للموضوع وحملها عليه.

والعوارضُ جَمْعُ عارضٍ، وهو المحمول الخارج عن حقيقة ما حُمِلَ عليه؛ إذ لو كان داخلاً لكان جزءه، والجزءُ ليس بعارضٍ على الكُلّ، ولو كان خارجاً -ولكنْ لا يُحْمَلُ عليه- لَكَانَ أجنبياً عنه، وليس بعارضٍ عليه، وقد جَعَلَ المتقدمون تقييد العوارض بالذاتية؛ لإخراج العوارض الغريبة؛ لأنّ الأعراض عندهم على قسمين ذاتية وغريبة.

وحصر الكثير منهم الأعراض الذاتية بثلاثة أنواع:

الأول: ما يعرض الشيءَ لذاته، كعروض الزوجية للأربعة، والإمكان والوجوب للماهية، ومنه عروضُ الجنس للفصل أو بالعكس.

الثاني: ما يعرض الشيءَ بواسطة جزئه، وهو إنّما يكون في الحقائق المركبة، دون البسيطة، حيثُ لا جزءَ لها، بخلاف الأول وهو على صنفين:

أحدهما: بواسطة جزئِهِ المساوي، كإدراك الكلّياتِ العارض للإنسان بواسطة كونه ناطقاً المعبّر عنه بالتعقل.

وثانيهما: بواسطة جزئه الأعمّ كالمشي العارض للإنسان بواسطة كونه حيواناً.

الثالث: ما يعرض للشيء بواسطة الأمر الخارج المساوي، سواء كان مساوياً للمعروض، كما لو كانَ المعروض بسيطاً، ومساوياً لجزئه كما لو كانَ مركَّباً أو عارضاً لأمرٍ خارج أيضاً يكون مساوياً للمعروض، كالبِشْر العارض للإنسان بواسطة الفرح العارض لابتهاج النفس العارض للإنسان كما قيل.

وقد جعلوا هذه الأعراض الستة أعراضاً ذاتية؛ لأنّ العروض فيها مستندٌ إلى الذات، أمّا في الأول فظاهر، وأما في الثاني بقسميه فلاستناده إلى الجزء، وهو من مقوِّمات الذات، وأمّا الثالث بأقسامه فلأنّ العارض المساوي مستند إلى المستند إلى الذات والمستند إلى المستند إليها مستند إليها.

وأمّا الأعراض الغريبة فقد حَصَروها في نوعين:

الأوّل: ما يَعْرِضُ الشيءَ بواسطة أمرٍ خارجٍ أعمّ كالتحريك بالإرادة العارضة للناطق بواسطة الحيوان.

الثاني: ما يعرض الشيء بواسطة أمرٍ خارجٍ أخصَّ كإدراكِ الكليات العارض للحيوان بواسطة الناطق، وقد ألحق بهما بعض المتأخّرين (كصاحب القسطاس)([183]).

وهو ما يَعْرِضُ الشيءَ بواسطة الأمر المباين كعروض الحرارة للماء بواسطة النار.

وجَعَلوا هذه الأنواع الثلاثة أعراضاً غريبة لعدم استنادها إلى ذات المعروض.

والحاصل: إنّ العلماء المتقدّمين كصاحب الشَّمْسيّة([184])، وشارحُ التهذيب([185]) ادّعوا أنّ ما كان عوارض الموضوع من قبيل القسم الأول فهو من العوارض الذاتية، يبحث عنه في العلم، وما كان من قبيلِ القِسْمِ الثاني، فهو من العوارض الغريبة لا يُبْحَثُ عنه في العلم.

ولكنّ المتأخرين عَدَلوا عن هذا التفسير للأعراض الذاتية، وفسّروها بتفسيرٍ آخر قد سَبَقَهُم إليه جُمْلَةٌ من الحكماء، وجَعَلُوها عبارة عمَّا يَعْرِضُ الشيءَ بلا واسطةٍ في العروض وجعلوا التقييدَ بالذّاتية لإخراج العوارض التي تَعْرِضُ لموضوع العلم بواسطةٍ في العروض.

الواسطة في الثبوت والاثبات والعروض

وتوضيحُ مرادهم أنّ المراد لهم بالواسطة هي العلّة، وهي عندهم على ثلاثة أقسام:

أحدها: المسمّاة بالواسطة في الثبوت، وهي الواسطة لوجود العارض لمعروضه في عالم الواقع والثبوت، بحيث بواسطتها ينسب العارض لمعروضه على سبيل الحقيقة، كالنّار؛ فإنّها واسطة في عروض الإحراق للخشب، وتعفّن الأخلاط فإنّه واسطة في عروض الحمّى للبدن والعلل للوجود، وسائر العوارض لمعروضاتها من قبيل هذه الواسطة.

ثانيهما: المسمّاة بالواسطة في الإثبات والتصديق وهي الواسِطَةُ لوجود العارض لمعروضه في عالم الذهن والإثبات كالدُّخّان الذي هو علّةٌ للعلم بثبوت الوجود للنار في الذهن. والأدلّة لسائر المطالب كلّها من هذا القبيل وهي التي تكون الحدّ الأوسط في الأشكال الأربعة.

وثالثها: المسمّاة بالواسطة في العروض، وهي الواسطة الموجبة لثبوت العارض للمعروض ثانياً وبالتبّع، بعدما كان العارض ثابتاً لتلك الواسطة
أولا وبالذات.

وبعبارة أخرى: هي العلّة الموجبة لثبوت العارض للمعروض على سبيل المجاز، بحيث يصحُّ سلبه عنه على سبيل الحقيقة، فليس هنا إلاّ عَرَضٌ واحد ينسب للواسطة على سبيل الحقيقة، وللمعروض على سبيل المجاز، كجيش الملك إذا فتح المدينة، فإنّ الفتح ينسب إلى الجيش حقيقةً وإلى الملك مجازاً، وكان الجيشُ هو الواسطة في عروض الفتح للملك.

وسائر الأمور الموجبة للإسناد المجازي تكون من هذا القبيل.

ومن هذا الباب ما يقالُ في لسان الأدباء: إنّ هذا الأمر ثابتٌ لذلكَ الشيء بالعَرَض والمجاز، فإنَّ مرادَهُم إنّه ثابتٌ له بالواسطة في العروض، فيكون عندهم الأعراض الذاتية هي ما تعرض للشيء بدونِ واسطةٍ أصلا أو بواسطة ولكنّها غيرُ الواسطة في العروض.

وجهُ عدول القوم عن التفسير المشهور

وإنّما عدلوا عن التفسير المشهور إلى هذا التفسير لوجوه.

أحدها: إنّه بالتفسير الأول للعوارض الذاتية يلزم أنْ تكون أغلب محمولات مسائل العلوم أعراضاً غريبة لموضوع العلم؛ لأنّها تَعْرِضُ له بواسطة موضوع المسألة الذي هو أخصّ من موضوع العلم، والعارِضُ بواسطة الأخصّ على التفسير الأول، يكونُ من العوارض الغريبة بخلافهِ على التفسير الثاني، فإنّه يكونَ من العوارض الذاتية؛ لأنّ توسُّط الأخصّ لا يمنع من نسبته إلى ذات المعروض على سبيل الحقيقة؛ إذ التقسيمُ المذكور إنمّا هو تقسيمُ لما يعرض للشيء على سبيل الحقيقة، ومنه ما يعرض بواسطة الأخص.

ثانيها: إنّ بَعْضَ محمولاتِ المسائل تَعْرِضُ لموضوعِ العلم بواسطة الأعمّ؛ لأنّ موضوعها أعمُّ من موضوع العلم، كعروض الدّلالة على الوجوب لصيغة (إفعل) وما في معناها على الوجوب في علم الأصول، فإنّ موضوع هذه المسألة وهو صيغة إفعل وما في معناها أعمُّ من الأدلّة التي هي موضوع علم الأصول؛ لأنّ صيغة إفعل تَعْرِضُ للأدلة ولغيرها من كلام الناس، فعلى التفسير الأول يكونُ العارض المذكور عارضاً غريباً لموضوع علم الأصول، حيثُ كان عارضاً له بواسطة الأعمّ، بخلافه على التفسير الثاني، فإنهّ يكونُ من العوارض الذاتية لنسبته إلى موضوعِ العلم على سبيل الحقيقة.

ثالثها: إنّ العلم ينبغي أنْ يبحث عن حالات موضوعه وصفاته الحقيقية سواء كانت عارضة له بدون واسطة أو بواسطة الأخصّ أو الأعمّ أو المباين، دونَ العوارض المجازية له؛ لأنّها ليست من حالاته، وإنّما هي من حالاتِ غيره مما كانت تَعْرضُ له حقيقة.

رابعها: إنّه على التفسير الأوّل يلزمهم أنْ لا يبحثوا في علم النحو والصّرف عن الإعراب والبناء للكلمة؛ لأنّ عروضهما بتوسُّط أمرٍ مباين، وهو تصرّف الواضع أو المتكلّم، وهكذا لا يبحثون في علم الصّرف عن اختصاص كُلِّ صيغةٍ بمادّة؛ لأنّ الواسطة هو تصرُّف الواضع، وهو أمرٌ مباين، وهكذا لا يبحثون في علم اللغة عن اختصاص كلّ لفظٍ بمعنى؛ لأنّ الواسطة هو تصرف الواضع، وهو أمر مباين، وهكذا يلزمهم أنْ لا يبحثوا في علم الأصول عن حجية الكتاب والسنة، وفي علم الفقه عن الأحكام الشرعية الطارئة على أفعال المكلفين؛ لأنّ الواسطة هو جَعْلُ الشّارع، وهو أمرٌ مباين، وهذا بخلافِ ما إذا فَسَّرْنا العوارض الذاتية بالتفسير الثاني لم يرد ذلك كلّه؛ لأنه يصحُّ نسبةُ تلك العوارض إلى موضوعِ علومها على سبيلِ الحقيقة.

وهذه الأوجه وإنْ كُنّا قد ناقشنا فيها، وأجبنا عنها في نَقْدِ الآراء المنطقية([186]) إلا أنّها هي التي دَعَتْ صاحب الكفاية رحمه الله ([187]) والكثير ممّن سبَقَه ولَحِقَهَُ من المتأخرين إلى التفسير الثاني، والعمدة عندهم هو الوجهُ الأول والثالث، والذي يرد عليهم أو يُمكِنْ أنْ يُورَدْ عليهم أمور:

الأول: أنّ تفسيرَ المتأخّرين للعوارض يكونُ أخصُّ من تفسير المتقدمين لها؛ لأنّ مرادَهُم من الواسطة هي الواسطة في العروض، كما حققنا ذلك في كتابنا نقد الآراء المنطقية، فيكونُ على تفسيرهم العوارض الذاتية هي خصوصُ ما يعرض للشيء لذاته فقط؛ لأنّه هو الذي يكون بلا واسطةٍ في العروض، وأمّا العارض للشيء بواسطةِ جُزئه أو المساوي على أنْ يكون الجزء أو المساوي واسطة في العروض فهو من الأعراض الغريبة، بخلافه على تفسير المتقدّمين، فإنّه يكون من الأعراض الذاتية.

والحقُّ مع المتقدمين فإنَّ الواسطةَ في العروض إذا كانت مساويةً للمعروض صادقةً عليه أو كانت جُزْءاً للمعروض كانَ العَرَضُ من أحوالِ المعروض وأطواره وشؤونِهِ فيصحُّ البَحْثُ عنه في العلم الذي يُبْحَثُ عن أحوال ذلك الموضوع، فلا وَجْهَ لتخصيص المتأخّرين البحثَ في العلم بخصوصِ العوارض التي تَعْرِضُ الموضوع بلا واسطةٍ في العروض وأنْ يخرجوا عن البحث العوارض التي كانت الواسطة في العروض خارجاً مساوياً أو جزءاً مساوياً أو جزءاً أعمّ من الأوجه الأربعة التي ذكرناها لعدول المتأخّرين عن تفسير المتقدّمين لا تتمُّ على تفسيرهم.

وجوابه: إنّ الواسطةَ في العُروض لها معنيان:

أحدهما: ما هو المعروف عند الفلاسفة، وهو ما كان اتّصاف الواسطة بالعَرَض منشأ لاتّصافِ المعروض به حقيقةً لا مجازاً كاتّصافِ المفتاح بواسطة حركة اليد له، وعليه ينزل قولهم: إنّ اتّصاف الشيء الفلاني بالمحمول الفلاني أولاً وبالذّات واتّصاف الشيء الآخر به ثانياً وبالعرض.

ويدلُّ على ذلك تقسيمهم للعارض على سبيل الحقيقة إلى الأقسام الستة المتقدمة، والواسطة في الثبوت عندهم هي العلّةُ الفاعلية المستقلّة بالوجود فقط كاتّصافِ الماء بالحرارة بواسطة النار، وكاتّصاف الحيوان بالحركة، وعليه فالحيوان واسطة في العروض لاتّصاف الإنسان بالحركة حقيقةً، فيقال: الإنسان متحرك على سبيل الحقيقة.

وثانيهما: ما هو المعروفُ عندَ علماء الأدب، وهو ما كان اتّصاف الواسطة منشأً لاتّصاف المعروض بالعرض مجازاً، كاتّصاف جيش الأمير بالفتح، فإنّه مُوجبٌ لاتّصاف الأمير بالفتح مجازاً، والواسطةُ في الثّبوت عندهم مطلقُ ما يُوجِبُ الاتّصافَ حقيقةً سواءٌ كان شرطاً أو جزءاً أو معدّاً أو فاعلاً، وبهذا المعنى للواسطة في الثبوت جعل صاحب الحاشية الشيخ محمد تقي([188]) صهر جدّنا كاشف الغطاء رحمه الله  موضوعاتِ مسائل العلوم التي هي أخصُّ أو أعمُّ من موضوع العلم وسائط في الثبوت بين محمولات المسائل وموضوع علومها لا وسائط في العروض حتّى يلزم أنْ تكون عوارض غريبة بالنسبة لموضوع علومها.

وبهذا المعنى للواسطة في العروض قال علماء المعاني والبيان: (إنّ الفتح ينسب للأمير بالعرض والمجاز)، والمتأخّرون أرادوا بالواسطة في العروض هذا المعنى الثاني، بدليلِ أنّهم جَوَّزوا كونَ موضوعِ المسألةِ أخصّ من موضوع العلم وأنّه من قبيل الفرد له، فلو لم يكُنْ العارض بواسطة الأخصّ عَرَضٌ ذاتي عندهم لما جوّزوا ذلك لكونهِ حينئذٍ يكونُ مَحْمولُ المسألة المفروضة عَرَضٌ غريب لموضوع العلم.

وعليه فيكونُ تفسيرهم أعمُّ من تفسير المتقدّمين؛ لأنّه يشمل العرض بأقسامه الستّة لكونِ العَرَض يَعْرِضُ فيها حقيقةً للمعروض فيكونُ بلا واسطة في العروض بالمعنى الثاني.

وعليه فتصحُّ الأوجُهُ السّابقةُ الأربعة لعدولهم عن تفسير المتقدمين للعوارض الذاتية. نَعَمْ صاحِبُ الفُصول رحمه الله ([189]) تَخيَّلَ أنّ مُرادَ المتقدّمين بالواسطة في تقسيمهم العَرَض إلى أقسامه الستّة، هو الواسطة في العروض بالمعنى الثّاني المعروف عند أهل الأدب، فأشكل عليهم بأنّ ما يعرض بواسطة الأمر الخارج حتّى المساوي يكونُ من عوارض ذلك الأمر الخارج، لا من حالاتِ المعروض، وما عُلِمَ أنّ القوم إنّما قَسَّموا خصوصَ العارض حقيقةً للمعروض إلى الأقسام الستّة دون العارض مجازاً لمعروضه وأنّ مرادهم بالواسطة فيها هو الواسطة في العروض بالمعنى الأول.

ويَرِدُ على المتأخّرين ثانياً: أنّه على تفسيرهم العوارض الذاتية بذلك يلزم أنْ يَخْرُجُ أغلبَ مسائل علم الفقه عنه؛ لأنّ الأحكام الشرعية لا تعرض على فعل المكلّف الذي هو موضوعُ علم الفقه من حيث هو فعل، بل إنّما تعرض عليه بما هو صلاةً وشرب خمر ودخول مسجد، فتكونُ موضوعاتُ الأحكام الشرعية واسطةٌ في عروضها على فعل المكلّف، فإنّها هي المتّصفَةُ حقيقة بالحُكْم الشرعي، وبواسطة عروضها على فعلِ المكلَّف اتّصَفَ فعلُ المكلّف بالحكم الشرعي، وليست هي بواسطةٍ في الثّبوت؛ لأنّ الواسطة في ثبوتِ الحكم الشرعي هو جَعْلُ اللهِ، أو دلالة الدليل.

وهكذا الحالُ في عِلْمِ النّحو، فإنّ عروضَ الأحوال الإعرابية من الرفع والنصب ونحوها على الكلمة بواسطة عروض عنوان الفاعلية لها والمفعولية، فهذه العناوين هي التي تتصفُ أوّلاً وبالذّات بالرفع والنصب ثمّ الكلمة ثانياً وبالعرض، وليستْ هيَ بواسطة في الثبوت؛ لأنّ الواسطة في ثبوتها هو المتكلّم أو جَعْلُ الواضع، ولو كانَ الأمرُ كما زَعَمَهُ المتأخّرون من أنّ موضوع العلم ما يَبْحَثُ عن عوارضِهِ التي تَعْرِض له بلا واسطة في العروض؛ للزم خُروجُ هذه الأبحاث عن هذه العلوم، بل خروجُ أغلبِ مسائل العلوم عنها، أو عدم كونِ تلك الموضوعاتِ موضوعاتٌ للعلوم لكونِ البحث فيها كانَ عن عوارِضَ تعرض لها بواسطةٍ في العُروض وهيَ موضوعاتُ مسائلها.

وجوابه ما عرفته: من أنّ المراد نفيُ الواسطة في العُروض بالمعنى الثاني لا بالمعنى الأول، وموضوعات المسائل وسائط في عروض محمولاتها لموضوع العلم بالمعنى الأوّل بدليلِ صِحَّةِ نسبةِ تلك المحمولات لموضوع علومها على سبيل الحقيقة، فتكونُ من العوارض الذاتية لموضوع العلم عندهم، نَعَمْ عند المتقدّمين تكونُ عوارض غريبة؛ لأنّ موضوعاتِ المسائل كانت أخَصُّ من موضوع العلم فيها، فتكونُ محمولاتها عارِضَة لموضوع العلم بواسِطَةِ الأخصّ كما تقدَّم.

ويَرِدُ على المتأخّرين ثالثاً بأنّه على تفسيرهم للعوارض الذاتية بذلك يلزم دخولُ العلم الأعلى الذي موضوعه الأعمّ الأدنى الذي موضوعه أخصّ؛ لأنَّ عوارض الأعمّ عوارض للأخص حقيقةً لاتحادِهِ به خارجاً فتكونُ عوارض ذاتية للأخص أيضاً فينبغي أن يبحث عنها في العلم الأدنى.

وجوابه مضافاً إلى أنّ هذا الإيراد يَرِدُ أيضاً على المشهور الذي جعلوا العارِضَ بواسطة الجزء الأعمّ من الأعراض الذاتية، فإنّه لو كان موضوع العلم الأعلى جزءاً أعمّ لموضوع العلم الأدنى فتكونُ محمولاتُ مسائل العِلْمِ الأعلى أعراضٌ ذاتيّة لموضوعِ العِلْمِ الأدنى.

إنَّ التعريف لموضوعِ العلم إنّما يقتضي أنْ يكونَ البَحْثُ عن عوارض الموضوع التي تعرض له حقيقة، ولا يقتضي أنْ يبحث العلم عن جميع العوارض الذاتية لموضوع العلم، ولو سَلَّمْنا ذلكَ بناءً على أنّ إضافة الجمع وهو (العوارض)  للضمير تفيدُ الاستغراق فإنّما يَحْسُنُ التّدوينُ للبحث عن عوارض الموضوع التي لم يُبْحَثْ عنها في علمٍ آخر، وأمّا التي يُبْحَثُ عنها في علم آخر وهي عوارضُ موضوعِ العلم الأعلى فيُستَهْجَنُ مَرَّةً أخرى أنْ تدوّن في ضمن علمٍ آخر وقد صَرَّحَ الحكماء بأنّ تدوين العلوم بهذا النّحو بأنْ يبحث في كلِّ علمٍ عن العوارض الذاتية لموضوع خاصّ إنّما هو أمرٌ استحساني؛ إذ لا مانع عقلاً من عدّ كُلِّ مسألة عِلماً برأسِهِ وتفرّد بالتعليم ولا من عدّ مسائل متعدّدة كثيرة غير متشاركة في موضوعٍ واحدٍ علماً واحداً وتفرّد بالتّدوين كما صَرَّحَ بذلك شارِحُ المواقف.

وعليه فلو استهْجَنَ التدوين لا يصحُّ وقوعه.

وبعبارةٍ أُخرى أنّ التعريف إنمّا يُستفاد منه أنّ العارض إذا كان ذاتياً للموضوع يَقْتَضي تدوينه في العلم، وهذا لا يُنافي وجود المانع من تدوينه كما إذا كان بدهياً ثبوته، وما نحنُ فيهِ وُجد المانع من التدوين في العلم الأدنى وهو الاستهجان بالتّكرار للتدوين بلا فائدة ولا جدوى.

ولعلّك تستفيدُ جواباً آخر عن هذا الإيراد ممّا يأتي من جوابِ الإيراد الرابع على المتأخرين.

ويَرِدُ على المتأخرين رابعاً: إنّه لو كان المرادُ بالعوارض الذاتية ما ذكروه لَزَمَ أنْ يكون موضوعَ العلم جميعَ الكلّيات التي هي أعمُّ منه؛ لأنّه يَصْدُقُ عليها هذا التعريف لموضوع العلم، حيث أنّ عوارض الأخصّ تنسب للأعمّ على سبيل الحقيقة، فيصدق أنّ هذا العلم يبحث عن العوارض الذاتية لهذا الأعمّ من موضوعِهِ فمَثَلاً إذا كانَتْ الكَلِمَةُ موضوعاً لعلم النحو، كان اللَّفظُ العَرَبيُّ أيضاً موضوعاً له؛ لأنّه يُبْحَثُ في العلم عن عوارضه الذاتية، بل ومطلق اللفظ أيضاً موضوعاً له؛ بل مطلق الصّوت، بل مطلق الكيف؛ لأنّ عوارض الكلمة على تفسيرهم عوارض ذاتية لتلك المفاهيم؛ لأنّها تنسب إليها على سبيل الحقيقة بخلافِهِ على تفسير المتقدّمين، فإنّها عليها تصيرُ أعْراضاً غريبة؛ لأنّها تَعْرِضُ لها بواسِطَةِ الأخصّ.

ويمكنُ الجوابُ عنه بأنّه لم يَكُنْ البَحْثُ عنها، وإنّما كانَ البَحْثُ
 عن الأخصّ منها، فإنّ البَحْثَ عن الشيء كما عَرَفْتَ إثباتُ المحمولاتِ له، والعلم الباحث عن الأخصّ إنّما كان المقصود إثبات المحمولات له لا للأعمّ منه، وإنْ استلزم ثبوتها للأعمّ منه، ففي عِلْمِ النحو، إنّما يقال البَحْثُ عن الكَلِمَةِ
لا عن اللفظ العربي؛ لأنّها هي المقصودُ بإثباتِ العوارضِ لها فالميزانُ ما قُصِدَ البَحْثُ عن عوارضه الذاتية.

ويَرِدُ على المتأخّرين خامساً بأنّه لا وَجْهَ لإخراجِ الأعراض الغريبة، أعني: التي تَعْرِضُ بواسطة العروض عن العلم؛ إذ قد لا تكونُ لتلك الأعراض أهمّية تَصْلُحُ بها لتدوينها في فنٍّ مستقل فحينئذٍٍ تُذْكَرُ في هذا الفنّ، وربّما يستفادُ هذا الإيراد من إيراد بَعْضِ المعلِّقين على الفصول.

وجوابه: إنّ عَدَمَ صلاحية الأعراض الغريبة لتدوينها في علم مستقلٍّ وعدم أهميّتها لا يكونُ موجباً لتدوينها في علمٍ تكونُ أعراضاً غريبةً لموضوعه حسب الغرض.

والحاصِلُ: إنّ عليه أنْ يُثْبِتَ المقتضي لتدوينها في ذلك العلم، ومُجرَّدُ عدم صلاحيّتها للتدوين في علمٍ مستقلٍّ ليس بمقتضٍ لذلك؛ إذ كثيرٌ من العوارض الأجنبية لا تَصْلُحُ للتدوين، فلو كان مجرّد عدم الصّلاحية مقتض لذلك لكان المقتضي لتدوينها موجوداً.

ويَرِدُ على المتأخرين سادساً: أنّ كلامهم إنّما يتّم لو فُرضَ انحصارُ الأعراض المبحوث عنها في العلوم بالأعراض الذاتية التي تعرض بلا واسطة في العروض، إلاّ أنّ دعوى الانحصار لا بيّنة، ولا عليها بيّنة، بل ظاهرُ كلامِ غيرِ واحدٍ المفروغية عن أنّه قد يكونُ موضوع بعض المسائل الفنون من عوارض نفس موضوع العلم، فيكونُ محمولُها من قبيلِ عَرَضِ الموضوع بواسطةٍ في العروض، بلْ قَدْ يكون موضوعُ بعض المسائل من قبيل الجزء لموضوع العلم، كمسائل علمِ الجغرافية والهيئة ونحوهما ممّا يكونُ فيهِ موضوعُ المسألة
جزءاً لموضوع العلم، فإنّ محمولات مسائلها لا تكونُ من عوارضِ موضوعِ العلم إلاّ بنحوِ المجاز.

وجوابُه إنّ العلوم التي يكونُ لها الموضوع هي العلوم التي يتطلّب فيها معرفةُ حالاتِ الموضوع، والعَرَض الغريب، العارض بواسطةٍ في العروض ليس من حالاتِ الموضوع، وإنّما يُنسب إليه مَجَازاً، وأمّا المحمولاتُ العارضة لعوارض موضوع العلم، فهي عارضةٌ لموضوع العلم بواسطةٍ في العُروضِ بالمعنى الفلسفي، لا بالمعنى البياني والعَرَض الغريب، هو العارض بواسطةٍ في العروض بالمعنى البياني لا بالمعنى الفلسفي كما تقدم.

على أنّه يمكن أنْ يقال: إنّه واسطة في الثبوت لا في العروض كما قيل في
علم الحساب والهندسة ان موضوعات المسائل علة لعروض محمولاتها لموضوعهما.

وأمّا كونُ موضوعِ المسألة قد يكونُ جزءاً لموضوعِ العلم، فالحقُّ أنّ الموضوع في تلك المسائل يَرْجعُ إلى موضوع يَصْدُقُ عليه موضوعُ العلم، وإلاّ لم تكن المسألة من مسائل ذلك العلم؛ إذ لا بُدَّ أنْ يكون المحمولُ فيها من عوارض موضوع العلم وباحثاً عنه، فما لم يَتحد موضوعها مع موضوع العلم لم تَكُنْ المسألة باحثةً عن موضوعِ العلم، ولا محمولها من عوارضِهِ إلاّ أنْ تكونَ من مسائل العلم الّتي ذُكِرَتْ فيه استطراداً أو من المبادئ لمسائله.

ويَرِدُ على المتأخرين سابعاً: أنْ لا وَجْهَ لجعل موضوعِ العلمِ ما يُبْحَثُ في العلم عن أعراضه الذاتية بأيّ معنى فُسِّرَتْ الأعراضُ الذاتية؛ إذ الميزان عندهم في البحث عن المسألة في العلم هو دخلها في الغرض الذي دوّن لأجل هذا العلم. ومن الممكن أنْ تكون بعض المحمولات أعراضاً غريبة لموضوع العلم ولكنّها لها دَخْلٌ في الغرض الذي لأجله دُوِّنَ هذا العلم فكان عليهم أنْ يجعلوا موضوعَ العلم هو القَدَرُ الجامع بينَ موضوعاتِ مسائله التي لها دَخْلٌ في غَرَضِهِ.

وقد أورد هذا الإيراد على صاحب الكفاية رحمه الله  الشيخُ مُحمَّدْ حُسين الأصفهاني رحمه الله  في تعليقته على هذا الكتاب، والشيخ الايرواني رحمه الله  في تعليقته على هذا الكتاب، وبَعْضُ مقرّري بحث النائيني رحمه الله ، وقد سبقهم ميرزا أبو الفتح في حاشيته على شرح ملا جلال([190]) على متن التّهذيب في المنطق، وقد تَعرَّضنا له في نقدِ الآراء المنطقيّة ([191]).

وجوابُهُ أنّ الموضوع إنّما نقول به في العلم الذي دُوِّن لمعرفةِ حالاتِ شيءٍ خاصَّة كما تقدَّم في مَبْحَثِ الدليل على وجودِ الموضوع، وعليه فلابُدَّ أنْ يذكر في مسائله ما هو من حالته، والعارِضُ له مجازاً ليست من حالته، نَعَمْ لو قلنا: بأنّ لكلِّ علمٍ مَوْضُوعاً توجَّهَ الإيراد.

وأمّا إذا قلنا: إنّ العَمَلَ الذي دُوِّنَ لغايةٍ خاصّةٍ لا حاجةَ لالتزام الموضوع
 له ولا لالتزامِ عُروضِ المحمولات لموضوعهِ بلا واسطةٍ في العروض، بل
 ولا لالتزام كونها عوارض ذاتية لموضوعاتِ المسائل، فلا يتوجَّهُ الإيراد،
فلو فُرِضَ أنَّ الغَرَضَ يترتَّبُ على مسألةٍ يكونُ محمولُها بالنسبة لموضوعِ
العلم عَرَضٌ غريبٌ صَحَّ جعلُها من ذلك العلم، وبهذا ظَهَرَ لكَ ما في تعليقة المرحوم الأصفهاني وغيره.

ويرد ثامناً: إنَّ العلم إنْ كان عبارَةً عن الملَكَة فموضُوعُه هو النَّفْسُ الإنسانية وإنْ كان عبارةً عن المسائل فمَوضُوعُه نَفْسُ مَوضُوعِ المسائل؛ إذ لو كانَ يُغايرها حتّى بالإطلاق والتقييد لَزَمَ أنْ يكون العِلْمُ غيرُ المسائل لاختلاف موضوعه مع موضوعها، فإنَّ الموضوع هو المقوِّم وقد اختلفا فيه.

وجوابُهُ: إنّه لا يُرادُ به الملكة؛ لأنّ الكلام في تميّز العلم المدوَّن عن باقي العلوم؛ لأنّ الكَلاَمَ في تعلُّمِهِ والشّروع فيه، وعليه فالمرادُ بالعِلْمِ هو المسائل، مُضَافاً إلى أنّ إضافةَ الموضوعِ إلى العِلْمِ لو كانَتْ من إضَافَةِ الجُزْءِ للكُلِّ لَزَم ذلك، ولكنَّها إضافةٌ بمعنى اللاّم، وهي تصحُّ لأدنى ملابسةٍ فباعتبار أنّ هذا الكُلِّي يُبْحَثُ في العِلْمِ عن عوارِضِهِ نُسِبَ للعلم، ويُنْسَبُ للمَلَكَةِ الحاصِلَةِ منها.

المميّز لموضوع العلم الذي ذكره صاحبُ الكفاية 

هذا وقَدْ جعَلَ صاحِبُ الكفاية لموضوع([192]) العلم مميّزاً ويَصْلُحُ أنْ يكون تعريفاً آخر، وهو إنّ موضوع العلم نفسُ موضوعاتِ مسائل العلم عيناً، ويتّحِدُ معها خارجاً، وإنْ كان يغايرها تغايُر الكلّي ومصاديقه، والطبيعيّ وأفراده، وذلك كالكلمة فإنّها في الواقع عَيْنُ الفاعل والمفعول والمجرور ونحو ذلك.

وأراد رحمه الله  (بالعين) هو الواقع، ويقابلها الذهن، وقد تَعارَفَ عند الحكماءِ إطلاقُ العين على ذلك خصوصاً في لسان متأخّريهم فيكونُ مُحَصَّلُ هذه الخاصة أنّ موضوع العلم يكونُ عينُ موضوعاتِ مسائله في عالم الواقع والتحقّق، سواء تَخَالَفَ معها في عالم الذهن والتصوُّر كما لو كانَ موضوعُ المسألة أخصُّ منه أو اتّحَدَ معها في عالَمِ الذّهن والتصوّر، كما لو كانَ موضوعُ المسألة عَيْنُ موضوعِ العلم، كمسألة: الكلمة تحذف في الدرج همزة الوصل منها، ومسألة: الكلمة إذا كانت حرفاً تبنى، فإنّ موضوع هاتين المسألتين هو الكلمة وهو عين موضوع علمهما وهو النحو، وكعلم العرفان فإنّ موضوعه الذات المقدّسة، وموضوع مسائله أيضاً الذات المقدّسة، والدليلُ على ثبوتِ هذه الخاصية لموضوع العلم أنّه لو لم يكن عينُها في الواقع، وكانت مغايرة له، لكانت العَوارِض الثابتة لها أجنبية عن موضوع العلم؛ إذ لا تكونُ حينئذٍ عارضة عليه بل عارضة على غيره.

ما يُورَدُ على صاحب الكفاية 

ويَرِدُ عليهِ أوّلاً: أنّ بعضَ العلومِ موضوعها متعدِّدٌ كالمنطق، فإنّ موضوعه المعلوم التصوّري، والمعلومُ التصديقي، وهما مُتعدّدان، فكيفَ يكونان عين موضوعاتِ مسائل علمِ المنطق؛ لأنّ كُلاًّ منهما ليس بعينٍ لجميع موضوعاتِ المسائل، بل لبعضها.

وجوابه: كما قرّرناه في نقد الآراء المنطقية: إنّ كُلَّ علمٍ تخيّل فيه ذلك فهو يرجعُ لموضوعٍ واحدٍ، كما فيما نحنُ فيه، فإنّه يَرْجِعُ لموضوعٍ واحدٍ، وهو المعلومُ وإلاّ كان علمين.

ويرد عليه ثانياً: أنّ مَحَطَّ الكلام في موضوع العلم، العلم الذي هو بمعنى المسائل؛ لأنّه هو الصناعة التي تتعلّم وتشتَملُ عليها المؤلفات.

وعليه: فيكون موضوعُ العلم نفسُ موضوعِ المسائل من دون أنْ يُغايرها حتّى مفهوماً، وإلاّ لكان العلم غير المسائل؛ إذ باختلاف الموضوع ولو بجهةٍ يلزمه التغاير بينهما، وإلاّ لما اختلف الموضوع؛ لأنّ الشيء الواحد موضوعه شيءٌ واحدٌ فكيف يدّعي صاحبُ الكفاية رحمه الله  أنّه يُغايرها تغايُرَ الكُلّي وأفراده.

وجوابُهُ: إنّ العِلْمَ عبارَةٌ عن مجموع المسائل، والموضوع لمجموعها هو الكُلّي؛ لأنّ المسائل إنّما ذُكِرَتْ للبَحْث في العلم عن عوارضِهِ الذاتية، فكان الموضوع لدى الحقيقة لمجموع محمولاتها هو الكلّي الذي يُقْصَدُ معرفة أحواله في العلم، وموضوعاتُ المسائل إنّما ذُكِرَتْ باعتبار أنّها محقَّقات لذلكِ الكُلّي ومشخّصاته إلاّ أنّها هي المقصودُ إثباتُ المحمول لها بالذات.

ويرد عليه ثالثاً: أنّ من مسائل العلم ما يكون موضوعها عينُ موضوع
العلم مفهوماً، فإنّ من مسائل العلم الطبيعي (كلُّ جسمٍ فله حَيِّز)، وموضوع العلم الطبيعي هو الجسم، ومن مسائل علم النّحو الذي موضوعه الكلمة (الكلمة إذا كانت حرفاً تُبنى)، وموضوع علم العرفان هو الذات المقدسة مع أنّ موضوع مسائله كذلك، فكيف يدّعي أنّه يصدق عليها صِدْقَ الكلّي على أفراده.

وجوابه: إنّ قَوْلَ صاحِب الكفاية رحمه الله  وإنْ كان يَصْدُقُ (إنْ) فيه وصليّة للتّعميم، فيكونُ المرادُ أنّه سواء صَدَقَ أم لم يَصْدُقْ بأنْ كانَ عينه مفهوماً كما ذكرناه.

ويَرِدُ عليه رابعاً: أنّه قد يكونُ موضوع المسألة جُزْءاً من موضوع العلم، وقد يكونُ عَرَضاً لموضوعِ العلم كمسألة (كلّ حَرَكةٍ تَنْطَبِقُ على الزّمان أو كُلّ حركة بطيئةٍ يتخلَّلُ السُّكونُ بينهما) في العلم الطبيعي.

والحَرَكَةُ تَعْرِضُ على الجسم الذي هو موضوع هذا العلم، وكمسألة (الأمر العبادي لا يسقط إلاّ بقَصْدِ القُرْبَةِ) في علم الفقه، فإنّ الأمرَ من عوارضِ فِعْلِ المكلّف، وكمسألة (حَقُّ الزّوجِ النّصف)، فإنّ الحقيّة من عوارضِ فِعْلِ المكلَّف وهو العَطَاء، ومن المعلومِ صِدْقُ الموضوع في العلوم المذكورة على هذه الموضوعات لمسائلها، فإنّ الجسم لا يَصْدُقُ على الحركة، ولا فِعْلَ المكلّف يَصْدُقُ على الحقّ والأمر؛ لأنّ الأمرَ صَادِرٌ من الله تعالى، وقد أورد هذا الإيراد أستاذنا الشيرازي رحمه الله ، والمرحوم القوجاني([193]) وبعض المعلِّقين على الكفاية.

وجوابه: إنّ الموضوع في مثل تلك المسائل يرجعُ إلى موضوعٍ يَصْدُقُ عليه موضوع العلم، وإلاّ لما كانت المسألة من مسائل ذلك العلم؛ إذْ لا بُدّ أنْ يكون المحمولُ فيها من عوارض موضوع العلم، وباحثاً عنه، فما لم يَتَّحِدْ موضوعها مع موضوع العلم، لم تَكُنْ المسألةُ باحثةً عن موضع العلم، ولا محمُولُها من عوارضه، فالحركة باعتبار الجسم المتحرك أُخِذَتْ موضوعاً في مسائل علم الطبيعية، وإلاّ فلا معنى للبَحْثِ عنها فيه؛ لأنّ المطلوب هو البحث عن حالاتِ الجسم الطبيعي لا عن حالةِ الحركة، فالموضوعُ في المسألة الأولى هو المتحرِّكُ بالحركة والمتحرِّك بالحركة البطيئة، والموضوع في المسألة الثانية هو امتثالُ الأمر العبادي، وفي الثالثة العطاء الذي يستحقُّهُ الزوج.

ويردُ عليه خامساً: أنّه لا دليلَ على لزومِ عينيّة موضوع العلم لموضوعات مسائله؛ إذ من الجائز أنْ يكونَ الغَرَضُ مرتّباً على مسألةٍ لَمْ يَكُنْ موضوع العلم مُتّحِداً مع موضوعها.

وجوابُهُ: ما عرفته سابقاً إنّ هذا إنّما يتمّ في العلوم المخترعة لغايةٍ خاصّةٍ، أما العلوم التي دُوّنت لمعرفةِ حالاتِ شيءٍ مُعيَّن لا بُدّ فيها من ذلك، وإلاّ لما كانت باحثة عن أحوال ذلك الشيء.

ويرد عليه سادساً: أنّ موضوع العلم إذا كان من قبيل الكلّي بالنسبة
إلى موضوعات المسائل لزم أنْ يكونَ محمولاتُ المسائل من قبيل العارض بواسطة الأخصّ، وهو عَرَضٌ غَريبٌ فيلزَمُ أنْ يكونَ البَحْثُ في العلوم عن العوارض الغريبة.

وجوابه: أنّ الميزان عنده رحمه الله  كما عرفت في كون العارض غريباً كون نسبته لمعروضه بالعرض والمجاز، ومع فرض اتحّاد الموضوع مع موضوعات المسائل خارجاً تكون محمولاتها منسوباتٍ لموضوعِ العلم على سبيل الحقيقة لا على سبيل المجاز، فتكونُ أعراضاً ذاتية.

نعم هذا الإشكال يتحكّم على المشهور في عَدِّهم العارضَ بواسطةِ الأخصّ عَرَضٌ غريبٌ، وقد كان لهم عدّة أجوبة للتخلّص منه، ومن أراد الاطّلاع عليها، فليراجع كتابنا نقد الآراء المنطقية([194]).

ويرد عليه سابعاً: ما ذكره المرحوم السيد البروجردي آغا حسين القمي([195]) من أنّ موضوع العلم هو الجامعُ بين محمولاتِ المسائل، وأنّ معنى البحث عن عوارضِهِ في العلم هو البحثُ عن تعيُّناتِهِ وتشخّصاتِهِ، فموضوعُ علم النّحو هو المعرب، ويَطْلُبُ في النّحو تعيُّناتِهِ من الفاعل والمفعول والمضاف إليه، وموضوع علم الأصول الحجّة التي هي القدر الجامع بين محمولاتِ مسائله، ويطلب في علم الأصول تعيّناته من السنة والكتاب والعقل، وإنّ مراد القوم ذلك، وقد بَنَى هذا الرأي منه على مقدّمات خمسة تتلخص.

الأولى منها: إنّ مجموع مسائل العلم تشترك في جهة لا توجد في مجموع مسائل العلم الآخر، تمتاز بها عنها، كما أنّ كلَّ مسألة تمتاز بجهة عن المسألة الأخرى، وإنّ هاتين الجهتين ليستا بخارجتين عن ذواتِ المسائل فلا بدّ أنْ يكونا في الموضوع أو المحمول؛ إذ النسبة معنىً حرفي يوجد في جميع القضايا.

والمقدّمة الثانية: إنّ الجهة الأولى لابُدّ أنْ توجد في محمولات المسائل؛ لأنّ محمولات المسائل في العلوم المدوّنة.

إمّا أنْ يكون مفهوماً واحداً كالعلم الإلهيّ بالمعنى الأعمّ، حيثُ أنّ المحمول في مسائله (مَوجودٌ) فيقال: اللهُ مَوْجود والعقل موجود والجسم موجود.

أو مختلفاً يكون بينها جهة جامعة كمحمولاتِ مسائل علم النحو، فإنّ بينها جهة جامعة؛ لأنّها تعيينات للإعراب، فيكون عنوان المعرب هو القادر الجامع بينها، بخلافِ موضوعات المسائل فهي دائماً مختلفة، فلا جهة جامعة بينها، وبهذا ظهر أنّ الجهة الجامعة المميزة بينَ مسائل العلم عن مسائل العلم الآخر هي الجهة الجامعة بين المحمولات؛ إذ لا جهة جامعة في ذات المسائل غيرها.

وحاصلُ باقي المقدّمات الثلاثة: إنّ مرادَ القومِ بموضوعِ العلم هو ذلك، أعني الجهة الجامعة بين محمولاتِ المسائل؛ لأنّ النظام الطبيعيّ للمسألة يقتضي جَعْلَ المعلوم من الأمرين موضوعاً والمحمول هو المجهول الذي أريد في القضية إثباته، وجامعُ المحمولاتِ في كلِّ علمٍ هو الذي ينسبق أوّلاً إلى الذّهن، ويطلب في العلم تعيُّناتِهِ وتعييناته بموضوعاتِ المسائل، وهيَ العوارضُ الذّاتية له؛ لأنّ العرض الذاتي عند المنطق، هو عبارة عن الخارج عن ذاتِ الشيء ويَصْلُحُ للحمل عليه، وموضوعاتُ المسائل خارجة عن جامع محمولاتها، وهي صالحةٌ لأنْ تُحْمَلُ عليه، فيقال في علم النحو: المعرب الفاعِلُ والمفعول، فظَهَرَ من هذا كُلِّهِ أنّ موضوع العلم هو جامع المحمولاتِ ويَبْحَثُ في العلم عن عوارِضِهِ الذّاتية وهي موضوعاتُ المسائل؛ لأنّ المطلوب في العلم إثباتُ تعيّناتِهِ وخصوصيّاته بموضوعاتِ مسائله.

وجوابه: إنّا لا نُسلِّمُ صِحَّةَ المقدّمة الأولى: فإنّه يجوزُ أنْ تكونَ الجهة المميزة لمجموع المسائل أمراً لازماً لخصوص هذا المجموع نظيرُ المركَّبات الكيمياوية، ويكونُ مجموعُ تلك المسائل المختلفة بالذات نظيرُ مجموعِ الأجزاء الكيمياوية المجتمعة في امتياز المجموع عن المجموع باللوازم والآثار، وهكذا لا نُسلِّمُ المقدّمة الثانية، فإنّ للخَصْمِ أنْ يلتزم بأنَّ بينَ موضوعاتِ المسائل قَدْراً جامعاً نظير ما زَعَمَهُ في المحمولاتِ المختلفة للمسائل من أنّ بينها قَدْراً جامعاً.

والحاصلُ: إنّ الاختلافَ الذي جَعَلَهُ دائماً في الموضوعاتِ دون
 المحمولات إنْ أرادَ بهِ الاختلاف في التعيُّناتِ والتشخُّصاتِ دونَ الذاتِ
 فهو موجود في المحمولات، كما في بعض محمولاتِ علم النحو وغيره، فإنّ الرفع غير النصب والجر، فإنّها مختلفة بالتعُّينات والتشخُّصات دون الذات؛ إذ
الجميعُ من الإعراب وإنْ أرادَ به الاختلافُ بالذّات بحيثُ لا يُوجَدُ قدر
جامعٌ بينها يختصّ بها، فهو مضافاً إلى وجود هذا الاختلاف في بعض المحمولات فإنّ علم النحو لا جامع بين بعض محمولاتِ مسائله؛ إذ لا جَامِعَ بينَ الإعرابِ والبناء.

إنَّ الخَصْمَ القائل بتمايُز الموضوعات يلتَزِمُ بأنّ موضوعاتِ المسائل بينها قَدَرٌ جامع، ولا يُوجَدُ فيها الاختلافُ المذكور، وأمّا باقي المقدّمات فلا نُسلِّمُ صِحَّتَها، فإنّه لو فرضنا أنّه يكون جامعاً للمحمولات، فلا نُسلِّم أنّه هو الذي يَنْسَبقُ للذهن أوّلاً، فإنّ العلوم التي دُوِّنت للبَحْثِ عن موضوعاتٍ خاصَّةٍ يكونُ الموضوع هو المعلوم فيها، وقد تقدَّمَ أنّ مُدوِّني العلومِ قَدْ دَوَّنوها لموضوعاتٍ خاصّةٍ للبحث عن عوارضها، فهو أشْبَهُ ما يكونُ بالترجَمَة للشّخْص في كتب التراجم، فإنّ الشخص هو الموضوع لها، ويُبْحَثُ عن أحوالِهِ التي تُنْسَبْ إليه حقيقة.

ثم إن ما ذكره يُنافي جَعْلَ الموضوعاتِ للمسائل؛ لأنّه يَقْتَضي كونَ موضوعها أسبقُ للذهن من محمولها لما تقرَّرَ في محلّه من أنّ القضايا يكونُ موضوعها أعرف لئلا يلزم الحُكْمُ على المجهول، وأفرادُ العامّ إذا سَبَقَتْ للذّهن، وطلب لها المحمول لا شَكَّ أنّ جامعها يكون أعرَفُ من جامعِ المحمول.

على أنّ موضوعاتِ المسائل كيفَ يعبر عنها القوم بالعوارض لجامع المحمولات، والعارضُ عندهم هو الخارج المحمول لا الذي يَصْلُحُ للحمل، ولذا لم يسمّ أحدهم محمولُ المسألة موضوعاً، ويَجْعَلُ موضوعها عارضاً على محمولها وقد قَسموا في بابِ الكلّيات العرض إلى عامّ وخاص وأخذوا في مفهومِ كُلِّ منهما الحمل.

ثمّ إنّ موضوعات المسائل على مسلكه رحمه الله  إذا كانت عارضةً لجامع المحمولات كانت أخصّ منه، فتكونُ من الأعراض الغريبة إلاّ على ما تقدَّم
من التوجيه مضافاً إلى أنّ ما ذكره مُخالِفٌ لما بنى عليه أرباب العلوم من التفسير.

ويَرِدُ على صاحب الكفاية ثامناً: أنّ موضوع العلم قد يكونُ أمراً ذهنياً وموضوع مسائله كذلك، كموضوع علم المنطق مع موضوعات مسائله، فإنّها لا تُوجدُ إلاّ في الذهن، فكيف يخصُّ الاتحاد بين موضوع العلم وبين موضوعاتِ المسائل بالخارج.

وجوابه: أنّه أرادَ بالخارج الواقع ونفس الأمر، لا الخارج المقابل للذهن، وكثيراً ما يطلق الخارج لهذا المعنى في ألسنة الحكماء، وإنْ شئتَ قلتَ: خارجُ كلِّ شيء بحسبه، ويقابله الذهنُ وهو وجودُهُ التصوري.

ويرد عليه تاسعاً: إنّ موضوعَ العلم لا يَلْزَمُ فيه: أنْ يكون نوعاً لموضوعات المسائل، بل من الجائز أنْ يكونَ عَرَضَاً عليها، كالدليليةِ العارضة على الكتاب والسنّة، فجَعْلُ صاحب الكفاية رحمه الله ([196]) التغايُرَ بينَهُما من قبيل الطبيعيّ وأفراده يقتضي أنّ موضوعَ العلمِ دائماً يكونُ من قبيل النوع لموضوعات المسائل، وهذا لا يلتزم به أحد.

وجوابُهُ: أنّ مرادَهُ بأفراده الطبيعيّ هو مصاديقُهُ لا خُصوصُ أشخاصه، والطبيعيّ يَصْدُقُ على غير أشخاصه، كالأسود يصدق على الأبيض المتصف بالسواد، على أنّك قد عرفت أنّ (إنْ) وصلية تعميمية.

خواص موضوع العلم وما به تداخل العلوم وتباينها

ثمّ إنّه ذَكَرَ القوم إنّ موضوع أحد العلمين إنْ كان مبايناً للآخر من كلِّ وجهٍ وإنْ كان بينهما قَدَرٌ جامعٌ فالعلمان متباينان على الإطلاق وإنْ كان أعمّ منه فالعلمان متداخلان وإنْ كانَ موضوعهما شيئاً واحداً بالذات متغايراً بالاعتبار فهما متداخلان أيضاً.

وقد أطبقوا على امتناع أنْ يكون شيءٌ واحدٌ موضوعاً لعلمين من
غير اعتبار تغاير بينهما بالجهة والحيثية، كما أطبقوا على امتناع أنْ يكون موضوع علم واحد شيئين من غير اعتبار اتحادهما في جنس يكون هو جهة البحث كالمعلوم التصوّري والمعلوم التصديقي، فإنّهما إنّما صارا موضوع علم
المنطق باعتبار اتحادهما في المعلوم، وكان البحث في العلم من جهة كونهما من المعلوم أو من جهة اتحادهما في أمرٍ عرضيٍّ، كبدنِ الإنسان وأجزائه
وأحواله، والأدوية والأغذية ونحوها لعلم الطبّ، فإنها تشارك في كونها منسوبة للصحة التي هي الغاية لذلك العلم، وكان البَحْثُ في ذلك من جهةِ الصِّحّةِ العارضة للبدن.

والضّابط في ذلك أنْ يكون البحث عن الأشياء المتعدّدة من جهة
اشتراكها في أمرٍ واحدٍ ذاتيّ أو عرضي، فإنّ العلم يكون واحداً، وأمّا إنْ كان البحث لا من جهة اشتراكها بل يكون البحث عن كلِّ جهةٍ تخصُّهُ فالعلم
 المتكثر وإنْ كان بينهما جهة مشتركة، كالعدد والمقدار المشتركين في الكمّ مع
أنّ أحدهما موضوع لعلم الحساب والآخر للهندسة، وأمّا إنْ كان البحثُ
عن شيء واحدٍ بالذات فإنْ كانَ عن جهتين فالعلم متكثّر، كاللفظ العربي
بالنسبة للعلوم العربية وإلا فعلمُ واحد.

موضوع علم الفقه

المعروف إنّ موضوع علم الفقه هو فعلُ المكلف من حيث الاقتضاء والتخيير، ومَنْ عَبّر عنه بأفعال المكلفين فهو يريد ذلك؛ لأنّ موضوع العلم عندهم لا يتعدد، وإذا تعدد تعدّدتْ العلوم، وهذا نظيرُ مَنْ عَبَّر عن موضوع علم الأصول بالأدلة فإنّه يريد الدليل.

والمراد بحيثية الاقتضاء هو اقتضاء الدليل لإتيانه أو لتركه أو تخيير الدليل بين إتيانه وتركه، كما لو دَلَّ الدليل على وجوب الفعل أو حرمته أو استحبابه أو كراهته أو جزئيته للواجب أو شرطيته له أو مانعيته من صحة العمل.

والمرادُ بحيثية التخيير هو التخيير فيما إذا دَلَّ الدليل على الإباحة أو عدم بطلان العلم به، وبعضهم إنْ لم نقل أكثرهم قد فَسَّرَ الحيثية المذكورة باقتضاء الخطاب بلْ لم أطّلع على غيره من التفسير.

ولا يخفى ما فيه فإنّه:

لو أريد الخطاب اللفظي فيخرج البحث عن الأحكام الشرعية الفرعية التي دَلَّ عليها العقل أو السيرة.

وإنْ أريد الخطاب الواقعيّ المسمّى بالحكم الشرعي فهو غير صحيح؛ لأنّه لو كان هو المراد لقالوا: (من حيث ثبوت الأحكام الشرعية لها) كان أخصر وأوضح.

وكيف كان فيرد على جعل موضوع علم الفقه ذلك:

أولاً: خروجُ البحث عن أحكام أفعال الأطفال والمجانين، كفساد معاملاتهم من عقود أو ايقاعات، وفساد عبادات المجنون، واستحباب عبادات المميز بناءً على أنّها شرعية لا تمرينية.

وأجيب عنه: بأن ذلك استطراد.

ولا يخفى ما فيه، فإنّها لا إشكالَ في كونها أحكامٌ شرعية فرعية، فيكونُ العلم بها من علم الفقه، فيصدق عليها تعريف الفقه.

ويمكن أنْ يقال: إنّ المخاطب بأحكامهما هو الوليُّ لا الصبيّ والمجنون،
كما يخاطب صاحب البهيمة بضمان ما أتلفته، حيثُ فَرَّط في حفظها؛ لتنزيل فعلها في هذه الحالة بمنزلة فعله، وأمّا البحثُ عن صحّة عبادة الصبي من
 صلاة وصوم وثوابه عليهما، فهي بحثٌ عن أمرٍ عقليّ من باب ربط
الأحكام بأسبابها، ولم يكن مخاطباً بها، وهو من مباحث الكلام فإنّ استحقاق الثواب ليس من الأحكام الشرعية فهو ليس من علمِ الفقه حتَّى يورد على الفقهاء به.

وقد يجاب أيضاً: بأنّ المراد نوع المكلّفين، فإنّ الغالب في الجمع ولو كان مقترناً بأل إذا أضيف إليه العمل هو إرادة النوع منه.

ويرد عليه ثانياً: بأنَّ كثيراً من مباحث الفقه لا يتعلّق بالفعل فضلاً عن صدوره من المكلّف كمباحث الميراث لا سيّما إذا كان الوارث أو المورث أو كليهما غير مكلّف.

وأجيب عنه: بالاستطراد، وقد تقدّم في الجواب عن الإيراد الأول ما فيه.

ويمكن أنْ يجاب: أنّ المراد بالفعل ما يَعُمُّ غيرَ الاختياريّ كالموت، أو يقال: إنّ مثل هذه الأبحاث باعتبار ما يترتّبُ عليها من بيانِ فعل المكلّف صَحَّ البحثُ عنها، فإنّ البحث عن ميراث الزوجة الثمن يترتّب عليه جوازُ تصرُّفها بالثّمن وحرمة تصرّفها بالمثمن وغير ذلك.

ويرد عليه ثالثاً: بأنّ علم الفقه يبحث في الأحكام الوضعّية كالسببية والمانعية والضمان والملكية والزّوجية ونحو ذلك، وهو ليس بحثاً عن العوارض من حيث الاقتضاء والتخيير؛ لأنّه قد عَرَفْتَ أنّ المرادَ من الحيثية المذكورة هي الأحكام التكليفية الخمسة.

والجواب عنه: نظير ما ذكرناه في الجواب عن الإيراد الثاني، من أنّ البحث عنها إنّما صارَ من علم الفقه باعتبار أنّه يرجع إلى البحث عن الأحكام الشرعية للأفعال المرتبطة بها، فإنّ البحث عن سببية الزّوال للصّلاة يَرْجعُ إلى ترتّب جواز فعل الصلاة عنده. ولذا كان البحثُ في علم الفقه عن السببية الشرعية لا السببية التكوينية.

وقد استراح من هذا الإيراد مَنْ أنكر وجودَ الأحكام الوضعية وأرجعها للأحكام التكليفية، فإنّ البحث حينئذٍ يكون فيها عن الأحكام التكليفية نفسها فقط.

والعلاّمة الطباطبائي  قدس سره  جَعَلَ في مصابيحه موضوع علم الفقه هو متعلّقات الأحكام الشرعية الفرعية من حيث هي كذلك، أي: من حيث أنّها متعلّقات الأحكام، ثم قال: (وهي- أي: متعلقات الأحكام- أكثر أفعال المكلّفين من حيث الاقتضاء والتخيير، وقد تكونُ غير فعل أو فعلاً لغير مكلّف أو لمكلّف لا من حيثُ التّكليف، بل من جهة الوضع كما في الأحكام الوضعية)([197]).

ولعلّه  قدس سره  فعل ذلك فراراً عن الإيرادات المذكورة، ولا بُدّ أنّه رحمه الله  أراد الكلّي المنطبق على موضوعات مسائل علم الفقه، وإلاّ لزم تعدُّد الموضوع لعلمٍ واحد، وقد سَلَكَ هذا المسلك صاحب الكفاية ([198]) في جعله موضوع علم الأصول هو الكلّي المنطبق على موضوعاتِ مسائل علم الأصول من دون تعيينه وتشخيصه، وقد أشكلنا عليه في كتابنا نقد الآراء الأصولية، من أنّ الغرض من ذكر موضوع العلم هو البصيرة في الشروع في العلم ليميّزه عمّا عداه، كما ذكره القوم واتّفقت عليه كلمتهم، ومع الإشارة المبهمة إليه والتعبير عنه بعنوانٍ مُجْمَلٍ لا يحصل به ذلك.

مضافاً إلى أنّ مقتضى تحديد الموضوع أنْ يكون الموضوع معلوماً معيّناً باسمه أو عنوانه، وإلاّ فكيف يَبْحَثُ في العلم عن عوارض شيءٍ وهو مجهول لدى البحث، ولا يعلم إلاّ بعنوان يؤخذ من نفس متعلّقات العوارض.

ويرد عليه رابعاً: أنّ الحيثية المأخوذة في موضوع العلم:

أمّا أنْ تكون تعليلية، مأخوذة من علّة وجود الموضوع، فهي لا تنفع؛ لأنّ علة نفس وجود الموضوع مشتركة بين جميع العلوم الذي جعل موضوعاً لها.

وأما أنْ تكون مأخوذة من علّة موضوعيته للعلم، فهي أيضاً لا تنفع؛ لأنّها عبارة عن البحث عن عوارضه، وهو مشترك بين الجميع.

وأما أن تكون مأخوذة من علّة عروض محمولات العلم على موضوعه فهو فاسد، ضرورةَ أنّ المسائل لم يؤخذ في ثبوت المحمولات لموضوعاتها علّة ثبوت هذه المحمولات لموضوع العلم، وقد عرفت أنّه لا بُدَّ من اعتبار ما يُؤخذ في موضوع العلم في موضوع المسألة، وإلاّ لكان موضوع المسألة أجنبياً عنه، على أنّ العلل متعدّدة فيلزم أنْ يكونَ موضوع العلم متعدداً بتعددها.

وأما أن تكون الحيثية تقيدية، فلا يخلو: إمّا أنْ تؤخذ من محمولات المسائل فيلزم أنْ تؤخذ المحمولات في موضوعاتِ المسائل؛ لأنّها كما عرفت عين موضوع العلم، فيلزم تكرّر النسبة وانقلاب القضية إلى ضرورية، لأنّها تكون قضية بشرط المحمول، وإنْ أخذت من استعداد الموضوع للحوق المحمولاتِ باعتبار أنَّ الشيء قد تكون له استعدادات مختلفة، وبحسب كل استعداد يكون موضوعاً لعلم، كاللفظ العربي تارةً يلحظ من حيث خصوص استعداده لقبول الإعراب والبناء فيكون موضوعاً لعلم النحو، وأخرى يُلحظ من حيث خصوص استعداده لقبول الإعلال والصّحة، فيكون موضوعاً لعلم الصَّرف، وأخرى يلحظ من حيث استعداده لقبول المحسّنات البديعية، فيكون موضوعاً لعلم البديع، كما هو المحكيّ عن السبزواري الحكيم رحمه الله ([199]) فهو أيضاً فاسدٌُ؛ لأنه لا يستدعي ذلك اختلافاً في الموضوع؛ لأنّ استعداده لقبولِ نوعٍ خاصٍّ من المحمولات لا يُباين استعداده لقبول النوع الآخر من المحمولات لِعَدَمِ التنافي بين الاستعدادين.

ألا ترى أنّ اللفظ العربي باستعداده لقبول الإعراب يبحث عن عوارضه الذاتية من حيث الإعلال والصّحة والفصاحة والبلاغة، فلم يَكُنْ بين موضوع هذه العلوم تغاير، مع أنّ الماهية الواحدة لها استعدادٌ واحد لعروض سائر العوارض عليها لا استعدادات متباينة؛ لأنّ الذات واحدة فمقتضاها يكون واحداً؛ لأنّ الواحد لا يصدر منه إلاّ الواحد، مع أنّ موضوع العلم متحدٌ مع موضوع المسألة، فالحيثيّة لو كانت معتبرة في الموضوع للعلم لَكَانَتْ معتبرة في موضوع مسائله، مع أنّها غير معتبرةٍ فيه.

وإنْ أخذت الحيثية التقييدية من غرض العلم فحينئذٍ رجع التمييز بين العلوم إلى الأغراض.

وإنْ أخذت الحيثية من جهة البحث.

فمثلاً: إنَّ علم الفقه لا يُبْحَثُ عن جميع عوارض فعل المكلّف، بل يبحث فيه من حيث الاقتضاء والتخيير.

وعلم النّحو لا يُبْحَث عن جميع عوارض اللفظ العربي، بل يبحث فيه من حيث الإعراب والبناء، كما ذَهَبَ إليه صاحب الفصول([200])، بدليل أنّ الفاعل بما هو فاعلٌ موضوعٌ للرفع لا بما هو كلمة معربة، أو مبنية موضوع له فهو فاسد؛ لأنّ قيودَ البحث لا توجب تقييدَ الموضوعات، كما لا توجب تقييدَ المحمولات وتخصيصها بحدٍّ خاصّ، وذلك لأنّ البحث من توابع الموضوع والمحمولات فهو متأخِّرٌ عنها رتبةً، وفي مرحلة التعقُّل، وإذا ثَبَتَ أنَّ الموضوعات والمحمولات لا تصلُح أنَّ تتقيّد بقيدٍ البحث، فلا يُعقل أنْ يكون قيد البحث يحدّ تلك المحمولات أو الموضوع، وإلا لزم أخذُ ما هو متأخر رتبة في المتقدّم رتبةً وهو محال.

مضافاً إلى أنّ الحيثيات المذكورة ثابتة في الموضوعات والمحمولات قبل البحث، والبحث إنّما يتعلّق بها بأجمعها فكيفَ يُعْقَل أنْ يقيّد بها، فإنّ ما أخذ في المتعلّق لا يكون قيداً للعارض عليه؛ إذ المتقدّم لو أخذ نفسه في المتأخر لزم تقدمه على نفسه، ولذا قيود المعلوم لا تكون قيداً للعلم.

وبهذا ظَهَرَ لك فساد ما ذهب إليه بعض مقرّري بحث النائيني رحمه الله  أخذاً من صاحب الفصول من رجوع الحيثيات إلى البحث، وأمّا انْ جعلت الحيثية إشارة لعنوان منتزع منطبق على الموضوع بأنْ يكون الموضوع في الحقيقة هو ذلك العنوان، كما يقال: (اكرم زيداً من حيث علمه)، فإنّ الموضوع في الحقيقة ليس هو زيد من حيث هو، بل العالم المنتزع من الحيثية، فقولهم: موضوع النحو اللفظ العربي من حيث الإعراب والبناء، معناه: إنّ موضوعه المعرب والمبني، وهكذا مرادهم موضوع علم الصرف اللفظ العربي من حيث الصحة والاعتلال يعنون أنّ الموضوع له هو الصحيح والمعتلّ، وإنّما عَبَّروا بالحيثيات لبيان أنّ مورد الموضوعين واحد، وهو أيضاً فاسدٌ، فإنّ الحيثيات المذكورة لا تَصْلُحُ لأنْ تكون العناوين المنتزعة منها مواضيع للعلم، فإنّ علم النحو لا يَصْلُحُ عنوان المعرب هو بما معرب أنْ يكون موضوعاً له؛ لأنّه بما هو مُعْرَب لا تَعْرض له المحمولات في مسائله، كالرّفع والنصب، بل تكون أجزاء مقوّمة له.

هذا مضافاً إلى أنّا لو التزمنا بذلك لم تَكُنْ المسألةُ الواحدة مشتركة بين العلمين؛ لاختلافِ موضوعها فيها، فمسألة الجمع في النحو تكون هو المعرب من الجمع، وفي الصَّرف هو الصحيح من الجمع مثلاً؛ لما عرفت أنَّ موضوع العلم معتبر ومتَحِدٌ مع مسائله، وإلاّ لمَا كَانَتْ باحثة عنه.

ويمكنُ الجوابُ عنه: إنّ الحيثيةَ تكونُ اشارة إلى الاستعداد الموجود في الموضوع لقبول نوعٍ خاصٍّ من المحمولات.

وما ذَكَرَهُ الخَصْمُ من عدم التنافي بين الاستعدادين فلا يكون تغايراً بين الموضوعين لعدم التبايُن بين الحيثيتين فاسدٌ؛ لأنّه بما هو مقيّد بهذا الاستعداد يُغاير نفسه بما هو مقيّد باستعداد آخر، فإنّه بكُلِّ استعدادٍ له عنوان غير العنوان المنتزع له من الاستعداد الآخر، ولذا العوارض التي تعرض له بأحد الاستعدادين لا تعرض له بما هو مقيّد بالاستعداد الآخر، وحيثيةُ أحد الاستعدادين تمنعُ من حَمْلِ محمولات الاستعداد الآخر عليه، فإنّ زيداً من حيث أنّه عالم لا يحمل عليه إلاّ شؤون العالمية دون الهاشمية، ولذا قيل: الماهية من حيث هي ليست إلاّ هي مع أنّها لها عوارض أخرى.

وعليه فاللفظ العربيّ بما هو مُعْرَبٌ ومبني، غيرُهُ بما هو صحيحٌ ومعتلّ، وغيره بما هو فصيحٌ وبليغ، فإنّ الشيء الواحد يختلِفُ بالوجوه والعناوين المنتزعة منه، ولذا تختلف أحكامه باختلافها.

وعدم التنافي بين الحيثيات إنْ أريد به مجرد اجتماعهما فهو صحيح؛ إذ لا ينكر أنّ الاستعدادين ثابتان له في الواقع لماهيته، ولكن لا ينفعه، وإنْ أريد أنّهما معتبران في الموضوع معاً فهو غير صحيح؛ لأنّ الموضوع لعلم النحو هو اللفظ العربي بما هو معربٌ ومبني، لا بما هو فصيحٌ وبليغٌ، فاشتبه عليه حال التقييد بشرط التقييد.

وما ذكرَهُ الخصمُ إنّ الماهية لها استعدادٌ واحدٌ لا استعدادات متعددة، فاسدٌ؛ لأن الجنس مستعدٌ لقبول الفصول، وهي متباينةٌ، فلو لم يكُنْ له استعداداتٌ متعدّدة لما كانَ له قبولٌ لأمورٍ متباينة.

وما ذَكَرَهُ الخَصْمُ من أنّ موضوع المسألة متّحِدٌ مع موضوع العلم، فالحيثية لابدّ أنْ تعتبر فيه لو كانت معتبرة في موضوع العلم مع أنّها غيرُ معتبرة في موضوع المسألة فاسدٌ؛ لأنّ موضوع المسألة بمناسبة ذكر المحمول يستغني عن ذكر الحيثية معه وتكون ملحوظة إجمالاً في المسألة.

 

الفصل الثالث

في الغاية من علم الفقه وشرح غاية كل علم ووجه التمييز بها

الغاية لكل علم

الأمر الثالث من الأمور التي تذكر في مقدمة العلوم هو بيانُ الغايةِ من تدوين هذا العلم بعد ذكر تعريفه وبيان موضوعه لأمور:

أحدها: أنْ لا يكون طلبه عبثاً، فإنّ الإنسانَ الذي يشرع في العمل إذا لم يكن مُدْرِكاً للفائدة منه كان طلبه له وشروعه فيه عبثاً لا يرضى به العقل.

وثانيها: أنْ يحترز من الاعتقاد بوجود فائدةٍ أخرى هي ليست له فيكون سعيُه بلا جدوى وعمله بلا فائدة.

وثالثها: إنّ بيان الغاية يوجب معرفة ما للعلم من الأهمية فيسعى بمقدارها في تحصيله له.

ورابعها: إنّه يعرف بذلك أنّه يوافق غرضه ومقصوده في هذه الحياة أم لا.

ثُمّ إنّك قد عرفت أنّ بيان الغاية للعلم بمنزلة مطلب (لِم) لأنّه بيانٌ لعلّة وجودِ هذا العلم والسبب في تدوينه، وقبلَ الخوض في بيانِ غايةِ علم الفقه نُقدِّمُ مقدّمتين:

الفرق بيـن الغاية والفائدة والغرض والعلة والمنفعة

إحداهما: إنّ الغاية والفائدة والغرض والعلّة الغائية والمنفعة ألفاظٌ متقاربة في المعنى.

أمّا الأولان: فمتّحدان ذاتاً متغايران اعتباراً، فإنّ الشيءَ باعتبار أنّه طَرَفُ الفعل وآخره يسمّى غاية، وباعتبار الترتّب عليه يسمّى فائدة، ولا يلاحظ في شيء منهما كونُهُ باعثاً للفاعل على الفعل.

وأمّا الآخران: فيلاحظ فيهما الباعثية للفاعل على الفعل، وهما في الاتحاد بالذّات والتغايرُ بالاعتبار مثل الأولين، إذ الأوّل وهو الغرض، إنّما يُطْلَق بالقياس للفعل، والثاني وهو العلّة الغائية إنّما يطلق بالقياس إلى الفعل، فإنّ التأديب مثلاً علّة غائية للضَّرْب وهو غرض للضّارب.

وأمّا الخامس: وهي المنفعة، فهي عبارةٌ عن الفائدة التي يتشوّقها الكلّ بمقتضى طبعهم.

ثانيهما: إنّ الشيء قد يكون مقصوداً بذاته، ويراد لذاته، فتكونُ غايته عين ذاته، ولا غاية له وراء ذلك، كعلوم العقائد، وقد يراد لغيره. وحيث أنّ ما بالغير لا بد أن ينتهي إلى ما بالذات فلا بدّ أنْ ينتهي الأمر إلى شيءٍ يُراد لذاته، ويكون ذلك الشيء هو الغاية الذاتية والمتوسّطات بينه وبين ذي الغاية غاياتٌ بالعرض، فمثلاً علمُ النحو يُراد لغيره، وهو صون اللسان، وصون اللسان قد يريده الإنسان لذاته، وقد يريده لكمال نفسه، فيكون المقصود بالذات هو كمال النفس.

الغرض من علم الفقه

إذا عَرَفْتَ ذلكَ فنقول: إنّ الفقهاء قد ذكروا أنّ الغَرَضَ من علم الفقه وتدوينه وتعليمه وتعلّمه هو تحصيلُ السّعادتين والفوز بالدّارين الدنيوية والأخروية، والخلاص من الشقاوة الأبدية. وتحصيلُ السَّعادة والخلاص من الشقاوة هما مقصودان بالذّات ولا بدّ أنْ يكون مرادهم هو حصول ذلك بمراعاة قوانينه والعمل بها، وإنْ لم يُصَرِّحوا بذلك لوضوح أنّه لولا العمل بها لم يحصل ذلك.

ويمكن أنْ يرد عليهم أولاً: أنّ هذه الغاية تحصل بمعرفة علم الكلام أيضاً؛ لاشتماله على بيانِ الواجبات الاعتقادية الأصولية التي هي أهمّ من الواجبات الفرعية، وغايةُ العلم يجب أنْ تختصّ به؛ لأنّ العلم عبارة عن مسائل جمعت لترتّب غرضٍ مهمّ عليها، فيكون كلُّ ما له دخلٌ في الغرض داخلاً في ذلك العلم، ولازمه أنّ الغرض لا يترتب على علمٍ آخر، ولذا قيل: إنَّ تمايُزَ العلوم بتمايز الأغراض.

اللّهم إلاّ أنْ يقال: إنّا لا نُسَلِّمُ اختصاصَ غايةِ العلم به، وما ذهب إليه بعضهم من أنّ تمايز العلوم بتمايز الأغراض إنّما يتُّم لو كان العلم إنّما ألف لتحصيلِ غايةٍ خاصّةٍ، لا لبيان أحوال موضوع خاصٍ، فإنّه لو كان للثّاني فلا مانع من ترتّب غايةٍ وغرضٍ عليه تترتب على علم آخر.

ويمكن أنْ يجاب عن ذلك: بأخذ الحيثية، بأن يقال: إنّ الغاية هي تحصيل السعادتين من حيث العمل، وعلمُ الكلام تكونُ الغاية منه ذلك من حيث الاعتقاد.

وثانياً: إنّ هذه غايةُ لتشريع الأحكام الشرعية لا لعلم الفقه؛ إذ العمل بنفس الأحكام الشرعية موجبٌ لذلك، ولذا المقلّد العامل بالأحكام الشرعية تَحْصَلْ له تلك الغاية. ومن الواضح أنّ تشريع الأحكام الشرعية غيرُ علمِ الفقه، فإنّ علم الفقه عبارة عن البحث عن الأحكام وإثباتها بالأدلة.

ويمكن الجواب عنه: بأنّ غاية كل علم هي التي تترتب على العمل به، فالمنطق غايتُهُ صونُ الذّهن عن الخطأ وهي لا تكون إلاّ بالعمل بقوانينه التي شرعت من قبل جاعلها. وهكذا النّحو والصَّرف غايتُهما صونُ اللسان عن الخطأ في المقال، وهي لا تحصل إلاّ بالعمل بقوانينها، وأمّا كون ذلك غايةً للتشريع فهو لا ينافي ما ذكرناه، فإنّ كلّ مُشرِّعٍ للقوانين يتوخّى الفائدة المرتبة على ملاحظة تلك القوانين ورعايتها والعمل بها. والعلم الذي يوضع لها إنّما هو لمعرفتها حتى يترتب الغرض من تشريعها على العمل بها، المتوقّف على معرفتها.

فالغايةُ من كُلِّ علمٍ هيَ ما قَصَدَهُ الواضعُ من تشريع قوانينه عند العمل بها، أعني: ما يترتب على العمل بها من الفائدة، وتلك الفائدة تكونُ هي الغاية من العلم بتلك القوانين باعتبار أنّه بملاحظتها والعلم بها والعمل بها تترتب تلك الفائدة وفيما نحنُ فيه كانَ الأمرُ كذلك.

ويرد ثالثاً: بحصول الغاية المذكورة للمقلِّد إذا علم بالأحكام الشرعية عن طريق التقليد، فتكونُ الغايةُ المذكورة مرتّبة على العلم من الفقه وعلى العلم من التقليد، وليست مختصَّة بالعلم من الفقه.

وجوابُه: إنّها تختلِفُ بالحيثية فالغايةُ الحاصِلَةُ من العلم بالفقه هو الفوز بالسعادتين من طريق الاجتهاد، والغاية الحاصلة من علم المقلد هي الفوز بالسعادتين من طريق التقليد، ولا إشكال إنّ الأولى أعظم شأناً وأكثر ثواباً من الثانية كما دَلَّ على ذلك العقل والنقل.

ما ذكره حُكماءُ الإسلام وعلماؤهم من الغايات

وإلى الغاية المذكورة لعلم الفقه يَرْجِعُ ما ذَكَرَهُ حُكَمَاَءُ الإسلام من أنَّ غاية علم الفقه هي حفظُ الفرد بنهيه عمّا يضرُّهُ وأمره بما ينفعه، وحفظ النوع من الفساد بالهَرَج والمَرَج لاحتياج بَعْضِهم إلى بعض في حياتهم الدنيوية فان الإنسان مدني بالطبع فلابدّ لهم من قانونٍ يحفظهم من ذلك.

قالوا: والغايةُ من تشريعِ العبادات مع أنّها لا علاقة لها بالغاية المذكورة هي أنّ النظام المذكور يحتاجُ في طاعته الخوف من العقاب على مخالفته والثوابُ على فعلِهِ وهما إنّما يَحْصَلان بالتذكُّر عدَّة مرّات للمشرِّع لذلك النّظام ووَعْدِهِ ووَعيدِهِ والعبادات يَحْصُلُ بها التذكُّر المذكور.

وبعضُهُم جَعل غايتهِ حِفْظُ الشّريعة الإسلامية عن الضّياع.

ويردُ عليه أولاً: ما أوردناه على جَعْلِ الغاية تحصيلَ السعادتين من ترتّب هذه الغاية على العلم بالفقه من طريقِ التقليد حيثُ أنّه بالتقليد تُحْفَظُ الأحكامُ الشرعية الفرعية.

والجواب عنه مضافاً إلى ما سبق من جواب الإيراد الثالث: أنّه يمكن أنْ يقال: إنّ بكثرة الاختلافات فيها صارَ التقليدُ غيرُ حافظٍ لها على سبيل اليقين، بخلاف ما لو أُخذت من الدليل، فإنّه يَحْصَلُ له الاطمئنان بالظفر بالواقع.

وَبعْضُهُم جَعل غايَتِهِ حفظُ المقاصد الخمسة، وهي الدّينُ والنّفس والعقل والنسب والمال.

وبَعْضُهُم جعل الغايةَ من علم الفقه، هو إثباتُ الأحكام الصادرة من الشارع من حيث صدورها عنه لا من حيث صحّتها وثبوتها الواقعي ولا من حيث اشتمال متعلقاتها على المصالح أو المفاسد، ولا يضرُّ ذلك توقُّفُ ثبوتِها من هذه الحيثية على ثبوتِ الشريعة الذي هو من المطالب الكلامية، ولذا عدّوا علم الكلام من مبادئ الفقه التصديقية، فإنّ الكثير من غاياتِ العلوم تتوقَّفُ على غيرها، ولذا كانَ لها تقدّمٌ عليها.

ويردُ عليه ما لا يخفى، فإنّ الاثبات المذكور عبارةٌ عن نفس العلم المذكور فيكون المغيّى والغاية واحد. وهذا وإنْ صَحَّحْناهُ في العلوم التي تقصد بذاتها لذاتها وتطلب بنفسها لنفسها كعلم العقائد، لكنه إنّما يتمُّ في العلوم الواجبة والمطلوبة بالذات، لا العلوم المطلوبة للغير، وعلم الفقه إنما هو مطلوب للعمل به.

والأولى أنْ تجعل غاية علم الفقه هو إطاعة الله والفرار من مخالفته في العمل عن اجتهادٍ لا عن تقليد بمراعاةِ مسائله. فإنّه هو المقصودُ بالذّات من تعلّم علم الفقه والاطلاع عليه.

نعم، الغاية من ذلك هو نيلُ السَّعادَةِ في الدّارين والفوز بالنشأتين الدنيوية والأخروية.

ويمكن أنْ يُجعل له فوائد أخرى:

إحداها: إنّ العلم المذكور مع الورع والتقوى موجبٌ للتحلّي بثوبِ الزعامة الإلهية والرئاسة الدينية التي خَصَّ اللهُ تعالى بها أولياءه وأصفياءه وهي مما يبذل في تحصيلها النفس والنفيس.

ثانيها: الخروجُ من حضيض التقليد إلى ذروة الاجتهاد والمعرفة للأحكام عن دليلٍ، قال الله تعالى: [يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ]([201]) فخصَّ اللهُ العلماء بالذكر مع اندراجهم في المؤمنين رفعاً لمنزلتهم.

ثالثها: تعليمُ المسترشدين بإيضاحِ الحجّة لهم وإلزامُ المعاندين بإقامة الدليل عليهم.

رابعها: حِفْظُ الأحكام الشرعيّة الفرعية عن أنْ يُزيلها مرور الأيّام، ويسدل عليها ثوبُ النسيان أو تلوّثها شُبْهَةُ الجاهلين وتشكيكاتُ المعاندين.

خامسها: وقوعُ الأعمال العبادية والمعاملية عن عقيدة لا عن تقليد.

سادسها: الإرشاد للمصالح الدينية والدنيوية بالاطّلاع على أسرار الشريعة الإسلامية. ولا بأس من نقل بعضِ الشَّذَرات من خُطَبنا وكلماتنا في فوائد الدين والثمرات القيّمة التي تحصل من التمسك به.

كلمتنا في المولد النبوي

فمن ذلك من كلمةٍ لنا في المولد النبوي  صلى الله عليه واله وسلم  نشرتها مجلة الثقافة 26، ج2.

ثم ما فتئ الأمرُ حتّى تعاكست أنوار الإسلام النفوس واستعبرت به المدارك والعقول، يختالُ بأنظمته القيّمة وأصوله الكاملة المبرمة الحقب والأزمان حتَّى أصبح ومن ورائه شَعْبٌ صار مؤمناً بعقائده مندفعاً بمبادئه، لا تأخذه فيها لومة لائم، ولا يَهابُ في الدّفاع عنها سطوةُ جائر غاشم، فأزال مماليك الشكّ، وهدم تقاليد الإلحاد، واستأصل العادات القبيحة، ونشر الآداب الحسنة، وقلب الوضع العالمي رأساً على عقب، وركّز الإخاء في الروح والتعاون على الخير والصدق في القول والعمل، التي تحيى بها الإنسانية، وتزدهر بأشعتها البشرية. ناهيك به من انقلاب زعزع أركان دولتي الشرق والغرب الروم والفرس، وأراح الشعوب من الاستبداد والاستعباد الذي أرهقها صعوداً، وجشّمها كؤوداً، وخلّصها من تقاليد ثقيلة، لا يطاق حملها، وجرّدها من عقائد تشبه الألغاز والأحاجي في إبهامها وغموضها، وهيّأها للدخول في أدوار جديدة من حياة سعيدة موفورة بالحرية بعد أنْ غَلَبَ عليها الشقاء، وألبسها الحضارة بعد أنْ كانت بعيدة عن مفاهيم الناس بعد الأرض عن السماء. وتلا ذلك كلَّهُ ما نراه اليوم من النهضة المستمرة في عالمي العلم والعمل، حتى أنّك لا تجد نظرية تأسّست بعقولٍ راجحة وأدمغة ناضجة يكون لها الأثر القيِّمُ في تطوُّر الحياة البشرية، وترقيها في مدارج الكمال، إلا وهي صدى آيةٍ من آيات الكتاب المجيد أو حديثٍ من الأحاديث الشريفة للنبي الكريم.

مقالنا الذي نشرته صحيفة الأمة

ومن ذلك مقالُنا الذي نشرته صحيفة الأمّة اللبنانية في عددها 31 لسنتها الثانية تحت عنوان (الإنسانية في طريقها إلى الفناء أو خدمة الدين للإنسانية).

إنّ الإنسان بوضعه الفردي أو وضعه الاجتماعي مفطورٌ على حُبِّ الذات والإيثار لها على الغير مهما بلغ من درجات الرقي والكمال، وهذا الحبُّ وإنْ جَرَّ للإنسانِ الخير وجعله طالباً للسعادة والهناء، إلاّ أنّه لا يزال يدفعه للتغلّب على الغير والسيطرة على مقدرات الحياة فتَجِدُ الفَرْدَ يسابق الآخر ليكسب المغنم لنفسه دون غيره، وتجد الأمة تطاول الأخرى لتفوز بالفائدة لذاتها دون من عداها. وما الصراع القائم بين الأمم في هذا الزمن الذي كاد أنْ يضرم البشرية بنار يفنى فيها الصغير والكبير، ويلتهب اليابس والأخضر إلا نتيجة لحب الأمم لذاتها، ولا تستطيع أشدّ القوانين المدنية الصارمة مهما صقلتها العقول أنْ تقف دون هذه الغدّة النفسية التي لا زالت تفرز أشدّ الويلات على البشرية، ما لم يكن الرادع فطرياً مثلها، يغزوها في وكرها، ويقضي عليها في مستقرها، وليس هو إلا العقيدة الدينية المرتكزة في النفوس، فإنّها هي التي تصرعها في مغرسها، وتغتالها في وكرها ومعرّسها، وتسيّرها نحو السعادة البشرية، بأحسن طرقها. وإنّ كثيراً من الملحدين قد أدركوا هذه الحاجة للوازع الدينيّ والرادع الإلهي، ولكنّ روحهم الالحادية لا تتركهم يتدانون للحقّ فيعترفون أنّ غير الدين لا يمكن أنْ يكون رادعاً لتلك الغريزة الحيوانية، وليست الأحكام المدنية والقواعد الاخلاقية كافية لدوام نظام المجتمع والحالة أنّ الإنسان مفطورٌ على حُبِّ نفسه واستئثارها على غيره بفواتن الحياة ولذائذها وسواحرها، ولا يتحاشى عن أضرار النّاس ما رأى نفسَهُ بعيدة عن مراقبة القانون، ما لم يكن يشعر بمراقبة غيبية قدسية تطلع مستسر سره، ومكنوناتِ نفسه أينما وُجدَ، وأينما حَلَّ، وهذا لا يتوفّر لنا ما لم نحيِ بالإنسان الغريزة الاعتقادية والإيمان بالمراقبة الإلهية والخوف الشديد من تجاوزه على شريعته الدينية.

ولعلّ أحسن شاهدٍ نقيمه على ذلك هو أنّك لو فتحت دفاتر الجرائم في محاكم العدل في سائر الدول الكبيرة والصغيرة لا تجد في المجرمين من المؤمنين واحداً من ألف، وهذا الاستقراء أدلّ دليلٍ على محاربة العاطفة الدينية للإجرام وموجباته وأسبابه. ألا وإنّ عدم إدراك الشعوب للقيم الروحية وعدم التفات حكوماتها لمحاسن الثقافة الدينية جعلها بعيدة عن هذه الناحية، فسنّت قوانين صارمة، وفتحت مدارس جامعة لو أنفقت بعضاً من ذلك على إضافة الثقافة الدينية إلى الثقافة العلمية لكَاَنَ خيراً لها وأحسن سبيلاً، حيثُ بها تنتشل الإنسانية من غمراتِ الحروب ولهواتها وتبعدها عن مأساة الشرور وآلامها وتنصرف للصالح العام والنَّفع التامّ وتجعلهم إخواناً على سُرُرٍ متقابلين قد تناسوا الفوارق بأنواعها.

ولا أعني بالثقافة الدينية هو مجرد اللقلقة اللسانية والتقاليد المتبعة، وإنّما أعني بها تركيز العقيدة الدينية في النفوس بحيثُ تلتهب بها العاطفة وتلتاط بالضمائر والدخائل ويبذل فيها النفس والنفيس، بعد الشعور بأنّها التحفة الملكوتية التي ضمنت للعالم الانساني سعادةَ الدارين وخير النشأتين. ورُبمّا يتخيّل المتخيلون أنّ الدين يصطدم بالعلم الحاضر، ولكنّ الأمر بالعكس، فإنّ العلم قد أزال كثيراً من الحجب الكثيفة عن حقائق الدين، ولا زال يخدم الدين حتى عند الملحدين، فيُدخِل إلى ما استسرّ في نفوسهم من دخائل الإلحاد، فيطبع فيها صوراً عالية من المبادئ الدينية لا تزال تطفح على أقلامهم من دون أنْ يكونوا هم شاعرين بها، فهذا شبلي شميل([202]) الملحد المعروف يقول في جملة من كلامه: (إنّ الشرائع اجتماعية أو دينية غرضها واحد وهو صلاح حال الإنسان، وواضعوها من أنبل المصلحين غاية، والشريعة الإسلامية خاتمتها وفذلكتها وإنّها الشريعة الوحيدة الاجتماعية العليا المستوفاة التي ترمي إلى أغراض نبيلة دنيوية حقيقية، وإنّ الدين الإسلامي نظامٌ عملي مادّي قانوني يتكفل بصلاح حال المجتمع).

وإنّ لنا على كلامه هذا أصحّ شاهد، فهذه الأمة العربية كانت بلادها قاحلة وهي على شظف من العيش وانحطاط في درجات سلم العلوم والعرفان، تتحكم في عراقها الفرس، وفي تخوم شامها الروم، فارتقت بعد أنْ مَنَّ اللهُ تعالى عليه بالإسلام أقصى ذرى المجد، وتحكّمت في ممالك فارس والروم، وحيث إنّي أريد أنْ أعالج الموضوع والجواب عن الشبهة المذكورة عن طريق يؤمن به الملحدون ويَدينُ به الجاهلون، لذا كان لزاماً عليَّ أنْ استشهد بقول مَنْ تَركَنُ نفوسهم إليه من أنّ الدين لا يتنافى مع العلم، فقد سبق منا كلام شبلي، وإليك ما صرح به العلامة هرشل([203]) حيث يقول: (كلّما اتّسعَ نطاقُ العلم ازدادت البراهين الدامغة القوية على وجود خالق أزلي لا حَدَّ لقدرته، فالجيولوجيون والرياضيون والفلكيون والطبيعيون قد تعاونوا على تشييد صروح العلم، وهو صرح عظمة الله وحده). وهذا الفيلسوف الغربي([204]) صاحب كتاب ثمرات الحياة يقول: (انه توجد فوق الإنسان قوة أزلية أبدية ينشأ عنها كل شيء) وما أحسن الكلمة المأثورة عن (باكو) التي يقول فيها: (إنّ العلوم الطبيعية إذا رشفت بأطراف الشفاه أبعدت عن الله تعالى وإنْ شربت عبّاً أوصلت إليه تعالى). وهذا الدكتور الذري أخي محمد([205]) قال لي: (إنّي كنت مقلداً في عقيدتي الدينية، أمّا اليوم بعد درسي للعلوم الطبيعية وتعمّقي فيها وخوضي في الذّرة ومجرّها آمنتُ بالدِّين الإلهي إيماناً لا يشوبُهُ شَكٌّ ولا تزلزله أيُّ شبهةٍ لله الحمد).

خطبتنا في عيد الأضحى في الصَّحن الحسيني

ومن ذلك من خطبةٍ لنا بعد صلاة عيد الأضحى في صحن الحسين  عليه السلام  سنة (1382هـ) وهي بعد البسملة.

أيّتُها الأمّةُ المسلمة:

حُيّيتم بأبهى تحية تمتزج باللطف الإلهي والعناية الربانية، وإذا حييتكم فإنما أحيي قلوباً يقظة وعواطف نبيلة، ونفوساً طاهرة، تجشّمت العناء والتعب في سبيل إعلاء كلمة الله والدعوة لدينه. إنّ تركيز الدين ضروري للمجموعة الإنسانية على حدّ ضرورة نشر المعارف فيها، بل يزيدُ عليها بمراتب كثيرة، بل أكثر لما في انتشار المادية وتفشّي الإلحادية من خسارة الفرد والعائلة والمجتمع.

أمّا خسارةُ الفرد فلشعوره بأنّ حياته وما يُحيطها أمرٌ محدود يفنى بفناء الدهر وينقضي بانقضاء الزمن، وهذا ما يجعله في حزنٍ وكمد عند التفاته لذلك وفي أسفٍ وتألّم عند إدراكه محدودية حياته، بل تصبح نفسه ضعيفة أمام محن الأيام وطوارق الزمان، فلا يحتمل أبسط الحوادث المؤلمة، وأقلّ الوقائع المزعجة بخلاف المؤمن بربّهِ المتمسّك بدينه، فإنّه تضعف في نظره الحوادث بمقدار قوّة إيمانه وشدّة عقيدته، وإنّي وَجَدْتُ الكثير ممّن آمنَ بالله لو فقد عزيزه كانَ كَمَنْ سافر عزيزه عنه ويلتقي به بعد حين، وإذا حَلَّ به البلاءُ آنس نفسه بما يناله في الآخرة من الجزاء، وهوّن عليها الخطب يوم الحساب يوم الأجر والثواب.

وأمّا خسارة العائلة فهو لا يأمن على عرضه، ولا على نفسه، ولا على ماله من أهل بيته عند فقدهم العقيدة الدينية، فإنّ سلطان الشهوة لا يقهره شيء لا شرف النفس ولا حسن التربية إذا جَدَّ الجدّ وخلا له الوقت إلا تمركز العقيدة بالله، والحوادث التاريخية أدلّ دليل على ذلك، فقد شهد الكثير منها أنّ البيت الذي يفقد الوعيَ الديني تتحكَّمُ اللّذات الحيوانية بمقدّراته، وتكون المادة العمياء هي المقياس الوحيد في حياته، وإذ ذاك تنعدِمُ الثقة حتّى في أهمّ أركانه، فلا أمانَ لصاحبه بزوجته، ولا لزوجته الأمان به، ولا ثقة له بذويه، ولا لذويه ثقة به، كما لا يطمئنّ على حياته فيما لو اقتضت الميول البيتية القضاء عليها، ولا يأخذه القرار على ماله ولا على ما في يده فيما لو أراد البيت غصبها من عنده أو سرقتها منه، ولنا على ذلك شواهد سجّلها التاريخ وقضايا دوّنتها المحاكم المدنية، وعند ذلك ينهار البيت ويزول الحنان والتعاطف من بين يديه ويصبح صاحبه في شقاء مستمر، وذووه في خشية وخوف دائم وسرعان ما ينحلُّ الإخاء ويذهب الولاء.

وأمّا خسارة المجتمع فهي لا تحتاج إلى بيانٍ حيثُ تزول بانعدام القيم الدينية كلُّ صفةٍ إنسانية كمالية عن النفوس وتتحكّم فيها الأهواء والرغبات، فلا صدق في اللهجة ولا أمانة في المعاملة، ولا إخلاص في العمل، وتصبحُ الأمّةُ بين أمرين: إمّا بهائم خرساء في قبضة سائقها وآلة صمّاء في يد عاملها لا تملك من أمرها شيئاً، وإمّا خَبْطَ عشواء، وتعيشُ في خطّة عمياء تعصفُ في أجوائها مختلفات الأهواء وتَهُبُّ في أرجائها الفتنُ الخرساء.

ألا وإنّ فقدانَ الوعي الدّيني في وسطنا الاجتماعي هذا اليوم أوجب أنْ نصبح في ظرف عصيب ووقت رهيب، نقطع فيه أصعب المراحل الخطيرة في تأريخنا الحديث، فالصراع قائمٌ بين الأمم الكبيرة، والحقُّ تطغى عليه القوّة وعلى الأماني المنايا، وشَبَحُ الموت والفناء يرفرف على العالم كُلِّهِ وأبطال الحرب ومديروا دفتها يوالون الاجتماعات إثر الاجتماعات ويعقدون المؤتمرات إثر المؤتمرات لإضرام البشرية بنار لا يسهل إخمادها وإثارة فتنة صمّاء يَصْعُبُ الخروج منها.

 

المطلب الثاني

في الشريعة والتشريع، وفيه فصول

الفصل الأول

في معناها وتقسيمها وأي قسم منها يختص باسم الدين

وحيث إنّ الفقه إنّما يكونُ في الشريعة الإسلامية كانَ لزاماً علينا أنْ نتعرض لمعنى الشريعة فنقول: إنّ الشريعة لغة الطريقة المستقيمة، واصطلاحاً عبارة عن الأحكام والقوانين التي سنّت للمصلحة، سواء كانت للفرد أو المجتمع وسواء كانت متعلقة بالأفعال أو بالعقائد أو تهذيب النفوس، وهي قد تكون سماوية إذا كان المشرّع لها هو اللهُ تعالى، كالشريعة الإسلامية، وقد تكون مَدَنيّة إذا كان المشرّع لها هو الإنسان كشريعة حمورابي، فإطلاق الشريعة على الأحكام باعتبار أنّها الطريق المستقيم الذي يُوصِلُ من يسلكه لصالحه وسعادته، كما أنَّ الشريعة السّماوية تسمّى بالدّين باعتبار لزوم التديُّن بها من رَبِّ العالمين، والفرق بين التشريع والشريعة أنَّ التشريع هو سَنُّ تلك الأحكام والقوانين والأنظمة، والشريعة هي نفس القوانين والأنظمة والأحكام.

وبهذا يظهرُ لكَ الفرقُ بين التشريع والاجتهاد والتفقّه، فإنّ التشريع: هو سن الأحكام والقوانين وإيجادها، والاجتهادُ: هو استنباط الأحكام والقوانين من أدلتها ومصادرها، والتفقّه: هو معرفة القوانين والأحكام والأنظمة من أدلتها، وعليه فليس الفقيه والمجتهد بمشرّع، وليس هما من السلطة التشريعية.

ثمّ إنّ الشريعة والمنهاج في لسان الشرع شيءٌ واحد قال تعالى: [لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا]([206])، ولكن يظهر من بعضهم أنّ الشريعة هي الأصولُ والقواعد الدينية والمنهاج هو الذي يفصّل هذه القواعد.

والحاصل: إنّ الشريعة والمنهاج عبارةٌ عن نفس الأنظمة والقوانين والفقه هو معرفتها من الأدلة القائمة عليها.

 

الفصل الثاني

في وجه الحاجة للتشريع الإلهي

لقد كان من وضع الإنسان المحتّم أنْ يقطع مفاوز الحياة مع أبناء نوعه، سواء قلنا إنّ ذلك يقتضيه بطبيعته وفطرته أو كان ذلك من جهة الحاجة في شؤونه ومعيشته، وهذا مما أوجبَ الحاجة إلى تشريع يُحدِّدُ له الارتباط بالغير في المجتمع الذي يعيش فيه؛ منعاً له من شذوذ التصرّف وإطلاق العنان للشهوة والأثرة وحبّ الذات والإسفاف والإسراف في تنفيذ الرغبات.

وللقضاء على العلل ومشاكل الاجتماع، وللإرشاد للمصالح والمنافع، ولتنظيم الحياة لكسب السعادة فيها، ولإقامة العدل وصيانة حقوق الناس الشخصية والكلية، ولحفظ الأمن العام، وللسلوك بهم نحو مدارج السموّ والكمال، ولاستلهام المثل العليا والفوز بالنشأتين والسَّعَادة في الدّارين، وهذا التشريع وأنْ كانت العقول قد وضَعَتْهُ لأممها حسب معرفتها وعلمها، إلاّ أنّه لا شكَّ أنّ التشريع الإلهي حيثُ يستند لأعظم عقلية غيبية تدرك مصير الأعمال ومصالح الأفعال ومفاسدها، ويستمدّ من أوسع علمية بمجاري الأمور، وما تؤول إليها بخيرها وشرّها ومحاسنها ومساوئها، وأبصر معرفة بحقائق الموجودات، ودقائقها وأسرارها، كان التشريعُ الصَّادر منها أسمى وأنفع من التشريع الصادر من العقليّة البشرية المحدودة في معلوماتها، والتي طالما وَقَعَتْ في الهفوات والأخطاء حتّى فيما يخصّ نفسها.

هذا مع أنّ النفس لشهواتها طغيان يوقعها في مهامه الهلكات، وينزلها لأخس الدنيئات، ولا يمكن أنْ يقفَ دُونَه التشريعُ الإنساني، حيثُ ينعدم سلطانه عند الخلوة والأمن من المراقبة، بخلاف التشريع الإلهي، فإنّه لا ينعدم معه الرقيب فالله يعلم السرّ وأخفى.

أضف إلى ذلك ما في التشريع الإلهي من ربط العبد بمولاه والمخلوق بخالقه الموجب لشكره، وشكره يوجب شمول رعايته وجميل لطفه وزيادة النعمة وتوفير الإحسان والبركة، فالغاية من التشريع الإلهي والمنفعة المرتبة عليه هو سير الناس نحو الحياة الموفّرة بالسعادة في الدارين على الوجه الأكمل، ونيل الخير في النشأتين على النّحو الأحسن؛ ليكونوا خير أمّة أُخرجت للناس بتنظيم حياتهم ووفور السعادة لديهم، وإلاّ لكان الأمر فوضى بينهم تتحكَّمُ فيه رغبات القوي وتُغصَب حقوقُ الضَّعيف وتُسْلَبُ عنهم الحرّيات وتتبع في تصرّفاتهم الشهوات ويُفرَّط بمهمّات الحياة الخمس الدِّينُ والنفس والعرض والمال والعقل، وذلك هو الخسران المبين.

ما يحتاجه التشريع

ولكنّ التشريع مهما كان نوعه إلهياً أو مدنياً يحتاج إلى الأحكام التي تكفل له القيام بأحكامه، وتضمن له الإطاعة لقوانينه، أمّا روادع وزواجر كبطلان العقود والايقاعات المخالفة للتشريع، وأما عقوبات وتأديبات كالحدود والتعزيرات والسجون والقصاص والغرامات.

ويختصُّ التشريع الإلهي بالعقوبات الأخروية مضافاً للعقوبات الدنيوية فيكونُ في النفوس أركز وبالاندفاع نحو العمل أزيد، ولنا في هذا المقام مقالاتٌ قَيِّمة نَشَرَتْها المجلاّتُ الإسلامية والصُّحُفُ العَرَبيّة فيراجعها من أراد زيادة البصيرة.

 

الفصل الثالث

في فصل الدين عن السياسة

ويلحقُ بهذا المطلب ما لاكته الألسن في هذا الوقت من فصل الدِّينِ عن السياسة، والسبب فيه إنّ الغَرب لمّا رأى هيمنة الكنيسة على شعوبهم، حتى أصبحت الطاقة الروحية تصطدم بقوة الدولة وتزاحمها في نفوذها وسطوتها وسلطانها، أخذ رجالُ الدولة في بذلِ السَّعي لفصل الدِّين عن سياسة الدولة، وإبعاد نفوذِ رجال الدين عن شؤون الحاكمين، مستندين في ذلك إلى ما في الأناجيل متّى ولوقا ومرقص من قول اليسوع  (أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله)([207])، وتمكّن بذلك وُلاةُ الأمور منهم أنْ يفصلوا رجالَ الكنيسة، ويبعدوا علماءها عن آفاق السياسة والحياة العملية لشعوبهم.

وأمّا الإسلام فقد ربط السياسة بالدين والحياة بالشريعة الإسلامية، حيثُ قنَّنَ أحكام الحياة للفرد وللبيت وللمجتمع حتّى مع الغير، وطَلَبَ من العُلماء أنْ لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم.

وأما العبارة المنقولة عن الأناجيل فهي لا تدلُّ على أكثر من أنّ المال
الذي لقيصر لا يُعطى لله، والمال الذي لله لا يعطى لقيصر، فإنّك لو راجعت الأناجيل المذكورة تجد هذه الكلمة صَدَرَتْ من اليسوع في دينار قُدّم له عليه كتابة وصورة لقيصر، وقد عالجنا هذا الموضوع بصورة أوسع في كتابنا نقد الآراء الفلسفية.

 

المطلب الثالث

الإسلام والشريعة الإسلامية وعمومها، وفيه فصول

الفصل الأول

في تسميته وعموميته

الإسلام مصدر (أسلم) بمعنى: انقاد، وليس كما تُوهم أنّه مأخوذ من سَالَمَ بمعنى: وَافَقَ؛ لأنّ مصدره مسالمة لا إسلام.

وقد نُقِل من هذا المعنى عند المسلمين للدّين الذي جاء به نبيُّنا محمَّد  صلى الله عليه واله وسلم  لقوله تعالى: [إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ]([208])، ولقوله تعالى: [وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا]([209])، وهذا هو مصدر تسميته بالإسلام، فإنّها تسميةٌ قد جاءَت من عند الله تعالى.

وكان الإسلامُ آخِرَ الشرائع الدينية وخاتمتها جاءَ لعامّةِ الناس في شرق الأرض، وغربها لقوله تعالى من سورة سبأ: [وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ]([210])، ولقوله تعالى في سورة الأعراف: [قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً]([211])، ولهذا نَهَضَ نبيُّنا محمّد  صلى الله عليه واله وسلم  بتبليغ الدعوة الإسلامية، حتى أوصل الدعوة
لهرقل امبراطور الروم ولكسرى ملك الفرس وللحارث الحميري ملك 
اليمن وللمقوقس حاكم مصر وللحارث الغسّاني ملك الحيرة وللنجاشي ملك الحبشة.

 

الفصل الثاني

في أصول الإسلام

وأصول الإسلام ثلاثة، التوحيد، وهو شهادة أنْ لا إله إلاّ الله، والنبّوة وهي شهادة أنّ محمّداً رسولُ الله  صلى الله عليه واله وسلم ، والمعاد وهو الاعتراف بعود النّاس بعد مماتهم يوم القيامة؛ ليأخُذَ كلٌّ منهم حقه إنْ خيراً فخير وإنْ شرّاً فشر، سواء عُلِم من المقرّ أنّه مصدّق بذلك أم لم يُعلَم، فمجرد إقراره واعترافه بذلك كافٍ في ثبوت إسلامه وترتّب آثار الإسلام عليه، كالطهارة، وجواز النكاح، والدية التامة، كما صَرَّح بذلك العلماء.

والدليل عليه هو ما تواتر عن النبي صلى الله عليه واله وسلم ([212]) والصحابة أنّهم كانوا يكتفون في ثبوت الإسلام بالإقرار بالشهادتين واستغنوا عن الإقرار بالمعاد؛ لأنه لازم بيّن للإقرار بالنبوة، ثم بعد ذلك ينبّهون المُقِر على المعارف الدينية التي يتحقّق بها الإيمان، ففي رواية سُماعة عن أبي عبد الله  عليه السلام  في وصف الإسلام أنّه قال: (شهادةُ أنْ لا اله إلا الله والتصديقُ برسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ، به حُقِنَتْ الدماءُ وعليه جرت المناكح والمواريث وعلى ظاهره جَمَاعَةُ النَّاسِ)([213]).

وأمّا عَدُّ منكِرِ ضروريِّ الدّين ومنكر ما قطع به أنّه من الدّين من الكافرين من دون شبهة، ولا دليل؛ فلأنه يرجع إنكاره إلى إنكار النبوّة؛ ولما جاء به     النبي  صلى الله عليه واله وسلم ، ولذا حكم الأصحاب بكفر النّواصب الذين نَصَبَوا العداوة لأهل البيت  عليهم السلام ؛ لأنّهم أنكروا الولاية التي هي من ضروريات الدّين.

ومن هذا الباب حكم بعضهم بكفر المستخفّ بالدّين، كالملقي للقرآن في القاذورات، والمستهزئ بالمؤدين للواجبات الدينية استنكاراً لها وتعصُّباً وعنادا.

وأمّا ما وَرَدَ من إطلاق الكافر على تارك الصَّلاة([214]) والحجّ والزكاة ونحوها فالمرادُ به هو الفسق، أو من تركها إنكاراً لها بدون شبهة ودليل، فإنّه إذ ذاك يكون منكراً لضروريّ الدّين الراجع لإنكار النبوة.

وأمّا ما ورد من الحديث المشهور من بناء الإسلام على خمسٍ(2) فلا بدّ أنْ يراد به الإسلام الكامل الذي يوجب دخول الجنة لا الإسلام الظاهري بدليل عدّ إقامة الصّلاة وإيتاء الزكاة من الخمسة.

 

الفصل الثالث

في مميزات الشريعة الإسلامية

لقد امتازت الشريعةُ بأمورٍ يعرفها كلُّ مَنْ قارَنَ بين الشرائع الدينية، إلا أنّ الأمر البارز في ذلك منها هو تكفّلها لسائر الأحكام التي تخصُّ حياة الإنسان الفردية والاجتماعية الدينية والدنيوية.

وظهرت هذه الشريعةُ بثوبِ الدّولة السياسي، ومثلت كُلَّ شيءٍ مما يخصُّ المجتمع أو الفرد بطابعٍ دينيّ وتشريعٍ إلهيّ، تساير الزمن مهما تقلّبت الأحوال وتعالج شؤونَ الحياة في العالم مهما اخْتَلَفَتْ الأوساطُ، فكانَتْ النّتيجَةُ الحتمية أنْ صارتْ خاتِمةَ الشرائع الإلهية والأديان السماوية.

بعد أنْ هبط الوحي المبين بأوّلها على قلب رسول ربّ العالمين في مكة المكرمة والأرض المشرفة كعبة رب العالمين، ثم جاءت أحكامُها تباعاً وتدريجاً حتّى كَمُلَتْ قواعدها وأصولها وتمّت أحكامُها وأسُسها في غدير خمّ عندما نزلت الآية الكريمة: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلاَمَ دِينًا]([215]).

وذكر علماء التفسير لمورد نزول آية [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ] [معانٍ متعددة]، ففي رُوحِ المعاني للآلوسي ج6، ص55 طبع مصر (عن أبي سعيد الخدري: إنّ هذه الآية نزلت بعد أنْ قال النبي  صلى الله عليه واله وسلم  لعلي (كرم الله وجهه) في غدير خمّ (من كنت مولاه فعليٌّ مولاه)، فلمّا نزلت قال  صلى الله عليه واله وسلم : (الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النّعمة ورضا الرّبّ برسالتي وولاية عليّ بعدي)...)([216]).

ومثله ما ذكره ابنُ كثير في تفسيره([217]) ج2، ص14 طبع مصر.

وفي تفسير النيسابوري ج2، ص4 (إنّه لمّا نَزَلَتْ الآيةُ المذكورة على النبي  صلى الله عليه واله وسلم  فرح الصّحابة إلاّ أكابرهم كأبي بكر الصديق وغيره، فإنهّم حزنوا، وقالوا: ليس بعد الكمال إلاّ الزوال، وكان كما ظنوا، فإنّه لم يعمّر بعدها إلاّ أحداً وثمانين يوماً أو اثنين وثمانين يوماً ولم يحصل في الشريعة بعدها زيادة ولا نسخ ولا نقص)([218]).

وغدير خمّ هو بين الحرمين مكة المكرمة والمدينة المنورة عند الجحفة، وهو الذي خطب فيه رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  بعد حجة الوداع ونَصَبَ علياً ولياً على المسلمين.

ومن بارز مميّزاتها أنّها حَثَّتْ على العمل لِكَسْبِ المغنم في هذه الحياة وتحصيل المعرفة بأسرار هذه الكائنات، ووعدت الصَّالحين الذين يصلحون للتدبير والتقويم بالميراث للسّطوة والسلطة بقوله تعالى: [أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ]([219])، ولم تغادر صغيرة أو كبيرة إلاّ وذكرت حكمها، حتى أنّك لا تجد واقعة من الوقائع التي تخصُّ الإنسان نفسه، أو مع غيره، أو المجتمع نفسه، أو مع غيره إلاّ ويظهر حكمها من نصّ أو ظاهر أو قاعدة أو أصل، وهذه الميزة تفقدها سائر الشرائع لسماوية والنظم الحزبية والقوانين الدولية.

ومن بارز ميّزاتها إنّها حرّرت العقل البشري من الأساطير والخرافات ووجّهَتْهُ نحو المنطق الحرّ والدليل والبرهان في العقيدة والايمان.

ولم تأخذ بالجريمة والجريرة بمجرّد التفكير فيها، وإنّما تأخذ بها بعد ارتكابها، فلم تأخذ بالتفكير في الزنا، وإنّما تعاقب على ارتكابه، كما ينسب ذلك لبعض الشرائع، إلى غير ذلك من مميّزاتها، فإنّها لا يمكننا إحصاءها بهذه العجالة.

 

الفصل الرابع

في وجه جعل الرسالة الإسلامية في جزيرة العرب

إنّ من مميّزات البلاد العربية وما حولها أنّ الشرائع السماوية الثلاثة التي يعتنِقُها أكثر العالم الانساني كانت هي مهبطها، فاليهوديّة أوحي بها
لموسى  عليه السلام  في صحراء سيناء، والنصرانية في فلسطين، والإسلام في مكّة المكرمة، وقد جعل الله تعالى تشريعه للإسلام للعالم الإنساني من مكّة المكرمة؛ لأنَّ الثقافة كانت منعدمة فيها، والفضيلة العلمية غير موجودة في ناشئتها، والأميّة قد ضربت سُرادِقُها على جوانبها؛ لئلا يتخيّل متخيّل أنّ هذا التشريع المتقن من صنع البشر فيها.

بخلافِ ما لو كان من بلادٍ تقوى الثقافة فيها كاليونان والرومان وفارس، فإنّه قد يذهب الوهم ويقوى القول والظنّ أنّ هذا التشريع من وضع المثقفين فيها، ومن هذا الباب جعل الوحي ينزل على الأميّ من أمّ القرى لا على الكاتب القارئ فيها.

وهذا الوَجْهُ الذي ذكرناه أحسنُ من الوجوه التي ذكرها القوم من كون جزيرة العرب فيها عقائد متباينة وأديان مختلفة، فجاء الإسلام ليردّهم إلى دين الحق، أو من أنهم كانوا متفكّكي الروابط وكثيري المشاحنات فجاءَ الإسلام لجمع كلمتهم، ولو كان الأمرُ كما ذَكَروه لَلَزَمَ القولُ بعدم حاجةِ باقي الملل والنِّحَلِ للإسلام.

 

الفصل الخامس

في علوم الشريعة الإسلامية

إنّ الشريعة الإسلامية لمّا كانت أحكامُها على أقسام ثلاثة:

أحدها: ما يتعلّق بالعقائد الإسلامية كالاعتقاد بوجود الله وصفاته ورسله وكتبه والمعاد والثواب والعقاب، ونحو ذلك مما يرتبط بالعقيدة الإسلامية، وضع المسلمون لها علماً خاصّاً يبحث عنها سمّوه بعلمِ الكلام وعلم أصول العقائد وعلم الفقه الأكبر، وعلم التوحيد، وعلم العقيدة، وعلم المبدأ والمعاد.

ثم إنهّم بعد ذلك سَلَكوا في دراسة هذا العلم مسلكين:

أحدهما: مَسْلَكُ النقل وهو الاعتماد على معرفة ذلك من القرآن الكريم والسنّة وتأييدهما بالعقل.

وثانيهما: مَسْلَكُ العقل وهو الاعتمادُ على معرفة ذلك من الأدلّة العقلية، وما وَصَلَ إلى المسلمين من معارف الفلاسفة والحكماء مع تأييد النقل فخصّوا الأول بعلم الكلام والثاني بعلم الحِكْمَةِ والفلسفة.

وثانيها: ما يتعلَّقُ بالأفعال والأعمال التي تخصُّ المكلّف بوضعه الفردي أو وضعه الاجتماعي من عبادات ومعاملات وعقوبات والتزامات، ووضع له المسلمون علماً خاصاً به سمّوه بعلم الفقه، الذي هو محلُّ بحثنا، ويسمّى في عرف الحقوقيين بعلم القانون.

وثالثها: ما يتعلَّق بكمال الإنسان وآدابه وسيره وسلوكه من تهذيبه وإصلاحه، وما يجب أنْ يتحلّى به من الفضائل وما يتخلّى عنه من الرذائل ووضع له المسلمون علماً خاصّاً به سمّوه بعلم الأخلاق.

وبيان هذا التقسيم أولى وأحسن مما قيل في بيانه من: أنّ العلم الذي يُبْحَثُ عن أحكامِ الشَّريعة الإسلامية التي تخصُّ العقيدةَ يسمّى بعلم الكلام، والعلم الذي يبحث عن أحكام الشريعة التي تخصُّ تزكيةَ النفس وتطهيرها يسمّى بعلم الأخلاق، والعلم الذي يبحث عن أحكام الشريعة الإسلامية التي تخصُّ إصلاح المجتمع الإنساني وينظم مدنيته يسمّى بعلم الفقه، فإنَّ إثبات أصل وجود الله وصفاته ليس من الأحكام، وإنّما الحكم، هو وجوب الاعتقاد بوجوده، وهكذا أحوال المعاد.

ثم إنّ علم الفقه يبحث عن أحكام تخصّ الفرد كعباداته، فكيف يجعله باحثاً عن خصوص ما يصلح المجتمع وينظم مدنيته؟

 

الفصل السادس

في مجيء الإسلام على سبيل التدريج وحكمة ذلك

ولقد جاء الإسلام بأحكامه وأنظمته وقوانينه على سبيل التدريج، حسب ما تقتضيه المصلحة، ومن أجل هذا نزل القرآن نجوماً أي: على دفعات متقطعة حسب مقتضيات الأحوال والأحداث والأوضاع.

وكانت الآياتُ النازلة يسأل من النبي  صلى الله عليه واله وسلم  عن وضعها في أيِّ سورة من سور القرآن الكريم، ويحكى أنّ الصّلاة أوّل تشريعها ركعتان صُبحاً، وركعتان مساءً، ثمّ لما اعتادت عليها النفوس جُعِلَتْ خمس صلوات، وإنّ الصيام أوّل ما شُرِّعَ كان ثلاثَةَ أيامّ في كُلِّ شهرٍ ثُمّ جُعِلَ عليهم صوم شهر رمضان بأجمعه، وكانت القبلة إلى بيت المقدس، ثم بعد ستة عشر شهراً أو أكثر جعلت القبلة الكعبة المشرفة. وهذا أدل دليل على أنّ أحكامه تابعة للمصالح والمفاسد الكائنة في متعلّقاتها، يتوخّى منها سعادة الفرد والمجتمع في الدّارين والفوز بالنشأتين، كما يرشد إلى ذلك مجيء التخصيص أو التقييد في بعضها بَعْدَ مُضي زمانِ العموم والإطلاق، ومجيء النسخ في بعضٍ آخر منها بَعْدَ مُضي زمانِ المنسوخ، إلى غير ذلك مما تقتضيه المصلحة أو المفسدة.

 

الفصلُ السَّابعُ

في أنّ لكلّ واقعةٍ حكماً شرعياً

لقد قام الإجماع منّا، بل من جميع المسلمين على أنّ الوقائع والحوادث على مختلف أنواعها وأزمانها وظروفها وحاضرها ومستحدثها لا تخلو عن حكمٍ إسلاميٍ وتشريعٍ إلهيٍ، اقتضائي أو تخييري، بدليل قوله تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...]([220])، وأمّا الرُّجوعُ إلى العقل، فهو إمّا في معرفة مقاصد الأدلة الشرعية وأهدافها، وما ترمي إليه من القواعد وتَتَطلّعُ إليه من الدفائن والحقائق، وإمّا في كشفه عن الحكم الشرعي نظيرُ كشف القرآن والسنة، وهو مُضَافاً إلى قلته؛ لأنّه لا يكونُ إلاّ في الأمور الواضحة الحكم كَردِّ الوديعة ونحوها، ففي مَوْرِدِهِ لابدّ وأنْ يكون من الأدلّة الشرعيّة ما يدلّ عليه.

والحاصل: إنّ كلَّ واقعة لا تخلو عن الحكم الشرعي، نعم بعضُ الوقائع
لا يمكن التشريعُ فيها كالاعتقاد بوجودِ اللهِ تعالى، وكالإطاعة والامتثال للتكليف الشرعيّ للزوم الدور أو التسلسل، ولكنّ هذا ليس قصوراً في التشريع، بل هو من جهة عدم قابلية المحلّ، نظير اجتماع النقيضين، فإنّ عدم قدرة الله تعالى عليه ليس نقصاً في القدرة، بل هو من جهة عدم قابلية المحل. وعليه ففي مثل تلك الموارد يكون المرجع هو حكم العقل، ولله أنْ يؤاخذ ويعاقب على مخالفته.

نعم، الملازمات العقلية كوجوب المقدمة والنهي عن الضد يكون العقل مرجعاً فيها، وهكذا الأصولُ العملية، وهكذا الظنُّ بناء على الانسداد، كما أنّ القرآن والسنّة تكونُ مرجعاً في الأحكام، بمعنى: أنّه يكشف حكم الشارع في الواقعة بها لا أنّها تقتضي عَدَمَ حكمٍ للشارع في الواقعة.

 

الفصلُ الثامن

في بيان الرسول لجميع أحكام الوقائع

هذا ولكنْ وَقَعَ الكلام بين المسلمين في أنَّ الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  بَلَّغَ وبيّنَ جميع أحكام الوقائع بالكتاب وبالسنة النبوية وأظهرها بأجمعها فيهما، ولم يكتم شيئاً منها، أو أنّ الرسول بلَّغَ خصوصَ الأحكام الشرعيّة التي تخصُّ الوقائع التي حَدَثَتْ في زمانه، وكانت محلّ الابتلاء في وقته، وأودع باقي الأحكام عند
علي  عليه السلام ، وعليٌّ  عليه السلام  صنع الرسول  صلى الله عليه واله وسلم ، فأظهر منها التي تخصّ الحوادث التي وقعت في زمانه وكانت محلّ الابتلاء فيه وأودع الباقي من الأحكام للإمام الذي يكون بعده، وهكذا كلّ إمام يصنع كذا، فيُظْهر ذلك الإمام مما تبقى عنده من الأحكام بحسب الحاجة، ويودع ما بقيَ من الأحكام عند من بعده، وهكذا إلى الإمام الثاني عشر، وكلُّ واحدٍ منهم يُظْهِر منها ما يخصُّ الحوادث النازلة في وقته، ويودع ما تبقى من الأحكام عند من بعده من الأئمة؛ ليظهرها وقت الحاجة، والإمام الثاني عشر حيٌ موجودٌ يظهرها بالمناسبات التي تقتضي ذلك، بل إنّه  عليه السلام  ينتفع بوجوده كانتفاع عالمنا بالشمس حتَّى حين يغطيها الغمام.

وذهب إلى القول الأوّل أهلُ السنة، وذهب إلى الثاني الشيعة، والكلام يقع أولاً في تجويزه، وأخرى في تحقّقه، أما جوازه فهو لا إشكال فيه؛ لأنّ العقل لا يمنع من تأخير البيان للحكم قبل مجيء وقت الحاجة إلى بيانه، وإنّما يمنع من تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه، وفرض كلامنا أنّ الأحكام التي أخّر بيانها لم نكن نحتاجُ بيانَها، وقتَ وجودِ الرسول  صلى الله عليه واله وسلم ، وإنّما نحتاجُهُ بعده للوقائع المتجددة بعده  صلى الله عليه واله وسلم ، بل قد يلزم تأخيرُ بيان بعض الأحكام لبعض الوقائع، كما إذا كانت المصلحة تقتضي تأخيرُ بيانها، أو كانت مفسدة في بيانها، ويُرْشِدُكَ إلى ذلك تأخيرُ بيان بعض الأحكام في نفس زمان الرسول  صلى الله عليه واله وسلم ، فإنّه لم يكن قد بيّن جميع الأحكام أوّل رسالته، وإنمّا أظهرها على سبيل التدريج، فأوّلُ ما بيّن التكليفُ بالشهادتين، ثم أخذ يُظْهِرُ التكاليف تدريجاً، فإذا جَازَ التأخيرُ في
إظهار بَعْضِ الأحكام في زمانه  صلى الله عليه واله وسلم ، فإذنْ يَجوزُ تأخيرُ بيانِ بَعْضِ الأحكام بعد وفاته  صلى الله عليه واله وسلم ؛ لأنَّ حكم الأمثال فيما يجوز وما لا يجوز واحد.

ويرشدك لذلك قوله تعالى في سورة المائدة [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ]([221])، فإنّها تدلُّ على تأخير بيانِ حُكْمِ هذه الأشياء، وإنّ المصلحة تقتضي عَدَمَ إظهارَ حُكْمِها فعلاً، بل يمكن أنْ نقول: إنّه يجوزُ أنْ يكون  صلى الله عليه واله وسلم  أودعَ إظهارَ نُسَخِ بَعْضِ الأحكام الواقع ذلك النسخ في زمن وجوده  صلى الله عليه واله وسلم  عند أوصيائه المأمونين على سرّه؛ لكونِ أمَدِ بقاءِ الحُكْمِ المنسوخ ينتهي في زمانهم  عليهم السلام  لا في زمانه  صلى الله عليه واله وسلم .

والحاصل: إنّ العقلَ يُجوِّزُ تأخيرُ البيان للحُكْمِ بَعْدَ الرّسول بأنْ يُودِعُ بيانه لأحد أوصيائه المؤتمنين على الدنيا والدين إلى الوقت المطلوب إظهاره من دون قبحٍ في ذلك، بل يُلْزِم بتأخيرِهِ إذا اقتضت المصلَحَةُ ذلك أو كانت المفسدة في إظهاره في زمان وجوده  صلى الله عليه واله وسلم ، بل وحتّى نَسْخه إذا كان أمَدُ الحكم المنسوخ ينتهي إلى ما بعد زمنِ الرّسول  صلى الله عليه واله وسلم ، فيكون إظهارُ نسخه مودعاً عند المأمون على
سره  صلى الله عليه واله وسلم ، هذا ما يقتضيه حكم العقل...

وأمّا النقل فقد وَرَدَ منه من طريق العامّة والخاصة ما يدلُّ على ذلك بالمطابقة أو الالتزام ما يبلغ أكثر من حدّ التواتر. أمّا ما روي عن طريق العامة فهو حديثُ الثقلين الدالّ على التمسُّكِ بعد النبي  صلى الله عليه واله وسلم  بالكتاب وبعترته أهل بيته وإنّهما لن يفترقا حتَّى يَرِدَا عليَّ الحوض، فقد رَواهُ ابنُ سَعْدٍ في الطبقات الكبرى([222])، والطّبراني في المعْجَم الصغير([223])، والطبري في ذخائر العقبى([224])، والسيوطي في إحياء الميت([225])، والترمذي في صحيحه([226])، ومسلم في صحيحه([227])، وغيرهم حتّى كاد أنْ يكون متواتراً أو بلغ حدّ التواتر عندهم.

فلو لم يكن عند عترته بيانُ بعض الأحكام الشرعية للأزمنة اللاحقة بعد موته  صلى الله عليه واله وسلم  لما أوصى بالتمسُّكِ بها على حدِّ التمسك بالكتاب.

وما روي عن كنز العمال([228]) وعن مفتاح النجا([229])، وعن إسعاف الراغبين([230]) من أن النبي  صلى الله عليه واله وسلم  قال: (عليٌّ بابُ علمي ومبيّنٌ من بعدي لأمّتي وما أرسلت به). وما روي عن المناقب لابن المغازلي([231]): (عن النبي  صلى الله عليه واله وسلم  ما علمت شيئاً إلا علّمته علياً فهو باب مدينة علمي)، وما تواتر نقله عن الفريقين من أنّ عليا باب مدينة علم الرسول ومَنْ أراد العلم فليأته من بابه([232])، فلو لم يكن هناك أحكام شريعة اختصَّ بمعرفتها عليّ  عليه السلام  لما حصر معرفتها من طريقه.

وأمّا ما ذكروه من الردّ على ذلك فوجوه:

أحدها: قوله  صلى الله عليه واله وسلم ، (تركت فيكم ما إنْ تمسّكتُم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي)([233])، باعتبار أنّه يدلُّ على أنّ الأحكام للوقائع قد بيّنها رسول
الله  صلى الله عليه واله وسلم  بالكتاب والسنّة، ولم يُودَعْ عندَ أحدٍ منها شيئاً، وإلاّ لكان التمسُّكُ بذلك غير رافع للضلال.

ففيه: إنّ الحديث قد تواتر حتّى عند أهل السنة بدل (سنتي) عترتي فلتراجع كتب أخبار السنة، فلو فرض بينهما منافاة فلابد من الأخذ بالمتواتر وترك ما عداه، ولو سُلِّم فهو لا ينافي ما ذكرته الشيعة؛ لأنّ من سنته هو الرجوع للعترة ومعرفة أحكام الوقائع منهم، وأنّهم سفن النجاة وأنّهم أبواب مدينة علمه  صلى الله عليه واله وسلم .

ثانيها: قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ]([234]) الآية، فإنّ الرسولَ لمّا كان رسولاً لكافّة الناس لا لأهل بيته خاصّة، فالتبليغُ يَجِبُ أنْ يكون إلى الناس كافة لا لبعض دون بعض.

وفيه: أنّ الرسالة وإنْ كانت لكافّة الناس لكن لا يلزم أنْ تكون جميع أحكامها يظهرها دفعة واحدة، بل يجب الأمانة في تأديتها والتحفُّظ بإبلاغ من أراد الشارع تبليغه، فمن الأحكام ما أراد الله تعالى من الرسول تبليغه لعامة الناس، ومن الأحكام ما أراد الله تعالى تبليغه لبعضٍ بخصوصِهِ، فلو بلّغه على نحو العموم لخالف أمانة الرسالة.

والحاصل: إنّ المراد به التبليغ على الوجه المأمور به سِعةً وضيقاً،
خصوصاً وعموماً، فوراً أو في المستقبل، ألا ترى أنّ الملك يرسل رسولاً للمحاربين بين يديه، ويأمره بتبليغهم بعض الأمور بنحو العموم، ويأمره بتبليغ بعض الأمور بنحو السّر لبعض الجيش، فهل ترى أنّه لو قام بالرّسالة مع المحافظة على التبليغ بالنحو المذكور يصحُّ أنْ يقال: إنّ تبليغه بنحو السّر ينافي رسالته
لهم عموماً، بل لو فرض أنّه بَلَّغَ على نحو العموم جميع ما كلَّف بهِ، ولم يُراعِ قيودَ التبليغ وسعة دائرته وضيقها يقال في حقِّهِ إنّه قد خَانَ الأمانة ولم يَحْسُنُ التبليغ.

وعليهِ فاختصاصُ الأئّمة بتبليغِ بَعْضِ الأحكام الشرعيّة من قبل الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  لا يُنافي رسالته لكافّة الناس، بعد أنْ كان اللهُ تعالى قد أمره بذلك وبيّنه
بقوله  صلى الله عليه واله وسلم : إنّهم سفن النجاة([235])، وأمره  صلى الله عليه واله وسلم  بالرجوع إليهم([236]) في الحوادث، مع أنّا لو سلَّمنا ذلك، فالآيةُ إنّما تقتضي تبليغ ما كان قد أنزله الله إليه قبلها لا ما أنزل إليه بعدها؛ لأنَّ لفظ (أنزل) للماضي لا يتناول الحال أو الاستقبال، هذا مع ما نقله الكثير من المفسّرين من علماء أهل السّنة من أنّ الآية الشريفة وَرَدَتْ في حقِّ عليٍّ  عليه السلام .

ثالثها: قوله تعالى: [الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي]([237]) الآية، فإنّها واردة في مقام الامتنان على المسلمين بإكمال الدين عليهم وهو يستلزم بيانه لهم لا كتمان شيء عليهم.

وفيه: إنّ المنّة بإتمام القانون لا يستلزم بيانه فوراً، بل إنّما يستلزم حفظه أو إظهاره وقت الحاجة إلى البيان، والرّسولُ  صلى الله عليه واله وسلم  حَسْبَ الفرض قد أظْهَرَ من موادّه ما هو محتاجٌ إلى إظهاره وأخَّر بيانَ ما بَقي إلى وقتِ الحاجة لمصلحةٍ هناك أو لمفسدة في البيان، وأودع ما هو غير محتاجٍ للبيان عند الأمنة الحفظة، يبيّنونه عند الحاجة للبيان، فإنّ في ذلك كمالُ الامتنان على الأمة؛ إذ لو قدّم بيانه مع أنّه خلاف المصلحة أو فيه المفسدة لكان في ذلكَ تفويتٌ للمصلحة أو إيقاعٌ في المفسدة وهو خلافُ الامتنان.

رابعها: إنّ المنقول عن أئمّة الشيعة لا يفي بالحوادث والوقائع المستجدة لوجود الاجتهاد عندهم في مسائل كثيرة جدا، ووجودُ الاختلاف الكثير في هذه المسائل يقتضي عدم كفاية بيانات أئمة الشيعة لبيان الأحكام أو عدم وفاء الشريعة وتماميتها للوقائع والأحداث.

وفيه: إنّ هذا الإيراد لو تَمّ فهو وارد على الجميع، فإنّه بمثل ذلك يقال في حَقّ أهل السنة، بأنّ الموجود في الكتاب والسنة لا يفي بالحوادث المستجدة لوجود الاجتهاد عندهم في أغلب مسائلهم، ورجوعهم للاستحسان والقياس، وغيرها من الظنون بالأحكام الشرعية، التي لم تقم الحجة من الشرع على اعتبارها، وهذا يقتضي عدم كفاية بيان الكتاب والسنّة عندهم، كيف وقد صَرَّحَ الكثير منهم بذلك، واعترفوا بأنَّ المأثور من تشريعاتِ الرَّسول وأحكامه وأقضيته أصبح غير وافٍ بالحوادث النازلة والوقائع المتجددة في كلِّ وقتٍ وزمان.

وفي كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري([238]) يقول فيه: (الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب الله ولا سنة النبي  صلى الله عليه واله وسلم )([239])، وهذا الشهرستاني([240]) في الملل والنحل يقول: (إنّ الحوادث والوقائع في العبادات والتصرّفات مما لا تقبل الحصر والعدّ، ونعلم قطعاً أنّه لم يرد في كلِّ حادثةٍ نَصٌّ ولا يتصوّر ذلك، والنصوص إذا كانت متناهية والوقائع غير متناهية وما لا يتناهى لا يضبطه ما يتناهى عُلِم قطعاً أنّ الاجتهاد والقياس واجبُ الاعتبار حتّى يكون بصدد كل حادثة اجتهاد)([241]).

ولكنّ الذي تذهب إليه الشيعة أنّ القرآن والسنة النبوية والمأثور من
العترة الطاهرة الزكية قد أظهرت الأحكام الشرعية لكلِّ حادثةٍ من الحوادث النازلة والوقائع المستجدة إلى يوم القيامة، أمّا بالنصّ عليها بالخصوص أو
بنحو العموم، شأن الأنظمة والقوانين الدولية، فإنّها تشرّع أحكام الحوادث النازلة والوقائع المتجددة بموادّها الكلية وأصولها العامة ومبادئها الشاملة
تاركةً فهم الجزئيات واستنباط التفاصيل وما تهدف إليه من حقائق ومقاصد لأهل البصيرة وحسن السليقة، ومعتمدة على استخراج أحكام الوقائع
من نصوصها وظواهرها ومفاهيمها، وسياق بيانها ولوازمها على أهل المعرفة والتفكير المستنير.

وهذا هو الاجتهاد الذي عند الشيعة الذي يحتاجه كلُّ أحدٍ في معرفة منطق القوانين والأنظمة حتّى لو كانت موادُّها بأسمى بيانٍ وأحسن توضيح، واختلاف فقهاء الشيعة في بعض أحكامِ الوقائع لم يَكُنْ من جهةِ نُقْصانِ البيان للأحكام الشرعية، فإنّكَ لا تَجِدُ حادثة من الحوادث إلاّ وهي صَدَى آيةٍ قرآنية، أو سنّة نبوية أو أثر للعترة الزكية، حتّى في موارِدِ حُكْمِ العقل المستقلِّ الذي لا يحتاج للبيان الشرعي، فإنّه لا بُدّ وأنْ يَدُلَّ على حُكْمِهِ نَصٌّ من نصوصِ الشَّرْع الخاصَّةِ أو أصلٌ من أصوله المطلقة، أو قاعدة من قواعده العامّة، بل العترة النبوية بيّنت حتى حكم الواقعة التي يلتبس على المجتهد حكمها، بأنّه الإباحة أو الاستصحاب لحكمها السابق أو الاحتياط بإتيان أطراف المحتملات أو التخيير بينها.

والحاصل: إنّ اختلاف فقهاء الشيعة لم يكن من جهة تقصير الرسول أو العترة في البيان لأحكام الشريعة، وإنّما كان من جهة اختلاف الأفهام والدسّ في الأحكام، وبسوء اختيار الأمة، مما أوجده أبناؤها من الحُجُب عن وصول البيان إلينا، وغير ذلك مما كان من تصرّفاتها التي حالت بيننا وبين معرفة الأحكام الشرعية والمعارف الإلهية.

 

المطلب الرابع

في الدّين والمذهب والغريزة الدينية والفطرة الإلهية

الفصلُ الأوَّل

في شرح الدين

اشتهر تعريفُ الدّين عند علماء الإسلام بأنّه: الإيمانُ بالذّات الإلهية الجديرة بالطاعة والعبادة. والحقُّ إنّ الدّينَ له عدّة إطلاقات، فقد يطلق على ما ذكر، وقد يطلق على نفس الأحكام الإلهية، كما يقال: إنّ الدّين عندَ الله الإسلام، وقد يطلق على اتباع الشيء، كما يقال: أدينُ بدينِ الحُبِّ والهَوَى، ودِينُكُمْ دَنانيرُكُم، والغريزة الدينية: هي مَيْلُ النَّفْس للإيمان بما وراء الطبيعة التي يعبّر عنها بالفطرة الدينية.

كلمة الوالد القَيِّمة في الدين

وقد ظَفَرْتُ في هذا الموضوع بكلمةٍ قَيِّمَةٍ لوالدي الشَّيخ محمد رضا، أستاذي وله الحقُّ عليّ في تربيتي الدينية  قدس سره  أحببتُ نقلها هنا لما فيها من الفائدة،
قال رحمه الله :

(من المتعذّر أنْ نعرِّف الدّين تعريفاً منطقياً عاماً يشمل الدّين بأوسع معانيه، تعريفاً نشرح به مفهومه الذي ترمي إليه جميع الفرق والطوائف، سواء كان حقاً أو باطلاً؛ لأنّ الدّين عند كلِّ فرقةٍ له شأنٌ ومميّزات غير ما هو عند الأخرى، فإنّا نجد قوماً يرونَ الدِّينَ عبارةً عن بَعْض الأساطير والخرافات، والبعضُ الآخر يرونَ أنّه عبارةً عن الإلهام والشعور، وبعضهم: إنّه الطقوس والعبادات، وبعضهم: إنّه التقاليد الموروثة والأنظمة المسيطرة والانعطاف على الزعماء وتقديس آرائهم.

ولكن مَن تَعَمَّق وتبصَّر في هذا الموضوع يرى أنّ الدين هو الإيمان الكامن في أعماق النفوس والسرّ الغامض القائم فيها، والشعور الخفيّ الذي يجعل الإنسان يرهب شيئاً ويؤمن به ويقدسه، فذلكَ المعنى والرُّوح والسرُّ والصِّلَةُ والخشية التي تتمثَّلُ لنا في النظام والطقس والعبادة والمنسك، وحتى في الأسطورة التي هي واقعة تاريخية نحتها الخيال وحرّفها البشر وأسدى عليها هالة من العظمة والقداسة، هو الدين بأوسع معانيه، يمكن أنْ نحلِّل ذلك الشعور تحليلاً كيمياوياً نفسياً بما حلّله علماء النفس إلى عناصر ثلاثة:

أولها: اعتقادُ النّاس بوجودِ قوّةٍ أو قوىً متعدِّدة أعْظَمُ منهم شأناً غير مسخّرة لهم.

ثانيها: تصويرُ الناس إنّ لهم تعلُّقاً بهذه القوّة أو القوى.

ثالثها: اندفاعُ النّاس إلى إيجاد علاقة لهم بها، ويمكن أنْ نزيد على قولهم (غير مسخّرة) وأنّهم مسخّرون لها، فاعتقاد البشر بتلك القوّة العظيم شأنُها التي تقودهم ولا تنقادُ لهم، وتسخّرهم ولا يسخّرونها، هي قوامُ الدِّين من أول أدواره الهلامية إلى نهاية أدواره التكاملية، فالأديان الأولية البائدة والحاضرة المتكاملة مشتركة في هذا المبدأ الديني الواسع، وهذا المبدأ المشترك بين الأديان هو غريزة من غرائز النفس وقواها التي فُطِرتْ عليها، ومن تلك الغريزة نشأت الأديان.

وقد أشار لذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: [فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ]([242]) إلاّ أنَّ بعض الملحدين حاولوا دَحْضَ هذه الفكرة، وإثباتُ أنّ فكرة الدّين إنمّا نشأتْ بين البَشَر من عاطفتي الخوف والأمل، بتقريب إنّ الإنسان في أدواره الأولى عندما شاهد مظاهر الطبيعة خاف
من بعضها، وأنس بالآخر، رأى البرق يلمظ بين السحب، والعواصف والأعاصير تزأر في الأجواء، والزلازل والاهتزاز يميد بالأرض، والسيول الجارفة تصارع الاثقال، والرعد المزمجر يفسِّرُ الصَّخر الأصمّ، رأى هذه المظاهر الجبّارة المدهشة فخاف منها وألفى نفسه ضعيفاً لديها، وألجأه الخوف والخشية إلى أنْ يتضرَّع إليها ويتوسّل، يقرّب لها القرابين، ويصنع المناسك والطقوس ويتّقيها بالأدعية والحجب والأحراز والصلوات، ولم تكن مشاهداته للمظاهر الطبيعية كلِّها مخيفة، فإنّ منها ما ترتاح له النفس وتأنس بمرآها الجميل فوقف أمامها خاشعاً حيراناً.

رأى الشَّمْسَ تطلع وتغرب بجمالها الساحر وجلالها الباهر، ورأى البدر ينير الأفق وشاهد الربيع يفرِّغ على الأرض ألواناً من الحلل ويكسو أديم الأرض حللاً من الأزهار، والأشجار تحمل مختلف الألوان من الثمر اليانع.

رأى هذه المشاهدات الرائعة البديعة فسكَنَ إليها لتقيه خَطَرَ العاصفة وزمجرة الرعد، ودمدمة الزلزلة، واستجار بها من تلك الأهوال ولاذَ بها وتوسل إليها.

فعاطفتي الخوف من المشاهدة الأولى والأمل بالمشاهدة الثانية نشأت منها فكرته الدينية، وبنوا على ذلك أنّ النفوس الضعيفة لمّا كان مفعول العاطفة أشدُّ فيها من النفوس القوية كانت العقيدة الدينية في نفس المرأة أقوى وأظهر؛ لأنَّ مفعول العاطفة عليها أشدُّ ثمّ يتمشَّى القياس في الأقوام المتوحّشة التي لم تتذوق الحقائق العلمية، فإنّ العقيدة الدينية شاملة لجميع فروع الحياة عندهم).

قال  قدس سره : (ويكفينا قناعة بفساد هذه النظرية أنْ نَجِدَ الأممَ الراقية التي افتضحت لديها أسرار الطبيعة ودرست نواميسها وأصبحت لديها هذه المشاهدات كأمرٍ عاديٍ ليسَ فيهِ شيءٌ من الرَّوعة والخشية والغرابة، وأمكن لها بواسطة معرفتها بالنواميس الطبيعية الجوية أنْ تتنبأ بوقوع تلك المشاهدات قبل زمانها، وما تزال متمسّكة بعقيدتها الدينية، ولو كان الدين حاصلاً من الخوف والأمل وحدهما لَنبَذَ البَشَرُ الدّين عندما شَعَرَ بماهية المظاهر الطبيعية، وانكشف له القناع عن غوامضها، ولمَا بقي منقاداً لفكرة الدّين جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرنٍ، ولو دقّقنا النظر وجدنا أنَّ عاطفتي الخوف والأمل إنّما نشأتا من تلك الموهبة الإلهية والفطرة الرّبانية، قَبْلَ أنْ يستنيرَ الإنسانُ بأنوار الهداية وتتجلّى له مقاييس الحقيقة) انتهى ملخصا.

 

الفصل الثاني

في فلسفة الدين

فلسفةُ الدّين هي البَحْثُ عن الحقائق الدينية بحثاً مستقلاً من ناحية تاريخها، وتطوّر الفكرة فيها، أو من ناحية وصف الحالات النفسية التي يبتني عليها الحياة الدينية في الإنسان، أو من ناحية الأدلّة عليها، وردّ الشكوك والاعتراضات عنها وتمحيصها نقداً وتحليلا.

العناصر المقومة للدين      

ثم إنّ لكلّ دينٍ سماوي عناصر ثلاثة: الإيمان بالخالق لهذا العالم، والإيمان باليوم الآخر، وشريعة جاء بها رسول من خالق هذا العالم إلى مخلوقاته الحية العاقلة القابلة للتكليف.

ما هو المجتمع الديني والمجتمع المادي

المجتَمعُ الدّيني هو المجتمع الذي يتمَشَّى مع الشريعة الإلهية، ويتقيّدُ بقيودها وأنظمتها، ومن مزاياه أنْ تسوده المثل العليا، والأمن والأمان والقيم الروحية والأخلاقُ الفاضلة، والإخلاص في العمل بقلبٍ سليم ونية طاهرة.

والمجتمع المادي هو المجتمع الذي يتحكّم في مقدراته النفع الذاتي المتبادل، ويكون هو الهدف الأوّلُ في سلوك الفرد أو الجماعة، فإذا انعدم النفعُ انفصمت عراه وتفكَّكت أوصاله ويتّجه في مساره حيث ما توجهت ركاب المادة العمياء، فهو كبناء منسق لا ارتباط بين أجزائه ارتباط ذاتياً ولا يتركّز على قواعد محكمة وأسس قوية سرعان ما ينهار؛ لعدم ديمومة النفع الذي يتركّز عليه بخلاف المجتمع الديني، فإنّه يكونُ مُتَرَاصّ البناء يشدُّ بعضُهُ بعضاً ما دام الدِّينُ قائماً فيه والقيم الروحية متركزة فيه.

 

الفصل الثالث

في المذهب الديني

وممّا يُناسِبُ هذا المقام الكلام في المذهب فنقول:

إنّ المذهب هو الطريق الخاص الذي يسلك لمعرفة أحكام الشريعة، وإذا كان له صاحب واحد سمّي بالإمام، وإذا كان له أصحابُ متعدّدة سمّي بالأئمة، وقد انقسمت الشريعة الإسلامية إلى مذهبين، فمن قال: بأنّ الخليفة بعد رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  بلا فصل هو علي  عليه السلام  كان مذهبه التشيع، ومن قال: إنّ الخليفة بعد رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  بلا فصل هو أبو بكر كان مذهبه التسنّن، ثمّ كلٌّ منهم انقسم إلى مذاهب متعددة، فالتشيع إلى جعفرية وزيدية وغيرهم، والتسنن إلى حنفية وشافعية وغيرهم.

وكان لكلٍّ منهم مبادئ وأصول وآراء تخصُّهُم في معرفة الأحكام الشرعية، ولكلٍّ منهم طريقٌ خاصٌ في استنباط القوانين الإلهية، فالمذهب إنّما يكون مذهباً إذا كانت له أدلّةٌ ومبادئ وأصول وأسس خاصّة متميّزة عمّا عداه من المذاهب، وليس مجرّد المخالفة في الحكم الشرعي مع الاتفاق في المبدأ والمرجع موجباً لتعدد المذهب، وإلا فالمجتهدون في المذهب الجعفري يلزم أنْ يكون لكلٍّ منهم مذهب، والمختلفون في المذهب الحنفي يقتضي أنْ يكون لكلٍّ منهم مذهب، ولو أطلق المذهب على ذلك كان خلاف الاصطلاح، كما أنّ إطلاق الدين على المذهب خلاف الاصطلاح، ولهذا أعبنا على أبي تمام([243]) حيث قال: (وكوّفَني ديني)، فإنّه إنما كَوَّفَهُ رحمه الله  مذهبه لا دينه.

وقد تعارف عند الأصوليين والفقهاء إطلاق (ذهب) على الرأي والقول في مقام تعدد آراء العلماء في المسألة، فيقولون: (ذهب فلان إلى كذا، وذهب فلان إلى كذا)، بل قد يستعملوها بالنسبة لشخص واحد إذا كان له في المسألة أكثر من رأيٍ واحد في عدّة من كتبهِ أو في مواضع مختلفة من كتابه، فكان استعمال الفعل الماضي لهذا اللفظ في غير ما اصطلح عليه في لفظ (مذهب).

ثم إنّ المذهب على قسمين: مذهبٌ جماعي وهو ما كان له أتباع، ومذهبٌ فردي، وهو ما ليس له أتباع، فالمجتهد الذي له آراء في المسائل الفقهية إنْ كان له أتباع سُمّي مذهبه مذهباً جماعياً، وإنْ لم يكن له أتباع سُمّي مذهبه مذهبا فردياً وانفرادياً.

 

المطلب الخامس

في القانون وأقسامه

وحيثُ إنّ الفقه يَشْتَمِلُ على القوانين الإلهية ناسَبَ التعرُّضُ لشرح القانون، فنقول: إنّ القانون هو مسطرة الكتابة، وهو لفظٌ يوناني، ثمّ نقل إلى اللغة السريانية، ثُمّ منها إلى اللغة العربية، وفي الاصطلاح هو القاعِدَةُ الكلّية التي يُعْرَفُ منها أحكامُ أفرادِ مَوْضُوعِها، ويَسْتَعْمِلُها الفُقَهَاءُ في أحكام الشَّريعة الإسلامية، فيقولونَ القوانينُ الشَّرعية، ويكثُر إطلاقهم له على أحكام المعاملات، وعلى الأحكام المتعلقة بالأموال والملكيات، والتعامل بين الناس من بيع وإجارة ورهن وشركة، ونحوها مما ينظّم الشؤون المالية بين الأفراد والجماعات، وما يتبع ذلك من الأهلية والولاية بالمعاملات.

قانون الأحوال الشخصية في الفقه

وقانون الأحوال الشخصية في الفقه، هو الأحكام التي تخصُّ الإنسان، وما يعرف للفقهاء هذا الاصطلاح من قبل، وإنّما حَدََثَ في الأيام المتأخّرة، فإنّ الحقوقيين قد أطلقوا على القوانين التي تخصُّ شخص الإنسان من الزواج والطلاق والعدّة والنسب والنفقة والحضانة والولادة والوصية والإرث ونحوها اسم الأحوال الشخصية، وتسمّى أيضاً بقانون العائلة والأسرة.

القانون المدني في الفقه

والقانون المدني في الفقه، هو عبارة عن قوانين الأحوال الشخصية المذكورة مع القوانين التي تخصُّ البُيوعَ والإجارة والهبة والإعارة والوديعة والكفالة والشِّرْكَةَ والصُّلْحَ والغَصْبَ والإتلاف وما شابه ذلك.

قانون المرافعات في الفقه

وقانونُ المرافعات وأصولُ المحاكمات في الفقه هي ما يخصُّ القضاء والدَّعاوي والبيانات.

القانون الدولي في الفقه

والقانونُ الدّوليُ في الفقه هو ما يَخُصُّ الجهاد والغنائم والأمان، وعقد الذمة والحرب والسلم والمعاهدات والمواثيق وعلاقة الأمة الإسلامية بغيرها من الأمم ونحوها، وهو المسمّى بالسير والمغازي، فإنّ القانون الدّولي العام، إنّما يخصُّ علاقة الدولة فيما بينها في السلم والحرب، والقانون الدّولي الخاص في الفقه هو ما يخص شخصية المسلم وجنسيته وتابعيته لأيّ مَذْهَبٍ من مذاهب الإسلام باعتبار أنّ القانون الدولي الخاصّ هو ما يخصُّ الجنسية والتابعية.

قانونُ العقوبات في الفقه

وقانونُ الجزاء أو قانون العقوبات في الفقه، هو ما يُعيّن عقاب المجرمين الذين يتعدُّون على الرّاحة الخاصة أو العامّة أو على الأمن الخاصّ أو العام، وهو ما يَخُصُّ الحدود والقِصَاص والدِّيات.

ثمّ إنّه في الأزمنة المتأخرة اختصّ اسمُ القانون بمجموع القواعد التي تَضَعُها وتقرّرها الهيئة الحاكمة والسلطة الزمنية بواسطة المقننين لها لسير الرعية فيما يخصُّ شؤونهم الدنيوية، سواء كانَ عامّاً كقانون منع السرقة، فإنّه لا يخصُّ طائفة دون أخرى، أو خاصّاً كقانون الشرطة، فإنّها تخصُّ خصوص الشرطة. ومن مقوماتِ القانون وجود الجزاء والعقاب من السلطة على مخالفته.

التنفيذ المباشر وغير المباشر           

ويسمّى إلزامُ الشَّخْصِ بالعَمَل بهِ بالتنفيذ الجبري المباشر كإلزام الشاهد بتأدية شهادته أمام الحاكم، ويقابله التنفيذ غير المباشر فيما إذا كان التنفيذ الجبري غير مُمكن كأنْ يحجر على ماله أو يحبس من يخصّه.

القانون الوضعي والطبيعي

وقد قَسَّموا القانون إلى الوضعي والطبيعي، والأصحّ في تفسيرهما هو أنّ القانون إنْ أخذ واستمدّ من قوانين موضوعة سابقاً أو من تقاليد موجودة حالاً، أو من أمورٍ عُرْفيّةٍ عامّةٍ ثابتة سُمّي وضعيّاً لوضعه سابقاً، وإنْ استُمِدّ وأخذ من أحكام العقل بحسب ما تقتضيه المصالح والمفاسد سُمِّي طبيعياً؛ لأنّ الطبيعة هي التي أَوْحَتْ بهِ لِعَقْلِ المقنّنين.

القانون المدوّن أو المسطور

ثمّ إنّ القانون إذا وُضِعَتْ صيغة قوانينه في شكل المواد سُمِّي بالقانون المدوّن أو القانون المسطور، وإذا لم يكن كذلك سُمِّيَ بغيرِ المدوّن، ومنه يمكن أنْ نُسمِّي الأحكام الشرعية المسطورة في الكتاب والسنّة بالفقه المدوّن، والتي تستخرج بالاجتهادِ الفقهي بالفِقْهِ غير المدوّن.

الزّواجر والمؤيّدات والضوامن

والقوانينُ التي تَحْمِلُ الرَّعيَّة على العَمَل بالأوامِرِ والنَّواهي المشرّعة في حَقِّهِم وتَكْسِبُ النّظام المشرّع في حَقِّهم قوّة ومنعة وتجعله محترماً مطاعاً تسمّى عند الفقهاء بالزواجر؛ لأنّها تردع وتزجر عند المخالفة لنظام المشرّع لهم، وتسمّى عند الحقوقيين بالمؤيّدات؛ لأنّها تؤيِّدُ النظام المشرّع لهم وتقويه وتسمّى بالضّوامن جمع (ضامن)؛ لأنّها تضمن الطاعة للنظام المشرّع في حقّهم، وتكفل تنفيذه وتصونه عن مخالفة الرعية له، وفي الشريعة الإسلامية تكون أحكامُ القصاص والحدود والتعزيرات، بل والكفّارات ونحوها من الزواجر والضوامن والمؤيدات.

ثمّ إنّ الزواجر تكونُ على قسمين:

الأول: الترغيبية وهو ما يرتب من النفع على العمل بالقانون كقانون إعطاء الغنائم للمجاهدين في سبيلِ الله، وكحَقِّ الإمام الذي يعطي للإمام أو لنائبه، وكالأجور التي تُعْطَى للقَيِّمِ على الصِّغار أو للمتولّي على المال.

والثاني: الترهيبية والتأديبية، وهو ما يرتّب من الجزاء والعقاب على المخالفين للقانون، كقانون قَطْعِ يَدِ السَّارق على مخالفته بارتكابِهِ السَّرِقَةَ المنهيّ عنها أو الحُكْمُ بفسَادِ المعاملة عند فقدها لشرائطها، وكقوانين الحدودِ والقصاص والتعزيرات.

 

المطلب السادس

في أجزاء العلوم وبيان أجزاء علم الفقه

الفصل الاول([244])

في أجزاء العلوم

ومما يذكر قبل الشّروع في العلم أجزاؤه، فقد ذهب أربابُ العلوم إلى أنّ أجزاءَ العلوم ثلاثة: الموضوعات، والمبادئ، والمسائل.

والمراد من العلوم العلوم المدونة في الكتب، لا القائمة في صدور العلماء؛ لأنّ العلوم القائمة في الصدور، إمّا عبارة عن نفس مسائلها أو عبارة عن ملكاتها، وعلى الأول فأجزاؤها نفس المسائل، وعلى الثاني فلا أجزاء لها، نعم العلوم التي دوّنت لها تلك الأجزاء.

وقد صرّح بهذا القيد، أعني: قيد (المدوّنة) جماعة منهم ملا عبد الله رحمه الله ([245]).

فلا يرد عليهم ما قيل: من أنّ حقيقة كلِّ علمٍ مسائله، فكيف يجعل الموضوع والمبادئ من أجزاء العلم، وذلك لأنّ مرادهم بالعلوم في هذا المقام هي
العلوم المدوّنة لإثبات مسائلها بالدليل، ولا ريب أنّه لا يقتصر فيها على ذكر مسائلها مجرّدة عن الدليل، ومجرّدة عمّا يفيد تصور موضوعاتها ومحمولاتها؛
إذ لا فائدة معتد بها في تدوينها بدون تصوّرها، وبدون الحجّة عليها،
وبهذا الاعتبار صارت تلك المقدمات التي تفيد تصوّر المسائل، والتي يُستَدَلُّ بها عليها أجزاء من تلك العلوم.

فالمرادُ بكون أجزاء العلم ثلاثة هو أجزاء العلم المدوّن، والمرادُ بكون حقيقة العلم مسائله هو العلم في حدّ ذاته مع قطع النظر عن تدوينه.

ويمكن الجواب أيضاً عن هذا الإشكال بما أجبنا عنه في كتابنا نقد الآراء المنطقية([246])، وهو أنّ الأجزاء أعمُّ من الأجزاء المقوِّمة وغيرها، والمسائل هي الأجزاء المقوّمة، وما عداها هي أجزاءٌ غيرُ مقوّمة، نظير الصلاة فإنّ لها أجزاء مقوِّمة كالرّكوع وأجزاء غير مقوّمة كالقنوت.

المراد بالموضوع هو الذي هو جزء العلم

والمراد من الموضوعات هو نفس موضوعات العلوم وذاتها؛ لأنّها هي التي يبحث في العلم عن أحوالها، فلا يعقل أنْ تكون خارجة عن العلم المدوّن للبحث عن أحوالها، فإنّ الموضوع للشيء له تمام الدخول في قوامِهِ، بل لَدَىَ التحقيق تكون هي المقصودة بالذات في العلم للبحث عن أحوالها، فلا يعقل تحقّق العلم المذكور بدون الموضوع. وبهذا يندفع الإشكال المعروف على عدّ الموضوعات من أجزاء العلوم.

الإشكال المعروف على عدّ الموضوع من أجزاء العلم

وتوضيح الإشكال: إنّ مَن عَدّ الموضوع من أجزاء العلم:

إنْ أراد به نفس الموضوع، فهو باطل؛ لأنه مندرج في موضوعات المسائل؛ لأنّ موضوعات المسائل - كما قد تقرّر في محله-:

إما أنْ تكون عين موضوع العلم كقول النحوي: (الكلمة إمّا مبنية أو معربة) ولا ريب أنّ الكلمة موضوع علم النحو.

أو تكونُ نوعاً منه كقول النحوي: (الحرفُ مبنيٌ)، فإنّ الحرف نوع من الكلمة.

أو تكون عرضاً ذاتياً له كقول النحوي: (المثنى يرفع بالألف)، فإنّ التثنية تعرض الكلمة.

أو تكون مركَّبة منهما، كقول النحوي: (كل كلمة كان أولها ساكناً يبدأ فيها بهمزة الوصل).

فكان موضوعُ العلم مندرجاً في موضوعات المسائل التي هي أجزاءُ المسائل، فلا يصحُّ عدّهُ جزءاً على حِدَة في مقابل المسائل، وإلاّ لعدّ المحمولات جزءاً أيضاً فتكون أجزاء العلوم أربعة.

وإنْ أراد به تعريفُ وتصوّر ماهية كلّي الموضوع، التي هي عبارةٌ عمّا يبحث في العلم عن عوارضِهِ الذاتية، أعني: وَصْفُ الموضوعية، فهذا من صناعة البرهان؛ لأنه إنّما يذكر في صدر الكتب ويذكرونه للبرهان على أنّ الشيء الفلاني موضوع لهذا العلم فليس له اختصاصٌ بشيء من العلوم، فالمناسب إيرادُهُ في علم المنطق؛ لأنّ المنطق آلة لجميع العلوم، فلا وجه لِعَدِّهِ من أجزاء العلم.

وإنْ أراد به تصوّر ذات موضوع العلم ومصداقه، كتعريف الكلمة التي
هي موضوع علم النحو، فهذا مندرجٌ وداخِلٌ في المبادئ التصورية؛ لأنّه يتوقَّفُ عليه معرفة موضوع المسألة؛ لما عَرَفْتَ من أنّ موضوع العلم قد يكونُ عينُ موضوع المسألة؛ ولأنّ البحث في المسائل إنّما يكون عنه، فمعرفة المسألة موقوف على معرفته فهو مندرج في المبادئ التصورية، بل هو أيضاً مقدمة لمقدّمة الشروع؛ لأنّ من مقدّمة الشّروع التصديق بموضوعية الموضوع، وهي متوقفة على تصوّر الموضوع.

وهكذا لو قلنا بأنّ التصديق بوجود الموضوع من أجزاء العلم أو من مقدّمة الشّروع، فهو متوقفٌ أيضاً على تصوّر الموضوع، فلا وَجْهَ لعدِّهِ جزءاً على حدة.

وإنْ أراد به التصديقُ بوجود الموضوع كالتصديق بوجود الكلمة فهو داخل في المبادئ التصديقية؛ لأنّ البرهان على وجودِ الموضوع يتوقَّفُ عليه التصديق بالمسألة لما عَرَفْتَ من أنَّ البَحْثَ في المسائل إنّما يكونُ عن أحواله، فلا يعقل أنْ يصدّق بالمسألة إذا لم يصدق بوجوده، وإلا لكان البحثُ عن أحواله أمراً موهوماً، فيكون التصديق بوجوده مندرجاً في المبادئ التصديقية، فلا وجه لِعدِّه جزءاً على حدة، ولذا قالوا: إنّ التصديق بوجود الموضوع إمّا أنْ يكون بديهياً، كالموجود بما هو موجود الذي هو موضوع الفلسفة الأولى، واما مُبيَّناً في علمٍ آخر كالعدد للحساب، والمقدار للهندسة المبيّن وجودها في الفلسفة الأولى.

قالوا: والمتكفّل لبيانِ جميع الموضوعات هو الفلسفة الأولى، وإنّه لها الرئاسة المطلقة، ولا يجوز بيانهُ في العلم الذي يكونُ هو موضوعاً له، ضرورةَ أنّ ما لا يُعْلَمْ ثبوته كيف يُطْلَبُ ثبوتُ شيءٍ له؟

وإنْ أراد التصديق بموضوعيّته للعلم كأنْ يصدِّق بأنّ الكلمة موضوع لعلم النحو، فهو من مقدمات الشروع في العلم، ولذا يُعرِّفون فيها مطلق الموضوع، ويذكرون فيه إنّ العلم يبحث عن أحوال هذا الشيء، كلُّ ذلك للتصديق بأنَّ العلم المسمى بهذا الاسم هو الذي بحث عن أحوال هذا الشيء، ولا ريب أنَّ مقدمة الشروع في العلم خارجةٌ عنه، فكيف يُعَدُّ ما هو جزءٌ منها جزءاً من العلم لأنّ الشروعَ في العلم موقوفٌ على الشروع فيها، فلو كانَ جُزْؤُها جزءاً للعلم لَلَزم توقُّفُ الشيءِ على نفسه.

بل يمكن أنْ يقال: إنّ التصديق بموضوعية الموضوع من ثمرات العلم؛ لأنّه لا يمكن التصديق بذلك إلاّ بعد الإحاطة بمسائل ذلك العلم حتّى يعلم أنّه يبحث عن أحوال ذلك الشيء وإنْ كان يمكن أنْ يقال: إنّ التصديق بالموضوعيّةِ إجمالاً من سوابق العلم ومقدّمات الشروع، والتصديق بذلك تحقيقاً وتفصيلاً من ثمراتِ العلم ولواحقه.

الجوابُ عن الإشكال المعروف

والجواب عن الإشكال المذكور:

إنّ مرادهم بالموضوعات نفسِها لا تصوّرها ولا التصديق بوجودها
ولا التصديق بموضوعيتها للعلم، كما هو الحال في المسائل، فإنّهم لا يريدون
بها تصوّرها ولا التّصديقُ بوجودها ولا التّصديقُ بكونها مسألة للعلم أو
مبدءاً تصوّرياً أو تصديقياً له، وإنّما يُريدون أنَّ نفسها وذاتها جزءٌ
للعلم.

ودعوى: أنّ نفس الموضوع مُنْدَرجٌ في موضوعاتِ المسائل فهو جزءُ من المسائل.

مندفعةٌ بأنّ الذي هو جزءٌ للعلم هو نفس الموضوع في حدّ ذاته لا باعتبار أنّه موضوع للمسألة، وأمّا موضوعُ المسألة، فهو إنّما يكون موضوعاً باعتبار المسألة، بل الكثير من المتأخرين ظاهرُ كلامهم: أنّ موضوعَ العلم يُغايرُ موضوعات مسائله تغاير الكلّيّ الطبيعي مع مصاديقه.

كما أنّه استراحَ من هذا الإشكال من قال: بأنّ المسائل هي
المحمولات المنتسبة للموضوعات، كما ينسب ذلك للمحقق الدوّاني وغيره من المتأخرين.

وقد أجابَ عن الإشكال المذكور التفتازاني([247]) إنّ الذي هو جزء من
العلم هو التصديق بوجود الموضوع، فإنّ ما لم يعلم وجوده كيف يبحث
عن عوارضه؟ ورَدّ عليه السيد الشريف بأنّ التصديق بالوجود من المبادئ التصديقية للعلم على ما صرَّح به الشيخ في الشفاء([248])، وأورد بأنّ المبادئ التصديقية هي التي يتألف منها قياسات العلم، والتصديقُ بوجود الموضوع ليس كذلك.

نعم، لو فسّرنا المبادئ بما فسَّرَها التفتازاني([249]) من أنّها ما يبتني عليها قياسات المسائل لا خصوصُ المقدمات التي يتألف منها قياسات المسائل كانَ التصديقُ بوجود الموضوع داخلاً في المبادئ؛ لتوقّف التصديق بالمسألة على التصديق بوجودِ موضوعها، وهو يرجع إلى التصديق بوجودِ موضوع العلم؛ لما عَرَفْتَ من أنّ موضوع المسألة إمّا عينُ موضوع العلم أو جزئيٌّ منه، أو عرضيٌ ذاتيٌ له، أو مركَّب منهما، ولا ريب أنّ التصديق بوجود ذلك يستدعي التصديق بوجود موضوع العلم.

وقد ظَهَرَ ممّا ذكرناه فَسَادُ ما ذكره صاحبُ البدائع ([250]) في الجوابِ عن الإشكال بأنّ المعدود من مقدمات الشروع هو تصوُّرُ موضوعات المسائل بالعنوان الإجمالي، والذي هو جزءٌ من العلم هو تصوّراتها التفصيلية؛ لأنّه إنّما يتمُّ لو جَعَلْنا المسائل عِبارَة عن المحمولات المنتسبة.

وقد استدلَّ بعضُهم على أنّ التصديق بوجود الموضوع ليس من أجزاء العلوم بما هو المنسوب لصاحب المحاكمات،([251]) من أنّ مسائل العلم هي إثبات الأعراض الذاتية للموضوع وأجزائه، وهو يتوقَّفُ على ثبوتِ الموضوعِ، فلو كان ثبوتُ الموضوع وأجزائه من مسائل العلم لَزَمَ توقُّفُ الشيءِ على نفسه.

ولا يخفى ما فيه: فإنّ هذا إنّما يصلُحُ دليلاً لنفي كونه مسألة من مسائل العلم لا لنفي جزئيته للعلم، فإنّه لو كان جزءاً للعلم في مقابل مسائله لم يلزم ذلك.

بيان المراد بالمبادئ التي هي جزء العلم

والمراد بالمبادئ إذا أطلقت في هذا المقام: هو ما يتوقّف توقّفاً قريباً -لا بعيداً- عليه معرفةُ المسائل تصوّراً، كتعاريف موضوعاتها ومحمولاتها، أو تصديقاً، كالأدلّة عليها، وهي على قسمين:

أحدهما: مبادئ تصوّرية وهي تعاريفُ موضوعاتِ المسائل ومحمولاتها وتعاريفُ أجزائها فيما لو كانَ موضوع المسألة أو محمولها مركّباً وتعاريف أقسامها، وأعراضها فيما لو احتيجَ إلى ذكرها، وعليه فتعريفُ مثل البلوغ أو العدالة في علم الفقه من المبادئ لكونها مأخوذة في موضوع مسائله.

وثانيهما: المبادئ التصديقيّة وهي المقدّمات التي تتألف منها أدلّة المسائل، لا ما يتوقّفُ عليه التصديقُ بالمسائل، وإلا لكانَ أغلب العلوم مبادئ تصديقية لغيرها من العلوم.

وهذه المقدّمات التي تتألّفُ منها أدلّة المسائل:

إنْ كانت واضحة بيّنة سُمّيت علوماً متعارَفة أو أصولاً متعارَفة.

وإنْ كانت غير بيّنة، فإنْ كانت قد برهن عليها في علم وأخذت في هذا العلم على سبيل التسليم سُمّيتْ بالمسلمات، وإنْ بُرهن عليها في نفس العلم سُمّيت بالبرهانيات، وإنْ لم يُبَرْهَنْ عليها فيه ولم تكن قد برهن عليها في علم آخر فإنْ كانت قريبةً من الطّبع يسكن إليها المتعلم سُمّيت أصولاً موضوعة أو سميت مصادرات.

وهذا بخلاف المبادئ التصوّرية، فإنّها لا بدّ وأنْ تبيّن في نفس العلم لتوقّف تصوّر المسائل عليها، ولذا الفقهاء يعرفون في كتبهم موضوعات مسائل الفقه التي هي غيرُ واضحة، ولا يحوّلون الأمر لكُتُبِ اللّغة وغيرها، بخلاف أدلّتهم فإنّهم يأخذون مقدّماتها على سبيل التسليم، ألا ترى أنّهم يستدلّون بالاستصحاب والخبر الواحد والدَّور والتسلسل دُونَ أنْ يقيموا البرهان على دليليتها، اعتماداً على العلوم المتكفّلة لذلك كعلم الأصول وعلم الحكمة والكلام ونحوها.

ثمَّ هذه المبادئ:

قد تكونُ عامَّةً تستعمل في كُلِّ علم، كقولهم: (النقيضان لا يجتمعان ولا يرتفعان)، وإذا (وجدت العلّة وجد المعلول)، و(الدليل متى تطرقه الاحتمال بطل فيه الاستدلال).

وقد تكونُ خاصّة بالعلم، كقاعدة الثقل في التلفظ في علم النحو، وكقاعدة ما لا يدرك كلّه لا يترك كلّه في علم الفقه، وكقاعدة الشكّ بعد الفراغ.

وقد تكون المبادئ للعلم مسائل له أيضاً كقاعدة الطهارة، فإنّها مسألة فقهية ومبدأ لمسألة طهارة ماء الغسالة مثلاً.

وقد تطلق المبادئ على الأعمّ من ذلك، وهو ما يُبدأ به قبلَ الشّروعِ في مسائل العلم، سواء كان:

داخلاً في العلم فيكونُ من المبادئ المصطلحة المتقدّم ذكرها، كتصوّر موضوع المسألة ومحمولها، وكالتصديقات التي يتألّف منها قياساتُ مسائل العلم.

أو خارجاً عن العلم يتوقّفُ عليه الشروع على وجهِ البصيرة، ويسمّى بالمقدّمات للعلم، كتعريف العلم، وبيان غايته، وموضوعه، وطالما أطلقناها بهذا المعنى في صدر هذا الكتاب.

وهي بهذا المعنى تُطْلَقُ على الرؤوس الثمانية.

وقد تطلق المبادئ على الأعمّ من ذلك وهو ما يُتوقَّفُ عليه معرفة
المسائل ولو توقّفاً بعيداً، وعليه فتكونُ كثيرٌ من العلوم من مبادئ العلم المتوقّف مسائله عليها. وبهذا الاعتبار سُمّيتْ العُلوم التي يتوقّفُ عليها علم الفقه بالمبادئ.

المسائل التي هي من أجزاء العلم

والمراد بالمسائل هي المطالبُ المقصودُ بيانُها في العلم، وهي تكونُ مشتملة على بيان عوارض موضوع العلم الذاتية، كقول النحوي: (الفاعل مرفوع)، فإنّها تسمّى مسألة نحوية؛ لأنّها مشتملة على بيان ثبوت الرفع للكلمة التي تكون فاعلاً، وهكذا قول الفقيه: (الصلاة واجبة)، فإنّها مسألة فقهية؛ لأنّها مشتملة على بيان ثبوت الوجوب لفعل المكلّف الذي هو الصّلاة، وذلك لأنّ موضوع العلم هو الذي يبحث في العلم عن عوارضه الذاتية، والذي يشتمل على هذا البحث هو مسائلُ العلم، فلا بدّ أنْ تكون مسائل العلم هي التي تشتمل على البحث عن عوارض موضوع العلم.

هذا فيما إذا كان العلم قد دُوّن لبيان عوارض موضوع خاص، وأمّا إذا دوّن لغايةٍ خاصّة فتكونُ مسائله هي القضايا التي تترتّبُ عليها تلك الغاية.

البحث عن المسألة من جهات ثلاثة

ثمّ لا يخفى أنّ الكلام في المسائل، وقَعَ في جهاتٍ ثلاثة بعد الاتّفاق على أنَّها هي المطالبُ المقصود بيانها في العلم:

[نفس القضايا]: الجهة الأولى في أنّها عبارة عن نفس القضايا، كما هو ظاهر عبارة التفتازاني حيث قال: (المسائل هي قضايا تطلب في العلم)([252])، وظاهر عبارة العلاّمة الحلّي أيضاً في شرحه لتجريد المنطق([253])، بل لعلّه ظاهرُ الأكثر.

أو المسائل عبارة عن المحمولاتِ المنسوبة إلى الموضوعاتِ بحيثُ تكونُ موضوعاتُ المسائل خارجةٌ عن المسائل، كما هو المحكي في شرح المطالع عن المحقق الدوّاني([254]).

والمسائل: (النّسب التامة الخبرية التي يتعلق بها التصديق) كما هو مذهب الشيخ محمّد تقي صاحب الحاشية على المعالم([255]).

واستُدِل على الأخير بأنّ المراد من وضع الفنّ هو التصديقُ بمسائله،
والذي يتعلَّقُ به التصديقُ هو النسبة التامّةُ الخبرية لا أطرافها التي هي الموضوعات والمحمولات.

ولا يخفى ما فيه، فإنّ كون متعلّق التصديق هو ذلك، أو كونه هو الذي يقام عليه الدليل لا يستدعي أنْ تكون المسألة عبارة عنه، فإنّ المركَّبات طالما يتعلَّق القصد ببعض أجزائها، فإنّ ذلك لا يستدعي كون المركب هو ذلك الجزء، ألا ترى إنّا نقصد من المركَّبات كالحيوانات بعض أجزائها، فإنّه لا يلزم أن يكون ذلك الحيوان عبارةٌ عن نفس ذلك المقصود منه، على أنّا لا نسلّم ذلك، فإنّ المقصود هو معرفة حال الموضوع، غاية الأمر أنّ هذه المعرفة بعضها يحصل بالتصوّر، وهو تصوّر الموضوع وتصوّر حاله وعوارضه، وبعضُها يَحْصَلُ بالتّصديق، وهو التصديق بالنسبة التامّة بينه وبين عوارضه، فلابُدّ أنْ نبقي المسألة على معناها ولا نخرجها عنه، وهو القضيّة، فإنّه المتبادر منها.

مضافاً إلى أنّ المسألة لو كانت هي النسبةُ التامة الخبرية وإنّ الموضوعات خارجة عنها لزم أنْ تكون المحمولات أيضاً خارجة عنها، فيلزم أنْ تكون أجزاء العلوم أربعة: الموضوعات والمحمولات والمبادئ والمسائل، بل خمسة بناءً على أنّ موضوع العلم غيرُ موضوعات المسائل.

ودعوى أنّ المسألة هي حيثيّةُ ثبوت المحمولات وانتسابها، لا أنّها نفس المحمولات، فحينئذ لا مجالَ لعدّها جزءاً من العلم بعد مدخليّتها في المسائل مدخلية تامة.

فاسدة، فإنّ الحيثية المذكورة إنْ كانت نفسُ النسبة القائمة بين الطرفين فهي بالنسبة للموضوع والمحمول على حدٍّ سواء، فإنْ كانت المحمولات داخلة فيها فالموضوعات كذلك، وإنْ كانت غيرها فنحنُ لا نتعقّل في القضية وراء الموضوع والمحمول والنسبة التامة الخبرية ووقوعها شيئاً آخر.

اشتراط نظرية المسألة: الجهة الثانية في أنّ المسأَلَة التي هي جزءٌ من العلم هل يشترط أنْ تكون نظرية أم يجوز أنْ تكون بديهية، ظاهر الأكثر كالتفتازاني وغيره اشتراط ذلك، بل ادّعي عليه الإجماع، ومن هذه الجهة أخرج الفقهاء المسائل الفقهية الضرورية عن علم الفقه، وظاهرُ المحقّق الطوسي في تجريده([256]) للمنطق، والعلاّمة الحلي رحمه الله  في شرحه للتجريد عَدَمُ الاشتراطِ، حيثُ قال رحمه الله  في شرحه لتجريد المنطق: (المسائل في كلِّ علمٍ هي القضايا الخاصّة بذلك العلم التي يُشَكُّ في انتسابِ محمولاتها إلى موضوعاتها، ويطلب في ذلك العلم البرهان عليها إنْ لم تكن بيِّنة)([257]) انتهى.

وصريحُ شارحِ المواقِفِ حيثُ جَوَّز كون المسألة بديهيّة، تورد في العلم أما لإزالة خَفَائها أو لبيان لمّيتها([258]).

والحقّ أنّه لابدَّ في أنْ تكونَ المسألةُ من العلم فيها نوعٌ من الخفاء، وإلاّ لم يَصْدق عليها أنّها يَبْحَثُ فيها عن عارضِ موضوعِ ذلك العلم، فإنْ كانت بديهية فيجلى عنها ذلك الخفاء في العلم ولو من جهة اشتباه موضوعها، كمسألة حرمة الغناء فإنّها ضرورية، ولكنْ فيها خفاء من جهة تشخيص موضوعها وهو الغناء، وإلاّ لما كان يَحْصُل بها البَحْثُ عن عوارض موضوع العلم.

مع أنّ العلم مفروضٌ فيه أنْ يُبْحَثُ عن عوارضه.

جوازُ أنْ يكون المحمول عَرَضاً غريبا: الجهة الثالثة في أنّ محمول المسألة هل يجوزُ أنْ يكون عَرَضَاً غريباً لموضوع المسألة، أم لا بدّ وأنْ يكون عرضاً ذاتياً لموضوعها، بعد اتفاقهم على أنَّ محمولها لابدّ وأنْ يكون عَرَضاً ذاتياً لموضوع العلم المدوّنة فيه، وإلاّ لمَاَ كانَ العِلْمُ باحثاً عن الأعراض الذاتية لموضوعه.

ذَهَبَ إلى الثاني الشيخُ ابنُ سينا([259]) والتفتازاني وأكثر العلماء، وذهب إلى الأول المحقّق الطوسي رحمه الله  وغيره، على ما حُكي عنه، فجوّزوا كونه عرضاً غريباً لموضوع المسألة.

والحقّ مع الشيخ لو فسَّرنا الأعراض الذاتية بالذي يعرض للشيء بلا واسطةٍ في العروض، وقلنا: إنّ موضوع العلم لابدّ وأنْ يكون عين موضوعات مسائله؛ إذ لا بدّ من رجوعِ موضوعاتِ المسائل إليه، وإلاّ لكان البحث فيها عن غير عوارضه، فإنّه على هذا لا بدّ وأنْ يكون المحمول من عوارض موضوع المسألة الذاتية؛ لرجوع موضوع المسألة لموضوع العلم، والمحمول عرض ذاتي لموضوع العلم، فيكون عرضاً ذاتياً لموضوع المسألة، وعليه فالمسائل الفقهية التي كانَ محمولها عَرَضَاً غريباً لموضوعها ليست من مسائل العلم، فقول الفقهاء: (الخَمْرُ حَرَامٌ)، لا تكون مسألة فقهية؛ لأنّ عروض الحرمة للخمر بالعرض والمجاز وإنّما المسألة الفقهية هي (شرب الخمر حرام).

ثمّ إنّ الذين اشترطوا أنْ يكون محمول المسألة عرضاً ذاتياً اختلفوا فيما بينهم، فذهب بعضُهُم بل أكثرُهم إلى عدم جواز أنْ تكونَ محمولاتُ المسائل من مقوّمات موضوعاتها؛ لأنّ المقوّم للشيء لا يُطْلَبُ بالبرهان ثبوتُه له؛ إذ لا يطلب البرهان على المسألة إلاّ بعد تصوّر أجزائها، فلا يطلب البرهان على المسألة، إلا بعد تصوّر موضوعها ومعرفته، ومن المستحيل أنْ يحصل معناه في الذهن خالياً عن حصول ما هو ذاتيٌّ له في الذهن؛ لأنّه محالٌ مَعْرِفَةُ الشيء مع الجهل بمقوّماته، فجميعُ مقوّمات الماهيّة داخلةٌ مع الماهية في التصوّر، فكيف تأخُذُ الماهية، ويثبُتُ لها أحدُ أجزائها المقوّمة لها بالبرهان.

ولكنّ التحقيقَ جوازُ ذلك، فإنّا كثيراً ما نتصوّر الماهية بعارضٍ من عوارضها، ونشكُّ في ثبوتِ بعض الأجزاء لها؛ لأنّ الأجزاء ليست أجزاء للعارض المتصوّر وإنّما هي أجزاءُ للمعروض.

نعم، لو كانَتْ الماهيّة متصوّرة بكُنْهِهَا وحقيقَتها لا يُطْلَبُ ثبوتُ ذاتيّتها لها بالبرهان.

وعليه فالمسائل المشتملة على بيان أجزاء بعض الموضوعات الفقهية كالمسائل الباحثة عن الأجزاء المقوّمة للوضوء والغسل والصلاة والحج كلُّها من المسائل الفقهية، ولا وَجْهَ لإخراجها تبعاً لما هو المشهور بينَ الحُكَمَاء والفلاسفة.

عينية موضوعات المسائل لموضوع العلم

ثم إنّ موضوعات المسائل لا بُدّ وأنْ تكون:

إمّا عينُ موضوع العلم، كقول النحوي: (الكلمة اسم أو فعل أو حرف)، فإنّ موضوع هذه المسألة هو الكلمة، وهو عينُ موضوع علم النحو، وكقول الفقيه: (الفعل إمّا يمنع من تركه فهو الواجب، وإمّا يمنع من إتيانه فهو
المحرّم، وإمّا يرجح إتيانه فهو المستحبّ، وأمّا يرجّح تركُهُ فهو المكروه، وأما يتساوى طَرَفَاهُ فهو المباح)، فإنّ موضوع هذه المسألة هو فِعْلُ المكلف، وهو عين موضوع علم الفقه، وكقول الفقيه: (الفعل بلا اجتهاد ولا تقليد ولا احتياط باطل).

وأمّا أنْ يكون موضوع المسألة نوعٌ من موضوع العلم، كقول النحوي: (الحرف مبنيٌ)، فإنّ الحرف نوع من الكلمة التي هي موضوع علم النحو، وكقول الفقيه: (الغصب حرام)، فإنّ الغصب نوعٌ من فعل المكلف الذي هو موضوع علم الفقه.

وأمّا أنْ يكون موضوعُ المسألة عرضاً لموضوعِ العلم كقول الفقيه: (عباديةُ العَمَل لا بدَّ فيها من قَصْدِ القُرْبة)، فإنَّ العبادية عَرَضٌ لفعلِ المكلّف الذي هو موضوع علم الفقه، وكقولنا: (الصلاة واجبة)، فإنّ الصلاة عَرَضٌ للفعل، نظيرُ قولِ النحوي: (الفاعل مرفوع)، فإنّ الفاعلية عَرَضٌ للكلمة.

أو يكون موضوعُ المسألة مركّباً منهما كقولِ الفقيه: (الفعل الضارّ
يحرم ارتكابه)، وإنّما اشترطوا في موضوع المسألة أنْ يكون كذلك لأجل أنْ يكون البحثُ فيها عن العوارض الذاتية لموضوع العلم، فإنّ موضوع المسألة
لو لم يكن كذلك لما كانَ محمولها من الأعراض الذاتية لموضوع العلم، فلا يكونُ البحث في المسألة عن العوارض الذاتية؛ لموضوع العلم، فتكونُ خارجة عن العلم.

ومن هنا يظهر لك أنّ قول الفقيه: (الخمر حرام)، و(الكلب نجس)، و(العذرة ثمنها سُحْتٌ)، ليست بمسألةٍ فقهيّة؛ إذ ليس موضوعُها أَحَدُ الأقسام الأربعة المذكورة، فلا بُدّ من تأويلها بأنْ يقال: شرب الخمر حرام وإنّ مباشرته سبب لتنجس المباشر بالرطوبة([260]) وإنّ أكْلَ ثمن العذرة حرام.

 

المطلب السابع

في ما يميز به مسائل كل علمٍ عن مسائل علم آخر

لمّا كانَ تمييزُ مسائل العلم عن غيرها مما يَحتَاجُ إليه المؤلّف والمتعلّم
لئلا يطلب ما لا يهمّه ويترك ما يهمه، مضافاً إلى أنّ الفقهاء والأصوليين طالما وقع منهم النّزاعُ في بعض المسائل أنّها من علم الفقه أو من علم الأصول وَجَبَ علينا أنْ نذكر الميزان في عدّ المسألة من العلم؛ ليميز به مسألة العلم عن غيرها، فنقول:

[الميزانُ في عَدّ المسألة مِن العِلْمِ]

إنّ ما ذكر ميزاناً لعدّ المسألة من العلم أو يمكن أنْ يكون ميزاناً لعدّها منه أمور:

الميزانُ الأوّل في عدّ المسألة من العلم

أحدها: أنْ تكون المسألة باحثة عن الأعراض الذاتية لموضوع العلم،
وهي إنّما تكونُ كذلك، إذا كانَ مَحْمُولها من الأعراض الذاتية لموضوعِ العلم، وهو إنما يكون كذلك إذا كان موضوع المسألة عينُ موضوع العلم، أو نوعاً منه، أو عرضاً ذاتياً له، أو المركب منهما، كما تقدم؛ إذ لو لم يكن كذلك كان موضوعها أجنبياً عن موضوع العلم، فلا يكونُ محمولها عرضاً ذاتياً له.

ولا يخفى أنّ هذا الميزان إنّما يتمُّ لو كان للعلم موضوعٌ، وإلاّ لو جمعت المسائل لغرض خاص وسمّيت باسم علمٍ فالميزانُ هو ترتُّبُ ذلك الغرض عليها.

الميزان الثاني في عدّ المسألة من العلم

ثانيها: إنّه بواسطة تعريف ذلك العلم تحصل مقدّمتان كلّيتان موجبتان
 للزوم التساوي بين المعرَّف والمعرِّف، للزوم صدق المعرِّف على جميع
ما صدق عليه المعرَّف، وصدق المعرَّف على جميع ما صدق عليه المعرِّف،
أو موجبة كلية وأخرى سالبة كلية معدولة الموضوع للزوم سلب المعرِّف
عن كلّ ما ليس بالمعرَّف للزوم التساوي بينهما، وبسبب العلم بهاتين
المقدّمتين يقتدر على تمييز([261]) مسائل ذلك العلم عن غيرها بواسطة
مقدمة وجدانية، فمثلاً إذا علمنا بأنَّ علم الفقه عبارةٌ عن العلم
بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلّتها التفصيلية يَحْصَلُ لنا العِلْمُ بكُلّيتين موجبتين:

إحداهما: كُلُّ علمٍ يكونُ فِقهاً فهو علمٌ بالحكم الشرعيّ الفرعيّ عن دليلٍ تفصيلي.

وثانيهما: كلُّ علم بالحكم الشرعي الفرعيّ عن دليل تفصيليّ فهو من علم الفقه؛ أو نقول بدلاً عن هذه المقدمة الثانية: لا شيء مما هو ليس بعلمٍ بالحكم الشرعيّ الفرعيّ عن دليل تفصيلي بفقه.

ثمّ إذا وجدنا مسألةً يَحْصَلُ بها العلم المذكور بالوجدان السليم والطبع المستقيم نضمُّها إلى المقدمة الثانية، ونقول هكذا: هذا العلم من هذه
المسألة علمٌ بالحكم الشرعيّ الفرعيّ عن دليلٍ تفصيلي، وكلُّ علمٍ كذلك فهو من علمِ الفقه، فينتج: هذا العلم من هذه المسألة من علم الفقه، بالضرب الأول من الشكل الأول.

وليست مسألة العلم إلاّ التي يحصل منها ذلك العلم، وإذا وجدناها مسألة لا يحصل بها العلم المذكور نضمّها إلى المقدمة الأولى فنقول هكذا: هذا العلم
من هذه المسألة ليس بالعلم المذكور، وكلُّ علمٍ يكون من الفقه هو العلم
بالحكم الشرعي الفرعي عن دليله التفصيلي، ينتج: هذا العلم من هذه
المسألة ليس بعلم فقه، بالضرب الثاني من الشكل الثاني، أو نقول: هذا
العلم من هذه المسألة هو اللا علم بالحكم الشرعي الفرعي عن دليل تفصيلي، بنحو الموجبة المعدولة المحمول، ولا شيء من اللا علم بذلك بفقه، ينتج: لا
شيء من هذا العلم من هذه المسألة بفقهٍ، بالضّرب الثاني من الشّكل
الأول.

الميزان الثالث في عدّ المسألة من العلم

ثالثها: ما يظهر من صاحب المعالم([262]) من أنّ مسائل العلم هي المطالب الجزئية المستدلّ عليها في العلم، وفيه:

أولاً: إنّ من المبادئ التصديقية ما يُستدَلُّ عليها في العلم إذا لم يستدلّ
عليها في علمٍ آخر، كأماريّة اليد، فإنّه يستدلّ بها على ملكيّة ما في يدِ الإنسان في الفقه.

وثانياً: إنّ المسألة الفقهية المستحدَثَة، والتي غَفَلَ عن ذكرها، لا تعرّف بهذا التعريف؛ لعدم الاستدلال عليها في العلم، كمسألة المعاملات المصرفية والتأمين على الحياة والسرقفلية.

وثالثاً: إنّ مسائل العلم هي مطالب كليّة، وقواعد عامّة، ولعلّ الأصحّ قراءة الجزئية بالخبرية.

الميزان الرابع في عدّ المسألة من العلم

رابعها: ما ذكره بعضُ المحقّقين من الحكماء والمنطقيين، وتبعهم عليه صاحب الكفاية رحمه الله ([263]) في أنّ الميزان والضابط في عَدِّ المسألة من العلم ترتّب غرض المدوّن عليها، وإنّما اعتبروا غَرَضَ المدوّن هو الميزان دون غرض المتعلم أو المعلم؛ لأنّ الذي جعل هذه المسائل المتشتتة علماً واحداً هو المدوّن، وهو إنّما جعلها من العلم الذي دوّنه لكونِ الغَرَض الذي تصوّره كانَ مترتباً عليها، ولذا لو فُرِضَ مسألة لم يدوّنها المدوّن للعلم في مسائل العلم، وبعد ذلك اطّلعنا على دخولها في غرضه عَدَدْناها من مسائل العلم؛ لأنّ المقياس عنده في وحدة المسائل وعدّها من علمٍ واحدٍ هو دُخولُها في ذلك الغرض.

كما لو اطّلعنا على مسألةٍ لا دَخْلَ لها في غرض المدوّن لم نعدّها من مسائل العلم، وإنْ عدّها المدوّن من العلم.

ثم إنّ دَخْلَ المسائل في الغرضِ تارة يكون بنحو العلّية، كمسائل الحكمة، فإنّ غرض المدوّن منها هو كمالُ النَّفْسِ، وتارةً يكونُ بنحو الآلة من قبيل دخل الضوء في معرفة الرائي للأشياء، ونظير دخل المرشد في دلالة الضّالّ على الطريق، ونظير دخل العقل في تركيب العمل من العامل وإتقان صنعه له، وذلك مثل علم النحو، وعلم المنطق، فإنّ علم النحو بواسطته يصون المتكلم لسانه عن الخطأ، وعلم المنطق بواسطته يصون المفكّر ذهنه عن الخطأ في الفكر.

ويرد عليهم أولاً: أنّ ما ذكروه إنّما يتمُّ لو كانَ تدوينُ العلم لغرضٍ خاصّ، أمّا إذا كانَ تدوينُ العلم لأجل البحث عن حالاتِ موضوعٍ خاصٍّ، فالميزانُ في عدّ المسألة من العلم كون محمولها من حالاتِ ذلك الموضوع الخاصّ، وهكذا لو كان تدوينُ العلم لأجل غَرَضٍ خاصّ وبيانُ حالاتِ موضوعٍ خاصّ فالميزانُ في عَدّ المسألة من العلم ثبوتُهُما كليهما فيها.

ولا يخفى ما فيه: فإنّه أيضاً يكون عَدُّ المسألة من العلم لترتُّبِ غَرَض المدوّن عليها، غايةُ الأمر يكونُ غرض المدوّن، هو معرفةُ حالات ذلك الموضوع الخاص.

ولكن يمكن أنْ يقال: إنّ مرادهم أنّ ترتب غاية العلم يكونُ هو الميزان حتَّى لو كانَ له موضوعُ، وليس كون المسألة تبحث عن حالاتِ الموضوع من الغرض المذكور.

ويرد عليهم ثانياً: بما أورده والدي  قدس سره ([264]) بأنَّ مسائل العُلومِ مُتَّفقة في الغرض وهو تكميلُ النّفس، أو كما قيل: معرفةُ الله تعالى، فيجبُ أنْ تكونَ مسائل العلوم مسائلٌ لعلمٍ واحدٍ، وتكون العلوم علماً واحداً.

وجوابه ما قدَّمناه: إنّ الميزان هو ترتُّبُ غَرَضِ المدوّن عليها، وهو نوعٌ من تكميل النفس.

ويرد عليهم ثالثاً: بأنّ بَعْضَ مسائلِ الهيئة والعلوم العربية والحساب لها دَخْلٌ في الغَرَض الذي لأجلِهِ دوّن علم الفقه، فإنّ علم الهيئة له دخل في معرفة الجهة التي يَجِبُ أنْ يستقبل فيها الصّلاة والذبح ونحو ذلك، وهكذا الحساب بالنسبة إلى المواريث، وهكذا مَعْرِفَةُ أوضاع اللّغة لها دَخْلٌ في معرفة الأحكام الشرعية من السنة والكتاب، بل الكثيرُ من مسائل العلوم العربية لها دَخْلٌ في الغَرَضْ الذي لأجله دوّن عِِلْمُ الأصول، فإنّها تُوجِبُ القدْرَةَ على الاستنباط.

وجوابه كما ذكره بعض المحققين بتوضيح منّا: إنّ المراد أنّها لها دخلٌ في الغَرَض الذي لأجله دوّن العلم بلا واسطة، فالمسائل المذكورة إنْ كانَ لَهَا دَخْلٌ في الغرض بلا واسطةٍ كانت من العلم وإنْ كان لها دَخْلٌ في الغَرَضْ بالواسطة لم تَكُنْ من مسائل العلم، على أنّهم التَزَمُوا بكونِ المسألة التي يرتّب عليها غرضانٌ أو أغراضٌ لعلومٍ متعدّدة تكونُ من مسائل تلك العلوم.

ويَرِدُ عليهم رابعاً: إنّ الميزان في عَدّ المسألة من العلم لو كان ما ذكروه لزم أنْ يصحّ في المسألة التي رتّب عليها غَرَضُ المدوّن إنْ تُعَدّ من مسائل العلم ولو كان موضوعها لا ينطبق عليه موضوعُ العلم، مع أنّهم اشترطوا أنْ يصدق موضوعُ العلم على موضوعها.

والتحقيقُ ما عرفته منّا من أنَّ العلم المدوّن للبحث عن موضوعات خاصّة، شرط عدّ المسألة منها، وهو صدق موضوعه على موضوع المسألة، أو يكون موضوع المسألة عرضاً ذاتياً له، وإلا لكانت غير باحثة عنه.

وأما العلم المدوّن للبحث عن غاية وغرض خاصّ شرط عدّ المسألة منه دخلها في الغرض الذي دوّن له العلم، سواء كان له موضوع أم لا وسواء صدق موضوعه على موضوع المسألة أم لا؛ لأن المهم معرفة ترتب الغرض لا غير.

نعم، لو كان المقصود كليهما وجب في المسألة التي تعدّ منه ثبوتهما، بأنْ يصدق على موضوعها موضوعُ العلم وترتب الغاية عليها، فمثلاً إنّ الميزان في عدّ المسألة من علم الأصول يكونُ إمّا بانطباق موضوع علم الأصول على موضوعها، وهذا إنما يتمّ لو قلنا بأنَّ علم الأصول قد دوّن للبحث عن حالات موضوع خاصّ، كأن قلنا إنّه دُوِّنَ للبحث عن الأدلة، وأمّا بدخل المسألة في غرضِ علم الأصول، وهذا إنما يتمّ لو قلنا بأنَّ علم الأصول قد دُوِّنَ لغرضٍ خاصّ كالقدرة على استنباط الأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية.

الميزانُ في عَدّ المسألة مِن عِلْمِ الأصولِ لا من الفقه

وبهذهِ المناسبة لا بأسَ بالتعرُّض لما ذَكَرَهُ بَعْضُ الأصوليين من الموازين في عَدِّ المسألة من علمِ الأصول لِكَثْرَةِ الاشتباهِ بينها وبينَ مسائل علم الفقه.

الميزان الأول لعدّ المسألة من علم الاصول

الميزان الأول: هو أنّ مسألة علم الأصول تقع كبرى لقياسٍ يُنتجُ حُكْماً شرعياً كلياً.

وتقريب ذلك على ما ذكره والدي رحمه الله  في تقريراته لبحث أستاذه
النائيني رحمه الله  بتوضيح منّا:

إنّ علم الأصول تثبت به كبرياتٌ تكونُ الجزءُ الأخيرُ لدليل الاستنباط للحكم الشرعي الكلّي، وتنقيح صغرياتِِ هذه الكبريات في العلوم السابقة على الأصول، كالنحو والصرف والبيان والرجال واللغة، فإنّه بأحدها تثبُتُ صغرى، وهي (إنّ هذه الآية أو الحديث ظاهرٌ في كذا)، وفي علم الأصول يبيّن كبرى هذه الصغرى، وهي (إنّ الظواهر حُجَّةٌ يُعْمَلُ على طبقها)، كما يقال: إنّ الوجوب ظاهرُ الآية، والظاهر حُجَّة، يُعْمَلُ على طبقه، فالوجوب يُعْمَلُ على طبقه، وبعلم الرجال يَثْبُتُ أنّ هذا الراوي ثقة، وبالأُصول تُنقَّحُ كبرى ذلك، وهي أنّ الوثاقة مُوجِبَةٌ لحُجِّيةِ الخبر ومرجِّحَةٌ له عند التعارض أو غير ذلك.

ويرد عليه رحمه الله  أولا: أنّ القواعد الفقهية كقاعدة الحلّية تقعُ كبرىً لقياسٍ يُستَنْبَطُ منه حُكْمٌ شرعيٌ، نظيرُ المسألة الأصولية، فيقال: الدّخانُ مشكوكُ الحلِّية، وكُلُّ مشكوكِ الحلّية حلالٌ استعماله، فالدخانُ حلالٌ استعماله.

وجوابهُ كما هو أجاب عنه رحمه الله : إنّ المستنتج من المسألة الأصولية لا يكونُ إلا حُكماً كلياً، بخلاف المستنتج من القاعدة الفقهية، فإنّه يكون حكماً جزئياً، وإنْ صَلُحَتْ في بعضِ الموارد لاستنتاج الكلّي، فالمائز بينهما هو قابليةُ استنتاج الحكم الجزئي بالقاعدة الفقهية، وعدمه في المسألة الأصولية، وسيجيء ما فيه إنْ شاء الله في الإيراد الثالث.

ويرد عليه ثانياً: كما يَظْهَرُ من كلام بعض مقرِّري بحثه رحمه الله ([265]): إنّ بعض المسائل الأصولية تقعُ صغرىً لقياس استنباط الحكم الشرعي، فتكونُ فاقدة للمائز المذكور، كالبحث عن معنى صيغة (إفعل) ومعنى النهي.

وجوابه كما هو أجاب عنه: إنّ هذه المسألة الأصولية التي تقعُ صغرىً لقياسِ الاستنباط تقعُ كبرىً في قياسِ استنباط آخر، فيكون المائز موجوداً فيها، بخلاف مسائل باقي العلوم التي تكونُ صغرىً لقياسِ الاستنباط، فإنّها لا تَقَعُ كبرى لقياس الاستنباط أصلا.

ويرد عليه ثالثا: بمثل القواعد الفقهية العامّة التي تقع كبرى في قياس الاستنباط لحكم كلّي، مثل قاعدة الضّرر، وقاعدة ما يُضْمَن بصحيحه، وقاعدة الطهارة، وقاعدة الحرج، وقاعدة الصلح جارٍ بين المسلمين إلا ما أحَلَّ حراماً وحرّم حلالاً، وقاعدة لا يُبطَلُّ دَمُ امرءٍ مسلم، وقاعدة الحدود تُدرء بالشبهات، وقاعدة القرعة لكلّ أمر مشتبه، وقاعدة ما يُحرّم من الرضاع يُحرّم من النسب، فإنّها تقعُ كبرىً لقياسٍ يُستَنبَطُ منه حكمٌ كلّيٌ، وهو حُرْمَةُ الأمِّ الرضاعية، بأنْ يقال: إنَّ الأمّ تحرم من النسب، وكُلّما يَحرُمُ من النسب يَحرُمُ من الرّضاع، فالأم تحرم من الرضاع، وهو حُكْمٌ كلّي، نظير استصحاب حرمة زوجة الأب بعد وفاة أبيه على تقدير الشكّ في حرمتها، فإنّ استصحابَ حُرمتها من المسائل الأصولية.

بل وهكذا مثل قاعدة الطهارة الجارية في الشبهات الحكمية، مثل بعض المستحدثة، كالقهوة التي يُشَكُّ في طهارتها، فإنّه أيّ فرقٍ بين قاعدة الطهارة وأصالة البراءة من حرمة شربها، فكما أنّ البراءة في الشبهات الحكمية من مسائل الأصول، فهكذا أصالةُ الطهارة في الشبهات الحكمية، فإنّ كلاً منهما يُستنتَجُ به حكمٌ كلّي لموضوع عام.

إنْ قلت: إنّه قد سبق أنّ المائز هو الصّلاحيةُ لاستنتاجِ الحُكْم الجزئي، فإنّ قاعدة الطهارة يستنتج بها حكم جزئي.

قلنا: إنّ ذلك لا يصلُحُ مائزاً، فإنّ القواعد الأصولية كالاستصحاب أو البراءة أيضاً يستنتج بها حكم جزئي، كما لو أجريت في الشبهات الموضوعية، فهي فيها قابلية الاستنتاج للحُكْمِ الجزئي، كالقواعِدِ الفقهية، بل حَتَّى حُجّية الخبر قد تقع كبرىً لاستنتاج حكم جزئي، كأحكام الحجر الأسود، وأحكام مكّة والمدينة ومقام إبراهيم، ولعن يزيد بن معاوية والبراءة منه، فإنّها تستنتج أحكامها من أخبار الآحاد الواردة فيها بواسطة حُجّية خبر الواحد.

إنْ قلت: إنّ أصل البراءة والاستصحاب في الشبهات الحكمية من
المسائل الأصولية، دون ما كان يجري في الشبهات الموضوعية، فإنّه ليس
من المسائل الأصولية.

قلنا: فلازم ذلك الالتزام في أصل الطهارة كذلك، بأنْ تكون في الشبهات الموضوعية من الفقه وفي الشبهات الحكمية من مسائل الأصول، مع أنّ الأصوليين لا يلتزمون بذلك.

إنْ قلت: إنّ المسألة الأصولية هي ما تقع كبرىً لقياسٍ يُستنتج به حكم شرعي مجعولٌ، والقياس الذي تقع فيه القاعدة الفقهية العامة لا يستنتج منه حكمٌ شرعيٌ مجعول، وإنّما يستنتج منه حكمٌ عقليّ، وذلك لأنّ الحكم الشرعي الفقهي المجعول إنّما هو تلك القاعدة العامة، والحكم المستفادُ من ضَمِّها إلى صغرى وجدانية ليس بحكمٍ شرعيّ مجعول، فكون الأمّ تحرم من الرضاع، والقهوة حلال شربها في الأمثلة المذكورة ليست بحكمٍ شرعيٍّ مجعولٍ للشارع، وإنّما المجعول للشّارع هو حِلُّ المشكوكِ وحُرْمَةُ الرّضاع لما يَحْرُمُ من النَّسب، وأمّا كون القهوة حلالٌ والأمُّ الرِّضاعيةُ حرامٌ فهو مما يُحْكَمُ بهِ العَقْلُ بملاحَظَةِ كونِهِ من جزئيّات ذلك الحكم الشرعيّ الفقهيّ العامّ، وإلاّ فنفسه لم يجعله الشارع.

ويدلُّكَ على ذلك أنّ هذا الحكم المستنتج يَدورُ مَدَار صُغْرَى وجدانيّة تختلفُ باختلاف الآراء والوجدانيات، والحكم الشرعي لا يعقل أنْ يختلف باختلاف الآراء والوجدان، فمَنْ يرى أنّ القهوة مشكوكة الحكم ضَمَّ هذه الصغرى الوجدانية إلى تلك القاعدة الفقهية، واستنتج الحكم المذكور، وإلاّ
فلا، وهكذا قاعدة الضرر يُستنتج بها الحكم لموردٍ خاصّ بَعْدَ رؤيةِ الضَّرَرِ
فيه، وهذا يَجْري في سائر العُلوم، فقولُنا: (زيدٌ فاعل) و(كلُّ فاعلٍ
مرفوع) ينتج: (زيد مرفوع)، وهو ليس بحكمٍ نحوي، وإنمّا الحُكْمُ النّحوي
هو (كلُّ فاعل مرفوع)، وأمّا كون زيد مرفوع فهو تابعٌ لصغرى وجدانية،
وهو كونه فاعلاً، وهي تختلفُ باختلاف الآراء والوجدان، وليس أمرُهُ
راجعاً للنّحوي، فهكذا الأحكامُ الفقهية التي تستنتج بضمّها لصغرياتِ وجدانية ليسَ بحُكْمٍ شرعيّ فقهي حقيقةً، وإنْ كان المستنتج بها حكماً كلياً ولا يستنتجه إلاّ الفقيه، إلاّ أنّه حكمٌ عقليٌّ استنتج من حُكْمٍ مجعول شرعيٍّ فقهيّ،
وهذا بخلاف المسألة الأصولية، فإنّها يُستنتج بها نَفْسُ الحكم الفقهي المجعول للشارع.

قلنا: هذا مضافاً إلى عَدَمِ تماميّته في بعضِ القواعد الفقهية، فإنّها تضمُّ
إلى صُغْرَى فقهيّة لا وجدانية، كما في قاعِدَةِ الرّضاع، فإنّها تضمُّ إلى صُغْرى أنّ الأمَّ حرامٌ من النسب كما في المثال المتقدم، وهي صغرى ليست بوجدانية، وأيضاً يلزم منه خروجُ الأصول العملية في الشُّبهات الحكمية، فإنّها تضمُّ
إلى صغرى وجدانية مع أنّها من علم الأصول بلا كلامٍ، بل يَلْزَم خروجُ
مسألةِ التعادل والتراجيح من الأصول؛ لأنه يضمُّ إليه صُغْرى وجدانية وهي تَعارض الخبرين.

اللهم إلاّ أنْ يقال: إنّ الكبرى تَصْلُحُ لأنْ تَقَعَ في طريق الاستكشاف في كلِّ بابٍ من أبوابِ الفقه، بخلافِ القواعد المذكورة، فإنّها ليست فيها تلك الصّلاحية، فإنّ قاعدة ما يَحرمُ من الرّضاع مختصّةٌ بباب النكاح، وقاعدة الطَّهارة بباب الطهارة.

وفيه: إنّ هذا خروجٌ عن الميزان الذي ذكره، ويكونُ الميزان في عَدِّ المسألة أصولية هو الوقوعُ في طريقِ الاستنباط في سائر أبوابِ الفقه، مضافاً إلى عَدَمِ تماميّتِهِ في قاعِدَةِ الحَرَج والضّرر؛ لوقوعهما في طريق الاستنباط في سائر أبواب الفقه مع أنّها من القواعد الفقهية.

ويردُ عليه رابعاً خروجُ مباحِثِ الألفاظ المتكفّلة لتعيّن المدلول كمباحث صيغة الأمر والنّهي، والمفاهيم، ومبحث العموم والخصوص، والمطلق والمقيد، فإنّها لا تَقَع نتيجتُها كبرى في قياسِ الاستنباط للحكم الشرعيّ؛ لأنّها انّما تشخّص الظاهر عن غيره، فهي دائماً متكفّلة لصغرى دليلِ الحكم الشرعيّ، ولا تقع كبرى لدليل الاستنباط، ولا يصحُّ الالتزام بخروجِ هذه المباحث عن مسائل علم الأصول، كيفَ وهي من مهمّاتها والقسم الأوّلُ منها، وهذا الإيرادُ يَرْجِعُ للإيراد الثاني.

وما ذكره المرحوم آغا ضياء في تقريراته([266]) من أنّ مباحث المفاهيم وما بعدها مما يستكشف بها مقدارُ الوظيفة العملية، وكيفية تعلّقها بفعلِ المكلّف، فهيَ من المسائل الأصولية، بخلافِ غيرها من علمِ الرِّجال والنحو والصّرف، فإنّ تلك متمحّضة للبحث عن تشخيص موضوع الأمارة من حيثُ السَّنَد أو من حيث المفهوم منها، فهو لا يرفَعُ الإشكالَ عن هذا المائز؛ إذ لا يوجبُ وقوعَ نتيجتها كبرى قياس يُستَكْشَفُ به الحكم الشرعي.

مضافاً إلى أنَّ بَعْضَ مسائلِ الأصول كَمبْحَثِ دلالةِ صيغة (إفعل)، ودلالة النهي، فإنّها تُشَخِّصُ موضوع الأمارة من حيثُ الظّهور مع أنّها من المسائل الأصولية.

الميزان الثاني لعدّ المسألة من علم الأصول

هو أنْ تكون من المبادئ التصورية أو التصديقية لمسائل الفقه، وتوضيح ذلك:

أنّ ما يفيد تصوّر أطراف المسألة فهو مبدأٌ تصوُّري، وما يفيد التصديق بالنسبة في المسألة فهو مبدأ تصديقي، ونسبة علم الأصول إلى الفقه نسبةُ المبادئ، فما يفيد تصوّر الصّلاة كمبحث الحقيقة الشرعية يكونُ مبدأً تصوّرياً، وهكذا ما يفيد تصوّر [أَقِيمُوا]([267])، كمبحث دلالة الأمر يكونُ مبدأً تصوّرياً، وما يبحث عن حجية الظواهر وحجية الخبر والاستصحاب مبدءٌ تصديقي.

فعلم الأصول: عبارة عن مبادئ تصورية لمسائل الفقه، بمعونتها تحصل صغريات ومبادئ تصديقية لمسائل الفقه، بمعونتها تحصل كبريات ينتج منها المسألة الفقهية.

وهو يرجع إلى ما ذكروه: من أنّ علم الأصول يتوقف على مسائله الاستنباطُ توقفاً قريباً لا بعيداً.

وإليه يرجع ما ذكره المرحوم أحمد الحسيني من أنّ المسألة الأصولية يقصد منها العلم الكلّي المستنبط منه الأحكام، والمسألةَ الفقهية يُقْصَدُ منها العلم، فالأولى متقدّمة بحَسَبِ الرُّتبة على الثانية ومقدّمة لها.

ولعلّ إليه يرجع من ذكر أنّ المائز هو أنّ المسألة الأصولية يكون البَحْثُ فيها عن الأدلة الشرعية وجزئياتها وكيفياتها وشرائطها، وكلُّّّّّّ ما يتعلق بها من حيث كونه مرتبطاً بالدليل الشرعي، والمسألة الفقهية ما يُبْحَثُ فيها عن الأحكام المتعلّقة بأفعال المكلّفين تكليفية كانت أو وضعية.

ويرد عليه: بما تنبّه هو له من لزومِ دُخولِ مسائل علم الرّجال والحديث وعلمُ النّحو وبعض مسائل علم الكلام.

وأجاب عن الإيراد بعدّةِ أجوبة، أوجهُها: أنّ مسائل الأصول هي المبادئ للفقه بلا واسطة، وهذه مبادئ لمسائل علم الأصول فهي مبادئ لمبادئ الفقه.

ولا يخفى ما فيه فإنّ الكثيرَ من مسائل علمي المعاني والبيان ما هي مبادئ المسائل الفقهية لأنها تعين الظاهر.

على أنّ حجّية الخبر يتوقّفُ استفادة الحكم منها على تشكيلِ صُغرى وكبرى جامعةً للشَّرائط، فتكونُ الحجيّة لمبدأ المسألة الفقهية.

الميزان الثالث لعدّ المسألة من علم الأصول

هو أنّ نتيجة البحث لا تنفع المقلّدين وإنّما تنفعُ المجتهدين، ألا ترى أنّ البحث في مثل خَبَرِ الواحد نتيجتُهُ سواء كانت حجّية خبر الواحد أو عدمها فإنّه لا يصحُّ من المجتهد أنْ يفتي في رسالته بها؛ لأنّ تطبيقها في الخارج ليس بيد المقلد بل هو من وظيفة المجتهد.

وأمّا المسألة الفقهية فنتيجةُ البَحْثِ فيها تنفع المقلّد، وللمجتهد أنْ يفتي بها وللمقلِّد أنْ يعمل بها في الخارج، كالبحث في حرمة العصير العنبي، فإنّ نتيجة البحث فيها للمجتهد الفتوى بها وللمقلد العمل بها.

وبعبارة أخرى: إنّ المسألة الأصولية لا تنفع في مقام العمل ما لم يصرف
فيها قوة الاجتهاد ويستعمل فيها ملكته فلا تفيد المقلّد، بخلاف المسألة الفقهية
فإنّ المجتهد بعد صرف قوّة اجتهاده وإعمال ملكته إذا ألقاها للمقلّد تفيد
المقلِّد، ويستطيعُ العَمَلُ بها، فمثل حُجّية خبر الواحد لا يستفيد بها المقلِّد في
مقام العمل؛ لاحتياجه إلى فهم مدلول الخبر والبحث عن معارضه
وعلاج التّعارض ونحو ذلك، وليس ذلك إلاّ وظيفة المجتهد بخلافِ مثل
حُرْمَةُ الخمر، ووجوب الصّلاة، فإنَّ المقلِّد يَعْمَلُ بها كالمجتهد وإنْ كان
المجتهد احتاج في استنتاجها إلى ملكة الاجتهاد إلاّ أنّه في مقامِ العمل على
حَدٍّ سواء.

والغريبُ هو جَعْلُ المرحوم النائيني على ما في تقريراته([268]) هذا المائز للمسألة الأصولية تقريباً آخر للمائز الأول، مع وضوح الفرق بينهما، فإنّ المائز السابق وقوع المسألة الأصولية جُزْءاً أخيراً لدليلِ الحُكْمِ الشّرعي الكُلّي الذي للمجتهد الفتوى به لمقلّده، وهذا المائز الثالث إنّما هو صِحَّةُ الفتوى بالمسألة وعدم صحتها.

وكيف كان فقد ذَكَرَ هذا المائز المرحوم الشيخ عبد الكريم اليزدي رحمه الله ، ونَسَبَهُ بَعْضُهُم للمرحوم الشّيخ الأنصاري([269])، وأورد عليه الشيخ المذكوررحمه الله  والمرحوم آغا ضياء رحمه الله ([270]) في تقريراته بأنّ مثل (قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) من القواعد الفقهية، ومن المعلوم عَدَمُ تمكُّنِ المقلِّد من العمل بها بعد فتوى المجتهد بها، بل يحتاج إلى تعيين ما هو صُغْرى لتلك القاعدة، وبأنّ مثل قاعدة نفوذ الصّلح والشرط باعتبار كونهما غيرُ مخالفين للكتاب أو السنة أو مخالفين مما ينحصر أمرُهُ بنظر المجتهد.

وجوابه: إنّ المراد عَدَمُ القدرة ليس من جهة الجهل بالموضوع، وإلاّ لو علم المقلِد بالعقد الصحيح المضمّن عَمَل بهذه القاعدة، فللمجتهد الفتوى بهما، كما يفتي بقاعدة التجاوز والفراغ واليد، ويشخّص مواضيعها، ويعمل بها
المقلِد، وهذا بخلاف مسألة حُجّية خبر العَدْل فإنّه لو أفتى بها المجتهد
وشخَّص خَبَرُ العدل لم يجز للمقلّد العمل به؛ لأنّ شرطه الاجتهاد وهو مفقود منه.

وبعبارة أخرى: المرادُ عَدَمُ القدرة وعَدَمُ التمكُّن من العمل من جهة عدم الاجتهاد لا من جهة الجهل بالموضوع، وإلاّ فلا حاجة للإشكال بالقاعدة المذكورة، بل حتَّى مسألة وجوب الصلاة، فإنّه إذا لم يعرف المقلّد الصلاة لا يقدر أنْ يعمل بها حتى يعيّن المجتهد له الصلاة ويعرّفه بها.

والأولى أنْ يورد على هذا المائز بقواعد النحو والصرف والبيان
والمنطق التي تنفع المجتهد، فإنها لا يجوز للمجتهد أنْ يفتي بها للمقلِّد لكي
يعمل بها في معرفة الحكم الشرعي، فهي تنفع المجتهدَ، فالمائز موجودٌ فيها تماماً وكمالا.

ويرد عليه أيضاً بالقواعد الفقهية في الشبهات الحكمية، فإنّها معدودةٌ
 من علم الفقه مع عَدَمِ جواز فتوى المجتهد بها لمقلّديه وعملهم بها، وما
يتراءى من رجوع المقلِد إلى أصالة الطهارة وأصالة الحِلّ في بعض الموضوعات الكلية فإنما هو من جهة فهمه من المجتهد انحصار النجاسات والمحرمات،
وإنّ ما عداها طاهرٌ وحلال، وإلاّ لو لم يفهم ذلك منه لم يَجُزْ له الرجوع
إلى ذلك.

وأيضاً يرد عليه: أنّ مباحث التقليد يفتي فيها المجتهد ويرجع إليه فيها المقلِد، إلاّ أنْ يلتزم أنّها من مباحث الفقه.

 

المطلب الثامن

في مَطَالِبِ علم الفقه الثلاثة وهي مطلب (ما، وهل، ولِمَ)

وممّا ينبغي ذكره قبل الشروع في العلم بيانُ مطالبه الثلاثة، فإنّه قد ذكر علماء الفلسفة أنّ أمّهات المطالب العلمية الكلّية الأصلية التي لا يقوم غيرها مقامها لكُلِّ ناظر في استعلام شيءٍ من الأشياء ثلاثة: مطلب (ما)، مطلب (هل)، مطلب (لِمَ) .

وذلك لأنّ الطالب لمعرفة الشيء ما أنْ يطلب معرفة ماهيّته وتصوّرها وهو مطلب (ما)، وأمّا أنْ يطلب معرفة وجوده وهو مطلب (هل)، وأما أنْ يطلب علّة وجوده وهو مطلب (لِم).

وقد زاد بعضهم مطلب (أيّ) وهو ما يميّز الماهية عمّا يشاركها في الوجود، كما لو كانت بسيطةً أو في الجنس كما لو كانت مركَّبة من جنس وفصل، وطَلَبَ تميّزها عمّا يشاركها في أمرٍ ذاتيٍ أو في العرض، أو طلب لها المميز بالخاصة.

وقد زاد آخرون مطلب (كيف، وكم، وأين، ومتى).

ولكن التحقيق: إنّه يستغنى عنها بمطلب هل المركبة كما سيجيء إن شاء الله وتوضيح الحال وتنقيحه.

مطلب ما

(إنّ مطلب ما) على ثلاثة أقسام:

لأنّ (ما) قد يطلب بها شرحُ الاسم وبيان مدلول لفظه، وتسمّى بما اللفظية، فيقع في جوابها مفهومُ الاسم، ومعناهُ وهو قد يكونُ الموضوعُ له اللفظ وقد يكون المستعمل فيه، فعبّروا عن كُلِّ مفهوم للفظ ومدلوله بمطلب ما اللفظية.

وقد يطلب بــ(ما) تمييز ماهيّة مفهوم اللفظ وحقيقة مدلوله، ويقع في جوابها أمّا الحدّ التام أو الناقص أو الرّسم التام أو الناقص، وتسمّى ما الإسمية، وعبّروا عن كلّ حدٍّ تام أو ناقص أو رسم تام أو ناقص بمطلب (ما) الاسمية أو الماهوية إذا كان ذلك قبل العلم بوجود مدلول اللفظ، وأما بعد العلم بوجوده، فإذا طلب (بما) تمييز ماهيته فتسمّى (ما) الحقيقية وما يقع في جوابها يسمّى مطلب ما الحقيقية، وعبرّوا عن كل حدٍّ ورسم تام أو ناقص للشيء المفروض الوجود بمطلب (ما) الحقيقية، وذلك لأنّ الماهية لا تسمّى بالحقيقة إلاّ بعد وجودها.

ومن هنا ظهر للأوجه ما هو المعروف عندهم أنّ التعاريف المثبتة في أوائل العلوم المدوّنة للأشياء قبل إثبات وجودها حدودٌ إسمية، وبعد وجودها حدودٌ حقيقية.

وكيف كان فهذه الأقسام الثلاثة تسمى: بـ(ما) الشارحة ومطلبها بمطلب (ما) الشارحة.

فعلمُ الفقه المفهومُ منه عند إطلاقه ويستعمله فيه علماء الفقه يكونُ مطلب ما اللفظية، وتعريفُه مع قطع النظر عن وجودِهِ يسمّى بمطلب ما الاسمية، وتعريفه بعد فرض وجودِهِ وتدوينه يسمّى بمطلب ما الحقيقة، والجميع يقال له مطلب ما الشارحة.

مطلب هل

إنّ مَطْلَبْ هل على قسمين؛ لأنّ هل:

قد يطلب بها الجزم بوجود الشيء في حد ذاته، وتسمّى بهل البسيطة؛ لأنّ المطلوب بها الوجود البسيط، وعبّروا عن ثبوت الوجود البسيط للماهية بمطلب هل البسيطة، وقد يعبّرون عنه بمفاد (كان) التامة، كما يعبّرون عن عدم الشيء في حدِّ ذاته بمفاد (ليس) التامة.

وقد يطلب بهل ثبوتُ وجود شيءِ لشيء آخر، كما يقال: (هل القمر منخسف)، فيطلب ثبوتُ وجود الانخساف للقمر، وتسمّى بهل المركبة، وما يقع في جوابها يسمّى بمطلب هل المركبة؛ لأنّه هو الذي يطلب بها.

وعبّروا عن ثبوتِ كلِّ صفةٍ لموصوفها وكلِّ عَرَضٍ لمعروضه بمطلب هل المركبة، وقد يعبّرون عنه بمفاد كان الناقصة كما يعبّرون عن عدم شيء لشيء كعدم الحركة للجماد بمفاد (ليس الناقصة).

فعلم الفقه ثبوت أصل وجودِهِ وتحقُّقه وأنّه موجود يكونُ مطلب هل البسيطة.

ولعل إثبات وجود موضوع العلم يكونُ فيه نحوٌ من الإثبات لوجود العلم فيكون فيه مطلب هل البسيطة، وأما ثبوت أنّه مقدّم على غيره من العلوم أو شرفه فهو مطلب هل المركّبة ومنه إثباتُ الغاية له.

مطلب لم

إنّ مَطْلبْ (لم) فهو أيضاً على قسمين؛ لأن (لِمَ):

قد يطلب بها علّةُ ثبوت الوجود للشيء في الأعيان أو ثبوت صفة له فيها، فيقع في جوابها ما هو العلّة لذلك، ويسمّى بالواسطة في الثبوت.

وقد يطلب بها علة التصديق والاعتقاد بذلك، فيقع في جوابها الحدّ الأوسط، ويسمّى بالواسطة في الإثبات، كقولنا: (لِمَ كان العالم حادثا)؟ فيقال: لكونه ممكناً، وكلُّ ممكنٍ حادثٌ فالعالم حادث، فيعبرون عن كلّ ما كان علّة لتحقق الحكم أو علة لمعرفته بمطلب (لِمَ)، ولعلّ منه طلب العلّة الغائية وإنْ كنتُ لم أرَ أحداً تعرّض لذلك؛ لأنها أيضاً علّة للتحقق.

فعلم الفقه يكونُ البحث عن المدوّن له، والمؤسس له بل البحث عن غايته بحثاً عن مطلب (لم) وبحثاً عن الواسطة في الثبوت، كما أنّ البَحْثَ عن إثبات وجوده في عصر النبي  صلى الله عليه واله وسلم  أو الأئمة في رَدِّ مَنْ أنكر ذلك يكونُ بحثاً عن مطلب لم، وبحثاً عن الواسطة في الإثبات في ذلك العصر.

مطلب أي وأين وكم ومتى

إن مطلب (أي وأين وكيف وكم ومتى) فهي ترجع إلى ما ذكر، أمّا مطلب (أي) فهو يرجع لمطلب (ما)؛ لأنّه يطلب بها التمييز للماهية، وأما مطلب (أين، وكيف، وكم، ومتى) فهي ترجع لمطلب هل المركبة؛ لأنه يطلب بها عوارضُ الشيء من الكمية والكيفية والمتى والأين، وهي ترجع لمطلب هل المركبة، وتحقيق ذلك يطلب من شرحنا على منظومة السبزواري رحمه الله .

وما يقدم من المطالب

إنّ مطلب ما الذي هو بحسب مفهوم الاسم يتقدَّمُ على جميع المطالب؛ لأنّ من لم يفهم الاسم يستحيل منه طلبُ الحقيقة الموجودة له، فإنّه لا يَحْسُنُ أنْ يسأل عن وجود الشيء فيقول: هل هو موجود، أو هل هو موجود بحال كذا؟ أو أن يطلب العلة في انتسابه إلى الغير، أو العلة في وجوده في الخارج، أو في اتّصافه بصفة كذا، فإنّ ذلك كلّه إنّما يكون بعد مفهوم الاسم.

ومطلب (هل البسيطة) تتقدَّم على مطلب ما الحقيقية؛ لأنّ الذي يطلب حقيقة أمرٍ فإنّما يَطْلُبُ حقيقةَ أمرٍ موجودٍ؛ لأنّ الحقيقةَ كما تقدّم لا تكونُ إلاّ لأمرٍ موجودٍ، فوَجَبَ أنْ يتقدَّمَ علمه بوجوده، وذلك مَطْلَبُ هل البسيطة، ويجوز أنْ يكونَ الشّيءُ موجوداً في ذاتِهِ مع الجهل أو الشك بوجوده فيطلب معنى مفهوم الاسم الدال عليه؛ لأنّ طلب مفهوم الاسم مع الجهل أو الشكّ في وجوده جائز، فإذا أجَابَ عن مفهوم الاسم كان ذلك الجواب حدّاً بحسب الاسم، فإذا عرف وجوده يصير ذلك بعينه حدّاً بحسب الحقيقة، فعلم أنّ الجواب الواحد يجوزُ أنْ يكون حدّاً بحسب المفهوم وبحسب الحقيقة وبالنسبة إلى شخصين أو إلى واحدٍ في زمانين.

 

المطلب التاسع

في العِلَلِ الأربعة لعلم الفقه

ومما ينبغي ذِكْرُهُ قبل الشروع في العلم بيانُ عِلَلِهِ الأربعة؛ إذ أنّ الأمور المركبة الحادثة لا بُدّ لها من عِلَلٍ أربعة: العِلّة المادية والعِلَّةُ الصُّوريّة والعِلَّةُ الفاعلية والعلة الغائية، فعلم الفقه لا بدّ له من هذه العلل الأربعة.

أمّا علته المادية: فهي عبارةٌ عن موضوعه ومسائله ومبادئه؛ لأنها هي الأجزاء المادية التي تقبل الصور للعلوم.

وأمّا علته الصورية: فهي الهيئةُ الحاصلةُ من جمعِ مسائله، مترتّبة على هذا النحو الخاص، مع ذكر أدلّتها، وتعاريف موضوعاتها ومحمولاتها ومتعلقاتها التي بواسطتها صحّ إطلاقُ اسم الفقه عليها، فإنّ المركَّبات الاعتبارية علّتها الصورية هي الهيئة الطارئة على أجزائها بالنّحو المختصّ بها المصحِّح لإطلاق اسم ذلك المركب عليها، فإنّ العلّة الصُّورية -كما حُقِّقَ في محلِّه- هي ما يكونُ بها الشيءُ هو هو، كالناطقية للإنسان والهيئة المذكورة للمركّبات الاعتبارية تكونُ للمركّبات كذلك.

وأمّا عِلّته الفاعلية فهي المدوّن الأول، وسيجيء إنْ شاء الله بيانه.

وأمّا علّته الغائية: فهي الغَرَضُ الذي كان من تدوينِهِ، وقد تقدَّمَ في مبحث الغاية الكلام فيه.

 

المطلب العاشر

في الرّؤوسِ الثّمانية لعلم الفقه

فائدتها: كانَ القُدَمَاءُ يذكرونَ في صَدْرِ كُتُبهم ما يسمّونه بالرؤوس الثمانية؛ لكونها تُفيدُ بصيرةً بالعلم عند الشروع فيه، ومشعرةٌ بمقاصده على سبيل الإجمال عند الدخول فيه، وسمّوها بالرؤوس الثمانية؛ لأنّ الرأس يطلق على (المقصد- والأصل) حقيقة أو مجازاً، وهذه الأمور تُشْعِرُ بأصولِ العلم، ومقاصده، وكانوا يذكرونها بعد أنْ يذكروا تعريفه، وموضوعه، وغايته، وأجزاءه الثلاثة؛ لأنها ليستْ لها من الأهمية بمقدار ما لتلك في الأهمية، حيثُ أنّ البصيرة في الشروع بالعلم الحاصل من الرؤوس الثمانية أقلُّ من البصيرة الحاصلة من تلك، بل إنّه لا يتوقّفُ عليها الشروع كما يتوقّفُ على تلك، وكيفَ كانَ فَقَدْ عَدَّها القومُ ثمانية.

 

الرأس الأول

بيان الغرض من علم الفقه

الرأسُ الأوّلُ من الرؤوس الثمانية بيانُ الغرض الذي دعا المدوِّن لتدوين العلم ومن أَجْلِهِ ألّف العلم وصنّفه، وجَمَعَ شتات مسائله، وهذا قد يكون عينُ وجهِ الحاجة للعلم الذي يذكر في مقدمة العلم.

وعليه فيُستغنى عن ذكره مرّة ثانية في الرؤوس الثمانية، وقد يكونُ غيره بأنْ يكونَ وَجْهُ الحَاجَةِ لتعلُّم العلم والغرضِ من دَرْسِهِ غيرُ الغرض الذي دَوّن المدوّن له العلم، كما يذكر في علم السِّحر فإنّ الغرض الذي دوّن له المدوّن السحر هو الشعوذة، ولكنّ حاجة المؤمنين له هو دَفْعُ كيدِ السَّحَرة، كما أنّ له منافع كمعرفة خواصِّ بعض الأشياء وفوائدها.

والحاصل: إنّ ما يذكر في المقدّمة، هو بيانُ وَجْهِ حاجَةِ الناس للعِلْمِ فإنّه المرغّب لهم في قراءته ودراسته.

والذي يذكر هنا- أعني: في مبحث الرؤوس الثمانية- هو الغرض الذي دعا المدوّن لتدوين العلم، وهما قد يتّحدان- كما هو الغالب في العلوم- وقد يختلفان كما في علم الفقه، فإنّ المدوّن الأول له هو الإمام علي  عليه السلام ، كان غَرَضُهُ حِفْظُ الأحكام الشرعية من الضّياع، ولكنْ وَجْهُ حاجة الناس إليه هو إطاعَةُ اللهِ وعَدَمُ الخُروجِ عن معاصيه، وقد تقدَّمَ تحقيقُ ذلك في المطلب الثالث من مطالب المقدمة.

وجُوب تَعلُّم الفقه كفائيٌ

ومما يُناسِبُ هذا الرأس الأوّل من الرؤوس الثمانية لعلم الفقه التّعرُّضُ لوجوب تعلّم علم الفقه، فنقول: إنّه يجب تعلُّمُه بالإجماع؛ إذ لا ينكر أحدٌ وجوبه، وإنّما النزاعُ في وجوبه عيناً أو كفايةً أو تعيُّناً أو تخييراً بَيْنَهُ وبَينَ التقليد والاحتياط، مضافاً للأمر في الآية([271]) بالتفقُّه الظاهر في الوجوب. وللأخبار الدالّة على الوجوب كقوله  صلى الله عليه واله وسلم : (إنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال)([272]) والتي سيجيء إنْ شاء اللهُ نقل بعضٍ منها في مبحث فضل علم الفقه.

ولبقاءِ التّكليف في الفروع، فلابُدّ من معرفتها للخُروجِ من عهدة التكليف، أمّا بالتفقه أو التقليد أو الاحتياط، فمن لم يكن مقلّداً أو محتاطاً وَجَبَ عليه التفقه، ولحاجة النّاس إليه في القَضَاء والولايات والوقائع المتجددة. وأمّا إنّ كون وجوبه على سبيل التخيير كفائياً، فللسيرة على ذلك، ولآيةِ التفقُّه([273]) فإنَّها تقتضي وجوبه على بعضِ الأفراد دون بعضٍ لأخذ الطائفة فيها، وللزوم العُسْرِ والحَرَج.

إنْ قلت: قد اشتهر عند الجميع أنّ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  قال: (طَلَبُ العلم فريضة على كلِّ مسلم)([274])، وقال  صلى الله عليه واله وسلم  أيضاً: (اطلبوا العلم ولو بالصّين)([275])، فإنّ الحديثين المذكورين ظاهران في أنّ ما جاء به الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  فَرْضُ عين العلم به على كل مسلم.

قلنا: هذا لا ينافي كونُ وجوبه على سبيل الكفاية، فإنّ الواجبات الكفائية مفروضة على كُلِّ أحدٍ لكنّه يَسْقُطُ وجوبها على الغير بقيامِ شخصٍ بها.

المراد بالعلم في حديثي طلب العلم

هذا مضافاً إلى أنّهم اختلفوا في المرادِ بالعلم في الحديثين المذكورين، فقال الفقهاء: هو عِلْمُ الفقه؛ إذ به يُعْرَفُ الحَلالُ من الحرام، والصحيحُ والفاسد من المعاملات، وقال المتكلمون: هو علمُ الكلام؛ إذ به تعرف العقائد الدينية التي يجب التديُّن بها كالتوحيد وغيره، وقال المفسّرون والمحدّثون: هو علمُ الكتاب والسنة؛ إذ بهما يُتوصَّلُ إلى العلوم كلّها، وقال المتصوّفة: هو علمُ التصوّف.

والحقُّ أنّه هو العلم بالعقائد الدينية وهو العلمُ بالأصول الخمسة من التوحيد والنبوّة والإمامة والعَدْل والمعاد مع التصديق بما جاء به النبي  صلى الله عليه واله وسلم .

 

الرأسُ الثاني

بيانُ منفعة علم الفقه

الرأسُ الثاني من الرؤوس الثمانية لعلم الفقه بيانُ المنفعة في تعلُّمِهِ، فإنّ المتقدّمين قد جَعَلوا الرأسَ الثاني من الرؤوس الثمانية التي تُذْكَر في صَدْر كلِّ علمٍ هو بيانُ منفعة العلم، والفوائد التي تترتب على معرفته، وهي قد تكونُ نفس غرض المدوّن للعلم، ونفسُ وَجْهِ حاجة النّاس لتعلُّمِهِ، وقد تكونُ غيرُهُما من الفوائد الّتي تترتّبُ على دراسته، فإنْ كانت غيرُهما ذكرت، وإنْ كانت عبارة عن أحدهما أو عنهما مما استُغني عن ذكرها بذكرهما.

إنْ قلتُ: إنّا لا نتصور أنْ تكون المنفعة غيرهما.

قلنا: المنفعةُ هي الفائدة، والعَمَلُ قَدْ تَكونُ له فوائدُ غيرُ ما هو مقصودٌ منه، فمثلاً إنّ عَمَلَ الرّياضة الغَرَضُ منه تقويةُ العضلات، ولكن قد تترتَّبَ عليه منافع كَهَضْمِ الطّعام وشفاء بعض الاسقام. ثمّ إنّه قد ظَهَر لك ما في تعلُّم علم الفقه من الفوائد والمنافع عن التعرّض للمطلب الثالث من مطالب المقدمة.

 

الرأسُ الثالث

وجه تسمية علم الفقه بعلم الفقه

الرأسُ الثالثُ من الرّؤوس الثمانية لعلم الفقه بيانُ وَجْهِ تسميَتِهِ بهذا الاسم، فإنّ المتقدّمين قد جَعَلوا الرأسَ الثالث من الرؤوس الثمانية التي تذكر في صدر كلِّ عِلْمٍ هو بيانُ وَجْهِ تسميةِ العِلْمِ باسمه، ويعبِّرُ عنه القُدَمَاءُ بالسِّمَةِ، ويريدونَ بذلك وجه تسميةِ العلم باسمه، وإنّما يذكرونَ ذلك قبل الشّروع في العلم؛ لأنّ في بيانِ التسميةِ اشارةٌ إجمالية إلى ما يفصّله العلم، فيكون للطّالب كَمَالُ الاستبصار بشأنه.

ووَجْهُ تسمية هذا العلم بالفقه؛ لأنّه من أعلى الأنواع للفهم، وكثر استعمال هذه المادّة من قبل الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  وأتباعِهِ في مُطْلَقِ الأحكام الشَّرعيّة الأصلية والفرعية، باعتبار أنّه أهمّ ما يجب على الإنسان معرفته، ثم كَثُرَ استعمالُهُ في خصوص العلم بالأحكام الشرعية الفرعية، وخصّوا العلم بالعقائد باسم الكلام وعلم الفقه الأكبر، فكانوا إذا أرادوا علم العقائد عبّروا عنه بالاسمين المذكورين فأوْجَبَ ذلك كَثْرَةَ استعمالِ لفظ الفقه في خصوصِ العلم المذكور حتَّى صار منقولاً إليه لا يَتَبَادَرُ من إطلاقه إلاّ العلم المذكور لا عن تقليد.

فيكونُ لَفْظُ (الفقه) منقولاً من الفقه عند أهل الإسلام المنقول من الفقه عند أهل اللغة، نظيرُ ما قيل في (المقدّمة): إنّها منقولةٌ من مقدّمة الجيش، المنقولة من المقدّمة التي هي الوصف، أو لأنّ الفُقَهَاء في الصَّدر الأول يَرَونَ أنّ الفقه الذي نَدَبَ له الشارعُ بلفظِ الفقه، هو العلم المذكور لا العلم بالعقائد المسمّى بعلم الكلام، ولا العلم بها عن تقليدٍ، فإنّهم حرموا العلم بالعقائد المسمَّى بعلمِ الكلام، وقالوا: إنّ العقائد تُؤْخَذُ من الكتاب والسنّة لا من هذه الأدلّة التي ذكرت في علم الكلام.

تحريمُ عِلْمِ الكلام ونَقْلِ كلمات العلماء فيه

وقد حكى الغزالي([276]) وغيره عن الشافعي ومالك وأحمد بن حنبل وسفيان وجميع أهل الحديث من أهل السلف تحريمَ علم الكلام، وعن أبي يوسف أنّه قال لبشر المريسي: (العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم)، وأنّه لا تجوز الصَّلاةُ خَلْفَ المتكلّم وإنْ تكلّم بحق([277]).

ونقل عن الشافعي أنّه قال: (حكمي في أهل الكلام أنْ يضربوا بالجريد والنعال ويُطاف بهم في العشائر، ويقال: هذا جزاءُ مَنْ تَرَكَ الكتاب والسنة وأقبل على كلام أهل البدعة)([278]) وأنّه قال: (إذا سمعت الرجل يقول الاسم هو المسمّى أو غير المسمّى فأشْهَدُ بأنه من أهل الكلام ولا دين له)([279])، ونُقِلَ عن جلالِ الدّين السّيوطيّ وابنُ الصَّلاح والنووي([280]) إنّه يحرّم علوم الفلسفة كالمنطق لإجماع السلف، وذَكَرَ الحافظ سراجُ الدّين القزويني([281]) من الحنفية في كتابٍ ألَّفه في تحريم علم الكلام: إنّ الغزالي رجع إلى تحريمه بعد ثنائه عليه في أوّل المستصفى([282]).

وذَهَبَ النسفيُّ([283]) وابنُ رُشْد([284]) من المالكية إلى أنّ المشتغل به لا تقبل روايته.

وحُكيَ عن أبي المعالي الجُويني أنّه قال: (يا أَصْحَابَنا لا تَشْتَغِلوا بالكلام،
 فلو عَرَفْتَ أنّ الكلام يبلُغُ بي إلى ما بلغ ما اشتغلت به)، وقال عند موته:
(لقد خُضْتُ البَحْرَ الخِضَمَّ وخَلّيتُ أهلَ الإسلام وعلومهم ودَخَلْتُ في
الذي نَهَوني عنه، والآن إذا لم يتداركني ربّي برحمته، فالويل لابن الجويني،
وها أنا ذا أموتُ على عقيدَةِ أمّي، أو قال: على عقيدةِ أهل نيسابور)([285])، وقال الرّازي:

نهايةُ إقدام العقول عقال
و أرواحُنا في وَحْشَةٍ من جُسُومنا
ولم نَسْتَفِد من بَحْثِنا طُولَ عُمْرِنا
­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­

 

وغايةُ سعي العالمين ضَلالُ
وحَاصِلُ دُنيانا أذىً ووَبَالُ
سِوى أنْ جَمَعْنَا فيهِ قيلَ وقالوا([286])

 

 

وخاطَبَ الخِسروشاهي([287]) -وكان من أجَلَِّ تلامِذَة الفَخْرِ الرّازي- بَعْضُ الفضلاء، فقال له الخِسروشاهي: ما تعتقده؟ فقال الفاضل: ما يعتقد المسلمون، فقال: وأنت منشرحُ الصّدر لذلك مستيقنٌ به، قال: نعم، فقال: أُشكر الله على هذه النعمة، ولكنّي واللهِ لا أدري ما اعتقدُهُ، واللهِ ما أدري ما اعتقده، وبَكَى حتى اخضلَّتْ لحيتُه([288]).

وقال ابنُ عبد البر (أجمع أهلُ الفقه والآثار في جميع الأمصار على أنّ أهل الكلام أهلُ بدع وزيغٍ لا يعدّون عند الجميع في جميع الأمصار في طبقات العلماء)([289]).

والحاصل: أنّ الفقهاء في الصّدر الأول يكونْ قد سمّوا العلم المذكور بالفقه في مقابل المتكلّمين لبيان أنّه هو الفِقْهُ الصَّحيح، وليسَ عِلْمُ الكلام بفقهٍ، أو لأنّه يورثُ شِدّة الفهم وقوّة التفقه في الأحكام الشّرعية حتّى الأصولية والاعتقادية منها، نظيرُ تسميةِ علم المنطق بالمنطق؛ لأنّه يقوى به على المنطق الباطنيّ والظاهري، ونظيرُ تسميةِ علمِ الطّب بالحكمة مع أنّه من أنواعها.

ثمّ إنّ ما تَعَارَفَ في بَعْضِ التّصانيف من ذكر المعنى اللُّغوي قبل الاصطلاحي؛ لأجل الاشارة إلى وجه التسمية.

أسماءُ العلوم أعلامٌ لها

وممّا ينبغي الحاقُهُ بالرّأسِ الثالث من الرؤوسِ الثمانية هو البحثُ عن أسماء العلوم إعلامٌ لها أم لا؟ فقد اختلف العلماء في أنّ أسماء العلوم أعلامٌ لها على أقوال:

القول الأول: إنّها من قبيل العَلَم الشخصي؛ لأنّه علم لتلك المسائل المخصوصة، وقد نسب هذا القول إلى بعض الحنفية.

وقد أورد عليه أولاً: أنّ العلم الشخصي ما كان مسمّاه جزئياً حقيقياً، والجُزئيُّ الحقيقي لا يكونُ كاسباً ولا مكتسباً ولا يعرِّفُ ولا يعرَّف، ولا كَمَالَ في معرفة الجزئيات لتغيُّرها وعَدَمُ ثباتها، وإنّما يبحث عنها في ضِمْنِ الكلّيات التي يحكم فيها على الأشخاص إجمالاً، ولأنّ الجزئيات إنّما تُدْرَكُ بالآلات الحسّية أمّا بالحواس الظّاهريّة أو الباطنيّة.

وليسَ الإحساسُ مما يؤدّي بالنظر إلى إحساسٍ آخر، بأنْ يُحَسُّ بمحسوساتٍ متعدّدة وترتُّب على وَجْهٍ يؤدّي إلى الإحساس بمحسوسٍ آخر، بل لا بُدَّ لذلك المحسوس الآخر في الحسّ به من الإحساس ابتداء. والحال أنّ الفقه هنا عُرِفَ بالتعريفِ المتقدّم فليس هو بأمرٍ شخصي جزئي.

وثانياً: إنّه ليسَ القَصْدُ فيه تسميةُ شَخْصٍ مُعيّن بالاسمِ المخصوص، لما ترى من تزايد كُلِّ علمٍ بتلاحُق الأفكار.

وثالثاً: أنْ لو كان من قبيل العَلَمَ الشخصي لامتنع من الإضافة ودخول اللام، مع أنَّ أسامي العلوم تضاف ويدخل عليها اللام، كما يقال: (النحو والصرف والفقه)، ويقال: (نحو زيد أكثر من نحو عمرو) وهكذا.

ودعوى عدمُ دخولِ (ألـ) على أصول الفقه وعدم إضافته، مدفوعةٌ بأنّ ذلك ليس من جهة العَلَمية، بل لمانعٍ، وهو كونُهُ مُرَكَّباً إضافياً، وإلا لم يتفاوت حاله مع أسامي العلوم.

وقد أجيب عن الأول: إن ما ذكر إنّما يَصحُّ في الجزئيات المادّية الحسية لا في الجزئيات المجرّدة المعقولة؛ لأنها لا تدرك بالإحساس بل تدرك بالعقول، وما نحن فيه من قبيل الثاني لا الأول، وأيضاً: إنّ المانع من تعريف الجزئي هو تغيّرُهُ وعدم ثباته، وما نحنُ فيه كان ثابتاً مستقرّاً، والأولى: أن يقال: إنّ ما يذكر للعلوم هي من قبيل الخواصّ المميزة لها عَمَّا عداها.

وقد أجيب عن الثاني: بعدم تزايُدِ المعنى العلمي بتلاحق الأفكار؛ لأنّ الفقه مثلاً موضوعٌ لأمّهات المسائل المعيّنة الواقعية، وهذه المسائل لا تتزايد أصلاً، والزيادة المشاهدة إنّما هي في الفروع والملحقات لا في الأصول والأمّهات، ومثل هذه الزيادة لا تضرُّ بالأعلام الشخصية، وإلاّ لم يوجد عَلَمٌ شخصيٌ أصلاً؛ إذ ما من عَلَمٍ شخصيٍّ إلاّ يزيدُ أو ينقُصُ بعد العلمية.

ألا ترى أنّ الطفل في أول تولّده كان جسمه أصغر وبَعْدَ تسميَتِهِِ يكْبُرُ ويزداد آناً فآنا حتّى يَبْلُغُ إلى ما يبلغ من عظم الجثة ونبات اللحية وغير ذلك، ومع ذلك يصحُّ إطلاق التسمية عليه حقيقة.

والقولُ بأنه اسمٌ للنفس الناطقة يكذّبه الوجدان، من جهة كون المسمّى جسماً لا من المجرّدات، فإنّ أربابَ التسمية العوامّ، وهم لم يُدْرِكوا النَّفْسَ الناطقة، وإنّما يُشَاهِدونَ الجسم، فكما أنّ أمثالَ هذه الزّيادة لا تَضُرُّ في الأعلام الشخصية، فكذا ما نحن فيه.

وقد أجيب عن الثالث: هو أنّ الإضافة بعد تسليم صحّة استعمالها نمنعُ كونها بالمعنى العلمي؛ لأنّ لفظ النّحو مثلاً باعتبار مَعْناهُ العلميّ اسمٌ لجميع مسائل النّحو أو التصديقِ به، أو ملكة التصديقِ به، على خلافٍ في ذلك، فلا معنى لأكثرية جميع مسائل نحو زيد من جميع مسائل عمرو وهكذا، بل معناه حينئذٍ أنّ إدراك زيد لمسائل النحو أكثر من إدراك عمرو لها.

وعليه فإمّا أنْ يكون الكلامُ على الحذف والتقدير، أو أُخْرِجَ العَلَمُ عن علميته نظير قولهم:

علا زيدُنا يَومَ النِقا رأسَ زيدِكُم([290])

فإنّ الأعلامَ قد تُنَكَّر فتُستعمل في المسمّى كما في تثنيتها وجمعها، وأسماء العلوم قد تنكّر فتستعمل في بعض المسائل.

على أنّنا لا نسلّم صحّة الاستعمال المذكور، فلا يقال: زيدٌ أكثر نحواً من بكر، وإنما يقال: أكثر علماً بالنحو من بكر، ويكونُ بالنّحو باقِياً على علميته، وأمّا دخول اللام فالممتنعُ هو دُخولُ لام التّعريف عليه لا مطلقاً، فإنّها تَدْخُلُ للمح الأصلِ، كما في قولنا: (الصادق) عَلَمَاً لشخصٍ، وللتحلية كالحسن والحسين، واللازم في أسامي العلوم أيضاً كذلك؛ لأنّ جميعها منقولات.

القول الثاني: إنّه من قبيلِ العَلَمِ الجنسي؛ لأنّ القَصْدَ فيهِ إلى تسميةِ الطبيعة من حيثُ هي.

وهذا معنى العلم الجنسي، كيف لا تكون كذلك والحالُ أنّ العلوم بتلاحق الأفكار والأزمان تتزايدُ في كلِّ وقتٍ وزمان.

ولكنْ يرد عليه الإيراد الأخير من الإيرادات الواردة على العَلَم الشخصي؛ لأنَّ العَلَمُ الجنسيّ يشبهه في الأحكام اللفظية فيمتنعُ من الإضافة ومن دخول (أل)، فلا يقال: أسامتكم، كما لا يُقال: (زيدُكم) ولا (الأسامة)، كما لا يقال (الزيد)، مع أنّ أسامي العلوم تضافُ وتدخل عليها اللام.

والجواب عن هذا الجواب هو الجواب عن ذلك.

القول الثالث: إنّها من قبيل اسم الجنس، والظاهر أنّ هذا هو مراد السيد علي القزويني رحمه الله ([291]) بقوله: (والظاهر أنّ المراد بالعَلَمَيّة هنا ما في كلام بعض النحاة: (الرفع علم على الفاعلية، والنصب على المفعولية) أي: علامةُ كونِ الشيء فاعلاً أو مفعولاً)([292]).

ولا يخفى بُعدُ هذا بَعْدَ صِحَّة كونها من قبيل العَلَمِ الشخصيّ أو الجنسي.

أسماءُ الكُتُب أعلامٌ شخصيّة

ومما يلحق بذلك بيانُ أنّ أسماءَ الكُتُبِ أعلامٌ شخصيّةٌ أو جنسية فقد ذَهَبَ بعضُهم إلى أنّ أسماء الكُتُب أيضاً من قبيل العَلَمِ الجنسي، وارتضاهُ بعضُ أهل التحقيق من النّحاة حيثُ قال: إنّ أسماءَ الكُتُب ليست من الأعلامِ الشخصية وإلاّ كان إطلاقُها على النسخ المتعدّدة لكتابٍ واحد مجازاً، بل من الأعلام الجنسية الموضوعة للإشارة إلى الحقائق الكلّية، وقيل: إنّها من قبيل اسم الجنس، والتحقيقُ أنّها من قبيل الأعلام الشخصية؛ لأنّها موضوعةٌ للمعاني الذهنية التي تَكْشِفُ عن الألفاظ والنقوش الثابتة في الكتاب، فالمصنَّف للكتاب تصوّر المعاني التي تكشف عنها نقوشُ الكتاب وألفاظه، ثمّ وضع اسمُ الكتاب لهذه المعاني الذهنية المعلومة المشخصة.

فمجموعُ هذه المعاني من حيثُ هو واحد شخصيٌ لا تعدُّدَ له أصلاً حتّى يَرِدُ ما ذكره البَعْضُ، وما ترى من التعدُّد حيثُ أنَّ بعضه بخطّ زيدٍ وبعضهُ بخطِِّّ عمر، وهكذا فهو بمنزلة الألبسة المتعدِّدَةِ لشخصٍ واحد فافهم.

 

الرأس الرابع

في مُدوِّنِ علمِ الفقه وواضعه

الرأسُ الرّابعُ من الرؤوس الثمانية لعلم الفقه بيانُ المدوِّن له، فإنّ المتقدمين قد جعلوا الرأس الرّابع من الرؤوس الثمانية التي تُذْكَرُ في صَدْرِ كُلِّ عِلْمٍ هو بيانُ المدوّن له ليسكُن في قَلْبِ المتعلّم، فإنّ طالب العلم إذا عَرَفَ أنّ مُدوِّنَهُ من رجالاتِ الفكر أدْرَكَ هذا العلم؛ لأنّ الفِطْرَةَ البشرية تُقَدِّرُ المقال بمراتِبِ الرِّجال فالمتعلِّم إذا عَرَفَ أنَّ واضع العلم، ومدوّنه من العباقرة أدرك جلالة قدر ذلك العلم، واشتاقَتْ نَفْسُهُ لطلبه، كما هو المشَاهَدُ في الكُتُب والصُّحُف والمجَلاّت، فإنّه إذا رأى أنّ مؤلف الكتاب أو كاتب المقال من فطاحل العلم اشتاقت النفس لمطالعة ذلك الكتاب، وذلك المقال، وبهذا تعرف وجه ذكر اسم مؤلف الكتاب أو المقال في أوائلِ الكُتُب والمقالات.

مَسيسُ الحاجة لتدوين علم الفقه

ثمّ إنّه لا ريبَ في أنّ تدوينَ علم الفقه تقتضيه الحاجة المُلِحَّة لشدّة احتياج المسلمين إليه في أمور دينهم ودنياهم؛ لأنّ مسائله هي دستورُ حياتهم العملية، والفقهُ هو الذي يُبيّنها ويَشْرَحُها ولمّا كان كتاب الله المجيد لا يستطيعُ المسلمون فَهْمَ أحكامِهِم الشرعيّة بأجمعها منه؛ لما فيه من مجملاتٍ تحتاجُ إلى تفصيل وعمومات لا بدّ لها من تخصيصٍ ومطلقاتٍ فيها تقييد كان المسلمون في أمَسّ الحاجة لتدوين تلك القوانين الشرعية والمسائل الفقهية، فدوّنوا تلك الموسوعات الفقهية المهمّة، وألّفوا فيه الكتب القَيِّمة، التي لولاها لانسدَّ علينا مَعْرِفَةُ الأحكام الشرعيّة وتَعَطَّلَتْ الشريعة الإسلامية.

منعُ ولاةِ الأمور في الدَّور الأوّلِ من تدوين الفقه

ولكن كانت عواملُ مُهِمّة في عدم توجّه الصّحَابة لتدوينِ الفِقْهِ في صَدْرِ الإسلام كما توجّهوا لجمع القرآن.

وأهمّها: منعُ ولاة الأمور عن كتابةِ الأحاديث لأسبابٍ ليس هنا مَحَلُّ ذكرها، فقد نَقَلَ صاحب تذكرة الحفّاظ عن أبي بكر أنّه كَتَبَ جملةً من الأحاديث ثمَّ حرقها([293]).

وروى الحافظ عبد الرّزاق الصنعاني([294]) أنّ عمر بن الخطاب قد منع من كتابة السنن، ومَنَعَ من إتيان الدواةِ والقلم ليَكْتُبَ النبيُّ  صلى الله عليه واله وسلم  ما ينفعهم من الأحكام في مرضه([295]).

إلاّ أنّه لا يَكَادُ ينكر أنّ علم الفقه، أعني: معرفة المسائل عن دليلها التفصيلي موجودٌ في صُدورِ أصْحَابِ النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم  في عَصْرِهِ وزمانِ حياته لا في سطورهم، فقد كانوا يعلمون بالحكم الشرعي والمسألة الفقهية عن دليلها التفصيلي من الكتاب أو من سنة النبي  صلى الله عليه واله وسلم  أو ممن يعتمد على روايَتِهِ عَنْ النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم ، أو عن حُكْمِ عقله واجتهادِهِ عند عَدَمِ التمكُّن من الظفر بالنصّ كما هو المرويُّ عن كتابِ الملل والنحل للشهرستاني من أنّه (قد استفاض الخبر عن النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم ، أنّه لما بعث مَعاذاً([296]) إلى اليمن قال  صلى الله عليه واله وسلم : يا معاذ بم تحكم؟ قال بكتاب الله، قال  صلى الله عليه واله وسلم  فإنْ لم تجد، قال: بسنّة رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  قال: فإنْ لم تجد، قال: اجتهد رأيي، قال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  لما يرضاه)([297]).

وفي مستطرَفَاتِ السَّرائر من نَوادِرِ البَزَنْطيّ([298]) المصحّح بخطِّ جَدّي
الهادي رحمه الله  أنه: (ذكر عبد اللهِ بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر  عليه السلام  قال: أتَى عَمَّار بن ياسر([299]) رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ، فقال يا رسول اللهِ أجنبتُ الليلة ولم يكن معي ماء، قال  صلى الله عليه واله وسلم  فكيف صنعت؟ قال: طرحتُ ثيابي وقُمْتُ على الصّعيد فتمعّكتُ فيه، فقال  صلى الله عليه واله وسلم : هكذا يصنعُ الحمار، إنّما قال الله  عجل الله فرجه الشريف : [فَتَيَمَّموا صَعِيداً طَيّبَاً]([300]) فضَرَبَ بيديه على الأرض ثمّ ضَرَبَ إحديهما على الأخرى ثمّ مَسَحَ جبينَهُ ثُمّ مَسَحَ كفّيهِ كُلّ واحِدَةٍ على الأخرى فمَسَحَ باليسرى على اليمنى واليمنى على اليسرى)([301]).

وكيف كان فلا إشكال ولا ريب في أنّ مسائل علم الفقه في صَدْرِ الإسلام كانت كسائر العلوم من النحو والصرف والمعاني والبيان موجودةٌ في الصدور، إلا أنّ الكلامَ في أوّلِ مَنْ قامَ بتدوينِها في السّطور وتقسيمها إلى العبادات والمعاملات وتبويبها إلى الطّهارة والصّلاة والزكاة وغيرِها من العبادات وإلى البيع والإجارة والنكاح وغيرها من المعاملات وذكر الدليل عليها.

كما لا ريب في تدوين المَصْدَر الأوّل لعلمِ الفقه وهو القرآن الكريم وحرص المسلمين على حفظه وعدم مخالفته، وإليك بسط المقام وتوضيحه وتحقيقه.

المراد بالتدوين والمدوِّن الأول للفقه

وقبل الخوض في معرفة المدوّن للفقه لا بدّ لنا من البحث في المراد من تدوين العلم، وإلا فمسائل العلم قد تكونُ موجودةً بوجودِ موضوعاتها قبل تدوينِهِ، فمثلاً النحو مسائله كانت موجودة في الجاهلية عند العرب، فإذا وجد الفاعل رفعوه، وإذا وُجِدَ المفعول نصبوه، ولكن لم يكن مدوّناً تدويناً بالمعنى المقصود لأرباب العلوم والفنون من هذه الكلمة، فإذن لا بدّ لنا قبل البحث في تدوين الفقه أنْ نفهم المعنى المراد لأرباب العلوم من هذه الكلمة إذا أطلقوها في كتبهم، ولعلّ ما وقع من الخلط والخبط في بحث الباحثين عن تدوين علم الفقه هو عدم تشخيصهم لمعنى تدوين العلم والفن.

فنقول: إنّ معنى تدوين العلم هو تحريرُ مسائله كتابةً أو بياناً مع ذكر مبادئها التصورية والتصديقية، وضَمُّ بعضها إلى البعض الذي يناسبها ويشترك معها في البحث عن مطلب واحد، ويسمّى ذلك بالباب أو المطلب أو نحو ذلك.

وعليه فالفقه لمّا كان هو العلم بالأحكام الشرعية عن أدلتها التفصيلية كان تدوينه بالمعنى الصحيح هو جمع مسائله بياناً أو كتابة، على نحوٍ تُجْعَلُ كُلُّ مسألةٍ وما يتبَعُها في محلّها ومرتبتها وبابها، وبيان موضوعاتها النظرية تصوّراً، ومحمولاتها النظرية تصوّراً، مع ذكر الأدلّة للنظري من تلك المسائل للتصديق بها.

فالمدوّن هو الجامع لتلك المسائل كتابةً أو بياناً بذلك النحو، والتدوينُ هو نَفْسُ هذا الجمع لتلك المسائل بذلك النحو.

وعليه فلا وَجْهَ لجعل القرآن الكريم من كُتُبِ الفقه، وإنّما هو مصدر من مصادره، وهكذا لا وجه لجعل كتب الحديث من كتب الفقه، وإنّما هي مصدر من مصادره، إلاّ إذا كان مؤلّفها قد رَتَّبها على أبواب الفقه جاعلاً لكلِّ مسألةٍ من مسائل كلِّ بابِ الحديث الذي يُثْبِتُها على نحوٍ يكون ذكر الأحاديث منه لبيانِ الدّليل على المسألة التي جعلها عنواناً لنقله، فإنَّ مثل ذلك يكون تدويناً لعلم الفقه لذكرِهِ للمسألة مع الدّليلِ عليها، كما يكونُ تدويناً للحديث لنقله له في كل مسألة من المسائل.

وعليه فمثلُ هذا التأليف يجمع بين الصّفتين الفقه والحديث كالكافي للشيخ الكليني، وصحيحُ البُخاري، وصحيحُ مسلم، والوسائل، ومستدركها، فإنّه من الممكن أنْ يقال إنّ مثل تلك الكتب تجمع بين الصّفتين عِلْمُ الحديث وعلمُ الفقه، أمّا مثلُ كُتُبِ المسانيد كمسند أحمد بن حنبل أو الصّحائف غير المرتبة أو الأصول غير المبوّبة من كُتُبِ الأخبار فهيَ لَيْسَتْ من كُتُبِ الفقه، وإنمّا هي مصادِرُ لِعِلْمِ الفقه كالقرآن الكريم.

ولا لجعلِ كُتُبِ الفَتَاوي المجرّدة عن الدليل عليها كالرّسائل العَمَليّة من كُتُبِ الفقه، وإنّما هي كتب أحكامِ الفقه أو قواعده، نَعَمْ قد تُسَمَّى بكُتُبِ الفقه على ضَرْبٍ من المجاز والحذف.

وعليه فيكون المدوِّنُ الأوّلُ لهذا العلم هو المحرِّرُ الأوّل لمسائلِ علمِ الفِقْهِ وقواعِدِهِ الكُلّية مع إقامة الدليل عليها، والتعرُّض لمداركها ومبانيها، وبيان موضوعاتها ومحمولاتها، وما يتعلّق بها.

أقدم مؤلّف وصل إلينا في الفقه

وقد ذَكَرَ الفقهاء أنّ أقَدَمَ مؤلَّف وَصَلَ إلينا في الفقه الإسلامي هو مجموع الإمام زيد بن علي بن الحسين([302]) الذي استشهد عام (121هـ) أيّام خلافة هشام بن عبد الملك، والّذي تلمّذ عليه أبو حنيفة([303])، ورواه عنه عمرو بن خالد الواسطي، يشتمل على أغلب أبواب الفقه إلاّ ما قَلَّ، وطبع بمدينة (ميلانو) من أعمال إيطاليا (1919م)، ويكون أقدم من كتاب الموطأ أكثر من نصف قرن، إلاّ أنّ الظاهر أنّ الكتاب يلحق بكتب الحديث كالموطأ، ولو سلَّمْنا إنّه يجمع بين الصّفتين الحديثُ والفقه إلاّ أنّ ذلك لا يثبت أنّه هو أوّلُ مُدوّن في علم الفقه إلا إذا لم يثبت تأليفٌ في هذا العلم قبله.

والتحقيقُ في أنّ النصوص التاريخية الواضحة الجلية تُثبت أنّ أوّلَ من دوّن علم الفقه هو الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام ، فقد وَرَدَ بعدّة طرق إنّ له كتاباً خطَّهُ بيده من إملاء رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ، وفيه جميع ما يحتاج إليه الناس إلى يوم القيامة حتى أنّ فيه أرش الخدش، فعن كتاب سليم بن قيس([304]) إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب قال لطلحة: كلُّ حلالٍ وحرامٍ أو حُكْمٍ أو حَدٍّ تحتاجُ إليه الأمّة إلى يومِ القيامة عندي مكتوبٌ بإملاءِ رسولِ الله  صلى الله عليه واله وسلم  وخطَّ بيدي حتى أرش الخدش([305]).

حديث الجامعة للأحكام الشرعية عند أهل البيت  عليهم السلام  

وفي الكافي في كتابِ الحُجَّة في بابِ ذكر الصّحيفة عن عدة من الأصحاب عن أحمد بن محمّد بسنده عن أبي بصير فيما رواه عن أبي عبد الله أنّه قال  عليه السلام : (إنّ عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة، قال قلت: جعلت فداك وما الجامعة؟ قال: صحيفةٌ طولها سبعونَ ذراعاً بذراع رسول الله وإملائه من فَلْق فيه -أي: من شفتيه- وخطّ عليّ بيمينه فيها كلّ حلالٍ وحرام وكلُّ شيءٍ يحتاج الناس حتى أرش الخدش -أي: ديّةُ الجرح-...)([306]) الخبر.

وفي بصائر الدرجات مسنداً إلى أبي عبد الله  عليه السلام  ما يكادُ يبلغ حدَّ التواتر مما يدلّ أنّ عندهم  عليه السلام  الجامعة، وهي الصحيفة، وطولها سبعون ذراعاً في عرض الأديم -أي: جلد المدبوغ- مثل فخذ البعير الضخم، بخطّ عليٍّ وإملاء رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ، فيها من كلّ حلال وحرام حتى أرش الخدش([307]).

اختلاف الإمام الباقر  عليه السلام  مع الحكم

وفي رجال النجاشي([308]) بسنده عن عذافر الصيرفي قال: كنتُ مع الحكم بن عتيبة عند أبي جعفر  عليه السلام  فجَعَلَ يسأله، وكان أبو جعفر  عليه السلام  له مكرّما فاختلفا في شيء، فقال أبو جعفر  عليه السلام  لابنه: يا بُني قُمْ، فقام فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً ففتحه وجعل ينظر حتى أخرج المسألة، فقال أبو جعفر  عليه السلام : هذا خطُّ عليٍّ وإملاء رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم )([309]).

وعن الكافي بسنده (عن أبي عبيدة قال: سأل أبا عبد الله  عليه السلام  بعضُ أصحابنا عن الجفر فقال: هو جلْدُ ثورٍ مملوءٌ علما، قال له: فالجامعة؟ قال: تلك صحيفة طولها سبعون ذراعا وعرض الأديم -أي: الجلد المدبوغ- مثلُ فخذ الفالج -أي اخير الجمل الضّخم ذي السّنامين- فيها كُلُّ ما يحتاج الناس إليه، وليس من قضيّة إلاّ وهي فيها حتّى أرش الخدش، قال: فمصحف فاطمة  عليها السلام ؟ قال فَسَكَتَ طويلاً ثم قال: إنّكُم لَتَبحثون عمَّا تُريدونَ وعمّا لا تريدون، إنّ فاطمة  عليها السلام  مكثَتْ بعد رسول الله خَمْسَة وسبعين يوماً، وكان دَخَلَها حُزْنٌ شديد على أبيها، وكان جبريل  عليه السلام  يأتيها فيُحسِنُ عزاءها على أبيها ويُطيِّبُ نفسها ويُخبرها عن أبيها ومكانه ويُخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها، وكانَ عليّ  عليه السلام  يكتب ذلك، فهذا مُصْحف فاطمة  عليها السلام )([310]).

وعن الكافي في كتاب فضل العلم في باب البدع فيما رواه أبان (عن أبي شيبة قال: سَمِعْتُ أبا عبد الله يقول: ضَلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة إملاءُ رَسُولِ الله  صلى الله عليه واله وسلم  وخَطُّ عليٍّ  عليه السلام  بيده، إنّ الجامعة لم تدع لأحدٍ كلاماً فيها علم الحلال والحرام)([311]).

وعن كتابِ أدَبِ الإملاء والاستملاء طبع ليدن إنّ أبا سعيد السَّمَعاني روى بسنده عن أمِّ سلمة رضي الله عنها  زَوْجُ النبيّ قالت: (دعا رسول الله بأديمٍ وعليّ بن أبي طالب  عليه السلام  عنده، فلم يَزَل رسولُ اللهِ  صلى الله عليه واله وسلم  يُملي وعَليّ  عليه السلام  يكتب حتى ملأ بَطْنَ الأديم وظهره وأكارعه)([312])، وقد رأى هذه الصحيفة عبد الملك وعذافر الصيرفي وغيرهم ممن يجده المتتبع في كتب الأخبار.

ومما يُؤيِّدُه ما ذكرناه من أنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب  عليه السلام  هو أوّلُ
من دَوَّنَ علم الفقه ما ذَكَرَهُ النَّجَاشي من أنّ عبيد الله بن أبي رافع كان
كاتباً لأمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب وجمع كتاباً في فنون الفقه والوضوء والصلاة وسائر الأبواب([313])، وإنّ تفقهه كانَ على أمير المؤمنين وجمعه في أيّامِهِ، وكانوا يُعَظِّمون هذا الكتاب، وقد نقل أصحابه  عليه السلام  كسلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري([314]) وسليم بن قيس أنّه قد ألّف كُلٌّ منهم كتاباً في الأحكام. ومما يزيدُكُ بصيرة في هذا الموضوع هو عهده إلى جدِّنا مالك الأشتر([315]) ووصيّته لابنه
 مُحمَّد بن الحنفية([316]) ولشبله الحسن  عليه السلام ، وممّا يُؤكِّدُ ذلك، ويدلُّ عليهِ تَصريحُ علماء التاريخ وموثقيهم.

كلامُ ابنُ أبي الحديد في حَقِّ أميرِ المؤمنيـن  عليه السلام  

فَقَدْ ذَكَرَ العلاّمة ابنُ أبي الحديد المعتزلي([317]) في شرح النهج (ج1 ص6 طبع القاهرة) (علم الفقه أصله وأساسه هو عليُّ بن أبي طالب  عليه السلام  وكُلُّ فقيهٍ في الإسلام فهو عيالٌ عليه ومستفيد من فقهه)([318]).

ويؤيّدُ ذلك ما عن كتاب الألف باء، ج1، ص222، إنّ معاوية([319]) لما بلغه قتل الإمام علي  عليه السلام  قال: (لقد ذَهَبَ الفِقْهُ والعلم بموت ابن أبي طالب)([320]).

فساد ما ذهب إليه السيوطي والغزالي وابن عبد البر والمستشرقون وغيرهم

وبهذا ظهر لك فسادُ ما ذهب إليه السيوطي من أنّ أول من
دوَّنَ الفقه الإمامُ أبو حنيفة([321])، وفي مناقب الشافعي([322]) الرّدُّ عليه بأنّه إنْ أراد السيوطيّ بالتدوين التصنيف، فلم يثبت لأبي حنيفةَ شيءٌ وإنّما أصحابُهُ الذين صَنَّفوا.

وإنْ أراد التفريعَ فقد سَبَقَهُ الصَّحَابَةُ والتّابعون.

كما ظَهَرَ لك فَسَادُ ما في إحياءِ العلوم([323]) من أنّ (الكُتُبَ والتَّصانيفَ محدثة، لم يكُنْ شيءٌ منها في زمن الصّحابة والتابعين لهم، وإنّما حَدَثَتْ بَعْدَ سَنَةِ 120هـ بَعْدَ الهجرة وبَعْدَ وفاة جَميعِ الصَّحَابة وجُلّ التابعين).

كما ظهر أيضاً فسادُ ما ذَكَرَهُ ابنُ عَبْد البرّ في جامعه([324]) عَنْ عَبْد العزيز بن محمد([325]) المتوفى سنة (186هـ) إنّه قال: أوّلُ من دوّن العلم وكَتَبَه ابنُ شهاب([326])، ثمّ نقل عن عبد الرحمن بن أبي الزناد([327]) عن أبيه قال: (كُنَّا نكتُبُ الحلال والحرام وكانَ ابنُ شهاب يكتب كُلَّ ما سَمِعَ، فلمّا احتيجَ إليه عَلِمْتُ أنّه أعلم الناس)([328]).

وكما ظَهَرَ لكَ أيضاً فسادُ ما ذَهَبَ إليه المستشرقون من أنّ الأحاديث قد دُوّنت في رأس القرن الثاني الهجري.

وكما ظَهَرَ فسادُ ما أصَرَّ عليه بعض المتأخرين وذكره ابنُ حَجَرَ العسقلاني([329]) من أنّ التدوين كان في عهد عمر بن عبد العزيز([330]).

كما ظهر فساد ما عن الغزالي إنّ أول كتاب صُنِّفَ في الإسلام هو كتاب ابن جريج في الآثار([331]) وصرف التفاسير عن مجاهد([332])، وعطاء([333])، وبعده كتاب معتمر بن راشد الصنعاني([334]) باليمن، وبعده موطأ مالك.

وما عن فتح الباري([335]) إنّ أول من جمع الحديث الربيع بن صبيح([336]) وكان في آخر عصر التابعين.

دفع شبهة تدوين الصحائف

وأمّا ما ذكره البعضُ من أنّ عبد الله بن عمر كانت له صحيفة قد جَمَعَ فيها الأحاديث عن رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  وأنّ لسعد بن عبادة([337]) المتوفّى سنة (15هـ) صحيفة جمع فيها طائفة من أحاديث رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  وسننه، وأن لجابر بن عبد الله الأنصاري المتوفى سنة (78هـ) صحيفة فيها مناسك الحج، ولعبد الله بن عباس المتوفى سنة (69هـ) كتب كثيرة فيها الكثير من سنن رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  وسيرته.

فإنّا لو سلّمنا صحّة ذلك فهو لا يدلُّ على تدوين الأحكام الشرعية
بالمعنى الذي يُقْصَدُ بكَلِمَةِ التّدوين فيما نحنُ فيه؛ إذ لعلَّ ما فيها أحاديث
لا تخصُّ الأحكامَ الشرعيّة، بل قَدْ قيل ذلكَ في الصّحيفَةِ المنسوبَةِ لعبدِ الله
 بن عمرو بن العاص([338]).

فقد ذكر بعضهم أنّها في الأدعية والصَّلوات وليس فيها شيءٌ من الفقه، مع أنّ عبد الله المذكور لم يَسْلَم هو وأبوه إلاّ قبل وفاة النبي  صلى الله عليه واله وسلم  بسنتين، وكان سنّهُ آنذاك خمس عشرة سنة وليس له كثير صلة بالنبي  صلى الله عليه واله وسلم .

وأمّا باقي الصّحائف فقد ذَكَرَ القومُ أنّها غير مرتَّبةٍ على أبواب الفقه، وإنّما اشتملت على موضوعاتٍ خاصة.

وعليه فيكونُ الّذي دَلَّتْ عليهِ الأحاديثُ والتّاريخُ صَريحاً هو كَونُ الإمام عليّ  عليه السلام  هو المدوّن الأول لعلمِ الفقه وإنّ صحيفته هي الأولى في هذا
العلم.

 

الرأسُ الخامس

في بيان أنّ علم الفقه من أيّ العلومِ هو، وتقسيمُ العلوم([339])

الرأسُ الخامس من الرؤوس الثمانية لعلم الفقه، بيانُ أنّه من أيّ علم هو، فإنّ المتقدمينَ قد جَعَلوا الرّأسَ الخامس من الرؤوس الثمانية التي تُذْكَرُ في صَدْرِ كُلِّ علمٍ هُو بيانُ أنّ ذلك العلم من أيِّ جنسٍ من أجناسِ العُلوم، لِيَطْلُبَ ما يليق به، وليتجنب في طلبه عمّا لا يليق به، وليعرف هل أنّ في نفسه استعداداً لتلقّي مسائله أو عدم قابليتها ذلك.

وقبل الخوض في بيان أنّ علم الفقه من أيّ العلوم لا بدّ لنا من الإشارة الإجمالية إليها.

شرح العلوم العالمية الكونية

وتوضيح ذلك أنّ العلوم تنقسم إلى: علوم حِكمِية، وغير حِكْمِية، وقد سمّى العامري القسم الثاني بالعلوم الملّية، حيثُ قَسَّمَ العلوم إلى مِلِّية وحكمية، وسمّاها الخوارزمي بالشّرعيّة حيثُ قَسَّمَ العُلومُ إلى شرعيّة وفَلْسَفيّة.

أساسُ هذا التقسيم

وأساسُ هذا التقسيم الوحيُ والعَقْلُ، فإنّ أساس العلوم الشرعية هو الوحي، وأساسُ العلوم الحكمية هو العقل.

العلوم الحكمية

والعلومُ الحِكَمية على ما هو المشهورُ بَيْنَهُم هي العلومُ التي تبحث عن أحوالِ الموجودات على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية.

فإنْ كانَ البَحْثُ فيها عن الأعيانِ التي كان وجُودُها تحتَ قُدْرَتنِا واختيارنا، بأنْ كان المبحوث فيها هو الأفعال والأعمال التي هي مقدورة لنا فهي الحكمة العملية.

وإنْ كان البَحْثُ فيها عن الأعيانِ التي لَيْسَتْ تَحْتَ قُدْرتنا واختيارنا، كالسَّماء والعناصر والنفس والآلة والعقول فهي الحكمة النظرية، كالبحث عن أنّ الجسم متحيّز والسّماء كروية والنفس باقية.

وجهُ التسمية بالنظرية

وإنّما سُمّيت بالنظرية؛ لأنّ الغرض منها العلمُ التصوّري والتصديقي الحاصل بالنظر، فغايتها نفسُ المعرفة لحصول الدّرجة الكبرى في المعارف.

لا يقال: إنّ الغاية وذا الغاية لا يتحدان.

لأنا نقول: إنّ ذا الغاية هو التحصيل والغاية نفس المعرفة.

لا يقال: هذا ينافي ما اشتهر من أنّ غاية الحكمة الفوز بالسعادة والرقي أعلى درجات الكمال.

لأنا نقول: ذلك غاية الغاية، وفائدة الغاية، على أنّه يجوز أنْ يكون للشيء عدّةُ غايات.

[اما] توجيه كلام صدر الدين الشيرازي: لا يقال إنّه وقع في كلام العلاّمة صدْرُ الدّين الشيرازي(1) من أنّ غايتها استكمالُ القوّة النظرية، مع أنّ المرتب عليها هو الكَمَالُ لا الاستكمال الذي هو طلب الكمال.

لأنا نقول: إنّما عَبّرَ بالاستكمال تنبيهاً على أنَّ الكمال الحاصل بغير الطلب لا يسمى حكمة.

والحاصل: إنّه إنْ كان البحث فيها عن الأعيان الموجودة من نوع الأفعال والأعمال سُمّيت بالحكمة العملية، وإلا فتُسَمَّى بالحكمة النظرية تسمية للنوع بوصف جنسه.

تقسيمُ العلوم الحكمية والعلوم النظرية

وكلٌّ منهما على ثلاثة أقسام

أما العملية: فإنْ كانَ البحث فيها عن الأعمال المتعلّقة بمصالح
الشخص المنفرد ليتحلّى بالفضائل ويتخلّى عن الرذائل وينظم معاشه ويصلح معاده فتسمى بعلم الأخلاق وعلم القلب وبعلم تهذيب الأخلاق وبالحكمة الخُلقية.

وإنْ كانَ البَحْثُ فيها عن الأعمال المتعلّقة بمصالح الجماعة المشتركة في المنزل كالوالد والمولود، والزوج والزوجة، والمالك والمملوك، فتسّمى بعلم تدبير المنزل.

وإنْ كانَ البَحْثُ فيها عن الأعمال المتعلّقة بمصالح الجماعة المشتركة في المدينة التي فيها تدبيرُ المعاش وانتظام الاجتماع وإدارة الشؤون العامة، فتسمّى بعلم السياسة.

وبعضُهم سمَّى ما يخصُّ تدبيرَ المُلكِ والسُلْطة الحاكمة بعلم السياسة،
 وما يخصّ النبوات والشرائع بعلم النواميس. وَجَعَلَ أقسام الحكمة العملية أربعة.

تقسيم العلوم النظرية

وأمّا النظرية فهي على ثلاثة أقسام

الأول: ما كانَ البَحْثُ فيها عمّا لا يفتقر في الوجود الخارجي والتعقل الذهني إلى المادة، فيبحث فيها عن الباري عزّ اسمه، وصفاته، والمجرّدات المتعالية عن المادة، كالعقول والنفوس، ويتبع ذلك الكلام في النبوّة، والإمامة، والمعاد، وعن الأمور العامة، كالوجود والعدم، والحدوث والقدم، والعلة والمعلول، والوحدة والكثرة، ونحو ذلك، فتسمّى بالعلم الأعلى؛ لعلوّ شأنها، وشرف موضوعها، وغايتها، وبالعلم الإلهيّ، وسمّاها الشيخ في الفصل الأول من المقالة الأولى من إلهيات الشفاء بالفلسفة الأولى([340]).

وسمّاها الشيخ الميبذي([341]) بالعلم الكلي.

وتسمّى بما بَعْدَ الطّبيعة، وقد تسمَّى بما قبل الطبيعة.

وبَعْضُهُم جَعَلَ هذا القسم على قسمين:

فجَعَلَ البَحْثُ عن ما لا يفتقر إلى المادة إنْ كانَ بحثاً عمّا لا يُقارِنُها أصلاً كالعقول، سمّاه بالعلم الإلهي بالمعنى الأخصّ وباثولوجيا، أي: معرفة الربوبية، وبفنّ الربوبيات.

وإنْ كانَ بحثاً عمّا يُقارِنُها لا على وجهِ الافتقارِ كالوَحْدَةِ والكَثْرَة وسائرُ الأمور العامّة سمَّاهُ بالعلم الكلّي، والفلسفة الأولى.

الثاني: ما كان البحث فيها عمّا يفتقرُ إلى المادة في الوُجودِ الخارجيّ دون العقليّ، كالكرة، فإنّها إذا تعقّلت لا يتوقّفُ تعقّلها على المادة، لكنّها تفتقر في وجودها في الخارج إلى المادّة فتسمّى بالعلم الأوسط.

لكون المبحوث فيه برزخاً بينَ المجرّدات والمادّيات ووسطاً بين العلم الإلهي وبين العلم الطبيعي، فإنّ لموضوعها مناسبة بالإلهي من جهةِ التجرّد عن المادة في الذهن وبالطبيعيّ من جهة افتقارِهِ للمادّة في الخارج، وتسمّى أيضاً بالعلم الرياضي؛ لأنه ترتاضُ فيه النّفس من جهة انتقالها عن الماديات إلى ما هو المجرد عنها.

ويسمّى أيضاً بالعلم التعليمي؛ لأنه كان من دأبهم تعليم صبيانهم بادئ ذي بدء هذا العلم؛ ولأنّ للخيال دَخَلاً عظيماً في هذا العلم والخيال غالب على الصبيان، ويسمّى بسمع الكيان، والكيان هو الطبيعة، باعتبار أنّ أول ما تسمعه طبيعة الإنسان من العلوم.

وهو إن كان البحث فيه عن المقادير فهو الهندسة ويسمّى (جيومطريا).

وإنْ كانَ عن الأعداد فهو الحساب ويسمى (ارثماطيقا).

وإنْ كان عن أوضاع الأجرام العلوية فهو الهيئة ويسمى (استرنوميا).

وإنْ كان عن النسب التأليفية فهو الموسيقى ويسمى بعلم الانسجام وبـ(هرمونيقا).

قال الشيخ ابن سينا إنّ الموسيقى يشتمل على بحثين:

أحدهما: البحثُ عن أحوال النّغم أنفسها من حيث التآلف والتنافر، ويسمى بعلم التأليف.

وثانيهما: البحث عن أحوال الأزمنة المتخلّلة بين النغمات والفقرات([342])، أي:

أزمنة السكنات الواقعة فيها، ويسمّى بعلم الايقاع.

العلوم الطبيعية

الثالث ما كانَ البحثُ فيها عمّا يفتقُر إلى المادة في الوجود الخارجي والعقلي، كالإنسان والشجر والحجر، وغيرها من الأمور الطبيعية، فتسمّى بالعلم الأدنى؛ لكونِ موضوعها أقْرَبُ إلينا بالنَّظَر إلى موضوعِ الإلهي، وتسمّى أيضاً بالعلم الأسفل، وتسمّى أيضاً بالعلم الطبيعي؛ لأنه يبحث فيه عن أحوال الجسم الطبيعي.

تقسيم العلوم الطبيعية إلـى ثلاثة أقسام

والعلومُ الطبيعية تنقَسِمُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ؛ لأنَّ البحث فيها: إمّا عن الأحوال العامة للأجسام كالتشكّل والتحيّز وغيرهما، أو عن الأحوالِ المختصّةِ بالأجرام العلوية، أو عن الأحوالِ المختصّة بالأجرام السُّفْليّة.

فالأوّل يسمّى بالسّماع الطبيعي؛ لأنّه أوّل ما يسمع في العلم الطبيعي، والثاني يسمّى بالفلكيات، والثالث يسمّى بالعنصريات.

ثم إنّه قد يُقَسَّم البحث في العلوم الطبيعية إلى سبعة أقسام.

تقسيم البحث عن العلوم الطبيعية إلـى سبعة أقسام

باعتبار أنّ البحث فيها إنْ كانَ عن البسائط العلويّة والسُّفْليّة فهو عِلْمُ السماء والعالم.

وإن كان البحثُ فيها عن الأركان والعَنَاصِرُ وتعَاوُر الصُّور على المادة المشتركة فعِلْمُ الكونِ والفَسَاد([343]).

وإنْ كان البحث فيها عن الكائنات الجويّة كالرعد والبرق والمطر والشهب والنيازك وبعض الأرضيات كالزلزلة والخسف تسمى بعلم الآثار العلوية.

وإنْ كان البحثُ فيها عن المركَّبات التامّة وكيفية تركيبها، وما يتعلَّقُ بذلك فتسمّى بعلم المعادن، وعلم النبات، وعلم الحيوان، وعلم النفس، فهذه أصول الحكمة الطبيعية.

فروع الحكمة الطبيعية

وجعلوا فروع العلوم الطبيعية سبعة:

(علم الطب)، والغرض منه معرفة بدن الإنسان من حيث الصحة والاعلال.

و(علم الفراسة) والغرض منه الاستدلال من الخلق على الأخلاق.

وعلمُ (التعبير) والغَرَضُ منه الاستدلال من التخيّلات المنامية على ما شاهدته النفس من عالم الغيب فخيّلته القوّة المخيلة بمثال غيره.

و(علمُ الطّلسمات)، والغَرَضُ منه مَزْجُ القوى السَّماوية بقوى بعض الأجرام الأرضية ليتألّف من ذلك قوّة تفعل فعلاً غريباً في عالم الأرض.

و(علم النيزرجيات) والغرض منه مزج القوى التي في جواهر العالم الأرضي ليحدث عنها قوة يصدر عنها الفعل الغريب.

و(علم الكيمياء) والغرض منه سلب الجواهر المعدنية خواصّها وإفادتها خواصّ غيرها، وإفادة بعضها خواصّ بعضٍ، كمزج بعض المعادن ببعض آخر لحصول الذهب والفضة.

و(علم النجوم)، وعلم الهيئة، والغَرَضُ منه مَعْرِفَةُ الأجسام السماوية، ومقادير أجرامها، ونسب بعضها إلى بعض، ومقادير أبعاد بعضها عن بعض، وحركات الأجسام السماوية في مختلف البروج، وكرويتها، وعن الأرض، ومقدارها، وحركتها، ومقدار بعدها عن باقي الأجرام، وعن خطوطها الطولية والعرضية، واختلاف الليل والنهار فيها، وحرارتها، وبردها، وأقاليمها، ونحو ذلك.

وأما البحثُ عن دلالة الكواكب على ما سيحدث في المستقبل فهو
 من خواصّ النفس التي تقدر بها على الإخبار بما يكونُ، فهو من نوع
الزّجر والقيافة والفراسة والطرق بالحصى وغير ذلك فهو ليس من العلوم المستقلة.

فروع علم الهيئة

وقد جعلوا فروعَ علم الهيئة خمسة: علم الزيجات والتقاويم، وعلم المواقيت، وعلم كيفية الأرصاد، وعلمُ تسطيح الكرة والآلات الشعاعية الحادثة عنه، وعلم الآلات الظلية.

العلوم غير الحكمية

وأمّا العلومُ غير الحكمية فهي التي يُبْحَثُ فيها عن الموجودات اعتماداً على النقل، كعلم النحو واللغة، بل وعلمُ الكلام حيثُ أنّه يشتمل على البحث عن الآراء والمعتقدات التي صَرَّح بها الشرع.

علمُ التوحيد والصفات والفقه الأكبر

وقد سَمَّاهُ بَعْضُهم بعلمِ التّوحيد والصّفات وسَمَّاهُ بعضهم بالفقه الأكبر، وبعضُهُم بعلم أصول الدّين، وأما علوم اللغة كمتن اللغة والنحو والصرف فهي آليةٌ لا ينتفع بها لذاتها، بل هي وسيلةٌ لتحصيلِ العلوم الشرعية والنقلية، وكذلك المنطق آلة لا يُنتَفَعُ بها لذاتها، وإنّما هو آلةٌ لتحصيلِ العُلومِ العقلية.

علم الفقه ليس من العلوم الحكمية

وبهذا يظهر لك أنّ علم الفقه ليس من العلوم الحِكْمِية؛ لأنَّ البحث في الفقه إنّما يكونُ عن معرفةِ نفس التشريع الإلهي والقانون الرّباني، على حَدِّ البحث عن سائر القوانين، فهو وإنْ يبحث فيه عن مصلحة الفرد والجماعة وتدبير المنزل وغير ذلك من شؤون الحياة إلاّ أنّ حيثية البحث تختلفُ فيه عنها، حيثُ أنّ العلوم الحِكْمِية إنّما تبحث حسبما يقتضيه العقل والنظر من دون ملاحظة للشرع.

نعم لمّا كانَ من أدلّة علم الفقه العَقْلُ، وكانت بعضُ أحكامِهِ إرشاداً لما يحكم به العقل الظاهري كانت معرفة الحكمة العملية تنفعُ فيه، كما أنّ علم العقائد خارجٌ عن مباحث الحكمة لِعَينِ ما ذَكَرْناه في خروجِ عِلْمِ الفقه، لكنْ لمَّا كانت بَعْضُ مسائله تتعلَّقُ بالباري جَلّ اسمُهُ وصفاتُُهُ وشؤونه كانت مَعْرِفَةُ الحكمة النظرية تنفع فيه.

اعتراف الشيخ بأنَّ مبادئ الحكمة مأخوذة من الشرائع الإلهية

نعم الظاهر كما اعترف به الشيخ الرئيس([344]) من أنّ مبادئ الحكمة العملية والنظرية مأخوذة من الشرائع الإلهية وآدابها وسننها وحدودها وظهرت بلسان الأنبياء المرسلين والكتب السماوية المرسلة من رب العالمين.

فإنّه في القسم الثالث من الحكمة العملية المسمّى بعلم السياسة تَعْرِفُ حاجة الناس إلى الشريعة والقانون العامّ الذي يتعلّق بصلاح المجتمع الانساني ولزوم وجود النبوة والإمامة.

ما تشتمل عليه بعض أقسام الحكمة النظرية

هذا وإنّ علم الحكمة النظرية المسمّى بالعلم الإلهي جَعَلوا:

المبحثَ الثالث من القسم الأول منه يشتملُ على البحث عن إثبات الباري، ووحدانيته، ووجوب وجوده، وصفاته، وأنّ صفاته لا توجب في ذاته تعدّداً، ولا تكثّراً، ولا تقدح في وحدانية ذاته الحقيقية.

والمبحث الرابع منه يشتمل على البحث عن مبدعاته، وأقرب مخلوقاته
 منزلةً عنده، واختلاف مراتبها، وتسمّى بالملائكة الكروبيين، وإثبات
الجواهر الروحانية التي هي بعد تلكَ بمرتبةٍ وهي الملائكة الموكّلة بالسماوات وحملة العرش، ومدبّرات الطبيعة، ومتعهدات ما يتولّد في عالم الكون
والفساد.

والمبحث الخامس منه يَشْتَمِلُ على البحث عن تسخيرِ الأجرام السّماوية، والأجسام العلوية والسفلية، السماوية والأرضية، لأولئك الملائكة، وإثبات ارتباط الأرضيات بالسماويات، والسماويات بالملائكة العاملين بالملائكة المبلّغين، وارتباط الكلّ بالواحد القهّار ارتباطاً لا ترى فيه من فطور، وأنّ مجراه على مقتضى الخير المحض، إلى غير ذلك من نزول الوحي وصدور المعجزات والإخبار بالغيب، إلا أنّ البحث في ذلك كلِّه من جهةِ حكمِ العقل، وقيامِ البرهان، من دون نظرٍ لما يقتضيه الشرع.

تقسيم العلوم إلى ثلاثة أقسام

وبعضهم قسم العلوم إلى ثلاثة أجناس:

الأول: العلوم الشرعية، وهي المنسوبة للشريعة، وقد جعلوها خمسة أنواع: علم التنزيل وعلماؤه القُرَّاء والحفظة، وعلم التأويل وعلماؤه الأئمة وخلفاء رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ، وعلم الروايات وعلماؤه أصحاب الحديث، وعلم الفقه وعلماؤه الفقهاء، وعلم التصوّف وعلماؤه المتصوفة.

الثاني: علوم الآداب، وهي العلوم التي تخصّ إجادة المنظوم والمنثور على أساليب العرب في كلامهم ومناحي بلاغتهم.

وقَسَّمُوها إلى اثني عشر نوعاً: اللغة، والخط، والشعر، والعروض، والقافية، والنحو، والصرف، والاشتقاق، والمعاني، والبيان، والبديع، والمحاضرات، وقد ألحَقَ بعضُهم بذلك علمُ المنطق، وأخرجه من الحكمة، وليس هنا محلّ البحث في ذلك.

الثالث: العُلومُ الحِكْمِية، وقد عرفتها فيما تقدم.

وبعضُهُم قَسّمَ الحكمة العملية إلى قسمين: بحسب ما تؤخذ منه.

فإذا أخِذَتْ الحكمةُ العملية من العقل.

فإنْ كان البَحْثُ فيها عن الأعمال المتعلقة بمصلحة الشخص المنفرد ليتحلّى بالفضائل فهي علم الأخلاق.

وإنْ كان عن الأعمال المتعلقة بمصالح الجماعة المشتركة في المنزل فهي علم تدبير المنزل.

وان كان عن الأعمال المتعلّقة بمصالح الجماعة المشتركة في المدينة فهي علم السياسة.

فإنّ هذه الأقسام مما تستقلُّ بها العقول الكاملة، وقد ورد في جميعها عن الشارع الحكيم ما يُصَدِّقُ حُكْمَ العَقْلِ وينبّه عليه ويؤكده ويزيده وضوحاً.

وأمّا إذا أخذت الحكمة العملية من الشرع، فتنقسم أيضاً بالتقسيم المذكور إلى: العبادات، والمناكحات، والمعاملات، والسياسات الشرعية، والعلمُ بها هو المسمّى بالفقه، وعلى هذا يكونُ العِلْمُ بالأحكامِ الشَّرعية المتعلَّقة بأفعالِ المكلفين من أقسام الحكمة.

 

 الرأس السادس

في مرتبة علم الفقه

الرأس السادس من الرؤوس الثمانية لعلم الفقه بيانُ مرتبته، فإنّ المتقدمين قد جعلوا الرأسَ السادسَ من الرؤوس الثمانية التي تذكر في صَدْرِ كُلِّ علمٍ هو بيانُ مرتبة ذلك العلم، من حيثُ تقدّم معرفته على أيّ العلوم، وتأخرها عن أيّ العلوم، ولا وجه لتفسير المرتبة بالشَّرف؛ لأنَّ المراد بالمرتبة هو بيانُ حالِ العلم بالقياس إلى العلوم الأخرى في التحصيل.

المراد بشرف العلم

والمرادُ بالشرف علوُّ منزلة العلم وجلالة قدره؛ ليعرف قدره، فيوفّى حقه من الجدّ والاعتناء في اكتسابه واقتنائه، ولذا عدّوا في أقسام التقدّم التقدّمُ بالمرتبة، مغايراً للتقدّم بالشرف، هذا مع العلم بأنّ القدماء لم يعدّوا التقدّم بالشَّرَف
من الرؤوس الثمانية، إلا أنّ بعض الفقهاء , بيّنوا في صدر كتبهم التقدُّم بالشرف لعلم الفقه، وبالغوا في البحث عنه، وقد أفردنا له مطلباً مستقلاً في هذا الكتاب.

وقبل الخوض في بيان مرتبة هذا العلم- أعني: علم الفقه- نذكرُ أقسام التقدم، ويعرف منه أقسام التأخر بالمقابلة للتقدم، وأقسام المعيّة بالمقايسة عليهما؛ لأنّهما مقابلان له، وبهذا يطّلعُ القارئ ما للفقه من أقسام التقدم.

أقسام التقدم

فنقولُ إنّ التقدم عند الحكماء على خمسة أقسام:

الأول: التقدم بالعلّية.

والثاني: التقدّم بالطبع.

والثالث: التقدّم بالزمان.

والرابع: بالمرتبة.

والخامس: بالشرف.

وقد زاد المتكلّمون سادساً: وهو التقدّم بالذات، وجعلوا منه تقدم أجزاء الزمان بعضها على بعض.

وزاد قسماً سابعاً صدرُ المتألهين: سمّاه بالسبق بالحقيقة، وهو أنْ يكونَ المتقدِّمُ مُتّصفاً بالشيء حقيقةً، والمتأخّرُ متّصفٌ به بنحوِ المجاز بواسطة المتقدّم كتقدّم السفينة على الجالس فيها بالحركة.

وزادَ المحقّقُ الدّاماد قسماً ثامناً: سماه بالسبق الدّهري والسّرمدي([345])، كسبق الله تعالى في الوجود على العالم، فإنّ وجوده متقدّم عليه في عالم الدهر والسّرمدية مع قطع النظر عن العلّة والمعلولية.

وقد ألحَقَ بعضُ الحكماء قسما تاسعاً: وهو التقدُّم([346]) بحسب الماهية، كتقدّم الجزء المادّي والصوري، بل والجنس والفصل على الماهية، فإنّ حاجة الماهية إلى الأجزاء حاجة في القوام لا في الصّدور، بخلاف حاجتها إلى الفاعل، فإنّها تكون في الصدور عنه، فما فيه التقدُّم هو حُصول القوام، فإنّه حاصل للجزء وليس بحاصل للكل.

ويطلب تحقيق ذلك من حاشيتنا على المنظومة وإليك بيان ما ذكروه من أقسام التقدم.

التقدُّم بالعلية

الأوّلُ: التقدُّم بالعلّية، وهو تقدُّم العِلّة التامة على معلولها، إمّا بذاتها، أو باستجماعها لجميع ما يتوقّفُ عليه تأثيرها، فإنّها متقدّمة على وجودِ المعلول، لكن بحكم العقل لا بحسب الخارج، كما في حركة اليد بالنسبة لحركة المفتاح، فإنّها متقدّمة عليها بالعلّية، فالسبق بحسب العقل لا بحسب الخارج؛ لأنّ العلة التامّة وجودُها مقارنٌ لوجود معلولها في الخارج.

وما تُوُهِمَ من عَدَمِ اعتبار التماميّة في التقدُّم بالعلّية مستنداً بأنّ حركة اليد ليست علة تامة لحركة المفتاح ضرورةَ توقُّفها على اليد والعضلات.

فمدفوعٌ بأنّ المراد من العلة التامة ما لا يتوقَّفُ وجودُ المعلول بعد وجودِها من حيث هي علة إلى أمرٍ آخر، ولا يقدح في ذلك كونُ وجودِها متوقّفاً على شيء آخر.

التقدم بالطبع

الثاني: التقدّم بالطبع، ويسمّى التقدّم بالذات، وهو تقدُّمُ العلّة الناقصة على المعلول، ومنه تقدُّم المعروض على العارض، كتقدّم النار أو يبوسة المحلّ أو المقاربة بين النار والمحترق، على الاحتراق، فإنّا نحكُمُ بأنّه لا تحقُّقَ للاحتراق ما لم تتحقَّق النّار من غير عَكْس، فيجوزُ الانفكاك بينَ المتقدّم والمتأخّر من حيثُ التقدُّم بالطبع والذات والحقيقة، فإنْ امتنع فمن جهةٍ أخرى لا محالة، ومنه تقدّم المعروض على العارض وتقدم الأجزاء على المركب ومنها تقدم المقتضِي (بكسر الضاد) وعدم المانع على المقتضَى.

والحاصل: إنّ المحتاج إليه إنْ كفى في وجودِ المحتاج كانَ متقدّماً عليه
 بالعلّية، كالمؤثّر المستجمع لجميع شرائط التأثير والفاقد لموانعه، وإنْ لم يكن كذلك كانَ متقدّماً عليه بالطبع والذات، وعلى هذا كان التقدُّم بالطبع
 يَشْمَلُ العِلَلَ النّاقِصَةَ كلّها، وسُمّي تقدُّماً بالذات؛ لأنّ ذاتَ المتأخّر متوقّفةٌ على ذاتِ المتقدّم.

وقد يسمّى هذان التقدمان- أعني: القسم الأول والثاني من التقدم- بالتقدم بالذات، باعتبار اشتراكهما في معنىً واحد، وهو تقدّم المحتاج إليه على المحتاج، وقد يقال لهما التقدّم بالطبع أيضاً.

فكلُّ واحدٍ من لَفْظَيْ التقدّم بالذات والتقدّم بالطبع مُشْتَرَكٌ بينَ المعنى المشترك بين القسمين من التقدّم، وبين القسم الثاني نظير لفظِ الإمكان المشترك بين الإمكان العام والخاص.

التقدّم بالزمان

الثالث: التقدم بالزمان، وهو تقدّم السّابق غير المجامع للمسبوق، سواء كان عدم اجتماعه معه لذاتهما- كتقدُّم أمسِ على اليوم- أو لأمرٍ آخر كتقدُّمِ الحادث الأمسيّ على الحادث اليوميّ ويعودُ لا مَحالَةَ إلى أجزاءِ الزَّمان؛ لأنّ ما بالعرض يَرْجِعُ لما بالذات، فهذا التقدُّم يعرض أوّلاً وبالذات إلى أجزاء الزمان، وثانياً وبالعرض لما نسب إليها؛ إذ ليس في الموجودات شيءٌ ينقضي وينصرم بذاته ويفرض له بحسب التقضي والتصرم أجزاء غير مجتمعة في الوجود سوى الزمان كما لا يخفى.

قالوا: ويدلُّكَ على ذلك أنّه لو قيل: إنّ وجود زيد متقدِّم على وجود عمر اتّجه أنْ يقال لماذا قلت: إنّه متقدم عليه، فلو أجيب: بأنّ وجود زيد كان مع الحادثة الفلانية، والمتأخر كان مع الأخرى، والأولى كانت متقدّمة على الأخرى، بدون أنْ ينسب المتقدم إلى الأمس مثلاً والمتأخر إلى اليوم مثلاً اتّجه أنْ يقال: لم قلت إنّ تلك مقدّمة على هذه، فلو أجيب: بأنّ تلك كانت بالأمس، وهذه كانت في هذا اليوم انقطَع السؤالُ ولم يصحّ أن يقال: لماذا قُلتَ بتقدُّمِهِ عليه.

إنْ قيل: إنّ ذلك لأجل اعتبار التقدُّم في مفهومِ لفظ أمسِ، والتأخر في مفهوم لفظ اليوم.

أُجيب: بأنّ الأمس إشارة إلى قِطْعَةٍ معيّنةٍ من أجزاءِ الزّمان، وهكذا اليوم.

إنْ قلتَ: إنّ التدريجاتِ كالألفاظ تتقدَّمُ أجزاؤها بَعْضُها على بعضٍ بالذات لا بواسطة الزمان.

قلنا: بواسِطَةِ أنّ أحدَ أجزائها صَارَ في الزَّمان الأوّل متقدّماً، ولذا لو فرض إنّ المتكلّم أخّر اللفظ، وجعل زمانه متأخّراً عن ما بَعْدَهُ صَارَ ما بَعْدَهُ متقدّماً عليه.

التقدم بالرتبة

الرابع: التقدم بالرتبة: ويقال له التقدّم بالمكان أيضاً، ويسمّى التقدّم بالوضع، وهو أنْ يكونَ المتقدّم أقرب لما جعل مبدأً للأولية والتقدم، فمثلاً قد نبتدئ بالمحراب فيكونُ الصَّفُّ الأوّل هو المتقدم، وقد نبتدئُ من بابِ المسجد فيكون الصَّفُّ الأخير هو الأول.

والحاصل: إنّه لابُدّ فيه من مبدأ تعتبر فيه نسبة التقدم منه والتأخر عنه، وإنْ كان هذا الاعتبار لابُدَّ له من منشأ، وعليه فيكونُ الإمام مقدّماً على المأموم حيثُ جُعِلَ المبدأ هو المحرابُ، ويكونُ مَنْ في الصَّدر الأول مقدّماً على من يليه، لأنَّ الصدر هو المبدأ، هذا بالنسبة إلى الحسّ .

وأما بالنسبة إلى العقل، فكما لو أخذنا الجنس وجعلناه هو الأول باعتبار أعمّيته وأشمليته، وتحته النوع، وتحته الصنف، وتحته الشخص، والميزان فيه هو القرب من الذي اعتبر فيه الأولية، فإنّه يكون هو المتقدّم، فالنوع يكون متقدماً على الصنف، والصنف على الشخص.

التقدم بالشرف

الخامس: التقدّمُ بالشرف، وهو عبارةٌ عن التقدُّم بالفضل والقَدْرِ والجلالة والعَظَمَة والأهمّية، كتقدّم الفاضل على المفضول، والعالم على المتعلم، والرئيس على المرؤوس.

مخالفة المتكلميـن للحكماء

والمتكلمون وافقوا الحكماءَ في هذه الخَمْسَة إلاّ في التقدُّم في الزّمان، فاعتبروا فيه: أنْ يكونَ الزّمان خارجاً عن المتقدّم والمتقدّم عليه، بأنْ يكون السابق والمسبوق الزمان، فهُمْ يخصّون هذا السبق بالزّمانيات ويَجْعلونَ التقدُّمَ الواقع بين أجزاء الزمان قِسماً سادساً من التقدّم، ويسمّونه تقدّماً بالذات، ويجعلون تقدُّمَ عدم الزمان على وجودِهِ أيضاً من هذا القبيل؛ لعدم مجامعتهما، فهُمْ يجعلون التقدُّم غير المجامع مع التأخر على قسمين:

قِسمٌ يعرضه بحسب الزمان، ويسمّونه التقدُّم الزمني.

وقسمٌ يعرضه لذاته ويسمّونه تقدماً بالذات، كتقدم أجزاء الزمان بعضها على بعض، فإنّه على ما قالوا ليس بالعلّية؛ لأن التقدم بالعلية يوجب الاجتماع في الوجود؛ لعدم انفكاك المعلول عن العلّة، ولا بالطبع ولا بالرتبة ولا بالشرف؛ لأنّ شيئاً منها لا ينافي الاجتماع في الوجود وهو ينافيه.

وأمّا عدمُ اجتماع العلّة المعدّة مع المعلول مع كون تقدّمها بالطبع فمن جهة تقدّمها بالزمان أيضاً، والتقدُّم بالزمان ليس من التقدُّم بالزمان، وإلاّ للزم التسلسل في الأزمنة؛ لأنّ التقدّم بالزمان يحتاج إلى زمان.

وفيه: إنّه إنّما يَلْزَمُ في تقدُّمِ الزّمان بالزمان أنْ يكونَ للزمان زمانٌ لو لزم أنْ يكون سَبْقُ الزّمان له زماناً زائداً على السّابق والمسبوق، وهو غيرُ لازمٍ، فإنّ التقدُّمَ بالزّمان للزمان بنفسِهِ نَظيرُ وجوديّةِ الوجود، وضوئية الضّوء، فإنّهما بنفسهما.

وإذا عرفت أقسام التقدم تعرف أقسام التأخر لأنه مضايف له.

وأيضاً تَعْرِفُ أقسامَ المعيّة بالمقايسة إليهما.

الحصر للتقدم

وكيف كان فالحَصْرُ للتقدّم في الأقسام المذكورة استقرائيٌ ورُبّما قيل في ضبطه على مذهب الحكماء:

إنّ المتقدم إمّا أنْ يجامع المتأخّر في الوجود أو لا، والثاني هو المتقدم بالزمان، وعلى الأول، إمّا أنْ يكون بينهما ترتّب أو لا، والأول هو التقدم بالرتبة، وعلى الثاني، فإمّا أنْ يكون بينهما احتياج أم لا، والثاني هو التقدم بالشرف، وعلى الأوّل فأمّا أنْ يكونَ المحتاجُ إليه علّة تامة أم لا، والأول هو التقدّم بالعلّية، والثاني هو التقدّم بالطّبع.

وإنْ شئت قلت: إنّ المتقدّم إنْ احتاج إليه المتأخّر فإنْ كان علّة تامّةً له فهو تقدم بالعلية، وإلاّ فبالطبع، وإنْ لم يحتج فإن لم يمكن اجتماعهما في الوجود فهو تقدّم بالزمان، وإنْ أمكن فإنْ اعتبر بينهما ترتّب فهو تقدّم بالرتبة، وإلا فبالشرف.

التقدم الحسي والتقدم المعنوي

إذا عرفتَ هذا فنقول: إنّ المراد بهذا المبحث- أعني: مبحث رتبة العلم- هو التقدُّمُ بالمكان والوضع الحسّي أو المعنوي بحسب التعليم والتعلُّم كما
عرفته في بيانِ مَعْنى التقدّم بالرتبة الذي هو القسم الرابع من التقدم، فيكون بيانُ مرتبة العلم هو بيان أنّ العلم الذي هو محلّ البحث في أيّ مكانٍ وضعه
 أهل التحصيل والتعليم، بمعنى إنّهم قد جعلوا تحصيلَهُ وتعلّمه قبل أيّ علمٍ وبَعْدَ أيّ علم، فإنّ تحصيل العلم والمعرفة هو المبدء، فما كان الأقرب يكون
هو الأول.

ترتب العلوم في تحصيل الفقه

وعليه فنقول: إنّ أهل تحصيل العلوم الدينية جَعَلوا الأول لتحصيلهم هو علم النحو، ثم الصّرف، ثم المنطق، ثم المعاني، ثم البيان، ثم الأصول، ثم الفقه، وإنّما صنعوا ذلك لتوقّف معرفة الفقه على الأصول؛ لأنّ أكثر مباحِثِ الفقه معرفَتُها موقوفة عليه؛ لكونِ أكثر مقدّمات أدلّة الفقه مثبتة فيه.

وجه توقّف علم الأصول

وتوقّف علم الأصول على العلوم المذكورة؛ لتوقف أكثر مواضيعِهِ عليها؛ لكون الكثير من مباحثه يتعلّق باللغة العربية.

وجهُ توقّف البيان على المعاني

وتوقُّفُ البيان على المعاني؛ لكون غاية علم المعاني- وهي رعاية المطابقة لمقتضى الحال- تتوقَفُ عليها غايةُ عِلْمِ البيان وهي إيرادُ المعنى الواحد بطرق متعدّدة مختلفةِ الوضوح والخفاء في الدّلالة، من حيثُ أنّه لا يُعْتَدُّ بإيراد المعنى الواحد بالطرق المختلفة في البلاغة.

إلاّ إذا حَصَلَتْ الرّعايةُ لمقتضى الحال، وتوقَّفَ علمُ المعاني على علم المنطق والصّرف والنحو؛ لاشتمال الأول على كيفية الاستدلال، وبحث الأخيرين عن اللغة العربية، ولا ريب في احتياج علم المعاني في بعض مسائله إلى النظر والاستدلال، وإلى معرفة صحّة اللفظ العربي وخطئه، وتوقّف علم الصرف على النحو؛ لتوقفه على معرفة تقسيم الكلمة وأحوالها.

وجهُ تقدّم النحو على الصرف

ولأن وضع النحو كان قبل علم الصرف، وبعضُهم قدّموا علم الصرف على النحو، باعتبار أنّ علم الصرف يتعلّق بمفردات اللغة، وعلم النحو يتعلق بمركباتها. وإنّما قدّموا النحو والصرف على المنطق؛ لأنّهما أسهل وأقرب لفهم المبتدئ من علم المنطق.

كلمة قيمة في تقديم العلوم بعضها على بعض

قال بعضهم: إنّ العلوم لكلٍّ منها مرتبة ومقام معلوم، فلا يشتغل بالغايات قبل المبادئ، ولا بالنتائج قبل المقدمات، ولا باختلاف العلماء في العقليات والسمعيات قبل إتقان الاعتقاديات، فيختلّ ذهنه ويحير عقله، ويضيع سعيه، بل يلاحظ الترتيب اللائق، ويؤتى كلَّ ذي حق حقّه، فيكون ممن أتَى البيوت من أبوابها، ويسهّل له إدراك البقية، وبلوغ الأمنية.

فيشتغل أوّلاً بحفظِ كتابِ الله وتجويده، ويكونُ مفتاحاً صالحاً ومعيناً ناجحاً يسَتنيرُ القَلْبُ به ويستعدُّ بسببه للإحاطة بباقي العلوم.

ثم بالعلوم العربية، فإنّها أول آلات الفهم وأعظم أسباب العلم الشرعي؛ لأن الكتاب  والسنة عربيان، فيتقن علم التصريف، والنحو، واللغة، والمعاني، والبيانْ إتقاناً جيّداً، بحيث إذا عَرَضَتْ عليه عبارَةٌ عربية غير موحشة قوى عليها، ويكفيه في غريب اللغة أصلٌ مركون إليه يراجعه عند الحاجة.

ثم بالمنطق يحقّق مقاصده، فإنّ له مدخلاً عظيماً في تقويم الفكر وإصلاح صور الأقيسة.

ثم بالعقليات كالآلهي، وشيءٌ من الطبيعيّ يشحن به ذهنه، ويرسّخ فيه ملكة الاستدلال.

وينظر في أصول الفقه، ودراية الحديث، والرجال، ويتعرف الاصطلاحات الموضوعة بين أهلها.

ثم يشتغل بالحديث والتفسير، وليمعن النظر في كشف أغوار كلام الله، فإنّها لاتقف على حَدِّ، وهو بحر عميق، ولا يقنع بما ذكره المفسرون، وليكن كثير التفتيش عن الرّوايات المأثورة في تفسير الظّهور والبطون، فإنّ فيها من علومِ الأسرار شيئاً كثيراً.

وليتقن من فقه الأحكام الشرعية طَرَفاً صَالحاً، ويطّلع على أقوال الفقهاء رضوان الله عليهم، ومواقع الخلاف بينهم، والإجماع لديهم، ولا يكتفي في ذلك بالمتون الوجيزة، فإنّ الشروح والكتب الاستدلالية أكثر فائدةً، وأوفى بالمقصود.

وإذا اشتغل بفنّ فلا ينتقل عنه حتّى يتقن فيه كتاباً أو أكثر إنْ أمكن،
ويحذر التنقل من كتابٍ إلى كتاب من فنٍّ إلى آخر، ومن غيرِ موجبٍ، فإنّ
ذلك علامة العجز وعدم الفلاح، وليأخذ من كلِّ فنٍّ حظّه، ويصرف تمام
قوته في العلوم الدينية الأخروية، فإنّها مما تُوجِبُ كمال النفس
وتزكيتها بالأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة، ومرجعها إلى معرفة الكتاب والسنة.

الأمور الموجبة لتقدم العلوم بعضها على بعض

وقد ذكر القومُ لتقدم العلوم المدونة بعضها على بعض أمور:

التقدّمُ بالموضوع

الأول: التقدّم بالموضوع، كتقدم العلم الطبيعيّ على علم الهندسة؛ لأنّ موضوع الأول هو الجسم الطبيعي، وموضوع الثاني هو المقدار، والمقدار عارضٌ على الجسم الطبيعي، فيكونُ موضوع الأول مقدَّمٌ عليه تقدُّم المعروض على العارض عليه.

رجوعُ التقدُّم بالموضوعِ إِلـى التقدُّم بالطبع

ولا ريبَ أنّ هذا يَرجع إلى التقدّم بالطبع، الذي هو القسم الثاني، وعليه فيكونُ تقدّم موضوع علمِ النحو والصرف على علومِ البلاغة من التقدُّمِ بالطبع؛ لأن موضوعهما هو الكلمة من حيث الإعراب والبناء والإعلال والهيئة.

وموضوع علم البلاغة هو الكلام من حيث المحسّنات؛ إذ أن المحسّنات للكلام إنما تكون محسّنات إذا كانت كلماته صحيحة من حيث الاعراب والبناء والاعلال والهيئة، فهو متوقّفٌ عليه توقّفَ العارض على معروضه.

الردّ على صاحب الحاشية 

فلا وجه لما [ذكره] في حاشية المعالم للشيخ محمد تقي رحمه الله ([347]) من جَعْلِ ذلك من التقدُّمِ في الرتبة.

على أنّ ذلك إنّما يكون لدَى الحقيقة من التقدم بالطبع من جهة الغاية، لا من جهة الموضوع من حيث أن الغاية من علوم البلاغة، وهي تحسين الكلام برعاية قواعده، وهي إنّما تحصل ويعتدّ بها إذا حَصَلَتْ غاية علم النحو والصرف في كلماته، وهي صحّتها من حيث الهيئة والتركيب والإعراب والبناء.

التقدم بالغاية

الثاني: التقدُّم بالغاية، بأنْ يتوقَّفَ حُصول الغاية من العلم والاعتداد بها على غايةِ العلم الآخر، فيكونُ العِلْمُ الآخر مُقدَّماً عليهِ، كما تَقدَّم مثالُ ذلك قبل أسطر، وكما تقدَّم من توقّف غايةِ عِلْمِ البيان على غايةِ علم المعاني.

التقدُّم بحَسَبِ الحاجة

الثالث: التقدُّم بحَسَبِ الحَاجَة، وهو التقدُّم بسبب احتياجِ مَعْرِفَةِ العلم المتأخّر لمعرفة العِلْم المتقدّم، كاحتياج مَعْرِفَة علم الفقه لِعِلْمِ الأصول وغيره من العلوم التي يحتاج إليها الفقيه في معرفته للفقه كالنحو.

الخادم من العلوم

وقد يسمّى العلمُ المتقدّم المشتمل على مبادئ العلم المتأخر بالخادم، كما صَدَرَ ذلك من الفاضل الأبهري([348])، حيثُ سمّى بذلك علم الكلام، بأنّه خادِمٌ للعلوم الشّرعية، ورَدّ عليه شارح المواقف([349]) بما حاصله: إنّه لا يُناسِبُ تسميته بالخادم، وإنّما هو رئيسٌ عليها لتوقّفها عليه، واستمدادها منه، وأجيب عن ذلك بأن (سيد القوم خادمهم) ولهذا سَمَّى القومُ المنطقَ بخادِمِ العُلومِ لتوقُّفِ مَعْرِفَةِ صحَّةِ الاستدلال في العُلومِ على معرفته.

وهذا يكونُ من قبيل التقدّم بالطبع؛ لتوقُّفِ العلم المتأخّر على المتقدم واحتياجه إليه في معرفته.

التقدم بالشرف

الرابع: التقدّم بالشرف، وهو عظمة المنزلة، وعلوّها ورفعتها، وهي تكون بأشرفية موضوع ذلك العلم، أو بأشرفيّة معلوماته، أو بأشرفيّة ما يترتَّبُ عليها من الغايات والفوائد، أو بأشرفية واضعه؛ إذ لا تتجاوَزُ جِهَاتُ شَرَفِ العلم هذه الأربعة، فعِلْمُ الكلام أشْرَفُ العلوم من ناحية الموضوع؛ لأنّ مَوضُوعَهُ على ما ذَكَرَهُ بعضُهم كالقاضي الإرموي([350]) من أنه هو ذاتُ اللهِ؛ لأنّه يبحث فيه عن وجوده، وصفاته الثبوتية والسلبية، وعن أفعاله الدنيوية كحدوث العالم، والأخروية كحشر الأجسام، وعن أحكامه فيهما كبعث الرسل ونصب الإمام في الدّنيا، من حيث أنّهما واجبان عليه تعالى في الدّنيا، وكالثواب والعقاب من حيث إنّهما واجبان عليه تعالى في الآخرة.

وهكذا علمُ الكلام أشرف من ناحية الغاية؛ لأنّ غايته التّرقّي من
حضيضِ التقليد إلى ذروة اليقين، وإرشاد المسترشدين بإيضاح الحجة، وإلزام المعاندين بإقامة المحجّة، وحفظ أصول الدّين عن أنْ تزلزلها شُبَهُ المبطلين وشكوك الضّالين، وصحّة النية في الأعمال العبادية، والعمل بالواجبات والمحرمات الالهية.

وغاية ذلك هو الفوز بالسعادة في الدارين، وهي أشرف الغايات وأسماها وأجداها نفعاً.

وهكذا هو أشرف من ناحية معلوماته؛ لأنّ مسائله تتعلّق بأصول الدين، ويدلك على شدة شرفية معلوماته أنّه يجب العلم والتدين بها.

وهكذا علم التفسير معلوماته أشرف من باقي العلوم؛ لأنّها مرادات الله تعالى، فإنّها أشرف من مراداتِ غير الله تعالى، وهكذا علم النحو فإنّه أشرف من غيره من ناحية الواضع؛ لأنّ واضعه أمير المؤمنين علي  عليه السلام .

التقدم لشدة الحاجة إليه

الخامس: التقدُّمُ بشدّةِ الحاجة إليه، كتقدم علم الطب وعلم الفقه على غيرهما، بواسطة شدّة الحاجة إليهما في حفظ الأبدان والأنفس.

وهذا يرجع للتقدم في الرتبة؛ لأنّ حاجة الإنسان له جعلته أقرب منزلةً ومرتبة للإنسان من غيره في التحصيل والمعرفة، فإنّ المبدء للأقربية هو التحصيل والمعرفة.

التقدم بسهولة المعرفة

السادس: التقدّمُ بسهولةِ المعرفة والتعلّم، كتقدم علم الحساب على غيره، حتى يقوى الطالب على إدراك الحقائق، ويسهل عليه فهم المطالب، فيقوى استعداده وقابليته لتلقّي ما هو أصعب منه معرفةً، وأشكل منه مسألة.

ويمكن أنْ يسمّى هذا النحو من العلوم بسمع الكيان؛ لأنّه هو الذي ينبغي أنْ يكون أوّل ما تسمعه طبيعة الإنسان، ولذا كانت الحكماء والفلاسفة تقدّم مثل هذه العلوم في التعلم على باقي فنون الفلسفة والحكمة، وهذا أيضاً يرجع إلى التقدُّمِ بالرتبة لعين ما ذكرناه في التقدّم لشدّةِ الحاجة.

التقدم بقوة الأدلة

السابع: التقدّمُ بوثاقة الأدلة وقوّتها، كتقدّم العلوم العقلية على غيرها، باعتبار قوّة أدلتها ووثاقتها، وكتقدم علم الكلام على غيره باعتبار أنّ أدلته يقينية، مؤيّدة بالنقل، فهي في غاية الوثاقة.

ومن هنا تقدّم الكتب التي اعتمد مؤلفوها على ذكر الأدلة القوية على غيرها من الكتب التي لم تكن كذلك، مع أنّ مسائل الكتابين واحدة.

وهكذا يقدّم الحضور على يد الأساتذة المدقّقين والمحقّقين على غيرهم من أساتذة ذلك الفنّ، ممن لم يكونوا كذلك؛ لأنّ أدلّتهم على المطالب أوْثَقُ من أدلّة غيرهم عليها لدقتها.

وهذا يرجع للتقدّم بالشرف؛ لأنّ الأدلة التي هي أوثق وأشرف من الأدلّة التي هي ليست كذلك؛ لكمال تلك الأدلة؛ ونقصان تلك.

ويمكن أنْ يرجع للتقدّم بالمرتبة والمنزلة أيضاً؛ لأنّ حاجة الإنسان إلى الأدلة الكاملة أزيد من حاجته للأدلة الناقصة.

التقدم بعموم الموضوع

الثامن: التقدُّمُ بعموم الموضوع؛ لأنّه قد تقرّر عندهم أنّ العلوم تتصاعد بتصاعُدِ الموضوعاتِ عُموماً وخُصوصَاً كما يقال في علم الحكمة: فإنّ موضوع الوجود هو أعمُّ من موضوعاتِ غيره من العلوم.

ومن هنا يقدّم البحث في المسألة إذا كان عن عمومِ موضوعِ العلم وأطرافه على البحث في المسألة لو كان مختصّاً بجهةٍ خاصّة من الموضوعِ للعلم، وهذا كما عَرَفْتَهُ أنّه يَرْجِعُ إلى التقدُّمِ بالرتبة؛ لأنّ تقدُّمَ العامّ على الخاصّ بالرّتبة باعتبار أنّه لَهُ شُمولٌ للخاصّ فهو للشّمول أقربُ من الخاص.

 

الرأس السابع

في تقسيم علم الفقه

الرأسُ السَّابعُ من الرؤوس الثمانية لعلم الفقه بيانُ تقسيمه إلى أبواب، فإنّ المتقدّمين جَعَلوا الرأسَ السَّابع من الرؤوس الثمانية التي تُذْكَر في صَدْرِ كُلِّ علمٍ هو بيانُ أبوابِ العلم التي يُبحث فيها عنه، وقد تُسمَّى بالمباحث، وقد تسمَّى بالفصول، وقد تسمّى بالكتب، وقد تُسمَّى بالمقالات، وذلك ليُحيط بالعلم إجمالاً؛ ولأنّه عندما يَحْتَاجُ لمسألةٍ من العلم يُعْرَفُ موقعها من العلم، ولأنّ المتعلّم يسهل عليه أنْ يحضر في كل باب منه ما يليق به، وهكذا قد يذكر تقسيم الكتاب في أوّله للوجوه المذكورة.

تقسيم الكتاب

ثمّ إنّ تقسيمَ العلم يكونُ من المدوّن له، وتقسيمُ الكتاب يكونُ من المؤلّف له، بمعنى: أنْ يذكر مسائل كلِّ بابٍ في محلٍّ واحدٍ منه، كأنْ يذكر مسائل الطَّهارة في بابها، ومسائل الصَّلاة في بابها، ومسائل الصوم في بابه، لا أنْ يَخْلُط بينها، فيجمع بينَ مسائلها، بل الواجب أنّ المسألة التي ترتبطُ بأكثر من بابٍ واحد أنْ يذكرها في كلٍّ منها ولو بشرحها في أحدِها، والإشارة إلى شرحها في الباب الآخر.

الاستفتاءُ من البصرة

وإنّي لأذكُرُ مَرَّةً جاءنا استفتاءٌ من البصرة عن امرأةٍ حامل تُوفّي زوجها، ثم جاءت بحملها ميتاً تدّعي أنّها وَضَعَتْهُ حّياً في البادية، ولشِدّة الحرَّ، وعدم القابلة والمساعدة لها ماتَ الطّفلُ، وتدَّعي بإرثِهِ، وفي وقتها راجعتُ كُتُبَ الفقهِ التي تحت يَدَيّ في كتاب المواريث في مبحث ميراث الحمل لم أجده، وبلغني أنّ بعض المجتهدين لعدم وجوده للمسألة أفتى لهم بالمصالحة، وبعضُهُم أفتى بالميراث استصحاباً لحياة الحمل، وإنّّ المراد بالاستهلال المعتبر في ميراث الحمل هو الحياة فقط، ولكنْ بعد الفحص منّا رأينا إنّ المسألة محرّرة في كتاب الشهادات في مبحث شهادة القابلة، وفيها أخبارٌ قد نقلها القومُ هُناكَ، فأفتيتُ لهم بعدم الميراث، وشفّعتُ الفتوى بالأدلّة والأخبار، والكثيرِ من المباحث الفقهية أمرُها كذلك فيعسر على الفقيه استخراجها جداً.

قاموس فقهي  

وقد ذكر بعضُهم الخلوّ بالأجنبية في مبحثِ الإجارة، وحلق اللحية في المكاسب، وهذا ما دعاني أنْ أعقد النّية على صنع قاموسٍ مرتَّبٍ على الحروف الهجائية للموضوعات الفقهية نَشْرَحُ فيه ماهياتها ونبيّن أحكامها.

وإليك التقسيمُ الذي جَعَلَهُ عُلماءُ الفقه لهذا العلم، فقد قَسَّموا مباحث علم الفقه على أربعة أقسام:

XالقسمZ الأول: العباداتُ، وهيَ الصَّلاةُ والصَّومُ والفطرةُ والحَجُّ والاعتكافُ والزكاة والخمس والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

ووجهُ تقديمِ الكلام في العبادات، [فانهم] إنّما قَدَّموا البَحْثَ عن العبادات وجَعَلوه هو الأّول؛ لأنّ العبادات هي الأفضل والأهمّ في نَظَرِ الشَّرع، وحيثُ كانت الصَّلاة أفضلها ووجوبها أعمّ قدَّموا البَحْثَ عنها على سائر العبادات، وحيثُ كانت الصّلاة مشروطة بالطَّهارة وفي الطهارة مباحث كثيرة، قدّموا البَحْثَ عن الطّهارة على البحث عن الصّلاة، ولما كانت الطّهارة المائية مقدّمة على الطّهارة الترابية قدّموا البحث عن الطهارة المائية، ولما كانت الطّهارة المائية تَحْصُلَ بالماء المطلق قدّموا البحث عنه.

والقسم الثاني: هو المعاملات، ويسمّى بالعقودِ، وهي البيعُ والإجارة والنّكاح وكلُّ ما يحتاجُ إلى إيجابٍ وقبول.

والقسم الثالث: الإيقاعات، كالطّلاق والعتق، وكلُّ ما يَحْتَاجُ إلى ايجابِ فقط.

والقسم الرابع: الأحكام، وهي ما عدا ذلك.

وهذا القِسمُ الرّابع: إنّما خَصّوه باسم الأحكام([351]) مع أنَّ الجميعَ هي أحكام شرعية؛ لأنّهم لم يجدوا له خصوصيةً يسمّونه بها، فسمّوه فيما بينهم بالأحكام.

وبعضُهُم سمّاه بالسياسات دُونَ الأحكام، كالشهيد رحمه الله  في الذّكرى([352]) احترازاً من الاشتراكِ اللّفظي بَيْنها وبينَ الأحكام الخمسة، وبعضُهُم فراراً من ذلك يُقيِّدُها فيعبّر عن القسم الرابع بالأحكام بالمعنى الأخصّ، والظاهر أنّهم إنّما خصّوا القسم الرابع بالسياسات؛ لأنّه يَشْتَمِلُ على تدبيرِ المنزلِ كالأطعمة والأشربة والمواريث، وعلى تدبير المجتمع كالحُدودِ والقِصاص والدّيّات، والسّياسة هي التدبير، فتكونُ التسمية من قبيلِ تسميةِ الشّيء بالأعمّ الأغلب فيه، كتسميةِ الآنية والخاتم بالفضّة؛ لأنَّ الأعمّ الأغلب فيه هو الفضّة.

تقسيمُ القِسْمِ الرابع إلـى اثني عشر باباً

وقد جعلوا هذا القسم الرابع اثني عشر باباً في الفقه.

الصيد والذباحة، والأطعمة والأشربة، والغصب، والشفعة، وإحياء الموات، واللقطة، والفرائض، والقضاء، والشهادات، والحدود، والقصاص، والديات.

ثمّ لا يخفى أنّه على هذه القسمة إلى أربعةِ أقسامٍ مع تسميةِ الرّابع بالأحكام بنى المحقّق طاب ثراه كتابَ الشرائع([353])، وكذا العلاّمة في المنتهى([354])، والتذكرة([355])، والتحريرُ([356])، وسمّى هذه الأقسام بالقواعد، والشهيد رحمه الله  في الذكرى([357]) رَتَّبَ كتابه على مقدّمة وأقطابٍ أربعة هي العباداتُ والعقود والإيقاعات والسياسات.

وَجْهُ الحَصْرِ في أربعة

وقال في تقرير الحصر: إنّ الحكم إمّا أنْ يشترط فيه القربة أو لا، والأول: إمّا ذو صيغة أو لا، والثاني: السياسات، والأول: إمّا وحدانية أو لا، والأول: الايقاعات، والثاني: العقود، وقال السيوري في التنقيح([358]): (حصر العلماء الفقه في أربعةِ أقسامٍ، عبادات وعقود وإيقاعات وأحكام وقرّروا دليلَ الحَصْرِ بوجوه:

الأول: إنّ المبحوث عنه إمّا متعلَّقٌ بالأمور الأُخرويّة، وهو العبادات أو الدنيوية، والثاني: إمّا أنْ لا يفتقر إلى عبارةٍ لفظيةٍ، وهو الأحكام، أو يفتقر، فأمّا من اثنين غالباً وهو العقودُ، أو من واحدٍ وهو الإيقاعات.

الثاني: طريقةُ الحُكماء، وهو أنْ يقال: كمالُ الإنسان، إمّا بَجَلْبِ نَفْعٍ أو بدفع ضَرَر، والأول: إمّا عاجلٌ أو آجلٌ، فجَلْبُ النفع العاجل بالمعاملات والأطعمة والأشربة، والنكاح، وجلب النفع الآجل بالعبادات، ودفع الضَّررِ بالقصاص، وما شابهه.

الثالث: إنّ الشرائع جاءَتْ لحفظِ المقاصد الخمس، وهي: الدّين، والنفس، والنسب، والمال، والعقل، وهي التي يجبُ تقريرها في كُلِّ شريعةٍ، فالدّين يحفظ بقسم العبادات، والنفس تحفظ بالقصاص والدّيات، والنسب يحفظ بالنكاح وتوابعه والحدود والتعزيرات، والمال يحفظ بالعقود وتحريم الغصب والسرقة، والعقل يحفظ بتحريم المنكرات وما في معناها، وثبوت الحدّ والتعزير على ذلك، وحفظُ الجميع بالقضاء والشهادات وتوابعها).

وبتعبير آخر: إنّ المطلوب في الفقه ضبطُ الأحكام الشرعية والوضعية، فالشرعيّة: الوجوب والتحريم والندب والكراهة والإباحة، والوضعية: السببية والشرطية والمانعية والصّحة والبطلان والملكية والزوجية ونحو ذلك، ويترتب على ذلك حفظُ المقاصد الخمسة التي بُنيَتْ عليها الشرائع والأديان، وهي الدّينُ والنفس والعقل والنسب والمال، فالدّين بالعبادات، والنفس بالقصاص والديات، والعقل بخطر المسكرات والمغميات، والنسب بالمناكح والمواليد، والمال بأحكام الضمان والمعاملات، والجميع بالسياسات، كالحدود والتعزيرات والقضاء والشهادات.

وفي القواعد: كُلُّ حُكْمٍ شرعيٍّ يكونُ الغرض الأهم منه الآخرة،
 إمّا لجلب النّفع أو لدَفْعِ الضَّرَر فيها يسمّى عبادة أو كفارة، وكلُّ
ما يكون الغرضُ الأهمّ منه الدُّنيا سواءٌ لجلب النَّفْعِ أو لِدَفْعِ الضَّرَر يسمّى معاملة.

أقسام العبادات

قال الشيخُ في الاقتصاد والجمل: (عباداتُ الشّرعِ خَمْسٌ: الصَّلاةُ والزكاة والصَّومُ والحَجُّ والجِهادُ)([359])، وأدخل الطَّهارَةَ في الصَّلاة والخُمْسِ في الزَّكاة والاعتكاف في الصّوم والعُمْرَة في الحَجّ والأمرِ بالمعروفِ والنّهي عن المنكر في الجهاد، وجَعَلَها الفاضلان([360]) وأكثرُ المتأخّرين عشراً هي الخَمْس التي ذكرها الشّيخ رحمه الله  مع الخَمْس التي أدخلها تبعاً.

وقالَ الدّيلمي في المراسم: (الرّسومُ الشرعيّة تنقَسِمُ إلى قسمين:
عبادات ومعاملات)([361]).

فالعباداتُ تنقسمُ إلى ستة أقسام: طهارة، وصلاة، وصوم، وحج، واعتكاف، وزكاة، وذكر العمرة في الحجّ، والخمس والجزية في الزكاة، وفي النّزهة عن الشيخ ابن يعلى سلاّر: إنّ العبادات ستة بإسقاط الجهاد من الخمس الأول وزيادة الطهارة والاعتكاف.

وقال الحلبي([362]): العباداتُ عَشرُ، الصّلاةُ، وحُقوقُ الأموال، والصيام، والحجُّ، والوفاء بالنذر، والعهود والوعد، وبر الأيمان، وتأدية الأمانات، والخروج من الحقوق والوصايا، وأحكامُ الجنائز، وما تعبد الله لفعل الحسن والقبيح، وأرادَ([363]) بالأخير معاملةُ النّاسِ على حَسَبِ ما يستحقّونَ من جهةِ الإيمان والكُفْرِ والطاعة والمعصية.

وقال الشيخ أبو جعفر محمّد بن عليّ الطوسي في الوسيلة: (عبادات الشرع عشر: الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد وغسل الجنابة والخمس والاعتكاف والعمرة والرباط)([364]).

قال السيّد في المصابيح([365]): (وإنمّا أفْرَدَ غُسْل الجَنَابَةِ عن سَائرِ الطَّهارات بناءً على قوله بأنّه واجِبٌ بنفسهِ وإنّ المرادَ بالعبادة ما كانَ كذلك، دونَ ما وَجَبَ تبعاً لغيره، كما يُفْهَمُ من كلامِهِ قبل ذلك).

وفي النُّزْهَة: (العبادات كثيرةٌ والذي قد حَصَرْتُ منها خمسةً وأربعون قسماً، وهي الطّهارةُ وُضوءاً كانَ أو غسلاً وإزالة النجاسات عن البدن والثياب، والصلاة، والزكاة، والصّوم، والحَجُّ وما يتبعه، والجهاد، والاعتكاف، والخمس، والعمرة، والرّباط، والوفاء، بما عَقَدَ عليه من النذور والعهد واليمين وتأدية الأمانة، والخروج من الحقوق والوصايا، وزيارة النبي  صلى الله عليه واله وسلم  والأئمة  عليهم السلام ، وزيارة المؤمنين وتلاوة القرآن، والدّعاء وما جَرَى مَجْراهُ من التسبيح وغيره ومن أحكام الجنائز قبل الموت وبعده، والسجود والسّلام على المؤمنين، وردّ السلام عليهم، وصلتهم في المجالسة، والسعي في حوائجهم، والاشتغال بالعلوم العربية إذا قصد بها الاجتهادُ في الأحكام الشّرعيّة، وصحّة التلفّظ بالدُّعاء والأحكام، والقضاء بين الناس، والفَتْوَى إذا كان من أَهْلِها، وانتظارِ الصَّلاة قبل دُخولِ وَقْتِها، فقد روي في باب الصّلاة من كتاب التّهذيب عن النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم  أنّه (كنزٌ من كنوز الجنة)([366]) والصّبرُ وانتظارُ الفَرَج والتوكُّلُ على اللهِ وكتمان المرض وكظم الغيظ والعفو عن النّاس، والاكتساب للعيال، والعتق، والتدبير، والمكاتبة، والوقف، والحبس، والعمرى، والرقبى إذا قُصِدَ بها التقرُّبُ إلى الله تعالى)([367]).

قلتُ: وفي جميع ما ذكروه إدخال ما ليس بالعبادة في العبادة؛ لأنّ المراد بها العَمَلُ المتوقّف على قصد القربة، والجهاد خارجٌ عنه قطعاً، وكذا الرّباط والأمر بالمعروف والنهيُ عن المنكر، وتأدية الأمانات والخروجُ من الحقوق والوصايا وإزالة الأخباث، وبعض أحكام الجنائز، وأكثر المذكورات.

كما أنّ حصرهم العبادات في ذلك يلزم منه إخراجُ بَعْضُ العبادات كالصّدَقة، فإنّها عبادةٌ بالاتفاق، وقد ذكروها في المعاملات، وكذا الكفارات والنذر والعتق، فإنّه من العبادات على المشهور، بل كادَ يكونُ إجماعٌ من الكلِّ لشذوذ المخالف وانقراضه، مع ورود الحديث المعتبر الإسناد عن الإمام الصادق  عليه السلام  أنّه قال: (لا صَدَقَةَ ولا عِتْقَ إلاّ ما أريد به وجه الله  عجل الله فرجه الشريف )([368])، فكانَ الواجبُ ذكر ذلك كلّه في العبادات، وكذا الوقفُ والتّدبيرُ على القول، بأنّهما عبادَةٌ مع أنَّ القائلين به قد ذَكَرُوهُ في غيرها.

قال الشهيد رحمه الله  في الذكرى بعد تفسير العبادة بالفعل وشبهه المشروط بالقربة قال: (والجهادُ ونحوه غائيان فمِنْ حيثُ الامتثال المقتضي للثّواب عبادة، ومن حيث الإعزاز وكفّ الضّرر لا يشترط فيه التقرّب، وما اشتمل عليه باقي الأقطاب من مسمّى العبادة من هذا القبيل، وأمّا الكفّاراتُ والنذور فمن قبيل العبادات، ودخولها في غيرها تغليباً أو تبعاً للأسباب)([369]).

وما ذكره  قدس سره  وإنْ كان حسناً في مقام التوجيه والاعتذار إلاّ أنّه لا ينفع للتعويل على ما قالوه في التمييز بين العبادة وغيرها، وهو المهم، فإنّهم بهذا الإدخال والإخراج قَدْ خَرَجُوا عن معناها المعروفِ، فلا يُمكِنُ الحُكْمُ بكون الشيء عبادةً بذكرهِ في كُتُبِ العبادات، ولا بأنّه ليسَ منها بذكره في غيرها.

على أنّهم إنْ أرادوا بالعبادة ما يمكن التقرُّبُ بهِ بَطَلَ الحَصْرُ فيما ذكروه من العدد؛ لدخول العبادات والمعاملات كلّها في العبادات بهذا المعنى، فإنّها بأسرها صالحةٌ للتقرّب، وإنْ أرادوا خصوصَ ما تعلَّق به الطلب وجوباً أو ندباً فكذلك وإنْ كان الداخل فيها أقلّ من الأول، وإنْ أرادوا ما كان معظم الغرض فيه الأمر الأخروي أو ما يُعتَبَرُ في صحّته القربة وجب ذكر الصَّدقة والكفّارة والنذر والعتق ونحوها في العبادات، فإنّ الغَرَضَ الأهمّ فيها الآخرة، وإنْ قصدوا بها معنى آخر فلابُدّ أنْ يبين حتى يعرف.

وبالجملة، فالأمر في العبادة التي جعلت مقسماً لهذه العبادات ملتبس([370]).

وإنْ كان التحقيق أنّ معنى العبادة لغةً الطاعة والخضوع، والذي يتحصّل من الفقهاء والأصوليين أنّها إطاعةُ العبد ربَّهُ من الوجه الذي يُطَاعُ به فتكون حقيقتُها هو العمل المقرون بنيّة القربة، وعن الشهيد في القواعد: إنّ إطلاق اسم العبادة ينصرف إلى ذلك([371]). وعليه فالوقف والأضحية والعتق والصّدقة من العبادات المذكورة في باب المعاملات لمناسبات لوحظت في أنظار المؤلفين.

وجدي كاشف الغطاء رحمه الله  قسَّمَ الفقه في شرحه للقواعد إلى قسمين عبادات ومعاملات، فأراد بالمعاملات ما ليس بعبادة، ثمّ قال رحمه الله : و(جميع التعريفات مدخولة في طَرْدِها وعكسها إلاّ أنْ يلتزم بالاستطراد)([372]). ولعلّه  قدس سره  أشار إلى ما يشكل عليهم.

أولاً: عَدُّهم من قسم العبادات الأذان والاقامة، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مع أنّ النية ليست شرطاً في صحّتها، بداهةَ أنّ مجرّد فعلها يسقط العقاب. نعم النية وقصد القربة شرطٌ في استحقاق الثواب عليها، كما هو شأنُ سائر الواجبات التوصلية.

قال المرحوم الشيخ حسن في شَرْحِ مُقَدِّمَةِ كتابِ والده كشف الغطاء: (إنّ من العبادات ما لم يقرن بالنية، كالعقائد الأصولية والنية ومكارم الأخلاق كالحياء والسخاء والمروءة والتواضع ونظافة القلب من الحسد والحقد والسلام وزيارة الإخوان وإكرام الضيوف وقضاء الحوائج وصلة الأرحام وما يتعلّقُ بها والتختم بالعقيق واللّباس الأبيض والتحنُّك وجماع الأزواج فإنّها تصحُّ ويُثابُ عليها من دون نيّةٍ على الأظهر، كما يظهر ذلك من كثيرٍ من الأخبار وجملة من كلام الأخيار)([373]).

وثانياً: قد عدّوا البيع الضمني والمعاطاة من العقود والمعاملات، سواء كانت في البيوع والإجارات أو نحوهما، مع أنّها ليست فيها صيغة ولا عقد. نعم، لو فسّرناها بما اشتمل على رضى الطرفين كانت منها، أو قلنا إنّ الإنشاء فيها والقبول يكون بالعطاء والأخذ، كما يُقالُ في سكوتِ البنت في عَقْدِ النّكاح قبولٌ منها له.

ثالثاً: عدّوا العتق من الإيقاعات مع أنّه يشترط فيه القربة، والأولى
ما ذكره جدّي كاشف الغطاء رحمه الله  من أنه يلاحظ قصد المصنّفين، فإنّ الأمر يختلف بحسب أنظارهم، فقد يجعل المصنف في الفقه مباحث العقود أزيد من غيرها، والآخر يجعل مباحث الأحكام أقلّ من غيرها، ولم نرَ من المؤلفين مَن التزم بذلك على وجه الصحة. وقد ذُكِرَ لي أنّ بعض المتأخرين قَسّمَ الفقه إلى أبواب سبعة.

الأول: ما يتعلّق بعبادة الله، ويعتبر فيه قصد القربة، كالصلاة والصيام والحج ونحوها ويسمى بالعبادات.

الثاني: ما يتعلق بأفعال الناس وتعاملهم وخصوماتهم، ويسمى بالمعاملات.

الثالث: ما يتعلّق بالأسرة من نكاحٍ ونفقة وطلاقٍ ونسب ونحوها، ويسمى بالأحوال الشخصية في هذا العصر، وأما في السابق فيلحق بالمعاملات.

الرابع: ما يتعلّق بالحاكم في الرعية والحقوق والواجبات المتقابلة بينهما ويسمّى بالأحكام السلطانية، وقد يُسمَّى بالسياسة الشرعية.

الخامس: ما يتعلَّقُ بعقابِ المجرمين ويسمَّى بالعقوبات.

السادس: ما يتعلَّقُ بعلاقة الدّولة الإسلامية بالدّولِ الأخرى في حالِ السلم والحرب، ويسمّى بالسِيَر جمع (سيرة)، ويسمّى بالحقوق الدولية.

السابع: ما يتعلّقُ بالأخلاق ويسمّى بالآداب.

وجهُ تقديمِ بَعْضِ أبوابِ الفقه على بعض

ثمّ إنّهم بدأوا أوّلاً بالعبادات؛ لأنّها في الأحكام الأخروية، وهي أهمّ من الأحكام الدنيوية، بدليلِ أنّ المقصود للمشرّع من خلق الجنّ والأنس العبادة له تعالى([374])، ثمّ ثنّوا بالمعاملات والعقود لتوقُّفِ نظام النّوع الإنساني عليها وتدبير شؤونه بها، ثمّ ثلّثوا بالإيقاعات؛ لأنّه بالنسبة للمعاملات والعقود كالفروع بالنسبة للأصول، ألا ترى أنّ الطّلاق فَرْعُ النّكاح، والعتق فرعُ الملك الذي يرجع للابتياع، وإذا حازت هذه الأقسام الثلاثة بالسبق بالوضع فلا بدّ أنْ يؤخّر مبحث القسم الرابع، وهو الأحكامُ والسياسات عنها.

ولأنها إمّا أحكام مرتبطة بالأموات كالفرائض، والموت مَرْتَبَةٌ متأخّرة عن الحياة طبعاً، أو أحكام للجناة كالدّيات والقصاص والحدود، والجناية توجب تأخر المجني ضِعَةً ومنزلةً، أو إنّها لازمةٌ للعقود والإيقاعات معاً، كالقَضَاء والشهادات، واللازم متأخر عن الملزوم طبعاً، فأخّروا ذلك وضعاً ليطابق الوضع الطبع.

ثم في العباداتِ قدّموا الصَّلاةَ؛ لأنّها أفضلها وأكثرُ تكراراً من غيرها من العبادات، وقدّموا الطّهارة لكونها شرطاً فيها، والشَّرطُ مقدَّم على المشروط، وكان حقَّاً أنْ تجعل باباً من أبواب الصّلاة، كسائر شروطِ الصّلاة، كما فعل الشهيدُ رحمه الله  في (الذكرى)([375])، وجدُّنا الشيخ هادي رحمه الله  في رسالته (هُدَى المتقين)([376]).

لكن لما كانت مسائل الطهارة كثيرة متشعبة أفردوا لها كتاباً خاصاً، وقدّموا مبحث الوضوء فيها؛ لعموم البلوى به، وتكرّره في كلِّ يومٍ، بخلاف الغسل والتيمم، وقدّموا الغسل على التيمم؛ لأنّ التيمم واقع ثانوي له، فهو لا يكون إلاّ بعد تعذّره أو تعذر الوضوء، وقدّموا ذلك كله على إزالة النجاسات؛ لأنّها تابعةٌ للطهارة في الحكم الشرعي؛ إذ إزالة النجاسة لا تجبُ إلا إذا وَجَبَتْ الطَّهارة عن الحَدَث، ثم أتوا بالزكاة بعد الصلاة؛ لاقترانها بها في الكتاب الكريم في عِدَّةِ مَواطِن، وذكروا الخمس بعد الزكاة؛ لأنّه حَقٌّ ماليّ قد جُعِلَ في مقابلها لفقراء السّادات وللإمام، ثمَّ ذكروا الصّوم بعد ذلك؛ لأنّه يتكرّر في كُلِّ سنة كالزّكاةِ، ثمّ الحج؛ لأنّه لا يتكرر وجوبه، وإنما يجب في العمر مرة، وأخّروا الجهاد؛ لأنّ وجوبه غير منوط بالفرد، بل هو مرتبطٌ بالجماعة ووليّ المسلمين، وعلى هذه فقس ما سواها.

 

الرأسُ الثامنُ

في أنحاء التّعليم في عِلْمِ الفقه

(التقسيم - والتّحليلِ - والتَّحديد - والبُرهان)

الرأسُ الثامن من الرؤوس الثمانية لعلم الفقه، هو أنحاءُ التعليم لعلم الفقه وطرقه، وهي أربعة: التقسيمُ والتّحليلُ والتَّحديدُ والبُرهان، فإنَّ المتقدّمين قد جعلوا الرأسَ الثامن من الرّؤوسِ الثمانية التي تبيّن في صَدْرِ كُلِّ عِلْمٍ هو أنحاءُ التعليم له، أي: الطُرُقُ الموصِلَةُ لتحصيل مطالبه ومسائلِهِ وهيَ أرْبَعَةٌ، وإليكَ بيانها.

النحو الأوّل من أنحاءِ التّعليم (التقسيم في علم الفقه)

الأوّل: التقسيم، وهو بيانُ كيفيّةِ تحصيلِ الدّليلِ، وصنعه لتحصيل المطلوب منه، فإنّه كثيراً ما يَعْسُرُ معرفةُ الدّليل على المسألة ثبوتاً أو نفياً، فذكر القدماء كيفية صنع الدليل على مطالب ذلك العلم لتحصيلها إيجاباً أو سلباً في صدر كتبهم.

كيفية تحصيل الدليل على المسألة

ويُسمَّى هذا النّحوُ من التّعليم لمعرِفَةِ الدليل على مسائل العلم بالتقسيم؛ لأنّه فيه تحصيلُ المقدّمات، وتقسيمُها حتّى يُرتّبها ترتيباً يؤدّي للمطلوب، ويسمّي المنطقيّون هذا النحو من التعليم بتركيبِ القياس، باعتبار أنّ القياس هو الدليل عندهم، وبالتقسيم المذكور يتركَّب القياس الموصِلُ للمَطْلوب.

متى نحتاج التقسيم

ثمّ إنّا إنّما نحتاجُ إلى هذا الأمر، أعني: التقسيم في العلوم بالنسبة للمسائل المستحدثة فيها، أو المسائل الّتي لم يَقُمْ أربابُ العلوم الدّليل المقنع عليها إيجابا أو سلباً، وأمّا المسائل التي أقيم الدّليلُ الواضحُ عليها في العلم فلا نحتاجُ للتقسيم فيها، فمثلاً في علم الفقه لا نحتاج إلى التقسيم في مسألة طهارة الكرّ من الماء لإقامةِ الفُقهاء الدّليل على ذلك مفصّلاً عند التعرُّض لها، نَعَمْ نحتاجُ إليهِ في حلق اللحية أو في المسائل المستحدثة كالسبرتو، واليانَصِيب والمعاملاتِ المصرفيّة، وهكذا باقي العلوم.

فائدة التقسيم

والحاصل: إنّ بيانَ التقسيم في أوائل العلوم أو في صدر كُتبها إنّما ينفَعُنا في مسائلها غيرُ المحرّرة أو مسائلها المحرّرة، لكنْ لم تحصل القناعة من دليلها عليها، وأمّا مسائلُها المستدلّ عليها فيها بدليلٍ مقنعٍ، فلا نحتاج له إذا عرفت ذلك.

التقسيمُ في علم الفقه على طريقة المنطقييـن

فنقول: إنّ التقسيم في علمِ الفقه على طريقة المنطقيين هو أنّ الطالب للمسألة يشخّصُ الواقعة بخصوصياتها، ثمّ ينظر هل ينطبق عليها عنوانٌ من العناوين الواجبة أو المحرمة أو المستحبة أو المكروهة أو المباحة إذا كان بحثُه عن حكمها التكليفي، وأمّا إذا كانَ بحثُهُ عن حُكْمِها الوَضعيّ فيبْحَث عن انطباقِ أيِّ موضوعٍ من مواضيع الأحكام الوضعية عليها، فإنْ وجد ذلك فهو، وصار عنده شكل أول صُغراه مَوضُوعُها نفسُ الشَّيء المبحوثِ عنه، ومحمولُها نفس العنوان المنطبق عليه، وكُبراهُ مَوضُوعُها نفسُ العُنوانِ المنطَبقِ عليه، ومحمُولُها هو الحُكْمُ الثابت لهذا العنوان، وهو يُنتجُ النتيجَةَ المطلوبةَ من ثُبوتِ حُكْمِ العنوان للشّيء المبحوث عنه، وكأنّه يقول: المعاطاة بيع، وكلّ بيع يجب الوفاء به، فالمعاطاة يجب الوفاء بها.

وإذا رَأى أنّ هناكَ عُنواناً يَحْمِلُ على تلكِ الواقعة، وذلك العُنوان يَسْلُبُ عنه الحكم التكليفي أو الوضعيّ صارَ عندَه شكلٌ ثانٍ يثبت مطلوبه، كأنْ يقال: هذا أمرٌ اعتبر في خارجِ المعاملة، ولا شيءَ من الشروط بمعتَبَرٍ خارج المعاملة، فهذا ليس بشرطٍ، أو يُقال: هذا لازمُ إتيانِهِ ولا شيءَ من المحرّم بلازم إتيانه، فهذا ليس بمحرّم، وهكذا الحالُ يقال في باقي الإشكال، هذا على طريقة أهل المنطق.

التقسيم على طريقة أهل الفقه

وأمّا على طريقةِ الفقهاء فنقول: بَعْدَ أنْ تُعيَّنَ الواقعة والمسألة، وينظر
هل هناك نَصٌّ صَريحٌ من الكتاب المجيد أو الحديث المعتبر أو دليلِ عقلٍ
قطعيّ على حكمها أو إجماع كاشف عن رأي المعصوم فيها أو سيرةٍ من المسلمين أو المتدينين على حكمها، مع عدم رَدْعِ المعصوم عنها، فإنْ لم
يجد فيفحص عن ظهور آية كريمة أو رواية معتبرة تدلّ على حُكْمِها ولو بنَحْو العُمومِ أو الإطلاق أو التعليل أو المفهوم، فإذا ظفر بذلك عَمَلَ به بعد تفحّصه عن عدمِ الموهن له، كالناسخ أو المخصّص أو المقيّد أو المعارض، أو خروجِ الأكثر، فإنْ وجده أخذ بمقتضاه وإنْ لم يَجِدْ الدّليل على حُكْمها ممّا ذكرناه، رجع للأصول الشّرعية وإلاّ رجع للأصول العقلية، وإنْ شئتَ زيادةَ توضيح فانظر ما ذكرناه في المعاملات المصرفية والتأمين على الحياة في مجمع البحوث الإسلامية ونحوها.

والحاصل: انه ينبغي أنْ يذكر في صَدْرِ كُتُبِ الفقه كيفيّة الاستدلال على مسائله، ولعلّ من ذكر في صدر مهمّات علمِ الأصول مقصودة معرفة كيفيّة الاستدلال للقارئ على مسائلِهِ المستحْدَثة أو لمسائله المشكلة، فيكونُ قد ذُكِرَ النَّحوُ الأوّلُ من أنحاء التعليم وهو التقسيم.

النّحوُ الثاني من أنحاء التعليم (التحليلُ في علم الفقه)

النّحُو الثاني من أنحاء التعليم: هو التحليل، ويَعنونَ بهِ بيانُ كيفيّة إصلاح الدليل على المسألة، فإنّه كثيراً ما يُذكَر لمسألة العلم دليلٌ منتج للمطلب، لكن لا على هيئاتِ الأقيسة المنطقية، أو ليس على كيفيّات أدلّة ذلك العلم؛ لتسامح المؤلّف؛ أو لاعتماده على وضوحِ رجوعِ الدّليل للبرهان المنتج، أو رجوعه للدليل المعتبر في ذلك العلم.

طريقَةُ التَّحليل على المنطقييـن

والتحليلُ على طريقَةِ المنطقيين، هو أنْ تأخُذ المسألة المقام عليها الدليل، وتنظرُ إلى الدّليلِ الذي ذكر عليها، فإنْ كانَ فيهِ مقدّمات تشارك المسألة بكلا جزئيها فالقياس استثنائي؛ لما تقرَّر في محلِّهِ من أنّ النتيجة إذا كانت مذكورة في القياس بمادّتها وهيئتها فهو استثنائي، وإنْ كان فيه مقدمة تشارك المسألة بأحد جزأيها فالقياس اقتراني، وإذا أردتَ معرفة أنّه من أيّ أقسام الاقتراني فانظر إلى ذلك الجُزء المشترك، فإنْ كانَ محكوماً عليه في المسألة المطلوبة فتلكَ القضيّة المذكورة في الدليلِ المشتملة على ذلك الجزء تكونُ صغرى، وإنْ كان محكوماً به فهي كبرى.

ثمّ ضمّ الجزء الآخر من المسألة المطلوبة إلى الجزء الآخر من تلك القضية، فإنْ تألّفا على شكلٍ من الأشكال الأربعة، بأنْ كان ما انضمّ إلى جزئي المسألة هو الحدّ الأوسط؛ لتكرّره في القياس كانَ الدليلُ المنتج لها من الشكل الأول إذا كان المتكرّر المذكور محمولاً في الصغرى وموضوعاً في الكبرى، وأمّا إذا كان محمولاً في كليهما فهو الثاني، أو موضوعاً في كليهما فهو الثالث، أو موضوعاً في الصغرى ومحمولاً في الكبرى فهو الرابع.

كما لو قلنا: النبيذُ حَرامٌ لأنّه مُسْكِرٌ فإنّه نضُم النبيذ إلى المسكر، فنقول:
كلُّ نبيذ مسكر، ثمّ نضمّ المسكر إلى الحرام، فنقول: وكلُّ مُسكرٍ حرام،
 فصار الدليلُ المذكور شكلاً أولاً ويصيرُ شكلاً أولاً، ويصير شكلاً بسيطاً
إذا كانت الصغرى والكبرى من القضايا البديهية، وأمّا إذا كانت نظرية غير مسلّمة احتاجَ القياسُ إلى القياس الآخر يثبتها، فإنْ كانَ ذلك القياس الآخر مقدّماته أيضاً غيرُ مسلّمة احتاجَ إلى قياسٍ آخر إلى أنْ يصلَ الأمرُ إلى قياس بديهيٍّ مُسلّم، ويسمّى القياسُ المحتاجُ إلى الأقيسة بالقياس المركّب، وأمّا إذا لم يصل الأمر إلى ذلك، فالدليلُ يكونُ فاسداً مردوداً، هذا على طريقة أهل المنطق.

القياس المركب عند المنطقييـن

هذا ولتكن على خبرةٍ من أنّ القياس المركّب يرجعه المنطقيون إلى أقيسة متعدّدة، سيقت لبيانِ مطلوب واحد، إلا أنّ القياس المبيّن للمطلوبِ بالذّات منها ليس إلاّ واحداً.

الأقيسة المفصولة والموصولة

وبَقيّةُ الأقيسةِ التي تألَّفَتْ لبيانِ مُقدِّماتِ ذلك القياس تسمّى مفصولة إذا صرّح فيها بنتائجها، وموصولة إذا لم يصرّح، وأحياناً قد تُحذَفُ بَعْضُ مقدّمات القياس اعتماداً على وُضُوحِها ويسمَّى بالقياسِ المضمر.

القياس المُضمر

وطالما نحتاجُ هذا النحوَ من التعليم المسمّى بالتحليل في بعضِ أدلّة المسائلِ الفقهية، حيث إنّها في الغالب تكونُ ناقصةً فلا بدَّ من البحث عن إتمامها ليصحَّ الاستنتاج منها، كأنْ يقول الفقيه: إنّ الحكم كذا للخبر الفلانيّ، فلا بُدّ لمن يرى حُجّية الخبر الواحد إذا كانَ صحيحاً أنْ يبحث عن سندِ الخبر، فإنْ وجده صحيحاً صَحَّتْ الاستفادةُ منه، وإلاّ فلا.

التحليلُ على طريقة الفقهاء

وأمّا التحليلُ على طريقة الفقهاء، فهو أنْ يرجع الدليلُ المذكورُ فيها
إلى أحد الأدلّة الأربعة، وهي الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، وإنْ لم يرجع إليها أرجع إلى الأصول العملية المعتبرة، وإلاّ فيُطرح، فلو استدلّ على المسألة بالسيرة فهي ترجعُ لتقريرِ المعصوم الذي هو من السنّة، ولو تمسَّكَ بالخبر أرجع للسنّة المعتبرة، وإلاّ فيطرح، ولو تمسّك بالأصل أرجع للأصل المعتبر،
وإلا فيطرح، وطالما أرجعنا بعض الأدلة الفقهية إلى أقيسة منطقيةٍ خصوصاً ما إذا كان الدليلُ يرجع للتمسُّك بقاعدةٍ كليّة أو بالعقل عليها، فإنّ التفكير العقلي الاستنتاجي لا محالة يرجع الى الأقيسة المنطقية، وإلا لكان عقيماً غير منتج
 بل حتَّى النقلي يرجع إليها.

وهذا النّحوُ من أنحاءِ التعلُّم لم يذكره الفُقهاء في صَدْرِ كُتُبهم اعتماداً على علم الأصول، فإنّه بمعرفته يعرف ذلك، وبعضهم يذكره لمباحث الأصول في صدر كتابه يعلم منه ذلك.

النحو الثالث من أنحاء التعليم (التحديد في علم الفقه)

النّحو الثالث من أنحاء التعليم: هو التحديدُ، وهو بيانُ كيفيّة صُنْعِ التّعريف، فإنّ الكثيرَ من موضوعاتِ مسائل العلم أو محمولاتها وما يتعلَّقُ بها تكونُ غير بديهيّة التصوُّر تحتاجُ إلى التّعريف، فيذكرونَ في صَدْرِ الكتُب كيفيّةَ صُنْعِ التَّعريفِ للأمور المستعمَلة فيه غير البديهية؛ ليسهل على أرباب العلم
تعريفها.

كيفية اقتناص العلم

قال شارح المطالع([377]): (إعلم أنّ اقتناص العلم بأجناس الماهيّات المتحقّقة وفصولها وعرضياتها في غاية الصعوبة، وأمّا بالقياس إلى المعاني المعقولة الوضعية فسهلٌ؛ لأنّا إذا تعقّلْنا معاني ووضعنا لجملتها أسماء كان القدر المشترك منها جنساً، والقدر المميّز فصلاً، والخارج عنها عرضاً) انتهى.

الطريق لمعرفة تعريف الشيء

وكيفَ كان، فإذا أردتَ تعريفَ شيءٍ فلابُدّ أنْ تَضَعَ ذلكَ الشيء، وتَطْلُبُ جميعَ ما هو أعمّ منه مما هو يحمل عليه بواسطةٍ أو بغيرها، وتطلب جميع ما هو مساوٍ له مما هو يحمل عليه بالواسطة أو بغيرها، وتميّز الذاتي منها عن العرضيات بأن تعدّ ما هو بيّن الثبوت له، وما يلزم من مجرّد ارتفاعه ارتفاعَ نَفْسِ الماهيّة ذاتياً، وما ليس كذلك عرضياً، أو غير ذلك من مميّزات الذاتيات عن العَرَضيّات، وقد ذكرناها في كتابنا نَقْدُ الآراء المنطقية([378])، وعند ذا تعرف جنسه وهو الأعمّ الذاتي وتَعْرِفُ فصله، وهو المساوي الذّاتي، وتعرفُ عرضه العام، وهو الأعمّ العارض وتَعْرِفُ خاصَّتَهُ وهو المساوي العارض، فتركّب أيّ قسمٍ شئتَ من أقسام المعرِّف، وتلاحِظُ الشَّرائِطَ المعتَبرةَ فيهِ المذكورة في باب المعرِّف.

ثمّ إنّ أرباب العلم قد ذَكَرُوا غالباً تعريفَ كُلِّ ما أُخِذَ في المسألة من
 الأمور النظرية عند التعرُّض لها، وإنّما نحتاجُ إلى التحديد في ما لو أخذ في المسألة من الأمور غير الواضحة، ولم يعرّفوها أو عرّفوها، ولكن لم تَحْصَلْ القناعة بصحة تعريفهم فذِكْرُ التَّحديد في صَدْرِ الكُتُبِ إنّما يَنْفَعُ في مثل ذلك، هذا.

ولكنَّ بعض الفقهاء اكتفوا في مقام التعريف بالترجمة والتفسير اللفظي، وإنّه هو الذي يحتاج إليه في قراءة العلوم المدوّنة والكتب المقرّرة، وإنّ جميع تعاريف العلوم كذلك، فلا يَحتاجُ إتعابُ النَّفْسِ بما ذكر، فالتعريف اللفظي هو الذي يستخدم في العلوم.

دعوى صاحب الكفاية أنّ التعاريف لفظية والردّ عليه

وقد استراحَ صاحُب الكفاية رحمه الله  وغيره فلم يُتْعِبْ نفسَهُ في التعاريف، وادّعى إنّها لفظية(1).

ولكنّ ذلك لا وجه له، فإنّ التعاريف في العلوم لو كان المقصود بها ذلك لما أوْرَدَ بعضُهم على بعضٍ بعَدَمِ الاطّراد، وبعَدَمِ الانعكاسِ، والعُدول إلى تعريف آخر، وأمّا في علمِ الفقه، فالحاجَةُ إلى التّعريف واضحةٌ؛ لأنَّ موضوعاتِ مسائله يَلْزَمُ تشخيصُها ليعرف سَعَةَ أحكامها وضيقها، ولذا ترى الفقهاء أتْعَبُوا أنفسهم في تعريفِ الغِناء ونحوه، وقد استثنى الفقهاء والنحويون ونحوهم عن ذكر كيفية التعريف للموضوعات مسائل الفقه ومحمولاته بتعريفهم لها في كلِّ مسألةٍ من مسائله.

النحو الرابع من أنحاء التعليم (البرهان وهو الطريق إلـى الوقوف على الحق في علم الفقه)

النّحو الرابع من أنحاء التعليم: هو البُرهان، ويعنون به بيانُ كيفيّة الطّريق إلى الوقوفِ على الحقّ في مسائلِ العِلْمِ، وذلك بأنْ يؤخذ دليلُها مع ملاحَظَةِ شرائط الصحّة فيه من الضّروريات الستّ: الأوليات، والمشاهدات، والفطريات، والحدسيات، والمتواترات، والتجريبات، أو ما يحصل منها بقياسٍ صحيح، ولا يعتمد في معرفة مسائل العلم بأخذ المشهورات والمسلّمات أو المشتبهات في دليلها، فإنّه طالما وقع العلماء في الخطأ بواسطة عدم تفحُّصِهِم عن الضّروريات وحُسنِ ظنهم بالمسموعات.

كيفية الوصول إلـى الحق في العقليات

فمَنْ أرادَ الوصولَ إلى الحقّ أنْ يُخلي نفسه عن ذلك، ويجرّد نفسه عن التعصُّب وحبّ الغَلَبَة، ليَحْظَى بنعيمِ اليقين ويظفر بالحق المبين، هذا في العلوم العقلية.

كيفية الوصول إلـى الحق في النقليات

وأمّا العلومُ النقلية، كالفقه والنحو، فللظفر بالواقع والوصول إلى الحقّ فيه عليه أنْ يعتمد على الأدلّة النقلية الصحيحة، ويبالِغُ في الفَحْصِ عن الحقيقة، ويُصفّي نفسَهُ عن شوائب الأوهام، ويحيطُ بالأدلّة المرتبطة بالمقام، بعد أنْ يُحْرِزَ في نفسه القدرة الكافية والملكة الوافية لا سيّما في العلوم الشرعية، فإنّه لا بُدَّ من التمسُّكِ في معرفتها بالسَّبَبِ الأقوى، والعُروَةِ الوثقى، حتَّى يكونَ حُكْمُهُ هو الواقع والأحرى.

التوسُّلُ بالله في انكشاف الواقع

وعليه التوسُّلُ باللهِ والدُّعاء من اللهِ لانكشافِ الواقع له، فإنّه  عجل الله فرجه الشريف  أفضل مَنْ دُعي وأحْسَنَ مَنْ أجابَ، وطالما عَسُرَتْ عَليّ بعضُ الموضوعاتِ فكُنْتُ آخذ الكتاب وأذْهَبُ للحَرَم المقدَّس مُستجيراً بمولايَ أميرِ المؤمنين  عليه السلام  لفهم المسألة وحلِّ مُشكلها، فأظفُر بما أريد، وللهِ الحَمْدُ والشُّكْر.

 

المطلب الحادي عشر

بيانُُ شرف العلم عموماً، وفضيلته كُلّيّةً،
وبيانُ شرف علم الفقه بالخصوص

من الأمور التي تذكر قبل الشروع في العلم بيانُ شرفه، وجلالة قدره، وعظيم منزلته، وعلوّ درجته، ورفعة مقامه؛ ليعرف قدره ويطّلع على فضيلته ويوفّى حقه من الجد في تحصيله والاعتناء باكتسابه والرغبة في اقتنائه.

وقد عرفت أنَّ أشرفية العلم إنّما تكونُ بموضوعه أو بمعلوماته أو بغاياته وفوائده أو بواضعه.

وقبل الخوض في ذلك نذكر ما يَدُلُّ على شرف العلم في حَدِّ ذاته.

 

ما يدلُّ على شرف العلم في حدّ ذاته

فنقولُ: إنّ فضيلة العلم وعلوّ منزلته أمرٌ لا يقبل الشكّ والريب، غير أنّا نذكر على سبيل التنبيه ما يدلُّ عليه من جهةِ العقل والنقل، كتاباً وسنّة، مقتصرين في ذلك على ما يَحْصَلُ بهِ الغَرَضُ المقصود، فإنَّ استيفاء المقام لا تفي بحقِّهِ الأبحر والأقلام، فنقولُ: قد استدلوا عقلاً على ذلك.

الدليلُ العقليّ على شَرَفِ العلم

أوّلاً: إنّ المعقولات تنقسم إلى: جامدة ونامية، ولا ريب أنّ النامي أشرف، ثمّ النامي إلى: حَسّاس وغيره، ولاشكّ أنّ الحسّاس أشرف، ثمّ الحسّاس ينقسم إلى: عاقل وغير عاقل، ولا ريب أنّ العاقل أشرف، ثمّ العاقلُ ينقسم إلى: عالم وجاهل، ولا شَكَّ أنّ العالم أشرف، فالعالم أشرف المعقولات.

وثانياً: ما نُقِل عن بعض المحققين: (إنَّ الأمور على أربعةِ أقسامٍ: قِسْمٌ يرضاه العقل ولا ترضاه الشهوة، وقسمٌ ترضاه الشهوة ولا يرضاه العقل، وقسمٌ يرضاه العقل والشهوة معاً، وقسم لا يرضاه العقل ولا ترضاه الشهوة.

أما الأول: فهو بعضُ الأمراض والمكاره التي تنفع في الدنيا، وأمّا الثاني: فهو المعاصي أجمع، وأمّا الثالث: فهو العلم، وأما الرّابُع: فهو الجهل)(1)، ولا ريبَ أنَّ ما يرضاه العقل والشهوة هو أفضل من غيره.

وثالثاً: ابتهاجُ النفس به وفرحها به وحُبّ استطلاعها لما جهلته تفحُّصاً عمّا فقدته، فهي طالبةٌ له بصَرْفِ طباعها وناشِدةٌ له بجوهر ذاتها.

دلالةُ الكتاب على شرف العلم

وأمّا دِلاَلةُ الكتاب على ذلك فهي آياتٌ بيّناتٌ، ونكتفي منها بما في
المعالم.

الأولى: قوله تعالى في سورة العلق، وهي أوّلُ ما أنزل على نبيّنا  صلى الله عليه واله وسلم  في قول أكثر المفسرين: [اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 6 خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ6 اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ6 الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ6 عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ]([379])، حيثُ افتتح كلامَه المجيد بذكر نعمة الإيجاد وأتبعه بذكر نعمة العلم، فلو كانَ بَعْدَ نِعْمَةِ الإيجاد نعمةٌ أعلى من العلم لكانت أجدر بالذكر.([380])

وقد قيل في وجهِ التناسُبِ بين الآي المذكورة في صدر هذه السّورة المشتمل بعضُها على خلقِ الإنسان من عَلَق، وبعضُها على تعليم ما لم يعلم أنّه
 تعالى ذكر أوّل حال الإنسان - أعني: كونه علقةً، وهي بمكان من الخساسة- وآخر حالةٍ وهي صيرورته عالماً، وذلك كمالُ الرّفعة والجلال، فكأنه
سبحانه قال: كنتَ في أوّلِ أمركَ في تلك المنزلة الدّنية الخسيسة، ثمّ صرتَ في آخره إلى هذه الدّرجة الشريفة النفيسة. وفي مُنية المريد إنّ هذا (إنّما يتمّ لو
 كان العلم أشرف المراتب؛ إذ لو كان غيره أشرف منه لكان ذكر ذلك الشيء في هذا المقام أولى وأجدر)([381]).

الثانية: قوله تعالى في سورة الطلاق: [اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِن الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا]([382])، فإنّه سبحانه جَعَلَ العِلْمَ عِلّةً لخلقِ العالم العلوي والسفلي طُراً، وكفى بذلك جلالة وفخراً.

الثالثة: قوله سبحانه في سورة البقرة: [وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتيَ خَيْرًا كَثِيرًا]([383]) فُسِّرَت الحكمة بما يرجع إلى العلم.

أقول: وقد فُسِّرتْ بالفهم والعقل، كما فُسِّرَتْ بذلك في الرّواية في قوله تعالى: [وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ]([384])، وقد فُسِّرَت بالقرآنِ والفقه كما هو المروي عن أبي عبد الله  عليه السلام .

الرابعة: قوله تعالى في سورة الزمر: [هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ]([385]).

الخامسة: قوله تعالى في سورة فاطر: [إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ]([386])، أقول: وعن مجمع البيان (عن الصادق  عليه السلام  إنّه قال: يعني بالعلماء من صَدَّقَ قولَه فعلُه، ومَنْ لم يصدّق فعلُه قولَه فليس بعالم)([387]).

السادسة: قوله تعالى في سورة المجادلة: [يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا
الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ]([388]).

دلالة السنة على شرف العلم

وأمّا السنة فهي في ذلك كثيرة لا تكاد تحصى.

منها: الحسن أو الموثّق الذي لا يقتصر عن الصحيح في الكافي([389])، وعن أمالي الصّدوق([390])، وعن ثواب الأعمال([391])، وفي بصائر الدرجات([392]):

عن أبي عبد الله  عليه السلام  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم : (من سَلَكَ طريقاً يَطْلُبُ فيه عِلْماً سَلَكَ اللهُ بهِ طريقاً إلى الجنّة، وإنّ الملائكة لتَضَعُ أجنحتها لطالب العلم رضىً به، وإنّه ليستغفر لطالب العلم من في السموات والأرض حتّى الحوتُ في البحر، وفَضْلُ العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر، وإنّ العلماء ورثة الأنبياء، وإنّ الأنبياء لم يورّثوا ديناراً ولا درهما ولكن وَرَّثوا العلم فمن أخذ منه أخذ بحظ وافر).

وقد روى هذا الحديثَ الشهيدُ الثاني رحمه الله  في المنية عن كُثير بن قيس قال كُثير بن قيس: (كنتُ جالساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فأتاه رجلٌ فقال: يا أبا الدرداء إنّي أتيتك من المدينة مدينة الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  لحديثٍ بلغني عنك أنّكَ تحدّثُه عن رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  قال: فما جاء بك تجارة؟ قال: لا، فقال: ولا جاء بك غيره؟ قال: لا، ثمّ قال: سمعتُ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  يقول: مَنْ سلك طريقاً)([393]) الحديث، ثمّ إنّ الشهيد رحمه الله  بعد أنْ ذَكَرَ الحديثَ المذكور قال:

(وأسندَ بعضُ العلماء إلى أبي يحيى بن زكريا بن يحيى الساجي([394]) أنّه قال: كنّا نمشي في أزقّة البصرة إلى بابِ بعض المحدّثين فأسرعنا في المشي وكان معنا رَجُلٌ ماجن فقال: ارفعوا أرجلكم عن أجنحة الملائكة كالمستهزئ، فما زال عن مكانه حتى جفَّتْ رجلاه)([395]).

(وأسند أيضاً إلى أبي داود السجستاني([396]) أنّه قال: كان في أصحاب الحديث رجلٌ خليع إلى أنْ سمع بحديث النبي  صلى الله عليه واله وسلم  أنّ الملائكة لتضعُ أجنحتها لطالب العلم فَجَعَلَ في رجليه مسمارين من حديد وقال: أريدُ أنْ أطأ أجنحة الملائكة، فأصابته الآكلة في رجليه، وذَكَرَ أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل التميمي هذه الحكاية في شرح مسلم وقال: فشُلَّتْ رجلاه وسائر أعضائه)([397]).

ومنها: ما في أمالي الصدوق: (عن الأصبغ بن نباته قال: قال أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب  عليه السلام : تعلّموا العلم فإنّ تعلّمَهُ حسنة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه من لا يعلم صدقة، وهو عند الله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام، وسالكٌ بطالبيه سبيل الجنة، وهو أنيسٌ في الوحشة وصاحِبٌ في الوحدة وسلاح على الأعداء وزَيْنُ الأخِلاّء، يرفع اللهُ به أقواماً يجعلهم في الخير أئمّة يقتدى بهم، ترمق أعمالهم وتقتبس آثارهم وترغب الملائكة في خلّتهم، يمسحونهم بأجنحتهم في صلاتهم؛ لأنّ العلم حياةُ القلوب من الجهل، ونور الابصار من العمى، وقوة الأبدان من الضعف، ينزل الله حامله منازل الأبرار، ويمنحه مجالسة الأخيار في الدنيا والآخرة، بالعلم يطاع الله ويعبد، وبالعلم يعرف الله ويوحّد، وبالعلم توصل الأرحام، وبه يعرف الحلال والحرام، والعلم إمام العقل، والعقل تابعه يلهمه السعداء ويحرمه الاشقياء)([398]).

وروي عن الخصال إلا أنّ فيه مكان (عند الله لأهله) (بذله لأهله)([399]).

وفي أمالي الشيخ عن الرضا  عليه السلام  ما يقرب منه([400]).

ومنها: ما في الكافي([401]) وبصائر الدرجات([402]) عن أبي عبد الله  عليه السلام  قال: قال رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  (طَلَبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مُسْلِمٍ ومُسْلِمةٍ، ألا إنّ اللهَ يُحِبُّ بُغَاةَ العلم).

أقول: لقد تواتَرَ عن طُرُقِ الخاصَّةِ والعامّة قولُ رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم : (طَلَبُ العلم فريضة على كُلِّ مسلمٍ ومسلمة)([403]).

والبُغاةُ جمع: بَاغٍ، أي: طالب.

ما استدل به على نفي التكليف بالفروع للكفار

وقد يستدلُّ بهذا الحديث على نفي التكليف بالفروع للكفار، وإلاّ لكانَ طَلَبُ العلم فريضةٌ عليهم ولا يختصُّ بالمسلم والمسلمة.

وجوابه: إنّ هذا يتمّ لو قلنا بأنّ للّقب مفهوماً بأنْ يدلّ على الانتفاء عند الانتفاء.

هذا وبعضُهم فَسَّرَ العلم بعلمِ الحال، أي: العلم المحتاج إليه في الحال، ولعلّه نزّله على ما قيل: أفضلُ العلم علمُ الحال، وأفْضَلُ العَمَل حِفظُ المال، وعليه فتكون (أل) للعهد الحضوري، ولعلّه إليه يرجع تفسير الشهيد الثاني رحمه الله  بالعلم الذي هو فرض عين.

ومنها: ما في الكافي عن أمير المؤمنين  عليه السلام  أنه يقول: (أيّها الناس اعلموا أنّ كمالُ الدّينِ طَلَبُ العلم، والعمل به، ألا وإنَّ طَلَبَ العلمِ أوجبُ عليكُم من طلب المال، إنّ المال مقسومٌ مضمونٌ لكم قد قسَّمَهُ عادِلٌ بينكم وضَمِنه، سيبقي لكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمِرتم بطلبه من أهله فاطلبوه)([404]).

ومنها: ما في الكافي عن عليِّ بن الحسين  عليه السلام  قال: (لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج وخوض اللجج، إنّ اللهَ تبارك وتعالى أوحى إلى دانيال إنّ أمْقَتَ عبيدي إليّ الجاهلُ المستَخِفُّ بحقِّ أهلِ العلم، التّارك للاقتداء بهم، وإنّ أحَبَّ عبيدي إليّ التقيّ الطالب للثواب الجزيل، اللازم للعلماء التابع للحكماء القابل من الحكماء)([405]).

أقول: هذا ودانيال  عليه السلام  هو صاحب الاستخارة المنقولة عن خط الشهيد رحمه الله  في كشكول البهائي وغيره، وقد جربتها ووجدت فيها الصحة عند إخلاص النية، فقد روي عنه أنّه قال: (إذا أرادَ أحدٌ أنْ يعلم حاجته تُقضى أم لا فليُضْمِرْ حاجته وليقبض على شيءٍ من الحَبّ، ويأخذ ثمان ثمان، فإنْ بقي في يده واحدة، فالحاجة مقضية، وإنْ بقي اثنان فغير مقضية، وإنْ بقي ثلاثة فغير مقضية، وإنْ بقي أربع فغير مقضية، وإنْ بقي خمسٌ تقضى سريعاً، وإنْ بقي ستٌ تقضى، وإنْ بقي سبعٌ تقضى حسناً، وإنْ بقي ثمان فلا تتعرض لها بوجه).

ومنها: ما في الكافي في الصحيح عن أبي جعفر  عليه السلام  قال: (عالِمٌ يُنْتَفَعُ بعِلْمِهِ أفْضَلُ من سبعين ألفَ عابد)([406]).

ومنها: ما في مَنْ لا يَحْضُره الفقيه بسنده إلى أبي عبد الله  عليه السلام  قال: (إذا كان يوم القيامة جمع اللهُ  عجل الله فرجه الشريف  الناس في صعيدٍ واحد ووُضِعَتْ الموازين، فتُوزَنُ دماءُ الشُّهداء مع مِداد العُلماء فيرجحُ مِداد العلماء على دِماءِ الشهداء)([407]).

ومنها: ما عن تفسير عليّ بن إبراهيم([408]) قال النبي  صلى الله عليه واله وسلم : إذا مات المؤمن انقطَعَ عملُهُ إلاّ من ثلاثٍ صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له)، وقد روى بهذا المعنى عن النبي  صلى الله عليه واله وسلم  بطرق ثلاثة ابنُ عبد البر.

ومنها: ما في الكافي: (عن معاوية بن عمّار([409]) قال: قلتُ لأبي عبد الله  عليه السلام  رَجُلٌ راوية لحديثكم يَبُثُّ ذلك في الناس ويُشدِّدُه في قلوبهم وقلوبِ شيعتكم، ولعلّ عابداً من شيعَتِكُمْ لَيْسَتْ له هذِهِ الرّواية، أيُّهُما أفضل؟ قال: الرواي لحديثنا يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد)([410]).

ومنها: ما روي عن أمير المؤمنين  عليه السلام : (إنّما مثل العالم كمثل النخلة تنتظرها حتّى يسقط منها عليك شيءٌ، والعالم أعظم أجراً من الصّائم القائم الغازي في سبيل الله، وإذا ماتَ العالِمُ ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدّها شيءٌ إلى يوم القيامة)([411]).

ومنها: ما في نهج البلاغة ورواه الصدوق رحمه الله  بسنده إلى كميل بن زياد النخعي([412])- قال ابنُ عبد البر الأندلسي المتوفى سنة (463هـ) وهو حديث مشهور عند أهل العلم يستغني عن الاسناد لشهرته عندهم([413])- قال: كنت مع أمير المؤمنين  عليه السلام  في مسجد الكوفة وقد صلّينا العشاء الآخرة فأخَذَ بيدي حتّى خرجنا من المسجد فمَشَى حتّى خَرَجَ إلى ظَهْرِ الكُوفة لا يُكلّمني بكلمة فلمّا أصْحَرَ تنفَّسَ الصَّعَداء ثم قال: يا كميل إنّ هذه القلوب أوعيةٌ فخيرها أوعاها، إحفظ عنّي ما أقول لك:

الناسُ ثلاثة: عالمٌ رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كلّ ناعق، يميلونَ مع كلِّ ريح، لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجأوا إلى ركن وثيق، يا كميل العلمُ خير من المال، العلم يحرسك، وأنت تحرس المال، والمال تنقصه النفقة، والعلم يزكو على الانفاق، وصنيع المال يزول بزواله، يا كميل محبّة العلم دينٌ يُدانُ الله به، به يكتسب الإنسان الطاعة في حياته وجميل الأحدوثة بعد وفاته، والعلم حاكم والمال محكوم عليه، يا كميل هلك خُزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانُهُم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة، ها إنَّ ههنا (وأشار بيده إلى صدره  عليه السلام ) لَعِلْماً جَمَّاً لو أصَبْتُ له حَمَلَة، بلى أصبت له لَقِناً غيرَ مأمونٍ عليه، يستعمل الدِّين آلةً في الدُّنيا، ويستظهرُ بحججِ اللهِ على خلقه، وبنعمته على عباده، أو منقاداً لحَمَلَةِ الحقّ لا بصيرة له في أحنائه، ينقدحُ الشكُّ في قلبه بأوّلِ عارضٍ من شبهةٍ، ألا لا ذا ولا ذاك، أو منهوماً باللّذات سلس القيادة للشّهواتِ، أو مُغْرَماً بالجَمْعِ والادّخار ليسا من رُعاةِ الدّين في شيءٍ، أقرب شبهاً بالأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه)([414]) الحديث.

ومما ينسب لأمير المؤمنين  عليه السلام :

ما الفَضْلُ إلاّ لأهلِ العِلم إنّهُمُ
 

 

على الهُدى لمن استهدى أدلاّءُ([415])
 

 

ومما يُنْسَبُ له أيضاً:

رضينا قسمة الجبّار فينا
 

 

لنا علمٌ وللأعداء مالُ
 

فإنّ المالَ بالإنفاق يفنى
 

 

وإنّ العلمَ باقٍٍ لا يَزال([416])
 

 

ومما يَدُلُّ على شَرَفِ العِلْمِ قوله  عليه السلام : (قيمةُ كُلّ أمرئٍ ما يُحْسِِنُهُ)([417]).

قال الجاحظ في كتاب البيان والتبيين عند ذكر هذه الكلمة: (لو لم نقف من هذا الكتاب إلاّ على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية ومجزئة مغنية، بل الله لوجدناها فاضلة عن الكفاية وغير مقصرة عن الغاية)([418]).

وقد أَخَذَ هذه الكلمةَ الخليلُ فنظمها شعراً فقال:

(لا يكونُ العَليُّ مثلُ الدَّني
 

 

لا ولا ذو الذَّكاء مثلُ الغَبيّ
 

قيمةُ الَمرْءِ قَدْرُ ما يُحْسِنُ المر
 

 

ءُ قضاءً من الإمام عليّ)([419])
 

 

وفي مدارك النهج لجدّي الهادي  قدس سره ([420]) ناسباً له لبعض الشعراء نقلاً عن السدّي:

قولُ عليّ بن أبي طالب
 

 

وهو الإمامُ العالمُ الُمتْقِنُ
 

كلُّ امرئٍ قيمَتُهُ عندنا
 

 

وعندَ أهلِ الفَضْلِ ما يُحْسِنُ
 

 

وفي كشكول جَدّي الهادي  قدس سره  عن الحدائق الوردية([421]).

وروي عن الجاحظ أنّه قال: نظرتُ في ألفِ كتابٍ وما سمعت كلمة إلاّ أتيتُ بنظائرها في كتبي إلاّ تسع كلماتٍ لأمير المؤمنين  عليه السلام ، ثلاث في المناجاة وثلاثٌ في الحكمة وثلاثٌ في الأدب، فأمّا التي في المناجاة فهي: (إلهي كفى لي فخراً أنْ تكون لي ربّاً وكفى لي عزّاً أنْ أكون لك عبداً، إلهي أنتَ كما أحِبُّ فاجعلني كما تُحِبّ). وأمّا التي في الحكمة فقوله: (استغن عمّن شئتَ تكُنْ نظيرُهُ، وارغب إلى من شئتَ تَكُنْ أسيرُه، وتفضَّلْ على مَنْ شِئتَ تَكُنْ أميره). وأمّا التي في الأدب فقوله: (قيمَةُ المرءِ ما يُحْسِنُهُ، والمرءُ مَخْبوءٌ تَحْتَ لسانه، وما هَلَكَ امرءٌ عَرَفَ قَدْرَه)([422]). وفي رواية أخرى: مخبوء تحت لسانه لا طيلسانه.

وروى العلاّمة الحلّي في تحريره عن رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  إنّه قال: (الأنبياءُ قادة والعلماء سادة ومجالستهم عبادة، وقال: النظرُ في وجه العالم عبادة، وقال: اللهم ارحم خلفائي، قيل: يا رسول الله ومن خلفاؤك؟ قال: الذين يأتون من بعدي، يروون حديثي وسُنَّتي، ومن أكرم فقيهاً مُسلماً لقيَ اللهَ يومَ القيامَةِ وهو عنه راضٍ)([423]).

شرف علم الفقه

ما تقدَّمَ كانَ بشَرَفِ العلم بنحو العُموم، وأمّا شَرَفُ علم الفقه بالخصوص فقد عَرَفْتَ فيما سَبَقَ في بيانِ أقسامِ السَّبقِ، وفي بيانِ مُوجِباتِ تقدُّمِ العُلوم بعضُها على بعضٍ أنَّ التقدُّمَ بالشَّرَفِ للعلوم، إنّما يكونُ بأشرفيّةِ مَوضُوعاتها أو معلوماتها أو غاياتها وفوائدها أو بواضعها ومدوّنها.

وقد شاعَ بينَ الفُقهاء قبل الشروع في العِلمْ بيانُ شَرَفِهِ وعلوّ منزلته؛
ليعرف قدره فيوفّى حقُّه من الجدّ في تحصيلِهِ والرّغبة في اقتنائه، ولارَيْبَ أنّ
علمَ الفِقْهِ بَعْدَ علم الكلام أشرف العلوم من جهة معلوماته؛ لأنّها أحكامُ
الله تعالى لعباده، وإرادته  عجل الله فرجه الشريف  من خلقه، وشرفه من جهة غايته، وفوائده وهي تنظيم الحياة البشرية وكمال الإنسانية، والفوز بالسعادتين ونيل خير النشأتين، ومن جهة الواضع له فإنَّ الواضع له هو أمير المؤمنين  عليه السلام  كما سيجيء إنْ شاء الله.

نَعَمْ علمُ الكلام يفوقُ علم الفقه بموضوعه إذا قلنا بأنّ موضوع علم الكلام هو ذاتُ اللهِ تعالى؛ لأنّه يبحث فيه عن صِفاتهِ الثّبوتية والسلبية، وإنْ كان في علم الكلام قد أفتى الكثير بحرمته وأظْهَرَ الكثيرُ من السَّلَفِ كراهته.

وكيفَ كان فيَكْفِي دليلاً على شَرَفِ علمِ الفِقْهِ وعظيمِ منزلته أخبارٌ
كثيرة.

منها: ما رواه في الكافي بسنده إلى أبي الحَسَنْ موسى  عليه السلام  قال:
 (دخل رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  المسجد فإذا جماعة قد أطافوا برجُلٍ فقال: من هذا؟ فقيل: علاّمة، فقال: وما العلامة؟ فقالوا له: أعلم الناس بأنساب العرب ووقائعها وأيام الجاهلية والأشعار العربية، قال: فقال النبي  صلى الله عليه واله وسلم : ذاك عِلمٌ لا يضرُّ مَن جهله ولا ينفع من علمه، ثم قال النبي  صلى الله عليه واله وسلم : إنّما العلم ثلاثة: آية محكمة أو فريضة عادلة أو سنّة قائمة، وما خَلاَهُنَّ فهو فَضْلٌ)([424]).

قال في الوافي: كأنّ (الآية المحكمة) إشارة إلى أصول العقائد، فإنّ براهينها الآياتُ المحكمات من العالم أو من القرآن، وفي القرآن في غير موضع [إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً] أو [لآيَةً] حيث يذكر دلائل المبدأ والمعاد، و(الفريضَةُ العادلة) إشَارَة إلى علومِ الأخلاق التّي محاسِنُها من جنودِ العقل ومساوئها من جنود الجهل، فإنّ التحلّي بالأول والتخلي عن الثاني فريضة، وعدالتها كنايةٌ عن توسّطها بين طرفي الافراط والتفريط، و(السنّة القائمة) إشارة إلى شرائع الأحكام ومسائل الحلال والحرام. وانحصارُ العلومُ الدينيّة في هذه الأمور الثلاثة معلومٌ، وهي التي جَمَعَها هذا الكتاب، وهي منطبقة على النشآت الثلاث للإنسانية، فالأولى على عقله، والثانية على نفسه، والثالثة على بدنه، بل على العوالم الثلاثة الوجودية التي هي عالم العقل والخيال والحسّ، وما عدا ذلك فهو فضل زائد لا حاجة إليه، أو فضيلة ولكنّها ليست بتلك المرتبة([425]).

وعن السيّد الداماد([426]): عِلْمُ (الآيةِ المحكمة) هو العلمُ النَّظريّ الذي فيه المعرفة بالله سبحانه وبحقائق مخلوقاته ومصنوعاته وبأنبيائه ورسله وبحقيقة الأمر في البدء منه والعود إليه، وهذا هو الفقه الأكبر، وعلم (الفريضة العادلة) هو العلم الشرعيّ الذي فيه المعرفة بالشرائع والسُّنَن والقواعد والأحكام من الحلال والحرام، وهذا هو الفقه الأصغر، وعلمُ (السنّة القائمة) هو علمُ تهذيب الأخلاق وتكميل الآداب بالسَّفَر من اللهِ والسَّيرِ إليه وتعرُّف المنازل والمقامات والتبصرة بما فيها من الملهمات والمنجيات.

 وقال شارح المعالم ملا صالح رحمه الله ([427]): كأنّ الأول إشارة إلى العلم بالكتاب، والأخير إلى العلم بالأحاديث، والوسط وهو (فريضة عادلة) أي: مستقيمة إلى العلم بكيفية العمل بالأحكام، والمراد باستقامتها اشتمالُها على جميعِ الأمور المعتبرة شرعاً في تحقُّقِها.

منها: ما في الكافي بسنده عن سُفيان قال: سمعتُ أبا عبد الله  عليه السلام  يقول: (وجدتُ علم الناس كُلّه في أربعٍ، أوّلها: أنْ تعرف ربّك، والثاني: أنْ تعرف ما صنع بك، والثالث: أنْ تعرف ما أراد منك، والرابع: أنْ تعرف ما يُخْرِجُكَ عن دينك)([428]).

والمرادُ بالأوّل هو معرِفَةُ ذات الله وصفاته وأفعاله، والمراد بالثاني هو معرفة ما أنعم به عليك من نعمه الظاهرة والباطنة، والمراد بالثالث الواجبات والمستحبّات، والمرادُ بالرّابع هو المحرّمات والمكروهات.

منها: ما في الكافي بسَنَدِهِ إلى أبي عبد الله  عليه السلام : (الكَمَالُ كُلُّ الكَمَالِ التفقُّهُ في الدّين، والصَّبْرُ على النائبة، وتقدير المعيشة)([429]).

ما يورد على الاستدلال بهذه الرواية

وقد يُورَدُ على الاستدلال بهذه الرواية ونظيرها مما اشتمل على لفظ
 الفقه والفقيه: بأنّ المراد بالفقه فيها ليس هو العلم بالأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية؛ لأنه معنىً مستحدث، ولا المراد به الفهم، بل المراد به
كما عن الشيخ البهائي([430]) هو البصيرةُ في الدّين، والفقيه هو صاحِبُ هذه البصيرة، وإليها أشار النبي  صلى الله عليه واله وسلم  بقوله: (لا يَفْقَهُ العَبْدُ كُلَّ الفِقْهِ حتّى يَمْقُتَ النّاسَ في ذاتِ اللهِ، ويرى للقرآن وجوهاً كثيرة، ثمّ يقبل على نفسه فيكون لها أشدَّ مقتاً)([431])، وإليه أشار الإمامُ الرضا  عليه السلام  بقوله: (إنّ من علامات الفقيه الحِلْمُ والصَّمْت)([432]).

وجوابه: إنّه ليس غَرَضُنا أنّ الأخبار يُرَادُ بها المعنى الاصطلاحي للفقه، كما نسب لبعض المحدّثين، وإنّما غَرَضُنا أنّها تدلّ على شَرَفّيةِ الفقه، باعتبار أنّ لفظ الفقه فيها يشمل علم الفقه، فإنّ البصيرة في الدّين تشمل العقائد الدينية ومعرفة الأحكام الشرعية عن تقليدٍ أو عن أدلّةٍ تفصيلية، فالاستدلالُ بها ولو باعتبار عمومها لعلم الفقه عموماً قريباً.

منها: ما في الكافي بسنده عن أبي عبد الله  عليه السلام : (إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيراً، فَقَّهَهُ في الدّين)([433]).

منها: ما في مَنْ لا يَحْضَرُهُ الفقيه والمرويّ في الكافي بطريقينِ أَحْدُهُما موثَّقٌ والآخرُ صَحيحٌ بسَنَدِهِ إلى أبي عبد الله  عليه السلام : (ما من أحدٍ يَموتُ من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من موتِ فقيهٍ)([434]).

منها: الحَسَنُ في الكافي بسنده إلى أبي عبد الله  عليه السلام : (إذا مَاتَ المؤمنُ الفقيه ثُلِمَ الإسلامُ ثَلْمَةً لا يسدُّها شيء)([435]).

وما رواه في الكافي بسنده عن أبي الحسن موسى بن جعفر  عليه السلام : (إذا مات المؤمن الفقيه بَكَتُ عليه الملائكة وبقاع الأرض التي كان يعبدُ اللهَ عليها وأبواب السماء التي كان يصعد فيها بأعماله وثلم الإسلامُ ثلمةً لا يسدُّها شيءٌ لأنّ المؤمنين الفقهاء حُصُونِ الإسلام كحُصُونِ سُور المدينة)([436]).

منها: ما عن الكافي بسنده عن أبي عبد الله  عليه السلام : (تفقَّهوا في الدّين فإنّه مَنْ لم يتفَقَّهُ في الدّين فهو أعرابيٌ، إنّ الله تعالى يقول في كتابه: [لِيَتفَقَّهوا في الدِّين وليُنْذِروا قَوْمَهُم إذا رَجَعُوا إليهِم لَعلَّهُم يحَذرُون]([437]))([438]).

معنى الاعرابي

وأرادَ  عليه السلام  بالأعرابيّ، هو النسبة إلى الأعراب الذين نعتَهُم اللهُ تعالى في كتابه المجيد: [الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ]([439])، والأعراب صيغة جمع، وليس له مفرد، ولذا نُسِبَ إليه، وليس بجمعٍ للعَرَب؛ لأنّه بينهما عموم من وجه؛ لصدق الأعراب على سكّان البادية دون المدن وإنْ لم يكونوا من العرب، ولذا يقال: رَجُلٌ أعرابيٌّ لساكن البادية وإنْ لم يكن عربيا.

والعَرَبُ مَنْ كان لُغَتُهُ لغة العرب وإنْ سَكَنَ المدن، ولذا يقال: رَجُلٌ عَرَبيّ، وإنْ لم يَسكُنْ البادية، ولا يقال له (أعرابي)، وهذا نظيرُ عجم وأعجم، فإنّه يقال: رجل أعْجَمُ وأعجميّ على مَنْ كان في لسانه لكنة، وإنْ كان من العرب، ولا يقال له أعجميّ، ويقال: رجل عَجَميّ، لمن ليس لغته عربية، وإنْ كان فصيحاً في لغته، ولا يقال له (أعجمي)، وبهذا تعرف فساد من خصَّ لَفْظَ (الأعرابِ) بالعَرَبْ.

الفقيه حقاً

منها: ما في الكافي بسنده عن أبي عبد الله  عليه السلام  قال: قال أمير المؤمنين  عليه السلام : ألا أُخبرُكُم بالفقيه حقّ الفقيه؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّط النّاسَ من رَحْمَةِ الله، ولم يؤمنهم من عذاب اللهِ، ولم يُرخّص لَهُمْ في معاصي اللهِ، ولم يترك القرآن رغبةً عنه إلى غيره، ألا لا خيرَ في عِلْمٍ ليس فيه تفهّم، ألا لا خير في قراءةٍ ليس فيها تدبّر، ألا لا خير في عبادةٍ لا فِقْهَ فيها، ألا لا خيرَ في نُسُكٍ لا وَرَعَ فيه)([440]).

ويؤكّدُ هذا الحديثَ قولُه تعالى: [يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ]([441]).

وقوله تعالى: [لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ]([442]).

وقوله تعالى: [أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ]([443]).

وَصية الأمير  عليه السلام  لابنه محمد 

وعن الخصال: (قال أمير المؤمنين  عليه السلام  في وصيّته لابنهِ محمَّد بن الحنفية: إعلمْ أنّ مروّة المرء المسلم مروّتان، مروّة في حضر، ومروّة في سفر، أمّا مروّة الحضر فقراءَةُ القرآن ومجالسة العلماء والنظر في الفقه والمحافظة على الصلاة في الجماعات، وأما مروّة السفر فبذلُ الزاد وقلّةُ الخِلاف على من صَحِبَكَ وكثرَةُ ذكرِ اللهِ  عجل الله فرجه الشريف  في كلّ مصعد ومهبط ونزول وقيام وقعود)([444]).

وعن عوالي اللآلي: (قال رَسولُ الله  صلى الله عليه واله وسلم : لكلِّ شيءٍ عِمادٌ وعِمادُ هذا الدّين الفقه)([445]).

العلومُ أربعة

وعن الجواهر للكراجكي([446]) إنّ أمير المؤمنين  عليه السلام  قال: (العلومُ أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنحو للسان، والنجوم لمعرفة الأزمان)([447]).

العلماء بعد الغيبة

وعن تفسير الإمام  عليه السلام ([448]) والاحتجاج([449]) بالإسناد عن أبي محمّد  عليه السلام  قال: قال علي بن محمد  عليه السلام : (لولا مَنْ يَبْقى بَعْدَ غيبة قائمنا من العُلَمَاءِ الدّاعين إليه والدالّين عليه، والذّابّين عن دينِهِ بُحجَجِ اللهِ تعالى، والمنقذين لِضُعَفاءِ عبادِ اللهِ من شِباك إبليس ومَرَدَتِهِ ومِنْ فِخاخ النواصِبِ، لما بَقيَ أحدٌ إلاّ ارتدّ عن دِينِ الله تعالى، ولكنّهم الذين يمسكون أزمّة قلوبِ ضُعفاءِ الشّيعة كما يُمْسِكُ صاحِبُ السّفينة سكّانها، أولئك الأفضلون عند الله  عجل الله فرجه الشريف ).

 

المطلب الثاني عشر

في أنواع الكتب الفقهيّة

إنّ الكتب التي دُوِّنت منسوبةً للفقه ولو بأدنى مناسبة - فإنّ النسبة تصحّ بأدنى مناسبة - بحسب الاستقراء أنواع متفاوتة وأقسام مختلفة، قسمٌ منها يشتمل على الأخبار الدالّة على الأحكام الشرعيّة فقط، كالكافي، ومن لا يحضره الفقيه، والاستبصار، عند الشيعة الاثني عشرية، وككتب الصّحاح عند أهل السنة، وهذا القسم يسمّى بكتب الأخبار والأحاديث، وهو كان موضع العناية الشديدة لعلماء الدّين على اختلاف طبقاتهم ونزعاتهم، باعتبار أنّ هذا القسم يشتمل على أغلب الأحكام الفقهية، وهو بعد القرآن الشريف أهمُّ منهلٍ عَذْبٍ يُستَقَى منه المعارف الدينية.

المساند

ويسمّى ما كانَ منها مرتّباً أحاديثُه على أسماءِ الصَّحابة بالمسند، كمُسْنَد أحمد، فإنّه يَجْمَعُ كُلّ ما رواه الصَّحابي من الأحاديث على حِدَة، كأحاديث ابن عبّاس وغيره.

السنن والمصنفات

وما كانَ منها مرتّباً على أبوابِ الفقه يسمّى بالسنن والمصنّفات يُلْحَقُ ببعض الأبواب، منها باب يسمّى بالنوادر، ويعنون بالحديث النّادر في الاصطلاح على ما ذكره مجمع البحرين هو ما ليسَ له أخٌ، أو يكون لكنّه قليلٌ جداً، ويسلم من المعارض، ولا كلامَ في صِحّتِهِ، بخلاف الحديثِ الذي يُوصَفُ بالشَّاذ، فإنّه غير صحيح أو له معارض، وقد يطلق كلٌّ منهما على الآخر.

وقسمٌ يشتمل على الأحكام الشرعيّة فقط من دون ذكر الدّليل عليها، ويسمّى هذا القسم بالرسائل العملية، وبكتب الفتوى، وهي قد تكونُ بلسان النصّ من دون ذكر سنده.

الرّسائل العمليّة

كالمقنعة للمفيد، والنهاية للشيخ، وقد تكون بتعبير المفتي، كمَا هو أغلب الرسائل، ومنها الشرائع للمحقق، وقال جدّي الهادي رحمه الله  نقل عن الشيخ السعيد فخر الدين رحمه الله : إنّ كتاب القواعد مائتان وواحدٌ وأربعون ألف مسألة، وكتاب الإرشاد خمسة عشر ألف مسألة، وكتاب الشرائع اثنا عشر ألف مسألة، والله تعالى أعلم.

آيات الأحكام

وقسمٌ يَشْتَمِلُ على الآيات الدالّةِ على الأحكام الشَّرعية الفرعيّة، ويُسمَّى هذا القسمُ بآياتِ الأحكام، ككتاب قلائد الدرر.

القواعد الفقهية

وقسمٌ يشتملُ على ذكر القواعد الفقهية، والقاعدة الفقهية: عبارة عن الحكم الكلّي الفقهي المندرجة تحته فروع مختلفة من باب واحد، كقاعدة الطهارة، وهي قاعدة: (كلُّ شيءٍ لكَ طاهرٌ حتَّى تَعْلَمَ أنّه قذِرٌ) في باب الطهارة، أو في عدة أبوابٍ من الفقه متعدّدة كقاعِدَةِ التجاوُزِ، ويسمّى هذا القسم بالقواعد، ولجدّنا كاشِف الغطاء رحمه الله  في مقدّمة كتابهِ كشفُ الغطاء قواعدٌ فقهيّة دَلَّتْ على سَعَةِ اطّلاعه ومقدرته الفنية([450])، ورأيتُ له كتاباً في القواعد الفقهية قد طُبِعَ على هامش كتابهِ الحقُّ المبين([451])، وقد اهتم الفقهاء بهذه القواعد لما يترتب عليها من تسهيل معرفة الفروع.

حتّى قال بعضهم: إنّ أصولَ الشريعة قسمان: أصولُ الفقه، والقواعد الكلية الفقهية، وقد وضع الشهيد الأول قواعده في الفقه([452]).

أهم القواعد الفقهية

ويقال: إنّ أوّل من جَمَعَ أهمّ القواعد الفقهية في سبع عشرة قاعدة كلّية أبو طاهر الدّبّاس العراقي من علماء القرن الرابع أو الثالث، وكانَ ضريراً ويُكرِّرُ تلك القواعد بمسجدِهِ بعد خروجِ النّاس منه وأهمّها القواعد الخمسة:

  1. الأمور بمقاصدها، وهي مأخوذة من قوله  صلى الله عليه واله وسلم : (الأعمال بالنّيات)([453]).
  2. الضّرر يزال، وهي مأخوذَةٌ من قوله  صلى الله عليه واله وسلم : (لا ضرر ولا ضرار)([454]).
  3. العادة محكّمة، وهي مأخوذة من قوله  صلى الله عليه واله وسلم : (ومن يتبع غير سبيل المؤمنين)([455]).
  4. اليقين لا يزول بالشكّ، وهي مأخوذة من قوله  عليه السلام : (لا تنقض اليقين بالشك)([456]).
  5. المشقّة تجلب التيسّر، وهي مأخوذة من قوله تعالى: [وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]([457]).

ويقال إنّ أقدم مجموعةٍ وَصَلَتْ إلينا في هذا الموضوع هي قواعدُ أبي الحسن([458]) الكرخي البالغة قواعدها سبعاً وثلاثين قاعدة.

وفي زماننا ألّف المرحوم الاستاذ الكبير الحجة السيد مرزا حسن البجنوردي([459]) كتاباً في القواعدِ الفقهيّة يشتمل على أكثر من أربع مجلدات.

الحيل الشرعية

وقِسْمٌ يشتمل على الحيل الشرعية، والحيلة الشرعية: عبارةٌ عن المخرج الذي يصحِّح شرعاً ارتكابَ الواقِعَةِ على خلافِ ما يَطْلُبُه الشّرع فيها بوضعها الطبيعي، ويسمّى هذا القسم بالحيل الشرعية، ويقال: إنّ أقدم كتابٍ وَصَلَ إلينا في هذا الموضوع هو كتاب أبو بكر أحمد الخصاف([460]) المتوفى سنة (261هـ) طبع بالقاهرة سنة (1324هـ) أسماه (الحيل والمخارج) وتجد فصلاً في الحيل الشرعية في كتاب الأشباه والنظائر([461])، وفي كتاب الفتاوي الهندية([462])، والأصل في استعمال الحيل الشرعية قوله تعالى في قصة أيوب  عليه السلام : [وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ]([463])، فإنّه كان ترخيصاً من الله تعالى لأيّوب في استعمالِ الحيلة في التخلُّص من اليمين.

وأوّلُ من أوجد الحيل الشرعية مدرسة الرأي، واعتنى واهتمّ بها المذهب الحنفي وكانت الحيلُ الشرعيّة في التخلُّص من الحلف واليمين.

ثم امتدّتْ إلى أبوابِ الفقهِ كالوَصايا والوُقوفِ والرِّبا ولا سيّما المواثيق ليتخلَّص الأُمراءُ من إبرامها عليهم.

ويُنْسَبُ لمالك([464]) وأحمد تحريم الحيل الشرعية، وبقي أتباعهما على تحريمها، والشافعيّ أيضاً كان يحرّمها، ويبطل التصرّف الذي يُقْصَد به الحيلة الشرعية، غير أنّ من أتباعه من ألّف فيها كمحمّد الصيرفي([465])، ومحمد العامري([466])،
ومحمد القزويني([467]).

مسائل الخلاف

وقسمٌ منها يَشْتَمِلُ على مسائل الخلاف بينَ السُّنَّةِ والشّيعة كالخلاف للشيخ الطوسي، وعلى مسائل الخلاف بين الشّيعةِ ككِتاب المُخْتَلَف للعلاّمة الحلّي، ويُسمّى هذا القسم بالفقه المقارن في اصطلاح المتأخرين والمحكيّ عن المختلف للعلاّمة، إنّه أوّل مُصنِّفٍ ألَّفَ في مسائلِ الخلاف بين الإمامية([468]).

الكتب الاستدلالية

وقسمٌ يشتمل على الأحكام الشرعية مع ذكر الأدلّة عليها تفصيلاً، ويسمّى هذا القسم بالكتب الفقهية الاستدلالية، ككتاب الحدائق، والرياض، والجواهر، وكتاب موارد الأنام في شرح شرائع الإسلام لجدّي عباس نجل الشيخ علي.

وهذا القسم هو الذي يشتملُ على علم الفقه كما أنّ القسم الأول منها الذي رُتّب على أبوابِ الفقه أيضاً يمكن عَدُّهُ من كُتُبِ علم الفقه لاشتمالها على حكم المسألة مع الدليل عليه، فمجموع الإمام زيد، والموطأ والصحاح تكونُ من كتب علم الفقه؛ لاشتمالها على حُكْمِ المسألة مع ذكر الأخبار الدالّة عليها، فهي تُبْحَثُ عن العلم بالحُكْمِ الشرعيّ عن دليله.

وأمّا المسانيد فنسبَتُها لعلم الفقه باعتبار اشتمالها على القسم الثاني من أدلّة الفقه وهو الأخبار، وأمّا الرّسائل العملية فنسبَتُها للفقه باعتبارِ اشتمالها على الأحكام التي يُبْحَثْ عنها علم الفقه، ولا ريبَ أنّ النسبة تصحُّ لأدنى مُلابَسَةٍ أو لأنّ النسبة إنّما هي للفقه بمعناه عند المتشرّعة المتقدم بيانه.

وأمّا القسم الثالث: فهو أيضاً يشتمل على علمِ الفقه باعتبار أنْ يبحث فيه عن دلالة الكتاب على الحكم الشرعي والناسخ له والمعارض والمقيد والمخصص له.

وأمّا القسمُ الرّابع: وهو كتب القواعد، فما كانَ منه مشتَمِلاً على الدّليل فهو من علم الفقه، وإلاّ فهو يشبه الرسائل العملية، وهكذا كتب الحيل؛ لاشتمالها على الحيل مع الدّليل الشرعي.

وأمّا القسمُ الخامس: فهو أيضاً من علم الفقه؛ لأنّه يبحث عن
المسألة الخلافية ويبرهن على ما يختاره فيها، فيكون فيه معرفة الحكم الشرعي
عن دليله.

ما كانت عليه كتب الفقه في السابق

ثمّ لا يخفى أنّ كُتُبَ الفقه كانت كُلُّها بنحو الرّواية وكانت الفتوى في المسألة تذكر فيها بنحو الرواية مع سندها، ككتب الصِّحاح ونحوها مما كَتَبَ غالباً في العصور الأولى، ثمّ كتبت كتب الفقه بنحوٍ يذكر فيها الرّواية من غير تغيّر في نصِّها تغيُّراً واضحاً بحذف سَنَدها، كرسالةِ عليّ بن بابويه إلى ولده الصدوق، والمقنع لنفس الصدوق، والهداية له، وكثيرٌ من فتاوي من لا يَحْضرهُ الفقيه له، والمقنعة للمفيد، والنّهاية للشيخ الطوسي، وهي أجمَعُها للنّصوص.

وأقرب هذه لنصّ الرواية المقنع، وأحسنها تنسيقاً ودقّة المقنعة.

ومن الكتب القديمة في الفقه مجموع الشهيد زيد بن علي، والموطأ، وكتب محمد بن الحسن الشيباني، وكتاب الأمّ للشافعي، ثمّ كَثُرَ بعد ذلك الفقه المقارن، ثمّ كُتِبت الفتاوي بلسانِ المفتي، وبما أدّى إليه رأيه بدون الاستدلال، ثُمَّ عند الشيعة كثرت كثرةً تجاوَزَتْ الحدَّ كتب الفقه المشتملة على الفتوى مع بيانِ الاستدلال عليها وكيفيّة الاستنباط من أدلّتها.

دائرة المعارف الفقهية

وقد كنتُ في قديم الدهر أُفكّرُ في إصدار موسوعة (دائرة معارف فقهية) مرتّبةً على الحروف الهجائية، على غِرارِ دوائرِ المَعَارِف العلمية، وقواميس اللغة العربية؛ ليسهل الظفر بحكم المسألة للفقيه وغيره، وباشرتُ العمل سنة (1359هـ)، ولكن نَظَراً لكثرة الأشغال والسؤال عن الأحكام للوقائع، لا سيّما المستحدثة التي لم تتناولها أقلامُ الفقهاء والسَّفَر للمؤتمرات، أوْجَبَ أنْ أكلّف العلامة السيد يوسف الحلو([469]) بإنجاز هذه المهمة، وبالفعل قَدَّمْتُ له الأجزاء بصحائفها البيضاء الكثيرة والسوداء القليلة، فأحْسَنَ التأليف وأجَادَ التّصنيف، وكانت رغبتي منه وطلبي من عنده أنْ يرتّبها حسب أصول المادة لا حسب التلفّظ بها بزوائدها والله الموفق، ولعلّي إنْ ساعدني التّوفيقُ الإلهيّ والعناية الربانية أنْ أقوم بهذه المهمّة وأنجزها ليسهل على الطالب المعرفة للمسألة والاطّلاع عليها في الكتب الفقهية.

وقد طلب مني شيخُ الأزهر حَسَنْ مأمون([470]) أنْ أرسل لهم ما ينفَعُهُم في موسوعةِ جَمَالِ عبد النّاصر([471]) وأَرْسَلْتُ لهم تذكرَةَ العلاّمة الحلي.

 

المطلب الثالث عشر

للفقيه مراتب أربعة

لا يخفى أنّ للفقيه من حيثُ نفوذُ حُكْمِهِ ورأيِهِ اعتباراتٌ أربعة: الاجتهاد، والإفتاء، والقضاء، والزعامة، وكلُّ مرتبةٍ لاحقة منها تستلزمُ السَّابقَةَ عليها.

وهو بالاعتبار الأول: نافذُ الرّأي في نفسه مُطلقاً وإنْ لم يكن عَدْلاً ووُجِدَ من هو أعلم منه وأعدل.

وبالاعتبار الثاني: نافذُ الرأي على نفسِهِ وعلى مقلّده، ولا ينفذ على المجتهد الآخر.

وبالاعتبار الثالث: نافذُ الرّأي على نفسِهِ وعلى مقلِّده وعلى المجتهد الآخر في المنازعات والخصومات.

وبالاعتبار الرابع له: نافذُ الرأي في الخصومات والمنازعات والنفوس والأعراض والأموال، بما فيه الصّالح العام لتدبير شؤون المسلمين.

وقد أشبعنا الكلامَ في ذلك في كتابنا النور الساطع([472]) وذَكَرْنا أحكامَ الفقيه ووظائفه فيه فراجعه.

 

المطلب الرابع عشر

طُرُقُ إثبات فقاهة الفقيه

إنّ الطرق التي يُثبتُ بها اجتهادُ المجتهد التي ذكرناه مفصّلاً في الجزء الأول من كتابنا النور الساطع هي بنفسها يثْبُتُ بها فقاهَةُ الفقيه، وأصبح أهمّ أمرٍ هو معرفةُ نسبه وبيئته وحسن سلوكه في ماضيه وحاضره، فكم وكم مَنْ دَخَلَ في سلك العلماء وهو ليس منهم، استعان بالمال وحَرَّمَ الحلال وأحَلَّ الحرام في سبيل أنْ يصبح عَلَمَاً من الأعلام ومرجعاً للعوام، وقد أدْرَكَ الاستعمارُ خَطَرَ هذا المنصب الإلهي والمقام الروحاني فأخَذَ يَعْمَلُ لأنْ يَجْعَلَ له نصيباً منه.

 

المطلب الخامس عشر

اهتمام العَالَم المتحضّر بالفقه([473])

لقد اهتمَّ رجالُ القانون في الدّول العالمية الكبرى بالفقه الإسلامي، ففي المؤتمر الدولي للقانون المقارن المنعقد في مدينة لاهاي سنة (1932م) يعلن الأستاذ لامبير(2) الفقيه الفرنسي تقديره الكبير للفقه الإسلامي، كما أنّ المؤتمر قَرَّرَ بإجماع الآراء اعتبار الشريعة الإسلامية قائمةً بذاتها ليست مأخوذة من غيرها، وأنّها حيَّةٌ صالحةٌ للتطوّر وأنّها مصدر من مصادر التشريع العام.

وفي مؤتمر المحامين الدولي المنعقد في لاهاي سنة (1948م) الذي اشتركتْ فيه ثلاثة وخمسون دولة جاء في قراراته الطّلَبُ من اتحاد المحامين الدولي القيام بالدراسة المقارنة للتشريع الإسلامي، معترفةً بما في هذا التشريع من مرونةٍ وأهمّية، وجاء فيها أيضاً:

  1. اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع.
  2. اعتبارها حية صالحة للتطور.
  3. اعتبارها قائمة بذاتها غير مأخوذة عن غيرها.

وفي المؤتمر الذي عقدته شعبة الحقوق الشرقية في كلّية الحقوق من
جامعة باريس في سنة (1951م) للبحث في الفقه الإسلامي تحت عنوان
 (أسبوع الفقه الإسلامي) برئاسة (المسيو ميو) اتّخذت في ختامه القرار
 بالاتفاق على أنَّ مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة حقوقية تشريعية لا يمارى
 فيها، وأنّ اختلاف المذاهب الفقهية ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات من الأصول الحقوقية هي مناط الإعجاب، وبها يتمكّن الفقه الإسلامي أنْ يعالج جميع مطالب الحياة الحديثة ويوفّق بين حاجياتها.

وينقل عن المستشرق المجري فمبري([474]) أنْ قال: إنّ فقهكم الإسلامي واسع جداً إلى درجة أنّني أعجب كلّما فكَّرتُ في أنَّكم لِمَ تستنبطون منه الأنظمة والأحكام الموافقه لبلادكم وزمانكم.

ويُروى عن العلامة شبرل عميدُ كلية الحقوق بجامعة فينا أنّه قال: إنّ البشرية لتفتخر بانتساب رَجُلٍ كبيرٍ كمحمّد إليها؛ إذ أنّه رغم أميّته استطاع قبل بضعة عشر قرناً أنْ يأتي بتشريعٍ نحن الأوربيون أسْعَدُ ما نكونُ لو وصلنا إلى قمّته بعد ألفي عام.

وقال المستر (ويلز)([475]) وهو من الكتاب المعروفين: إنّ الديانة الحقّة التي وَجَدْتُها تسيرُ مع المدَنيّة أنَّى سارت هي الديانة الإسلامية.

وقال المستر (برناردشو)([476]) بأنّ الدين الإسلامي الوحيد الذي يشتمل على جميع العناصر الضرورية التي تجعله مرناً يساير أحوال العالم في تطوراته، فهو صالحٌ لجميع الأمم وفي جميع العصور، وإنّ العقلية التي جاء بها محمد  صلى الله عليه واله وسلم  سوف تدينُ بها الأجيال المقبلة في أوروبا كما بدأت تسيغها الأجيال الحاضرة.

ويقول الدكتور (جرمانيوس)([477]) الأستاذ في جامعة بودابست: إنّ الإسلام دينُ الأذهان المستنيرة، وأنا أعرف في بلادي وفي أوروبا رجالاً مستنيرين في أرفع الأسر يحترمون الإسلام ويوشكون أنْ يتّخِذوهُ ديناً ولو في سرائرهم.

ويقول المسيو (ليون روش)([478]) الفرنسي السياسي الخطير: إنّ الدّين الإسلامي أفضل دين عرفته، ولم أذكر شيئاً من قوانيننا الوضعية إلاّ وجدته مشرعاً فيه.

ويقول المستر (إسحاق الطيار) رئيس الكنيسة في الانكليز في خطبته التي ألقاها في مؤتمر الكنيسة: الإسلام ينشر لواء المدنية التي تعلّم الإنسان ما لم يعلم، ومنافع الدين الإسلامي لا ريب فيها، وفوائده من أعظم أركان المدنية.

وقال المسيو (داود كوهات): إنّ الإسلام دستورُ الأمم ونظام الملك.

وقال المسيو (دوديانوس) من وزراء فرنسا السابقين: إنّ الإسلام جاء منزّهاً عمّا لا يعقل من الخرافات والأباطيل، وهو مكمّل للإنسانية لا غموض فيه، فسَلِم من التناقض والمعارضة العقلية، وقد أمر بالمساواة والاشتغال بالعمل وتنزَّهَ عن الرهبانية، وأمّا تأخُّرُ أهلِهِ فناشئٌ من أنَّهمُ انحرفوا عن أصولِهِ وتوجَّهوا لغير ما يرمي إليه.

ويقول المستر (غاندي)([479]) زعيمُ الهندوس في الهند: ليدرس الهندوس الإسلام كما درسته فسيحترمونه كما احترمته، ولقد أصبحت مقتنعاً بأنّ الإسلام لم يأخذ مكانته في الوجود بحدّ السيف، بل إنّه أخذها بالبساطة وإنكار الذات والشجاعة التي اتّصَفَ بها النبي محمد  صلى الله عليه واله وسلم .

 

المطلب السادس عشر

في الاجتهاد في الفقه

الاجتهادُ لغةً: بَذْلُ الجهد، واصطلاحاً هو: بذل الجهد في تتبّع مدارك الأحكام لتحصيل الظن بحكم المسألة الفرعي، وإنْ شئتَ قلت: هو استفراغُ الوسع في تحصيل الظنّ بالحكم الشرعي عن دليله التفصيلي، واستنباطه من الدليل الشرعي بنحو الظن.

والحاصل: إنّه يظهر من تعاريف القوم للاجتهاد أنّ المعتبر في الاجتهاد بمنزلة الفصل له هو الظنّ، وإنّ استفراغ الوَسَع لتحصيل العلم بالواقع لا يسمّى بحسب الاصطلاح اجتهاداً، بل علماً بالحكم وبصيرةً به.

وتحقيقُ ذلك وتنقيحُهُ يُطْلَبُ من مبحث الاجتهاد في الجزء الأول من كتابنا النور الساطع([480]).

ومن هذا يظهر أنّ مخالفةَ حُكْم اللهِ القطعيّ بالفتوى بحكمٍ آخر ليس من الاجتهاد في شيء؛ لأنّه لم يكن ظناً بالحكم، بل عِِلماً بالمخالفة، فإنّ الاجتهاد ليس بتشريعٍ للحكم، وإنّما هو استنباطٌ واستخراجٌ للحكم الذي شرَّعَهُ اللهُ تعالى من الأدلّةِ الصحيحة في نظر المستنبط للحكم الشرعي.

والحاصل: أنّ لله تعالى في كُلِّ مسألةٍ حُكْماً واقعياً يَعْرِفُهُ المكلَّفون، إمّا بالضَّرورَةِ أو بَعْدَ البحث عنه، وعلى الثاني: إمّا أنْ يعرف بالنصّ عليه، أو بنصب الأمارة عليه، فما عرف بالضرورة ليس عرفانه من الاجتهاد، وهكذا ما عرف باليقين به ليس من الاجتهاد، وإنّما الذي عُرِفَ من الأمارات والأدلّة معرفةً ظنيّةً هو الاجتهاد، ويقابله التقليد، وهو العمل بقولِ الغير من غير حُجَّةٍ عليه.

الاجتهاد عامل ضروري

ولا ريبَ أنّ الاجتهادَ عاملٌ ضروريٌ للفقيه في استخراجِ الحُكْمِ الشرعيّ من الأدلّة، ولولاهُ ما استطاعَ الفقيهُ أنْ يعرف الحكم الشرعي للوقائع التي تمرّ عليه، وحيثُ أنّ الاجتهادَ يختلفُ باختلاف الأفهام وطاقتها وبسعة الاطلاع ونقصها، وبتوفّر المؤهّلاتِ وقلّتها وبحسب المسالك وصحّتها كانَ من الطبيعي أنْ يحدث بين الفقهاء اختلافٌ في أحكامِ المسائل حتّى ظَهَرَتْ بينهم المذاهب الإسلامية والتسابق في ميدانِ علمِ الفقه، وتدوينِهِ وترتيبِ أبوابِهِ، وتحريرِ وجْهَةِ الخلاف في موضوعاته وأحكامه، وقد أوجب ذلك الازدهار في علم الحديث والأصول بل في سائر العلوم التي يَحتاجُ إليها المجتهد في استنباطِهِ للحُكْمِ الشَّرْعي، حتّى بَلَغَتْ مبلغاً من التوسُّعِ بين المسلمينِ ما لم يبلُغُه سِواها.

طُرُقُ الاجتهاد

ثم الاجتهادُ يكونُ على طرقٍ متعدِّدَة:

أحدها: أخْذُ الحُكْمِ من ظواهرِ الآيات والأخبار إذا كانَ موضوع الحكم مما تتناوله تلك الظواهر، وهو إنّما يصحُّ بعد التفحُّص والنظر في عمومها وخصوصها ومطلقها ومقيّدها وناسخها ومنسوخها وغير ذلك، مما يتوقَّفُ عليه استنباط الحكم الشرعي.

ثانيها: أنْ يأخذ الحكم الشرعي من معقول النّصِّ ومفهومه، كما في المفاهيم، كمفهومِ الشَّرْط ونحوه أو الاستلزامات العقلية، كوجوب المقدّمة والنهي عن الضدّ ونحوها، ومن ذلك القياس فإنّه بعد تعقُّل النّصّ، ومعرفة علّة الحكم فيه، وأنّها موجودة في محلّ الحادثة فيسري الحُكْمُ لمحلّ الحادثة بواسطةِ وجودِ العلّة فيه، وهذا على أنواعٍ وأقسام ذُكِرَتْ في مَبْحَثِ القياس، والصّحيحُ عندنا فيه: أنّه إنْ قام العلم أو العلمي على أنّها تمامُ العِلّة للحكم سَرَى الحُكْمُ بسَرَيَانِها وإلاّ فلا، ويعلم تحقيقُ الحال فيه في مبحث القياس.

ثالثها: أنْ تُطَبَّقَ القواعد العامّة على مَحَلِّ الحادثة، مثلُ ما لو شُكَّ في طهارة بعضِ الحيوانات، فيُحْكَمُ بطهارَتها لقاعدة الطّهارة، وهذا مَحَلُّ الابتلاء في هذا العصر؛ لوجود كثير من المسائل المستحدثة، كالتأمين، والمعاملات المصرفية، واليانصيب، واستماع الراديو، ونحو ذلك مما لم يعلم الحكم لها إلاّ بالرجوع للقواعد العامة، ومع عدم تناولها فيُرْجَعُ للأصول الشرعّية التي تثبت للحادثة عند الجهل بحكمها.

رابعها: إجراء المرجّحات الدلالية أو السندية عند التعارُضِ لتمييزِ ما هو الحُجَّةُ من النُّصوصِ لمعرِفَةِ الحكم الشرعي.

خامسها: تحصيلُ الإجماع المفيد للظن بالحكم، وهو ليسَ بحُجَّةٍ عندنا، وإنّما الحُجَّةُ هو ما يفيد القطع.

سادسها: إعمالُ المرجحات عند التزاحم بين الأحكام الشرعية، والأخذ بالحكم الراجح منها، وهو غير باب التعارض.

وأمّا حُكْمُ العقل المستقل، فإنْ أفادَ القَطْعَ فهو ليس من الاجتهاد؛ إذ قد عَرَفْتَ أن استفراغَ الوَسَعِ لتحصيلِ القَطْعِ ليس من الاجتهاد، وأمّا إذا لم يُفِدْ القطعَ، بأنْ كان الظنُّ بالحكم يحصل من المقدّمات التي رتَّبهَا العقل، فإنْ كان الظنّ الحاصل منها حُجّة - كما لو قلنا بالظن الانسدادي - كان من الاجتهاد، وإلا فهو سراب ليس باجتهاد يحسبه الظمآن ماءً.

وهذِهِ الطُرُقُ كالطَّريق الأوّل لا تَصِحُّ إلاّ بَعْدَ الفَحْصِ وعَدَمِ الظَّفَر بما يُعارِضُها بما هو أقوى منها.

انسداد باب الاجتهاد

ثمّ إنّ الاجتهاد لم يزل موجوداً حتّى اليوم عند الشيعة، ولكن قد
سَدَّهُ السنّيون أوائلَ القرن الرابع للهجرة في أواخر الدّولَةِ العبّاسيّة بطريقِ الإجماع الضمني من فقهائهم، واكتفوا بالمذاهب الأربعة المعروفة، حتّى
جاء القرن الثامن فقام جماعَةٌ من علماء السنة كابن تيمية([481]) وابن حزم 
وغيرهما يدعون إلى فتح باب الاجتهاد وعدم التقيد بمذهب مُعيّن والرُّجوعِ
إلى مَصَادِرِ الشَّريعة وروحها، قال ابن حزم مُشيراً لأهل التقليد وأشياعه
بقوله: (قد أحْدَثوا بدعةً في دين الله تعالى لم يسبقهم إليها أحد)([482]) مستدلاً
على ذلك بأنّه لم يكن رجلٌ في (عصر الصحابة ولا في عصر التابعين ولا في عصر تابعي التابعين قد قَلَّد عالماً قبله فأخذ بقوله كلِّهِ ولم يخالِفهُ في شيء)([483]) انتهى.

حتّى جاءَ القرن التاسع عشر وظَهَرَ المذهب السّلَفيّ وعلى رأسه جمال الدَّين الافغاني([484])، ومحمّد عبد([485]) وغيرهما يدعون إلى نبذ التقليد وتوحيد المذاهب والرجوع للكتاب والسنة الصحيحين.

أقسام المجتهدين

إنّ المجتهدين على أقسام: فباعتبار أنّ اجتهاده في جميع أبواب الفقه أو في بعضها يُقسّم إلى: مجتهد مطلق وهو الأول، ومجتهد متجزئ وهو الثاني.

وباعتبار انسداد باب العلم والعلمي عنده وعدم انسداده يقسم إلى: مجتهدٍ انسدادي ومجتهد انفتاحي.

وباعتبار اصابته للواقع وخطأه يُقَسَّمُ إلى: مجتهدٍ مصيبٍ ومجتهد مخطئ.

وباعتبار استقلاله بمذهبٍ خاصٍّ وعدمه يقسم: إلى مجتهدٍ في الشرع، وهو المجتهد الذي استنبط الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية كالكتاب والسنة دون أنْ يُقلِّد أحداً في فتاويه، ويسمّى أيضاً بالمجتهد المطلق كأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد بن حنبل والأوزاعي([486]) والطبري وداود الظاهري([487]) ونحوهم.

وإلى مجتهد في المذهب ويسمّى بالمجتهد في المسائل وبالمجتهد بالفتيا، وهو من كان من أتباع أحد أئمّة المذاهب المعروفة، ولكنّه ذو فتوى معتبرةٍ في ضمن مذهب إمامه، وفي البناء على أصوله ومصادر اجتهاده، فهو يبحث عن علل أحكام إمام مذهبه، ويسري الحكم بواسطة العلة لغيرها، ويرجح بعض أقوال إمامه على غيرها من الأقوال المنسوبة إليه، وقد يخالفه في اجتهاده في أمورٍ فرعية كثيرة، ولكنّه يقلده في الأصول والمبادئ العامة، كأبي يوسف في المذهب الحنفي، فهو يقلده في الأصول وإنْ خالفه في بعض الفروع، وكالغزالي في الشافعية.

وإلى المجتهد المقيّد وهو الذي يتقيّد بآراءِ مذهبِ خاصٍّ، ولكن عن معرفةٍ لمداركها، فهو يقدر على تفصيل المجمل وتوضيحُ المبهم المنقول عن صاحبِ هذا المذهب، ويسمّونَهُ أيضاً بأهل التخريج، كالجصّاص([488]) والرازي عند الحنفية.

وإلى المجتهد في الترجيحُ، وشأنه ترجيحُ بعض الروايات عن صاحب المذهب على البعض الآخر منها المعارضة لها بالأوثقية أو بالموافقه لأصول المذهب أو بالأقربية لأدلة الفقه، كالكتاب والسنة ونحوهما.

وإلى المجتهد المميّز، وهو الذي له القدرة على تمييز القول القوي لصاحب المذهب من الضعيف، وظاهر المذهب ونادر المذهب، كصاحب الكنز.

وإطلاق المجتهد على بعض هذه الأقسام الأخيرة أعني: على أصحاب التخريج والترجيح والتمييز من بعض المتأخرين باعتبار أنّ لهم قوّة الاستنباط، وإلاّ فالمعروف تسميتهم بالفقهاء دون وصفهم بالاجتهاد.

الاجتهاد عند الشيعة

الاجتهادُ عند الشيعة الإمامية هو استفراغُ الوَسَع لتحصيل الظنّ بالحكم الشرعيّ من دليله من الكتاب أو الإجماع أو السنّة الثابتة عن النبي  صلى الله عليه واله وسلم  أو أحد الأئمّة الاثني عشر أو من العقل، وأمّا ما ذُكِرَ عنهم من ذمِّهِمْ للاجتهاد وعدم عَمَلِهِمْ بالرّأي فالمراد به هو الاعتماد على الظّنون والاستحسانات التي لم تقم الحُجَّة على اعتبارها أو قامت الحجة على عدم صلاحيتها للدليلية على الحكم الشرعي.

كتب الفقه عند الشيعة

ثُمَّ إنَّ كُتُبَ الفقه عند الشيعة كانَتْ على نحو جمع الأخبار والأحاديث التي تتضمّنُ المسائل الفقهية، وكانت خاليةً حتّى عن الآياتِ القرآنية الدالّة على الأحكام الشرعية للاطمئنانِ من حفظها في القرآن الكريم، والخوفِ من ضياع الأخبار، كلُّ ذلك إلى ما بعد منتصفِ القرن الرابع الهجري زمانَ ابن أبي عقيل الحسن العمّاني([489])، وابن جنيد محمد الاسكافي، والشيخ المفيد المتوفى سنة (413هـ)، والمرتضى المتوفى سنة (436هـ)، والشيخ الطوسي المتوفى سنة (460هـ)، فتطور التأليف عند الشيعة بنحو تحرير المسألة، وبيان الدليل عليها، والمخالف فيها، وأقدم كتاب وصلَ إلينا في علم الفقه للإمامية مستنداً في تحرير مسائله على الكتاب والسنة والإجماع هو كتابُ الشّيخ الطوسي المسمّى بالمبسوط، طبع في إيران، وأجمع كتاب في الأخبار مذكور قبلها الآيات الدالّة على مضمونها عند الشيعة هو بحار الأنوار للمجلسي.

المجتهد عند الشيعة

ثمّ إنّ لفظ المجتهد عند الشيعة لم يُطْلَقْ على الفقيه إلى زمانِ العَلاّمة الحلّي المتوفى سنة (726هـ)، ولذا كانت كُتُبُ تراجمهم خالية عن هذا اللقب، ككتاب الفهرست للشيخ الطوسي، والكَشّي، والنجاشي، وإنّما يصفون الشخص في مقام المدح بالفقيه، والعالم، والمحدّث، والراوية، إلى زمان العلاّمة الحلي فإنّه يوجد فيه هذا الوصف بالمجتهد.

التصويب والتخطئة

ويناسِبُ هذا المطلب ذِكْرُ المصوِّبةِ والمخطِّئة، وقد بحثنا عن هذا الموضوع في كتابنا النّور السَّاطع الجزء الأول([490]) ولا بأسَ بالتَعرُّضِ له على سبيل الايجاز.

إنّ التصويب مما استقرَّ عليه مذهب العامّة، وقد يُقرَّرُ بوجوهٍ، أظهرها:
أنّهم يقولون: إنّ جملةً من الأحكام بيّنها الله تعالى للنبي  صلى الله عليه واله وسلم  معلّقاً لها
 على الاجتهاد، حسبما اقتضته المصالح والمفاسد والقياس والاستحسان،
 فكلَّ ما اجتهد فيه النبي  صلى الله عليه واله وسلم  فلا يجوز لغيره الحُكْمُ على خلافِهِ، وكلّ ما لم
يجتهد فيه  صلى الله عليه واله وسلم  فهو معلَّق على اجتهاد المجتهدين من أُمّتهِ، فما أدّى إليه رأيُ
المجتهد فهو حُكْمُ اللهِ الواقعيّ في حقِّهِ وحَقِّ مقلّديه، ولا حكم لله تعالى
سواه.

وفي قباله التّخطِئة التي استقرَّت عليها طريقُة الامامية، وهي إنّ ما من واقعة من الوقائع إلاّ وقد صَدَرَ حُكْمُها من الشّارع حتّى إرشُ الخدش أصَابَهُ من أصابه وأخطأه من أخطاه.

نعم التصويبُ والتخطئة في الأحكام إذا فَسَّرْناه بالإجزاء وعدمه، بمعنى
أنّ التصويب أنْ يكون ما أدّى إليه رأيُ المجتهد معتبراً والعمل به مُجْزٍ عن الواقع مُطْلقاً حتَّى بعد انكشاف الخلاف، بمعنى أنّه بَدَلٌ عن الواقع مطلقاً، وإنّ التخطئة إنْ يكون مُعتبراً ما لم ينكشف الخلاف، فهو مما وقع النزاع فيه
بين الامامية، وسَمَّاهُ بَعْضُهم بالتصويب والتخطئة في الأحكام الظاهرية، إلاّ أنّه خلافُ اصطلاح الفُقَهَاء في هذه المسألة، وإنّما يُسَمَّى هذا المبحث بمبحث الإجزاء.

وأمّا التَّصويبُ في الموضوعات الذي هو عبارة عن انقلاب حُكْمِها بالعلم والجهل، والذي مرجعه إلى أخذ العلم والجهل في الموضوع، وإلاّ فانقلاب هيأتها وحقيقتها بالعلم والجهل غيرُ معقولٍ، فهو يُنْسَبُ لبعض المتأخّرين من المحقّقين، وفي خصوصِ الطَّهَارة والنَّجَاسَةِ لصاحب الحدائق رحمه الله (1)، خلافاً للمشهور بل للمجمع عليه.

 

المطلب السابع عشر

الإفتاء

الإفتاء مَصْدَرُ أفتى، نظير الإكرام مصدر أكرم، واسم المصدر فَتوَى، بفتح الفاء والواو، أو الفُتيا بضم الفاء وفتح الياء، والجمع فتاوي بالياء قبلها واو مكسورة وفتاوى بالألف قبلها واو مفتوحة.

وكيف كان فالإفتاء هو بيانُ حكم الله تعالى في الواقعة، والفَتوَى والفتيا هي الكلامُ الذي بُيّن بهِ حُكْمُ الله تعالى من دون إلزام بهِ من قبل غير الله تعالى، بخلاف الحُكْمِ فإنّه ما بهِ البَيَانُ لحُكْمِ الله تعالى مع إلزامٍ بالعَمَلِ به ممّن له أهلية الإلزام.

والاجتهادُ هو الطّريق لتحصيل الفتوى، ولا تصحُّ الفتوى إلاّ من المجتهد الجامع لِشُروطِ الاجتهاد، ويُطْلَبُ التَّفصيلُ من كتابنا النور الساطع([491]).

الفَرْقُ بيـن الفتوى والرّواية والحكم

إنّ الذي يتضمَّنُ الحُكْمَ الشرعيّ إنْ كان فيه حكاية عن المحسوس من قول المعصوم أو فعله أو تقريره فيُسمّى بالرواية والخبر والأثر والحديث، وإنْ كانَ فيه إلزامٌ من المفتي فهو الحُكْمُ كما في صُورَةِ القضاء بين الناس، وإنْ لم يكن فيه ذلك ولا هذا فهو الفتوى.

ومنه يعرف معنى الراوي والمحدّث والمخبر والحاكم والمفتي.

حرمة الإفتاء بغير علم وبدون الاجتهاد

يحرم الإفتاء بغير علم بإجماعِ المسلمين، والضرورةِ من الدّين؛ ولقوله تعالى: [وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]([492])، وقوله تعالى: [و لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ]([493])، وقوله تعالى: [وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُم الْكَافِرُونَ]([494]).

 

المطلب الثامن عشر

التقليد

وهو كما عرفتَ: العملُ بقولِ الغيرِ من غير حُجَّةِ تفصيليّة عليه، وهو أمرٌ تقتضيه نُظُمُ الحياة في سائر شؤونها، لا في الأحكام الشرعية فحسب، بل في كُلِّ فَنٍّ وعلم، فإنّ العُقَلاءَ يَرْجِعونَ للخُبراء الفنيين فيما يتعلَّقُ بفنونهم وعلومهم، والسِّيرَةُ والعُرْفُ، بل الفطرة الارتكازية على ذلك منذ أقدم العصور وأول الدهور، ولولاه لوَقَفَ دُولابُ الأعمال، ولوقع الناسُ في حَرَجٍ وضيق، قال تعالى: [فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ]([495]) لكن إنّما يَصِحُّ التقليدُ إذا تَوَفَّرَتْ الشُّروطُ، وقد ذكرناها في كتابنا النور الساطع([496])، ومن هذا الباب الأخذ بقولِ الصَّحَابيّ وفتواه فإنّهُ من التقليد.

فتوى الصَّحَابي

فإنْ كانت شرائطُ صِحَّةِ التقليد متوفّرة في فتوى الصحابي صَحَّ الأخذ بها كما يُؤخَذُ بفتوى سائر المجتهدين وإلاّ فلا، وأمّا حديثُ (أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم)([497]) فهو غيرُ مَسلَّم الثبوت عن النبي  صلى الله عليه واله وسلم ؛ لأنّه ضَعيف الإسناد، كما في الأحكام لابن حزم([498]) ج6، ص82. وأعلام الموقعين([499]) ج2، ص174.

 

المطلب التاسع عشر

في القضاء والحكم

القضاءُ إيقاعُ الحُكْمِ في إثباتِ الحُقوقِ واستيفائها، وفي المصالح العامّة كإثبات الهلال، وهو من الأمور الضّرورية للدّولة؛ لعدمِ خُلوِّ أيِّ مُجْتَمَعٍ من النزاع والتخاصم.

وسُلطَةُ القَضَاءِ سُلْطَةٌ تشريعيَّةٌ يَرْجِعُ تاريخها إلى ما قبل الإسلام، وفي عهد أمير المؤمنين علي  عليه السلام  لمالك الأشتر قال  عليه السلام : (ثمّ اختر للحُكْمِ بينَ النّاسِ أفْضَلَ رعيّتك في نفسك ممن لا تضيقُ به الأمور... وأصبَرَهم على تكشّف الأمور وأصرمَهُم عند اتّضاح الحكم ممن لا يزدهيه إطراء ولا يستميلُهُ إغراء، وذلك قليلٌ، ثمَّ أكْثِرْ تَعَاهُدَ قضائِهِ وافْسَحْ لهُ في البَذْلِ ما يزيل علَّتَه وتَقِلُّ مَعَهُ حاجَتَهُ إلى الناس وأعْطِهِ من المنزلة لديك ما لا يَطْمَعُ فيه غيره)([500]).

والضَّرُورَةُ الدّينيةُ قامت على وُجوبِ القضاء، وجوباً كفائياً.

أركان القضاء

وأركان القضاء خمسة:

الأوّلُ: الحاكم، وهو من عيَّنَتْهُ السُّلْطَةُ لِفَصْلِ الخُصُوماتِ وحَلِّ المنازَعَاتِ وهو المسمَّى بالقاضي.

الثاني: الحُكْمُ، وهو ما يَصْدُرُ عن الحاكم المذكور مما يَدُلُّ على إيقاعه الحكم، وهو إمّا أنْ يكونَ دالاًّ على إلزام المحكوم عليه، كقوله: (حَكَمْتُ عليك بكذا)، ويسمّى بقضاء الإلزام، وقضاء الاستحقاق، وأمّا أنْ يكون دالاًّ على قطع المنازعة ومنع القاضي لها، كأن يقول للمدّعي (ليس لك حَقُّ الدَّعوى عليه، أو ليس لأحدٍ حَقٌّ عليه)، وهذا يُسَمَّى قضاء الترك.

الثالث: المحكومُ بهِ من تسليمِ المال أو إيفاءِ الدَّينِ أو ترك الدّعوى والمنازعة.

الرابع: المحكومُ عليهِ، وهُوَ مَنْ يَصْدُرُ الحُكْمَ ضِدَّه.

الخامِسُ: المحكومُ له، وهو مَنْ يَصْدُرُ الحُكْمَ في جانبِهِ ولمنفعتِهِ، وهو قد يكونُ المدّعي وقد يكونُ المدّعى عليه كما في قضاءِ التَّركِ، وتفصيلِ البَحْثِ في هذا المقام يُطْلَبُ من كُتُبِ الفِقْهِ المطوّلة.

 

المطلب العشرون

في التحكيم

هو أنْ يُحكِّمَ المتخاصِمونَ شَخْصَاً آخراً ليحلَّ النزاعَ والتخاصم بينهم، وهو أقلُّ شأناً من القضاء، ومنه ما في قوله تعالى: [فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا]([501]).

والتّحكيمُ مَعروفٌ قَبْلَ الإسلامِ، وقَدْ كانَ العَرَبُ يُحكِّمون صاحبَ الرأي في خُصُوماتِهم، والظّاهر جَوَازُهُ في المصَالحَة بينَ الطَّرَفين.

جَدُّنا كاشِفُ الغِطاء مع علي آل صويح(2)

إنّ جَدَّنا كاشِف الغطاء قد أفتى بقتل (علي آل صويّح) أبي فدعة الشّاعرة المعروفة؛ لحلِّهِ للخُصوماتِ من دون المراعاة لما تقتضيه الشريعة الإسلامية، وكانَ إذ ذاك يسكُنُ مع أسرة الخزاعل، فجاء علي المذكور متنكّراً للنجف، ومعه ابنُه حسين وبنته فدعة، ودخلاََ دارَ الشيخ جَدِّنا رحمه الله ، ولمّا حَضَرَ الشيخُ رحمه الله  بينهم لم يعرفهم فقال (علي) إنّ النزاعَ قد وَقَعَ بين ولدي وبنتي على مُهْرة، فكلٌّ منهما يقول هي بنت فرسي، وذلك أنّ كُلاً منهما قد ولدت فَرَسُهُ مُهْرَةً في يومٍ واحد وبلون واحد وشكلٍ متشابه، ثم ماتت إحدى المهرتين، وبقيت واحدة منهما، ووقع النزاع بينهما في أنّّها لأيّ الفرسين ولا شهودَ في البين، فقال الشيخ: عليكم بالصُّلح أو القرعة فقال (عليّ): إنّ الفرس إذا عطشت ومعها وليدها لا تشرب الماء حتى يشرب مولودها، فلو جوّزتَ أنْ نُعَطِّشَ كلاً من الفرسين ونجعل المهرة معهما وننظر أيُّ الفرسين لا تشرب الماء حتَّى تشرب المهرة فالمهرة بنتها، فسأل الشيخ جدُّنا رحمه الله  عن ذلك ممن حَضَرَ من أهل الخيل فصدَّقوا علياً بذلك، فقال لعلي: إصنع ذلك وأعطِ المهرةَ لمن له الفَرَس التي لم تَشْرب الماء، إلاّ مع المهرة، فالتفتَ (عليّ) للشيخ، وقال له: أنا عليٌّ آل صُويِّح الذي أفتيتُ بقتله؛ لأنه يحكُمُ بغير ما أنزَلَ اللهُ، وهذا ابني حسين وهذه فدعة، ونحنُ لا نَحْكُم إلاّ في الأمور العرفية مثل هذه الوقائع، وأمّا فيما يخصُّ المسائل الشرعية، فنحنُ نرجع فيها إليكُم، فأجازه التحكيم في مثل ذلك في المسائل العرفية، إذا رضيَ الطَرَفَان، وكتب رحمه الله  له ورقة رفع بها القتل عنه وأجاز له فيها الحكم فيما لو اختير للتحكيم في المسائل العرفية التي تكونُ نظير تلك المسألة المذكورة، وليس هنا محلُّ البحث فليطلب من مظانه.

 

المطلب الواحد والعشرون

الولاية

الوِلايةُ بكسر الواو وفتحها مَصْدَر وَلِيَ، يقال وليَ الشيء إذا مَلَكَ أَمْرَهُ، وهي عند المتشرِّعة الأمارة والسّلْطَنَة، وهي على قسمين:

أحدهما: ويُسمّى بالولاية الخاصّة، وهي التي تكونُ على جهةٍ خاصَّةٍ، وهي عبارَةٌ عن السَّلْطَنَةِ على التَصرُّف بالشيء بنحوٍ خاصّ، كالولاية للفقيه على التصرّف بمالِ الصَّغير ما لم يَكُنْ له وليّ من أبٍ أو جَدٍّ أو وَصيٍّ، وكولاية الفقيه على المجنون والسَّفيه إذا كانَ كذلك، أي: لم يكُنْ لهما أبٌ ولا جَدٌّ ولا وَصيٌّ، وكولايةِ الفقيه على التَّحجير على مالِ المفلّس يمنَعُهُ من التّصرُّفِ في ماله، ولا إشكال عند الفُقَهاء في ثبوتِ هذا النّوع من الولاية للفقيهِ الجامع لشرائط المرجعية.

ثانيهما: وتسمّى بالولاية العامّة، وهي التي تكونُ على جِهَةِ العُمومِ، وهي عبارَةٌ عن السلطنة على التصرف بالأشياء بأنحاء التّصرُّف التي فيها المصلحة، نظير ما يَجْعَلُه أهلُ المملكة للسلّطان من السلطنة على جهَةِ العُموم في التصرُّف في شؤونِ الرّعيّة، فله أنْ يُفَرِّقَ بين الزّوج والزوجة، وله أنْ يستملِكَ ما شَاءَ، وغير ذلك مما تقتضيه المصلحة الزمنية وتدبير شؤون الرعية.

وقد وَقَعَ النزاعُ بين الفقهاء في أنَّ الفقيه الجامع لشرائط المرجعية من كونهِ عادلاً وصالحاً لتولي إدارة شؤون الرعيّة غيرُ مقبلٍ على الدُّنيا أعلَمُ أهل زمانه وأورعهم، هل أنّ الولاية المذكورة ثابتةٌ له بحيثُ يكونُ له الرّياسَةُ المطلقةُ والسُّلْطَةُ العامَّةُ والسّلطَنَةُ الشّاملَةُ فيما يخصُّ تدبيرَ شؤونِ المسلمين الداخلية والخارجية الدينية والدنيوية، وما يرجع لمصالحهم، وما يتوقف عليه نظم البلاد وانتظام العباد ورفع الفساد.

نزاع الشيخ صاحب الجواهر مع الشيخ محسن خنفر 

ونَقَل لي الشيخ محمّد صالح الجزائري(1) أنّ المرحوم صاحب الجواهر  قدس سره  كان يُنْكِرُ ثبوتَ هذه الولاية العامّة للفقيه الجامع للشرائط، وإنّما يقولُ
بثبوت الولايةِ الخاصّة له في بعض المواد التي قام الدليل عليها، كولايته
على القصير والمجنون والسفيه، وأنّ المرحوم الشيخ (محسن خنفر) كان يُثْبِتُها للفقيه الجامع للشرائط، وقد وقع النزاع بينهما في أَحَدِ المجالس الحُسينيّة
في النجف الأشرف، واحْتَدَمَ الجدالُ بينَهُما حَتَّى بَلَغَ أشُدَّهُ، فالتفتَ صاحب الجواهر، وقال: إنْ صَحَّ ما يقوله الشيخ محسن خنفر فليشهد الحاضرون
بأنَّ زوجة الشيخ محسن خنفر طالق لولايتي العامّة التي يقولُ بها الشيخ
مُحْسِنْ خنفر، فالتفت الشيخ محسن خنفر مخاطباً صاحب الجواهر قائلاً: أثبتِ الصُّغْرى.

ولا ريبَ أنّ ذلك كانَ مداعبةً من الطرفين؛ إذ الولاية العامة إنما يَصِحُّ إعمالها فيما فيه المصلحة للشخص أو للمسلمين، وليس هُناكَ مَصْلَحَةٌ في الطلاق المذكور، كما إنّه لا ريبَ في كونِ صاحب الجواهر من أظهر مصاديق المجتهد الجامع للشرائط التي توجب الولاية العامة له.

إعطاءُ جدنا كاشف الغطاء الولاية لفتح عليشاه 

ولعلّ ما أعطاه جدُّنا كاشف الغطاء من الإذن لفتح عليشاه في أخذ ما يتوقّفْ عليه تدبيرُ مملكته والدّفاع عن الإسلام من أموالِ الرَّعيّةِ والحقوق الشرعيّة، ومن جعله نائباً عنه في إدارة شؤون مملكةِ إيران من باب الولاية العامة التي يَرَى  قدس سره  ثُبوتها له.

ولا يقال: إنّ ثبوتَ هذه الولاية للفقيه يؤدّي إلى إمكان أنْ يتصرَّف بحسب هواه وعدم الالتزام بالموافقة للقواعد الشرعية وعدم المبالاة بمخالفتها، فإنّه يقال إنّ المفروض أنّ هذه الولاية إنّما تَثْبُتُ للفقيه العادل الذي له مَلَكَةُ الاجتناب عن المعاصي، المحنّكِ، العارف بمجاري الأمور، وبمصالح الرعية، وهذا لا يكون عنده اتّباع الهوى وعدم المبالاة، فتثبت له الولاية، ولا تكون تصرّفاته التي تقتضيها المصلحة العامة مخالفة للشريعة الإسلامية التي جاءت لسعادة البشر لا لشقائهم، وقد حقَّقنا هذا الموضوع في كتابنا النُّورُ الساطع([502]) فراجعه.

ولاية المظالم

من الولاياتِ المعروفَةِ ولايةُ المظالم الّتي قَدْ عُرِفَتْ من قديمِ الدَّهْرِ، وهي الوَلايَةُ على النَّظَر في مَظَالِمِ النَّاس والتعدّي عليهم من أَهْلِ النّفوذِ والسيطرة والسطوة، كتعدّي الولاة على الرعيّة، وكأخذ الجباة الزائد من المال، والاجحاف من الحكّام في أحكامهم، أو عدم تنفيذها على المحكومِ عليه؛ لعلوّ منزلته وجليل مقامه، ويسمَّى متولّيها (صاحبُ المظالم) ولم يَقُمْ بأعباءِ ولايةِ المظالم بعد الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  إلاّ الإمام علي  عليه السلام .

ويقال: إنّ أوَّلَ مَنْ أفرد للمظالم يوماً عبدُ الملك بن مروان، وإذا أشكل عليه أمرٌ رَجَعَ فيهِ إلى القُضَاةِ والفُقَهَاء.

وكان عُمرُ بنُ عبد العَزيز قد رَدَّ مظالِمَ بَني أُمَيَّة إلى أهلها حتَّى أرْجَعَ فَدَك لِبنَي عليّ  عليه السلام ([503]) وكانَتْ مَحَاكِمُ المَظَالِم تَنْعَقِدُ في المَساجِدِ ويَحْضُرُها شَخْصيّاتٌ كريمة المقام لتحاط بالمهابة والعزَّة والكَرَامَة.

ولاية الحِسبة

الحِسْبة (بكَسْرِ الحاء وسُكونِ السين) وهي الولاية على الأمرِ بالمعروف إذا ظَهَرَ ترك المعروف، والنّهيُ عن المنكر إذا ظَهَرَ فِعْلُ المنكر، والأصل في هذه الولاية قوله تعالى: [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ]([504])، فهيَ وظيفةٌ دينيّة تنفيذية من بابِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تَحْمي بها المصالح العامّة كقمع الغُشّ والحراسة الليلية على البلد، ويسمّى المتولّي لها بالمحتسِب، وقد يستعملُها الفقهاء في الأجر والثواب، كما يقولونَ أعطيَ الفقيرُ حِسبةً أي: للأجر والثواب.

وروي أنّ النبي  صلى الله عليه واله وسلم  ولّى على سوق مكّة بعد الفتح سَعيد بن سعيد بن العاص حِسبةً خوفاً من الخيانة([505]) وإنّ عمر استَعْمَلَ إحدى النّساء على سُوقِ المدينة، وكانت تمرُّ بالسُّوقِ، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتَضْرِبُ بسوطِها مَنْ خالفها، ثمّ صارت وظيفة من وظائف الدولة، وقد عُرِفَتْ هذه الولاية باسم الحِسبة في عَهْدِ المهديّ العباسي، وهي واجِبَةٌ على كُلِّ مُسْلِمٍ وجوباً كفائياً، إذا توفَّرتْ فيه شروطُ وجوبِ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من كون أمره أو نهيه مُثمراً، وأنْ لا يَلْحَقَ بهِ ضَرَرٌ، إلى غيرِ ذلك مما ذَكَرَهُ الفقهاء في وجوبِ الأمر بالمعروف والنَّهيِ عن المُنْكَر.

 

المطلب الثاني والعشرون

في المرجعية العامة

المرجعيّةُ العامَّةُ للفقيه هي التولّي لِشؤونِ الأمة، أو الفرقة والطائفة بأجمعها وبيدِهِ الإدارةُ لتدبير أحوالهِا وأوضاعها، ويسمّى المتقمِّصُ بها بالمرجع بفتح الميم وكسر الجيم.

وتَثْبُتُ للفقيه العادِلِ العَارِفِ بمجاري الأُمور، ويكون التقليد له، والأحكام الشرعية التي تخصُّ الأمة أو الطائفة تابعةٌ لنظره كالحُكْمِ بالهلال والإفلاس والجهاد ونحو ذلك، والولايةُ على ما يَحْتَاجُ إلى الولاية بيدِهِ كالأوقاف، والقصر، وفصل الخصومات بحكمه، إلى غير ذلك من متطلبات الشريعة الإسلامية من الخلفاء والقادة، ويقابلها المرجعية الخاصّة وهي الولاية على القضاء فقط، أو على التقليد له فقط، أو الولاية على أموال القاصرين فقط، وقد أثبتنا في كتابنا النور الساطع([506]) ثبوتَ الولاية العامّة له، وأنّ مجاري الأمور بيده، فله أنْ يُطَلِّقَ زوجة الشخص منه إذا رأى أنَّ المصلحة تقتضي ذلك، ولكنّ هذه المرجعية والولاية العامّة لا يجوزُ لكُلِّ فقيهٍ ومجتهدٍ أنْ يتقمَّصَها، بل لا بُدَّ لها من شروطٍ تتوفر فيه ومَنْ أراد مَعْرِفَتَها فليُراجِعْ كتابنا النور الساطع([507]).

والمرجعيّة العامة للشيعة كانت عِنْدَهُم ثابتة للرسول  صلى الله عليه واله وسلم ، ثمّ من بعده للائمة الاثني عشر، ثم بعد الغيبة الصغرى بأمرِ الإمام الثاني عشر عجل الله فرجه الشريف ، رجعت للمجتهد المهتم بشؤون الرعية، والأعلم بالأحكام الشرعية، والبصير بمجاري الأمور، والعارف بتدبير الوقائع، والمحافظ على دينه في سائر الحوادث، والمخالف لهواه الموقع له في المهالك.

 

المطلب الثالث والعشرون

في المناظَرَةِ والنِّزاع في المسائل الفقهية

اعتادَ عُلمَاءُ الفقه إذا ضَمَّهُم مجلسٌ أنْ يَطْرَحَ بَعْضُهم مسألةً ويبيِّن
وجه إشكاله فيها، ويطلب وَجْهَ الصَّوابِ منهم، فيقَعُ بينَهُم الجدال لإيضاح الحقّ فيها، فإنّ الحقيقة لا زالت تبرق من تصادم الأفكار، والحقُّ يظهر من تضارب الآراء، وإنّ تصادُمَ العقول ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات هي مناط الاعجاب، وبها نتمكّن من أنْ نعالج جميع مطالب الحياة ونوفق
 بين متطلباتها، ولا يمنع من ذلك كون المجلس مجلس عزاء أو فرح.

وكان أستاذنا المرحوم الشيخ كاظم الشيرازي لا تخلو مجالِسُهُ من المناظرة في المسائل الشرعية، وفي طَبَقَاتِ الشّافعية في تَرْجَمَةِ الشَّيخ أبي إسحاق، نقل عن أبي الوليد الباجي([508]) وقوعَ المناظرة من الفقهاء في المسائل في مجالس العزاء ممن أُصيبَ بفقدِ من يُكرَّم عليه([509]).

المناظرة بيـن المحقق الحلي والطوسي 

وجَرَتْ مناظرةٌ بين المحقّق جعفر بن الحسن الحلي صاحب الشرائع وبين نصير الدّين الطوسي رحمه الله  صاحب تجريد الكلام في بلدِ الحلّة، فقد كان المحقق الحلي يدرّس في القبلة؛ إذ حَضَرَ في الدَّرْسِ نصيرُ الدِّين الطوسي رحمه الله ، وكان البحث في استحباب التياسر للمصلّي بالعراق، فاعترض نصيرُ الدِّين عليه وقال: إنّه لا وجه لهذا الاستحباب؛ لأنّ التياسر إنْ كانَ من القبلة إلى غيرها فهو حرام وإنْ كان من غيرها إليها فهو واجب، فقال المحقق في الحال: إنّه منها إليها، فسكت نصيرُ الدين، ثمّ إنّ المحقق ألَّفَ رسالةً بهذا المعنى وأرسلها إليه فاستحسنها([510]).

مناظرة الشيخ مع علماء بغداد

وقد نَقَلَ هذه الرسالة جَمَالُ الدّين بن فهد الحلي([511]) في كتابه المهذب في شرح المختصر بتمامها، وذكر في المستدرك للنوري([512]) إنَّ فقهاء بغداد قصدوا الشيخ الطوسي رحمه الله  للمذاكرة معه في كتابه النهاية فأمَرَهُم بالصَّوم ثلاثة أيام قبل المطارحة فيها ليذهب حُبُّ الغَلَبَة منهم.

والحقُّ مع الشيخ رحمه الله  فإنَّ الجَوَلانَ في ميدان المناظرة والتسابق في حلبة الجدل يبعث النفس الأمارة بالسوء أنْ تُدْلي الحُجَجَ والبراهين على صِحَّةِ القولِ وعدم مراعاة جانب الحقّ.

وقد صرّح بعضُ العلماء بأنّه لا يصِحُّ الأخذ بقوله وبرهانه في مقام الجدل؛ لأنَّ الكلامَ مَبنيٌ على الختل والمغالطة وحب الغلبة([513]).

 

المطلب الرابع والعشرون

في الإجازة

الإجازةُ مصدرُ أجاز وأصْلُها إجوازة؛ لأنّ مصدر (أفعل) إفعالة مثل: أقال إقالة، وأجاد إجادة، فكانت الواو متحرّكة، وللتَّخفيف نقلت حركتها إلى ما قبلها، فالتقى ساكنان، فحذفت، فصار إجازة.

وهي في عرف العلماء: إخبارٌ إجماليٌ بأمورٍ معلومةٍ مضبوطة، مأمونٍ على تلك الأمور من الغلط والتصحيف، ولا يشترط فيها لفظ خاص، فيصحُّ أنْ يأتي بمرادفها، مثل أذنت ورضيت ونحوها، ولا يُشْتَرَطُ في المجيز أنْ يكونَ مُجازاً ولا يلزمه أنْ يُفْصِحْ عن عَدَمِِ إجازَتِهِ من الغير. والإجَازَةُ على قسمين:

أَحَدُهُما: إجازة اجتهاد، وهي شهادةٌ من المجتهد في حَقِّ شخصٍ، بأنّه بَلَغَ مرتبة الاجتهاد، ويثبُتُ بها اجتهاده مع تعدُّدها وجمعها لشرائط الشهادة.

ثانيها: إجازة رواية، وهو أنْ يُجيزُ شخصٌ لآخر أنْ يروي عنه ما في الكتاب الفلاني من الأخبار والفتاوي والمطالب، وهي تنفعُ في ثبوت سلامةِ ما في
 ذلك الكتاب من الخطأ والغلط في نُسَخِهِ وصِحَّةِ رواية صاحب الكتاب
 عن غيره فقط لا صحة سند الرواية. وقد يُوصَفُ الشَّخْصُ بكونِهِ شيخُ إجازةٍ وبكَوْنِهِ شيخ روايةٍ، وفرقٌ بينهما: بأنّ الأوّلَ هو الذي ليس له كتابٌ يروى، ولا رواية تنقل عنه، بل هو يجيز رواية كتاب غيره، ويذكر في سَنَدِ الرّوايةِ لمجرَّدِ اتّصالِ السّنَد، والثاني هو من تؤخذ الرّواياتُ منه أو من كتابٍ له في الروايات.

 

المطلب الخامس والعشرون

البزة للفقهاء

لم يَكُنْ لِفُقهاء الإسلام لباسٌ مَخْصُوصٌ يمتازون به عمّا عَدَاهُم، حتّى إذا جَاءَ عَصْرُ هارونَ الرّشيد، وكانت حاجَةُ النّاس لمعرفتهم في فَهْمِ الأحكام الشرعية تقتضي تميّزهم عمّا عداهم، لبس الفُقَهاءُ على رؤوسهم لباساً خاصّاً يُميِّزُهم عن عامّة الناس، والمرويّ عن ابن خلكان(1) أنّ الفقهاء والقضاة كانوا يلبسون عِمَامَة سوداء بشكلٍ خاصّ مبطّنة، وطيلساناً أسود، وأوّل من غير لباس العلماء ومَيَّزَهم في لباسهم عمّا عداهم أبو يوسف قاضي الرشيد(2). وفي النَّجَف الأشرف البزّة المميّزة لطلاّب العُلوم الدينيين وللفُقهاء الرّوحانيّة هي العمَّة السوداء لمن يَنْحَدِرُ من السُّلالةِ الهاشميّة، والبيضاء لغيرهم، ويلبس الجميع العباءة ويلبسون تحتها في الشتاء ما يسمى (بالزّبون) وفي الصيف ما يسمى (بالصَّاية) والأغلب لبس الجبّة تحت العباءة.

 

المطلب السادس والعشرون

في الدراسة الفقهية

مكان الدراسة

تَرْتَبِطُ الدّراسة الدّينية ارتباطا وثيقاً من حيثُ المَكَان عندَ الشّيعة بمحلّ زعيمهم الدّيني، وعندَ السّنّة أيام الخلافة وقوّتها بالبلدِ التي اتَّخَذَتْ عاصِمَة لها، وبَحَسَبِ الزَّمان حسب ظُروفِ التّشجيع لها من وُلاةِ الأمور وأصْحَابِ السَّطوة والسُّلْطَة أو مِنْ سَرَاةِ الشَّعب وأفذاذه.

منهاج الدراسة

وأمّا مِنْهاجُها فهو يستمدُّ من العقيدة، فإن أثَرَ العقيدة يَتَجَلَّى بوضوحٍ في تشكيلِ مناهج الدّراسة واختلافها، وقد اتّسَمَتْ هذِهِ الدّراسَة الدّينيّة بمرونَتها في أساليبِ التَّحْصيل والتعليم من دون تَفْرِقَةٍ بين الشّعوب والطَّبقَاتِ والقوميات، ممّا أوْجَبَ ازْدِهارها وانتشار ثقافتها، وقد أنجبت عُلماء أعلاماً لا في الفقه فَقَطْ بل في علومٍ شتّى وفنونٍ كثيرة، ازدهرت بهم دنيا الإسلام، ونَهَلَ العَالَمُ الإنساني أَجْمَعْ من معينِ مَعَارِفِهمِ وتغذَّى ثقافةً من ثمراتِ تفكيرِهِمْ، وارتوى معرفة من نمير صوب خواطرهم.

بيد أنّ اعتراف المجتمع العلمي والأفق الثقافي بفضيلةِ خرّيجها هو الشهادة التي يسمو بها وتعيّن منزلته العلمية، ويحرز بها قَصَبُ السَّبْقِ، وقد أَخَذَتْ هذِهِ الدّراسة تنمو وتتطوّر شأنَ غيرها من الدّراسات للعلوم المختلفة، مستمِدَّةً من التقدُّم الرائعِ الذي ظَفَرَ بهِ الإنسانُ في ميادين العلوم والفنون والفلسفة، غير أنّها أصابها بعضُ الضُّمور عند أهل السنّة عندما انسدَّ عليهِم باب الاجتهاد، حيثُ تقيَّد عندهم الانطلاق الفكري، وأمّا الشيعةُ حيثُ كانَ عندهم بابُ الاجتهادِ مفتوحاً تقدَّمَتْ تقدُّماً باهِراً بوَفْرَةِ المحصولِ العلميّ واتّساعِ الأفق الفكري.

 

المطلب السابع والعشرون

في مدرسة الحَديثِ ومَدْرَسَةِ الرّأي في الفقه

ليسَ المرادُ بالمدرسة هُنا مَعْنَاها المتعارَف مِنْ دورِ التّعلم والتعليم، وإنّما المراد بها الطّريقة التي يتّخِذُها المجتهدُ في استنباط الفَرْعِ الفِقْهيّ، فقد كانَ للفُقَهاءِ بحَسَبِ الاستقراء في استنباط الحُكْمِ الشَّرعي مسلكان:

أحدهما: الاعتماد على الكتاب والسنة من غير رجوعٍ للرأي والقياس والاستحسان والتعمّق في معرفة علل الأحكام، وعند اختِلاف الأحاديث يُرجّحون بَعْضَها على بعضٍ بالرّأي، ومع عَدَمِ الكِتابِ والسُّنَّة يرجعون لآثار الصّحابة، ومع عدم ذلك فبعضُهُم يعمَلُ بالرأي وبَعْضُهُم يمتَنِعُ عن الفتوى، وكانوا من طابعهم كراهَةَ الفقه الافتراضي الذي هو البَحْثُ عن المسائل التي ليسَتْ بواقِعَةٍ حتّى لا يلجأون إلى الفتوى بالرأي أو التوقُّف فيها؛ لأنّها لما كانت غيرُ واقعةٍ كان من القويّ جدّاً عَدَمُ النصّ من الكتاب، ولا من السُنَّة ولا من آثار الصّحابة فيها.

والحاصل: إنّهم في الفقه يعتمدون في نوع استنباطاتهم لمسائله على الكتاب والسنة والإجماع، دون الرجوع للقياس، ويكون رُجوعهم للقياس والرأي من الشاذ النادر، أو من باب إفادتهما للقطع بحيثُ يكونُ طابعهم هو عَدَمُ الرجوع إليهما، وعَدَمُ البحث في المسائل الفقهية التي لم يَقُمْ عليها تلك الأدلة، ولذا لم تَجِدْ في أبحاثهم المسائل الفَرضيّة غير الواقعة، وقد أطْلَقَ عليهم اسم أهل الحديث، وعلى مدارسهم اسم مدرسة الحديث ومَدْرَسَة المدينة ومدرسة أهل الحجاز، وكان المتزعّم لهذه المدرسة من ولاة الأمور هو عليّ بن أبي طالب  عليه السلام  حيثُ منع  عليه السلام  أشَدَّ المنع من العَمَل بالرّأي، ومن الفُقَهَاء هو سعيدُ بنُ المسيّب([514]) المتوفى سنة (94هـ) في المدينة المنورة.

والمعروفُ أنّ مالك بن أنس صاحب الموطّأ المتوفى سنة (179هـ)، قد وَرِثَ هذه الزّعامة لهذه المدرسة، ولكن قد نقل عنه العَمَلُ بالرأي والاستعانة بالقياس([515])، ولكنَّ عمله هذا لا يمنع من انتمائه لمدرسة الحديث لكونِهِ لم يَكُنْ ذلك طابعاً له ولم يتَّخِذْ القياس دليلاً في مقابلة الحديث المعتمد لديه، فإنَّ الميزان في عَدِّ الفقيه من هذه المدرسة هو أنْ يكونَ طابعه والغالب عليه العَمَلُ بالحَديثِ، وعدم العمل بالقياس والرأي، فلا يَضُرُّ في نسبتهِ لمدرسة الرأي لو عمل بالقياس شاذا نادراً، ولعله من جهة إفادته القطع.

وقد حُكيَ عن ابن قتيبة عَدّ مالك في معارفه من أصحاب الرأي([516])،
وعَدّ الحافظ([517]) أصحابَ مالك في (تاريخ عُلَمَاء الأندلس) من أصْحَابِ الرّأي، وقد سلك هذا المسلك الكثير من فُقهاء الحجاز، واتجّهوا في استنباطهم         للأحكام هذا الاتجاه، وممن تتجلّى فيهم هذه النزعة سالمُ بنُ عبد الله بن عمر([518])، الذي كان يرفض الإفتاء بالرأي، فإذا سئل عن أمر لم يسمع
 فيه شيئاً، قال: لا أدري، وهذا ما دعا أنْ يسافر الكثير منهم للبلدان
الإسلاميّة ليجمعوا الأحاديث من الصَّحَابة الموجودين فيها، ولم يكن أتباع هذه المدرسة مقصورين على فقهاء المدينة والحجاز، بل انتشروا في الأقطار الإسلامية.

ففي الكوفة عامر الشعبي([519])، وسفيان الثوري، وفي الشام الاوزاعي، وفي مصر يزيد بن حبيب، فإنّهم كانوا يكرهون الرأي، ويعملون بالحديث والأثر، وسمّوهم بأهل الحديث، مع أنّ بعضهم قد يعتمد على الرأي، كما تقدَّم نقل ذلك عن مالك، باعتبار أنّ الأغلب في أدلّتهم هو الحديثُ، وإلاّ فهُمْ يعتمدون على الكتاب، ومع هذا لا يسمّون بأهل الكتاب.

ويُنْسَبُ لهذه المدرسة من أصحاب المذاهب الأربعة مالك بن أنس صاحب الموطّأ، والشافعي، وأحمد بن حنبل، ويقال: إنّ هذا المسلك في الاستنباط وهذه النزعة في معرفة الأحكام الشرعية لم يَكْتُب لها البقاء، وقد انتهى أمَدُها بوفاة الإمام داود الظاهر سنة (270هـ)([520] حيثُ صار الفقهاء يبذلون قصارى جهدهم بحثاً عن علل الأحكام، ويكثرون الفتوى في الوقائع المتجدّدة التي لا نَصَّ عِندَهُم عليها بالقياس والاستحسان.

فقهاء الشيعة:

ولكنّ فقهاء الشيعة لا يزالون حتّى الآن من أهل الحديث، واعتمادهم في الوقائع الموجودة والتي توجد وحتّى التي يُفْرَضُ وجودها على الكتاب والسنة والإجماع والعقل القطعي، أعني: الذي يُفيد القطع من الأدلّة العقلية، فإنْ كانَ فيها دِلالَةٌ عليها أخذ بها، وإلا فيرجعون فيها لأحد الأصول الشرعية العملية، مما تكون هي مَوْرِداً لها، وهي أربعة: البراءة، والاستصحاب، والاحتياط، والتخيير.

ومن طابعهم الأخذ بالأخبار وعدم العمل بالقياس، فيكونُ
الميزان في عَدِّهِم من أهل الحديث وهو العَمَلُ به وعدمُ العَمَلِ بالقياس
موجوداً فيهم.

ومن هنا يظهر لك أنّ فقهاء الشيعة حتّى القائلين منهم بانسداد باب
العلم، كالمحقق القُمّي([521])، من أهل الحديث؛ لعدم عَمَلِهِم بالقياس وأخذهم بالأخبار.

المسلك الثاني: هو الاتّجاه في استنباط الحكم الشرعي للرأي بالعَمَل بالقياس والاستحسان والذّرائع ونحوها، وهو يستدعي البَحْثُ عن العِلَلِ للأحكام، وجعل الحكم دائراً مَدَارَها وإنْ خَالَفَ ذلك ظَواهِرُ النُّصوصِ، حتَّى أنَّ الكثيرَ منهم صرّحوا بأنّ الأدلّة الفقهيّة أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والميزان في عَدّ الفقيه من أهلِ هذا المسلك وهو أنْ يكونَ طابعه وعمدة ما يعتمد عليه في استنباطاته هو القياس، بخلاف المسلك الأول، فإنَّ الميزان في عَدِّ الفقيه من أهله أنَّ يكون طابعه وعمدة ما يعتَمد عليه هو الأحاديث، والأخْذُ بظواهر النُّصوصِ من غيرِ بحثٍ عن العلة.

ثمّ إنّ أهل هذا المسلك الثاني طريقَتُهُم هو الأَخْذُ بصريح الكتاب
أو بالسنة المتواترة أو المشهورةِ التي اتّفَقَ عُلَمَاءُ الأمصار على العَمَل بِها بعد الرسول  صلى الله عليه واله وسلم ، أو رَوَاهَا صَحَابيٌّ أمَامَ جَمْعٍ منهم، ولم يُخَالِفْ أَحَدٌ فيها، ثمَّ بَعْدَ ذلك يرجع للإجماع في عَهْدِ الصَّحَابة، فإنْ لم يوجد ذلك رَجَعوا للرأي من طريق القياس والاستحسان ومراعاة المصلحة، فيفتشون ويبحثون عن العلل التي شُرِّعَتْ لها الأحكام، ويحصّلونها عن طريق الظّن والحدس والتخمين، ويجعلون الحكم دائراً مدارها، وكان ذلك سبباً في عدم أخذهم بخبر الواحد غير المشهور، وعدم أخذهم بظواهر النصوص.

وكانوا يذكرون الحكم الشرعي حتّى للمسائل التقديرية الافتراضية غير الواقعة، باعتبار وجود علّة الحكم فيها، ولذا كان الفقه الافتراضي أوّل ما وُجِدَ عندهم.

وعرف فقهاء هذا المسلك بالآرائيين، وعُرِفَ فقهاء الحنفية بهذه المدرسة، وعبّروا عنهم بأصحاب الرأي، وكان الفقهاء الذين يسلكون هذا المسلك يُسمَّونَ بأهل الرأي، ويطلقون على مدارسهم اسم مدرسة أهل الرأي ومدرسة الكوفة، حيثُ كانت في الكوفة نواةُ هذه المدرسة.

وقد تزعّمها بادئ بدء من الفقهاء عبدُ الله بن مسعود الصّحابي، الذي
بعثه عمر وزيراً ومعلِّماً لأهل الكوفة، وكان متشبعاً برأي عُمَرَ بن الخطاب في البحث عن عِلَلِ الأحكام، والأخذ بالرأي والقياس، ثمّ تزعمها إبراهيم النخعي، ثمّ خلفه حمّاد بن سليمان([522]) الذي كان أُستاذاً لأبي حنيفة، ثمّ أبو حنيفة.

ولم تَكُنْ الكوفة هي البلد المقتصر على فقهاءِ أهل الرأي، بل منهم من كان في المدينة كربيعة الرأي المتوفى سنة (136هـ)([523]).

ومن الفقهاء الذين ينسبون لهذا المسلك الحَسَنُ البَصْريّ المتوفى سنة (180هـ)، وينسبون لهذا المسلك الزيدية.

والحاصل: إنّ الميزان في عَدِّ الفقيه من أهل الرّأي، هو رُجوعُه للقياس ونحوه في أغلب استنباطاته للفروع، بحيثُ يكونُ طابعُهُ ترك الأخبار، والأخذ بالقياس، والميزان في عَدّ الفقيه من أهل الحديث، هو أنْ يكون طابعه الأخذ بالحديث والعَمَلُ بظاهِرِه في استنباطه للأحكام الشرعية، وطرح القياس والاستحسان ونحوهما، ولا يوجب رجوعَ الفقيه للتحسين والتقبيح العقليين واستفادة الحكم الشرعي منهما أنْ يكون من أهلِ الرأي إذا لم يعتمد على القياس والاستحسانات.

فتلخص: أنّ الميزان للمسلك الأول، وهو مسلك أهل الحديث، ومدرسته هو العَمَلُ بالحديث، وطرح القياس، بحيث يكونُ الطابع له هو ذلك، والميزان للمسلك الثاني وهو مسلك أهل الرأي ومدرسته هو العمل بالقياس وطرح الحديث، بأن يكون الطابعُ له هو ذلك، وقد نقل لي والدي رحمه الله  عن أحد أكابر فقهاء هذا المذهب أنّه عُرض عليه حديثٌ يخالف القياس فقال الفقيه: حُكَّهُ بذَنَبِ خنزير.

مركز الدراسة الفقهية عند الشيعة

إنّ الدراسَةَ الفقهية عند الشّيعة الاثني عشرية قد كان مركَزُها هو البلد الذي يسكنه الإمام من الأئمة الاثني عشر، ثمّ بعد غيبة الإمام الثاني عشر الكبرى سنة (329هـ) في سامراء كانت تدورُ مدار سُكْنَى الزّعيم الشيعي؛ لأنه هو المَرجِع لهم، ولذا لو تَعَدَّد الزعيم الديني لهم في بلادٍ مختلفة تعدَّد مَرْكَزِ الدّراسة بحسبها، وانتَقَلَتْ من سامراء وصارَ لَهَا مركزان:

أحدهما: قُمْ، حيثُ كانت مَرْبضاً لقادة الفكر الديني الشيعي، فقد كان فيها الصدوق مؤلّف من لا يحضره الفقيه وغيره وكان من أهم المراجع للشيعة.

وثانيهِما: بَغْداد، حيثُ كان فيها مَرْجِعاً للشّيعة ابن جنيد والاسكافي.

ثم انحصر مركزها في بغداد، حيثُ كانَ مَرْبَضَاً لقادَةِ الفِكْرِ الدّيني الشيعي، ومهبطاً لطُلاّب العلم الفقهي، ومنهلاً عَذِباً لمعرِفَةِ الحُكْمِ الشَّرعي لانحصار المرجعية العامة والزعامة الدينية الكبرى بالشيخ محمّد العكبري المفيد، المتوفَّى سنة (413هـ)، وهو يسكن بغداد.

ثم من بعد وفاته انتقلت الزعامة الدينية لتلميذه علم الهدى السيد المرتضى المتوفى سنة (436هـ).

ثم من بعده انتقلت الزعامة الدينية لتلميذه الشيخ محمّد الطوسي رحمه الله  ولم يزل رحمه الله  في بغداد مرجعاً للطائفة في الفتوى ومأوى لهم ولغيرهم في البحث والتدريس، حتى ثارت الفتن من دعاة الفرقة وانشقّت عصا الجماعة من المستهزئين بالدّين والفضيلة، فتعدّوا على كرامة العلم والعلماء بإحراقهم للكتب العلمية، وهدمهم للجوامع الإسلامية، وهتكهم للمقدسات الدينية على عَهْدِ العُتُلّ الأرْعَنْ الأهْوَج (طِغْرِلْ بيك السّلْجُوقي)([524])، الذي شَقَّ عرى الوحدة
بين المسلمين، وفَصَم عُقَدَ الأُخوّةِ بين أهل الدّين، حتى احترقت دار الشيخ الطوسي رحمه الله  ومكتبته وكرسيّه الذي يجلس عليه للتدريس، سنة (448هـ).

فانتقل رحمه الله  للنَّجَف الأشرفِ خَوْفاً على نَفْسِهِ ومتعلّقيه، حَيْثُ كانَتْ النَّجَف المكان الأمين والبُقْعَةُ المقدَّسَة، وفي المبيت بها الثّواب الكثير، وليس فيها إلاّ الشيعة، وبانتقاله إليها انتقل مَرْكَزُ الدّراسة إليها، وأصْبَحَتْ جَامِعَةً علمية مهمّة، يقصدها طلاب العلوم الدينية من كلِّ حَدْبٍ وصَوبِ لوجود مَرجِع التّقليد الأعلى فيها.

ثمَّ في القرن السابع بعد سقوط بغداد بأيدي المغول التَّتَر سنة (655هـ) انتقل مركز الدراسة من النجف إلى الحلّة؛ لأنها كانت في مأمن من نكبة المغول للعراق وأقْرَب مركزٍ لبغداد، وتتوفر فيها متطلّبات السُكْنى والحياة، فانتقل لها علماء بغداد، وأوْجَبَ ذلك قوّة النشاط العلمي، ممّا دعا أنْ تكون هي المركز العلمي للدراسة الفقهية، وكان ذلك في عَصْر الشيخ نجم الدين المعروف بالمحقق الحلي المتوفى سنة (676هـ)، صاحب شرائع الإسلام، وكان مجلسه العلمي يحوي أكثر من أربعمائة مجتهد.

ثم انتقل مركزها من الحلّة للنجف مرَّةً ثانيةً في القرن العاشر نتيجةً لوقوع الاضطرابات في الحلة بسببِ الحروب التي وقعت فيها بين المشعشعين وبين التركمان، وكان ذلك في عهد المقدَّس الأردبيلي([525]) المتوفى سنة (993هـ) عندما أقام في النجف.

وفي سنة (1156هـ) عُقِدَ في النَّجَف بواسطة نادر شاه الاتفاق([526]) بين الشيعة والسنة بإلغاء الطائفية والتمسُّك بالوحدة الإسلامية، ووَقَعَ على هذا الاتفاق علماء السنة والشيعة.

ثم انتقلَ مَرْكَزُها لكربلاء في القرن الثاني عشر عندما جاءَ إليها المحقِّق محمد باقر بن محمّد الوحيد البهبهاني المتوفى سنة (1208هـ)، والظاهر أنَّ السَّببَ في ذلك هو كثرة وجود الأخباريين في كربلاء، مما أوجب أنْ يذهب علماء الأصوليين بزعيمهم الأعلى المحقِّق البهبهاني المذكور لرفع المذهب الاخباري عنها.

ثم عاد مركز الدّراسة للنجف مرة ثالثة بانتقال السيّد بَحْر العُلوم المتوفَّى سنة (1212هـ)، والشيخ الكبير كاشف الغطاء المتوفى سنة (1228هـ)، والشيخ حسين نجف، وغيرهم من جهابذة الفن وفطاحل العلم؛ لوقوع الاضطرابات في كربلاء وحدوث الحوادث المخيفة منها، كغارة الوهابيين عليها، وسلب سلطان إيران فيها، واشتدت الحال بها أيّام داود باشا([527]) سنة (1234هـ)، فأصْبَحَ الطّالِبُ لا يملك الأمان لنفسه، وحيثُ إنّ النجف لا مطمع لأهل الصولجان والسلطان فيها؛ لأنها وادٍ غير ذي زرع، فكانت بمعزلٍ عن العالم، تَصْلُحُ لأهل التَّقوى والإيمان، مَعَ ما فيها من مجاوَرَةِ سَيِّد الأوصياء التي ينال بها الثواب الجزيل والأجر العظيم، وما في الدفن فيها من النجاة من العذاب الاليم.

ويقال: إنّ ذلك كان بإصرار من الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ولذا كان هو المتَصَدّي لتمصير النَّجَف وبناء سُورها والمحافظة على شؤونها، فأوجب هذا وذاك انتقال مركز الدراسة إلى النجف الأشرف مرّة ثالثة.

ثم انتقال مركزها أيّام السيد حَسَنْ الشيرازي صاحب تحريم التّتن المتوفّى سنة (1312هـ) لسامراء؛ لتوفّر وسائل الحياة فيها، ولحدوث سوء التفاهم
بينه رحمه الله  وبين رؤساء النجف، وحيثُ كانَ هو المرجع الأعلى للشّيعة، والدراسة الدينية تَدورُ حيثُ ما سَكَنَ قائدها ومدير دفّتيها الذي هو المرجع الأعلى للشيعة.

وبَعْدَ وفاته انتقل مَرْكَزُها لكربلاء أيام ميرزا محمّد تقي الشيرازي، صاحب الثورة المتوفّى سنة (1338هـ)، وبَعْدَ وفاته انتقل مركزها للنَّجَف الأشرف مرّة رابعة، ولا تزال باقيةً حتّى الآن في النَّجَف الأشرف، نسأله تعالى بجاه من لذنا بجواره أنْ تبقى فيها ما بقي الدهر.

لكنْ لا يَخْفَى على القارئ أنّ انتقال الدراسة من النجف في هذه المرات بعد الشيخ الطوسي ليسَ معناه زَوَالُها عن أصلها، وإنّما هو انتقال مركزها ومحورها عنها بواسطة أنّ مركزيّة الدراسة تابعة للزّعامة الدينية عند الشيعة، فلمّا انتقلت الزَّعامة في هذهِ الفترات انتقلت المركزية للدراسة معها، وإلاّ فالدراسة بقيت في النّجَف مستمرة إلاّ أنها أصابها الضمور والتَقَلُّصُ في تلك الحالات.

فإنّا لا نعني بوجود مركز الدراسة الدينية الشيعية في بلدٍ معناه هو انعدامها في باقي بلدانهم المهمة؛ إذ لا يمكننا أنْ نتجاهل عَظَمَة الدراسة الدينية في قم، وخراسان، وطهران، وأصفهان، وغيرها من بلدان إيران من قديم الدهر حتّى اليوم، ولا يمكننا أنْ ننكر وجود الدراسة في كربلاء والكاظمية وغيرها من بلدان العراق منذ أمَدٍ بعيد حتَّى الآن، ولا يمكننا أنْ نغضَّ النظر عن الدراسة المذكورة في باقي المناطق الشيعية في الممالك الإسلامية كسُوريا ولبنان والبحرين وأفغانستان والسعودية وغيرها، إلاّ أنّ الذي نعنيه كونُ البلد هي المركز هو ارتباطُ الدّراسة الدينية الشيعية بذلك البلد، باعتبار ما فيه من توفّر أسباب التحصيل، وسعة الدراسة وكثرة الفقهاء، فيهاجر إليه لتحصيل المعارف الفقهية أو تكميلها أو تقويتها، ولنيل شهادة الاجتهاد من الزعيم الدينيّ الأعلى الذي حَلَّ فيه.

 

المطلب الثامن والعشرون

معاهد التدريس لعلم الفقه

لقد دَلَّتْ الآثار ونقلت كتب السير والأخبار أنَّ المسلمين كانوا يتَّخِذونَ مساجدهم مدارس، وجوامعهم مَعَاهِد، يتلقّون فيها الأحكام الإسلامية، والعلوم الدّينية، ولعلّ النصارى اتّخذت أديرتهم وكنائسهم لتدريس مَعَارِفِهِم فيها من الإسلام، ولم تكن تلك المساجد في معظم البلدان الإسلامية على كثرتها وسعتها محلاّت للعبادة والاعتكاف والصّلاة فحسب، وإنّما تَعَدَّى الأمر فيها للدراسة والبحث والمناظرة إلى أعلى مستوى في تغذيةِ العَقْلِ الإسلامي وإمداد الفكر العربي، وتخرَّجَ من رحابها العلماء الأعلام، وعُظماءُ الفُقَهَاء، وعباقرةُ الفنّ، وإلى جانب ذلك يجتمعُ العُلَمَاءُ والأدباء والشُّعَراءُ في بيوتِ أربابِ العلم، وأهل الثورة، ويعقدون فيها نَدَوَاتِهِم الأدبية، وتسمّى هذه المجالس (مجالس الأدب).

وكانَ التّلاميذُ الذين يجتمعون حَوْلَ مدرّسهم لأخذِ العلم منه يسمّونهم بالحلقة، وينسبون كُلّ حلقة لأستاذها، فيقال: حلقة ربيعة الرأي في مسجد الرسول  صلى الله عليه واله وسلم .

قال الغزّالي في الإحياء: (إنّّ حلقات التدريس كانت تعقد في المسجد منذ أنْ نشأت المساجد)، واستمرّت على مَرِّ السنين والقرون، وفي مختلف البلدان الإسلامية، وبدون انقطاع منذ أن كانت تعقد حلقاتِ العلم في مسجد قباء.

وفي طليعَةِ الجوامع والمساجد التي اشتهرت بالتدريس فيها جامعُ الرسول بالمدينة، وكان في مؤخّرته مكان يسمّى بالصّفة، وقد أنزل فيه الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  ما يزيد على السبعين والمائة، وسمّاهُم أصْحَابُ الصُّفَّة، وكان أَحَدُهُم عندَهُ تَعَلُّمُ آيتين من القرآن خيرٌ من حمر النعم، وهو أوّل مدْرَسَةٍ دينية من المساجد اتَّخَذَها الإسلام معهداً للتدريس، وكان القُرَّاءُ هُمْ المعلّمون، ولذا كانوا هُمْ أوَّلُ المدرّسين في الإسلام.

إلاّ أنَّ أوّلَ مَصْدَرٍ ثقافيّ في معاهد التّدريس للمسلمين، هو دَارُ الأرقم بن أبي الأرقم([528] بمكَّةَ المكرّمة على الصَّفا، وكان الأرقم عاشِرُ عشرة أسلموا من الأوائل، وفي داره المذكورةِ كان النبيّ  صلى الله عليه واله وسلم  يدعو النّاسَ للإسلام، ويعلِّمُهُم الأحكام والقرآن، واسلم فيها جَمَاعَة بلغوا الأربعين رَجُلاً، ومن المساجد التي اشتهرت بالتعليم فيها المسجد الأقصى في القُدْسِ، والجامع الأموي بدمشق، ومسجد الكوفة في مدينتها، وجامع أمير المؤمنين  عليه السلام  في البصرة، وكان يعتبر أكبر جامعة إسلامية أقَامَها العَرَبُ بعد مسجد رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم  بالمدينة المنوَّرة إلى حينِ خرابِهِ سَنَةَ (701هـ).

فمن هذا الجامع كَتَبَ أبو الأسودِ الدُؤَلي([529]) أصولَ عِلْمِ النّحو من
عليٍّ  عليه السلام ، ومنه شَعَّتْ آراءُ المتكلّمين كالحَسَنْ البَصْريّ، وواصل بن عَطَاءِ المُعْتَزليّ([530])، وأبي مُوسَى الأَشْعَريّ([531]) وغيرهم.

وجامِعُ المنصور ببغداد، وهو أقدم جامعٍ بها، وأشهر مَرْكَزٍ للتّعليم في المملكة الإسلامية، وجَلَسَ إلى أسطوانةٍ فيه إبراهيم بن محمّد نفطويه([532]) خمسين سنة لم يغير محلّه منها، وكان من أكابر العلماء بمذهب داود الأصفهاني.

وجامع أحمد بن طولون([533]) في القَطَائع، وجَامِعُ الفسطاط الذي كان فيه مائة وعشرة مجالس لحلقات التعليم والوعظ، وجامعُ الأزهر في مصر.

وجامع الطوسي وجامع كاشف الغطاء وجامع الهندي وجامع الشيخ الأنصاري في النّجف الأشرف.

وكانت الدّراسة في المساجد مقتصرة على القرآن، والرواية، والفقه، ثمّ اتسع نطاقها فتناولت العلوم العقلية والأدبية مما حدا بمحبّي العلم والمعرفة إلى إنشاء مدارس لتلقّي المعارف، وخاصة الدينية منها، ولعلّ من أهمّ الأسباب التي أوجبت إنشاء المدارس والعدول عن المساجد هو ما يحدث عند التدريس من مناظرة وجدل قد يخرج فيها عن الآداب التي تَجِبُ مُراعاتها للمساجد، وحدوث ما يوجب حرمة دخولها على الطالب والمعلم كأحداث النجاسة، ولا توجد كلمة مدرسة عند الجوهري.

وذكر الكثير من مؤرخي الإسلام إنّ أوّل من بَنَى المدارس في الإسلام نظام الملك الطوسي، وزير ملك شاه السلطان السلجوقي في أواسط القرن الخامس للهجرة، فبنى في بغداد وأصفهان ونيسابور وغيرها، وقد بلغ إنفاقه عليها سنوياً ستمائة ألف دينار، وكانت أوّلها وأشهرها المدرسة النظامية في بغداد، بناها على شاطئ دجلة سنة (457هـ)، وبنى حولها أسواقاً وأوقف عليها أوقافاً، وقد تخرَّجَ منها جَمَاعَةٌ من العلماء، كان من أساتذتها أبو إسحاق الشيرازي([534])، وأبو حامد الغزالي، وكمال الدين الانباري([535])، وكان المدرّس فيها يقف على المنصّة والطلاب يجلسون على كراسي صغار لاستماع الدرس، ويوجّهون الأسئلة للأستاذ، وقد عيّن فيها للأستاذ مُعيدان أو أكثر، يشرحان المحاضرة، التي يلقيها الأستاذ، وللنقاط التي لم يفهمها الطالب من المحاضرة، إلى غير ذلك مما يذكر كثيراً من نظام هذه المدرسة.

وقد بقيت هذه المدرسة حتى بعد سقوط بغداد على يد هولاكو، وبعد غزوات التتر، ثمّ اندمجت بالمدرسة المستنصرية التي أسَّسها الخليفة العباسي المستنصر بالله([536]) لتدريس المذاهب الأربعة السنّية، ولكن للمناقَشَة في أولية هذه المدرسة مجال، فإنّ دار الحكمة ببغداد التي أسّسها المنصور أو المأمون كانت مدرسة ينهلّ من معينها العلوم والمعارف، وإنْ لم تسمَّ بالمدرسة، وهي قبل المدارس النظامية المذكورة.

وفي خُطط المقريزي: إنّ الخليفَةَ المنصور العباسي الذي كانَ حكمه في القرن الثالث الهجري جَعَلَ في قَصْرِهِ بالشمّاسية مدرسة.

وفي الخطط أوّل من حُفِظَ عنه أنّه بنى مدرسة في الإسلام أهلُ نيسابور، فقد بُنيَتْ بها المدرسة البيهقية([537]) للبيهقي المتوفّى سنة (454هـ).

ويقول الحاكم النيسابوري([538]): إنّ أوّلَ مدرسة هي التي بُنيت لأبي إسحاق الإسفراييني([539]) المتوفّى سنة (418هـ).

 وإنَّ مدرسة ابن فورك([540]) هي أحدثُ عهداً من تلك المدرسة بقليل.

وفي تاريخ السبكي: إنّ نَصْرَ بن سبكتكين قد أنشأ مدرسةً في نيسابور قبل أنْ يولد نظام الملك المذكور([541]).

ويذكر التاريخ أنّ الحاكم بأمر اللهِ الفاطمي الذي تولّى الخِلافَةَ سنة (386هـ)، أنشأ دار الحِكْمَةَ، وكان يشتغل فيها الكثير من القرّاء والفقهاء والمنجّمين والنُّحاة واللغويين، وألحَقَ بها مكتبةً سمّاها بدار العلم حَوَتْ أمّهات الكتب، ونفائسُها وإنّ أبا حاتم بن حبان([542]) من علماء القرن الرابع الهجري أسّس في بيتِهِ مدرسة لأهل الأدب والفقه.

وكيف كان فبعد نظام الملك قام بتأسيس المدارس الدينية السلاطين والامراء وأهل الثراء، فأسّسوا المدارس الدينية في المماليك الإسلامية، وبَنى صلاحُ الدين([543]) لعلماءِ الشّافعيّة سنة (566هـ) المدرسة الناصرية بجوار جامع عمر([544])، ويقال: إنّها أوّلُ مَدْرَسَةٍ بُنيَتْ بمصر، وفي سنة (572هـ) بنى المدرسة الصالحية لتدريس مَذْهَب الشّافعي بها، وكانت من السَّعَةِ بمكَانٍ عظيم.

ومن هُنا ظَهَرَ لَكَ فَسَادُ ما ذكره بعضُ المتأخرين تبعاً لبعض المستشرقين من أنّ أوّل دارٍ أُنشأت للحديث في القرن الهجري السادس تحقيقاً لرغبة نور الدين محمود بن أبي سعيد زنكي (599هـ) الذي خَلَّد اسمه بإنشاءِ المدْرَسَةِ النّورية في دمشق.

وكان ابنُ عساكر المتوفّى سنة (571هـ) صاحِبُ تاريخ دمشق من شيوخ هذه المدرسة، وبَعْدَ عَشَرَاتِ السّنين قامَتْ في القاهرة دارٌ للحديث بأمرِ الملك الأيّوبي الكامل ناصِرُ الدِّين([545])، قد تمَّ تأسيسها سنة (622هـ)، وكان أوّل أستاذ فيها أبا الخطاب بن دحية([546]).

وبَعْدَ أربع سنواتٍ من تأسيس المدرسة الكاملية نَشَأَتْ في دمشق المدرسة الأشرفية سنة (626هـ)، وكان أوّل شيوخها أبا عمرو بن الصّلاح([547])، ودَرَسَ في هذه الدّار أيضاً النَّوَوي شارحُ صحيحِ مسلم.

وبَنَى سنة (641هـ) الصَّالح نجمُ الدّين الأيّوبي مدرسة الصَّالحية بالقاهرة، ورَتَّبَ بها دروساً أربعة للمذاهب الأربعة، ويقال: إنّه أوّل من أحدث هذا النوع من المدارس بمصر.

وفي الأندلس أسَّس العرب مدارس عظيمة، وكان من جُمْلَتِها جامعة قرطبة التي أقامها عبدُ الرحمن الثالث في الجامع الرئيسي، والتي بَلَغَتْ مبلغ المعاهد التعليمية العالمية في حين لم تكن أوروبا تملك أوّليات المعارف، وكان من أساتذتها ابنُ القوطيّة([548]) في النحو وأبو عليّ القالي صَاحِبُ الأمالي. 

واستمرَّ تأسيس المدارس يزدادُ يوماً بعد يومٍ حَيثُ كان التّعليم أمراً بالغ الأهميّة، يكسب الطالب من ورائه الحَفَاوة والتقدير، حتَّى بَلَغَ الأمر إذا استَعْرَضَ الطُّلاب في شوارع بغدادِ يقذف الناس إليهم باللوز.

 

المطلب التاسع والعشرون

دور العلم ودور الكتب

ثُمَّ إلى جانِبِ هذه المدارس الدّينية أنشأت المكتباتُ في المساجد،
 وكانت قوامُها بما يَهْدي إليها من الكُتُب المختلفة، ويروي لنا المؤرّخون أنَّ الكتب توضع في صناديق ويَصْنَعُ لها الفهارس، وفي العهد العبّاسي ظهرت الحوانيت لبيع الكتب، وتسمّى المكتبات بخزانة الحكمة، وخزانة الكتب، ودار الكتب، وأنشأت إلى جانب ذلك مؤسَّساتٌ علمية تَجْعَلُ فيها خزانة الكتب العلمية إلى جانب القيام بتكاليفِ المعيشة للطالب، وتسمّى بدار العلم، وتكون المكتبةُ جزءاً منها وهي بخلافِ دَارِ الكُتُب، فإنّها عبارَةٌ عن المكتبة الجامعة للكتب فقط.

وقد أَسَّسَ المأمونُ دارَ العلم، وبيتاً للحكمة، كانت معهداً هامّاً للتعليم في الإسلام، ومكاناً للتّرجَمَة، ومكتبة عامّة تشتملُ على العلوم الطبيعية، والكيمياء والفلك، وما ألّف في العلوم الإسلامية، وما ألف بلغات أخرى غير العربية، وقد نقل لبغداد مائة حمل بعيرٍ من الكتب من أوروبا، حتّى أنه جعل ذلك في عقد الصُّلح بينه وبين ملوك الروم.

ويحكى عن أبي القاسم جعفر بن محمّد بن حمدان الموصلي([549]) الفقيه الشافعيّ المتوفى سنة (323هـ) أنّه أسَّس دار العلم في بلده، وجعل فيها مكتبة لا يمنع أحداً من دخولها، وإذا جاءَ غريبٌ لطلب العلم وكان مُعْسِراً أعطاه ورَقاً، وورِقا، وكان يملي فيها على النّاس الأدَبَ والفِقْهَ وما يتعلق بذلك.

وأنّه قد أسَّسَ القاضي ابنُ حبّان المتوفّى سنة (354هـ)([550]) في نيسابور داراً للعلم ومكتبة ومساكن للغرباء الذين يَطْلُبون العلم وأجرى لها الأرزاق.

وأنّه قد أسَّس أبو نصر سابور بن أردشير([551]) وزيرُ بني بويه داراً للعلم في الكرخ غربي بغداد سنة (383هـ) واشترى لها كُتُباً كثيرة، ويقال: إنّه كان بها مائة نسخة من القرآن الكريم بأيدي أحسن النُسّاخ وعشرة آلاف وأربعمائة مجلَّد أخر، أكثرها بخطّ أصحابها، وقد أحرقت هذه الدار سنة (450هـ)، وأنّه اتَّخذ الشريف الرّضي صاحب حقائق التنزيل وصاحب الدّيوان المعروف نقيب العلويين المتوفى سنة (406هـ) داراً أسماها دار العلم وفتحها لطلبة العلم وعيّن لهم جميع ما يحتاجون إليه.

وقد أنشأ في مصر العزيز بالله الخليفة الفاطمي([552]) سنة (378هـ) داراً إلى جانب الجامع الأزهر، وجعل فيها خمساً وثلاثين عالماً يعقدون مجالسهم العلمية بالمسجد في كُلِّ يومِ جُمْعَة بعد الصلاة إلى صلاة العصر.

وأسَّس الخليفة الحاكم بأمرِ اللهِ سَنَةَ (395هـ)([553]) بالقاهرة داراً للعلم سمّاها بدارِ الحكمة، وجعل فيها مكتبة عامرة بالكتب القيّمة عُرِفَتْ باسم دار العلم، ورتَّب فيها أساتذة يدرسون العلم للناس، وأجرى هو ومن جاء بعده من الخلفاء الأرزاق الجزيلة عليها وعلى خدّامها ومن بها من الفقهاء، وكان فيها ما يحتاجه الطالب من الحبر والأقلام والمحابر والورق.

وقد أسَّسَ عَمّنا سبباً وابن عمِّنا نسباً الحجة الشيخ محمد الحسين([554]) داراً للعلم، حيثُ قد جَدَّد بناء مدرسة جدِّنا الأعلى كاشف الغطاء بعد خرابها، وشيَّدَ محلاً فيها لمكتبة أبيه الشيخ علي([555])، ونقلها إليه فأصبحت مدرسته دار
علمٍ يسكنها طُلاّبُ العلوم الدّينية وإلى جنبها المكتبة العامرة الزاهية الزاخرة بالكتب القيمة والمخطوطات النادرة، وهو عمل يذكر له بالثناء فيشكر ويحمد عليه.

وقد أسَّستْ مكتَبَتَنا التي هي فعلاً تَحْتَ تَصَرُّفنا المرحومة (خزنة) والدة المرحوم جَدّي الشيخ عباس والشيخ حبيب، فإنّه بعد وفاة زوجها المرحوم الشيخ علي نجل المؤسس لطائفتنا الشيخ الأكبر الشيخ جعفر احتفظت بالكتب التي كانت لزوجها الشيخ علي المذكور، ثم احتفظ بها الشيخ عباس، وضَمَّ لها كُتُباً جَمَّةً، ثَّم ولده الشيخ هادي فاستملك لها كُتُباً كثيرة، ثمّ ولده الشيخ محمد رضا، فغذّاها بأنفس الكتب، ثُمَّ قُمْتُ بالمحافظة عليها وضَمَمْتُ إليها ما يفوقها عِدَّةَ مرّاتٍ، والله خير حافظ لها وهو ارحم الراحمين.

مَدْرَسَةُ النجف سَبَبُ انتقالِ الدّراسة إليها ومَوقِفُ كاشِفِ الغطاء وأسرته منها

إنَّ النجف الأشرف تُعْتَبَرُ جامعة إسلاميّة كُبرى غنيَّةً بالثقافة الدينية العليا، ومركزاً للإشعاع الفكري، ومجازاً مهيعاً ينتهي بالسّالكين إلى المعارف لأسرار الوقائع ودقائق الحقائق، يَشْهَدُ بذلك ما أنجبته من العَدَد الضَّخم من فقهاء أعاظم كانوا مراجعَ للتقليد وعباقرة يفوحُ شَذَى فَضْلِهِم في الأندية العلمية وآفاق الحضارة، وفلاسفة أكابر لهم آراء خاصّة غيّرت مجرى تاريخ الفلسفة، ومن أُدباء مبرّزين أبدعوا في أَدَبِهِم وشِعْرِهِمْ، ومن صلحاء متّقين سَقَوا الأرضَ بدمائهم الطّاهرة جهاداً عن الإسلام والمسلمين، وقد حَفِظَتْ مَدرَسَتُها للأمّة الإسلامية دستورها، وللعرب لغتها، ففي مساجدها تجدُ حلقات التدريس في كلّ فنٍّ، وفي مجالسها تسمع آراء ممتعة في الأدب والاجتماع والفلسفة والقصّة، وفي جمعياتها تَلْمَسُ النَّهْضَة الفكريّة الأدبيّة، ولا تفوتُها مناسَبَةٌ دينيَّة أو وطنية إلاّ وتعقد رجالاتها الاحتفالات في أوساطها وجوانِبِها تَسْتَمِعُ فيها ما لَذَّ وطاب.

قال الوالد رحمه الله  في كتابه (الغَيْبُ والشَّهادة) الكتاب القيم الذي عَزَّ له النظير والمثيل، قال رحمه الله ([556]): (وللنجف الأشرف العاصمة الكبرى الدينية في الشرق الأدنى شأنٌ يذكر في درس تلك النظريات (النظريات الإلحادية) ودحضها، لم نجد مثله في معاهد العلوم الدينية غيرها حتّى الجامع الأزهر، فمنذ وُعِيَ حِسّ هذه النظريات المادية في النجف، والعهد قريبٌ، وسُمِعَ صَدَاها فيها، قام إليها جماعة من أذكياء العلماء المتبحّرين، وفحَصُوا ومحّصوا وشَحَذوا العزائم في نقدها وردّها، وكم صَادَفوا عَنَاءً في أخْذِها من منابعها ومَصَادِرِها، وقد كانَتْ غريبَةً فيهم، بجميعِ جهاتِها في لغتها وأدلتها ومنهج التفكير فيها).

إلى أنْ قال رحمه الله : (والنَّجَف الأشرف مع ما يُوجَد فيها من الثّراء العلميّ الطائل لا يُوجَد فيها من أسباب النشر ومعدّاته إلاّ الشيء التافه النزر، ففيها عَدَدٌ كثيرٌ من المؤلّفات مكظومة، ومادّة غزيرة من المعارف مكتومة، والسّير العَمَليُّ في مدارسها القديمة غريب ومنقطع النظير، وربّما أمّها الغريبُ للوقوف على حالَتِها العلمية فيَخْرُج منها كما دَخَلَ ما لم يتعمَّق في معاشرتهم ويندمِجُ في زمرتهم، وها أنا أروي لك مستطرداً شيئاً من سيرها العلمي ومنهاجها في دروسها العالية الدينية لتقف على ما لاقاه ويلاقيه هؤلاء العلماء في تحصيل معارفهم وعلومهم من المتاعب والعناء، هذا في علومهم المقدسة في محيطهم، فكيف بما كانَ بَعْدَ قبيلِ الإلحاد والزندقة.

للتدريس في النَّجَفِ نَمَطٌ منفردٌ وطراز لا يَشْبَهُهُ نظامٌ فيما وقَفْتُ عليه من مناهج التدريس وأنظمته في سائر أقطار العالم، وهو الذي أسمّيه (بالتدريس الفردي)، فإنّ التلميذ الذي يتخصّص لطلب العلوم الدينية يتدَرَّجُ وَحْدَهُ في مراتبه العلمية، وفي دروسه، وأساتذته، من دون أنْ يندمج في صفوفٍ أو يتحكَّم في إرادته نظام.

نعم جميعُ هؤلاء المشتغلين بتلك العلوم يتّفقون على وضعيّة واحدة تركها سَلَفُهُم هي قراءَةُ كُتُبٍ معيّنة مرتبة، وقد يَظْهَرُ مؤلَّفٌ لأحدِ علمائهم الذين نبغوا وبرعوا فيتّخذ له قرار أو درجة في سلسة كتب التدريس، كما حدث في بعض المؤلفات الأصولية والفقهية.

وليس عندهم امتحان ولا شهادة ولا درجة مقررة، والطالب النابغ فيهم
هو ذلك الذي يعترف له ذو الفضل بالفضيلة بعد الاختبار بالمذاكرة والتدريس والتأليف، ويعجبني من هذه الطريقة شيء واحد وهو أنّه لا يجوز عليها
تدليس، فلا يمكن أنْ تنال الدرجة الأخيرة فيها، أعني: درجة الاجتهاد بغير الكَفَاءَة الحقيقية، والكفؤ الحقيقيّ هو المجتهد وغيره متشبّه) انتهى ما أردنا نقله من كلامه رحمه الله .

هذا وقد تكوّنت البذرة الأولى للدراسة الدينية في هذا البلد المقدّس أوائل القرن الثالث الهجري، حيثُ احتضنت هذه المدينة جملة من العلماء الرّوحانيين أمثال ابن شهريار، ويحدّثنا التأريخ أنَّهم كانوا موضعَ عنايةٍ ورعاية من سلاطين آل بويه، فهذا التاريخُ يروي كَثْرَةَ ما كان يبذله في النَّجَفْ عَضُدُ الدولة البويهي وغيره منهم على فقهائها وطلاّبها في العلوم الدينية في أيّامِ دَوْلَتِهِم في القرن الرابع.

وقد نقل لنا الصّحافي القدير جعفر الخليلي(1) قول المرحوم عمّنا الشيخ محمد حسين في النجف الأشرف (إنّ هذه البلدة منذ أنْ أنشئت وظَهَرَ هذا المرقد الشريف فجر طلوع الدولة العباسية أو قبلها بقليلٍ صارت أفئدة كثيرٍ
من العارفين تهوي إليها وتختار السكنى فيها، على أنّها بوادٍ غير ذي زرع ولا ضرع).

ولكنْ لم تَبْلُغ إذ ذاك مَبْلَغَ بغدادَ في مركزيّتها للدراسة الدينية الشيعية إلا عندما انتقل إليها الشيخ الطوسي في منتصف القرن الخامس الهجري، فازدهرت فيها الدّراسة الدينية، وتوسَّعَتْ فيها الحَرَكَةُ العلميّة، حَتَّى أصْبَحَتْ النَّجَفُ قُطْبُ دائرتها ومحور رحاها، وبلغ عدد من يحضر درس الشيخ الطوسي المذكوررحمه الله  فيها ما يقرب من (300) مجتهد، وتوافد عليها من كلِّ حدب وصوب رواد العلم وطلاب الفقه.

وكانت تُتْحِفُ العالم الإسلاميّ بجهابذة الفنِّ ومُجْتَهدي الفِقْهِ في كُلِّ حين من الدهر، وتؤتي أُكُلَها في كُلِّ وَقْتٍ من الزمن، وقد أصاب الدّراسة فيها بعض الوهن بانتقال مركزها منها في القرن السابع إلى الحلة في عصر المحقق صاحب الشرائع، ثم عادت في عَصْرِ المقدَّس الأردبيلي، ثم انتقلت منها لكربلاء في عصر الوحيد البهبهاني([557])، ثُمَّ عادت إليها في عَصْرِ العَلاّمة بَحر العُلوم والمرحوم الشيخ الكبير جعفر كاشف الغطاء، وقد بذل الثاني منهما وأولاده قصارى جهدهم في تمصيرها، والمحافظة على مركزيّتها للتدريس، وصدّ الغارات عنها من الأعراب، وبنى الشيخ جعفر سورها الذي هو الحصن لها، وأكمله من بعده ابنُه موسى رحمه الله ، وشَيَّدوا فيها المدارس والمساجد، والتزموا بمعاش طلبة العلم فيها بمقدار ما يكفيهم.

وكانوا يجدّون الجدّ هو وأولاده رحمه الله  في جلب رجال الدين إليها، والتحريض على نهل العلوم الدينية منها، حتَّى حضر مجلس درس المرحوم الشيخ جعفر مئات من أهل الفضيلة.

وكان المجتهدون فيهم يزيدون على المائة، كالسيد مُحْسن([558]) صاحب المحصول، والسيد حسين والد السيد مهدي القزويني، وصاحب الجواهر الشيخ محمد حسن([559])، والسيد إبراهيم البغدادي، والشيخ محمد علي الأعسم([560])، والسيد جواد([561]) صاحب كتاب مفتاح الكرامة الذي ألّفه بطلب من أستاذه المذكور كاشف الغطاء، والشيخ أسد الله([562]) صاحب المقابيس، والشيخ محمد تقي صاحب الهداية في شرح المعالم، والرشتي المعروف بحجة الإسلام، والكلباسي([563])، إلى غير ذلك مما يضيق البيان عن تعدادهم.

وكان الشيخ موسى ابن الشيخ جعفر الذي أصْبَحَ بعد أبيه المرجع الديني الأعلى، والمصلحُ بين الدّولتين فارس والترك، قد حافظ على طلبة العلم ووقاهم شَرَّ حاكم النجف الملا محمد، ودَفَعَ عَنْهُم بأسَ الوالي داود باشا([564]).

وبلغت النجف من الازدهار بطلاب العلوم الدينية بواسطة ما بذلوه من الجهود في جلب الطلاب إليها حتّى أصبح من يحضر منبر الشيخ علي شبل الشيخ جعفر المذكور والذي انقادت له الزعامة الدينية بعد أخيه الشيخ موسى ما يزيد على الثلاثمائة تلميذ، ما بين مراهق، ومجتهد، مثل شريف العلماء، والسيد إبراهيم([565]) صاحب الضوابط، والشيخ مرتضى الأنصاري، والسيّد مهدي القزويني، ومير فتّاح صاحب العناوين.

وبَذَلَ قُصَارَى جهده الشيخ حسن([566]) نجل الشيخ جعفر المذكور صاحب أنوار الفقاهة المقلَد بعد أخيه الشيخ علي في المحافظة على الحوزة العلمية، وإبقاء المركزية لها، فاطفأ نائرة الزقرت والشمرت في النجف، وأمن به المهاجرون إليها في طلب العلم، ونجا أهلها من فتك الوالي نجيب باشا، وقد كَادَتْ أنْ تنشب منه أظفار المنية فيها بعد أنْ فتك الفتك الذَّريع بأهالي كربلاءِ حتَّى سالت الدماء منهم بالأباطح في السنة المؤرخة (بغدير خم) سنة (1258هـ).

وقد قام المرحوم الشيخ مُحمَّد بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر المذكور الذي أعطى الكليدارية لآل الرفيعي، والذي رَجَعَتْ إليه وإلى الشيخ الأنصاري الناسُ بالتقليد، والذي يقول عنه الفاضل البادكوبي([567]) في كتابه نقد العلماء: (الثالث الشيخ مُحمَّد وهو الآن في النَّجَف الأشرف من المجتهدين المعروفين والعُلَمَاء المشهورين المبرّزين، وحوزة علمه مملوءة من الطلبة الفضلاء والعلماء)، قد أزالَ فتنة الزّقرت والشمرت التي كانَتْ يُحاصَرُ بها النّجفيون في دورهم أسبوعاً أو شهراً كاملاً، بلا ماء ولا طعام، حتَّى يموتُ بعضُ أطفالهم من الجوع والعطش، ولا يتمكّنون من التماس شيء لهم خوفاً من الرَّصاص المالئ للأزقة أو الشوارع، فجَنَّدَ رحمه الله  الطلبةَ بالسِّلاح، وأخَذَ يؤدِّبُ المعتدين منهم، وينزلهم من أماكنهم المتسلّطين بها على خصومهم، كالمنارتين الشريفتين والمسجد الهندي ونحوها، حتى عرف فيما بينهم بأنّ رصاصتهم تقول: (زيدن) كنايةً على أنّها رصاصة رجل الدين فيكفُّوا بذلك عن القتال، ثمَّ أخذ على الزقرت والشمرت اليمين بالقرآن الشريف عند رأس الأمير بحضُورِ رجالاتِ العراق على إخمادهم نيران فتنتهم.

ولم يزل الشيّخ محمّد كاشف الغطاء المذكور يدافع عن النجف الأشرف ويحافظ على مجدها العلميّ حتّى كانت سنة (1248هـ) عندما جاء سليم باشا([568]) مع خمسة آلاف جندي، فدخل النجف والطبول والمدافع تضرب أمامه، وكان معه نقيب الأشراف السيد عليّ نقيب بغداد، فمَرُّوا على دَارِ الشَّيخ المذكور، وهي الدّارُ الكبيرةُ المعروفة، ونَزَلَ النقيبُ وجماعة من العسكريين ضيوفاً عنده، والباقي نزلوا في القلعة، وأخذت الناس تتدافع على دار الشيخ محمّد واستجاروا بها في الحجر والسراديب، حتّى اجتمع في الدار ما يزيد على ألف نسمة بين رجل وامرأة خوفاً من بطش (سليم باشا) بهم.

وكان قد اعتقل جملةً منهم وفيهم بعضُ رجالاتِ الدّين، فما صار العصر حتَّى جاء سليم باشا مع جميع هيئته إلى الشيخ محمَّد وأخذ يتحادث مع الشيخ محمّد في تدبير الأمر وعلاج هذا الفساد، وانجرّ الحديث إلى قول سليم باشا للشيخ محمد ليس الفساد إلا من إيوائك للمفسدين، فقال الشيخ محمّد للباشا: يا هذا، ليس الفساد إلاّ منك، فقال النقيب: يا شيخ محمّد لقد أسأتَ جواباً، فقال له الشيخ محمد: أسأتَ فهماً، وطال التشاجر بينهم إلى أنْ خَرَجَ الباشا على أنْ لا يتعرّض دار الشيخ الكبيرة ومن فيها.

ويُذْكَرْ أنَّ بَعْضَ من في الدار من الملتجئين قد أساء التصرف مع الضباط الذين في دار الشيخ فأخبروا الباشا، فأرسل الجند للقبض عليهم، وكان النقيب نائماً في السّرداب للدّار البرّانية للدار الكبيرة، فانتبهَ وأخبر بالقصّة فخرج النقيب ومنع العسكر وركب بغلته ومضى إلى الباشا ووبَّخه فرجع العسكر.

وهذا الشيخ مهدي(1) أخو الشيخ محمد المذكور الذي نهض بأعباء المرجعية بعد أخيه الشيخ محمد، وطبعت رسالته في تبريز بأمر السلطان مظفّر الدين شاه، ورجعت له حتَّى آذربيجان، وبعد وفاة الشيخ الأنصاري استقلَّ بأمرِ التقليد، وقد بَنَى المدرسة المعروفة بمدرسة المهدي في النجف الأشرف، ويقال: إنها كانت السّجن الذي يَسْجِنُ فيه الملا يوسف أعداءه.

كما بَنَى في كربلاء المدرسة المعروفة بمدرسة المهدي، وقام بإعاشة الطلبة على وجه الكفاية خوفاً على الحوزة الدينية فيها من الضياع والفناء، ودفع كيد الكائدين عنها وبطش المعتدين عليها، وأخذ إلى العباسيين شبابهما الهادي والمرتضى وعليّ وابنيه أحْمَد والحسين ووالدنا الرّضا في عهديه، وما قام به المحافظة على هذا البلد المقدَّس والذبِّ عنه والدعوة للهجرة إليه.

ولعلَّ أهمّ الأسباب التي جعلت في النجف مركزيّة الدّراسة الدينية
أمور:

أحدها: فضيلةُ السُّكْنى فيها؛ لما وَرَدَ من الأخبار الكثيرة في فَضْلِ المبيت عند علي  عليه السلام ([569])، وذلك مما دعا أنْ يَسْكُنها المتبتّلون إلى اللهِ، والذين تمركز الإيمان في قلوبهم؛ لأنَّ النَّجَفَ يَوْمَ سكنت حتّى أيَّام ازدهار الدّراسة فيها، وحتَّى أوائل هذا القرن - أعني: القرن الرابع عشر الهجري - كانت وادياً غير ذي زرع ولا ضرع، فليسَ في بيئتها الجغرافيّة ما يدعو للسَّكَنِ فيها، فلا ماؤها تستسيغُهُ النفوس للشرب، ولا هواؤها صَيْفاً ولا شتاءً تبتهج به الأرواح، ولا حاصِلات فيها من زرع، ولا شجر ولا نبت تعيش بها الأجسام، ويتغذّى بها الإنسان مع ما فيها من الزّوابع الترابية، والحرارة الشديدة الصيفية، والبرودة القارصة الشتائية، فلا يعقل أنْ يسكنها إلاّ ذو حظٍّ عظيم من أهلِ الإيمان، وهذا النَّوعُ من الناس لا يستطيعون السُّكْنى في بلدٍ من دونِ وُجودِ مَرْجِعٍ لهم في معرفة أحكامهم الشرعية وشدة الطَّلَبْ تُوجِبُ وُجودَ المطلوب.

ثانيها: فضيلةُ الدَّفن([570]) فيها، فإنَّ ذلكَ أوْجَبَ نَقْلَ الموتى إليها، ومِنْ تبعات النَّقل قَصْدُها من أولياء الأموات وأحبائهم للقيام بما يلزم للميت عند إقباره في قبره والخبير بذلك هو الفقيه الديني.

ثالثها: فَضِيلَةُ الزّيارة([571]) للقَبْرِ الشَّريفِ قَبْرُ أمير المؤمنين علي  عليه السلام ، وقبر ضجيعيه آدمَ  ونوح  وقَبْر جاريه هود  وصالح  في كُلِّ وَقْتٍ، وتزدَادُ الفَضِيلَةُ في الأوقاتِ الجليلة والمواسم الشَّريفة، وفي ذلك ما يَجْمَعُ مختلف أنواع الشيعة مع مراجعهم.

رابعها: بعْدُ موقعها الجغرافي عن باقي البلدان، فإنّه مما أوْجَبَ قِلَّة الفتن بها، وبعْدَ السُّلْطَةِ الزَّمنيّة عنها، وهذا مما وَجَبَ للمرجع الدّيني الانطلاق والاطمئنان الذي يساعدانه على الانصراف لشؤونه وأعماله وحرية تفكيره.

مناهج التعليم في النجف الأشرف وأساليب الدراسة الدينية فيها

لقد تَمَشَّتْ الدّراسةُ الدينيةُ في النَّجَفِ الأشرف قروناً متطاولة، ونَظَّمت نفسها من لَدُنْ قادة فكر المذهب الشيعي من دون أنْ يتولّى ذلك أهل السيطرة والسطوة أو يتبنّاها ذوو التيجان والسلطان، إلا في أزمنةٍ نادرة قامَتْ السُّلْطَةُ الزمنية ورؤساءُ الدّول الشيعية بتشجيعها، كما صَارَ ذلك في عَصْرِ البُويهيّين.

وكانت الدراسة فيها على صورةِ حلقات في معاهدها ومدارسها التهذيبية، وفي المساجد والبيوتات الأهلية، بل قد تكونُ في الزّوايا والأنفاق في منقطعٍ عن العالم وبُعْدٍ عن السامع والناظر، وفي أثناء سيرها قد تخور قواها شدّةً وضعفاً وسَعَةً وضيقا.

وكان من أبرز مظاهرها هو تنميةُ النَّزَعات البنَّاءَة وتقويَةُ القُوى الفِكْريّة بالسَّمَاحِ للطَّالب بالمناقشة والجدل في كُلِّ ما يدرسه من آجروميته النحوية إلى مكاسبه الفقهية؛ ليخرج وهو على يقينٍ بما دَرَسَه وتعلَّمه.

وتكفلت تنسيق المعلومات التي يُغَذَّى بها بشَكْلٍ منطقيٍّ وأسلوبٍ استدلالي وإعطائه حرّية الكلام والرأي والبحث عن مَدَى صِحَّةِ ما يتلقّاه من المعلومات وسقمها، فيمارس حياةً علميّة صالحةً يتخطَّى بها من حَضيض التقليد إلى مرتبة الاجتهاد، ويراعي مربّوه ومثقّفوه تربيته تربيةً طيّبةً، ويهذّبونه بالمُثُل المُثلى والأخلاق العُليا، قد أَعَدُّوهُ إعداداً تامّاً للاندماج في المجتمع وإرشاده للمعارف الدينية والأخلاق الإسلامية، وكانت أساليبُها قديماً بعد أنْ يَبْلُغَ الصبيُّ السَّابعَةَ من عُمْره يسلمه أولياؤه لمكتَب شَخْص مُعَيَّن قد أعَدَّهُ لتعليم الصّبيان في دارِهِ، وعلى الغالب في المسجد.

ويبدأ بتعلّم قراءة القرآن والكتابة ويُسَمَّى ذلك الرَّجُلُ بالشيخ، وقد تَقُومُ المرأة بمهمّةِ تعليم القُرآن، وتُسمَّى بالملّة، وقد قرأتُ القرآنَ عند ملّتي أمّ سيد حسن رحمها الله زوجةُ السيِّد مُحمَّد العاملي الكتبي رحمه الله ، ويَذْهَبُ الصَّبيّ مُبَكِّراً حتَّى الظهر ويَعودُ للبيت لتناول طعام الظّهر، ثمّ يرجع ويعودُ قُبيلَ الغُروب والعطلة له في الأسبوع عصر الخميس، ويوم الجمعة، وفي الأعياد والوفيّات من دون أنْ تكونَ له عطلة صيفية، ثمّ إذا خَتَمَ القرآن وتَعَلّمُ الكتابة وشيئاً من الحساب، يرسل إمّا لتعليم مهنة الصّناعَةِ عند أصْحَابِ الصَّناعاتِ ويُسمَّى إذْ ذاكَ بالصَّانع لهم أو يُوجِّهُ لتعليمِ العُلوم الدِّينيّة.

وأمَّا في الوقتِ الحَاضِر فهو يَدْخُلُ المدارس الرسمية، ثم إنْ شاء
أنْ يبقى في الدّراسة الرَّسمية حَتَّى يَدْخُل الكُليّات للاختصاص
بأَحَدِ العُلومِ، وإنْ شاء يتوجَّهُ للعلوم التي هي المبادئُ لنيلِ تَعَلُّم الفِقه،
فإن تَوَجهَ للثّاني يبدأ بالقراءة منفرداً أو مُجتَمِعاً مع غيره لعلم
 النَّحْو، ويقرأ فيه الآجرومية والقَطْر وشَرْحُ ألفيّة ابن مالك والمغني
 لابن هشام([572])، ثمَّ علم المنطق، ويقرأ فيه حاشية ملاّ عبد الله([573])
والشمسية([574])، ثمّ علم المعاني والبيان والبديع، ويقرأ فيها كتاب المطول للتفتازانـي ([575]) أو مختـصره، ثُـمَّ علـمُ الأصـول، والكُتُـب التـي تقـرأ فيـه المعالـم([576]) والقوانين([577]) والكفاية([578]) والرّسائل([579])، ثمّ ينتقل لدراسة علم الفقه، فيقرأ المكاسب([580])، وقد يقرأ غيرها ليتمرّن الطالب على الاجتهاد في المسألة الفقهية، وفي أثناءِ دراسته يقرأُ التّبصرة([581])، والشرائع([582])، واللُّمْعةَ([583]) في الفقه، وبَعْضَهُمُ يقرأ إضافةً لذلك عِلمُ الحساب والفَلَكْ، وعلم الحكمة، ثمّ يستهدف بعد ذلك التوسع في علم الفقه، وعلم الكلام، والحكمة، والحديث، والتفسير، والأخلاق، ثم يحضر مشتركاً مع غيره على مَنْ له القابليّة على أعاظم الفقهاء في علم الأصول والفقه دون تقييدٍ بكتابٍ، وإنّما المجتهدُ يُلقي الدَّرْسَ بنحوِ المحاضر، ويَشْرَحُ المسألة ويَتَعرَّضُ للأقوال فيه، ويختار أحدها بالدّليل عليه، والرَدَّ على من عداه.

بخلافِ بحثه فيما سبق، فإنّه مُقيَّدٌ بدرسِ كتابٍ مُعيّن، ويُسمَّى هذا البحث والدرس بحث الخارج، ودرس الخارج؛ إذ البحث والدرس يكونُ خارجاً عن أيّ كتابٍ بخلافِ دروسه ما قبل ذلك، فإنَّها كانت مقيَّدةً بكتابٍ مُعيَّنٍ، كما عرفتَ، وتسمِّى بدروس السطوح، وبأبحاث السطوح؛ لأنّه فيها يَدْرُسُ سطح كتابٍ مُعيَّن، وبعد تماميّة الدّرس الخارج، وأنسه من نفسهِ بأنّه قد حَصَلَتْ له مَلَكَة الاجتهاد واستنباط المسألة من أدلّتها، يَخْرُجُ عن مرحلة التقليد لغيره، وَوَجَب عليه الاجتهاد لنفسه.

وبعضهم يأخذ من المجتهد المسلَّم اجتهاده شهادةً باجتهاده تسمّى بإجازة الاجتهاد، والمجتهد لا يعطيها له إلاّ بعد اختباره أو شهادة عدلين من أهل المعرفة ببلوغه هذه المرتبة، وقد يأخذ الإجازة برواية الرواية، أو كتاب معيّن، كما تقدّم في مبحث الإجازة والله ولي التوفيق.

 

 

 

 

 

فهرس الآيات

الآية

السورة: رقم الآية

الصفحة

[أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ..]

الاعراف:99

341

[اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ..]

العلق: 1 – 5

325

[أَقِمْ الصَّلاَةَ]

الأسراء: 78

41، 43، 45

[أَقِيمُوا]

البقرة: 43

235

[الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ..]

التوبة: 97

340

[اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ..]

الطلاق: 12

325

[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ..]

المائدة: 3

179، 186، 192

[أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ]

الانبياء: 105

180

[إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ]

آل عمران: 19

175

[إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ]

فاطر: 28

326

[بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ]

الانفال:65

التوبة: 127

الحشر: 13

27

[فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا..]

النساء: 35

372

[فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ]

النحل: 43

369

[فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا..]

الروم: 30

197

[فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَة..]

التوبة: 122

28

[قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ..]

الاعراف: 158

175

[لا يكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا]

النساء: 78

27

[لاَ يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ ..]

يوسف: 87

341

[لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا]

المائدة: 48

170

[لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا]

الاعراف: 179

27

[مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ]

هود: 91

27

[هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ ..]

الزمر: 9

326

[و لاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ]

الاسراء: 36

368

[وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ]

البقرة: 169

368

[وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ]

الانعام: 25

الاسراء: 46

27

[وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ ولا تَحْنَثْ]

ص: 44

347

[وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا]

البقرة: 31

38

[وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ]

البقرة: 185

30

[وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ..]

آل عمران: 104

377

[وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ]

لقمان: 12

326

[وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ]

المنافقون: 7

27

[وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم]

الأسراء: 44

27

[وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ]

سبأ: 28

175

[وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ]

الحج: 78

93، 346

[وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ]

آل عمران: 144

69

[وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ ..]

المائدة: 44

368

[وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتيَ خَيْرًا كَثِيرًا]

البقرة: 269

326

[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ ..]

المائدة: 101

189

[يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ]

المائدة: 67

191

[يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ..]

الزمر: 53

341

[يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ..]

المجادلة: 11

162، 326

 

 

 

 

 

 

 

فهرس الروايات

الحديث                                                                                                  الصفحة

(إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيراً، فَقَّهَهُ في الدّين)................................... 339

(إذا كان يوم القيامة جمع اللهُ  عجل الله فرجه الشريف  الناس في صعيدٍ..). 331   

(إذا مات المؤمن الفقيه بَكَت عليه الملائكة وبقاع الأرض..)................ 339

(إذا مَاتَ المؤمنُ الفقيه ثُلِمَ الإسلامُ ثَلْمَةً لا يسدُّها شيء)................... 339

(إذا مات المؤمن انقطَعَ عملُهُ إلاّ من ثلاثٍ صدقة جارية..)................. 331

(استغن عمّن شئتَ تكُنْ نظيرُهُ، وارغب إلى من شئتَ..).................. 335

(اطلبوا العلم ولو بالصّين)............................................... 247

(إعلمْ أنّ مروّة المرء المسلم مروّتان، مروّة في حضر..)...................... 341

(أفضل العبادة التفقه)..................................................... 28

(ألا أُخبرُكُم بالفقيه حقّ الفقيه؟ مَنْ لَمْ يُقَنِّط النّاس من..).................. 341

(الأعمال بالنّيات)....................................................... 345

(الأنبياءُ قادة والعلماء سادة ومجالستهم عبادة، وقال: النظرُ..)............. 435

(الرواي لحديثنا يشدّ به قلوب شيعتنا أفضل من ألف عابد)................. 332

(العلومُ أربعة: الفقه للأديان، والطب للأبدان، والنحو..).................. 342

(الفقه ثمّ المتجر).......................................................... 28

(الكَمَالُ كُلُّ الكَمَالِ التفقُّهُ في الدّين والصَّبْرُ على النائبة..وتقدير المعيشة).... 338

(الله أكبر على إكمال الدين وإتمام النّعمة ورضا الرّبّ..)................... 179

(إنّ العلم ليس بكثرة التعليم والتعلم بل هو نورٌ يقذفُهُ..).................... 58

(إنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال)............................ 247

(إنّ عندنا الجامعة، وما يدريهم ما الجامعة، قال قلت.. )................... 265

(أنتم أفقه الناس إذا عرفتم معاني كلامنا)................................... 31

(إنّما مثل العالم كمثل النخلة تنتظرها حتّى يسقط منها..).................. 332

(أيّها الناس اعلموا أنّ كمالُ الدّينِ طَلَبُ العلم، والعمل..)................ 330

(تركت فيكم ما إنْ تمسّكتُم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي)...... 191

(تعلّموا العلم فإنّ تعلّمَهُ حسنة، ومدارسته تسبيح، ..)..................... 328

(تفقَّهوا في الدّين فإنّه مَنْ لم يتفَقَّهُ في الدّين فهو أعرابيٌ)............... 31، 340

(ثمّ اختر للحُكْمِ بينَ النّاسِ أفْضَلَ رعيّتك في نفسك ممن..)................. 370

(خمسة أشياء يجب الأخذ فيها بظاهر الحكم)............................... 41

(خيار أمّتي علماؤها وخيار علمائها الفقهاء)............................... 29

(رَحِمَ اللهُ امرءاً سَمِعَ مقالتي فوعاها، فأدّاها كما سمعها..)................. 30

(شهادةُ أنْ لا اله إلا الله والتصديقُ برسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ..) 177

(صنفان من أمتي إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد..)................. 28

(ضَلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة إملاءُ رَسُولِ الله  صلى الله عليه واله وسلم  ..)    266

(طَلَبُ العلم فريضة)...................................................... 30

(طَلَبُ العلم فريضة على كلِّ مسلم)...................................... 247

(طَلَبُ العلم فريضة على كُلِّ مسلمٍ ومسلمة).............................. 329

(طَلَبُ العلم فريضةٌ على كلِّ مُسْلِمٍ ومُسْلِمةٍ، ألا إنّ اللهَ..)................. 329

(عالِمٌ يُنْتَفَعُ بعِلْمِهِ أفْضَلُ من سبعين ألفَ عابد)............................ 331

(عليٌّ بابُ علمي ومبيّنٌ من بعدي لأمّتي وما أرسلت به).................. 190

(فرُبّ حاملِ فقهٍ إلى مَنْ هُو أفقهُ منه)....................................... 30

(فكيف صنعت؟ قال: طرحتُ ثيابي وقُمْتُ على الصّعيد..)................ 261

(قيمَةُ المرءِ ما يُحْسِنُهُ، والمرءُ مَخْبوءٌ تَحْتَ لسانه، وما هَلَكَ..).............. 335

(قيمةُ كُلّ أمرئٍ ما يُحْسِِنُهُ)............................................... 334

(كلُّ حلالٍ وحرامٍ أو حُكْمٍ أو حَدٍّ تحتاجُ إليه الأمّة إلى يومِ..).............. 264

(كلا المجلسين على خير وأحدهما أحبُّ إليَّ من صاحبه، أمّا..).............. 28

(لا تنقض اليقين بالشك)............................................ 99، 345

(لا صَلاةَ إلاّ بفاتحة الكتاب)............................................... 97

(لا ضرر ولا ضرار)..................................................... 345

(لا يَفْقَهُ العَبْدُ كُلَّ الفِقْهِ حتّى يَمْقُتَ النّاسَ في ذاتِ اللهِ..)................... 338

(لكلِّ شيءٍ عِمادٌ وعِمادُ هذا الدّين الفقه)................................. 342

(لو يعلم الناس ما في طلب العلم لطلبوه ولو بسفك المهج..)................ 330

(لولا مَنْ يَبْقى بَعْدَ غيبة قائمنا من العُلَمَاءِ الدّاعين إليه..)................... 342

(ما أعاد الصلاة فقيهٌ قطّ يحتال لها ويدبّرها حتّى لا يُعيدها).................. 32

(ما عُبدَ اللهُ بشيءٍ أفضَلُ من الفقه في الدين، ولَفَقيهٌ واحدٌ..)................ 29

(ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في دين)................................... 28

(ما علمت شيئاً إلا علّمته علياً فهو باب مدينة علمي)...................... 190

(ما كان لنا فهو لشيعتنا).................................................. 107

(ما من أحدٍ يَموتُ من المؤمنين أحبّ إلى إبليس من موتِ فقيهٍ)............ 339

(من أحيا أرضاً فهي له)................................................. 107

(من حفظ على أمّتي أربعين حديثاً بعثه الله تعالى يوم القيامة عالما..)......... 29

(من سَلَكَ طريقاً يَطْلُبُ فيه عِلْماً سَلَكَ اللهُ بهِ طريقاً إلى..)................. 327

(من علامات الفقيه الحِلْمُ والصَّمْت)..................................... 339

(من كنت مولاه فعليٌّ مولاه)............................................. 179

(من هذا؟ فقيل: علاّمة، فقال: وما العلامة؟ فقالوا له..)................... 336

(هو جلْدُ ثورٍ مملوءٌ علما، قال له: فالجامعة؟ قال: تلك..).................. 266

(وجدتُ علم الناس كُلّه في أربعٍ أوّلها: أنْ تعرف ربّك..)................. 338

(ودَدْتُ أنْ أضرب رؤوس أصحابي بالسّياط حتى يتفقهوا)................. 31

(ومن يتبع غير سبيل المؤمنين)............................................ 345

(يا بُني قُمْ، فقام فأخرج كتاباً مدروجاً عظيماً ففتحه وجعل..)............. 266

(يا كميل إنّ هذه القلوب أوعيةٌ فخيرها أوعاها، إحفظ ..)................ 332

(يعني بالعلماء من صَدَّقَ قولَه فعلُه، ومَنْ لم يصدّق فعلُه..)................ 326

(يُعيد، قلت: أليس يقال: لا يعيدُ الصَّلاة فقيه، فقال: إنّما..)................. 32

 

فهرس الأعلام

 

آدمَ  عليه السلام : 417

نوح  عليه السلام : 417

هودٌ  عليه السلام : 417

صالح  عليه السلام : 417

أيوب  عليه السلام : 347

دانيال  عليه السلام : 330 ،331

اليسوع  عليه السلام : 174

موسى  عليه السلام : 182

النبي محمّد  صلى الله عليه واله وسلم  : 28، 29، 30، 33، 34، 70، 65، 67، 68، 107، 111، 116، 177، 179، 180، 185، 190، 194، 242، 248، 260، 267، 271، 306، 307، 328، 331، 336، 338، 357، 364، 365، 369، 377، 399 

الإمام عليّ بن أبي طالب  عليه السلام  : 41، 264، 267، 268،   271،    297، 322، 328، 330،   332، 333، 334، 336، 341، 342، 345، 370، 387، 399، 416، 417

الإمام الحسن  عليه السلام : 111، 267

الإمام الحسين  عليه السلام : 167

الإمام السجاد  عليه السلام : 264، 330

الإمام الباقر  عليه السلام : 114، 265

الإمام الصَّادِق  عليه السلام :  71، 114، 177، 265، 307، 326، 327، 329، 331، 332، 338، 339، 340، 341

الإمام الكاظم  عليه السلام : 32، 115، 116، 336

الإمامُ الرضا  عليه السلام : 115، 329، 339

الإمام الهادي  عليه السلام : 342

الإمام العسكري  عليه السلام  : 342

الإمام الحجة عجل الله فرجه الشريف  : 188، 379، 393

أبان بن تغلب: 266

أبان بن عثمان: 115

إبراهيم البغدادي: 412

إبراهيم النخعي: 391

ابراهيم بن محمد الباقر القزويني: 413

إبراهيم بن محمّد نفطويه: 400

ابن أبي عقيل: 364

ابن الحاجب: 41

ابن الصَّلاح: 251

ابن المغازلي: 190

ابن جنيد الاسكافي: 364، 393

ابنُ حبّان: 406

ابن حجر العسقلاني: 269

ابن حزم: 361، 369

ابن سينا: 212، 219، 275، 276،

ابن شهريار: 410

ابن عبد البر الأندلسي: 253، 268، 269، 331، 332

ابن عساكر: 403

ابن فهد الحلي: 382

ابن قتيبة: 388

ابن كثير: 180

أبو إسحاق الإسفراييني: 402

أبو إسحاق الشيرازي: 381، 401

أبو الأسودِ الدؤلي: 399

أبو الحسن الكرخي: 346

أبو الدرداء: 327

أبو الفتح: 138

أبو القاسم القمي: 58

أبو القاسم جعفر الموصلي: 405

أبو المعالي الجويني: 252

أبو بصير الاسدي: 114

أبو بصير المرادي: 114

أبو بكر الصديق: 111، 180، 201، 260

أبو داود السجستاني: 328

أبو ذر الغفاري: 267

أبو سعيد الخدري: 111، 179

أبو سعيد السمعاني: 266

أبو شيبة: 266

أبو طاهر الدباس العراقي: 345

ابو عبد الله النيسابوري: 402

أبو عبد الله محمد العاملي: 309

أبو عبيدة الجراح: 111

أبو عبيدة: 266

أبو علي القالي: 404

أبو موسى الأَشعري: 193، 399

أبو نصر سابور بن أردشير: 406

أبو يوسف قاضي الرشيد: 384

أبو يوسف: 251، 363

أحمد الحسيني: 235

أحمد بن حسين البيهقي: 110، 402

أحمد بن حنبل: 251، 263، 362، 389

أحمد بن طولون: 400

احمد بن عبد الحليم الحنبلي: 361

أحمد بن عبد الله الطبري: 190، 362

أحمد بن عمر الخصاف: 346

أحمد بن محمد الإربلي: 384

أحمد بن محمد النراقي: 87، 103

أحمد بن محمّد النَّسفيّ: 252

أحمد بن محمّد بن أبي نصر: 116

أحمد بن محمّد: 265

احمد بن مصطفى المراغي: 110

أحمد بن مهدي: 416

الأرقم بن أبي الأرقم: 399

إسحاق الطيار: 356

أسد الله بن اسماعيل التستري: 412

اسماعيل بن عبد الرحمن السدّي: 334

الأصبغ بن نباته: 328

أمِّ سلمة: 267

أمّ سيد حسن: 418

أنس بن مالك: 111

برناردشو: 356

بريد بن معاوية: 114

بشر المريسي: 251

بطرس بن بولس البستاني: 22

تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي: 36

تقي الدين المقريزي: 402

تقي بن النجم الحلبي: 305

ثعلبة بن ميمون: 115

جابر بن عبد الله الأنصاري: 270

الجاحظ: 334

جرمانيوس: 356

جرير: 20

جعفر الخليلي: 410

جعفر كاشف الغطاء: 7، 396، 407، 411، 412، 413

جلال الدين الدواني: 212، 216

جلال الدين السيوطي: 190، 251، 268

جلال الدين المحلي: 38

جلال الدين محمد بن أسعد الدواني: 138

جمال الدين الافغاني: 361

جمال عبد النّاصر: 351

جميل بن دراج: 114، 115

الحارث الحميري ملك اليمن: 175

الحارث الغسّاني ملك الحيرة: 176

الحاكم بأمر اللهِ الفاطمي: 402، 406

حبيب الله الرشتي: 40، 48، 53، 75، 213

حبيب الله القوجاني: 141

حبيب بن أوس الطائي: 201

حبيب كاشف الغطاء: 407

حسن البجنوردي: 346

الحسن البصري: 392، 399

حسن الشيرازي: 396

الحسن بن علي بن فضال: 116

الحسن بن محبوب: 115، 116

الحسن بن محمد النيسابوري: 180

حسن كاشف الغطاء: 38، 309، 413

حسن مأمون: 351

حسين القزويني: 412

حسين القمي البروجردي: 143

الحسين بن محمد الاصفهاني: 17

حسين بن محمد الدين الآملي: 44

حسين بن محمد تقي النوري: 382

حسين بن معين الدين الميبذي: 275

الحسين بن مهدي: 416

حسين نجف: 395

الحكم بن عتيبة: 265

حمّاد بن سليمان: 391

حماد بن عثمان: 115

حَمَّاد بن عيسى: 115

محمد جواد بن محمد: 412

حمزة بن حمران: 32

خزنة: 407

الخِسروشاهي: 252، 253

الخليل بن أحمد الأزدي: 334

الخميني: 41

داود الأصفهاني: 400

داود الظاهري: 362، 389

داود باشا: 395، 413

داود كوهات: 357

دوديانوس: 357

الدّيلمي: 305

الربيع بن صبيح: 270

ربيعة الرأي: 392، 398

ربيعة بن عبد الرحمن: 113

رضي الدين الأسترابادي: 22

زرارة: 70، 114

زكريا بن يحيى الساجي: 328

زيد بن ثابت: 111

زيد بن علي الشهيد: 264

سالمُ بنُ عبد الله: 388

سراج الدين الإرموي: 296

سراجُ الدّين القزويني: 251

سعد بن عبادة: 270

سعيد بن المسيب: 113، 388

سَعيُد بن سعيد بن العاص: 377

سفيان الثوري: 251، 338، 389

سلمان الفارسي: 23، 267

سلمان بن احمد الطبراني: 190

سليم باشا: 414، 415

سليم بن قيس: 264، 267

سليمان بن خلف القرطبي: 381

سُماعة: 177

سيبويه: 21، 22

شبرل: 355

شبلي شميل: 166

الشريف الجرجاني: 134، 218، 295

الشريف الرّضي: 406

الشهيد الأول: 345

الشهيد الثاني: 84، 327، 330

صدر الدين الشيرازي: 273، 285

الصدوق: 29، 327، 328، 332، 349، 393

صفوان بن يحيى السابري: 115

صلاحُ الدين الايوبي: 403

ضياء الدين العراقي: 8، 234

طِغْرِلْ بيك السّلْجُوقي: 394

الطوسي: 32، 109، 218، 219، 305، 348، 349، 364، 365، 381، 382، 394، 396، 400، 401، 411

عامر الشعبي: 389

عباس بن علي كاشف الغطاء: 348، 407

عبد الحميد بن أبي الحديد: 268

عبد الرحمن الاوزاعي: 362، 389

عبدُ الرحمن الثالث: 404

عبد الرحمن بن أبي الزناد: 269

عبد الرحيم الفاضل البادكوبي: 414

عبد الرّزاق الصنعاني: 260

عَبْدُ العزيز بن محمد: 269

عبد الكريم اليزدي: 237

عبد الله المعروف بالحافظ: 388

عبد الله اليزدي: 207

عبد الله بن المغيرة: 115

عبد الله بن بكير: 115، 261

عبد الله بن عباس: 111، 270

عبد الله بن عمر البيضاوي: 36

عبد الله بن عمر: 111، 270

عبد الله بن عمرو بن العاص: 271

عبد الله بن محمد التوني: 24، 92

عبدُ الله بن مسعود الصّحابي: 391

عبد الله بن مسكان: 114

عبد الله بن يوسف بن احمد: 419

عبد المطلب بن محمد ابن الاعرج: 126

عبد الملك بن عبد العزيز: 270

عبدُ الملك بن مروان: 377

عبيد الله بن أبي رافع: 267

عبيد بن زرارة: 32

عثمان بن عبد الرحمن: 404

عثمان بن عيسى: 116

عذافر الصيرفي: 265، 267

العزيز بالله نزار بن سعد: 406

العضدي: 47

عطاء بن مسلم الخراساني: 270

علاءُ الدِّين علي المتقي الهندي: 190

العلامة الحلي: 67، 77، 216، 218، 303، 335، 351، 365

علم الهدى السيد المرتضى:364، 397

عِلي آل صويّح أبو فدعة: 372، 373

علي الايرواني: 138

علي القزويني: 257

عليّ بن إبراهيم: 331

علي بن اسماعيل بن اسحق: 58

عليّ بن بابويه: 349

علي بن جعفر كاشف الغطاء: 413

عليّ بن محمّد الآمدي: 36، 41، 79

علي بن محمد رضا كاشف الغطاء: 407، 413

عليّ كاشف الغطاء: 416

عَمَّار بن ياسر: 261

عمر بن الخطاب: 193، 260، 391

عمر بن حسن الكلبي: 404

عمر بن عبد العزيز: 20، 269، 377

عمرو بن خالد الواسطي: 264

غاندي: 357

فتح عليشاه: 376

فخر الدين الطريحي: 344

فدعة: 372، 373

فضالة بن أيوب: 116

الفضيل بن يسار: 114

فمبري: 355

قطب الدين محمد الرازي: 24، 67، 126، 213، 252، 319، 363

كاظم الرشتي: 412

كاظم الشيرازي: 141، 381

كُثير بن قيس: 327

كسرى ملك الفرس: 175

كمال الدين الانباري: 401

كميل بن زياد النخعي: 332

لامبير: 354

ليث بن البختري: 114

ليون روش: 356

مالك الأشتر: 267، 370

مالك بن أنس: 388، 389

المأمون العباسي: 189، 401، 405

مجاهد بن جبر: 270

محسن بن حسن الاعرجي: 412

محسن خنفر: 375

المحقق الحلي: 381، 382، 394، 411

المحقق الشريف: 44، 76

المحقق القمي: 44، 51، 390

اسماعيل بن حماد الجوهري: 25

محمد الحسين كاشف الغطاء: 407، 410

محّمد الصيرفي: 347

محمد العامري: 347

مُحمَّد العاملي الكتبي: 418

محمّد العكبري المفيد: 393

محمد القزويني: 348

محمد باقر الدّاماد: 285، 337

محمد باقر الوحيد البهبهاني: 395، 411

محمّد بن أبي عمير: 115

محمّد بن احمد بن رشد: 252

محمد بن ادريس الشافعي: 109، 251، 268، 347، 362، 389، 405

محمّد بن إسماعيل التميمي: 328

محمد بن الحسن أبو بكر: 402

محمد بن الحسن الشيباني: 350

محمد بن الحسن الشيرواني: 45، 73

محَّمد بن الحنفية: 267، 341

محمد بن جرير الطبري: 109

محمد بن جمال الدين الجزيني: 25، 302، 303، 308، 312

محمد بن حبان البستي: 403

محمد بن حسين العاملي: 45، 67

محمد بن زين الدين العاملي: 77

محمد بن عبد الكريم الشهرستاني: 194

محمّد بن عليّ الطوسي: 306

محمد بن علي الكراجكي: 342

مُحمَّد بن علي بن جعفر: 413

محمد بن عمر الاندلسي: 404

محمد بن عمر الكشي: 114، 116، 365

مُحمَّد بن عيسى الترمذي: 190

محمد بن محمد الغزالي: 34، 41، 251، 268، 269، 363، 498، 401

محمد بن محمد رضا كاشف الغطاء: 167

محمد بن مسلم الزهري: 269

محمد بن مسلم الطائفي: 114

محمد بن يعقوب الفيروز آبادي: 21

محمد بن يعقوب الكليني: 265

محمد تقي الرازي الاصفهاني: 65، 131، 217، 294، 412

محمّد تقي الشيرازي: 396

محمد حسن الاصفهاني: 375، 412

محمد حسين الأصفهاني: 137

محمد حسين الحائري: 38، 39، 50، 91، 99، 132، 153، 154

محمد رضا كاشف الغطاء: 14، 197، 227، 229، 392، 407، 408، 410

محمد شريف المازندراني: 26

محمّد صالح الجزائري: 375

محمد صالح المازندراني: 25، 337

محمد عبد خير الله: 362

محمد علي الأعسم: 412

محمّد كاشف الغطاء: 413، 414، 415

محمد كاظم الخراساني: 121، 130، 137، 139، 140، 141، 142، 146، 147، 148، 151، 226، 320

محمد مهدي الطباطبائي: 151، 306، 395، 411

محمد مهدي الكلباسي: 412

محمود العراقي الميثمي: 41

محمود بن عبد الله الآلوسي: 180

محي الدين بن شرف النووي: 251، 404

مرتضى الأنصاري: 50، 237، 270، 400، 413، 415

مرتضى كاشف الغطاء: 416

مسعود بن عمر التفتازاني: 212، 216، 218، 219، 419

مسلم بن الحجاج النيسابوري: 190

مظفّر الدين شاه: 415

معاذ بن جبل الخزرجي: 260

معاوية بن ابي سفيان: 268

معاوية بن عمّار: 332

معروف بن خرَّبود القرشي: 114

معمر بن راشد الأزدي: 270

المفضل بن عمر الابهري: 295

المفيد: 364

مقداد بن عبد الله الحلي: 303

المقدَّس الأردبيلي: 394، 411

المقوقس حاكم مصر: 176

الملا محمد: 413

المنصور العباسي: 401، 402

المهديّ العباسي: 378

مهدي القزويني: 412، 413

مهدي بن علي كاشف الغطاء: 415

موسى كاشف الغطاء: 411، 412، 413

مير فتّاح: 413

ميو: 355

نادر شاه: 395

ناصِرُ الدِّين الأيّوبي: 403

النائيني: 138، 154، 230، 237

النجاشي: 265، 267، 365

نجمُ الدّين الأيّوبي: 404

نجيب باشا: 413

نَصْرَ بن سبكتكين: 402

نصير الدّين الطوسي: 381

نظام الملك الطوسي: 401

النعمان بن ثابت الكوفي: 264، 268، 391

هادي السبزواري الحكيم: 152

هادي كاشف الغطاء: 261، 312، 334، 344 ، 407

هارونَ الرّشيد: 384

هرقل امبراطور الروم: 175

هشام بن عبد الملك: 264، 267

هولاكو: 401

واصل بن عَطَاءِ المُعْتَزلّي: 399

ولز: 355

ويليام هيرشل: 166

يزيد بن حبيب: 389

يزيد بن معاوية: 231

يوسف البحراني: 416

يوسف الحلو: 350

يونس بن عبد الرحمن: 115، 116

 

 

 

فهرس المؤلفات

 

القرآن الكريم: 27، 63، 111، 183، 185، 186، 187، 194، 197، 260، 262، 263، 306، 326، 336، 341، 343، 364، 399، 400، 406، 414، 418

الآثار: 270

الآجرومية: 419

الاحتجاج: 342

إحياء الميت: 190

احياء علوم الدين: 398

اختلاف الفقهاء: 110

أدب الإملاء والاستملاء: 266

ارشاد الاذهان: 344

الاستبصار فيما اختلف فيه من الاخبار: 343

إسعاف الراغبين: 190

الأشباه والنظائر: 347

الاقتصاد والجمل: 305

الألف باء: 268

ألفيّة ابن مالك: 419

الأمّ: 350

آمالي الصدوق: 327، 328

إنجيل لوقا: 174

إنجيل متّى: 174

إنجيل مرقص: 174

أنوار الفقاهة: 413

بحار الانوار: 29، 365

بصائر الدرجات: 265، 327، 329

البيان والتبيين: 334

تاريخ السبكي: 402

تاريخ دمشق: 403

التبصرة: 337، 419

تجريد المنطق: 216، 218

تحرير الاحكام: 303

التحفة: 36

تذكرَةَ الفقهاء: 109، 303، 351

التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: 303

تهذيب الاحكام: 307

تهذيب الوصول الى علم الاصول: 36، 41

التّهذيب في المنطق: 138

ثمرات الحياة: 167

ثواب الأعمال: 327

جمع الجوامع: 38

جواهر الكلام: 342، 348

الحاشية على المعالم: 217

حاشية ملاّ عبد الله: 419

الحدائق الناظرة: 348

الحدائق الوردية: 334

الحقُّ المبين: 345

الحيل والمخارج: 346

الخصال: 329، 341

الخلافيات: 110

دائرة المعارف: 22

ذخائر العقبى: 190

ذكرى الشيعة: 36، 302، 303،  308، 312

روح المعاني: 179

رياض المسائل: 348

زبدة الاصول: 72، 73، 74

شرائع الاسلام: 303، 348، 419

شرح التلويح على التوضيح: 38

شرح الزبدة: 25

شرح صحيح مسلم: 328

شرح مطالع الانوار: 216

شرح نهج البلاغة: 268

الشفاء: 212

الشمسية: 419

الصحاح: 20، 21، 23، 25، 343، 348، 349

صحيح البُخاري: 263

صحيح مسلم: 263

طبقات الشافعية: 381

عوالي اللئالي: 30، 342

الغيب والشهادة: 408

الفتاوي الهندية: 347

فتح الباري: 270

فرائد الاصول: 419

الفهرست: 365

القاموس المحيط: 21، 24

قطر الندى وبل الصدى: 419

قلائد الدرر: 344

القواعد والفوائد: 304، 309، 344

قوانين الاصول: 81، 422

الكافي: 29، 265، 266، 327، 329، 330، 331، 332، 336، 338، 339، 340، 341، 343

كشف الغطاء: 38، 309، 344

كشكول البهائي: 331

كشكول الهادي: 334

الكفاية: 141، 247، 419

كنز العمال: 190

اللُّمْعةَ الدمشقية: 419

المبسوط: 109، 365

مجمع البيان: 326

المحصول: 412

مختصر ابن الحاجب: 35

المختلف: 109، 348

مدارك نهج البلاغة: 334

المراسم العلوية: 305

مستدرك الوسائل: 382

مستطرَفَاتِ السَّرائر: 261

مصابيح الاحكام: 306

المصباح المنير: 17

المطول: 419

معارج الاصول: 36

معالم الدين: 51، 72، 419

معاني الأخبار: 31

المعْجَم الصغير: 190

المغرب: 23

مغني اللبيب: 419

مفتاح الكرامة: 412

مفتاح النجاة: 190

المقنع: 349

المقنعة: 344، 349

المكاسب: 301، 419

الملل والنحل: 194، 260

من لا يحضره الفقيه: 331، 339، 343، 349، 393

مناقب الشافعي: 268

المناقب: 190

المنتخب: 41

منتهى المطلب: 303

المنجد: 22

منظومة السبزواري: 242

منية المريد : 74، 325، 327

المهذب في شرح المختصر: 382

موارد الأنام في شرح شرائع الإسلام: 348

الموطّأ: 264، 270، 348، 349، 389

النُّزْهَة: 306

نقد الآراء الفلسفية: 174

نقد الآراء المنطقية: 59، 81، 83، 130، 138، 140، 143، 208، 319

نقد العلماء: 414

النهاية: 23، 344، 349، 382

نهج البلاغة: 332

نَوادِرِ البَزَنْطيّ: 261

النور الساطع: 68، 73، 352، 353، 358، 365، 367، 369، 376، 379

هداية المسترشدين: 50

الهداية في شرح المعالم: 412

الهداية: 349

هُدَى المتقين: 312

الوافي: 29، 336

وسائل الشيعة: 263

الوسيلة: 306

 

 

فهرس المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

  1. أجود التقريرات، تقريرات بحث النائيني، السيد أبو القاسم الخوئي، الناشر: منشورات مصطفوي، قم، مطبعة الغدير، ط2.
  2. الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، تحقيق: محمد باقر الخرسان، الناشر: دار النعمان للطباعة والنشر، النجف الأشرف، (1386هـ).
  3. الاحكام في أصول الاحكام، علي بن حزم الأندلسي الظاهري، الناشر: زكريا علي يوسف، مطبعة العاصمة، القاهرة.
  4. الاحكام في أصول الاحكام، علي بن محمد الآمدي، تحقيق: عبد الرزاق عفيفي، الناشر: المكتب الإسلامي، ط2، (1402هـ).
  5. إحياء الميت بفضائل أهل البيت، جلال الدين السيوطي، المحقق: عباس أحمد صقر، الناشر: دار المدينة المنورة، ط1، (1420هـ).
  6. إحياء علوم الدين، محمد بن محمد أبو حامد الغزالي، دار الكتاب العربي، بيروت.
  7. اختيار معرفة الرجال المعروف برجال الكشي، الشيخ الطوسي، تحقيق: مهدي الرجائي، الناشر: مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  لإحياء التراث، مطبعة بعثت، قم، (1404هـ).
  8. أدب الإملاء والاستملاء، أبو سعيد عبد الكريم بن محمد السمعاني، تحقيق: سعيد محمد اللحام، الناشر: دار ومكتبة الهلال، بيروت، ط1، (1409هـ).
  9. الأزمنة والأمكنة، أبو علي أحمد بن محمد المرزوقي الأصفهاني، تحقيق: خليل المنصور، الناشر: دار الكتب العلمية، ط1، (1417هـ).
  10. أسد الغابة، علي بن ابي كرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير، انتشارات اسماعيليان، طهران ناصر خسرو.
  11. إسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل أهل بيته الطاهرين، محمد بن علي الصبان، مصطفى البابي الحلبي، (1948م).
  12. إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن ابي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي (ابن قيم الجوزية)، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، نشر دار الجبل، بيروت، (1973م).
  13. الأعلام، خيرُ الدين الزركلي، طبع ونشر دار العلم للملايين، ط5.
  14. أعيان الشيعة، محسن الأمين، تحقيق: حسن الأمين، الناشر: دار التعارف للمطبوعات، بيروت.
  15. الاقتصاد الهادي إلى طريق الرشاد، محمد بن الحسن الشيخ الطوسي، الناشر: منشورات مكتبة جامع جهلستون، طهران، مطبعة الخيام، قم، (1400هـ).
  16. آل كاشف الغطاء مناهل عطاء، شاكر جابر موسى البغدادي، مطبعة الأديب، بغداد، (2000م).
  17. الأمالي، الشيخ الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية/ مؤسسة البعثة، قم، ط1، (1417هـ).
  18. الأمالي، محمّد بن الحسن الطوسي، تحقيق قسم الدراسات الإسلامية في مؤسسة البعثة، طبع ونشر دار الثقافة، ط1، (1414هـ).
  19. أمل الآمل، محمد بن الحسن الحر العاملي، تحقيق: السيد أحمد الحسيني، الناشر: مكتبة الأندلس، بغداد، مطبعة الآداب، النجف الأشرف.
  20. إنجيل مرقس، يوحنا كرافيذوبولوس، تعريب الأرشمندريت أفرام كرياكوس.
  21. الأنساب، أبو سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني، تحقيق: عبد الله عمر البارودي، الناشر: دار الجنان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، (1408هـ)(.
  22. بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، مؤسسة الوفاء، بيروت، ط2، (1403هـ).
  23. البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، تحقيق: علي شيري، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، (1408هـ).
  24. بدائع الأفكار، حبيب الله الرشتي، الناشر: مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  لإحياء التراث.
  25. بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، تحقيق: حسن كوجه باغي، الناشر: منشورات الأعلمي، طهران، مطبعة الأحمدي، (1404هـ).
  26. البيان والتبيين، عمرو بن بحر الجاحظ، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى لصاحبها مصطفى محمد، مصر، ط1، (1345هـ).
  27. تاريخ النجف الأشرف، محمد حسين حرز الدين، تحقيق: عبد الرزاق محمد حسين حرز الدين، منشورات دليل ما، قم، ط1، (1427هـ).
  28. تاريخ بغداد، أبو بكر محمد بن علي الخطيب البغدادي، تحقيق: مصطفى عبد القادر، دار الكتب العلمية، بيروت، (1417هـ).
  29. تاريخ فكر الاجتماع، محمد علي محمد، دار المعرفة الجامعية الاسكندرية، ط2، (1429هـ).
  30. تاريخ مدينة دمشق، أبو القاسم عليّ بن الحسن الشافعي المعروف بابن عساكر، تحقيق علي شيري، طبع ونشر دار الفكر، (1415هـ).
  31. تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، تحقيق: أحمد الحسيني، هادي اليوسفي، الناشر: انتشارات فقية، طهران، مطبعة أحمدي، ط1.
  32. تجريد المنطق، نصير الدين الطوسي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت.
  33. تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، تحقيق: إبراهيم البهادري، الناشر: مؤسسة الإمام الصادق  عليه السلام ، مطبعة اعتماد، قم، ط1، (1420هـ).
  34. تحرير القواعد المنطقية في شرح الرسالة الشمسية، قطب الدين محمد بن محمد الرازي، منشورات بيدار، مطبعة شريعت، قم، ط2، (1426هـ).
  35. تحف العقول عند آل الرسول  صلى الله عليه واله وسلم ، الحسن بن علي بن الحسين بن شعبة الحراني، تحقيق علي اكبر الغفاري، نشر مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، قم، ط2، (1404هـ).
  36.  تذكرة الحفّاظ، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، نشر مكتبة الحَرَمْ المكّي بإعانة وزارة معارف الحكومة العالية الهندية.
  37. تذكرة الفقهاء، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، مطبعة مهر، قم، ط1، (1414هـ).
  38. تراجم الرجال، أحمد الحسيني، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، قم المقدسة، مطبعة صدر، (1414هـ).
  39. التسهيل، إبن مالك، محمد بن عبد الله بن عبد الله بن مالك الطائي الجياني الأندلسي جمال الدين، مخطوط.
  40. تعليقة على معالم الأصول، السيد علي الموسوي القزويني، تحقيق: علي العلوي القزويني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط1، (1422هـ).
  41. تفسير الإمام العسكري  عليه السلام ، المنسوب إلى الامام أبو محمد الحسن بن علي العسكري  عليه السلام ، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي  عليه السلام ، مطبعة مهر، قم، ط1، (1409هـ).
  42. تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشي، تحقيق: يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، (1412هـ).
  43. التفسير الكبير، فخر الدين الرازي، الناشر: دار الفكر، ط1، (1401هـ).
  44. التفسير والمفسرون، محمد حسين الذهبي، الناشر: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، السعودية.
  45. تقريبُ التَّهذيب، أحْمَد بن عليّ بن حجر العسقلاني، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، (1415هـ).
  46. تقرير بحث آية الله المجدد الشيرازي، علي الروزدري، تحقيق: مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  لإحياء التراث.
  47. تقريرات الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء لبحث السيد أبو الحسن الأصفهاني في أصول الفقه، مخطوط، مكتبة كاشف الغطاء العامة.
  48. التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، المقداد السيوري، مخطوط، مكتبة الامام الحكيم العامة.
  49. تهذيب الأحكام، محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق: السيد حسن الخرسان، المطبعة خورشيد، نشر دار الكتب الإسلامية، ط4.
  50. تهذيب الوصول الى علم الأصول، العلامة الحلي، تحقيق: محمد حسين الرضوي الكشميري، مطبعة ستارة، قم، (1421هـ).
  51. تهذيب الأصول، بحث السيد الموسوي الخميني، جعفر السبحاني، الناشر: دار الفكر، قم.
  52. ثواب الأعمال وعقب الأعمال، الشيخ الصدوق، تحقيق: محمد مهدي السيد حسن الخرسان، الناشر: منشورات الشريف الرضي، قم، مطبعة أمير، ط2.
  53. جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، عمر بن يوسف بن عبد البر القرطبي، دار الفكر، بيروت.
  54. الجرح والتعديل، عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس التميمي الرازي، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، نشر دار الكتب العلمية، ط1، (2002م).
  55. جواهر المطالب في مناقب الإمام علي  عليه السلام ، محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني الشافعي، تحقيق: محمد باقر المحمودي، الناشر : مجمع إحياء الثقافة الإسلامية، قم، مطبعة دانش، ط1، (1415هـ).
  56. الجوهر النضيد في شرح منطق التجريد، الحسن بن يوسف الحلي، الناشر: انتشارات بيدار، مطبعة الإمام امير المؤمنين  عليه السلام ، (1363هـ).
  57. حاشية المعالم، محمد بن الحسن الشيرواني، مخطوط.
  58. حاشية المعالم، حسين بن محمد خليفة سلطان الحسيني، مخطوطة.
  59. حاشية سلطان العلماء على المعالم، حسين بن محمد الميرزا رفيع الدين الآملي، مخطوط
  60. حاشية على التهذيب، الملا عبد الله اليزدي، تحقيق: مصطفى الحسيني، نشر دار التفسير، قم.
  61. حاشية مختصر منتهى السؤول والأصل، عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار. مخطوطة.
  62. الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة، يوسف البحراني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
  63. الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية، حميد بن أحمد الشهير اليماني، مخطوط.
  64. الحق المبين في تصويب رأي المجتهدين، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، مكتبة الامام الحكيم العامة، قسم المخطوطات.
  65. الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، صدر الدين محمد الشيرازي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط3.
  66. الحماسة البصرية، محمد بن أحمد المفجع البصري.
  67. الخصال، أبو جعفر محمد بن علي الشيخ الصدوق، تحقيق: علي أكبر الغفاري، الناشر: جماعة المدرسين في الحوزة العلمية، قم المقدسة، (1403هـ).
  68. المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار المعروف بالخطط المقريزية، أحمد بن علي تقي الدين المقريزي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1418هـ).
  69. خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، التحقيق: جواد القيومي، ط1، مطبعة مؤسسة النشر الاسلامي، الناشر: مؤسسة نشر الفقاهة، (1417هـ).
  70. دار السلام فيما يتعلق بالرؤيا والمنام، حسين النوري الطبرسي، الناشر: مؤسسة التاريخ العربي، بيروت.
  71. الديوان المنسوب للإمام علي  عليه السلام ، مصطفى زماني، الناشر : انتشارات بيام اسلام، قم، مطبعة صدر.
  72. ديوان حاتم الطائي، حاتم الطائي، الناشر: دار صادر، (1401هـ).
  73. ذخائرُ العُقبى في مناقبِ ذَوي القُرْبى، مُحبُّ الدِّين أحمد بن عبد الله الطبري، عن نسخة دار الكتب المصرية والخزانة التيمورية، نشر مكتبة القدسي، (1356هـ).
  74. ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد، المحقق السبزواري، الناشر: مؤسسة آل البيت  عليهم السلام .
  75. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، أغا بزرك الطهراني، الناشر: دار الأضواء، بيروت، ط3، (1403هـ).
  76. ذكرى الشيعة في أحكام الشريعة، الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي الجزيني، تحقيق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، قم، (1418هـ).
  77. ذيل طبقات الحفاظ، جلال الدين السيوطي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  78. الرحلة في طلب الحديث، الخطيب البغدادي، تحقيق: نور الدين عتر، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1395هـ).
  79. رسائل اخوان الصفاء وخلان الوفا، دار صادر بيروت.
  80. رسائل فقهية، محمد اسماعيل بن الحسين المازندراني الخاجوئي، الناشر: دار الكتاب الإسلامي، مطبعة سيد الشهداء عليه السلام، ط1، (1411هـ).
  81. رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، تاج الدين السبكي، الناشر: عالم الكتب، بيروت، ط1، (1419هـ).
  82. روح المعاني، محمود الآلوسي البغدادي، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  83. الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية، زين الدين بن علي الشهيد الثاني، تحقيق: محمد كلانتر، منشورات جامعة النجف الدينية، ط1، (1398هـ).
  84. روضة الواعظين، محمّد بن الفتال النيسابوري، تقديم السيد محمد مهدي الخرسان، نشر منشورات الرضي، قم.
  85. زبدة الأصول، الشيخ البهائي محمد بن الحسين العاملي، تحقيق: فارس حسون كريم، الناشر: مرصاد، مطبعة زيتون، ط1، (1423هـ).
  86. سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1414هـ).
  87. سنن الترمذي (الجامع الصحيح)، مُحمَّد بن عيسى الترمذي، تحقيقُ: عبد الرحمن محمد عثمان، طبع ونشر دار الفكر بيروت، ط2، (1983م).
  88. سنن الدّار قطني، عليّ بن عمر الدار قطني، تحقيق مجدي بن منصور بن سيد الشورى، طبع ونشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1996م).
  89. سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تحقيق: محمد أحمد الدهان، نشر مطبعة الاعتدال، دمشق.
  90. السنن الكبرى، أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، المحقق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط3، (1424هـ).
  91. سير أعلام النُّبلاء، محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق شعيب الأرناؤوط، نشر مؤسسة الرسالة، بيروت، ط9، (1413هـ).
  92. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي بن العماد الحنبلي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  93. شرائع الإسلام، المحقق الحلي، تحقيق: صادق الشيرازي، الناشر: انتشارات استقلال، طهران، مطبعة أمير، قم، ط2، (1409هـ).
  94. شرح الاشارات والتنبيهات، نصير الدين الطوسي، مخطوط، مكتبة الإمام الحكيم العامة.
  95. شرح التلويح على التوضيح، سعد الدين بن مسعود التفتازاني، الناشر: مكتبة صبيح، مصر.
  96. شرح الرضي على الكافية، رضي الدين الأسترابادي، تحقيق: يوسف حسن عمر، الناشر: مؤسسة الصادق، طهران، (1395هـ).
  97. شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، المحقق: عبد الله بن عبد المحسن التركي وشعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط2، (1411هـ).
  98. شرح العقيدة الطحاوية، عبد الله بن عبد الملك بن يُوسِفُ الجويني.
  99. شرح القواعد (كتاب المتاجر)، جعفر بن الشيخ خضر الجناجي، تحقيق: محمد حسين الرضوي الكشميري، انتشارات سعيد بن جبير، مطبعة سرور، ط1، (1422هـ).
  100. شرح المفصل للزمخشري، يعيش بن علي بن يعيش الموصلي المعروف بابن يعيش، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1422هـ - 2001م).
  101. شرح المقاصد في علم الكلام، سعد الدين التفتازاني، الناشر: دار المعارف النعمانية، ط1، باكستان، (1401هـ).
  102. شرح زبدة الأصول، محمد صالح بن أحمد المازندراني، مخطوط.
  103. شرح مطالع الانوار، قطب الدين محمد بن محمد الرازي، انتشارات كتبي نجفي، قم.
  104. شرح مقدمة كشف الغطاء، حسن بن جعفر كاشف الغطاء، مخطوط، مكتبة الامام الحكيم العامة.
  105. شرحُ نهجِ البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق محمَّد أبو الفضل إبراهيم، نَشْرُ دار إحياء الكتب العربية، منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، ط2، (1967م).
  106. الشفاء، أبو علي الحسين بن عبد الله بن سينا، تحقيق: الأب قنواتي وسعيد زايد، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، (1404هـ).
  107. الشيخ علي كاشف الغطاء ودوره الإصلاحي الديني في العراق، صباح جابر عبد الحسين العادلي، رسالة ماجستير مقدمة إلى قسم التراث في الجامعة الحرة في هولندا، (1429هـ).
  108. الصحاح، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق : أحمد عبد الغفور العطار، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت، ط4، (1407هـ).
  109. صحيحُ البخاري، محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري، طبع ونشر دار الفكر، بيروت، طبعة بالأوفست عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول، (1401هـ).
  110. صحيح مسلم، مسلم النيسابوري، الناشر: دار الفكر، بيروت.
  111. الصراط المستقيم، علي بن يونس العاملي النباطي البياضي، تحقيق: محمد الباقر البهبودي، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، مطبعة الحيدري، ط1، (1384هـ).
  112. طبقات أعلام الشيعة (الكرام البررة في القرن الثالث بعد العشرة)، آغا بزرك الطهراني، مطبعة دار إحياء التراث، بيروت، (1430هـ).
  113. طبقات الشافعية الكبرى، تاج الدين بن علي بن عبد الكافي السبكي، تحقيق د.محمود محمد الطناحي، هجر للطباعة والنشر، ط2، (1431هـ).
  114. طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب بن علي السبكي، تحقيق: محمود محمد الطناحي، عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: دار إحياء الكتب العربية، فيصل عيسى البابي الحلبي.
  115. الطبقات الكبرى، ابن سعد، نشر دار صادر، بيروت، لبنان.
  116. طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها، عبد الله بن حبان، تحقيق: عبد الغفور عبد الحق حسين البلوشي، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، (1412هـ).
  117. طرائف المقال في معرفة طبقات الرجال، علي البروجردي، تحقيق: مهدي الرجائي، الناشر: مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة، قم، مطبعة بهمن، ط1، (1410هـ).
  118. العبر في خبر من غبر، الحافظ الذهبي، تحقيق: فؤاد سيد، الناشر: دائرة المطبوعات والنشر، الكويت.
  119. العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية، محمد الحسين كاشف الغطاء، تحقيق جودت القزويني، ط1، (1998م).
  120. عوالي اللئالي، محمد بن علي الأحسائي المعروف بابن أبي جمهور، تحقيق: آقا مجتبى العراقي، ط1، قم، (1403هـ).
  121. عوائد الأيام، أحمد بن محمد مهدي النراقي، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، مطبعة مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، (1417هـ).
  122.  عيون أخبار الرضا  عليه السلام ، مُحمَّد بن عليّ بن الحسين بن بابوبه القمي، تحقيق حسين الأعلمي، طبع ونشر مؤسسة الأعلمي، بيروت، ط1، (1404هـ).
  123.  غرائب القرآن ورغائب الفرقان، نظام الدين الحسن بن محمد القمي النيسابوري، تحقيق: زكريا عميرات، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1416هـ).
  124. الغيب والشهادة، محمد رضا كاشف الغطاء، مؤسسة الذخائر.
  125. الف باء، ابو الحجاج يوسف بن محمد البلوي المالقي، الناشر: المطبعة الوهبية، القاهرة، (1287هـ).
  126. الفائق في غريب الحديث والأثر، جار الله محمود بن عمرو الزمخشري، تحقيق: علي محمد البجاوي -محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرفة، لبنان، ط2.
  127. فتح الباري، شهاب الدين ابن حجر العسقلاني، الناشر : دار المعرفة للطباعة والنشر، ط2.
  128. فرائد الاصول، مرتضى بن محمد أمين الانصاري، حقيق تراث الشيخ الأعظم، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، مطبعة باقري، قم، ط1، (1419هـ).
  129. الفصول الغروية في الأصول الفقهية، محمد حسين الحائري، (1404هـ).
  130. فهرس التّراث، محمد حسين الحسيني الجلالي، تحقيق: محمد جواد الحسيني الجلالي، الناشر: دليل ما، مطبعة نكارش، ط1، (1422هـ).
  131. فهرستُ أسماء مصنّفي الشيعة (رجال النجاشي)، أحمد بن علي النجاشي، تحقيق موسى الشبري الزنجاني، طبع ونشر مؤسسة النشر الاسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم، ط5، (1416هـ).
  132. فهرست التراث، محمد حسين الحسيني الجلالي، تحقيق الشيخ عبد الله دشتي، دار الولاء، الكويت (1422هــ).
  133. الفهرست، الشيخ الطوسي، تحقيق: جواد القيومي، نشر وطباعة     مؤسسة نشر الفقاهة، ط1، (1417هـ).
  134. فوات الوفيات، محمد بن شاكر الكتبي، تحقيق علي بن محمد عيوض، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، (2000م).
  135. الفوائد الرجالية، محمد المهدى بحر العلوم الطباطبائي، تحقيق: محمد صادق بحر العلوم، حسين بحر العلوم، الناشر: مكتبة الصادق، طهران، مطبعة آفتاب.
  136. الفوائد، أبو عمرو عبد الوهاب ابن مندة الاصبهاني، تحقيق :مسعد عبد الحميد، الناشر: دار الصحابة للتراث، طنطا، ط1، (1412هـ).
  137. فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، محمد عبد الرؤوف المناوي، تحقيق: أحمد عبد السلام، طبع ونشر دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1415هـ).
  138. القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، المحقق: محمد نعيم العرقسوسي، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط8، (1426هـ).
  139. قراءة موضوعية في الموسوعة الحسينية، نضير الخزرجي، الناشر: المركز الحسيني للبحوث، لندن، (2013م).
  140. القواعد والفوائد، محمد بن مكي العاملي الشهيد الأول، تحقيق: عبد الهادي الحكيم، الناشر: منشورات مكتبة المفيد، قم.
  141. قوامع الفضول عن وجوه حقائق أصول علم الأصول، محمود بن جعفر العراقي الميثمي.
  142. قوانين الأصول، أبو القاسم القمي، طبعة حجرية.
  143. الكافي في الفقه، أبو الصلاح الحلبي، تحقيق: رضا أستادي، الناشر: مكتبة الإمام أمير المؤمنين علي  عليه السلام  العامة، اصفهان.
  144. الكافي، مُحمَّد بن يعقوب بن إسحق الكليني الرازي، تحقيق علي أكبر الغفّاري، المطبعة حيدري، نشر دار الكتب الإسلامية، آخوندي، ط3، (1367هـ).
  145. كتاب سُلَيْم بن قيس الهلالي، سليم بن قيس الهلالي، تحقيق: محمد باقر الأنصاري.
  146. كتاب سيبويه، أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، دار الجيل، بيروت، ط1.
  147. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، حاجي خليفة، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت.
  148. كشف الغطاء عن ذرو من حياة الشيخ علي كاشف الغطاء، السيد عبد الستار الحسني، نشر مؤسسة كاشف الغطاء العامة، النجف الأشرف، (1418هـ).
  149. كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، جعفر كاشف الغطاء، تحقيق: مكتب الإعلام الإسلامي، الناشر: مركز انتشارات دفتر تبليغات إسلامي، مشهد، ط1، (1422هـ).
  150. كفاية الأصول، محمد كاظم الآخوند الخراساني، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  لإحياء التراث، مطبعة مهر، قم، ط1، (1409هـ).
  151. كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، علاءُ الدِّين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، تحقيق بكري حياني، طبع ونشر دار الفكر، (1415هـ).
  152. الكنى والألقاب، عباس القمي، الناشر: مكتبة الصدر، طهران.
  153. اللمعة الدمشقية، الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، الناشر: منشورات دار الفكر، قم، مطبعة قدس، ط1، (1411هـ).
  154. ماضي النجف وحاضرها، الشيخ جعفر آل محبوبة، دار الأضواء، بيروت، (1430هـ).
  155. المبسوط في فقه الامامية، الشيخ الطوسي، تحقيق: محمد تقي الكشفي، الناشر: المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، المطبعة الحيدرية، طهران، (1387هـ).
  156. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، علي بن أبي بكر الهيثمي، دار الكتب العلمية، بيروت، (1408ه‍).
  157. المجموع، أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي، الناشر : دار الفكر.
  158. المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، تحقيق جلال الدين الحسيني، نشر دار الكتب الإسلامية.
  159. المحصول في علم الأصول، فخر الدين الرازي، تحقيق: دكتور طه جابر فياض العلواني، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، (1412هـ).
  160. مختلف الشيعة، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، ط2، (1413هـ).
  161. مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات عنه، هادي كاشف الغطاء، تحقيق: مصطفى ناجح الصراف، الناشر: مؤسسة كاشف الغطاء العامة، مطبعة صبح، بيروت، (1437هـ).
  162. المراسم العلوية في الأحكام النبوية، أبو يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي الملقب بسلار، تحقيق: محسن الحسيني الأميني، الناشر: المعاونية الثقافية للمجمع العالمي لأهل البيت  عليهم السلام ، مطبعة أمير، قم، (1414هـ).
  163. مسائل علي بن جعفر، علي ابن الإمام جعفر الصادق  عليه السلام ، تحقيق: مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  لإحياء التراث، الناشر: المؤتمر العالمي للإمام الرضا  عليه السلام ، مطبعة مهر، قم، (1409هـ).
  164. مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، الميرزا حسين النوري الطبرسي، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط2، (1988م).
  165. مستدركات اعيان الشيعة، حسن الأمين، دار التعارف للمطبوعات، سوريا، (1408هـ).     
  166. مستدركات علم رجال الحديث، علي النمازي الشاهرودي، الناشر: ابن المؤلف، مطبعة شفق، طهران، ط1، (1412هـ).
  167. المستصفى في علم الأصول، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي، تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، (1417هـ).
  168. مستَطْرَفات السرائر (باب النوادر)، موسوعة ابن إدريس، محمد بن احمد بن إدريس العجلي الحلي، تحقيق محمد مهدي الخرسان، مكتبة الروضة الحيدرية، النجف، العراق، ط1، (2008م).
  169. مستند الشيعة في أحكام الشريعة، أحمد بن محمد مهدي النراقي، تحقيق: مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  لإحياء التراث، مشهد، ط1، (1415هـ).
  170. مسند أحمد، أحمد بن حنبل، طبع ونشر دار صادر، بيروت.
  171. مسند الشهاب، القاضي محمد بن سلامة القضاعي، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، (1985م).
  172. مشاهير علماء الأمصار، أبو حاتم محمد بن حبان، تحقيق: مرزوق علي إبراهيم، الناشر: دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع، المنصورة، ط1، (1411هـ).
  173. مصابيح الأحكام، محمد مهدي الطباطبائي بحر العلوم، تحقيق وتصحيح مهدي الطباطبائي وفخر الدين الصافي، منشورات ميثم التمار، قم المقدسة، إيران، ط2، (1430هـ).
  174. مصباح الشريعة ومفتاح الحقيقة، منسوب للإمام الصادق  عليه السلام ، الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ط1، (1400هـ).
  175. المصباح المنير، أحمد بن محمد الفيومي، دار الفكر للطباعة، بيروت.
  176. المصنَّف، عبدُ الرزاق بن هَمَّام الصَّنعاني، تحقيق حبيبُ الرّحمن الأعظمي، نشر المجلس العلمي.
  177. معارج الأصول، المحقق الحلي، تحقيق : محمد حسين الرضوي، الناشر: مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  للطباعة والنشر، مطبعة سيد الشهداء  عليه السلام ، قم، ط1، (1403هـ).
  178. المعارف، ابن قتيبة الدينوري، تحقيق: دكتور ثروت عكاشة، الناشر: دار المعارف، مصر، ط2، (1969م).
  179. معالم الدين وملاذ المجتهدين، الحسن بن زين الدين العاملي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
  180. معالم العلماء في فهرست كتب الشيعة وأسماء المصنفين قديماً وحديثاً، محمد بن علي بن شهر آشوب السروي المازندراني، قم.
  181. معاني الأخبار، أبو جعفر مُحمَّد بن عليّ بن الحسين بن بابويه القمي، تحقيق علي أكبر الغفّاري طبع ونشر انتشارات إسلامي، (1379هـ).
  182. المعجم الصغير، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
  183. معجم المطبوعات العربية والمعربة، يوسف اليان سركيس، الناشر: مكتبة آية الله المرعشي النجفي، قم، مطبعة بهمن، (1410هـ).
  184. معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، الناشر: مكتبة المثنى، ودار إحياء التراث العربي، بيروت.
  185.  معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، أبو القاسم الموسوي الخوئي، تحقيق لجنة تحقيق، ط5، (1413هـ).
  186. معدن الجواهر ورياضة الخواطر، أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي، تحقيق: أحمد الحسيني، مطبعة مهر استوار، قم، ط2، (1394هـ).
  187. المغرب في ترتيب المعرب، ناصر الدين المطرزي، تحقيق: محمود فاخوري وعبد الحميد مختار، الناشر: مكتبة أسامة بن زيد، حلب، ط1، (1399هـ).
  188. المفردات في غريب القرآن، الحسين بن محمد الراغب الاصفهاني، دفتر نشر الكتاب، ط2، (1404هـ).
  189. مقارنة الأديان/ أديان الهند، د. أحمد الشلبي، الناشر: مكتبة النهضة، القاهرة، ط3، (1972م).
  190. مقالات الأصول، آغا ضياء الدين العراقي، تحقيق: محسن العراقي، منذر الحكيم، الناشر: مجمع الفكر الإسلامي، مطبعة باقري، ط1، (1414هـ).
  191. الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، تحقيق: محمد سيد كيلاني، الناشر: دار المعرفة، بيروت.
  192. من لا يحضره الفقيه، مُحَمَّدُ بنُ عليّ بن الحسين بن بابويه (الصّدوق)، تحقيق علي أكبر الغفاري، نشر جماعة المدرسين، قم، ط2، (1404هـ).
  193. مناقب الإمام الشافعي، محمد بن عمر فخر الدين الرازي، المحقق: أحمد حجازي السقا، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية، ط1، (1406هـ).
  194. مناقب علي بن أبي طالب، أبو الحسن الواسطي المغازلي، الناشر: انتشارات سبط النبي، مطبعة سبحان، ط1، (1426هـ).
  195. منتهى المطلب، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الناشر: مؤسسة الطبع والنشر في الآستانة الرضوية المقدسة، ط1، (1412هـ).
  196. منظومة ابن الاعسم في المأكل والمشرب، محمد علي الزبيدي النجفي، تحقيق: محمد رضا عبد الأمير الأنصاري، الناشر: مجمع البحوث الإسلامية، ط1، (1410هـ).
  197. منهاج الوصول إلى علم الأصول، البيضاوي، المحقق: شعبان محمد اسماعيل، ط1، (1429هـ).
  198. منية اللبيب في شرح التهذيب، ابن الاعرج عبد المطلب بن محمد الحسيني، الناشر: مكتبة الملك فهد الوطنية، الرياض.
  199. منية المريد، زين الدين بن علي الشهيد الثاني، تحقيق: رضا المختاري، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي، ط1، (1409هـ).
  200. المهذب البارع لشرح المختصر النافع، احمد بن محمد بن فهد الحلي الاسدي، تحقيق: مجتبى العراقي، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، (1407هـ).
  201. المواقف، عبد الرحمن بن أحمد الإيجي، تحقيق: عبد الرحمن عميرة، الناشر: دار الجيل، لبنان، ط1، (1417هـ).
  202. موسوعة العتبات المقدسة، قسم النجف، جعفر بن أسد الله الخليلي، نشر دار المعارف، ط1، بغداد، (1386هـ).
  203. موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لفتوى أهل البيت  عليهم السلام ، مؤسسة دائرة معارف الفقه الاسلامي، ط1، (1423هـ).
  204. موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق  عليه السلام ، إشراف: الشيخ جعفر السبحاني، ط1، المطبعة: اعتماد، قم، (1418ه‍).
  205. الموطأ، مالك بن أنس، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، (1406هـ).
  206. نزهة الناظر وتنبيه الخاطر، الحسين بن محمد الحلواني، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي  عليه السلام ، قم، ط1، (1408هـ).
  207. نقد الآراء المنطقية، الشيخ علي كاشف الغطاء، مطبعة سليمان زادة، (1427هـ).
  208. نقد الرجال، مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي، تحقيق: مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  لإحياء التراث، مطبعة ستارة، قم، ط1، (1418هـ).
  209. نهاية الأصول، تقرير بحث البروجردي للشيخ المنتظري، مطبعة القدس، قم، ط1، (1415هـ).
  210. النهاية في غريب الحديث، مجد الدين ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، ط4، الناشر: مؤسسة إسماعيليان للطباعة والنشر والتوزيع، قم.
  211. النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين، محمد رجب البيومي، الناشر: دار القلم - الدار الشامية، ط1، (1415هـ).
  212. النور الساطع في الفقه النافع، الشيخ علي كاشف الغطاء، مطبعة الآداب، النجف الأشرف، ط1، (1381هـ).
  213. هداية المسترشدين، محمد تقي الرازي النجفي الاصفهاني، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة.
  214. الوافي بالوفيات، خليل بن أيبك الصفدي، تحقيق احمد الأرناؤوط، دار إحياء التراث، بيروت، (2000م).
  215. الوافي، محمد محسن المشتهر بالفيض الكاشاني، الناشر: مكتبة الامام أمير المؤمنين علي عليه السلام العامة، ط1، اصفهان، (1406هـ).
  216. الوافية في أصول الفقه، الفاضل التوني عبد الله بن محمد البشروي الخراساني، تحقيق: السيد محمد حسين الرضوي الكشميري، الناشر: مجمع الفكر الاسلامي، ط1، قم، (1412ه‍).
  217. الوسائل في مسامرة الأوائل، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، الناشر: دار الكتب العلمية للنشر والتوزيع.
  218. الوسيلة إلى نيل الفضيلة، أبو جعفر محمد بن علي الطوسي المعروف بابن حمزة، تحقيق: محمد الحسون، الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، مطبعة الخيام، قم، ط1، (1408هـ).
  219. وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، ابن خلكان، تحقيق: إحسان عباس، الناشر: دار الثقافة، لبنان.

 

 

 

محتويات الكتاب

مقدمة المؤسسة. 5

مقدمة التحقيق. 6

ترجمة المؤلف.. 7

نسبه 7

ولادته ونشأته 7

أساتذته 8

تلامذته 8

دوره الديني والعلمي. 9

إجازته في الرواية 10

آثاره العلمية 10

وفاتُهُ 13

مقدمة المصنف.. 14

المطلب الأول/ في مقدّمة علم الفقه (تعريفه، موضوعه، غايته). 15

الفصل الأول: تعريفُ علم الفقه بحسب الاشتقاق والبحث عن صيغته 16

وجه تعرّض العلماء للمعنى اللغوي. 16

وجهُ تقديمِ بيان المعنى اللّغوي على الاصطلاحي. 16

وجه تقديم التعريف وبيان المطالب الثلاثة ما، وهل، ولِمَ. 16

البحثُ عن صيغة لفظ الفقه 17

أسلوبُ التعبير عن المطالبة 18

صيغة الغلبة في المستقبل. 19

إعراب قول جرير. 20

صاحب القاموس.. 21

قول سيبويه والمناقشة فيه 21

الفقيه بحسب الاشتقاق. 23

الفقه بحسب اللغة 23

التحقيق في معنى الفقه 24

الخلاف في معنى الفهم الذي فسّروا الفقه به وما أورد عليه 25

الفقه بحسب عرف الشارع ونقل بعض الآيات والأحاديث.. 27

تفسيرُ حديث من حفظ على أمّتي أربعيـن حديثاً 29

الفقه بحسب عرف المتشرعة 31

نقل بعض الروايات المشتملة على لفظ الفقه 31

الفقه بحسب العرف الخاص، أي بحسب عرف الفقهاء والأصوليين.. 32

تعريف علم الكلام. 33

تعريف علم الفقه 35

أشهرُ التعاريف لعلم الفقه 36

القيد الاول للتعريف - العلم. 37

معنى الباء الداخلة على الأحكام. 39

معاني الحكم السبعة وما هو المأخوذ منها في تعريف الفقه 40

معنى الكلام النفسي. 46

القيد الثاني للتعريف - الشرعية 47

تقسيم الشرعية إلى قسمين (أصولية وفرعية). 49

القيد الثالث للتعريف - الفرعية 50

متعلق (عن) في التعريف.. 55

قيدُ الأدلّة في التعريف (تفسير الدليل). 57

في حصول النتيجة من الدليل. 57

تعريف النظر. 59

الفرق بيـن تفسير الدليل بيـن الأصولييـن والمنطقييـن. 59

المراد بالأدلة في تعريف الفقه 60

ما يخرج بقيد (عن أدلتها) عِلمُ الله.. 61

خروج علم الملائكة عن التعريف.. 63

خُروجُ عِلْمِ الأنبياء عن تعريف الفقه 63

خروج علم المقلد من تعريف الفقه 64

خروجُ الضَّروريّات عن تعريف علم الفقه 65

خروج العلم بالأحكام القطعية عن التعريف.. 67

خروج العلم بالأحكام عن طريق الكشف والإلهام. 68

خروج ُالعلم بالأحكام من طريق الظنّ الإنسدادي. 69

قيد التفصيلية في التعريف.. 69

ما يُشكل على تعريف الفقه 71

أول الإشكالات على تعريف علم الفقه 71

ثاني الإشكالات على تعريف علم الفقه 78

ثالث الإشكالات على تعريف علم الفقه 81

رابع الإشكالات على تعريف علم الفقه 82

خامسُ الإشكالات على تعريف علم الفقه 82

علم الفقه صناعة أم علم. 82

البحث في الأصُول العَملية من مسَائل الفقه أو من غيرها 83

موضوعُ علم الأصول. 86

الحُكْمُ بكُفْرِ مَنْ أنْكَرَ مَسْألَةً من عِلْمِ الكلام. 87

الكلام في الأصول العملية بناءً على اعتبارها تعبُّداً 94

المراد من عدم قدرة العامي على العمل بالمسألة الأصولية 97

إشكال صاحب الفصول وجوابه 99

في أنَّ للمسألةِ الأصولية وصفاً هيولانيّاً 100

البحثُ عن حجية الاستصحاب في الألفاظ. 104

الأصول العملية الجارية في الأحكام الجزئية 104

الأصول العملية الجارية في المسألة الأصولية 106

مراتبُ الفقه (الاجتهاد - الإفتاء - القضاء - النيابة عن الإمام في تدبير شؤون الرعيّة)  106

الفرق بيـن المجتهد والمفتي والمرجع الديني.. 108

الفقه المقارن. 108

أقسام الفقهاء 110

الفقهاء للائمة  عليهم السلام 114

عَدَم إطلاق الفقيه على النبي  صلى الله عليه واله وسلم 116

الفصل الثاني: في موضوع علم الفقه وشرح موضوع العلم ووجه التميّز به  والدليل على وجوده 117

الموضوعُ لكُلِّ علمٍ. 117

الدليلُ على لزومِ وجودِ الموضوعِ لكُلِّ علم. 119

الردُّ على صاحب الكفاية 121

البرهانُ الفِعليُّ على وجودِ الموضوع. 122

تعريف موضوع العلم (تفسير العوارض- تقسيمها إلى ذاتية وغريبة- تفسير الواسطة وتقسيمها إلـى ثلاثة أقسام)  125

الواسطة في الثبوت والاثبات والعروض... 127

وجهُ عدول القوم عن التفسير المشهور. 128

المميّز لموضوع العلم الذي ذكره صاحبُ الكفاية 139

ما يُورَدُ على صاحب الكفاية 140

خواص موضوع العلم وما به تداخل العلوم وتباينها 147

موضوع علم الفقه 148

الفصل الثالث: في الغاية من علم الفقه وشرح غاية كل علم ووجه التمييز
 بها 157

الغاية لكل علم. 157

الفرق بيـن الغاية والفائدة والغرض والعلة والمنفعة 157

الغرض من علم الفقه 158

ما ذكره حُكماءُ الإسلام وعلماؤهم من الغايات.. 160

كلمتنا في المولد النبوي. 163

مقالنا الذي نشرته صحيفة الأمة 164

خطبتنا في عيد الأضحى في الصَّحن الحسيني.. 167

المطلب الثاني/ في الشريعة والتشريع. 170

الفصل الأول: في معناها وتقسيمها وأي قسم منها يختص باسم الدين. 170

الفصل الثاني: في وجه الحاجة للتشريع الإلهي. 172

ما يحتاجه التشريع. 173

الفصل الثالث: في فصل الدين عن السياسة 174

المطلب الثالث/ الإسلام والشريعة الإسلامية وعمومها 175

الفصل الأول: في تسميته وعموميته 175

الفصل الثاني: في أصول الإسلام. 177

الفصل الثالث: في مميزات الشريعة الإسلامية 179

الفصل الرابع: في وجه جعل الرسالة الإسلامية في جزيرة العرب.. 182

الفصل الخامس: في علوم الشريعة الإسلامية 183

الفصل السادس: في مجيء الإسلام على سبيل التدريج وحكمة ذلك.. 185

الفصلُ السَّابعُ: في أنّ لكلّ واقعةٍ حكماً شرعياً 186

الفصلُ الثامن: في بيان الرسول لجميع أحكام الوقائع. 188

المطلب الرابع/ في الدّين والمذهب والغريزة الدينية والفطرة الإلهية. 196

الفصلُ الأوَّل: في شرح الدين. 196

كلمة الوالد القَيِّمة في الدين. 196

الفصل الثاني: في فلسفة الدين. 200

العناصر المقومة للدين. 200

ما هو المجتمع الديني والمجتمع المادي. 200

الفصل الثالث: في المذهب الديني.. 201

المطلب الخامس/ في القانون وأقسامه. 203

قانون الأحوال الشخصية في الفقه 203

القانون المدني في الفقه 203

قانون المرافعات في الفقه 204

القانون الدولي في الفقه 204

قانونُ العقوبات في الفقه 204

التنفيذ المباشر وغير المباشر. 205

القانون الوضعي والطبيعي. 205

القانون المدوّن أو المسطور. 205

الزّواجر والمؤيّدات والضوامن. 205

المطلب السادس/ في أجزاء العلوم وبيان أجزاء علم الفقه. 207

الفصل الاول: في أجزاء العلوم. 207

المراد بالموضوع هو الذي هو جزء العلم. 208

الإشكال المعروف على عدّ الموضوع من أجزاء العلم. 208

الجوابُ عن الإشكال المعروف.. 211

بيان المراد بالمبادئ التي هي جزء العلم. 213

المسائل التي هي من أجزاء العلم. 215

البحث عن المسألة من جهات ثلاثة 216

عينية موضوعات المسائل لموضوع العلم. 220

المطلب السابع/ في ما يميز به مسائل كل علمٍ عن مسائل علم آخر. 223

الميزانُ في عَدّ المسألة مِن العِلْمِ. 223

الميزانُ الأوّل في عدّ المسألة من العلم. 223

الميزان الثاني في عدّ المسألة من العلم. 224

الميزان الثالث في عدّ المسألة من العلم. 225

الميزان الرابع في عدّ المسألة من العلم. 226

الميزانُ في عَدّ المسألة مِن عِلْمِ الأصولِ لا من الفقه 229

الميزان الأول لعدّ المسألة من علم الاصول. 229

الميزان الثاني لعدّ المسألة من علم الأصول. 235

الميزان الثالث لعدّ المسألة من علم الأصول. 236

المطلب الثامن/في مَطَالِبِ علم الفقه الثلاثة وهي مطلب (ما،وهل،ولِمَ). 239

مطلب ما 239

مطلب هل. 240

مطلب لم.. 241

مطلب أي وأين وكم ومتى. 242

وما يقدم من المطالب.. 242

المطلب التاسع/ في العِلَلِ الأربعة لعلم الفقه. 244

المطلب العاشر/ في الرّؤوسِ الثّمانية لعلم الفقه. 245

الرأس الأول: بيان الغرض من علم الفقه 246

وجُوب تَعلُّم الفقه كفائيٌ. 246

المراد بالعلم في حديثي طلب العلم. 248

الرأسُ الثاني: بيانُ منفعة علم الفقه 249

الرأسُ الثالث: وجه تسمية علم الفقه بعلم الفقه 250

تحريمُ عِلْمِ الكلام ونَقْلِ كلمات العلماء فيه 251

أسماءُ العلوم أعلامٌ لها 253

أسماءُ الكُتُب أعلامٌ شخصيّة 257

الرأس الرابع: في مُدوِّنِ علمِ الفقه وواضعه 259

مَسيسُ الحاجة لتدوين علم الفقه 259

منعُ ولاةِ الأمور في الدَّور الأوّلِ من تدوين الفقه 260

المراد بالتدوين والمدوِّن الأول للفقه 262

أقدم مؤلّف وصل إلينا في الفقه 264

حديث الجامعة للأحكام الشرعية عند أهل البيت  عليهم السلام 265

اختلاف الإمام الباقر  عليه السلام  مع الحكم. 265

كلامُ ابنُ أبي الحديد في حَقِّ أميرِ المؤمنيـن  عليه السلام 268

فساد ما ذهب إليه السيوطي والغزالي وابن عبد البر والمستشرقون
وغيرهم. 268

دفع شبهة تدوين الصحائف.. 270

الرأسُ الخامس: في بيان أنّ علم الفقه من أيّ العلومِ هو، وتقسيمُ
العلوم. 272

شرح العلوم العالمية الكونية 272

أساسُ هذا التقسيم. 272

العلوم الحكمية 272

وجهُ التسمية بالنظرية 273

تقسيمُ العلوم الحكمية والعلوم النظرية 274

تقسيم العلوم النظرية 275

العلوم الطبيعية 277

تقسيم العلوم الطبيعية إلـى ثلاثة أقسام. 277

تقسيم البحث عن العلوم الطبيعية إلـى سبعة أقسام. 277

فروع الحكمة الطبيعية 278

فروع علم الهيئة 279

العلوم غير الحكمية 279

علمُ التوحيد والصفات والفقه الأكبر. 280

علم الفقه ليس من العلوم الحكمية 280

اعتراف الشيخ بأنَّ مبادئ الحكمة مأخوذة من الشرائع الإلهية 280

ما تشتمل عليه بعض أقسام الحكمة النظرية 281

تقسيم العلوم إلى ثلاثة أقسام. 282

الرأس السادس: في مرتبة علم الفقه 284

المراد بشرف العلم. 284

أقسام التقدم. 284

التقدُّم بالعلية 286

التقدم بالطبع. 286

التقدّم بالزمان. 287

التقدم بالرتبة 288

التقدم بالشرف.. 289

مخالفة المتكلميـن للحكماء 289

الحصر للتقدم. 290

التقدم الحسي والتقدم المعنوي. 290

ترتب العلوم في تحصيل الفقه 291

وجه توقّف علم الأصول. 291

وجهُ توقّف البيان على المعاني. 291

وجهُ تقدّم النحو على الصرف.. 292

كلمة قيمة في تقديم العلوم بعضها على بعض... 292

الأمور الموجبة لتقدم العلوم بعضها على بعض... 294

التقدّمُ بالموضوع. 294

رجوعُ التقدُّم بالموضوعِ إِلـى التقدُّم بالطبع. 294

الردّ على صاحب الحاشية 294

التقدم بالغاية 295

التقدُّم بحَسَبِ الحاجة 295

الخادم من العلوم. 295

التقدم بالشرف.. 296

التقدم لشدة الحاجة إليه 297

التقدم بسهولة المعرفة 297

التقدم بقوة الأدلة 298

التقدم بعموم الموضوع. 298

الرأس السابع: في تقسيم علم الفقه 300

تقسيم الكتاب.. 300

الاستفتاءُ من البصرة 300

قاموس فقهي. 301

وَجْهُ الحَصْرِ في أربعة 303

أقسام العبادات.. 305

وجهُ تقديمِ بَعْضِ أبوابِ الفقه على بعض... 311

الرأسُ الثامنُ: في أنحاء التّعليم في عِلْمِ الفقه(التقسيم- والتّحليلِ- والتَّحديد- والبُرهان)  313

النحو الأوّل من أنحاءِ التّعليم (التقسيم في علم الفقه). 313

كيفية تحصيل الدليل على المسألة 313

متى نحتاج التقسيم. 313

فائدة التقسيم. 314

التقسيمُ في علم الفقه على طريقة المنطقييـن. 314

التقسيم على طريقة أهل الفقه 315

النّحوُ الثاني من أنحاء التعليم (التحليلُ في علم الفقه). 316

طريقَةُ التَّحليل على المنطقييـن. 316

القياس المركب عند المنطقييـن. 317

الأقيسة المفصولة والموصولة 317

القياس المُضمر. 317

التحليلُ على طريقة الفقهاء 318

النحو الثالث من أنحاء التعليم (التحديد في علم الفقه). 318

كيفية اقتناص العلم. 319

الطريق لمعرفة تعريف الشيء 319

دعوى صاحب الكفاية أنّ التعاريف لفظية والردّ عليه 320

النحو الرابع من أنحاء التعليم (البرهان وهو الطريق إلـى الوقوف على
الحق في علم الفقه). 321

كيفية الوصول إلـى الحق في العقليات.. 321

كيفية الوصول إلـى الحق في النقليات.. 321

التوسُّلُ بالله في انكشاف الواقع. 322

المطلب الحادي عشر/ بيانُُ شرف العلم عموماً، وفضيلته كُلّيّةً،  وبيانُ شرف علم الفقه بالخصوص      323

ما يدلُّ على شرف العلم في حدّ ذاته 324

الدليلُ العقليّ على شَرَفِ العلم. 324

دلالةُ الكتاب على شرف العلم. 325

دلالة السنة على شرف العلم. 327

ما استدل به على نفي التكليف بالفروع للكفار. 330

شرف علم الفقه 335

ما يورد على الاستدلال بهذه الرواية 338

معنى الاعرابي. 340

الفقيه حقاً 341

وَصية الأمير  عليه السلام  لابنه محمد. 341

العلومُ أربعة 342

العلماء بعد الغيبة 342

المطلب الثاني عشر/ في أنواع الكتب الفقهيّة. 343

المساند. 343

السنن والمصنفات.. 343

الرّسائل العمليّة 344

آيات الأحكام. 344

القواعد الفقهية 344

أهم القواعد الفقهية 345

الحيل الشرعية 346

مسائل الخلاف.. 348

الكتب الاستدلالية 348

ما كانت عليه كتب الفقه في السابق. 349

دائرة المعارف الفقهية 350

المطلب الثالث عشر/ للفقيه مراتب أربعة. 352

المطلب الرابع عشر/ طُرُقُ إثبات فقاهة الفقيه. 353

المطلب الخامس عشر/ اهتمام العَالَم المتحضّر بالفقه. 354

المطلب السادس عشر/ في الاجتهاد في الفقه. 358

الاجتهاد عامل ضروري. 359

طُرُقُ الاجتهاد. 359

انسداد باب الاجتهاد. 361

أقسام المجتهدين. 362

الاجتهاد عند الشيعة 364

كتب الفقه عند الشيعة 364

المجتهد عند الشيعة 365

التصويب والتخطئة 365

المطلب السابع عشر/ الإفتاء. 367

الفَرْقُ بيـن الفتوى والرّواية والحكم. 367

حرمة الإفتاء بغير علم وبدون الاجتهاد. 368

المطلب الثامن عشر/ التقليد. 369

فتوى الصَّحَابي. 369

المطلب التاسع عشر/ في القضاء والحكم. 370

أركان القضاء 370

المطلب العشرون/ في التحكيم. 372

جَدُّنا كاشِفُ الغِطاء مع علي آل صويح. 372

المطلب الواحد والعشرون/ الولاية. 374

نزاع الشيخ صاحب الجواهر مع الشيخ محسن خنفر. 375

إعطاءُ جدنا كاشف الغطاء الولاية لفتح عليشاه 376

ولاية المظالم.. 376

ولاية الحِسبة 377

المطلب الثاني والعشرون/ في المرجعية العامة. 379

المطلب الثالث والعشرون/ في المناظَرَةِ والنِّزاع في المسائل الفقهية. 381

المناظرة بيـن المحقق الحلي والطوسي. 381

مناظرة الشيخ مع علماء بغداد. 382

المطلب الرابع والعشرون/ في الإجازة. 383

المطلب الخامس والعشرون/ البزة للفقهاء. 384

المطلب السادس والعشرون/ في الدراسة الفقهية. 385

مكان الدراسة 385

منهاج الدراسة 385

المطلب السابع والعشرون/ في مدرسة الحَديثِ ومَدْرَسَةِ الرّأي في الفقه. 387

فقهاء الشيعة 389

مركز الدراسة الفقهية عند الشيعة 393

المطلب الثامن والعشرون/ معاهد التدريس لعلم الفقه. 398

المطلب التاسع والعشرون/ دور العلم ودور الكتب.. 405

مَدْرَسَةُ النجف سَبَبُ انتقالِ الدّراسة إليها ومَوقِفُ كاشِفِ الغطاء وأسرته منها 408

مناهج التعليم في النجف الأشرف وأساليب الدراسة الدينية فيها 417

الفهارس الفنية. 421

فهرس الآيات.. 423

فهرس الروايات.. 427

فهرس الأعلام. 431

فهرس المؤلفات.. 441

فهرس المصادر والمراجع. 445

محتويات الكتاب.. 469

 


([1]) ماضي النجف وحاضرها، الشيخ جعفر ال محبوبة، ج1، ص176.

([2]) آل كاشف الغطاء مناهل عطاء، شاكر جابر موسى البغدادي، ص23.

([3]) العبقات العنبرية في الطبقات الجعفرية، الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، ص12.

([4]) ماضي النجف وحاضرها، الشيخ جعفر ال محبوبة، ج1، ص183.

([5]) ذروٌ من حياة الشيخ علي كاشف الغطاء، السيد عبد الستار الحسني، ص10- 11.

([6]) المصدر السابق، ص11.

([7]) مقدمة رسالة الماجستير الموسومة، الشيخ علي كاشف الغطاء ودوره الإصلاحي الديني في العراق.

([8]) ماضي النجف وحاضرها، الشيخ جعفر ال محبوبة، ص176.

([9]) موسوعة العتبات المقدسة، جعفر الخليلي، ص245.

([10]) ذِرْوٌ من حياة الشيخ علي كاشف الغطاء، السيد عبد الستار الحسني، ص14.

([11]) ذِرْوٌ من حياة الشيخ علي كاشف الغطاء، السيد عبد الستار الحسني، ص36.

([12]) المفردات، حسين بن محمد الراغب الأصفهاني، ص391.

([13]) المصباح المنير، أحمد بن محمد القيّومي، ج2، ص479.

([14]) الصحاح، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، ج4، ص1421.

([15]) البيت لجرير بن الخطفي يرثي عمر بن عبد العزيز. الحماسة البصرية، محمد بن أحمد المفجّع البصري، ج1، ص271.

([16]) القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، ج3، ص190، مادة كَسَفَ.

([17]) الكتاب، سيبويه، ج4، ص68. ابو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء، إمام النحاة وأول من بسط علم النحو، ولد في إحدى قرى شيراز، وقدم البصرة فلزم الخليل الفراهيدي، وصنف كتابه المسمى (كتاب سيبويه) وسيبويه بالفارسية تعني (رائحة التفاح)، (ت 180هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج5، ص81.

([18]) شرح الرضي على الكافية، رضي الدين الاسترابادي، ج3، ص433.

([19]) التسهيل، أبن مالك، ص196.

([20]) شرح المفصل، ابن يعيش، ج4، ص434.

([21]) بطرس بن بولس بن عبد الله بن كرم البستاني، عالم مشارك في انواع من العلوم، ولد في الدبية من اقليم الخروب بلبنان، وتعلم عدة لغات ودرس عدة علوم، له قاموس (محيط المحيط) و(مفتاح المصباح في صرف النجوم)، (ت 1301هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص48.

([22]) المنجد، صلاح الدين، ص623.

([23]) الصحاح، إسماعيل بن حماد الجوهري، ج6، ص2243.

([24]) المغرب، ناصر الدين المطرزي، ص364.

([25]) النهاية في غريب الحديث، مجد الدين ابن الأثير، ج3، ص211.

([26]) سلمان الفارسي، صحابي، أصله من مجوس اصبهان، عاش عمرا طويلا واختلفوا في ما كان يسمى في بلاده، انتقل في البلاد بحثا عن الحقيقة، يقصد بلاد العرب، وأسلم وجُعل أميراً على المدائن حتى توفي ودفن فيها سنة (36هـ). الأعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص111.

([27]) المصنف، عبد الرزاق الصنعاني، ج1، ص412. المعجم الكبير، الطبراني، ج6، ص220.

([28]) الفائق في غريب الحديث، جار الله الزمخشري، ج3، ص47.

([29]) القاموس المحيط، محمد بن يعقوب الفيروز آبادي، ج4، ص289.

([30]) المحصول، فخر الدين الرازي، ج1، ص92. محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التميمي البكري، ابو عبد الله (الفخر الرازي)، ولد في الري، ويقال له (ابن خطيب الري)، من تصانيفه (مفاتيح الغيب) في تفسير القرآن، توفي في هراة سنة (606هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج6، ص313.

([31]) المفردات، حسين بن محمد الراغب الأصفهاني، ص391. الحسين بن محمد بن المفضل، ابو القاسم (الراغب الاصفهاني)، أديب من الحكماء العلماء من أهل اصفهان، سكن بغداد، من مصنفاته محاضرات الادباء، (ت 502هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج2، ص255.

([32]) الوافية في اصول الفقه، الفاضل التوني، عليها شروحات كثيرة، لا أدري أيها عين.

([33]) الذكرى، محمد بن جمال الدين مكي العاملي، ص2.

([34]) شرح الزبدة، محمد صالح بن احمد المازندراني، مخطوط، الناسخ معين الدين، ص67.

([35]) الصحاح، اسماعيل بن حماد الجوهري، ج6، ص2243. أبو نصر، أول من حاول الطيران، لغوي، وخطه يذكر مع خط ابن مقلة، أشهر كتبه (الصحاح)، أصلُه من فاراب طاف في الحجاز وتوفي في نيسابور سنة (393هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص313.

([36]) الذكرى، محمد بن جمال الدين مكي العاملي، ص2.

([37]) شرح الزبدة، محمد صالح بن احمد المازندراني، مخطوط.

(1) وهو محمد شريف بن ملا حسين علي المازندراني الأصل الكربلائي المنشأ والمدفن من مشاهير علماء الإمامية، (ت 1246هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الإمام الصادق B، ج13، ص592.

([38]) سورة الاسراء، الآية 44.

([39]) سورة النساء، الآية 78.

([40]) سورة هود، الآية 91.

([41]) سورة الاعراف، الآية 179.

([42]) سورة الانفال، الآية 65. سورة التوبة، الآية 127. سورة الحشر، الآية 13.

([43]) سورة المنافقون، الآية 7.

([44]) سورة الانعام، الآية 25. سورة الاسراء، الآية 46.

([45]) سورة التوبة، الآية 122.

([46]) الأمالي، محمد بن الحسن الطوسي، ص474.

([47]) الخصال، محمد بن علي الصدوق، ص37.

([48]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج5، ص150. في ما راجعت من المصادر وجدت هذا الحديث مروياً عن الامام علي B وليس عن النبي  صلى الله عليه واله وسلم .

([49]) الخصال، محمد بن علي الصدوق، ص30.

([50]) سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن، ج1، ص99.

([51]) فيض القدير، محمد عبد الرؤوف المناوي، ج3، ص462. مسند الشهاب، محمد بن سلامة القضاعي، ج2، ص241.

([52]) مجمع الزوائد، الهيثمي، ج1، ص121.

([53]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص49.

([54]) عيون اخبار الرضا B، محمد بن بابويه القمي، ج1، ص41.

([55]) الوافي، محمد محسن الكاشاني، ج1، ص136.

([56]) بحار الانوار، محمد باقر المجلسي، ج2، ص156.

([57]) سورة البقرة، الآية 185.

([58]) عوالي اللئالي، أبن أبي جمهور الاحسائي، ج4، ص66.

([59]) المصدر السابق.

([60]) المحاسن، أحمد بن محمد بن خالد البرقي، ج1، ص225.

([61]) لم اعثر على القائل فيما راجعت من المصادر.

([62]) معاني الاخبار، القمي، ص1. جعفر بن محمد بن علي بن الحسين أبو عبد الله
الصادق B، ، سادس الائمة الاثني عشر B ولد في المدينة ومات فيها سنة (148هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج2، ص126.

([63]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص31.

([64]) سورة التوبة، الآية 122.

([65]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص31.

([66]) تهذيب الاحكام، محمد بن الحسن الطوسي، ج2، ص351.

([67]) تهذيب الاحكام، محمد بن الحسن الطوسي، ج2، ص193.

([68]) في المصدر (بالعمليات).

([69]) شرح المقاصد، التفتازاني، ص6 - 7.

([70]) محمد بن محمد بن محمد الغزالي، أبو حامد، فيلسوف ومتصوّف، طافَ في البلاد الإسلامية، ورَجَعَ الى بلدته، نسبته الى صناعة الغزل (الغزّالي) أو الى غزالة (الغزَالي)، ولد في طوس ومات فيها سنة (505هـ). الأعلام، الزركلي، ج7، ص22.

([71]) إحياء علوم الدين، محمد بن محمد الغزالي، ج1، ص32.

([72]) رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، السبكي، ج1، ص244.

([73]) منهاج الوصول إلى علم الأصول، البيضاوي، ص2. عبد الله بن عمر الشيرازي، أبو سعيد، أو أبو الخير، ناصر الدين البيضاوي، قاض، مفسر، علامة، ولد في المدينة البيضاء بفارس قرب شيراز، وولي قضاء شيراز مدة، وصرف عن القضاء، فرحل إلى تبريز فتوفي فيها سنة (685هـ)، من تصانيفه: (أنوار التنزيل وأسرار التأويل). الأعلام، الزركلي، ج4، ص110.

([74]) الأحكام، الآمدي، ج1، ص6. عليّ بن محمّد بن سالم التغلبي أبو الحسن الآمدي، أصولي وباحث أصله من آمد، ولد بها وتعلم في بغداد والشام، وتوفي في دمشق سنة (631هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج4، ص322.

([75]) تهذيب الوصول إلى علم الأصول، العلامة الحلي، ج1، ص47. الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي ابو منصور العلامة الحلي S، عالم اصولي فقيه، كثير التصنيف فاق أهل زمانه، توفي سنة (726هـ) ودفن الى جوار امير المؤمنين B. أعيان الشيعة، محسن الأمين، ج5، ص396.

([76]) معارج الاصول، نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي، ص47.

([77]) ذكرى الشيعة في احكام الشريعة، محمد بن جمال الدين مكي العاملي، ص2.

([78]) سورة البقرة، الآية 31.

([79]) الفصول الغروية، محمد حسين الحائري، ص2.

([80]) شرح التلويح على التوضيح، سعد الدين بن مسعود التفتازاني، ج1، ص30.

([81]) وهو الشيخ حسن بن الشيخ الاكبر الشيخ جعفر صاحب كتاب انوار الفقاهة، وقد شرح مقدمة كشف الغطاء (مخطوط)، وفي مكتبة كاشف الغطاء العامة (word).

([82]) الفصول الغروية، محمد حسين الحائري، ص2.

([83]) بدائع الافكار، حبيب الله الرشتي، ص7.

([84]) المعالم، الحسن بن زين الدين العاملي، ص29.

([85]) من لا يحضره الفقيه، محمد بن علي بن حسين بن بابويه القمي، ج3، ص16.

([86]) سورة الاسراء، الآية 78.

([87]) المستصفى، أبو حامد الغزالي، ص8.

([88]) رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، تاج الدين السبكي، ج1، ص483.

([89]) تهذيب الوصول، بحث السيد الموسوي الخميني، جعفر السبحاني، ص50.

([90]) الاحكام، علي بن محمد الآمدي، ج1، ص96.

([91]) قوامع الفضول، محمود العراقي الميثمي، ص9، ج14

([92]) سورة الاسراء، الآية 78.

([93]) حاشية سلطان العلماء على المعالم. حسين بن محمد الميرزا رفيع الدين بن الامير شجاع الدين محمود الحسيني الآملي، تقلد الوزارة للشاه عباس الصفوي مدة خمس سنين، وتوفي في بلدة الاشرف من بلاد المازندران سنة (1064هـ) ونقل نعشه الى النجف. الكنى والالقاب، الشيخ عباس القمي، ج2، ص319.

([94]) قوانين الاصول، الميرزا أبو القاسم بن المولى محمّد حسن الكيلاني، ص6، ص9. أصولي وعالم وفقيه، ولد في جابلا من إحدى نواحي بروجرد، توفي في مدينة قم سنة (1231هـ)، دفن في مقبرة شيخان. أعيان الشيعة، محسن الأمين، ج2، ص411.

([95]) حاشية المعالم، محمد بن الحسن الشيرواني، المعروف بمولانا ميرزا، له تصانيف جيدة منها حاشية عربية على معالم الاصول، (ت 1098هـ). معجم رجال الحديث، السيد ابو القاسم الخوئي، ج6، ص271.

([96]) زبدة الاصول، محمد بن حسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي، عالم، فقيه، اصولي، اديب، صنف في اغلب العلوم، من كتبه (مشرق الشمسين) و(الحبل المتين)، (ت 1035هـ). الأعلام، الزركلي، ج6، ص102.

([97]) سورة الاسراء، الآية 78.

([98]) حاشية مختصر منتهى السؤول والأصل، عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار. مخطوطة بالرقم 2131، مكتبة الامام الحكيم العامة. أبو الفضل عضد الدين الايجي، عالم في الاصول والمعاني والعربية، من أهل (إيج) بفارس، له تصانيف كثيرة منها (المواقف في علم الكلام)، (ت 756هـ). الأعلام، الزركلي، ج3، ص295.

([99]) بدائع الافكار، حبيب الله الرشتي، ص10.

([100]) الفصول الغروية، محمد حسين الحائري، ص3.

([101]) هداية المسترشدين، محمد تقي الرازي، ج1، ص97 - 98.

([102]) فرائد الاصول، الشيخ مرتضى بن محمد أمين الدزفولي الانصاري، ج1، ص85. أقام في النجف وتوفي بها سنة (1281هـ)، له تصانيف كثيرة منها (المكاسب) و(فرائد الاصول). الأعلام، الزركلي، ج7، ص201.

([103]) حاشية المعالم، حسين بن محمد خليفة سلطان الحسيني، مخطوطة بالرقم 1708، مكتبة الامام الحكيم العامة.

([104]) قوانين الاصول، الميرزا أبو القاسم القمي، ص5.

([105]) بدائع الافكار، حبيب الله الرشتي، ص10، طبعة حجرية، مكتبة الروضة الحيدرية.

([106]) علي بن اسماعيل بن اسحق، أبو الحسن، من نسل أبي موسى الاشعري، وهو مؤسس مذهب الاشاعرة، كان على مذهب المعتزلة في أول امره ثمّ خالفهم، توفي في بغداد سنة (324هـ)، من مؤلفاته (مقالات الاسلاميين). الكنى والالقاب، الشيخ عباس القمي، ج1، ص46.

([107]) قوانين الاصول، الميرزا أبو القاسم القمي، ص343.

([108]) مصباح الشريعة، منسوب للإمام الصادق B، شرح حسن مصطفوي، ص16.

([109]) نقد الآراء المنطقية، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص88، الطبعة الاولى.

([110])  (ثمّ إنّ الظاهر) كذا ورد في المتن، والظاهر سقط.

([111]) هداية المسترشدين، محمد تقي الرازي، ج1، ص52. فقيه واصولي هاجر الى العراق فدرس عند فقهاء الكاظمية وكربلاء والنجف ثم رجع الى اصفهان وتوفي فيها سنة (1248هـ)، له (حاشية هداية المسترشدين على المعالم). هداية المسترشدين، محمد تقي الرازي، ترجمة المؤلف.

([112]) تهذيب الوصول، تقرير بحث السيد الخميني، جعفر سبحاني، ص47.

([113]) المحصول في علم أصول الفقه، الفخر الرازي، ج1، ص78.

([114]) النور الساطع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص255، الطبعة الاولى.

([115]) سورة آل عمران، الآية 144.

([116]) زرارة بن أعين الشيباني بالولاء الرّومي بالأصل، أبو الحسن (ت 150هـ)، اسمه عبدُ ربّه، ولقبه زرارة، من أجلاّء رُواة الحديث الإمامية وفقهائهم، من كتبه (الاستطاعة والجبر). معالم العلماء، ابن شهر آشوب، ص88. خلاصة الاقوال، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، ص652.

([117]) المعالم، محمد بن زين الدين العاملي، ص27.

([118]) زبدة الاصول، محمد بن الحسين بن عبد الصمد البهائي، ص41.

([119]) حاشية المعالم، محمد بن الحسن الشيرواني، ص2.

([120]) النور الساطع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص72، الطبعة الاولى.

([121]) منية اللبيب في شرح التهذيب، عبد المطلب بن محمد الحسيني العميدي، مخطوطة تحت الرقم 37، مكتبة الامام الحكيم.

([122]) زبدة الاصول، محمد بن الحسين بن عبد الصمد البهائي، ص41.

([123]) بدائع الافكار، حبيب الله بن محمد علي خان الكيلاني الرشتي، ص25، طبعة حجرية. فقيه إمامي انتقلت اليه رئاسة التدريس في النجف وتوفي فيها سنة (1312هـ)، له رسالة (تقليد الاعلم). موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية، ج14، ص174.

([124]) رفع الحاجب عن مختصر ابن الحاجب، تاج الدين السبكي، ص6.

([125]) زبدة الأصول، الشيخ البهائي، ص1.

([126]) تهذيب الوصول بحث السيد الخميني، جعفر السبحاني، ص47.

([127]) المعالم، محمد بن زين الدين العاملي، ص27.

([128]) الاحكام، علي بن محمد الآمدي، ج1، ص6.

([129]) نقد الآراء المنطقية، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص105، الطبعة الاولى.

([130]) نقد الآراء المنطقية، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص104، الطبعة الاولى.

([131]) الروضة البهية، الشهيد الثاني، ج3، ص65.

([132]) مستند الشيعة، أحمد بن محمد مهدي بن أبي ذر النراقي الكاشاني، ج1، ص204. فقيه أصولي، ولد في نراق ونشأ وتوفي فيها سنة (1245هـ)، ودفن في النجف الأشرف، من تصانيفه: (عوائدُ الأيام)، (منهاج الوصول الى علم الاصول). تراجم الرجال، السيد أحمد الحسيني، ج1، ص90.

([133]) الفصول الغروية، محمد حسين الحائري، ص11.

([134]) الوافية، عبد الله بن محمد التوني البشروي، ص57. هو عبد الله بن محمد التوني البشروي، فقيه واصولي سكن في مشهد وتوفي في كرمنشاه سنة (1071هـ)، من تصانيفه (حاشية على المعالم). موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق B، ج11، ص175.

([135]) سورة الحج، الآية 78.

([136]) سورة الحجرات، الآية 6.

([137]) عوالي اللئالي، إبن أبي جمهور الاحسائي، ج1، ص196.

([138]) سورة الحجرات، الآية 6.

([139]) خبر (ما ربما يقال).

([140]) سورة الحجرات، الآية 6.

([141]) عوائد الأيام، أحمد بن محمد مهدي النراقي، ص73، وفي المصدر (آحاد الاخبار).

([142]) الفصول الغروية، محمد حسين الحائري، ص3.

([143]) أي توضيح القول.

([144]) منهاج الاحكام الاصول، أحمد بن محمد مهدي النراقي، ص2.

([145]) تهذيب الاحكام، جعفر بن محمد الحسن الطوسي، ج4، ص145.

([146]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص409.

([147]) المبسوط، جعفر بن محمد الحسن الطوسي، ج8، ص100.

([148]) محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع القريشي، إمام المذهب الشافعي، تنقل في البلاد ومات في مصر سنة (204هـ) ودفن فيها، له كتاب (الأم). الأعلام، الزركلي، ج6، ص26.

([149]) محمد بن جرير بن زيد الطبري، ابو جعفر، المؤرخ المفسر الامام، ولد في آمل طبرستان، واستوطن بغداد وتوفي بها سنة (310هـ)، له (أخبار الرسل والملوك). الأعلام، الزركلي، ج6، ص69.

([150]) أبو بكر أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي البيهقي، (ت 458هـ)، له تصانيف في الحديث، منها: (الأربعون الكبرى). كشف الظنون، حاجي خليفة، ج2، ص1007.

([151]) احمد بن مصطفى المراغي، مفسر مصري من العلماء، تخرج بدار العلوم (1909م)، له (تفسير المراغي)، (الوجيز في أصول الفقه)، (ت 1952م). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص258.

([152]) زيد بن ثابت الانصاري الخزرجي، أبو خارجة، صحابي، ولد في المدينة ونشأ بمكة، (ت 45هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج5، ص57.

([153]) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي، أبو العباس ولد بمكة، لازم رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ، توفّي بالطائف ودفن فيها. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج4، ص95.

([154]) عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن، صحابي، شهد فتح مكة، ولد في مكة وتوفي فيها سنة (73هـ)، كُفَّ بصره في آخر حياته. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج4، ص108.

([155]) عامر بن عبد الله الجراح بن هلال القرشي، صحابي توفي بطاعون عمواس سنة (18هـ) ودفن في غوربيسان، وانقرض عقبه. أسد الغابة، ابن الاثير، ج3، ص79.

([156]) جعفر بن خضر بن شلال الجناجي، فقيه واصولي وعالم، كان شيخ مشايخ النجف والحلة في زمانه، وهو ابو الاسرة الجعفرية من آل كاشف الغطاء، أشهر تصانيفه (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء)، (ت 1228هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج2، ص124.

([157]) سعيد بن المسيب بن حزن بن ابي وهب المخزومي القرشي، أبو محمد، تابعي، فقيه، كان يعيش من بيع الزيت، (ت 94هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص102.

([158]) الموطأ، مالك بن أنس، ج2، ص860، ربيعة بن عبد الرحمن المدني، ويقال له ربيعة الرأي، أبو عبد الرحمن، (ت 136هـ). مستدركات علم رجال الحديث، الشاهرودي، ج3، ص293.

([159]) ابو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي، من غلمان العياشي رجالي فقيه، (ت 340هـ). معالم العلماء، ابن شهرآشوب، ص136. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج6، ص311.

([160]) معروف بن خرَّبود المكي القرشي، من أصحاب الباقر B، من الفقهاء الذين رووا عن الائمة  عليهم السلام . معجم رجال الحديث، السيد أبو القاسم الخوئي، ج19، ص249.

([161]) بريد بن معاوية، أبو القاسم العجلي، عربي، روى عن أبي عبد الله وأبي جعفر، ومات في حياة ابي عبد الله B سنة (150هـ). أعيان الشيعة، محسن الأمين، ج3، ص558.

([162]) أبو بصير الاسدي، يحيى بن القاسم، أبو محمد، روى عن أبي جعفر وأبي عبد الله H، له كتاب يوم وليلة، من ثقات الرواة عن الائمة  عليهم السلام ، (ت 150هـ). أعيان الشيعة، محسن الأمين، ج5، ص327.

([163]) الفضيل بن يسار النهدي، أبو القاسم، بصري، روى عن الباقر والصادق H وله كتاب يرويه عنه بعضهم. الفوائد الرجالية، مهدي بحر العلوم، ج1، ص358.

([164]) محمّد بن مسلم بن رباح، أبو جعفر، مولى، من أعاظم رواة الكوفة، له كتاب الأربعمائة مسألة في أبواب الحلال والحرام، (ت 150هـ). الكنى والألقاب، عباس القمي، ج2، ص446.

([165]) اختيار معرفة الرجال، محمد بن الحسن الطوسي، ج2، ص507.

([166]) ليث بن البختري المرادي، أبو محمد، وقيل أبو بصير الأصغر، روى عن الباقر
والصادق H، له كتاب يرويه عنه جماعة. رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص321.

([167]) جميل بن دراج بن عبد الله أبو علي النخعي، وجهٌ من وجوه الرّواة عن الائمة  عليهم السلام . رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص126.

([168]) عبد الله بن مسكان، أبو محمّد، مولى غزة، من كبار الرواة الثقاة عن الائمة  عليهم السلام  له كتب منها (كتاب في الامامة)، (كتاب في الحلال والحرام). رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص214.

([169]) عبد الله بن بكير بن أعين بن سنسن، أبو علي الشيباني، مولاهم، له كتب كثيرة الرواية. رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص222.

([170]) حمّاد بن عيسى، أبو محمّد الجهني، سكن الكوفة، وقيل: إنّه روى عن أبي عبد الله  عشرين حديثاً، له (كتاب في الصلاة). رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص142.

([171]) حمّاد بن عثمان بن عمرو بن خالد الفزاري، روى عن أبي عبد الله. رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص142.

([172]) أبان بن عثمان الأحمر البجلي، كان يسكن الكوفة تارة والبصرة أخرى، روى عن أبي عبد الله B، له (كتاب في المغازي). رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص12.

([173]) ثعلبة بن ميمون، مولى بني أسد، أبو إسحق النحوي، كان وجهاً من أتباع مذهب أهل البيت  عليهم السلام . رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص117.

([174]) اختيار معرفة الرجال، محمد بن الحسن الطوسي، ج2، ص673.

([175]) يونس بن عبد الرحمن، مولى علي بن يقطين، أبو محمد، كان وجهاً من أتباع مذهب اهل البيت  عليهم السلام ، روى عن الرضا B. رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص446.

([176]) صفوان بن يحيى، أبو محمد البجلي، بياع السابري، روى عن الرضا B وكانت له منزلة شريفة، له كتب كثيرة منها كتاب الوضوء والصلاة وغيرها. رجال النجاشي، النجاشي، ص197.

([177]) محمّد بن أبي عمير بن زياد بن عيسى، أبو أحمد الأزدي، بغداديُّ الأصل والمقام، روى عن الكاظم والرضا، وله (كتاب المغازي). رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص326.

([178]) عبدُ الله بن المغيرة، ابو محمّد البجلي، كوفي، جليل القدر، روى عن الكاظم B له ثلاثون كتاباً، منها (كتاب الصلاة). رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص465.

([179]) الحسن بن محبوب بن وهب بن جعفر الزراد البجلي، فقيه وأصولي ومحدّث، من تصانيفه (علل الحديث)، (ت 224هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص273.

([180]) أحمد بن محمّد بن أبي نصر البَزَنْطي، لقيَ الإمامين الرّضا والجواد H، له كتابُ (الجامع)،
(ت 221هـ). الفهرست، الطوسي، ص61.

([181]) الحسن بن علي بن فضال، أبو محمد، من أصحاب الامام، كان فطحياً، وقال بالحقّ في آخر حياته. رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص34. اختيار معرفة الرجال (رجال الكشي)، الشيخ الطوسي، ج2، ص830 - 831.

([182]) كفاية الاصول، محمد كاظم الخراساني، ص7.

([183]) وهو الفياض بن علي بن محمد بن الفياض البصري، ألّف كتابه في نقض كتاب (الصراط)، لإسحاق النخعي. أعيان الشيعة، السيد محسن الأمين، ج3، ص278.

([184]) تحرير القواعد المنطقية، قطب الدين بن محمد الرازي، ص28 - 29.

([185]) منية اللبيب، ابن الاعرج عبد المطلب بن محمد، ص4.

([186]) نقد الآراء المنطقية، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص40، ص54، الطبعة الاولى.

([187]) كفاية الاصول، محمد كاظم الخراساني، ص8.

([188]) الشيخ محمد تقي الشهير بآغا نجفي ابن محمد الباقر صاحب الحاشية الكبيرة على المعالم،
(ت 1332هـ). هداية المسترشدين، الشيخ محمد تقي الرازي، ج1، ص108.

([189]) الفصول الغروية، محمد حسين الحائري، ص11.

([190]) جلال الدين محمد بن أسعد الدواني، ينتهي نسبة الى محمد بن ابي بكر، حكيم الهي شاعر فاضل محقق، له (حاشية شرح المطالع). الذريعة، أقا بزرك الطهراني، ج13، ص163.

([191]) نقد الآراء المنطقية، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص37، الطبعة الاولى.

([192]) كفاية الاصول، محمد كاظم الخراساني، ص7.

([193]) حبيب الله بن محمد علي بن اسماعيل بن جها نكير القوجاني الرنكوبي الكيلاني الرشتي له كتاب (بدائع الاصول). بدائع الافكار، حبيب الله الرشتي، ص29، طبعة حجرية.

([194]) نقد الآراء المنطقية، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص40، ص45، الطبعة الاولى.

([195]) نهاية الأصول، تقرير بحث البروجردي للشيخ المنتظري، ص7.

([196]) كفاية الاصول، محمد كاظم الخراساني، ص7.

([197]) مصابيح الأحكام، محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي، ج1، ص5.

([198]) كفاية الاصول، محمد كاظم الخراساني، ص8.

([199]) الحاج ملا هادي السبزواري، متكلم حكيم فقيه عالم، مدرس في الحكمة والكلام،
(ت 1298هـ). طرائف المقال، سيد علي البروجردي، ج1، ص54.

([200]) الفصول الغروية، محمد حسين الحائري، ص11.

([201]) سورة المجادلة، الآية 11.

([202]) شبلي شميّل، لبناني تخرج من الجامعة الأمريكية ببيروت ودرس الطب في فرنسا واستقر في مصر، كان أول من أدخل نظريات داروين إلى العالم العربي من خلال كتاباته في المقتطف، (ت 1917م). الموسوعة الحرة.

([203]) ويليام هيرشل، فلكي بريطاني قدم مساهمات عديدة في علم الفلك، (ت 1822هـ). الموسوعة الحرة.

([204]) هربرت سبنسر فيلسوف بريطاني يعتبر أحد أكبر المفكرين الإنكليز تأثيراً، وهو الأب الثاني لعلم الاجتماع، وكتابه الرجل ضد الدولة، (ت 1903م). تاريخ فكر علم الاجتماع، محمد علي محمد، ص154.

([205]) هو الدكتور محمد ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ هادي كاشف الغطاء، حصل على شهادة الماجستير ثم الدكتوراه في الفيزياء النووية من جامعة مشيغان الأمريكية سنة (1952م)، (ت 1968م). تراجم علماء آل كاشف الغطاء، إعداد مؤسسة كاشف الغطاء العامة.

([206]) سورة المائدة، الآية 48.

([207]) انجيل مرقس، يوحنا كرافيذوبولوس، تعريب الأرشمندريت أفرام كرياكوس، (12، 17)، ص57.

([208]) سورة آل عمران، الآية 19.

([209]) سورة المائدة، الآية 3.

([210]) سورة سبأ، الآية 28.

([211]) سورة الاعراف، الآية 158.

([212]) السنن الكبرى، أحمد بن حسين البيهقي، ج3، ص92.

([213]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج2، ص25.

([214]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج2، ص279.

(2) المصدر السابق، ج2، ص18.

([215]) سورة المائدة، الآية 3.

([216]) روح المعاني، محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي، ج2، ص61. أبو الثناء محمود بن عبد الله الحسيني الآلوسي، مفسّر محدّث أديب، سلفي الاعتقاد، له (نشوة الشمول في السفر الى إسلامبول)، توفي في بغداد سنة (1270هـ).

([217]) تفسير ابن كثير، أبو الفداء اسماعيل بن كثير القرشي، ج2، ص15.

([218]) غرائب القرآن، الحسن بن محمد بن الحسين القمي النيسابوري، ج2، ص547.

([219]) سورة الانبياء، الآية 105.

([220]) سورة المائدة، الآية 3.

([221]) سورة المائدة، الآية 101.

([222]) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج2، ص194.

([223]) المعجم الصغير، سلمان بن احمد بن أيوب الطبراني، ج1، ص131.

([224]) ذخائر العقبى، أحمد بن عبدالله الطبري، ص16.

([225]) إحياء الميت، جلال الدين السيوطي، ص30، ح6.

([226]) سنن الترمذي، الحافظ محمد بن عيسى الترمذي، ج5، ص329.

([227]) صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، ج7، ص123.

([228]) كنز العمال، علاء الدين علي المتقي الهندي، ج11، ص614.

([229]) مفتاح النجاء في مناقب آل العباء، للميرزا محمد بن رستم معتمد خان الحارثي البدخشي، مخطوط.

([230]) اسعاف الراغبين، محمد بن علي الصبان، ص134. وذيل الحديث غير موجود في المطبوع.

([231]) لم اعثر على نص هذا الحديث في مناقب المغازلي بصدره وانما المشهور ذيله.

([232]) مناقب المغازلي، علي بن محمد الواسطي أبو الحسن ابن المغازلي، ص116. وما بعدها.

([233]) سنن الدار قطني، الحافظ علي بن عمر الدار قطني، ج4، ص160.

([234]) سورة المائدة، الآية 67.

([235]) الاحتجاج، محمد بن علي الطبرسي، ج1، ص127.

([236]) حديث الثقلين، سنن الترمذي، الحافظ محمد بن عيسى الترمذي، ج5، ص328.

([237]) سورة المائدة، الآية 3.

([238]) عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب ابو موسى، من بني الاشعر، صحابي، وهو احد الحكمين اللذين حكما في حرب صفين، (ت 44هـ). الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج4، ص105.

([239]) شرح نهج البلاغة، إبن أبي الحديد، ج12، ص91.

([240]) محمد بن عبد الكريم بن احمد، ابو الفتح الشهرستاني، من فلاسفة الاسلام، كان إماما في علم الكلام وأديان الامم، له (نهاية الاحترام في علم الكلام)، (ت 548هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج6، ص215.

([241]) الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، ج1، ص199.

([242]) سورة الروم، الآية 30.

([243]) أبو تمام حبيب بن أوس بن الحارث الطائي، أحد أمراء البيان في شعره قوة وجزالة، له تصانيف، (ت 231هـ). وقوله:

وكوفني ديني على أن منصبي
 

 

شئام ونجري آية ذكر النجر
 

 

ديوان الطائي، ص109. مراجعة الدكتور محمد عزّت نصر الله.

([244]) (الفصل الأول) كذا ورد في الاصل، ولم يعمد المصنف الى تقسيمات هذا المطلب لفصول متعددة، واكتفى بالأول.

([245]) حاشية الملا عبد الله على تهذيب المنطق، ملا عبد الله، ص114.

([246]) نقد الآراء المنطقية، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص45 وما بعدها.

([247]) شرح التلويح على التوضيح، مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، ج1، ص17. من أئمة العربية والمنطق والبيان، في لسانه لكنة، توفي في سرخس ودفن فيها سنة (793هـ)، له (تهذيب المنطق)، (المحصول).

([248]) الشفاء (قسم المنطق)، الحسين بن عبد الله بن سينا، ج1، ص21. الفيلسوف، صاحب التصانيف في الطبّ والمنطق والطبيعيات والالهيات، تقلد الوزارة في همدان، توفي في همدان سنة (428هـ). الكنى والألقاب، عباس القمي، ج1، ص321.

([249]) حاشية الملا عبد الله على تهذيب المنطق، ملا عبد الله، ص116.

([250]) بدائع الافكار، حبيب الله الرشتي، ص32.

([251]) الشيخ قطب الدين محمد بن محمد الرازي البويهي، قال المحدث القمي: (هو الحكيم المتألّه الفقيه النبيه صاحب المحاكمات وشرحي الشمسية والمطالع وشرح القواعد والمفتاح وغيرها، (ت 766هـ) بدمشق). الكنى والألقاب، عباس القمي، ج3، ص70.

([252]) حاشية الملا عبد الله على تهذيب المنطق، ملا عبد الله اليزدي، ص116.

([253]) الجوهر النضيد، جمال الدين الحسن بن يوسف العلامة الحلي، ص329.

([254]) شرح مطالع الانوار، قطب الدين محمد بن محمد الرازي، ج1، ص9.

([255]) هداية المسترشدين، محمد تقي الرازي، ج1، ص106 - 107.

([256]) تجريد المنطق، نصيرُ الدين الطوسي، ص55. فيلسوف، علاّمة بالأرصاد والمجسطي والرياضيات، ابتنى بمراغة مَرْصداً فلكياً، (ت 672هـ)، دفن في الكاظمية.

([257]) الجوهر النضيد، جمال الدين الحسن بن يوسف العلامة الحلي، ص329.

([258]) المواقف، عبد الرحمن بن أحمد الايجي، ج1، ص44.

([259]) شرح الاشارات، محمد بن محمد نصير الدين الطوسي، ص14، مكتبة الامام الحكيم العامة، مخطوطات، برقم 643.

([260]) في الأصل (برطوبة).

([261])  في الأصل (تميز).

([262]) معالم الدين، حسن بن زين الدين العاملي، ص40.

([263]) كفاية الاصول، محمد كاظم الخراساني، ص7.

([264]) مخطوطة تقريرات الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء لبحث السيد أبو الحسن الأصفهاني في أصول الفقه.

([265]) أجود التقريرات، تقريرات بحث النائيني، السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص90.

([266]) مقالات الأصول، آغا ضياء الدين العراقي ، ج1، ص53 - 54. فقيه متأدب اصولي من شيوخ النجف، له كتب مطبوعة منها: (بدائع الأفكار) في الأصول، (ت 1361هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج5، ص19.

([267]) سورة البقرة، الآية 43.

([268]) أجود التقريرات، تقرير بحث النائيني، السيد أبو القاسم الخوئي، ج2، ص90.

([269]) رسائل فقهية، محمد اسماعيل بن الحسين المازندراني، ص146.

([270]) مقالات الاصول، ضياء الدين العراقي، ج1، ص289 - ص290.

([271]) قوله تعالى[لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ]، سورة التوبة، الآية 122.

([272]) تحف العقول، الحسن بن علي بن الحسين الحراني، ص199. ورواه في الكافي عن أمير المؤمنين B، ج1، ص30.

([273]) قوله تعالى [لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ]، سورة التوبة، الآية 122.

([274]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص30.

([275]) روضة الواعظين، محمد بن الفتال النيسابوري، ص11.

([276]) المجموع، محي الدين بن شرف النووي، ج1، ص25.

([277]) تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج7، ص66.

([278]) سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، ج10، ص29.

([279]) المصدر السابق.

([280]) المجموع، محي الدين بن شرف النووي، ج9، ص253.

([281]) الحافظ الكبير محدث العراق سراج الدين عمر بن علي بن عمر، عني بالحديث وصنف التصانيف وعمل الفهرست، (ت 775هـ). ذيل طبقات الحفاظ، جلال الدين السيوطي، ص358.

([282]) المستصفى، أبو حامد الغزالي، ج1، ص10. قال: من لا يحيط بها (أي المقدّمة المنطقية)
فلا ثقة بلومه أصلاً.

([283]) أحمد بن محمّد بن أحمد بن محمّد بن إبراهيم النَّسفّي الأصبهاني. الكنى والالقاب، الشيخ عباس القمي، ج2، ص320.

([284]) محمّد بن احمد بن رشد، ابو الوليد، الفيلسوف، من أهل قرطبة، له (تهافت التهافت)، (التحصيل)، (فصل المقال في ما بين الحكمة والشريعة من الاتصال)، (منهاج الادلة)، (ت 595هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص21.

([285]) شرح العقيدة الطحاوية، عبد الله بن عبد الملك بن يُوسِفُ الجويني، ج1، ص228. الملقب بإمام الحرمين، ولد في جوين، وجاوَرَ في مكّة أربع سنين، ثمّ عاد الى نيسابور، له (البرهان في أصولِ الدِّينِ)، (ت 478هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج4، ص160.

([286]) طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب بن علي السبكي، ج8، ص96. وفي المصدر (وأكثر سعي). ووجدت الابيات في الكنى والالقاب، عباس القمي، ج3، ص4.

([287]) عبد الحميد بن عيسى بن عمّويه شمس الدّين أبو محمّد الخسروشاهي، اشتغل بالعقليات على الشيخ فخر الدين الرازي وتفنن في العلوم، (ت 652هـ). فوات الوفيات، محمد بن شاكر الكتبي، ج1، ص607.

([288]) شرح العقيدة الطحاوية، ابن أبي العز الحنفي، ج1، ص228.

([289]) الاعتصام، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي، ج2، ص333. من كبار حفّاظ الحديث، مؤرخٌ أديب بحاثة، يقال له حافظُ المغرب، له (الاستيعاب)، (ت 463هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج8، ص240.

([290]) صدر بيت في كتاب (الأزمنة والأمكنة) لأحمد المرزوقي الأصفهاني، ص74، وهو:

علا زيدنا يوم النقا رأس زيدكم
 

 

بأبيض ماضي الشفرتين يمانِ
 

 

 

([291]) السيد علي بن اسماعيل الموسوي القزويني، فقيه أصولي درس في كربلاء عند صاحب الضوابط ثم في النجف عند صاحب الجواهر والأنصاري ورجع إلى قزوين للتدريس والافتاء والتأليف إلى أنْ توفي بها سنة (1297هـ)، له (حاشية على القوانين)، (حاشية المعالم). الكرام البررة، أغا بزرك الطهراني، ج12، ص26 - 27.

([292]) تعليقة على معالم الأصول، السيد علي الموسوي القزويني، ج1، ص34.

([293]) تذكرة الحفاظ، شمس الدين الذهبي، ج1، ص5.

([294]) عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري، ابو بكر الصنعاني، من حفاظ الحديث الثقات، من أهل صنعاء، كان يحفظ نحواً من سبعة عشر الف حديث، له كتاب (المصنف في الحديث). تقريب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، ج1، ص599.

([295]) المصنف، عبد الرزاق الصنعاني، ج11، ص257 - 258.

([296]) معاذ بن جبل بن عمرو بن اوس الانصاري الخزرجي، ابو عبد الرحمن، صحابي، وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبي  صلى الله عليه واله وسلم ، (ت 18هـ) أسد الغابة، ابن الأثير، ج4، ص376.

([297]) الملل والنحل، محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، ج1، ص201.

([298]) أحمد بن محمّد بن أبي نصر البَزَنْطي، لقيَ الإمامين الرّضا والجواد H، له كتابُ الجامع،
(ت 221هـ). الفهرست، الطوسي، ص61.

([299]) عمار بن ياسر بن عامر الكناني ابو اليقظان، صحابي من الاوائل في الاسلام ومن ذوي الرأي، قتلته الفئة الباغية في حرب صفين سنة (37هـ). أسد الغابة، ابن الأثير، ج4، ص43.

([300]) سورة النساء، الآية 43.

([301]) مستطرفات السرائر، ابن ادريس الحلي، ج7، ص47.

([302]) زيد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب ابو الحسين، عده الجاحظ من خطباء بني هاشم، استشهد في معركة مع الامويين قرب الكوفة. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص59.

([303]) النعمان بن ثابت الكوفي، أبو حنيفة، فقيهٌ مجتهد، إمام الحنفية، أصله من أبناء فارس، ودفن في مقابر الخيزران. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج13، ص104.

([304]) سليم بن قيس الهلالي، أبو صادق، له كتاب السقيفة، من أصحاب الامام علي B تخفّى من الحجاج في بلاد فارس الى أنْ مات سنة (85هـ). الكنى والألقاب، عباس القمي، ج3، ص293.

([305]) كتاب سليم بن قيس، سليم بن قيس الهلالي الكوفي، ص211.

([306]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص239.

([307]) بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، ص162 وما بعدها.

([308]) أحمد بن عليّ بن أحمد بن العبّاس الأسدي أبو العباس، مؤرخ رجالي، يعرف بابن الكوفي ويقال له الصيرفي، له كتاب (الكوفة وما فيها من الآثار والفضائل)، (ت 450هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص172.

([309]) رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص360.

([310]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص241.

([311]) المصدر السابق، ص57.

([312]) أدب الاملاء والاستملاء، عبد الكريم بن محمد السمعاني، ص19.

([313]) رجال النجاشي، أحمد بن علي النجاشي، ص6.

([314]) جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد، من بني غفار، صحابي، من كبارهم، نفاه عثمان الى الربذة لصراحته ومات فيها سنة (32هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج2، ص140.

([315]) مالك بن الحارث بن عبد الله بن يغوث النخعي المعروف بالأشتر، من كبار الشجعان، رئيس قومه، من خاصّة أصحاب عليّ B، قتله معاوية بالسم سنة (37هـ). الأعلام، الزركلي، ج5، ص259.

([316]) محمدُ بنُ عليّ بن أبي طالب الهاشمي القرشي، أبو القاسم، يُعْرَفُ بابن الحنفية، ابن خولة بنت جعفر الحنفية، فرَّ الى الطائف هارباً من ابن الزبير فمات هناك سنة (81هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج6، ص270.

([317]) عبد الحميد بن هبة الله بن محمّد بن الحسين بن أبي الحديد، أبو حامد، عالم بالأدب، من أعيان المعتزلة، وُلِدَ بالمدائن وتُوفّي ببغداد سنة (656هـ)، له (ديوان شعر). الأعلام، الزركلي، ج3، ص289.

([318]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج1، ص18.

([319]) معاوية بن ابي سفيان بن حرب بن أمية القرشي، أحد دهاة العرب، قاتل الامام علياً B، جيشه قتل عمار بن ياسر، (ت 60هـ). مشاهير علماء الأمصار، ابن حبان، ص85.

([320]) الف باء، ابو الحجاج يوسف بن محمد المالقي، ج1، ص18.

([321]) الوسائل في مسامرة الاوائل، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ص102.

([322]) مناقب الشافعي، فخر الدين الرازي، ص440.

([323]) إحياء علوم الدين، أبي حامد الغزالي، ج1، ص79.

([324]) جامع بيان العلم وفضله، ابن عبد البر الأندلسي، ج1، ص775.

([325]) عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي ابو محمد، محدث، روى عنه سفيان وشعبة، كان سيء الحفظ، نسبته الى دراورد من قرى خراسان، (ت 186هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج4، ص25.

([326]) محمد بن مسلم بن عبد الله بن شهاب الزهري، ابو بكر، احد الحفاظ والفقهاء، تابعي من أهل المدينة، (ت 124هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج7، ص97.

([327]) عبد الرحمن بن ابي الزناد عبد الله بن ذكوان القرشي بالولاء، ابو محمد، من حفاظ الحديث، ولي خراج المدينة وزار بغداد وتوفي فيها. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص312.

([328]) سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، ج6، ص133.

([329]) فتح الباري، بن حجر العسقلاني، ج1، ص185.

([330]) عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي، أبو حفص، منع سَبَّ علي B على المنابر، فدس له السم لذلك، (ت 101هـ)، مدة خلافته سنتان. الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج5، ص330.

([331]) إحياء علوم الدين، أبي حامد الغزالي، ج1، ص79. وابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج أبو خالد، أصله رومي كان من علماء مكة ومحدثيهم واختلف في سنة وفاته فمنهم من قال (150هـ) ومن قال (159هـ)، وغير ذلك، اختلف العلماء فيه فمنهم من وثقه ومنهم من ضعفه. الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج5، ص491. التفسير والمفسرون، الذهبي، ج1، ص143.

([332]) مجاهد بن جبر، ابو الحجاج المكي، مولى بني مخزوم، تابعي، مفسر من اهل مكة، اخذ التفسير عن ابن عباس، تنقل في الاسفار واستقر في الكوفة، (ت 104هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج5، ص278.

([333]) عطاء بن مسلم بن ميسرة الخراساني، نزيل بيت المقدس، مفسر، كان يغزو، له (التفسير)، (الناسخ والمنسوخ)، (ت 135هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج4، ص235.

([334]) معمر بن راشد أبو عروة الأزدي نزيل اليمن، طلب العلم وهو حدث، وكان من أوعية العلم، حسن التصنيف، (ت 152هـ). سير أعلام النبلاء، شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، ج7، ص5.

([335]) فتح الباري في شرح صحيح البخاري، علي بن احمد بن حجر العسقلاني، ص4.

([336]) الربيع بن صبيح السعدي البصري، أبو بكر، أول من صنف بالبصرة، خرج غازياً إلى السند فمات في البحر سنة (ت 160هـ) ودفن في إحدى الجزر. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص15.

([337]) سعد بن عبادة، الخزرجي، أبو ثابت، صحابي، من أهل المدينة، كان سيد الخزرج، شهد العقبة مع السبعين من الانصار، (ت 14هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، خ3، ص85.

([338]) عبد الله بن عمرو بن العاص، من قريش، صحابي، من أهل مكة، كان يكتب بالجاهلية، استأذن الرسول  صلى الله عليه واله وسلم  في أنه يكتب ما يسمع منه فأذن له. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج4، ص111.

([339]) (في بيان الرأس الخامس) كذا ورد في الاصل.

(1) المولى صدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي القوامي، المشهور على لسان الناس ب‍(الملا صدرا)، وعلى لسان تلامذة مدرسته بـ(صدر المتألهين) أو (صدر المحققين)، هو من عظماء الفلاسفة الإلهيين، له (الأسفار الأربعة)، (ت 1050هـ). أعيان الشيعة، محسن الأمين، ج9، ص321.

([340]) الشفاء (الالهيات)، الحسين بن عبد الله بن سينا، ج1، ص5.

([341]) حسين بن معين الدين الميبذي المعروف بقاضي ميدا، عالم بالحكمة والطبيعيات، أصله من ميبذ قرب مدينة يزد ومولده بيزد ووفاته في هراة سنة (910هـ)، من مؤلفاته (شرح هداية الحكمة للأبهري). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج2، ص260.

([342]) الشفاء (الرياضيات)، الحسين بن عبد الله بن سينا، ج1، ص9.

([343]) الكون هو حصول الشيء، وفساده هو زواله، وإليه يرجع تفسير الكون بحصول صورة الشيء في المادة، والفساد هو زوال صورته عنها. رسائل أخوان الصفاء، ج2، ص58.

([344]) الشفاء (الالهيات)، الحسين بن عبد الله بن سينا، ج1، ص451.

([345]) الأسفار الأربعة، صدر الدين محمد الشيرازي، ج3، ص257.

([346]) المصدر السابق.

([347]) هداية المسترشدين، محمد تقي الشيرازي، ج1، ص102 - 103.

([348]) شرح هداية الحكمة، المفضل بن عمر بن المفضل الابهري السمرقندي، ص2. عالم منطقي، له اهتمام بالحكمة والطبيعيات والفلك، (ت 663هـ). الأعلام، الزركلي، ج7، ص279.

([349]) هو السيد علي بن محمد بن علي المعروف بالشريف الجرجاني، كان فيلسوفاً، عالماً بالعربية، له خمسين مصنفاً أكثرها شروح وحواش منها كتاب (شرح المواقف)، توفي بشيراز سنة (816هـ). الكنى والألقاب. عباس القمي، ج2، ص358.

([350]) القاضي سراج الدين ابو الثناء محمود بن ابي بكر بن احمد الإرموي، له (التحصيل من المحصول)، (لباب الاربعين في اصول الدين)، (مطالع الانوار في المنطق)، عالم بالأصول والمنطق، من الشافعية، اصله من ارومية من بلاد اذربيجان، قرأ بالموصل وسكن بدمشق، (ت 682هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ص352.

([351]) عبارة مكررة.

([352]) الذكرى، محمد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني، ص6.

([353]) الشرائع، أبو القاسم جعفر بن الحسن الحلي، ج1، ص5.

([354]) منتهى المطلب، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، ج4، ص236.

([355]) تذكرة الفقهاء، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، ج14، ص460.

([356]) تحرير الاحكام، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، ج4، ص603.

([357]) الذكرى، محمد بن جمال الدين العاملي الجزيني، ص9.

([358]) مقداد بن عبد الله بن محمد السيوري الحلي، فقيه من تلاميذ الشهيد الاول، وفاته في النجف سنة (826هـ)، له كتب منها: (كنز العرفان في فقه القرآن). التنقيح الرائع لمختصر الشرائع، المقداد السيوري، مكتبة الامام الحكيم العامة، مخطوطة، برقم 306.

([359]) الاقتصاد، محمد بن الحسن الطوسي، ص239.

([360]) انظر الشرائع للمحقق وتحرير الاحكام للعلامة.

([361]) المراسم العلوية، حمزة بن عبد العزيز الموصلي الطبرستاني، ص28. يلقب بسلار او سالار، فقيه، سكن بغداد، ومات في قرية خسرو شاه في تبريز سنة (463هـ)، له كتاب (الابواب والفصول). الأعلام، الزركلي، 2، 278.

([362]) الشيخ أبو الصلاح تقي بن النجم الحلبي، هو من مشاهير علماء حلب ومن كبار علماء الإمامية، يعاصر شيخ الطائفة الطوسي، ومن تصانيفه: (تقريب المعارف)، (الكافي في الفقه)، (البدائع في الفقه)، (ت 477هـ). الكنى والألقاب، عباس القمي، ج1، ص100.

([363]) الكافي في الفقه، الشيخ أبو الصلاح الحلبي، ص113.

([364]) الوسيلة، عماد الدين ابو جعفر محمد بن علي الطوسي (ابن حمزة)، ص45.

([365]) مصابيح الأحكام، محمد مهدي الطباطبائي، ج1، ص11.

([366]) تهذيب الاحكام، محمد بن الحسن الطوسي، ج2، ص237.

([367]) نزهة الناظر، الحسين بن محمد بن الحسن بن الحلواني، ص7.

([368]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج7، ص30.

([369]) الذكرى، محمد بن جمال الدين مكي العاملي الجزيني، ص6.

([370]) مصابيح الأحكام، محمد مهدي الطباطبائي، ج1، ص11، ص15.

([371]) القواعد والفوائد، أبو عبد الله محمد بن مكي العاملي، ج1، ص89 - 90.

([372]) شرح القواعد، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج1، ص97، كتاب المتاجر.

([373]) شرح مقدمة كشف الغطاء، الشيخ حسن بن جعفر كاشف الغطاء، ص14. الشيخ حسن بن الشيخ جعفر الكبير، فقيه أصولي، ولد في الحلّة وتوفي في النجف سنة (1262هـ)، له (شرح أصول كشف الغطاء). مكتبة الامام الحكيم العامة، قسم المخطوطات، برقم 108.

([374]) يعني قولة تعالى: [وما خَلَقْتُ الجنّ والأنْسَ إلاّ لِيَعْبدُونْ]، سورة الذاريات، الآية 56.

([375]) الذكرى، محمد بن جمال الدين مكي العاملي، ص7.

([376]) الشيخ هادي بن عباس بن علي بن جعفر كاشف الغطاء، كان من علماء الفضيلة والتقوى، معروفاً بالعلم والفضل، له من المؤلفات (مستدرك نهج البلاغة)، (قاموس المحرمات)، (المقبولة الحسينية)،
(ت 1361هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية في مؤسسة الإمام الصادق B، ج14، ص883.

([377]) لوامع الأسرار في شرح مطالع الأنوار، قطب الدين محمد بن محمد الرازي، ص29.

([378]) نقد الآراء المنطقية، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص249، الطبعة الاولى.

(1) كفاية الأصول، محمد كاظم الخراساني، ص95.

(1) التفسير الكبير، فخر الدين الرازي، ج2، ص185.

([379]) سورة العلق، الآية 1- 5.

([380]) معالم الدين، حسن العاملي، ص9.

([381]) منية المريد، زين الدين بن علي العاملي، ص94، وكلمة (أجدر) غير موجود في المصدر.

([382]) سورة الطلاق، الآية 12.

([383]) سورة البقرة، الآية 269.

([384]) سورة لقمان، الآية 12.

([385]) سورة الزمر، الأية 9.

([386]) سورة فاطر، الآية 28.

([387]) مجمع البيان، الفضل بن الحسن الطبرسي، ج8، ص242.

([388]) سورة المجادلة، الآية 11.

([389]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص34.

([390]) الأمالي، الشيخ الصدوق ، ص116. محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، محدث لم ير في القميين مثله، نزل الري، دفن فيها، له (الاعتقادات) و(معاني الاخبار) وغيرها،
(ت 381هـ). رجال النجاشي، النجاشي، ص389.

([391]) ثواب الاعمال، الشيخ الصدوق، ص131.

([392]) بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروغ الصفار، ص23. وجملة (فمن أخذ منه..) غير موجودة فيه.

([393]) منية المريد، زين الدين بن علي العاملي، ص107.

([394]) زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن محمد الطبي الساجي، أبو يحيى، محدّث البصرة، له كتاب في ملل الحديث، توفي بالبصرة سنة (307هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص47.

([395]) الرحلة في طلب الحديث، الخطيب البغدادي، ص85.

([396]) سليمان بن الاشعت بن اسحق بن بشير الازدي السجستاني، ابو داود، محدث، رحل رحلة كبيرة وتوفي بالبصرة سنة (275هـ). الجرح والتعديل، إبن أبي حاتم الرازي، ج4، ص101.

([397]) الرحلة في طلب الحديث، الخطيب البغدادي، ص107 - 108.

([398]) أمالي الصدوق، محمد بن بابويه القمي، ص714، ص727

([399]) الخصال، محمد بن بابويه القمي، ص522 - 523.

([400]) أمالي الطوسي، محمد بن الحسن الطوسي، ص487.

([401]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص30.

([402]) بصائر الدرجات، محمد بن الحسن بن فروغ الصفار، ص22.

([403]) مستدرك الوسائل، محمد بن الحسن الحر العاملي، ج17، ص249. شرح مسند ابي حنيفة، ملا علي القارئ، ص537.

([404]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص30.

([405]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص35.

([406]) المصدر السابق، ص33.

([407]) من لا يحضره الفقيه، محمد بن بابويه القمي، ج4، ص399.

([408]) علي بن ابراهيم بن هاشم القمي، أبو الحسن، مُفسّر، فقيه، أخذ عن الكليني، له (الناسخ والمنسوخ). نقد الرجال، التفرشي، ج3، ص218..

([409]) معاوية بن عمار العبدي، الدهني، من أصحاب الصَّادق B من أهل الكوفة، أخَذَ عن سعيد بن جُبير، له كتاب الحديث، (ت 145هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج7، ص262.

([410]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص33.

([411]) المحاسن، محمد بن أحمد بن خالد البرقي، ج1، ص233.

([412]) كميل بن زياد النخعي، من أصحاب الإمام علي B، كان شريفا مطاعا في قومه، شهد صفين مع علي B، وسكن الكوفة، قتله الحجاج صبراً سنة (82هـ). الكنى والألقاب، عباس القمي، ج3، ص245.

([413]) الاستذكار، ابن عبد البر، ج8، ص37.

([414]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج4، ص35. الخصال، الشيخ الصدوق، ص186 - 187.

([415]) الذخيرة، ملا محمد باقر السبزواري، ج1، ص46. ولم أعثر على هذا البيت في الديوان.

([416]) الديوان المنسوب للإمام علي B، مصطفى زماني، ج1، ص110.

([417]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج4، ص18.

([418]) كبير ائمة الأدب، ورئيس الفرقة الجاحظية من المعتزلة، ولد ومات في البصرة. البيان والتبيين، عمرو بن بحر بن محبوب الكناني، ج1، ص83.

([419]) جواهر المطالب، محمد بن أحمد الدمشقي الباعوني، ج2، ص156.

([420]) مدارك نهج البلاغة، الشيخ هادي كاشف الغطاء، ص262.

([421]) الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية، حميد بن أحمد الشهير اليماني، مخطوط.

([422]) الحدائق الوردية، حميد بن أحمد، ص42، مخطوط.

([423]) تحرير الاحكام، الحسن بن يوسف العلامة الحلي، ج1، ص33.

([424]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص32.

([425]) الوافي، محمد محسن الفيض الكاشاني، ج1، ص134.

([426]) لم أجد كلام السيد الداماد فيما عندي من المصادر إلا في كتاب الوافي للفيض الكاشاني، ج1، ص133.

([427]) حاشية المعالم، محمد صالح بن المولى احمد السروي المازندراني، ص16.

([428]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب، ج1، ص50.

([429]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب، ج1، ص32. ج5، ص87.

([430]) حاشية المعالم، محمد صالح بن المولى احمد السروي المازندراني (ت 1081هـ). مكتبة الامام الحكيم العامة، مخطوطات، برقم 819.

([431]) شرح اصول الكافي محمد بن يعقوب الكليني، ج2، ص29. المصنف، عبد الرزاق الصنعاني، ج11، ص255.

([432]) عيون اخبار الرضا، محمد بن بابويه القمي، ج2، ص234.

([433]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص32.

([434]) من لا يحضره الفقيه، محمد بابويه القمي، ج1، ص186.

([435]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص38.

([436]) المصدر السابق.

([437]) سورة التوبة، الآية 122.

([438]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص31.

([439]) سورة التوبة، الآية 97.

([440]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج1، ص36.

([441]) سورة الزمر، الأية 53.

([442]) سورة يوسف، الآية 87.

([443]) سورة الاعراف، الآية 99.

([444]) الخصال، الشيخ الصدوق، ص54.

([445]) عوالي اللئالي، أبن أبي جمهور الاحسائي، ج4، ص59.

([446]) محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، ابو الفتح، من اصحاب الشريف المرتضى، له كتب منها (كنز الفوائد)، توفي بصور سنة (449هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج6، ص276.

([447]) معدن الجواهر، أبي الفتح الكراجكي، ص40.

([448]) تفسير الامام العسكري، أبي محمد الحسن العسكري B، ص345.

([449]) الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، ج1، ص9. مع الاختلاف في الالفاظ.

([450]) كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ج1، ص251.

([451]) الحق المبين في تصويب رأي المجتهدين، الشيخ جعفر كاشف الغطاء، ص223. مكتبة الامام الحكيم العامة، قسم المخطوطات. وقد طبعت مؤسسة كاشف الغطاء العامة كتاب القواعد محققا سنة (1432هـ) تحت عنوان: القواعد الستة عشر.

([452]) وهو أمر جديد في تاريخ الفقه الإمامي، والقواعد الفقهية أن تدرّس أحكامٌ تندرج تحت كلٍّ منها تطبيقاتٌ جزئية من أبوابٍ مختلفة من الفقه، وفي أبوابِ المعاملات والعبادات والعقود والنكاح والمواريث والجنايات وغيرها.

([453]) مسائل علي بن جعفر، علي بن جعفر الصادق B، ص346.

([454]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج5، ص280.

([455]) المصدر السابق، ص37.

([456]) المصدر السابق، ج3، ص352.

([457]) سورة الحج، الآية 78.

([458]) أبو الحسن عبيد الله بن الكرخي، (ت 340هـ)، كتب رسالة خاصة بالقواعد الفقهية وقد عُني بها أبو حفص عمر بن أحمد النسفي، (ت 537هـ)، ويقال: أن الكرخي أخذ قواعد أبي طاهر الدبّاس وأضاف عليها فجاءت مجموعة في تسعٍ وثلاثين قاعدة، وهي مطبوعة مع تأسيس النظر للدبّوسي. الأنساب، السمعاني، ج2، ص520.

([459]) السيد ميرزا حسن البجنوردي، دَرَسَ في خُراسان ثمّ انتقل إلى النَّجف الأشرف وبلغ مستوى رفيعاً في الفقه والأصول والفلسفة، له (منتهى الأصول)، (القواعد الفقهية) (6) مجلدات، (ذخيرة المعاد)، (ت 1395هـ). فهرس التراث، محمد حسين الجلالي، ج2، ص542.

([460])أحمد بن عمر بن مهر الشيباني الخصاف، فقيه محدّث عارف بمذهب أبي حنيفة، له من الكتب (الحيل والمخارج على المذهب الحنفي)، وكتاب (الخراج)، (المحاضر والسجلات). معجم المؤلفين، عمر رضا كحالة، ج2، ص35.

([461]) الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة النعمان لزين الدين بن ابراهيم بن محمد المعروف بابن نجم. كشف الظنون، حاجي خليفة، ج1، ص98.

([462]) الفتاوى الهندية وتعرف بالفتاوى العالمكيرية (فقه حنفي) جمعها فقهاء الهند ورئيسهم الشيخ نظام الدين بأمر السلطان أبي المظفر محمد أورنك زيب بهادر عالمكير. معجم المطبوعات العربية، اليان سركيس، ج1، ص498.

([463]) سورة ص، الآية 44.

([464]) المجموع، محي الدين بن شرف النووي، ج11، ص53.

([465]) محمد بن جعفر بن يزيد الصيرفي البغدادي الشافعي، فقيه، من تصانيفه حساب الدور، الحيل الشرعية، دلائل الأحكام على أصول الأحكام، (ت 335هـ). معجم المؤلفين، عمر كحالة، ج9، ص150.

([466]) أبو الحسن محمد بن يحيى بن سراقة العامري البصري، الفقيه المحدث صاحب التصانيف في الفقه، له (مصنف حسن في الشهادات) و(كتاب التلقين) و(كتاب الحيل) و(أدب الشاهد) و(الكشف عن أصول الفرائض)، (ت 410هـ). معجم المؤلفين، عمر كحالة، ج9، ص105.

([467]) أبو حاتم محمود بن الحسن بن محمد القزويني الشافعي، أحد أعظم أئمة الشافعية، له (الحيل في الفقه)، (تجريد التجريد)، (ت 440هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج7، ص167.

([468]) مختلف الشيعة، الحسن بن يوسف بن الطهر الحلي، ج1، ص174.

([469]) السيد يوسف الحلو ابن السيد عبد الحسين بن محمد رضا، ولد في النجف الأشرف سنة (1325هـ)، وقرأ هناك المقدمات والأوليات ثم اختصّ بالسيد حسين الحمامي واستفاد من أبحاثه، من مؤلفاته (ديوان السيد يوسف الحلو الشعري)، (الموسوعة الفقهية) وغيرها، توفي سنة (1404هـ). مستدرك أعيان الشيعة، حسن الامين، ج6، ص336.

([470]) وهو شيخ الجامع الأزهر ومفتي الديار المصرية الأسبق، تولى منصب الإفتاء في الفترة من أول آذار سنة (1955م) حتى سنة (1964م)، حيث تولى مشيخة الأزهر، ولد سنة (1894م). موسوعة طبقات الفقهاء، اللجنة العلمية، ج14، ص201.

([471]) وهي موسوعة فقهية ظهرت بوادرها الأولى في جامعة دمشق، وتمّت المباشرة بها ردحاً من الزمن، ثم انتقلت بعد ذلك إلى وزارة الأوقاف المصرية وهي التي أطلقت عليها هذه التسمية (موسوعة جمال عبد الناصر)، وقد صَدَرَ أوّلُ أجزاء هذه الموسوعة سنة (1386هـ)، وإنّ ما صدر منها يربو على العشرين مجلداً إلى كلمة (اقتناء)، ثم توقف إصدار الأجزاء الأخرى، وهي تعتبر الأولى من نوعها. موسوعة الفقه الإسلامي طبقاً لفتوى أهل البيت  عليهم السلام ، مؤسسة دائرة معارف الفقه الاسلامي، ج1، ص83.

([472]) النور الساطع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص146، الطبعة الاولى.

([473]) لقد تعرضت لهذا الموضوع ردّاً على من أعابوا على الشريعة الإسلامية بالجمود وعدم صلاحيّتها لهذا الوقت، وعدم مسايرتها لروحِ العصر وركب الحضارة والتجدّد والتطوّر الذي تتطلبه الحياة. منه قدس سره.

(2) إدوارد لامبير، أحد أعلام القانون الفرنسي في جامعة ليون، ومن الروّاد الأوائل الكبار في تأسيس القانون المقارن، لعب دوراً كبيراً في لفت أنظار أهل القانون في الغرب عموماً وفي فرنسا خصوصاً إلى أهمية الشريعة الإسلامية في تأسيس النظام القانوني في مصر. الفرنسي الذي بهره الفقه الإسلامي، منتدى العلماء، شبكة المعلومات العالمية.

([474]) آرمين فامبيري، رحالة ومستشرق مجري، عني باللغات التركية، ولد في (1832م) وتوفي في (1913م). معرفة، شبكة المعلومات العالمية.

([475]) هربرت جورج ويلز، روائي وكاتب قصصي بريطاني، من أشهر أعماله (آلة الزمن)، يعتبر من مؤسسي أدب الخيال العلمي، وقد اكتسب شهرته بفضل رواياته التي تنتمي لذاك الصنف الأدبي، ولد في (1866م)، وتوفي في (1946م)، الموسوعة الحرة.

([476]) جورج برناردشو مؤلف ايرلندي شهير، ألف ما يزيد عن ستين مسرحية، حاصل على جائزة نوبل في الأدب، من أعماله المسرحية (بيوت الأرامي)، (الأسلحة والإنسان)، (ت 1950م). الموسوعة الحرة.

([477]) د. عبد الكريم جرمانيوس، من المشاهير الذين أسلموا في دولة المجر، يعمل استاذاً في جامعة بودابست، قام بتحريات علمية في السعودية ومصر ونشر نتائجها في مجلدين: (شوامخ الأدب العربي) و(دراسات في التركيبات اللغوية العربية)، (ت 1979م). النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين، د. محمد رجب البيومي، ج2، ص421.

([478]) ليون روش ولد بفرنسا وغادرها للتجارة ثم الانتقال إلى الجزائر مع والده في أثناء الاحتلال الفرنسي للجزائر، وتعلم اللغة العربية واتصل بالأمير عبد القادر الجزائري وعمل لخدمة فرنسا في التجسس على الثوار الجزائريين، له كتاب (مهمة ليون روش في الجزائر والمغرب)، (ت 1901م). الموسوعة الحرة.

([479]) مهاتما غاندي، السياسي البارز والزعيم الروحي للهند، خلال حركة استقلال الهند قام باستعمال العصيان المدني اللاعنفي، قادَ حَمَلاتٍ وطنية لتخفيف حِدّة الفقر وبناء وئام ديني ووطني،
(ت 1948م). مقارنة الاديان، أحمد الشلبي، ص211.

([480]) النور الساطع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص146، الطبعة الاولى.

([481]) احمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله النميري الحراني الحنبلي، ابو العباس، ولد في حران، ودعي لمصر لفتوى أفتى بها فحبس بها، كان مُجسّماً وعدواً لمذهب اهل البيت  عليهم السلام . الاعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص144.

([482]) الاحكام، علي بن حزم الاندلسي، ج6، ص858.

([483]) المصدر السابق، ص857.

([484]) محمد بن صفدر الحسيني، جمال الدين، فيلسوف الاسلام في عصره واحد الرجال الافذاذ الذين قامت على سواعدهم نهضة الشرق الحاضرة، توفي في اسطنبول سنة (1315هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج6، ص168.

([485]) محمد عبد بن حسن خير الله، من آل التركماني، من كبار رجال الاصلاح والتجديد، درس في الازهر، وسجن ونفي لأجل مناوأته الانكليز، توفي في الاسكندرية سنة (1323هـ) ودفن في القاهرة. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج6، ص252.

([486]) عبد الرحمن بن عمرو بن محمد الاوزاعي، من قبيلة الاوزاع، ابو عمرو، امام الديار الشامية في الفقه، ولد في بعلبك ونشأ في البقاع وسكن بيروت، (ت 157هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص320.

([487]) داود بن علي بن خلف الاصفهاني، ابو سليمان، احد المجتهدين في الاسلام، تنسب إليه الطائفة الظاهرية، وسميت بذلك لأخذ أصحابها بظاهر الكتاب، ولد في الكوفة وسكن بغداد،
(ت 270هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج2، ص333.

([488]) احمد بن علي الرازي، ابو بكر الجصاص، له كتاب (احكام القرآن)، سكن بغداد ومات بها سنة (370هـ)، انتهت اليه رئاسة الحنفية. الأعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص171.

([489]) أبو محمد الحسن بن علي بن أبي عقيل العماني الحذاء المعروف بابن أبي عقيل من أعلام القرن الرابع الهجري، له ترجمة في أكثر المصادر، ذكره النجاشي والشيخ الطوسي. الكنى والألقاب، الشيخ القمي، ج1، ص199.

([490]) النور الساطع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص213 وما بعدها، الطبعة الاولى.

(1) الحدائق الناضرة، المحقق يوسف البحراني، ج2، ص398.

([491]) النور الساطع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص82، الطبعة الاولى.

([492]) سورة البقرة، الآية 169.

([493]) سورة الاسراء، الآية 36.

([494]) سورة المائدة، الآية 44.

([495]) سورة النحل، الآية 43.

([496]) النور الساطع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص83، الطبعة الاولى.

([497]) الفوائد، أبو عمرو عبد الوهاب ابن مندة الاصبهاني، ص29.

([498]) الاحكام، علي بن حزم الاندلسي، ج5، ص642.

([499]) إعلام الموقعين، محمد بن أبي بكر بن أيوب، ج2، ص424.

([500]) شرح نهج البلاغة، أبن أبي الحديد، ج3، ص94.

([501]) سورة النساء، الآية 35.

(2) وهو أحد رجالات قبيلة بني ازيرج، عاش في ناحية (لملوم) المعروفة اليوم بالحمزة الشرقي، ونزل الديوانية فترة، كان من أشهر مربي الجاموس، معروف بحنكته وسرعة بديهته، كان من أقرب الناس الى أمير خزاعة الشهير (حمد ال حمود) ووالده، وهو أشهر قاض قبلي (فريضة) عرفه العراق. توفي قبل وفاة حمد بنحو عامين أي: حوالي سنة (1794م). (المصحِّح).

(1) وهو الأديب الشاعر الشيخ محمد صالح بن هادي بن مهدي بن صالح بن موسى بن هادي بن حسن بن محمد ابن الشيخ أحمد الجزائري، ولد سنة (1300هـ)، مؤلف كتاب (آيات الأحكام)، وهو صاحب المكتبة المعروفة بمكتبة الشيخ محمد صالح الجزائري في النجف الأشرف، توفي سنة (1366هـ). الذريعة، أغا بزرك الطهراني، ج7، ص292.

([502]) النور الساطع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص350 وما بعدها، الطبعة الاولى.

([503]) الطبقات الكبرى، محمد بن سعد، ج5، ص341 - 342.

([504]) سورة آل عمران، الآية 104.

([505]) سبل الهدى والرشاد، محمد بن يوسف الصالحي الشامي، ج11، ص383.

([506]) النور الساطع، الشيخ علي كاشف الغطاء، ج1، ص350، الطبعة الاولى.

([507]) المصدر السابق.

([508]) سليمان بن خلف بن سعد التجيبي القرطبي، فقيه مالكي، من رجال الحديث، مولده في باجة بالأندلس، له كتاب (السراج في علم الحجاج). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص125.

([509]) طبقات الشافعية الكبرى، عبد الوهاب بن علي السبكي، ج4، ص245.

([510]) أمل الآمل، محمد بن الحسن الحر العاملي، ج2، ص49.

([511]) المهذب البارع لشرح المختصر النافع، احمد بن محمد بن فهد الحلي الاسدي، ج1، ص312. وما بعدها.

([512]) حسين بن محمد تقي النوري المازندراني، محدث، ولد في قرية (يالو) من قرى (نور) احدى قرى طبرستان وتوفي في النجف الاشرف سنة (1320هـ)،  له كتاب (مستدرك الوسائل). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج2، ص257.

([513]) المهذب البارع، بن فهد الحلي، ج1، ص312.

(1) وفيات الاعيان، ابن خلكان، ج6، ص387. أحمد بن محمد بن ابراهيم بن أبي بكر خلكان البرمكي الإربلي، أبو العباس، مؤرخ وأديب ماهر، ولد في أربل قرب الموصل وانتقل إلى مصر وتولى نيابة قضائها، (ت 681هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص220.

(2) أبو يوسف يعقوب بن ابراهيم الأنصاري، من تلاميذ أبو حنيفة، له (الخراج) و(اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى)، (ت 182هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، مقدمة السبحاني، ج1، ص404.

([514]) سعيدُ بن المسيّب المخزومي القرشي، أبو محمّد، تابعيٌّ من كبارِ التابعين ومن كبار أهل العلم في الفقه والحديث، (ت 94هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص102.

([515]) الصراط المستقيم، الشيخ علي بن يونس العاملي النباطي البياضي، ج3، ص220.

([516]) المعارف، ابن قتيبة الدينوري، ص218.

([517]) هذا الكتاب لابن الفرضي عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الازدي المعروف بالحافظ صاحب كتاب (تاريخ علماء الاندلس).

([518]) سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، حدّث عن أبيه وعائشة وأبي هريرة وسعيد بن المسيب وغيرهم، (ت 106هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص71.

([519]) أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب الأزدي، مفتي مصر وعالمها برواية الحديث، وهو أول من أظهر به الفقه، (ت 128هـ). العبر في خبر من غبر، الذهبي، ج1، ص168.

([520]) أبو سليمان داود بن علي الظاهري المعروف بالأصبهاني، قال النووي: فضائل داود وزهده وورعه ومتابعته للسنة المشهورة، (ت 270هـ). سير اعلام النبلاء، الذهبي، ج13، ص102.

([521]) القوانين، الميرزا أبو القاسم القمي، ص6.

([522]) حماد بن أبي سليمان، فقيه وعالم من الكوفة وهو شيخ أبي حنيفة، (ت 120هـ). طبقات المحدثين بأصبهان، عبد الله بن حبان، ج1، ص326.

([523]) ربيعة بن فروخ التيمي المدني، مولى أبي عثمان المدني المعروف بربيعة الرأي، روى عن أنس وسعيد بن المسيب وعطاء بن يسار، كان من أهل الرأي والقياس فلقب لذلك بربيعة الرأي،
(ت 136هـ) بالأنبار. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص17.

([524]) محمد بن ميكائيل بن سلجوق، ابو طالب (طغرل بيك السلجوقي) أول ملوك الدولة السلجوقية، كان طائفيا متعصبا، توفي بالري. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج7، ص120.

([525]) احمد بن محمد الاردبيلي، عالم مشارك في انواع من العلوم، له العديد من التصانيف في الفنون المختلفة، (ت 993هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص234.

([526]) نادر شاه أفشار شاه ايران (1736 - 1747م)، مؤسس الأسرة الافشارية التي حكمت إيران، يعد من أكبر الغزاة الفاتحين في تاريخ ايران الحديث بالاستيلاء على أفغانستان وبعض الأجزاء وسط آسيا واجزاء من الهند. فهرست التراث، محمد حسين الجلالي، ج2، ص7 - 9.

([527]) داود باشا، والي بغداد (1817 - 1831م)، كان من الولاة المماليك، تدرّج في المناصب حتى أصبح والياً، (ت 1851م). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج2، ص331.

([528]) الأرقم بن أبي الأرقم، اسمه عبد مناف بن أسد المخزومي ويكنى أبا عبد الله، كان من السابقين في الإسلام، (ت 55هـ). سير اعلام النبلاء، الذهبي، ج2، ص479.

([529]) ظالم بن عمرو بن سفيان بن جندل الدؤلي الكناني، واضع علم النحو، من الفقهاء والاعيان والشعراء، توفي في البصرة سنة (69هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص236.

([530]) أبو حذيفة واصل بن عطاء، تلميذ الحسن البصري ومؤسس فرقة المعتزلة، (ت 131هـ). سير اعلام النبلاء، الذهبي، ج5، ص464.

([531]) عبد الله بن قيس أبو موسى الأشعري، خرج وخمسون نفراً من قومه من اليمن وأَسْلَم بمكَّةَ وهَاجَرَ إلى الحَبَشَة، (ت 42هـ). سير اعلام النبلاء، الذهبي، ج2، ص380.

([532]) ابراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي العَتَكي، أبو عبد الله، من أحفاد المهلّب بن أبي صفرة، عالم في النحو، كان فقيهاً، وكان رأساً في مذهب داود الظاهري، ماتَ في بغداد. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص61.

([533]) أحْمَد بن طولون، أبو العبّاس، (ت 270هـ)، صاحِبُ الدِّيار المصريّة والشاميّة والثّغور، تركي مستعرب. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص140.

([534]) أبو اسحاق ابراهيم بن علي الشيرازي، شيخ الشافعية، درس في شيراز ثم انتقل إلى البصرة ثم بغداد وانتهت إليه رئاسة مذهب الشافعية، له (المهذب في الفقه الشافعي)، (اللمع في أصول الفقه)،
(ت 476هـ). سير اعلام النبلاء، الذهبي، ج18، ص452.

([535]) عبد الرحمن بن محمد الانباري، من علماء اللغة والادب، وتاريخ الرجال، كان زاهداً عفيفاً، سكن بغداد وتوفي بها سنة (577هـ). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج3، ص327.

([536]) منصور بن مُحمَّد بن الناصر بن المستضيء، خليفة عباسي، وَليَ بغداد بَعْدَ أبيه، هو باني المدرسة المستنصرية، (ت 640هـ). الوافي بالوفيات، الصفدي، ج17، ص343.

([537]) نسبة للحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي. الخطط، تقي الدين المقريزي، ج4، ص192.

([538]) محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم الضبي، أبو عبد الله النيسابوري، ويعرف بابن البيع، من حفاظ الحديث، مولده في نيسابور وتوفي فيها سنة (405هـ)، له (المستدرك على الصحيحين). الاعلام، خير الدين الزركلي، ج6، ص227.

([539]) ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن مهران، ابو اسحق، عالم بالفقه والاصول، مات في نيسابور سنة (454هـ) ودفن في اسفرائين. الاعلام، خير الدين الزركلي، ج1، ص61.

([540]) محمد بن الحسن بن فورك أبو بكر، واعظ فقيه عالم بالأصول والكلام، من فقهاء الشافعية، سمع بالبصرة (ت 406هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ص382.

([541]) طبقات الشافعية، السبكي، ج4، ص314.

([542]) أبو حاتم محمد بن حبان البستي، جعل من داره مدرسة لأصحابه وأفرد مكاناً لسكن الطلبة الغرباء، (ت 400هـ). سير اعلام النبلاء، الذهبي، ج16، ص92.

([543]) يوسف بن أيّوب بن شادي، أبو المظفر، وولد بها صلاح الدين، من قبيلة الهذانية من الأكراد، رحلوا إلى تكريت، (ت 589هـ). شذرات الذهب في أخبار من ذهب، عبد الحي بن العماد الحنبلي، ص298.

([544]) البداية والنهاية، ابن الاثير، ج13، ص225.

([545]) محمد بن محمد بن أيّوب، أبو المعالي، من سلاطين الدولة الاموية، ولد بمصر واعطاه ابوه الديار المصرية، (ت 635هـ). الوافي بالوفيات، الصفدي، ج1، ص158.

([546]) عمر بن حسن بن دحية بن خليفة الكلبي، أبو الخطّاب، ظاهري المذهب، محدث، حافظ، لغوي، رحال، من أهل سبتة في الاندلس، (ت633هـ). تذكرة الحفاظ، الذهبي، ج4، ص1420.

([547]) عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان، ابو عمرو، كردي، مفسر، محدث، رجالي، ولد في شرخان قرب شهرزور، ولي التدريس في الصلاحية، (ت643هـ). وفيات الأعيان، ابن خلكان، ج3، ص244.

([548]) محمد بن عمر بن عبد العزيز بن ابراهيم الاندلسي، ابو بكر، مؤرخ من اعلم اهل زمانه باللغة والادب، مولده ووفاته بقرطبة، له (المقصور والممدود). الكنى والألقاب، عباس القمي، ج1، ص391.

([549]) أبو القاسم الموصلي الشافعي، جعفر بن محمد بن حمدان الموصلي، فقيه، حسن التأليف والتصنيف، شاعر، ناقد للشعر، له (كتاب السرقات)، (ت 323هـ). الوافي بالوفيات، الصفدي، ج11، ص106.

([550]) محمد بن حبان بن أحمد بن حبّان التميمي الشافعي، أبو حاتم، حافظ مؤرخ فقيه لغويٌ واعظ، تُوفّي في مدينة بست سنة (354هـ). سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج16، ص93.

([551]) أبو نصر، سابور بن أردشير، وزير بهاء الدولة ابن عضد الدولة، كان شهماً مهيباً جواداً ممدحاً، (ت416هـ) عن ثمانين سنة. سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج17، ص387.

([552]) نزار بن معد بن المنصور العبيدي الفاطمي، ابو منصور، صاحب مصر والمغرب، توفي في بلبيس سنة (386هـ) وهو يريد غزو الروم. الأعلام، خير الدين الزركلي، ج8، ص16.

([553]) الحاكم بأمر الله، المنصور بن العزيز بن المعز الفاطمي، الخليفة الفاطمي السادس، حكم الدولة الفاطمية للفترة (996 - 1201م)، واختفى سنة (411هـ). الكنى والألقاب، عباس القمي، ج2، ص172.

([554]) محمد الحسين بن علي بن محمد رضا بن موسى بن جعفر كاشف الغطاء، مجتهد اديب، من الدعاة الى الوحدة بين المسلمين، له (المراجعات الريحانية).موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ج14، ص683.

([555]) علي بن محمد رضا بن موسى بن جعفر كاشف الغطاء، فقيه لديه مكتبة تشمل على مخطوطات نادرة، مصنف (الحصون المنيعة)، (ت 1350هـ). فهرس التراث، محمد حسين الجلالي، ج2، ص312.

([556]) الغيب والشهادة، الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء، ص8 - 10.

(1) جعفر بن أسد الخليلي، كاتب موسوعي من رواد فن القصّة في العراق، كما يعد من رواد الصحافة، من أعماله (السجين المطلق)، (من فوق الرابية)، (هكذا عرفتهم)، (أشرعة البيان)، (ت1406هـ). قراءة موضوعية في الموسوعة الحسينية، نضير الخزرجي، ص682.

([557]) محمد باقر بن محمد أكمل البهبهاني، ولد في أصفهان وأقام مَرَّةً في بهبهان وأستقرَّ وتوفي في كربلاء سنة (1206هـ)، فقيهٌ وأصولي كبير. موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ج13، ص529.

([558]) محسن بن حسن بن مرتضى بن شرف الدين الكاظمي الاعرجي، فقيه وأصولي وشاعر، ولد ببغداد وسكن الكاظمية، له كتاب (المحصول)، (ت 1227هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ج13، ص438.

([559]) محمد حسن بن باقر بن عبد الرحيم الاصفهاني النجفي، يعرف بصاحب الجواهر، فقيه كبير، انتهت إليه المرجعية، (ت 1266هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ج13، ص565.

([560]) محمد علي بن علي بن حسين بن محمّد الأعسم، فقيهٌ كبير في زمنه، له خمس منظومات في الفقه، (ت 1233هـ). منظومة ابن الاعسم في المأكل والمشرب، محمد علي الزبيدي، ص14.

([561]) محمد جواد بن محمد بن محمد بن حيدر الحسيني العاملي، فقيه من أكابر الفقهاء في عصره، له شعر، توفي في النجف الاشرف سنة (1226هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ج13، ص560.

([562]) أسد الله بن اسماعيل التستري الكاظمي، فقيه، اصولي، أديب، من مؤلفاته (مقابيس الانوار)،
(ت 1234هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ج13، ص128.

([563]) محمد مهدي بن محمد ابراهيم الكلباسي الأصفهاني، فقيه كبيرٌ له كتاب (الاجتهاد والتقليد) و(الاستصحاب)، (ت 1278هـ).  موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ج13، ص633.

([564]) داود باشا والي بغداد، كرجي الأصل، مستعرب، جَلَبَهُ بعضُ النّخاسين الى بغداد وعمره (11) سنة، اشتراه سليمان باشا، وعيّنه قائداً للجيش، ثمَّ والياً لبغداد. الأعلام، خير الدين الزركلي، ج2، ص331.

([565]) ابراهيم بن محمد الباقر الموسوي القزويني، فقيه واصولي، له كتاب (الضوابط في الاصول)، توفي في كربلاء سنة (1264هـ). تقرير بحث آية الله الشيرازي، الروزدري، ص18.

([566]) الشيخ حسن بن جعفر بن خضر الجناجي، كاشف الغطاء، فقيه اصولي، شارك في انواع من العلوم، من تصانيفه (انوار الفقاهة)، توفي في النجف سنة (1262هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ج13، ص177.

([567]) الشيخ عبد الرحيم البادكوبي، صاحب (نقد العلماء).

([568]) (في شهر ذي القعدة من سنة (1268هـ)، قدم النجف الأشرف مع خمسة آلاف جندي لمعاقبة الحزبين المشهورين في النجف، وبعد انتهاء العمليات كتب والي بغداد محمد نامق باشا إلى الاستانة يطلعهم على أحوال النجف). تاريخ النجف الأشرف، الشيخ محمد حسين حرز الدين، ج2، ص473.

(1) (هو الشيخ مهدي بن الشيخ علي بن الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء، رجع الناس إليه بعد وفاة الشيخ الأنصاري، بنى المدرسة المهدية في النجف الأشرف، له كتاب في الخيارات وهو شرح على الشرائع وغير ذلك، (ت 1289هـ). موسوعة طبقات الفقهاء، مؤسسة الامام الصادق B، ج13، ص672.

([569]) عن التحفة الغروية عن الصادق B إنّ المبيت ليلةً يعدل عبادة سبعمائة عام، وقال المحدث في دار السلام، حسين النوري الطبرسي، ج2، ص11. الصّلاة عند قبر أمير المؤمنين بمائتي الف صلاة.

([570]) الاصول من الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج3، ص243.

([571]) تهذيب الاحكام، محمد بن الحسن الطوسي، ج6، ص21.

([572]) عبد الله بن يوسف بن احمد بن عبد الله، ابو محمد، يعرف بابن هشام، من ائمة العربية، مولده ووفاته بمصر سنة (761هـ)، له (شذور الذهب) في النحو. الأعلام، خير الدين الزركلي، ج4، ص147.

([573]) الحاشية على المنطق، الملا عبد الله اليزدي.

([574]) تحرير القواعد المنطقية في شرح الرسالة الشمسية، قطب الدين الرازي، (ت 766هـ).

([575]) وهو كتاب في البلاغة، لسعد الدين التفتازاني، اختصره بكتابٍ سمّاه (مختصر المعاني).

([576]) معالم الدين في أصول الفقه، ابن الشهيد الثاني الشيخ حسن العاملي.

([577]) القوانين المحكمة، الميرزا القمي وهو في أصول الفقه.

([578]) كفاية الأصول، الشيخ محمد كاظم الخراساني، (ت 1331هـ).

([579]) فرائد الأصول (الرسائل)، الشيخ الأنصاري، (ت 1281هـ).

([580]) المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، (ت 1281هـ).

([581]) تبصرة المتعلمين في أحكام الدين، الحسن بن يوسف العلامة الحلي.

([582]) شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقق الحلي.

([583]) اللمعة الدمشقية، الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD