تأليف

تقرير

تحقيق

كلمة الناشر

الحمد لله الذي جعل مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء، والصلاة والسلام على المبعوث بأفضل الرسالات وخير الشرائع وأسمى الديانات، وعلى آله الميامين الهداة، كهف الورى والعروة الوثقى وسفينة النجاة.

وبعد..

فهذه الصحائف ثمرة لأبحاث فقهية خطّها يراع الشيخ علي كاشف الغطاء رحمه الله  تقريرا لمحاضرات أستاذه الشيخ كاظم الشيرازي  رحمه الله  التي ألقاها على مسامع طلبته شرحا لكتاب العروة الوثقى الرسالة العملية للمرجع الديني الأعلى المرحوم السيد محمد كاظم اليزدي  قدس سره  من أول كتاب التقليد والاجتهاد إلى غايات الوضوء الواجبة من كتاب الطهارة.

وقد عثرنا عليها عند المراجعة والتردد إلى مخازن المخطوطات لمكتبة كاشف الغطاء العامة، ولما كانت مشتملة على نفائس علمية ودقائق فقهية ونكات ومطالب نافعة كان من اللائق إحياؤها لينتفع منها حملة العلم ورجال الفضل.

وعملا بوصايا الأئمة  عليهم السلام  فيما روي عنهم (احتفظوا بكتبكم فإنكم تحتاجون إليها) عملت مؤسسة كاشف الغطاء العامة بتحقيقها وتدوينها وترتيبها ونشرها.

سائلين المولى عز وجل بجاه من لذنا بجواره مولانا أمير المؤمنين  عليه السلام  أن يوفق للانتفاع بها، ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم, إنه ولي التوفيق.

 

الناشر

 

مقدمة التحقيق

صلّى الله على رسوله الأمين وآله الطاهرين.

وبعد..

يُعد كتاب العروة الوثقى للمرجع الديني الاعلى السيد محمد كاظم اليزدي الطباطبائي (1247- 1337هـ) أحد الكتب المشهورة في الحوزات العلمية لمدرسة أهل البيت عليهم السلام، وقد حاز هذا المصنف النفيس اهتمام الفقهاء في السنوات المائة الماضية وكتب حوله المزيد من الشروح والحواشي والتعليقات, واتصف بفروعه الفقهية الكثيرة المنتزعة من الواقع العلمي للمكلّف وبمسائل مستحدثة ميزته بالجامعية الى جنب السلاسة في البيان.

وهو رسالة عملية أصبحت محور الدراسات العليا في الحوزات العلمية منذ صدورها للمرّة الأولى في حياته  قدس سره  - وقد صدرت من أول الطهارة إلى آخر باب الحج([1]) واكتملت طباعتها بعد وفاته - فإن شروحاتها تجاوزت الأربعين، وحواشيها نحو ذلك، أمّا تعليقاتُ الفقهاء عليها فتجاوزت المائة.

ولأهميّة رسالة العروة الوثقى وعمقها وشمولها ودقة نظر مؤلّفها  قدس سره  اتخذها الشيخ محمد كاظم الشيرازي  قدس سره  محور نقاشه وبحثه في دروسه العالية في الفقه.

وكان المرحوم العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء واحداً من أبرز وأهم تلامذة الشيخ الشيرازي، لازم بحثه مدة طويلة وكتب من أبحاثه واستفاد كثيراً، ومن كتاباته هذه شرحه للعروة الوثقى.

فقد كتب الشيخ فوراً في مجلس الدرس أثناء البحث ينقل كل شاردة وواردة تصدر من فم الشيخ الشيرازي، ثم علّق على بعض الفقرات تعليقاً قصيراً، أو توضيحاً لبعض غوامض آراء المؤلّف.

نسخة المخطوط:

مخطوطة مكتبة مؤسسة كاشف الغطاء العامّة في النجف، رقم 173 فقه، وهي بخط الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره ، خطها نسخي عادي، لون ورقها اصفر عدد صفحاتها 252، قياسات الورق 19,5 × 15,5 سم، عدد الأسطر 14 -19، طول السطر 11 - 13,5 سم.

يبدأ المخطوط من أحكام الاجتهاد والتقليد ثم كتاب الطهارة، فصلٌ في المياه، ثم فصل في الماء الجاري، ثم الماء الراكد، ثم فصل في ماء المطر، ثم ماء الحمّام، ثم أحكام ماء البئر، ثم أحكام الماء المستعمل في الوضوء، ثم أحكام الماء المشكوك، هنا نقصٌ من صفحات المخطوط، ويبدأ في أحكام التخلّي من أول المسألة الثانية عشر إلى الرابعة عشر، ثم ينتقل إلى أحكام الاستنجاء، ثم أحكام الاستبراء ثم مستحبات التخلّي، كتب منها بضعة أسطر فقط، ثم إلى فصل في غايات الوضوءات الواجبة، وقد عثرنا على نحو صفحتين فقط.

يلاحظ عليها: أنه  قدس سره  لم يكن يذكر تمام المسائل، وكان يذكر بعضها بالمعنى لا اللفظ، وكان  قدس سره  يقطّع المسالة الواحدة إلى مقاطع ثم يعلّق عليها، لذلك قمنا بإدراج نصوص المسائل من العروة في هامش الكتاب.

ثم إن الشيخ علي  قدس سره  كان يعلّق أحياناً على بعض الجمل بما يراه هو، لذلك أثبتنا تعليقاته بالهامش وكتبنا بعده (الشيخ علي  قدس سره ).

عملنا في التحقيق:

1. ضبط النصّ، وإضافة علامات التنقيط.

2.  تخريج الآيات الكريمة، ووضعها بين قوسين مزهرين [ ].

3. تخريج روايات أهل البيت، ووضعها بين قوسين ( ).

4. تخريج النقول الواردة في المتن من مصادرها.

5. وضع تعليقات الشيخ علي  قدس سره  في الهامش، ولتمييز تعليقاته كتبنا في آخر الهامش (الشيخ علي  قدس سره ).

6. التعليق على بعض النقاط التي تحتاج لتوضيح.

7. إضافة نصوص المسائل كما في (العروة الوثقى) في هامش الكتاب؛ لأنّ المخطوطة فيها جمل قصيرة من كل مسألة.

8. وضع فهارس فنية للكتاب تتضمن الآيات والروايات والأعلام فضلاً عن مصادر التحقيق ومواضيع الكتاب.

شكر وتقدير:

نتقدّم بالشكر الجزيل لكل مَن أعان في إتمام هذا العمل وساعد في طباعته, ونخص منهم أعضاء مؤسسة كاشف الغطاء العامة وعلى رأسهم أمينها العام الشيخ الدكتور عباس كاشف الغطاء, فجزاهم الله تعالى خير جزاء المحسنين.

 

ترجمة المصنف([2])

هو السيد محمد كاظم بن عبد العظيم الطباطبائي الحسني، اليزدي.

ولد (1247هـ)، أو (1252هـ)، في قرية (كسنويه)، وتوفي والده وعمره أحد عشر عاماً، تعلم القراءة والكتابة في قريته، ثم غادر إلى يزد، وقرأ مقدمات العلوم هناك والعربية والأصول والفقه، ثم غادر إلى مشهد ودرس على اساتذتها مدة، ثم رحل إلى أصفهان، وحضر درس العالم الكبير الشيخ محمد باقر الاصفهاني الإيرواني الإيوانكيفي وهو ابن صاحب حاشية المعالم الشيخ محمد تقي، وحضر درس الشيخ محمد جعفر بن محمد صفي الابادي، ودرس ميرزا هاشم الجهارسوقي.

هاجر إلى النجف سنة (1281هـ) وتكفل استاذه الشيخ محمد باقر بنفقات سفره مع ولده الشيخ محمد تقي الشهير بأغا نجفي، واساتذته في النجف منهم الشيخ مهدي كاشف الغطاء، والشيخ راضي المالكي، والمجدد الشيرازي.

اشهر تلامذته:

1.  الشيخ أحمد بن الشيخ علي بن محمد رضا كاشف الغطاء (1292- 1344هـ)، عالم، فقيه، مرجع، مجتهد، أديب.

2. الشيخ محمد الحسين بن الشيخ علي بن الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء (1294- 1373هـ)، عالم، فقيه، مرجع، مجاهد، أديب.

3.  السيد جمال الدين بن حسين الموسوي الكلبيكاني (1295 - 1377هـ)، عالم، فقيه، أصولي، مرجع ديني.

4.  السيد حسين بن علي الموسوي الحمامي (1298 - 1379هـ)، فقيه، أصولي.

5.  الشيخ ضياء الدين العراقي (1278 - 1361هـ)، فقيه، أصولي، مجتهد، أحد أعاظم علماء عصره.

6.  السيد عبد الحسين شرف الدين (1290 - 1377هـ)، عالم كبير، محقق نحرير، فقيه.

7.  الشيخ عبد الكريم الجزائري، (1289 - 1382هـ)، عالم كبير، وزعيم وطني، شاعر اديب.

8.  الشيخ عبد الكريم الزنجاني، (1304 - 1388هـ)، فيلسوف، عالم، فقيه.

9.  السيد علي ابن السيد محمد كاظم اليزدي (1289 - 1367هـ).

10.  الشيخ محمد جواد البلاغي (1282 - 1352هـ)، عالم، فقيه، مفسر.

11.  السيد هبة الدين الشهرستاني (1301 - 1386هـ)، عالم، مجتهد مجدد، مصلح، سياسي محنك.

12.  الشيخ اغا بزرك الطهراني، (1292 - 1389هـ)، مجتهد، مؤرخ، محقق.

13.  الشيخ موسى بن عمران دعيبل الخفاجي (1298 - 1387هـ)، فقيه، فاضل، مجتهد ورع.

14. الشيخ هادي بن عباس كاشف الغطاء (1289 - 1361هـ)، عالم جليل، اصولي، شاعر.

مؤلفاته:

1. العروة الوثقى: رسالة في العبادات والمعاملات، وترجمتها للفارسية (الغاية القصوى في ترجمة العروة الوثقى).

2.  حاشية على مكاسب الشيخ الانصاري، مطبوع.

3.  التعادل والتراجيح، طبع (1361هـ)، في ايران، وطبع حديثاً بعنوان (التعارض)، عام (1426هـ).

4.  رسالة في اجتماع الامر والنهي، مطبوعة على الحجر.

5.  حاشية على نجاة العباد، طبعت في طهران على الحجر.

6.  حاشية انيس التجار ملا مهدي النراقي، طبعت على الحجر.

7. حاشية على الجامع العباسي للبهائي، طبع حجر.

8. حاشية على التبصرة، طبعت على الحجر.

9. الصحيفة الكاظمية، ادعية ومناجاة من انشاده، طبعت في بغداد.

10. حاشية فرائد الأصول.

11. الاستصحاب، وقد طبع مؤخراً في قم المقدسة.

وفاته:

توفي  قدس سره  ليلة الثلاثاء (28 رجب 1337هـ)، الموافق (يوم 30/4/1919م)، متأثراً بمرض ذات الرئة.

 

ترجمة الشارح

هو الشيخ محمد كاظم بن الحاج حيدر الشيرازي، ولم يذكر مترجموه شيئاً عن بقية اجداده، كان والده صباغاً للالبسة.

ولد في عام (1290هـ)([3])، أو (1292هـ)([4])، جاء مع والده إلى كربلاء للزيارة، فمكث مدة يتعلم القراءة والكتابة ومقدمات العلوم العربية، ثم عاد إلى شيراز، وقطع بها بعض المراحل الدراسية.

رجع إلى كربلاء وعمره 15 عاماً، وشرع في الدراسة، وتوجه إلى سامراء عام (1310هـ)، لازم بعد ذلك الشيخ محمد تقي الشيرازي، زعيم الثورة العراقية، ورجع معه إلى الكاظمية في الخامس من شوال سنة (1335هـ)، فاقام يدرس مقدمات العلوم هناك.

وبعد عودة الميرزا محمد تقي الشيرازي إلى كربلاء واستقراره فيها سنة (1337هـ)، عاد معه وبقي فيها حتى وفاة الميرزا في الرابع من ذي الحجة عام (1338هـ).

انتقل إلى النجف أوائل عام (1339هـ)، وتصدى فيها للتدريس والتأليف.

صار مرجعاً عاماً بعد وفاة السيد أبي الحسن الاصفهاني سنة (1365هـ).

توفي أوائل ليلة السبت الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة (1367هـ).

اساتذته:

1. السيد محمد بن القاسم الفشاركي الاصفهاني (1253 - 1316هـ)، الفقيه، الاصولي.

2.  الشيخ حسن علي بن محمود التبريزي الأصل الطهراني، توفي في شهر رمضان 1325هـ، في مشهد المقدسة، عالم، فقيه، اصولي.

3. الميرزا محمد تقي الشيرازي (1256 - 1338هـ)، الزعيم الديني، الفقيه، صاحب ثورة العشرين.

تلامذته:

1. الشيخ علي بن محمد رضا كاشف الغطاء (1331 - 1411هـ)، فقيه، أصولي، أديب، تقي ورع.

2.  السيد إسماعيل الصدر (1340 - 1388هـ)، فقيه، أصولي.

3. حسام الدين الفال اسيري الشيرازي (1316 - 1396هـ)، فقيه، أصولي.

4. السيد علي الفاني الاصفهاني (1333 - 1409هـ)، فقيه، أصولي، محقق.

5.  الشيخ حسن الصافي الاصفهاني (1298 - 1416هـ)، فقيه، أصولي.

6.  السيد مرتضى الفيروزآبادي (1329 - 1410هـ)، فقيه، محقق، أصولي.

7.  السيد عبد الحسين دست غيب (1332 - 1402هـ)، فقيه، زاهد، ورع، مجاهد، شهيد.

8. الشيخ محسن عبد الكريم شرارة (1319 - 1365هـ)، أديب، شاعر.

9.  الشيخ راضي آل ياسين (1314 - 1372هـ)، عالم جليل، أديب بارع.

10. الشيخ عبد اللطيف بن عباس علي شاه نظر التنكابني (1330 - 1400هـ)، فقيه، أصولي، عالم جليل.

11. محمد رضا بن طاهر فرج الله الحلفي الجزائري (1319 - 1386هـ)، عالم جليل، أديب كبير.

12. السيد محمد بن محمود بن صادق الحسيني، الروحاني، القمي (1338 - 1418هـ)، فقيه، أصولي، مجتهد.

13. الشيخ محمد حسين بن محمد رضا الكرباسي.

14. مرتضى بن شعبان بن مهدي بن عبد الوهاب الرشتي الكيلاني ولد (1335هـ)، هاجر إلى طهران وانقطعت اخباره، أستاذ الرياضيات والحكمة في الحوزة العلمية.

15. الشيخ موسى بن كاظم بن حسين آل عز الدين العاملي (1310 -1400هـ)، عالم، فقيه، شاعر.

16. الشيخ محمد علي بن الميرزا ابي القاسم بن محمد تقي الأوردبادي التبريزي (1312 - 1380هـ)، فقيه، حكيم، اديب([5]).

17. الشيخ محمد تقي بن محمود بهجت الفومني (1334- 1430هـ)، فقيه، مرجع، عارف.

مؤلفاته([6]):

1. حاشية العروة الوثقى.

2. حاشية على رسائل الشيخ الانصاري.

3. حاشية على المكاسب للشيخ الانصاري، طبعت في طهران اسمها (بلغة الطالب في حاشية المكاسب).

4. المسائل الفقهية.

5. كتاب كبير في الفقه، عدة مجلدات، في أبواب مختلقة من الفقه، محفوظ عند ولده الأكبر الشيخ محمد في شيراز.

6. تعليق على تقريرات النائيني.

7. حاشية درر الفوائد للشيخ عبد الكريم الحائري، طبع قسم منها.

8. حاشية الفصول الغروية.

 

ترجمة المقرّر

نسبه:

هو الفقيه الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ هادي ابن الشيخ عباس ابن الشيخ علي صاحب (الخيارات) ابن الشيخ الكبير جعفر صاحب (كشف الغطاء) ابن الشيخ خضر، الجناجي النجفي المالكي.

ولادته ونشأته:

ولد  رحمه الله  سنة (1331هـ) في محلة العمارة من محالّ النجف الأشرف، شب في بيت علمي، ونشأ مع أسرة أدبية تنحدر من سلالة عربية عريقة ينتهي نسبها إلى مالك الأشتر([7])، وتولى تربيته جده العلامة الهادي كاشف الغطاء، فكان يلقنه المعارف والحكم، ويغذيه ويدربه على مراقي الفضل والعبقرية، فنشأ خير منشأ([8])، وبعد أن فرغ من القراءة والكتابة توجه نحو المبادئ من العلوم الأولية، فأتقنها ومهر بها، وجدّ في تحصيل العلوم الدينية من الأصول والفقه حتى صار يُشار إليه بالبنان([9])، فأصبح من فضلاء هذه الأسرة المصلحين، ومن حملة العلم النابهين، تفوّق على أقرانه وزاحم الشيوخ في معارفهم، وسبق الكثير منهم في معلوماتهم([10]).

أساتذته:

ومِن أشهر أساتذته الأعلام من غير أسرته الفقيه الكبير الشيخ كاظم الشيرازي، الذي كان مِنْ ألْمع الأساتذة المُدرّسين يوم كانت النجف تَعجُّ بآلاف الطلبة ومئات المحصّلين، وكان هذا الشيخ ذا نظر ثاقب ورأي حصيفٍ وفكرةٍ نـقـّادةٍ، وكان يمتاز أيضاً بقوَّة التقرير وجزالة التحرير والفراسة الصادقة في تمييز مواهب تلامذتـه، ومنْ مصاديق قوّة التَّوَسُّم فيه أنـَّه قدَّم شيخنا المترجَم أعلى الله مقامه على سائر حُضّار بحثه، بلْ كان يُؤثره بإلقاء مطالب عالية في الفقه وأصوله على نحو الاختصاص ولم يشاركه غيره من كبار تلاميذه في حضورهـا، ثم بلغ الأمر بالشيخ الشيرازي أنْ حرَّم على الشيخ كاشف الغطاء أنْ يحضر درس غيره من الأعلام، هذا والشيخ بعد لمّا يزلْ غضَّ الإهاب، لم يخْلع بُرْدَ الفتوَّة، ولم ينـزع جلباب الشباب، وكان جُـلَّ تحصيله عليه حتى تبحر في علوم الفقه والأصول، وتضلَّعَ من المعقول والمنقول، وبلغ درجة الاجتهاد المُطْلق قبل الثلاثين من عُمُرهِ المبارك([11]).

ومن أساتذتـه في المعقول العلامة السيد علي اللكنهوي في الفلسفة والمنطق والعقائد([12])، ومن أساتذته أيضاً الشيخ ضياء الدين العراقي والشيخ محمد حسين النائيني.  

تلامذته:

وتلامذتُـهُ هم جمهرةٌ صالحةٌ من كبار العلماء والباحثين والأدباء والنُّحاة واللَّغـَوييّن، من مشاهيرهم:

  • السيد جمال الدين نجل المرجع الديني الأعلى السيد أبو القاسم الخوئي  قدس سره .
  • أخوه السيد علي نجل السيد الخوئي  قدس سره .
  • العلاّمة الحجة الكاتب الإسلامي الشهير الشيخ باقر شريف القرشي.
  • العلاّمة الفقيه الشيخ عبد الكريم القطيفي.
  • العلاّمة الشاعر الكبير الشيخ عبد المنعم الفرطوسي.
  • العلاّمة الكاتب الإسلامي الشهير الشيخ أسد آل حيدر صاحب كتاب (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة).
  • الخطيب الكبير العلاّمة الدكتور الشيخ أحمد الوائلي.
  • العلاّمة الشيخ نور الدين الجزائري.
  • العلاّمة الدكتور مهدي المخزومي كبير علماء النحو.
  • العلاّمة الشيخ حسين آل زاير دهام المخزومي النجفي.

دوره الديني والعلمي:

إن شعور الشيخ علي كاشف الغطاء نفسه إن واجبه الديني يفرض عليه أن يكون في وسط الأحداث، مرشداً وناصحاً وموجهاً ومسانداً، كان هو المحفّز للقيام بجلائل الأعمال،  وقد كان له بجميع مشاركاته فاعلية وقوة وتأثير، ويمكن الإشارة إلى السمعة الطيبة والمكانة المرموقة التي احتلتها أسرته ـ آل كاشف الغطاء ـ في المجالات الدينية والعلمية والسياسية قد ساهمت إلى حد كبير في بزوغه، فهذه الأسرة العربية الصميمة قدّمت الزعماء الدينيين على امتداد قرنين من الزمان (القرن التاسع عشر والقرن العشرين)([13]).

رُجِع إليه في التقليد بعد المرجع الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء، فقد بلغ درجة الاجتهاد المطلق قبل الثلاثين من عمره، وتولى إمامة الجماعة في الصحن الحيدري الشريف في مكان والده وجده الهادي رحمهما الله، وانتقلت إليه مكتبة جده وأبيه، وأضاف إليها كثيراً من الكتب المطبوعة والمخطوطة، فهي من مكتبات النجف المهمة([14])

وقد كان الشيخ كاشف الغطاء يتصف بِسِمات الرجل الجادِّ الذي يعمل بنشاط وحماس في كل موقف يرى فيه مصلحة للإسلام والمسلمين([15])، فكان يسعى بكل ما أعطي من حول وطول في قضاء حوائج المؤمنين، والحفاظ على دماء المسلمين، والدعوة لوحدة الصف، فرمته سهام أعدائه بأباطيل وأراجيف وأوهام يُسألون عنها أمام مالك يوم الدين.  

إجازته في الرواية:

يروي الشيخ المترجَم بالإجازة عن جدّه الإمام الهادي عن العلاّمة الكبير الفقيه الأصولي الرجالي الشهير السيد أبي محمد الحسن آل صدر الدين الموسوي العاملي الكاظمي، وقد كتبها السيد المذكور للشيخ الهادي جدّ المترجم على نحو التفصيل وفيها من الفوائد ما لا يستغني عنه فقيه ومُحدّث([16]).

آثاره العلمية:

وله  رحمه الله  مصنفات قيّمة في مختلف فنون المعرفة الإسلامية، من الفقه والأصول والمنطق والتراجم والمناظرات بينه وبين كبار علماء الأمة من الفريقين، وهي:

أولاً: المطبوعات:

  1. أدوار علم الفقه وأطواره، الكتاب الذي بين يديك، من طبعاته في دار الزهراء في بيروت سنة (1399هـ).
  2. أسس التقوى لنيل جنة المأوى، وهي رسالته العملية، وكانت الطبعة الرابعة منه في سنة (1391هـ) من قبل مطبعة الآداب في النجف الأشرف.
  3. باب مدينة علم الفقه، طبع في مطبعة دار الزهراء في بيروت سنة (1405هـ).
  4. التعادل والتعارض والترجيح، طبعته مؤسسة الذخائر سابقا -كاشف الغطاء حالياً- وعادت طباعته مطبعة سليمانزاده في قم سنة (1430هـ).
  5. شرح العروة الوثقى، تقريراً لدروس استاذه الشيخ كاظم الشيرازي.الكتاب الذي بين يديك.
  6. كشف ابن الرضا عن فقه الرضا، رسالة مستلة من كتابه شرح المكاسب، طبع في بيروت من قبل مطبعة صبح سنة (1432هـ).
  7. المختصر من مرشد الأنام لحج بيت الله الحرام، الطبعة الأولى من قبل المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف سنة (1374هـ)، والثانية في النجف أيضا في مطبعة الآداب سنة (1398هـ).
  8. مصادر الحكم الشرعي والقانون المدنـي، (مجلدان)، طبع الأول منه في مطبعة الآداب في النجف الأشرف سنة (1408هـ)، والثاني في مطبعة العاني في بغداد سنة (1410هـ).
  9. نظرات وتأملات، وهو شذرات من المطارحات العلمية والمناظرات الأدبية بينه وبين الدكتور فلييب حتي.
  10. نقد الآراء المنطقية (مجلدان)، طبعته المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف، وطبعة أخرى من قبل مطبعة سليمانزاده في قم سنة (1427هـ).
  11. نهج الصواب إلى حل مشكلات الإعراب، طبعته مؤسسة الذخائر سابقاً.
  12. نهج الهدى في علم الكلام، المطبعة الحيدرية في النجف الأشرف سنة (1354هـ).
  13. النور الساطع في الفقه النافع، تقريراً لبحثه الخارج في الفقه (أربعة مجلدات)، الطبعة الأولى منه من قبل مطبعة الآداب في النجف الأشرف سنة (1381هـ)، والثانية من قبل ستارة في قم المشرفة في سنة (1430هـ).

ثانياً: المخطوطات:

  1. إظهار الحق، شـرح لحاشية الشيخ ملا عبدِالله اليزدي.
  2. الحق اليقين في تراجم المعصومين  عليهم السلام .
  3. رسالة في أمارية اليد.
  4. رسالة في وحدة الوجود.
  5. شـرح الرسائل (ستة عشر مجلدا).
  6. شـرح المكاسب (اربعة مجلدات).
  7. شرح تجريد الاعتقاد.
  8. شرح كفاية الأصول (عشرة مجلدات).
  9. شـرح منظومة السبزواري.
  10. كتاب الأحكام، تقريراً لبحثه الخارج في الأصول (ستة مجلدات).
  11. الكلم الطيب، مجموعة رسائل ومقالات.
  12. الكواكب الدرّية في الأحكام النحوية.

وتعمل مؤسسة كاشف الغطاء العامة على تحقيق وإخراج تلك الدرر ضمن موسوعة تراث الشيخ علي آل كاشف الغطاء.

وفاتُهُ:

لبَّى نداء ربه بعد أنْ أكمل تكبيرة الإحرام أثناء اداء فريضة العشاء، وكان ذلك في ليلة الأربعاء 19 رجب الأصَمّ من سنة (1411هـ)، ودفن في مقبرة جدّهِ الشيخ الأكبر كاشف الغطاء في محلة العمارة من محال النجف الأشرف([17]).

 

 

الصفحة الاولى من المخطوطة

 

 
 


 

الصفحة الاخيرة من المخطوطة

 
 

 

 

وله الحمد

أحكام التقليد والاجتهاد

المسألة الاولى: يجبُ على كُلِّ مكلَّفٍ في عباداتِهِ وُمعاملاتهِ أنْ يكونَ مجُتَهداً أو مُقلِّداً أو محُتاطاً([18]).

وذلك لاستقلال العقل بوجوب الخروج عن عهدة ما عُلِمَ الاشتغالُ به إجمالاً وتفصيلاً، ولا يحصل إلاّ بأحدها.

لا يقال: علمُهُ الإجمالي ينحلُّ بعد علمهِ التفصيليّ بالتكليف في موارد فلا يبقى مجالٌ لقاعدة الاشتغال إلاّ في تلك الموارد المعلومة، هذا مع أنّه إنْ تمَّ فإنمّا يتمُّ في العبادات دونَ المعاملات؛ إذ لا تكليف فيها.

لأنّا نمنع من انحلال العلم أولاً لثبوته بعد العلم التفصيلي بالتكليف بموارد غير تلك الموارد أيضاً.

سلَّمنا لكنّ الشكّ البدويّ في المقام يقتضى الاشتغال؛ لوجوب تحصيل المؤمَِّنِ عقلاً، والبراءة مع عدمِ الفحص غيرُ جارية، لا أقل من احتمال عدم جريانها فلا يستقلُّ العقل بالبراءة، ولا عُلِم من الشرع الحكمُ بها، فيبقى احتمال الخطر غير مأمونٍ، ومعه يستقلُّ العقلُ بالاحتياط والاشتغال، هذا في الواجبات التكليفية، - تعبدية أو توصّلية -، وأمّا في المعاملات فاحتمالُ بقاء المال على ملكِ مالكِهِ، بل كونُ مقتضى الأصل ذلك يَقتضي عَدَمَ جوازِ التصرُّفِ فيه حتى يُعْلَمَ بالانتقال، فهي أيضاً راجعة إلى احتمال التكليف التحريمي الناشئ من احتمال بقاء المال على ملك مالكه الأوّل.

وبالجملة لا يحتاج في إثبات هذا الوجوب إلى إثبات العلم بالاشتغال، بل احتماله المقرون باحتمال العقاب؛ لعدم المؤمَِّن كاف.

وَمِنْ ذلِك يَظهَر أنّ الأوفق تقييده بغير اليقينيات، كما يأتي التصريح به في المسألة السادسة، إلا أنْ يرجع اليقين فيها إلى الاجتهاد، بل ينبغي الإشارة إلى أنّ الوجوب المزبور عقليٌّ إرشادي إلى وجوب تحصيل الفراغ عن الواقعيات.

ففي المقام إشكالات:

أحدها: إنّ الوجوبَ لم يعاقب عليه، بمعنى: إنّ الإنسان إذا لم يكن مجتهداً ولا محتاطاً ولا مقلداً وطابق عمله الواقع لا عقاب عليه.

والثاني: إنَّ الضروريات لم تكن من الأقسام الثلاثة.

الثالث: إنَّ الواجب أولاً عقلاً هو الاجتهاد بتعيين وظيفته من تقليدٍ أو احتياطٍ أو اجتهاد، والتحقيق: إنّه في هذا الوقت الواجبُ التقليدُ؛ لعسر أخويه.

الرابع: يُستَثْنى من هذه القاعدة التكاليف التي لا يحتمل تَنَجُّزُها والعقاب عليها.

المسألة الثانية: الأقوى جَوازُ العَمَلِ بالاحتياطِ مُجتهداً كانَ أو لا، لكنْ يجبُ أنْ يكونَ عارفاً بكيفيّةِ الاحتياط بالاجتهاد أو بالتقليد.

الظاهر أنَّ نظرَهُ في هذه المسألة إلى أنّ جوازَ الاحتياطِ غيرُ مُختَصٍّ بالمجتهدين، بل هو جائزٌ حتَّى بالنسبة إلى المقلَِّد وإنْ كانَ يَجبُ عليه أنْ يكون مُجتهداً في جَوازِهِ أو مُقلَّداً؛ إذ ليس جوازُهُ من القطعيّات والضَّروريات.

وكيف كان فالعاميُّ إنْ عَرَفَ كيفيّةَ الاحتياطِ يكونُ كالمجتهد في جوازهِ بالنسبة إليه، من غيرِ فرقٍ بين أنْ يتمَكَّنَ - مع عَدَمِ الاحتياطِ - من العلمِ التّفصيليّ بالحكم أو الإجمالي، فضلاً عمَّا إذا لا يتمكَّن إلاّ مِنْ تحصيل الظّن، ولَعَلَّ جَوَازَ الاحتياطِ -مَع فَرْضِ كونِهِ احتياطاً- مِن القَضَايا التي قياساتُها مَعَها، ومَنْ يَمْنَعْ عنه فهو ينظرُ إلى أنَّ الاحتياطَ غيرُ متحقِّق؛ لأنه يَعتبرُ الجَزْمَ بالأمر أو الوجه، فمعَ عدمِ حُصولِهِ لا يكفي العَمَلُ عن الواقع، فلا يكون احتياطاً، وكذا لا أظنُّ أنْ يكونَ لجواز الاحتياط في غير العبادات مخالفٌ حتَّى إذا توقَّفَ على التَّكرار فَضْلاً عمَّا إذا لم يتوقف؛ إذ مَنْ يمنع عنه يمنع عن كونِهِ احتياطاً؛ لأنَّ كيفيّةَ كونِ الشيء احتياطاً يختلِفُ بحسب الأنظار، ولذا ذكر في المتن أنَّه (يجبُ أنْ يكونَ العامّي عارفاً بكيفيّة الاحتياط)، وسيجيء إنْ شاءَ اللهُ أنَّهُ يجبُ أنْ تكونَ معرفته بها ناشئة من اجتهاد أو تقليد.

ولأجل ما مَرَّ من اختلافِ الاحتياطِ بِحسبِ المواردِ قد يكونُ الاحتياطُ في الفعلِ وقد يكونُ في الترك، كما ذكره في:

المسألة الثالثة: قد يكونُ الاحتياطُ في الفعل كما إذا احتمل كون الفعل واجباً وكان قاطعاً بعدم حرمته، وقد يكون في الترك كما إذا احتمل حرمة فعل وكان قاطعاً بعدم وجوبه، وقد يكون في الجمع بين أمرين مع التّكرار كما إذا لم يعلم أنَّ وظيفَتُه القصر أو التمام.

وأنه([19]) قد يكون في الجمع، وسيجيء إنْ شاءَ الله أنّه قد يختلف في الشيء الواحد بحسب الخصوصيات، فقد يكون الاحتياط بفعله، وقد يكون بتركه.

وكيف كان فما ذكرنا من أنَّ النَظَرَ في هذه المسألة إلى جواز الاحتياط غيرُ مختصٍ بالمجتهد ظَهَرَ أنَّ الفرق([20]) بين هذه المسألة والمسألة الرابعة ليس بمجرد الإطلاق والتقييد حتّى يتوهَّم فيها التّكرار؛ إذ يكفي التّصريح بالإطلاق في هذه المسألة عن التعرض لتلك.

المسألة الرابعة: الأقوى جوازُ الاحتياط ولو كانَ مُستلزِماً للتّكرار وأمكن الاجتهاد أو التقليد.

منشأ الشُّبْهَةِ في الاحتياط إذا توقَّفَ على التّكرار حتَّى في ما إذا كان الجَزْمَ بالأمر فيه محفوظاً، كما إذا عَلِمَ بالأمرِ وشَكَّ في كيفِيَّةِ المأمور به على وجهٍ لا يَجْمعها واحد هو نَقْلُ جَمَاعَةِ الإجماعَ على المنع عنه، فإنْ ثَبَتَ الإجماع فهو، وإلا فالمرجع هو الأصل والقاعدة.

ومُحَصَّلُ الكلام فيه: إنَّ مع العِلْمِ بأعَمِّيَّةِ متعلَّق الأمرِ مِن مُحَصَّلِ الغَرَض كَما في جُلِّ العِبادات، وحكم العقل مستقلاً بوجوبِ الإتيانِ بِها على وَجهٍ يحصلُ بهِ غَرَضُ المولى لوجوب تحصيل الغرض عليه مستقلاً، أو لحكمه بعدم حصول الامتثال وسقوط الأمر إلاّ بذلك يَتَعيّنُ الاحتياط بإتيان المأمور به على وجهٍ يحصلُ له العلم بحصولِ غَرَضِ المولى وسقوطِ أمره، فيجبُ الإتيان به جازماً بالأمر تفصيلاً قاصداً لوجهه مُتقرِّباً به مميّزاً لواجباته عن مستحبّاته، وهكذا، إلاّ أنْ يقومَ دليلٌ اجتهاديَ على عدمِ وجوبِ بعض هذه الأمور، وإلاّ فمَعَ عدمِ الإطلاق في دليلِ التّكليف - كما هو المفروض - فما كان من العوارض المتأخّرة وكان الواجبُ إسقاط الأمر وإتيان محصّل غرض المولى لا مجالَ إلاّ للاحتياط.

نعم إنْ قامت بيّنةٌ شرعيّة ودليلٌ معتبرٌ على عدمِ اعتبار شيءٍ منها لم يجب الاحتياط من جهةٍ، كما قد يُدَّعى الإطلاقُ السكوتيُّ في أوامر العبادات بالنسبة إلى قصد الوجه والتميز.

وتوضيحه: في مسقط غرض المولى وأمرِهِ به إنْ لم يَكُنْ أمراً رَاجعاً إلى العُرْف بل كان من خُصوصيّاتِ المولى ومجعولاتِهِ بحيثُ لم يكن لغيرِهِ طريقٌ إليه وكان مما تغفل عنه العامّة، ولا يلتفتون إليه حتّى يحصل لهم الشكّ فيحكم عقلهم بالاحتياط حتّى يمكن أنْ يقال فيه بأنَّ بيانه موكولٌ إلى العقل لاستقلاله بالاحتياط عند الشك وَجَبَ على الشرع بيانه، وإلاّ لأخلَّ بغرضه، وخالف اللطف الواجب عليه؛ إذ عَدَمُ بيانِ ما هو دخيلٌ في تحصيل غرضِهِ وإطاعته، لا ينقص عن سكوتِهِ عن أصلِ التكاليف.

فمَعَ عَدَمِ وصول بيانه إلينا يجزمُ بعَدَمِهِ؛ إذ لو كان مثل ذلك لبان، فيحكم بعدم دخله، ولكننا لمَّا لَمْ نَعْلَمْ للمولى غَرَضٌ من العبد بسيطٌ حَتَّى يحكم العقل بوجوبِ تحصيله عليه، بل احتملنا أنْ يكونَ تمام غرضه في العبادات مجَرَّد الطاعة وإتيان الفعل بداعي الأمر نستريحُ مِن الاشتغال من هذه الجهة؛ لأنّه مبنيٌّ
على أنْ نَعْلَمْ أنَّ له منّا غَرَضٌ غيرُ متعلَّق أمرِهِ حتّى نقع من أجل حُكْمِ العقل بوجوب تحصيل غرضه في كُلْفَةِ الاحتياط، لكننا نحتمل جدّاً أنْ لا يكون
له غرضٌ سوى الإطاعة وإتيانُ متعلِّق الأمر بداعي أمرهِ، فإنَّ هذا المعنى
معلومُ الوجوب في ما كانَ من العبادات والشكّ في وجوبٍ أزيد منه، والأصل البراءة منه.

ودعوى أنّ حصول الامتثال وسقوط الأمر عقلاً مبنيٌّ على إتيان متعلّقه على وجهٍ مُسقطٍ لغرضه، فمع احتمال أنْ يكونَ له غَرَضٌ وجب الإتيانُ به على وجهٍ يسقط به لو كان.

فمدفوعةٍ بأنه لا يحتاج إلى سقوط الأمر إلى أزْيَدِ مِن إتيان متعلّقه؛ إذ لو بقي مع حصولِ متعلّقه لزم تحصيل الحاصل.

نعم لو فرض عدم حصولِ الغَرَضِ من الأمر للعلم به يحدث أمراً آخراً لوجود مناطه، ومع الشكّ فالأصل عدمه.

فتلخَّصَ أنّ اقتضاء القاعدة الاحتياط بإتيان كل ما يُحتمل دخله في الامتثال مبنيٌ على أحدِ أمرين، وكلاهما ممنوعان، وحينئذٍ فلم يبقَ ما يقتضي عدم القناعة بالاحتياط بالتكرار بعد وضوحِ صدقِ الإطاعة سوى الإجماعات المنقولة والسيرة المدفوعان، ولم يثبتْ شيءٌ منهما، فالتحقيقُ جوازُ الاحتياط بالتّكرار ما دام تصدق الإطاعة.

المسألةُ الخامسة: في مسألة جواز الاحتياط يَلْزَمُ أنْ يكون مجتهداً أو مقلّداً لأنَّ المسألة خلافية.

لعلَّ غرضه من التعليل أنّ هذه المسألة ليست من الضّروريات أو اليقينيات حتّى لا يحتاج إلى الاجتهاد والتقليد، ولو قيّد ذلك بما إذا احتملَ عَدَمَ جوازِهِ كان أولى؛ لأنّ المدرك في استراحة نفس العامّي حصول المؤمِّن لهُ عقلاً، فإذا احتمل عَدَمَ جوازه لا يحصل له المؤمِّن، ومع عدم احتماله كانَ لهُ مؤمِّن، فيكونُ هو المناطُ دون وجود الخلاف في الواقع.

وبهذا يظهرُ لكَ الوجه في المسألة السادسة حيثُ أنّ اليقينيات التي حكم بعدم وجوبِ الاجتهاد والتقليد فيها ليس خصوص الإجماعات، بل كلِّ ما لم يحتمل العبد فيه الوقوع في خلاف الواقع.

المسألة السادسة: في الضَّروريات لا حاجةَ إلى التقليد كوجوبِ الصَّلاة والصَّوم ونحوهما، وكذا في اليقينيّاتِ إذا حَصَلَ لهُ اليقينُ، وفي غيرهما يجبُ التقليد إنْ لم يكن مُجتهداً إذا لم يمكن الاحتياط، وإنْ أمْكَنَ تَخَيَّر بينَهُ وبينَ التقليد.

حاصله: إنَّ وجوبَ التقليد عَيْناً يتوقَّفُ على وجودِ شَرْطين:

أحَدهما: عدمُ كونِهِ مُجتهدا.

وثانيهما: عَدَمُ إمكانِ الاحتياط، فمَعَ انتفاءِ الأوّل يتعيّنُ عليه الاجتهاد، ومع انتفاءِ الثاني تخيّر بين الاجتهادِ والاحتياط.

وبالجُمْلَة فصُورُ المسألة أربع؛ لأنّها إمّا يمكن الاحتياط فيها أو لا، وعلى كُلِّ تقديرٍ إمّا أنْ يكونَ مجتهداً أم لا، فمَعَ عَدَمِ إشكالِ الاحتياط يتعيّنُ عليه الاجتهاد إنْ كان مُجتهداً والتقليد إنْ كان عامّياً، ومع إمكان الاحتياط تخيَّر المجتهد بينه وبين الاجتهاد والمقلّد بينّهُ وبَينَ التقليد.

المسألة السابعة: عَمَلُ العامّي بلا تقليدٍ ولا احتياطٍ باطل.

ينبغي تقيّده([21]) بالعبادات؛ إذ المعاملاتُ لا وجه لفسادها إذا اتفق مطابقتها للواقع وإنْ لم يجز له العمل ما لم تنكشف المطابقة كما مَرَّ في المسألة الأولى، ومنه ظهر الاحتياج إلى تقيّد آخر في العبادات وهو عَدَمُ تمشّي قصد القربة فيها، وإلا فلا وَجْهَ لفسادها؛ ضرورةَ أنّه إذا انكشف مطابقتها للواقع وحصلت القربة فقد أتى بما هو متعلّق لأمره الواقعي، والإِجزاءُ فيه قهريُّ لما مَرَّ من عدم تعقُّل بقاءِ الأمر مع الإتيان بمتعلّقه، والمفروض تحقّق شرائط امتثاله، إلا أنْ يُدَّعَى اعتبار وقوعِهِ عن اجتهادٍ أو تقليدٍ، وهو ممنوع، ولذا صَحَّحنا عَمَلَ تارك الطريقين العامل بالاحتياط كما مَرَّ.

المسألة الثامنة: التقليدُ هو الالتزامُ بالعمل بقولِ مجتهدٍ مُعيَّنٍ وإنْ لم يعمل بعد، بل ولو لم يأخذ فتواه، فإذا أخذ رسالته والتزم بالعمل بما فيها كفى في تحقُّق التقليد.

لا يخفى أنَّ التقليد عبارةٌ عن جَعْل تَبِعاتِ العَمَل بِعُهْدَة الغير، فلذا يُعْتَبَرُ فيه أنْ يقعَ عن تَعَبُّدٍ بقولِ الغير، فيكونُ الغيرُ مُقَلَّداً (بالفتح) والعاملُ مقلِّداً (بالكسر)، لا جَعْلُ طاعَةِ الغير في رَقَبَتِهِ وعُهْدَتِهِ وإلاّ كانَ الغيرُ مُقَلِّداً (بالكسر) والجاعلُ متقلّدا.

وإلى ما ذَكَرْنا يرجعُ تفسيره بالأخذ بقولِ الغير تَعبُّداً به من غير دليلٍ، يعني الأخذ العملي، فإلغاءُ اعتبار العمل لا وجه له.

نعم يمكن أنْ يقال: لا يكفي مجرّد العمل، بل يعتبر أنْ يكون العمل مستنداً إلى قول الغير وفتواه، ولعلَّ هذا هو المراد بالالتزام، وإلاّ فلا يعتبر فيه الالتزام بمعنىً أزيد مما ذكرناه، ولا اعتبار التعيين كما هو ظاهرُ العبارةِ فلا دليلَ عليهِ في غيرِ المقدار الذي يتوقَّفُ عليه العمل.

فتلخص: أنّ المعتَبَر في التقليد هو العَمَلُ دون الإلتزام، إلاّ أنْ يُرادَ مِنه الاستناد إلى الغير.

ثُمَّ إنَّ بيانَ مَعْنى التقليد في الرَّسائل العَمَليَّة المعدَّة لبيانِ الفُروع المتعلّقة بِعَمَلِ المقلّد إنّما هو لتشخيص ما يترتَّبُ عليه من الأحكام كوجوبهِ عليهِ ابتداءاً، وعدم جوازِ العُدول مِمَّنْ قَلَّدَهُ في حياته وجواز البقاء عليهِ بَعْدَ موتِهِ أو عَدَمِ جَوازِهِ وحرمةِ التقليد الابتدائي للميّت.

وعلى هذا فنقول: لا ينبغي الإشكال في أنَّ الواجب على العامّي ابتداءً ليس إلاّ الاستناد إلى الغير في العمل، ولا يعتبرُ أزيَدَ من ذلك، يعني لا يجبُ على العامّي أزيَدُ مِنْ ذلك، يعني: لا يجب على العامّي أزيد من اعتمادِهِ على المجتهد في العَمَل الذي يعمله على إشكالٍ في وجوبِ عنوانِ الاعتماد، وأمّا الإلتزام بذلك أيضاً في أعمالِهِ المستقبلة فهو داخل في وجوب العزم على الطاعة في التكاليف الإلهية، ولا رَبْطَ لَهُ بمسألة وجوب التقليد؛ لما عَرَفْتَ من عَدَم مَدْخَلِيّتِه في تحقُّق موضُوعِهِ فهو غيرُ واجبٍ عليه، كما أنَّ جوازَ العُدولِ من مجتهدٍ إلى آخر، أو البقاء وعدمه بالنسبة إلى من مات غير محتاج إلى تحقّق عَمَلٍ منه، بل ولا إلى الإلتزام بالعمل أيضاً، إلاّ في موارد التخيير إذ بمجرَّد تعيّن العمل عليه على فتوى المجتهد الذي تعيَّنَ عليهِ العَمَلُ بفتواه يتحقَّقُ حُجيّةُ فتواه بالنسبة إليه، ويكونُ ما أفتى به حكمه، عَمِلَ به أم لا، إلتزام بالعمل عليه أم لا، فمَنْ يستصحبُ الحُجيّة أو الحكم الفرعي يتحقَّقُ عنده موضوعه.

وبالجملةِ يَتْبَعُ ذلك دليلُ المجوّز والمانع من غير مدخليّة لتحقُّق عنوان التقليد.

نعم في مَسألةِ عَدَمِ جوازِ تقليدِ الميّتِ ابتداءً ينفعُ ذلك، مثلاً لو قُلنا بأنَّ مُجرَّدَ الإلتزام تقليد فليس البقاء بعد موته تقليداً ابتدائياً له، ولو قلنا يعتبُر فيه العمل كان ذلك له تقليداً ابتدائياً فيحرم، إلاّ أنْ يمنع عن حُرْمَةِ مثل هذا التقليد الابتدائي الذي كانَ تكليفه الرجوع إليه، ولم يرجع حتى مات.

وكيف كان فاعتبارُ العَمَلِ في تحقُّق التقليدِ أقوى.

ودعوى أنَّه يوجبُ الدَّور([22]) حينئذ لتوقّف التّقليد موضوعاً على العمل، وتوقّفُ العَمَل الصحيح على التقليد.

مدفوعةٌ بالمنع من توقُّفِ صِحّةِ العَمَل على التقليد السّابق، بل المعتبر وقوعه مستنداً إلى فتوى الغير ولو بأنْ يتحقّق بنفسه التقليد، فيشبه الدّور المعيّ الذي لا فَسادَ فيه لِعَدَمِ استلزامِهِ تقدُّمَ الشيءِ على نفسِه.

المسألة التاسعة: الأقوى جوازُ البقاء على تقليدِ الميّتِ ولا يجوزُ تقليدُ الميِّتِ ابتداءً([23]).

لا يخفى أنَّ مقتضى الأصل عدم جواز تقليد الميّت أمّا؛ لأنّه مُقتضى حُرْمَةِ العَمَلِ بِما وَرَاءَ العلم عموماً.

أو لأنهُ مُقتضى حُرْمَةِ التَقْلِيدِ المستفاد من الكتاب خصوصاً.

أو لأنّهُ مُقتضى الاشتغال بالواقعيّات، فإنّه يُقْتَضَي الخروجُ منها علماً، والتقليد لا يفيد غير الظنِّ، فأصالة الاشتغال واستصحابه يقتضيان تقليد الحي.

أو لأنه مقتضى الشكّ في حُجيّة الطريق إذا دار الأمرُ فيه بين التعيين والتخيير، وإنْ كان مرجع بعض هذه الوجوه إلى بعض، أو لا مجال له مع تسليم الأصل بالتقرير الأول، كما قُرِّرَ في محلهِ.

وعلى أيِّ حالٍ فلا إشكال في أنَّ مُقتضى الأصل الأوّلي عقلاً بل ونقلاً كتاباً وسنة عدم جواز العمل بقول الغير تعبّداً به ما لم يُفد القطع بالواقع، إلاّ أنّه خرجنا عن هذا الأصل بالسّيرة القاطعة المستمرّة من أوائل الإسلام إلى أواخره، فهل تَرَى المراجعين إلى رُواةِ الأئمّة ومحدّثيهم مع اختلاف طبقاتهم وألسنتهم خُصوصاً في الأزمنة المتأخّرة عن الصّادقين يتلقّون منهم خصوص الألفاظ الصّادرة من الأئمة  عليهم السلام  أو يقتصر ترجمتها لغير العارف، حاشا ثمَّ حاشا، حيث أنَّ اقتصارهم على ذلك، يُوجِب لهم العُسر والاختلال، ويؤيّدُهُ ويؤكّدُهُ بل يمكن أنْ يجعل دليلاً مستقلاً إرجاعُ الائمة  عليهم السلام  شيعتَهم إلى آحادِ الرُّواة بحيثُ يفهم منه عدمُ الفرقِ بين الفتوى والرواية، بل إطلاقُ المنع عن الفتوى بغير العلم الدّال على جواز الفتوى معه، بل في سدّ باب التقليد عُسْرٌ وحرج مُخلٌّ بالنظام، ومَنْ ينكر فإنّما ينكر باللّسان وقلبه مطمئن بالإيمان، بل في إطلاق أدلّةِ حُجيّةِ خبر الواحد كفاية؛ لأنَّ المفتي ينقل مقتضيات الأصول والقواعد المقرّرة في الشريعةْ فيقرب إلى نقل مضمونِ الرّواية القريب من نقل معناها.

وبعبارة أخرى: لنقل الرواية مراتبٌ أحدُها نقل الالفاظ المسموعة، ثمّ نقلها بترجمتها وذكر مرادفها في العربي أو غيره، ثمّ نقل المتحصَّل منها من دون زيادةٍ ونقيصة المسمَّى عندهم أحياناً بنقل المضمون، ثمَّ نقل المتحصِّل منها بَعد ضَمِّ بعضِها إلى بَعْضٍ وترجيح النصّ على الظاهر، أو مقتضى تساقطها من الأخذ بمقتضيات الأصول من التخيير والبراءة والاحتياط والاستصحاب، فكأنَّ المستفتي يسألُ المفتي عن مقتضياتِ القوانين المجعولةِ في الشريعة، ويخبره المفتي بذلك.

ودعوى([24]) انصراف الأدلّة عن الأخبار الحدسية لو سلّمناها فإنّما هو بالنسبة إلى غير الحدسيات القريبة من الحس أو المنتهية إلى العلم، أترى أحدٌ يستشكلُ في الجرح والتعديل؟

وبالجملة دعوى شمول أدلّة حُجيّةِ الأخبار للأخبار العلمية قريبة.

لا يقال: كيف يكون إخبارُ المفتي علمياً مع ابتنائه على ظنون اجتهادية، بل ونظريّاتٍ خفيّة.

لأنّا نقول: إنَّ التجربة أيضاً ليس إلاّ ما تقتضيه القوانين في مقام تحصيل البراءة، وهو يعمُّ مُتعلَّقات الظنّ والحدس.

إنْ قلت: ظنُّ المجتهد إنّما يكونُ مبرء له ومنتهياً إلى العلم بالنسبة إليه دون غيره.

قلت: كلاّ إنّه كذلك بالنسبة إليه ومَنْ يُقَلِّدُهُ، فإذا أراد أنْ يُخْبِرَ أحَداً بوظِيفَتِهِ أو وظيفة مقلّده يخبره بمؤدّى ظنّه، وإخبارُهُ هذا إخبارٌ علميٌ مستندٌ إلى مبادئ قطعية.

والحاصل: مُقتضى عمومُ حُجيّة الخبر شمولها للأخبار العلمية، وسيأتي لذلك تتمة إنْ شاء الله.

ثمّ إنَّ النزاع في هذه المسألة راجعٌ إلى أنَّ مقتضى الأدلّة المخرجة عن الأصل هل هو عموم الحُجيّة من غير اشتراط الحياة، أو يختص بالمجتهد الحي مطلقاً، أو التفصيل بين الابتدائي والاستمراري؟

ثمّ على تقدير الإطلاق هل هناك إجماعٌ يُوجِبُ رَفْعَ اليدِ عن تلك الإطلاقات أم لا؟ فالمانع عليه إثباتُ أحدُ أمرين: إمّا منعُ إطلاق يقتضي جوازَ تقليد الميّت، أو دعوى إجماع على المنع يقطع الاطلاق لو كان.

والغالب فيما بينهم الجريُ على الوجه الأول، فيمنعونَ من إطلاقٍ كتابي أو سُنّي يقتضي التقليد فضلاً عن إطلاقه للحيّ والميت، وكُلُّ ما يُنْقَلُ من الإطلاقات يحملونَها على الرّواية، أو يمنعون إطلاقها للحيّ والميت.

وقد عرفت منّا أنّ إطلاقات حُجيّة أخبار الآحاد غيرُ قاصرةِ الشّمول، ومقتضاها العموم للحيِّ والميّت ابتداءً واستمراراً، إلاّ أنْ يقومَ دليلٌ خاصٌ يقطعها.

نعم السيرة التي ادّعيناها قاصرة عن بيانِ حكم الميّت.

نعم يمكن أنْ يقال إنّه بعد أنْ أخذ الحكم من الحيّ وقام الدليلُ على حُجيّةِ فتواه عليه كان ممن يعلم بالوظيفة، فلا دليل على جوازِ رُجوعه إلى غيره، كما يقال مثل ذلك في العدول من الحيّ إلى الحيّ فيثبت المطلوب بمقدّمتين تُضَمُّ إحداهُما إلى الأخرى.

احداهما: حُجيّةُ قول الحيّ بالنسبة إليه.

والثانيةُ: عَدَمُ جَوَازُ رِجوعِ مَنْ كان له حُجَّةٌ على غيره.

وكلتا المقدّمتين ثابتة بل واضحة، اللّهم إلاّ أنْ يمنع من حجية قوله حتّى بعد موتهْ، حيثُ أنَّ من المحتمل أنْ يكونَ حُجيّته مقصورة بزمانِ حياته، وهذا الاحتمالُ بظاهره وإنْ كانَ مما لا يُسْمَعْ، ولذا لا يحتمله أحدٌ في نقل الرّوايات والشَّهادات وسائر الحكايات، إلاّ أنّه يمكن توجيهُهُ بأنَّ الحُجَّةَ في الفتوى متقوّمة بالظّن والرأي وهُما متقوّمانِ بالحياةِ، فبعد الموت تزولُ الحُجيّة بزوال موضوعها، فلا يُقاسُ بسائر الحكايات التي لا تقومُ بالظنِّ والرّأي.

وللفرق الواضحِ بينَ الرّواية، والفتوى الرّاجع إلى نقلِ ما يَقْتضيه نَظَرُهُ في المسألة بعد ضمّ جهاتها بعضها إلى بعض.

ومن الواضِحِ أنّ ذلكَ قائمٌ برأيِهِ ونظره بل ما يحكيه المفتي ليس إلاّ الحكم الظاهريّ وتقوّمه بالظنّ من الأمور الواضحة، ولذا يَقَعُ وسطاً في القضيّة التي يستنتج منها العمل، فيقال: هذا ما أدّى إليه ظنّي...الى أخره.

وأمّا زوالُ الرّأي بالموتِ فلعَلَّهُ مما لا ينبغي الإشكالُ فيه.

ولكنْ يدفعُهُ إمكانُ المنعِ عن كلتا المقدّمتين حيثُ أنَّ المفتى به هو ما يقتضيه القواعد المقرّرَةُ ورأيُ المجتهد وظنِّهِ ليسَ إلاّ طريقاً لاستفادَةِ ذلك وإنْ كانَ موضوعاً في مقامِ التعويل والاستناد، فإنَّ المجتهد يخبر بأنّ مقتضى القوانين الشرعية لي ولك أيُّها العامّي ذلك، فإنْ كانَ هُنا جزءٌ دالٌّ على المسألة فواضح، فإنَّ حُجيَّة الإخبار غيرُ مختصٍّ بالمجتهد، فهو يخبرُهُ عن مفادِ الحُجّة له وإنْ كان هُناك تعارُضٌ وترجيحٌ فكذلك، وإنْ لم يكن هناك رواية أو كان وكانت لها معارض بلا ترجيح فالوظيفة بمقتضى أخبار التخيير، وهذا أيضاً غيرُ مختصّ بالمجتهدِ، وانْ كانَ المقام مقام الرّجوع إلى الأصول فيخبره المجتهد إنَّ وظيفته هنا الأصل، ومفاد الأصل كذا، وما عرفنا موضوعية لظنّ المجتهد في مقامِ رجوع المقلّد إليه.

نعم هو يتكل ويستريحُ إلى فَهْمِهِ، والمقلّد يستريحُ إلى الواقع الذي أخبره، كما أنّ الرّاوي يستريح إلى الرواية بمقتضى ما يسمعه، والمرويُّ إليه يستريحُ إليها بمقتضى ما روي إليه، وليسَ لشيءٍ من الرّواية والسّماع موضوعية في مقام الوَظائِفِ المجعولة.

نعم لكلٍّ دليلٌ وحُجيّة في مقامِ الدّليلية والحُجيّة موضوعية.

فدعوى قصر الحُجيّة بزمان الحياة لا وَجْهَ له بَعْدَ عَدَمِ مَدْخليّة الرّأي والنظر إلا كمدخلية الرؤية والسماع من حيث أنَّ المناطَ بالمرئيّ والمسموع، ومن ذلك تعرف أنّه لا مانعَ من استصحابِ الحُجيّة وجواز الرجوع، وما يرجع إليهما من الاستصحابات فضلاً عن استصحاب الحكم الشرعيّ الفرعيّ من جواز شِرْب عصير ِالعِنَبِ وطهارَةِ الغُسَالة مثلا.

ودعوى عدمُ ثبوتِ التكليفِ الشرعيّ فمواردِ الفتوى كسائرِ الطّرق والحجج.

مدفوعةٌ بما حَرّرناه في محلّه من عدم المقتضي لرفع اليد عن ظواهر الأدلّة في ثبوتِ التكليف في مواردها، سلَّمَنا أنّ للظنّ مدخليّة لكنّا نَمْنَعُ أنَّ المدخلية حدوثاً، فزواله بالموتِ لا يُوجِبُ زوالَ حُجيّتِهِ، كما يؤيّدُهُ بقاءُ الحجيّة وجوازُ العمل ولو بعد زواله في حال حياته بالغفلة، بل وزواله من رأسٍ ما لم ينتهِ إلى وقوفٍ أو رجوعٍ عن دليلٍ، وحينئذٍ فلا مانع من استصحابِ حجيّته وجوازِ الرجوع إليه، بل يمكن المنع عن زوال رأيه، غاية الأمر أنْ يصيرَ مظنونه معلوماً وحدسه حسّاً فتأمل.

وأمّا دعوى الإجماع على عدم الجواز حتَّى استمراراً فممنوعةٌ، وإطلاقُ معاقدِ الإجماعات غالبها منصرفةٌ عنه، مضافاً إلى ما في التمسُّكِ بالإجماع في مَحَلِّ الخلاف، ولذا كان الأقوى ما في المتن من جواز البقاء.

المسألة العاشرة: إذا عَدَلَ عن الميِّتِ إلى الحيّ لا يجوزُ له العود إلى الميّت.

لأنّه يكونُ من قبيلِ التّقليد الابتدائي الممنوع بالإجماع وإنْ كانَ مقتضى بَعْضُ ما نقلناه في الحاشية السابقة الجواز، إمّا كونُهُ من قبيلِ التقليد الابتدائي فواضِحٌ، إذْ بالعدول عنه خَرَجَ عن كونه مقلّداً له، فيكون العدول حُدوثُ تقليدٍ له إيّاه، وهذا في الجملة مما لا ينبغي الإشكالُ فيه؛ إذ لا أقل من كونِهِ خارجاً عن منصرف أدلّة التقليد، فلا يحتاج إلى الاستدلال بأنَّ مازالَ وعاد كأنْ لم يكن، لا كأن لم يزل وأشباهه.

وإنّما الإشكالُ في أنّه يكفي في العُدول العَزْمُ عليه والالتزام بالعمل بفتوى غيره، أو لا يتحقَّق إلاّ بالعمل بفتوى الآخر، ولا يكفي مجرّد الالتزام، مُقتضَى ما اختاره المصنّف من كون التقليد عبارةٌ عن مُجرّد الالتزام بالعمل هو الأول، ومقتضى ما ذكرنا هو الثاني.

إلاّ أنَّ الأقوى الأوّل، بمعنى: لا يجوزُ العودُ إلى الميّت بعد التزامه بتقليدِ الحيّ، ولو جعلنا التقليد عِبارَة عن العمل، وذلك لأنّهُ بموتِ المجتهدِ يكونُ حال المقلِّد حاله في أوَّلِ عَمَلِهِ من حيثُ أنّه إمّا أنْ يجتهد في البقاءِ والعُدولِ وأمّا أنْ يرجع إلى أعلم الأحياء؛ لأنّهُ القَدَرُ المتيقِّن له، فعلى الأوَّل، فإنْ اجتهدَ وبنى على البقاء فلا كلام، وإنْ بنى على العُدولِ يسقط حُجيُّة قولِ الميّت له، فيكون العدول إليه تقليداً ابتدائياً له، وإنْ رَجَعَ إلى الغير وأفتى بالبقاء فلا كلام أيضاً، وإنْ أفتى بالعدول سَقَطَتْ حُجّيةُ قولِهِ أيضاً، فيكونُ ممّنْ لا تقليد له فيكون رجوعه إليه تقليداً ابتدائياً له.

وبالجملة: التقليد وإنْ كان عبارةً عن العمل إلاّ أنَّ بطلانه غيرُ مُحتاجٍ إلى العَمَل بفتوى الغير، ويكفي في صدق التقليد الابتدائي في بطلانِ التقليد الأوّل.

نعم إنْ قامت عنده حُجَّة على فسادِ عُدولِهِ وإنَّ حُجيّة فتوى الميّتِ واقعاً محفوظةٌ، كما إذا قَلَّدَ مُجتهداً فَمات فقلَّدَ آخر لفتواه بالعُدول فَماتَ، ورجع إلى ثالثٍ فأفتى بوجوبِ البقاء، يمكن أنْ يقال: عليه العدول إلى فتاوى المجتهد الأوّل إذا ظَهَرَ له أنّ حُجيَّة القول الأوّل بالنسبة إليه لم يسقط، كما سيجيء إنْ شاءَ الله في ما نعلّقُهُ على المسألة الواحِدَةِ والستّين، ولذا قيّدنا قوله: (لا يجوزُ لهُ العود) بما إذا كانَ المعدول إليه حَيّاً، وأمّا مع موتِهِ فسيأتي حُكْمُه، ولك أنْ تستدلّ لما في المتن بمجرّد الشكّ في حُجيّةِ قولِ المعدولِ عنه بَعْد العدول عنه، فإنَّ مقتضاهُ مع عَدَم إطلاق في أدلّةِ التقليدِ عَدَم جَوَازِ العَوْدِ كما سيأتي في المسألَةِ الآتية.

المسألة الحادية عشر: لا يجوزُ العُدولُ عن الحيّ إلى الحيّ إلاّ إذا كان الثاني اعلم.

مع تساوي المعدولِ إليه والمعدولِ عنه، فإنَّ حكمَ المقلّد في ابتداءِ أمرِهِ وإنْ كان هو التخيير بينهما فجازَ لهُ الرُّجوع إلى أيِّ منهما أرادَ، إلاّ أنَّ بَعْدَ اختيارِهِ أحدهما والرجوع إليه صارَ المكلَّفُ ممّن له طريقٌ وحُجَّةٌ، وخَرَجَ عن التحيُّر، وبذلك يسقُطُ فتوى الغير عن الحجّية بالنسبة إليه؛ لأنّ الأصل حُرْمَةُ العَمَل بغير العلم فينقطعُ استصحاب التخيير أيضاً؛ لأنّ التخيير العقلي بحكم العقل إنّما يَثْبُتُ للمتحيّر، وقد زال تحيّره باختياره أحدهما، وليس للتخيير دليلٌ لفظيٌّ حتى يرجع إلى إطلاقه، ولو كانَ لَم يَكُنْ له إطلاقُ مسوق لذلك.

نعم بناءً على ما ذَكَرْنا من عدم تحقّقِ التقليد إلاّ بالعمل لا يتحقَّقُ الاختيار إلا بالنسبة إلى الفتوى الذي عَمِلَ على طبقه، وأمّا في غيره فهو باقٍ على اختياره إلاّ بناءً على جَعْلِ مُجَرَّدِ الالتزام بالعَمَل تقليداً، بناءً على أنَّ بمجرّد ذلك يثبتُ له الحجّية بالنسبة إلى من اختاره.

ولك أنْ تستند هنا إلى مجرَّد الشكّ أيضاً وعَدَمُ الإطلاق، وتجعل ما ذكرناه منشأً للشكّ.

هذا كله مع تساوي المعدول إليه مع المعدول عنه، وأمّا مع أعلميّة المعدول إليه فيجبُ العدولُ إليه بناءً على وجوبِ تقليد الأعلم، على ما يأتي إنْ شاء الله.

المسألة الثانية عشر: يجبُ تقليدُ الأعلم مع الإمكان على الأحوط، ويجبُ الفحصُ عنه.

لا إشكال في أنَّ النزاعَ في هذه المسألة في ما تقتضيه الأدلَّةُ الشرعيّة، فلا ينتفع به المقلّد إلاّ بَعْدَ رُجوعِهِ إلى المجتهد الذي استنبط الحكم، ورجع إلى تلك الأدلّة، وأمّا حُكْمُ المقلّد ابتداءً قبلَ أن يكون تكليفه الرّجوع إلى المجتهد فينحصرُ: إمّا في الاجتهاد واستقلال عقلِهِ بشيءٍ من تعيّن الرجوع إلى الأعلم أو التخيير، وإمّا في الأخذ بالقدر المتيقَّن الذي يكونُ مُبرء له يقيناً، وليس هو إلاّ الأعلم.

وبالجُمْلَةِ تكليفُ المقلِّد ابتداءً ليسَ إلاّ الأخذُ بالحائطة إلاّ أنْ يستقِلّ عقله بكفاية غيره، فإذا رجع إلى الأعلم الأفقَهِ الذي فَرَضْنَاهُ المتيقَّنْ رَجَعَ الأعلمُ إلى مقتضيات الأدلّة، فإنْ استفادَ التخيير أفتى له بذلك، وإلاّ تعيّن عليه الاستدامة على تقليد الأعلم، وحينئذٍ فأمكن لنا أنْ نقول: تكليف المقلِّدِ الرّجوعَ إلى الأعلم عقلاً من غير خلاف، فإنْ أفتى الأعلمُ بجواز الرُّجوع إلى غيره فهو، وإلاّ بقي على فتوى ذلك الأعلم.

وكيف كان فَقَدْ عَرَفْتَ أنَّ مُقتضَى الأصل الأوّلي عَدَمُ حُجّية قولِ الغير إنْ لم يُفْد العلم، وهذا مما لا ينبغي الاشكال فيه، وإنّما الاشكال في أنّ ما دَلَّ على جوازِ الرُّجوعِ إلى الغير هَلْ لهُ إطلاقٌ شامِلٌ له حتّى لو كان فتواهُ مخالفاً لفتوى الأعلم منه أم لا؟ وعلى تقدير عدم الإطلاق هل يكون مُقتضى بعض الأدلّة من العقل والنقل عَدَم وجوبِ الاقتصار على فتوى الأعلم وجواز الرجوع إلى غيره من قبيل دليل العسر والحرج أم لا؟

فلنا مقامان من الكلام بعد الفراغ عن تأسيس الأصل الأوّلي:

المقام الأول: في بيانِ إطلاقٍ يصحُّ الاتِّكالُ عليه في ذلك، ظاهرُ كلامِ جُلِّ الأكابر ممّن تأخّر عَدَمُهُ، بَلْ عَدَمُ إطلاقٍ يتكفَّلُ حالَ التقليدِ، فَضْلاً من أنْ يكونَ له إطلاق يشمل صُورَةَ الاختلاف والمعارضة، لكنَّ الإنصافَ وجود إطلاقٍ يقتضي جَوَازَ الرّجوع إلى المفضول في فَصْلِ الخُصوماتِ.

نظيرُ قولِهِ في خَبَرِ أبي خديجة: (ولكن انظروا إلى رجلٍ منكم يَعْلَمُ شيئاً من قَضَايانا) ([25])، فإنَّ ظهوره في كفايةِ معرفة المرجوع إليه شيئاً من قضاياهم وعدم اعتبار أزيد من ذلك، وإنَّ ما ذكر أقل ما يعتبر في المرجوع إليه واضحٌ غيرُ قابلٍ الإنكار.

وفي خبره الآخر: (اجعلوا بينكم رجلاً ممن عَرَفَ حلالنا وحرامنا فإنّي قد جَعَلْتُهُ حاكماً)([26]).

وفي مقبولة ابن حنظلة: (انظروا إلى مَنْ كانَ منكم قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا) إلى أنْ قال السائل: (فإنْ كانَ كُلُّ رجلٍ اختار رَجُلاً من أصحابنا واختلفا فيما حَكَمَا وكلاهما اختلفا في حديثكم) فقال: (الحكمُ ما حَكَمَ به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث)([27]).

وفي خبر داود بن الحصين: (في رجلين اتفقا على عدلين جعلاهما بينهما في حكم) إلى قوله: (واختلف العدلان بينهما، عن قول أيِّهِما يمضي فقال: (ينظر إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا وأورعهما)([28]).

ومثلها غيرها، فإنّها حتّى الأخيرة المبينّة لحُكْمِ المعارضة ناطقة بتقرير الرُجوع إلى غير الأعلم، مع وجود الأعلم، وإنَّ الرّجوع إليه لم يكن أمراً ممنوعاً.

لا يقال: مفاد أمر الترجيح الرّدع عن الرجوع إلى غير الأعلم؛ إذ أيُّ رَدْعٍ أعظم من قوله في جملةٍ منها (فينفذ حكمه (يعني الأعلم) ولا يلتف إلى ما حكم به الآخر)([29]).

لأنّا نقول: هذا محمولٌ على الطَّرح في مقام المعارضة مع الحُجيّة الطبعية، ولذا ضَمَّ في بعضها إلى الأعلميّة الأورعية، وجَعَل الترجيح بالأعلمية في سياق الترجيح بموافقة العامة وغيرها مما لاشكَّ في اعتبارها في مقام الترجيح دون أصل الحجيّة.

وبالجملة مقتضى هذه الجملة حُجّية حُكْمِ غيرِ الأعلم وفتواه، إلا إذا عارَضَهُ حُكْمُ الأعلم فلا يُنتقل إليه ويُقدَّمُ الأعلم.

إنْ قلتَ: سَلَّمْنا لكنَّ هذه الرّوايات كُلّها وارِدَةٌ في مَقَامِ الحُكومَةِ ولا رَبْطَ لها في مسألةِ الفتوى، وغيرها واردة في مقام قبول الرواية، ولا يستفاد من شيءٍ منها حكمُ الرُّجوع في الفتوى.

قلت:

أوّلاً: المنازعة في الدّين أو الميراث الواردة في المقبولة لا تختصُّ بالمنازعة في خُصوصِ الشُّبُهاتِ الموضوعيّة، بل يَشملُ المنازعة من جهة الشّبهة الحُكميّة، فيكون الأمرُ بالرّجوع إلى رَجُلٍ من أصحابنا الرُّجُوعُ اليهِ في الفتوى.

وثانياً: المراجَعَةُ في الحُكْمِ تُلازِمُ الرّجوع في الفتوى؛ لأنَّه يَحْكُمُ عن فتواه بما استنبطه في بابِ الدَّعاوي، بل وعن فتواه في حكم المسألةِ، فيحكم بنفوذِ بيع العصير المغلّي تارة، والمائع الملاقي لبعضِ الأطرافِ الأخرى، والأمرُ بنفوذ حكمه ذلك تنفيذ لفتواه وتقرير؛ لأنَّ ما استنبطه من العَدْلِ والقسط وما أثر([30]) لي إليه فما المانع من الأخذ به، نعم مقتضى الطائفة الأخيرة سقوطُ حُكْمِ غير الأعلم عندَ المعارضة، بل نَفْسُ الأدلّة أيضاً لا إطلاقَ لها لصورة المعارضة، كما في أدلّة سائر الطرق والأمارات، ففي حُكْمِ المعارضة إمّا يرجع إلى حكم العقل من الأخذ بالقَدْر المتيقَّن أو ما يُستَفَادُ من هذِهِ الأخبار من طَرْحِ حُكْمِ غير الأعلم، والأخذ بالأعلم وكلاهما واحد.

ودعوى أنَّ الأخبارَ المزبورة وارِدَةٌ في مَقَامِ الحكومة فلا يَعُمُّ ما نَحْنُ فيه.

مَرَّ ما قد عَرَفْتَ الجوابَ عنها من أنّها مطلَقَةٌ شاملةٌ لصورة المعارضة في الشبهة الحكمية، التي يرجع فيها إليهم؛ لأخذ الفتوى، وأنّ الرجوع في الحكومة يلازم الرجوع في الفتوى، ولذا بَعْدَ فرضِ تساويهما أمَرَ الأمامُ  عليه السلام  بترجيح مدرك حكمهما.

نعم المعارضة في الحكم تبتنى على الرّجوعِ والمحاكمة وصدور الحكم، وفي الفتوى يحصل بنفس اختلافهما في الفتوى وإنْ لم يرجع إليهما أو إلى أحدهما، ولذا قيّدنا وجوبَ تقليد الأعلم بما إذا خَالَفَ غيره في الفتوى، بل مجرَّد المخالفة في الفتوى أيضاً ما لم يكن فيما هو مَحَلُّ ابتلاءِ المقلّد لا يَضُرُّ في حُجّية فتوى غير الأعلم.

هذا كله الكلام في المقام الاول.

وأمّا المقامُ الثّاني: وهو وجود ما يقتضي الرجوع إلى غير الأعلم أيضاً ولو مع عدم الإطلاق، كأدلّة العُسْرِ والحرج والاختلال، وأشباهها، فليس الكلام فيه بمهمّ، فالإنصاف أنَّ مع الإطلاق لا دليلَ على حُجيّة فتوى غير الأعلم، ومع الإطلاق تسقَط فتواه مع المعارضة في ما هو محلُّ الابتلاء.

ومن هنا ظهر أنّ وجودَ الأعلم المخالِفِ منْ قبيلِ المانع عن اعتبارِ فتوى غير الأعلم، لا أنّ الأعلميّةَ شَرْطُ حُجّيّتِه.

المسألة الثالثة عشر: إذا كانَ هناكَ مُجتهدان متساويان في الفضيلة يَتخيَّرُ بينهما، إلاّ إذا كانَ أحدُهُما أورع فيختارُ الأورع.

أمّا بناءً على ما اسَّسناه في محلِّه خِلافاً لشيخنا الأكبر ولجلِّ الأساتذة من أنَّ الأصل في تعارُضِ الطَّريقين التخيير فواضِحٌ؛ إذ لا يخلو أمْرُ الفتوى من كونِ حُجيّتِهِ من بابِ السَّببية أو الطريقيّة ومقتضى الأصل في كل منهما التخيير عند التعارض.

وأمّا بناءً على ما عليه شيخُنا الأكبر([31]) منِ كون الأصلِ في تعارُضِ الطَّريقين التساقط([32])، فيشكُلُ الأمرُ فيما نحنُ فيه، بناءً على كون حُجيّتها من باب الطريقية، فإنَّ مقتضى تساقطهما رجوعُ المقلِّد إلى الاحتياط في المسألة والأخذ بأحوط القولين لو كان، وإلا فالاحتياط بالتّكرار؛ لأنّ سقوطَ الطَّريقين إنّما هو في خُصوصِ ما يتعارضان، وأمّا فيما يجتمعان فلا تعارض بينهما، وحينئذٍ فوجوديهما ولو متعارضين رافعٌ للاحتياط الكلّي، وهذا ثمرةُ وجودِ الخبرين في البين.

وكيف كان ففتواهم بالتخيير هنا، مع بنائهم على أنّ الأصلَ في تعارُض الطَّريقين التساقُط يكشُف عن أنَّ المناطَ في حُجيّة الفَتوْى ليس مُجَرَّدُ الطريقيّة، بل هو مبني، على نحوٍ من الموضوعيّة، وهو يُنافي بعض ما مَرَّ منّا، بل وما رُبّما يستندون إليه في بابِ التقليد من أنَّ حُجيَّتَه من بابِ الرّجوع إلى أهلِ الخبرة، أو شبهِ الانسداد بالنسبة إلى المقلِّد، إلاّ أنْ تكون فتواهُم بالتخيير هنا من بابِ الإجماع على عدم وجوب الاحتياط على المقلّد في موارد الشبهات الحكميّة، فإنَّ مع هذا الإجماع يتعيَّنُ عليهِ الأخذ بأحدِ القولين؛ إذ لا طريقَ له غيرهما.

المسألة الرابعة عشر: إذا لم يكن للأعلم فتوى في مسألة من المسائل يجوزُ في تلك المسألةِ الأخذُ من غير الأعلم وإنْ أمكنْ الاحتياط.

إذ مع عدم الفتوى له كان وجوده في تلك المسألة كعدمه، بل يكونُ فيها أعلم؛ لأنَّه يدري وذاك لا يدري، إلاّ أنْ يقال: ان َّالتوقُّفَ لا يُنافي الأعلميّة لو لم يؤكّدها.

وكيف كان فبناءً على ما ذكرنا - من أنّ الفتوى المعارِضة من الأعلم من قبيل المانع عن حُجِيَّةُ فتوى غير الأعلَم - لم يكن لفتواه مع عدم الفتوى من الأعلم مانعٌ، بخلافِ ما لو جعلنا الأعلميّة شرطاً، فإنَّ مُقتضاهُ عَدَمُ حُجيّةِ فتواه ولو مع توقّف الأعلم في المسألة.

المسألة الخامسة عشر: إذا قَلَّدَ مُجتهداً كان يُجَوِّزُ البقاءَ على تقليدِ الميّت فَماتَ ذلك المجتهد لا يَجوزُ البقاءُ على تقليدِهِ في هذه المسألة، بل يَجبُ الرجوع إلى الحيّ الأعلم في جوازِ البقاءِ وعدمِه.

أمّا بناءً على ما اخترناهُ من اعتبار العمل في التقليد فواضحٌ؛ لأنّه تقليدٌ ابتدائي له؛ إذ لم يقلّده في هذه المسألة حتّى يُعَدّ بقاءً، بل ولم يدخل - أيّ: البقاء - في ما ابتلى به من المسائل في زمان حياته حتّى يتحقّق في مورده حكمٌ فرعيٌّ أو تصير حجّته فعلية فيستصحب ولو لم يصدُقْ عليه البقاءُ حسبما مرّ منّا من عدم ابتناءِ الجواز على صدق البقاء على التقليد.

وأمّا بناءً على ما ذكره المصنّف - من كونِه مجرَّد الالتزام ولو لم يَعْمَل بل ولو لم يبتلِ به المقلّد - فلأنه وإنْ كان يصدُقُ عليه البقاء على التقليد إلا أنَّ التّقليد في هذه المسألة غيرُ جائزٍ، بل يجبُ عليه أنْ يَجتهد في مسألةِ البقاءِ على التّقليدِ ويستقلّ به عقله، وإلاّ فتقليده في ذلك بتقليده دَوْريّ.

وبعبارةٍ أخرى: حال المقلِّد بعد موتِ مُجتهدِهِ كحَالِهِ قبل التقليد، فإنَّه يَجبُ عليهِ الأخذُ بالمتيقِّنْ، إلاّ أنْ يستقلَّ عقلُهُ بغيرِهِ والمتيقّن هو الحيّ الأعلم فيجبُ الرُّجوعُ إليه.

المسألة السادسة عشر([33]): عملُ الجاهل المقصِّرِ المقلِّد العامل بلا تقليد ولا اجتهاد.

أمّا أنْ يكونَ مُلتفتاً حينَ عَمَلِهِ إلى أنّه جَرَى على غير تكليفِهِ وأنّ ما يأتي بهِ لا يجوزُ الاجتزاءُ به في مقام الامتثال.

أو يكونُ غافلاً عن ذلك.

وعلى كُلِّ تقدير:

أمّا أنْ يكونَ العَمَلُ من العبادات، أمْ من المعاملات.

فإنْ كان العَمَلُ عِبادياً وكانَ مُلتفتاً لم يصحّ ولو كان المأتيُّ به مُطابقاً للواقع بفتوى مجتهدِهِ، بل ولو عَلِمَ بالمطابقة للواقع؛ لعدم تحقُّقِ شَرْطِ امتثاله، وهو التقرّب، بل لا يعقل كونُهُ مطابقاً للواقع مع فقدانِ شَرْطِ امتثاله، فما أتى به غير واجدٍ لشرطِ الامتثال وإنْ كانَ واجداً لسائر الأجزاء والشرائط.

وفي الصّور الثلاثة الأخر يصحُّ العَمَل إنْ وافق الواقع؛ لأنَّ المفروضَ تماميّتُهُ بحَسَبِ الأجزاء والشرائط المعتبرة في المأمور به، وتحقُّقُ شرط الامتثال فيه أيضاً؛ فلا وجه لعدم كفايته عبادياً كان أو معاملياً؛ لاتحاد مناطِ الإجزاء، ولعلَّ هذا الذي ذكرناه لا ينبغي الإشكال فيه وإنّما الإشكالُ في مقامين:

]المقام الأول[: في فساد عَمَلِ الجاهل الملتفت مُستنداً لعدمِ حُصولِ الامتثال والتقرّب.

الظاهر في أنّ مع الالتفات لا يُمكنُ تحقّق التقرُّب منه، مع ما فيه من الإشكال؛ لعدم المانع من التقرّب؛ لاحتمالِ الموافقة مع الواقع، فالعاملُ التّاركُ للتقليدِ والاجتهادِ والاحتياط لمّا يَحتَمِلُ أنْ يكونَ ما يأتي به مُوافقاً للواقع يَتَمَكّنُ من أنْ يأتي به برجاءِ ذلك، فكما أنَّ الإتيانَ كذلك مَعَ عَدَمِ التمكُّنِ تَقَرُّبٌ احتمالي فليكُنْ مع التمكُّن كذلك؛ لعدم تأثيرِ التمكُّنِ وعَدَمِهِ في ذلك حِسّاً.

والحاصل بعد أنْ الغي مدخلية الجزم بالأمر في تحقّق الإطاعة وبنينا على أنَّ الإتيان بداعي احتمال الأمر كافٍ لا وجه لقصرِ ذلك بغير المتمكّن، ولا مانع من تعميمهِ للمتمكّن أيضاً وإنْ كانَ ليس لَهُ عَقْلاً الاكتفاء بهذا النحو من الاتيان؛ لعدم حصول الأمن له، وإنّما يأتمن به غير المتمكن؛ لأنّه غاية ما يمكنه من الإطاعة، لكنَّ ذلك لا دَخْلَ له في الصّحّة على تقدير المطابقة وأنْ لا يبقى عليه سوى وزر التجرّي، بل لعلَّ هذا هو منشأ ما نراهُ من جملةٍ من العوام حيثُ يأتونَ بالعبادة فاقدةً للشرائط التي يُفتي بشرطيّتها مجتهدهم، ويتقرَّبون بما يأتون، فإنَّه غير ممكن إلا على الوجه الذي ذكرنا، بـأنْ يأتوا بالعبادة باحتمال أنْ لا يكونَ الشرطُ المفقودُ شرطاً في الواقع، وعليه فيكونُ عَمَلُهُم مبرّءاً عن الواقع على تقدير المطابقة وإنْ كان باقياً عليهم وزر التجرّي.

نعم يمكن أنْ يقال في المواردِ التّي كانَ مقتضى الأصول الشرعية كالمثال المذكور عدم الصّحة والمطابقة: إنّّ تعبّد الشَّرع بعدم كون المأتيّ موافقاً للمأمورِ به يمنعُ عن حصولِ الإطاعة، إذ لا معنى للتقرُّب بما كان في حُكْمِ الشّارع غير مراد له، لكنّه إنْ تَمَّ فإنّما يتمّ للمُلتفت إلى هذا الأصل الجازم بصدورِهِ عن الشّرع، وإلاّ فإنْ احتمل عدمه أمكنَهُ التقرُّبُ برجاءِ عَدَمِ صُدورِ هذا الأصل من الشّرع، أو عَدَمِ كَونِ الموردِ من مَصَاديقِ الكُلِيّةِ الواردة عنه، وأمّا لغير الشّخص المزبور من العوام أو العالم بمقتضيات الأصول مع عدم الجزم بكونها من الشّرع والجازم المحتمل عَدَمَ انطباقها على المورد فبابُ الاطاعة واسعٌ؛ إذ له أنْ يأتي بالعمل متقرّباً فلو ألغى المصنّفُ  رحمه الله  التفصيلَ بالالتفات وغيره وقيل: (إنْ تأتّى من العامل قَصْدُ القربة صَحّ إنْ طابق الواقع وإلاّ فلا) كان أحسن.

ثمّ إنّ في المتن وإنْ لم يُشِرْ إلى الفرق بين المعاملات والعبادات إلاّ أنّه يظهر منه أنّ المناط مع قطع النظر عن شرائط الامتثال ليس إلاّ مطابقة الواقع، وعليه فما لا يعتبر فيه تحقّق الامتثال لا تُناطُ صِحّتُه إلا بذلك.

المقام الثاني: في أنّ المناط في موافقة الواقع الذي بنينا صِحَّة العَمَل عليه هل هو فتوى المجتهد حين العمل - يعني: المجتهد الذي كان وظيفته الرجوع إليه حين العمل - أو المجتهد الذي رجع إليه حين الالتفات، صريحُ المتن الثاني، ومدرك الوجهين:

إنّ المناطَ - بَعْدَ عدمِ الطّريق العَمَلي للواقعيات - هَل هي الواقعيّات؟ فيكونُ المخالف للطرق والأمارات مُتَجَرّياً محضاً إذا لم يخالف الواقع، أو أنَّ المناطَ خصوصُ مؤدّيات الأمارات والأصول؟ فعلى الثاني يراعى فتوى المجتهد الأوّل، وعلى الأوّل يرعى الثاني.

ويمكن أنْ يكتفي بكُلٍّ منهما بناءً على الإجزاء في الأوامر الظّاهرية:

إمّا مع موافقته للأوّل فلِمَا فُرِضَ من الإجزاء وكفاية الموافقة في صِحّةِ العَمَل (وتحقُّق التقليد).

وإمّا مع موافقة الثاني فلأنه لا معنى لقضاء ما أتى به على نحو ما أتى بهِ كمّاً وكيفا.

ولكن لمّا كانَ من المحتمل اعتبارُ الأخذِ والاستناد في تحقُّقِ الأمر الظّاهري جدّاً كانَ الأحوطُ مراعاةُ الموافقة لفتوى الثاني لعدم محلٍٍّ للإجزاء؛ لأنّ محلّه العَمَلُ المأتيّ بهِ على طبق الأمرِ الظّاهريّ، إذ لم يكن ما أثر به حينئذٍ موافقاً للأمر الظاهريّ؛ لعدم الاستناد والاعتماد.

المسألة السابعة عشر([34]):المراد مِن الأعلم مَنْ يكون أعرف بالقواعِدِ والمدارك للمسألة.

ليس لفظُ الأعلم بمعناه العرفيّ مَناطاً في المقام، حيث أنّ ظاهره العرفيّ كونٌ معلوماته أكثر، وليس هذا هو المناط، بل لم يَرِدْ في الشّرعِ الإناطَةُ بعنوانِ الأعلم، سوى قوله: (أنتم أعلم النّاس إذا فهمتم معاني كلامنا)([35])، وقوله في خبر داود بن حصين: (ينظُرُ إلى أفقههما وأعلمهما بأحاديثنا)([36])، وظاهرهما اعتبار الأعرفيّة بالقواعد والمدارك والأجودية في فهم الأخبار، وأمّا كثرةُ الاطلاع بالأشباه والنظائر فإنْ أوجبت الزيادة في ما ذكرنا فهو، وإلاّ فلا دليل على دخله، ولعلَّ جعله دخيلاً من جهة لفظ (الأفقه) المجعول في الخبر مُرادِفاً للأعلميّة، حيثُ أنّ ظاهر الأفقهية كثرةُ الاطلاع على المسائل.

المسألة الثامنة عشر: الأحوط عدمُ تقليد المفضول حتّى في المسألةِ التي توافق فتواه فتوى الفاضل([37]).

لعلّ منشأ هذا الاحتياط ما اعتبَرَهُ في التقليد من الالتزام بالعمل، فإذا التزم بالعمل على طبق فتوى المفضول فقد قَلَّدَ غيرَ الأعلم مع وجوده واعتمد على غير الحجّة، ولا يكفي مُجرَّدُ الموافقة مع فتوى الأعلم في الصحّة بل لو جعلنا الأعلميّة شرطاً في الحجيّة كان الاستناد إلى فتوى غير الأعلم مع وجود الأعلم تشريعاً مُحرّماً، لكنَّ مقتضى ما ذكرنا من كون مخالفة الأعلم من قبيل المانع وثبوتِ الحُجيّة الطبيعية لفتوى غير الأعلم فلا مانعَ من الاستناد إليه مع عدم المخالفة وإنْ كان هناك أعلمُ منه، بل على ما احتملناه من كفايةِ مجرَّد الموافقة في صِحّةِ العَمَل كانَ ذلك تقليداً لهما.

المسألة التاسعة عشر: لا يجوزُ تقليدُ غير المجتهد وإنْ كان من أهلِ العلم([38]).

لعدم الدّليل على حُجيَّة رأيه وقوله، والأصلُ حُرْمَةُ العَمَل بما وَرَاءَ العلم عَقْلاً ونقلاً وكتاباً وسُنَّةً وإجماعاً على ما هو المقرَّرُ في مَحَلِّهِ ومِنْهُ يَظْهَرُ الحكمُ في الفرعِ الثاني، وهو وجوبُ التقليد على غير المجتهد وإنْ كان عالماً عارفاً.

المسألة العشرون: يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني، كما إذا كان المقَّلدُ من أهل الخبرة،...([39])

لا أرى خُصوصيّةً لكونِ مَنْ حَصَلَ له العِلْمُ من أهل الخبرة بعد كون المناط علمُه باجتهاده من أين ما حَصَل، كما أنَّهُ لا وَجْهَ لجعلِ العِلْمِ الحاصل من الشّياع مُقابلاً له، فلو جُعِلَ العِلْمُ من طُرُقِ إثباتِ الاجتهاد من أين ما حَصَلَ كان أوفق.

نعم جعل الشّياع في هذا الباب حُجّة ولو لم يُفِدْ العِلْمُ مُطلقاً أو بشرطِ إفادَتِهِ الوثوق والاطمئنان، كما رُبَّما يُسْتَظْهَرُ من عموم قوله: (إذا شهد عندك المسلمون فصَدِّقْهم)([40]) في رواية اسماعيل بن أبي عبد الله  عليه السلام  كان للمقابلة عنده وجهاً.

كما أنَّ حُجيّةَ البيّنة في مقام إثبات الاجتهاد بل وغيرِهِ من الموضوعات رُبّما تُعَدُّ من ضروريات الفقه وإنْ لم يَقُمْ عليه دليل لفظي ولا اجماع منقول في غير باب الدَّعاوي، نعم قد يُدَّعَى ثبوتُ حُجيَّتِهِ بالاستقراءِ، وفيه أيضاً كلامٌ ذكرناه في محلّه.

والتحقيقُ أنّه يمكن استظهار حجيّتها المطلقة من بعضِ موارد الاستدلالاتِ الواقعة في الأخبار، حيثُ يُفْهَمُ منها أنّ كفايتها في مقام إثبات موردِها من المسلَّمات.

مثلاً قوله: (والأشياء كلُّها على هذا حتّى يستبين لكَ غيرُ ذلك أو تقوم به البينة)([41]) وإنْ لم يكن مشتملاً على عمومٍ أو تعليلِ يستفادُ منه عمومُ الحُجيّة في غيرِ موارد الحلِّ والحرمة إلاّ أنْ يستفاد من قوله: (أو تقوم به البينة) أنَّ ثبوتها بالبيّنة كثبوتِها بالاستبانة، من باب أنّها من طرق إثباتِ المشتبهات، وهكذا غيرها.

وعلى أيّ حالٍ فالحُجّيةُ مقصورَةٌ على موردِ الخُلوّ عن المعارضة، فلو قامت بيّنةٌ معارِضَةٌ سَقَطَتْ عن الحُجّية، كما في كُلِّ حُجَّة وطريقٍ قامت على حُجّيّتها الدليل، فضلاً عمَّا لم يَقُمْ على عمومِها دليلٌ كما فيما نحنُ فيه.

المسألة الواحدة والعشرون: إذا كانَ مُجتهدانِ لا يُمكِنُ تحصيلُ العِلْم بأعلميّةِ أحَدِهما ولا البيّنة،...([42])

إنْ عُلِمَ أنَّ احدهما أعلم لكن لم يَعْلَمْ التعيين، فمَعَ اختلافهما في الفتوى لا يَبْعُدْ وجوبُ الاحتياط؛ لعَدَمِ الدّليل على حُجيّة الظنّ في هذهِ المسألة كما سيجيء إنْ شاءَ الله.

نعم إنْ لم يعلم أعلميّة أحدَهُما واحتمل تساويهما، لكن يظنّ الاعلمية في أحدهما أو يحتملها في أحدهما دون الآخر، بأنْ يعلم أنهما إمّا متساويان أو هذا أعلم، فهل يجب ترجيح مظنون الاعلمية، بل ومحتملها، أو لا يجب فيتخير، وجوهٌ، ثالثها التفصيلُ بين مظنون الأعلمية فيقدَّم دون محتملِ الاعلمية.

والتحقيق: ابتناءُ المسألة على ما مرَّ سابقاً من أنّ الأعلمية شرطٌ لصحّة المراجعة والحجية، أو أنّ فتوى الأعلم مانعة عن حجية قول غيره فعلاً، فعلى الاول يتعيّن الأخذ بمحتمل الأعلمية فضلاً عن مظنونها، لأنَّ احتمال أعلمية أحدهما لا يجري في الآخر يُساوق احتمالَ عدم حُجية قول الآخر، فيكون قوله مشكوكُ الحجية، وقولُ محتمل الأعلمية معلومُ الحجية، ومن المعلوم أنَّ مشكوك الحجية ساقط الحجية.

اللهم إلا أنْ يكونَ هناك أصلٌ ينفي أعلميته، كأنْ كان مسبوقاً بالمفضولية أو التساوي فيستصحب ذلك فيه.

إلا أن يقال: استصحاب مفضولية الآخر أو مساواته لا ينفع بعد أنْ كان المعتبر في الحجية الأعلمية، نعم لو كان مسبوقاً بالأعلمية كان الأصل نافعاً.

هذا بخلاف ما لو بنينا على أنّ فتوى الأعلم مانعٌ يمنع عن حجية فتوى غيره، فإنَّ استصحاب عدم صدور فتوى من الأعلم منه مخالفة لفتواه يجري بلا ارتياب، بل ربّما كان لاستصحاب عدم أعلميته إنْ كان مسبوقاً به وجهٌ سالم عمّا أوردنا عليه آنفاً.

المسألة الثانية والعشرون: يُشْتَرَطُ في المجتهدِ أمور...([43])، أَنْهاها في المتن إلى أحَدَ عشر.

لا يخفى أنَّ الأصلَ في هذهِ الشّروط ومَحلّ التَّعُّرضِ لها في كَلامِ الفُقَهَاءِ هو عندَ ذِكْرهِم لشُروطِ القَضَاء بانينَ على أنّ ما كانَ شرطاً في الحاكم هو شَرْطٌ في المفتي مع ما في هذه الملازمة من الإشكالِ؛ لِعَدَمِ دَليلٍ عليها.

نعم لا يَبْعُدُ العَكْسُ نَظَراً إلى استلزامِ القَضاءِ للفتوى دونَ العكس، مع أنّ فيه أيضاً منعاً، بناءً على جَوَازِ القَضَاءِ بفتوى الغير.

فمَا ذَكَروهُ سَنَداً للشّروطِ المزبورَةِ في بابِ القَضَاء([44]) لو تمّ لم يدلّ على شرطّيتها في بابِ الفتوى، مع أنَّ هناكَ لمْ يُُقيموا دَليلاً وافياً، الا على بعضِها بالإجماعِ والآخر بقيَ خالياً عن الدّليل.

نعم بناءً على كونِ الدَّليلِ على أصلِ التّقليد الإجماع، وكونُه القدُر المتيقّن من طرقٍ تعرَّضَ الجاهلُ للامتثال كانَ مُجرّدَ الخلافِ قادحاً في الحجية.

وكيف كانَ فَقَدْ سَبَقَ تمامُ الكَلامِ في اشتراطِ الحياة والأعلمية، كما أنّ شرطية الإيمان والعَدَالة والعقل أيضاً لا يَحْتَاجُ إلى بيانِ دليلٍ.

نعم شرطُ الرّجوليّة والحرّية وإطلاق الاجتهاد والبلوغ محتاجٌ إلى بيانِ السَّند المفقودِ في الحريّة، وإطلاقُ الاجتهادِ بل والرّجولية والبلوغ غيرُ الانصراف المسلّم في الأخيرين الممنوعِ في الأوّلين، إلاّ أنَّ المستفادَ من حديثِ رَفْعِ القلم عن الصَّبيّ([45]) وعدم نفوذ أمرهِ وِأنَّ عمدَه خطأ([46]) عدمُ الاعتدادِ بفتواه، كما رُبّما يدلُّ ما دلَّ على عدمِ الاعتداد بشهادتهِ عِلى عدمِ الاعتدادِ بفتواه بالأولويّة، كما أنَّ الأمرَ بالرّجوع إلى مَنْ عَرَفَ شيئاً من قَضَايانا نصٌّ أو ظاهرٌ في جَوَازِ الرُّجوعِ إلى المتجزّي المستلزم لحُجّيةِ فتواه.

فالإنصافُ أنّ شَرْطَ الرّجولية والحرّية وإطلاق الاجتهاد لا دليلَ عليه، إلا أنْ يجعلَ نفسُ الشكِِّّ سبباً لسُقوطِ الحُجّية فلاحِظْ، ومن جميع ذلك تُحيطُ خُبْراً بما في اشتراطِ طَهَارَةِ المولِد، نَعَم يمكن استظهارُ الشَّرْطِ الأخير من المرويِّ عن تفسير العسكري  عليه السلام  مع ما فيه دلالةً وسندا([47]).

المسألة الثالثة والعشرون: العدالةُ عبارةٌ عن ملكةِ اتيانِ الواجباتِ وتركِ المحرّمات،...([48]) ظاهره أنّها عبارةٌ عن المَلَكَةِ المجرَّدَةِ، دُونَ الملازَمَةِ للترك والفعل المزبورين، وشيخنا الأكبر في رسالته مَنَعَ عن كونِ القولِ بأنَّها مُجرَّد الملكة من أقوالِ المسألة، بل أرجعَهُ إلى اعتبارِ العَمَلِ والملكَة جَمْعَاً قائلاً: (إنَّهم متّفقون على أنّها تزولُ بارتكاب الكبيرة، ويحدُثُ الفِسْقُ الذي هو ضِدُّها، وحينئذٍ فإمّا أنْ تبقى الملكة أو تزول، فإنْ بقيتْ ثَبَتَ اعتبارُ الاجتناب الفعليّ في العدالة، وإنْ زالت ثَبَتَ ملازمةُ الملكة للاجتنابِ الفعليّّ)([49]).

ويؤيّده أنّهم فَسَّرُوها: (بالملكة الباعِثَةِ على مُلازَمَةِ التّقوى)([50]).

وظاهره الملازَمَةُ الفعليّة، فَمَعَ الانفكاكِ تزولُ الخصوصّيةُ المعتَبَرُ في الملكة المفسّرة بها العَدَالة وعلى هذا لو عَبَّرَ المصنّفُ بما في كلامهم من توصيفِ الملكة بالملازمة كان أولى.

هذا مُضَافاً إلى عَدَمِ مُسَاعَدَةِ الدّليل على كونِها عبارة عن نفس الملكَة كما سيأتي، واحتمالُ أنَّ الملَكَةَ ملازمة لاجتنابِ الخارجيّ فلا يُحتَاجُ إلى التوصيف ضعيفُ جّداً، ولَعَلّ مُراد المصّنف أيضاً الملكة الملازمة، وإنّما تَرَكَ التّوصيفَ مُسَامًحةً، وهو أيضاً بعيدٌ، مع أنّه عبر بنفسِ هذه العبارة في تفسير العدالة فيما سيأتي من مسائل الجماعة، ولعلَّ مختاره كونها عبارة عن نفس الملكة المجرّدة عن القيد، وحينئذٍ فلا كلام لنا معه إلاّ في المدرك.

وعلى أيَّ حالٍ فليستْ هي نفسُ (الاجتنابِ عن المحرّمات وإتيانِ الواجبات)([51]) من غير اعتبارِ كونها عن ملكًة، كما هو القول الآخر، ولا (نفسُ عدم ظهورِ الفسق أو ظهورِ الإسلام)([52])، كما قد ينسب إلى بعضٍ، وإنْ كان في غير محلِّه.

وكيف كان فمَدْرَكُ الأقوالِ المزبورة صحيحةُ ابن أبي يَعفور بعد أنْ سأل: بمَ تُعْرَفُ عدالةُ الرّجُلِ بَينَ المسلمين حتّى تُقْبَل شهادَتُه لهم وعليهم؟ قال  عليه السلام : (بأنْ يعرفوه بالسَّتر والعَفْافِ وكفّ البطن والفرج واليدِ واللّسان، وتُعْرَفُ باجتنابِ الكبائر التي أوعدَ اللهُ عليها النار)([53]).

فإنْ السّتر والعفاف بل وكفّ البطن ليس عبارة عن مجرَّد افعالٍ وتروك، بل هيََ مع الصّفة النَّفْسَانّية، والحالة الروحية، فلا تكونُ طريقاً إلى العَدَالة، سواء جُعِلَتْ العَدَالةُ عبارةً عن الأمرين أو أحدهما؛ إذْ على الأوّل هو عينُهُ وعلى الأخيرين يكون المذُّكور العدالةَ وزيادة، فلا يمكن أنْ يُجْعَلَ طريقاً إليها فتعيَّنَ أنْ تكونَ هذه الفقرة عين العدالة، وحينئذٍ فإنْ جَعْلنَا السّؤال عن التّعريف المنطقيّ فهو، وإن جَعَلنَاهُ سؤالاً عن الطّريق والمعرّف العرفي كانَ بيانُ حقيقَتها تَفَضُّلاً من الإمام؛ للإشارة إلى أنّ الراوي يحقّهُ أولاً أنْ يسأل عن حقيقتهِ، ثُمَّ عن الطريق إليه.

ويمكنْ أنْ يكونَ قوله: (وتُعْرَفُ باجتنابِ الكبائر) طريقاً إلى حقيقةِ العَدَالة، ثمَّ يكونُ قوله: (والدليلُ على ذلك أنْ يكونَ ساتراً)([54]) دليلاً على الدليل.

والنتيجة: إنّ العدالة عبارة عن الأمر النفساني الملازمة لترك القبائح، والدليل عليه نفسُ تركِ المعاصي، ولمّا كانَ نفسُ تركِ المعاصي صَعْبٌ الاطلاع عليه جُعِلَ الطريقُ إليه السّتُر عن القبائح العرفية والاستحياء من الناس، ورُبَّما قيل: بأنَّ السؤالَ عن الطّريقِ، كَمَا هُو الظّاهِرُ منه، والجواب أيضاً عن الطريق، فيُجْعَلُ السَّتر والعفاف (الى آخره) عبارةً عن مجَّرد الملكة، ومَنْ جَعَلَ الملكةَ طريقاً يستكشفُ أنَّ العَدَالَةَ عبارةُ عن نفسِ الاجتناب.

كُلُّ ذلكَ محافظةً على ظاهرِ السّؤال من حيثُ كونه ظاهر في السّؤال عن الطّريق، وتحفّظاً على أنّ الجوابَ عن الحقيقةِ مُنَافٍ لظهورِ السّؤال في السّؤال عن مجّرد الطريق.

وفيه ما عرفت: من أنَّ كونَ السؤالِ ظاهراً في السّؤالِ عِن الطّريقِ لا ينافي اشتمالَ الجواب على بيان الحقيقة، نعم ينافيه عدم التعّرض للطريق أصلاً.

مضافاً إلى أنَّ حَمْلَ السّتر والعفافِ على مجرّد الملكة خلافُ الظاهر جّداً، وأبعدُ منه جَعْلُ الملكة الستر - وهي أمرٌ نفساني خفي - طريقاً على العمل.

وأعْجَبُ منه أنّ شيخنا الأكبر استبعد ذلك - يعني: جَعْلُ الملكةِ طريقاً إلى العمل - بأنَّ طريقيتها للعمل أمرٌ عرفيٌ ظاهرٌ غيرُ مُحتاجٍ إلى السؤال والجواب([55]).

وكيف كان فممّا يُبَعَّدُ ما ذكره القائل أنّه لا يبقى بعد ذلك موقعٌ لقوله:(وتُعْرَفُ باجتناب الكبائر)؛ إذ عليهِ يكونُ اجتناب الكبائر نفسُ
العدالة، فلا معنى لجعله طريقاً إلى الطّريق أو تتمّةً للطريق أو طريقاً مستقلاً
إلى العدالة.

فتلخَّصَ: أنَّ الظاهر من الصحيحة مدخلية الحالة النفسية في حقيقة العدالة، وقد عَرَفْتَ أنَّ كونَها عبارة عن مجرَّد تلك الحالة ليسَ من أقوال المسألة، فتكونُ عبارةً عن الحالةِ الرّادعة الملازمة.

مَعَ ما عَرَفْتَ من أنَّ السَّتَر والعفافَ إلى آخرها ليست مُجَّردَ الملكة، بل مَعَ العمل الخارجيّ مقّيداً أو مركباً، ولا ثمرةَ مهمّة في توضيح هذه الجهة، فلعلَّ المصنّف حيثُ جَعَلَ العَدَاَلَة عبارةً عن مجّرد الملكة حَمَلَ السّترَ والعَفَافَ على مجّردها، مع جعلِ السؤال سؤالاً عن حقيقةِ العدالة، أو ولو كان سؤالاً عن الطريق إليها؛ لعدم المنافاة بينه وبين الجواب عن الحقيقة.

بقي الكلامُ في ما يَظْهَرُ من تفسيرِهِ للعَدَالَةَ في بحثِ الجَمَاعةِ حيثُ أضافَ إلى ما هنا تركَ منافياتِ المروءة([56]) الدالةِ على عدمِ مُبالاةِ مرتكبها بالدّّين، الدالّّ على مدخليّةِ ترك منافيات المروءة في العدالة، كما هو أحدُ الأقوال في المسألة، ولم يعتبره من سَبَقَ عن العلاّمة([57]) وبعضهم اعتبَرهُ مُطلقاً([58])، وشيخُنا الاكبر([59]) أرجع تفصيل المصنِّف إلى القولِ بنفيهِ مُطلقاً؛ إذ هو تفصيلٌ في طريق الَعَدالَة، وإنّ ارتكابَ مثل هذه المنافيات الكاشف عن عدمِ المبالاة بالدّين يمنعُ عن كشفِ حُسْنِ الظاهر عن الملكة.

وكيفَ كان فما يُستظهر منه ذلك - يعني: اعتبار ترك منافيات المروّة في العدالة - فقرات من الصحيحةِ السَّابقة، حيثُ أنّ المرادَ من السّتر والعَفافِ والكفّ هو وجودُ حالةِ عفّةٍ في النّفس بها يقّدر الشَّخص على التّحفّظ عن القبائح مُطْلَقاً، إمّا أنّ المرادَ الحالة النفسانية فهو واضح، حيثُ عَرَفْتَ أنَّ المرادَ منها الملكةَ دونَ العمل الخارجّي، واما أنّ المراد الحالة الملازمة لترك مُطْلَقِ القبائح دُونَ خصوص الشرعية فللإطلاق، فالعدالَةُ هيَ عِفَّةُ النَّفس بحيثُ تُزَاحم الدّواعي الشَّهوانّية المحّركة إلى القبائح.

فلو كانَ للشَّخص هذهِ الحالة بحيثُ إذا دَعَتْهُ القُوى الشَّهوانّية إلى القبائح قابلها، وتحفَّظَ عن اليدِ واللّسان والبطن والفرج كانَ عادلاً، هذا بناءً على الإطلاق.

ولو قيل بالانصرافِ إلى خُصوصِ القبائح الشرعية كما يُفَسِّرُها بذلك مَنْ لا يُعْتَبَرُ التجّنُّب عن منافياتِ المروّة كانت العَدَالة عبارة عن خُصوصِ الحالة الرّادعة من الكبائر والإصرار على الصّغائر.

ومَنْ يعتبرُ ذلكَ في حُسْنِ الظّاهر يَجْعَلُ الفقرات الأولى منصرفةً إلى خُصوصِ القبائح الشرعية ويأخُذُ بإطلاقِ الفَقَرَةِ الأخيرةِ يعني قوله: (والدلالة على ذلكَ كلَّهِ أنْ يكونَ ساتراً لعيوبه) المفسَّر عند بعضهم([60]) بالاستحياء عن الناس، حيثُ يفسّر السّتر والعفاف في صَدْرِ الرّواية بالاستحياء عن اللهِ، وفي ذيلها بالاستحياء عن الناس.

ولعلَّ مثلَ المصنّف الذي يعتبر ترك بعض منافيات المروءة داخلاً في حقيقة العدالة يأخذُ بالوسط بين الإطلاق والانصراف.

قال: (وتعرفُ بحسن الظاهر الكاشف عنها علماً وظناً)، كونُ حسن الظاهر طريقاً إليها معتبراً في الجملة فلمثل قوله: (مَنْ عَامَلَ الناس فلم يظلمهم وحَدّثهم فلم يكذبهم) إلى قوله: (ممنّ حُرِّمَتْ غيبتُه وظهرت عدالته)([61])، وقوله: (مَنْ صَلىَّ الخَمْسَ في جماعةٍ فظُنُّوا بهِ كُلَّ خير)([62])، وقوله في الشاهد: (إذا كان ظاهره ظاهراً مأموناً جازت شهادته ولا يُسألُ عن باطنه)([63]).

بل ربّما يُستدَلُّ بها على أنّه نفسُ العدالة، أو أنها عبارةٌ عن نفسِ تَرْكِ المعاصي وفعل الواجبات، لكنّه لا يُعتنى به بعد وجودِ صحيحةِ ابن أبي يعفور المفسّر لها بالملكة، مع جَعْلِ حُسْنِ الظاهر بقوله: (والدلالة على ذلكَ كلِّهِ) معرّفاً لها فتكونُ هي بمنزلةِ الجامع بينهما المفسِّر لها، مُضافاً إلى قوله: (ظَهَرَتْ عدالته) بل قوله: (ظنّوا به كُلَّ خير)، فالعدالةُ أمرٌ واقعيٌّ وحُسنُ الظاهر طريقٌ اليها، فيكونُ ما ذُكِرَ من الأخبارِ بمنزلَةِ الفقرةِ الأخيرةِ من صحيحةِ ابن أبي يعفور.

وهل هو طريقٌ إذا أفادَ الظنّ والوثوق أو مطلقاً ولو لم يفد ذلك؟ ظاهرُ الأخبار الماضية الثاني، وظاهرُ ما دَلَّ على اعتبار الوثوق مثل قوله: [مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء]([64])، و(لا تُصَلِّ إلاّ خَلْفَ مَنْ تثِقُ بدينِهِ وأمانته)([65]) الاول.

ويمكن حَمْلُ الأدلّةِ على الغالبِ من إفادَة الظنّ والوثوق، وعلى فرض التعارض فالنتيجةُ عَدَمُ الطريقية مع عدم الظنّ.

وتَثبُتُ ايضاً([66]) بالعلم من أينما حَصَلَ، والبيّنة الغير المعارضة، والشّياع المفيدُ للعلم، بل ولو لم يُفِده؛ لعَدِّ الشَّهَادَةِ من الأمور التي تُثْبِتُ لظاهر الحكم في الرواية التي يُستدلُّ بها على ثبوت جُمْلَةٍ من الأَشياء بالشّياع، كالنَّسَب والوَقْف حَيثُ عَدَّ فيها الشَّهادة([67])، وفي بَعْضِ النُّسَخ (لظاهر الحال)، وليس المقامُ مَقامَ الكلامِ في ذلك، وإنْ كان الأقوى كفايةُ الشَّياعِ في ذلك إذا
أفادَ الوثوق.

المسألة الرابعة والعشرون: إذا عَرَضَ للمجتهدِ ما يُوجبُ فقدَه للشرائط يَجبُ على المقِّلد العدولُ إلى غيره.

لأنَّ ما كانَ شَرْطاً في ابتداءِ التقليد فهو شَرْطٌ في استمرارهِ غير الحياةِ على ما مَرَّ فبمُجَرَّدِ فَقْدِ الشّروط سَقَطَت فتواهُ عن الحُجّية ووَجَبَ تتبّع حُجّة أخرى.

المسألة الخامسة والعشرون: إذا قَلَّدَ مَنْ لم يَكُنْ جامعاً ومَضَى عليه زمنٌ كان كمَنْ لم يُقِّلد([68]).

فإنْ كانَ عارفاً مُلتفِتاً بَطَلَ عَمَلُه العِبادي، وإنْ كانَ غافلاً أو لم يكن العمل عبادياً كان تابعاً للواقع، والمناطُ في إحرازِ الواقعِ فتوى مُجْتَهِدِهِ يَعْني مَنْ كانَ يَجبُ عليهِ تقليدُهُ حينَ العَمَل أو حين الالتفات، وقد مَرَّ الكلامُ فيهِ في المسألةِ السّادسّة عَشَر.

المساْلة السّادسة والعشرون: إذا قَلَّدَ مَنْ يُحِّرمُ البقاءَ فمَاتَ فقَّلدَ من يجيزه بقي على تقليد الأول في غير مسألة تحريم البقاء([69]):

أمّا على ما ذكرنا من اعتبارِ العَمَلِ فِي التقليد فلأنّه تقليدٌ ابتدائي له، وأمّا بناءً على مذاق المصنّف من كفاية الالتزام في التقليد فلاستلزامه المحال؛ إذْ يلزَمُ من جوازِ تقليدهِ إياه في مَسألة حُرْمَةِ البقاءِ عَدَمُ جوازهِ، وِكُلُّ ما لَزِمَ من وجودِهِ عَدَمُه فهو باطل.

المسألة السابعة والعشرون: يجبُ على المكّلفِ العلمُ بأجزاءِ العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها،...([70]).

إذ بدونه([71]) لا يَحْصَلْ لهُ العلمُ بالبراءَةِ لاحتمالِ نَقْصِ المأتيّ بهِ عن المأمور به، بل لا يُعقل أنْ يدعو الأمرُ إلى ما لا يعلم كونه متعلقه، فيجب تحصيلُ العلم بمتعلّقه حتّى يتمكّنُ من إتيانه بداعيه.

نعم الدّليلُ الثاني إنّما ينفعُ إذا اعتبرنا الجزمَ في الإطاعة وداعويّة الأمر، وأمّا مع عدمه فلا مانع من إتيان ما يحتملُ كونُهُ المأمور به باحتمالِ كونهِ إيّاهُ.

نعم ليسَ للعقلِ تأمينُهُ عن العقابِ، وهو لازمٌ بمقتضى الاشتغال المعلوم.

وهل يكفي العلم الإجماليُّ باشتمالِ المأتيّ بهِ على الأجزاء والشرائط وإنْ لم يَعْلَمْ أنَّ كُلَّ ما يأتي بهِ لَهُ دَخْلٌ فيه؟ الأقوى كما في المتن نعم؛ لحصولِ العلم بالبراءة؛ لأنّ المفروضَ أنّه أتى بالمأمورِ به بداعي أمرِهِ، ولا يُعتبُر في الطّاعَةِ أزيدُ منه، لكن يجبُ تقييدُه بما إذا كانَ داعيه الأمر بتلك الأجزاء والشرائط المعلومة إجمالاً لا بجميع ما يأتي به، وهو ظاهر.

المسألة الثامنة والعشرون: يَجبُ تَعلُّمُ مسائلِ الشّكّ والسّهو بالمقدارِ الذي هو مَحَلُّ ابتلائه...([72])

لأنه([73]) مِن مُقدّماتِ امتثالِهِ؛ إذ بدونِهِ لا يتمكّنُ من الامتثال عند عروضِ السّهو والشكّ، والمفروضِ أنّه حينَ الإبتلاء الفعليّ بهما غيرُ متمكّن من التعلُّم؛ لأنّهُ مشغولٌ بالعَمَل، بل رُبّما يَضيقُ عليه وقت التعليم، بل لا يتمكّن إلاّ مع رفع اليدِ عن العَمَل مع احتمالِ حُرّمَتِهِ أو الجزم بِهِ، فيجبُ عليه التعلُّم بل مع الجهل بُحكْمِ ما لا يطمئنّ بعدمِ عروضه لا يطمئنّ بأنه متمكّن من إتمامه فلا يتمشَّى منه التقرُّبُ بهِ؛ لأنَّ الأمرَ لا يدعو إلى ما لا يقدر العبد عليه، ولا إلى ما لم يعلم القدرة عليه فيبطل بذلك عمله.

نعم لو اطمأنَّ أنّه لا يبتلي بالشكّ والسّهو صَحَّ عمَلُهُ وإنْ لَمْ يَعْلَمْ بأحكامهما فتعلَّم أحكام ما يبتلى به من السّهو، مضافاً إلى أنّه واجبٌ تكليفاً شَرْطٌ في صِحّةِ عمل لا يطمئن بخلوه عنه.

ولكن لقائلٍ أنْ يمنَعَ من وُجوبِهِ تكليفاً إلا بَعْدَ الإبتلاء إلا إذا عَلِمَ أنَّهُ حينَ الإبتلاء يَضيقُ وقتُه عن التعلُّم وعُلِمَ بالابتلاءِ أيضاً، وإلاّ فمَعَ عَدَمِ العِلْمِ بِهِ لا يجَبُ عليهِ ذلك؛ لِعَدمِ الدَّليل عليهِ، بلْ ولو عُلِمَ بالابتلاءِ بهِ في صَلاتِهِ إذا لم يَعْلَمْ بضيقِ الوَقْتِ عَنْهُ فإنّهُ بعد الابتلاء في الأثناء له أنْ يحتاطَ انْ تَمَكَّنَ، وإلاّ فله إتمامُ العَمَلِ بِرجائه.

ثمّ التعلُّمُ والإتيانُ بالوَظيفةِ فلا وجه لإيجابه تكليفاً، وأما وجوبهُ وَضْعاً من جِهَةِ مقدّميّتِهِ لصّحّةِ العَمَلِ فهو أيضاً ممكنُ المنع؛ إذ له أنْ يأتي بالعمل برجاء عدمِ الابتلاء والتمكُّنِ من الإتمامِ على حَسَبِ ما مَرَّ في الجاهل المقصِّر الملتفتِ العامل بما لا يعلم أنّه وظيفته، فإنّ الاتيانَ برجاءِ المطلوبية أو رجاء أنْ يتمكَّنَ من المطلوبِ من طرق الامتثال العقلائي.

نعم ما لم يَحْصَلْ له الجَزْمُ بإتيانِ المأمورِ بهِ لم يَكُنْ مأموناً من العقابِ، لكنَّه كلامٌ لا رَبْطَ لهُ بما نَحْنُ فيه.

وبالجملةِ لا دليلَ على كونِ التّعلُّم شَرْطاً لصِحَّةِ العَمَلِ إِلاّ دَعْوَى عَدَم تَمَشّي الإطاعة والامتثالِ بدونه، وهو ممنوعٌ ومنه يَظْهَرُ وَجْهُ المنعِ عن وجوبهِ تكليفاً، اللَّهُمّ إلا أنْ يكونَ إجماعٌ.

المسألة التاسعة والعشرون: كما يَجبُ التّقليدُ في الواجباتِ والمحرَّماتِ يَجبُ في المستحّبات والمكروهات والمباحات...([74])

يعني: لا يختصُّ بالفرائض والمحرّمات بتوهُّمِ أنَّها أمورٌ إلزاميةٌ يَجبُ تحصيلُ البراءَةِ فيها، وأمّا المستحبّات والمكروهات والمباحات فلا إلزام بالنسبة إليها، فلا يجبُ التقليدُ فيها، وذلك لأنَّ كونَ الشيء مُستَحَبّاً أو مكْرُوهاً أو مُباحاً لا يُعْلم من دونِ التقليد، بل لا يجوز ارتكابُ شيءٍ من العادّيات أيضاً الاّ بعد الرُّجوعِ إلى المجتهدِ وتعلُّم حُكْمِه، والاّ فمَعَ عِلْمِهِ ولو إجمالاً بالإلزامات فعلاً أو تركاً لا يجوزُ التعرُّضُ فعلاً وتركاً لشيءٍ من دونِ التقليد، بل لو عَلِمَ استحبابَ شيءٍ وجَهِلَ بَعْضَ كيفيّاته وَجَبَ التقليدُ فيه شرطاً، وإلاّ لم يَكُنْ له الإتيانُ بهِ بعنوانِ الاستحباب وإنْ جَازَ له ذلك رجاءً، وكذا في ترك المكروه إنْ كان عبادياً.

نعم في المباحاتِ وغير الإلزامياتِ من التوصّليات مع العلم بحكمها لا يَجبُ التقليد فيها، بل هو كذلك في كُلّ معلوم الحكم.

وبالجملة كُلُّ ما لم يُعْلَمْ حُكْمُهُ وَجَبَ أنْ يتعلَّمه بالتقليدِ إلاّ أنْ يستقلَّ عقلُهُ فيه.

المسألة الثلاثون: إذا علم أنَّ الفعلَ الفُلانيّ ليسَ بحرامٍ ولم يعلم حكمه..([75])

جازَ لَهُ فِعْلُهُ رَجَاءً، وإذا علم أنّه ليسَ بواجبٍ جَازَ له تركُهُ كذلك، أمّا مَعَ عَدَمِ كونهِ عِباديّا فواضِحٌ، بل ليسَ ذلكَ من التقليد؛ إذ اشتراكُ غير الحرامِ في جوازِ الفِعْلِ ضروريٌ، وكذا العَكْسُ يعني: اشتراكُ غيرِ الواجب في جواز الترك، وأمّا في العباداتِ فلأنّه من أفراد الاحتياطِ الذي مَرَّ جوازُهُ حتَّى مع التمكُّنِ من العِلمِ فضلاً عن الظنِّ التقليديّ.

المسألة الواحدة والثلاثين: إذا تَبَدَّلَ رأيُ المجتَهِدِ لا يجَوزُ للمُقلِّد البقاءُ على رأيهِ الأوّل.

لعدم كونِهِ حينئذٍ من فتاويه، والعَمَلُ بفتواهُ السَّابقُ لا وَجْهَ لهُ مع توقُّفِهِ وتردُّدِهِ فَضْلاً عن رُجوعِهِ إلى خلافِهِ.

ومنه يظهر حالُ المسألة الثانية والثلاثين([76]).

وحاصل الكلامِ فيهما أنَّ الفتوى التي يرجع إليها المقلِّد هي الفتوى الحالية للمجتهد لا فتواه السابقة، كيف! وليس ذاك من الرّجوع إلى العالم في علمهِ، كيف يكون ذلك وهو يُخطِّئُ نفسه في ذلك أو متردِّد ومتوقِّفٌ فيه، وحينئذٍ فيجبُ في الثاني الرجوع إلى غيره الأعلم، وفي الأوّل الرُّجوع إلى فتواه الثانية.

المسألة الثالثة والثلاثون: إذا كانَ هُناكَ مجتهدان متساويان في العلم كانَ للمقلِّدِ تقليد أيّهما شاءَ...([77])

مع عَدَمِ المعارَضَةِ، بِل في الحقيقة يكونُ تقليداً لهما، وأمّا مع المعارضة فقد عَرَفْتَ أنَّ مقتضى تعارض الطريقين عندهم تساقطهما وفرضهما كأنْ لم يَكُنْ إلاّ في عدم جواز الأخذ بما يخالفهما وعليه فيَجِبُ الأخذُ بأحوطِ القولين إن كانَ وإلاّ فالتخيير؛ للعلم بعدم تكليفهِ بِغيرهما، ولا يمكِنُهُ الجَمْعُ بينَهُما، فلا مَحيصَ له إلاّ مِنَ الأخذِ بأحدهما.

نعم بناءً على الموضوعية والسّببية، كما رُبَّما لا يكونُ بعيداً وإنْ كان ينافيه استدلالهم عليه بالرُّجوعِ إلى أهلِ الخبرة كان الحُكْمُ التخيير من أوّلِ الأمر، كما أنَّ مُقتَضَى ما ذَكَرْنَاهُ في محلِّهِ مِنْ أنّ الأصلَ في تعارض الطريقين التخيير ذلك أيضاً.

قوله: (ويجوز التبعيضُ في المسائل).

حَتَّى بالنّسبَةِ للعَمَلِ الوَاحِدِ على ما سيجيء إنْ شاء الله في المتن، فيجوزُ أنْ يقُلِّدَ أحدُهُما في وُجوبِ السَّورة والآخر في جَوازِ جَلْسَة الاستراحة، وهل يجوز ذلك حتّى إذا بَطَلَ مَجموعُ العَمَلِ على كلا القَولَينِ كأنْ كانت فتوى أحدهما على وجوبِ السُّورة وعدم وجوب الجلسة، وفتوى الأخر على العكس، فتركهما بفتواهما وقَلَّدَ كُلاًّ في ما يفتى بعدَمِ الوجوبِ دُونَ فتواهُ بالوُجوبِ فصلّى بلا سُورَةٍ وبلا جَلْسَةٍ أم لا؟

الأقوى الأوّل([78])؛ لأنَّ فسادَ الصَّلاةِ على فتوى كُلًّ منهما إنّما يَضُرُّ إنْ كانَ مقلّداً فيها، وأمّا إنْ قلَّد أحدهما في بعضها والآخر في البعض الآخر، ففتوى كُلًّ بفسادها مُستنداً إلى الجهة التّي ليس العاملُ مُقِّلداً لهُ فيها، مَثلاً مَنْ يقول بوجوبِ السّورة يُفتى بفسادِ الصَّلاة لخلوّها عنها، والمفروض أنّه لم يُقلِّدْهُ فيه فلا تضُّرهُ هذهِ الفتوى، وكذا فتوى الآخر بفسادها مُستنداً إلى فتواهُ بوجوبِ الجلسة، وهو لم يقلّده فيهِ أيضا.

نعم إنْ علم بفسَادِ صَلاتِهِ هذِهِ بحسبِ الواقع لعلْمِهِ بمطابقة فتوى أحدهما للواقع لم يَجُزْ له القناعة بها في مقام تحصيلِ البَراءَة، لكنّه لا رَبْطَ لهُ بالتبعيض، بل مع عِلمِهِ بوجوبِ أحدهما لا يجوز له تركهما حتَّى لو أفتى مُجتهدُهُ بعَدمِ وجوبهما، فهذا أجنبيٌ عن مسألتنا.

ودعوى- أنّ العمل الواحد يجبُ أنْ يكونَ مطابقاً لفتوى مجتهده يعني يَجبُ أنْ يكونَ له مجتهدٌ يُفتى بصحّةِ عَمَلِهِ أو فَسَادِهِ([79])- لا منشأ لها.

قوله: وإذا كانَ أحدُهُما أرجحُ من الآخر في العَدَالة أو الوَرَع فالأولى بل الأحوط اختياره.

وظاهره في ما مَضى في المسألة الثالثة عشر([80]) الفتوى بوجوبِ تقليدِ الأورع، وكيف كان فالمنقولُ من النّهاية والتهذيب والدّروس والذّكرى([81]) وغيرها وجوبُ الأخذ بالوَرَع؛ للأصل وبعض الأخبار، وإذا فُرِضَ تأثيرُ الأورَعيّة زيادةَ الوثاقة بملاحظة أنّها توجبُ أنّ يُتعب نظره أزيد ويُمعنُ في المطالب أكثر اقتضى تقديمها الدليلُ العقليّ الدالّ على رُجْحان الأعلم أيضا.

وإذا كان أحدُهما أعلم والآخر أورَعْ فهل يُقدَّم الأوّل، أو الثاني، أو يتخيّر؟ وجوهٌ، مقتضى القاعدة الاحتياطُ مع الإمكان، ومع عدمه التخيير.

أمّا الاحتياطُ فلاحتمالِ يقينِ أحدِهما، ومجَّرد كونِ مناطِ الاستفتاء في الأعلم آكد لا يوجبُ تقديمه مع وجودِ مناطٍ آخر في الأورع يُحتمل أنْ يوجبَ تقديمه؛ خصوصاً إذا أوجَبَ شّدةَ الوثاقةِ بفتواه.

المسألة الرابعة والثلاثون: إذا قلَّدَ مَنْ يقولُ بحُرْمَةِ العُدولِ حتَّى إلى الأعلم ثُمَّ وجِدَ أعلمُ من ذلك المجتهد...([82])

فهل يجب عليه العدولُ؛ لأنَّ المفروضَ وُجوبُ تقليدِ الأعلم ابتداءً واستمراراً، فإذا وُجِدَ أعلم زالَ منَاطُ الحُجيّة في غيره، فيجبُ عليه العدول، بل لا معنى للعدول حينئذٍ، فإنّه يبطلُ تقليدُهُ، وتسقُطُ حُجّية قوله.

أو أنّهُ يَحْرُمُ عليه ذلك؛ لأنّه قَلَّدَ المجتهدَ الأوّل، والرّجوع إلى الأعلم إنّما كانَ بمناطِ كونِهِ من المتيقَّنِ حُجّيّته، وهذا المناط قد زال في المقام بملاحظة استلزامه للعدول المحّرم، فيستصحب تقليده للأوّل.

أو أنّه يتخيّر لاشتمال كُلًّ مِنهُما على جهَةٍ مميّزةٍ لهُ عن صاحبه ولا ترجيح.

أو يحتاطُ مع التمكن ويتخيّر مع عَدَمِهِ.

وجوهٌ، أحوطُها بل أقواها الأخيرُ؛ لعَدَمِ مُرَجّحٍ لأحدِ الاحتمالَين على الآخر، فكما يحتملُ اختصاصُ حُرمةِ العُدولِ بغير ما إذا كانَ المعدولُ إليه أعلم كذلك يُحتمل اختصاصُ تقليدِ الأعلمِ في ما لم يستلزم العدول.

نعم إنْ مَنَعَ عن الإطلاقِ في دليلِ حُرْمَةِ العُدول وسلّم في دليل وجوبِ تقليدِ الأعلم كانَ مُراعاةُ الثّاني أولى ولعلّه كذلك؛ لأنَّ دليلَ حرمةِ العُدول: أمّا الأصلُ أو الإجماع، والثاني منتفٍ في مَحَلِّ الخلافِ، والأصلُ لا يعارض الدليل، ومنهُ يُعلَمُ أنّه لا نَفْعَ في استصحابِ حُجّيّةِ فَتْوى الأوّل أو وجوبِ تقليده أو الحكم الفرعيّ المطابق لفتواه، ولعلِّه لذلكَ جَعَلَ الأحوطَ في المتن العدول وإنْ كانَ الأخذُ بأحوطِ القولين بينهما أحوط، حسبما عرفت.

ثم إنَّ هذا كلّه إذا كان الأوّل يُحرِّمُ العُدولَ حتىَّ يكونَ العُدولُ إلى الأعلمِ محقِّقاً للعدول، وإلاّ فإنْ لم يكُنْ مفتياً بحرمة العدول لم يكن الرَّجوعُ إلى الثاني عُدولا.

وبعبارةٍ أُخرى: مسألةُ جوازِ العُدُولِ وعَدَمِهِ بَعْدَ أنْ كانت من المسائل الخلافية، ودار أمرها بين المحذورين؛ لكون المعدول إليه أعلم، نظير أصل مسألة التقليد، أو تقليد الأعلم، أو البقاء على تقليد الميّت، يجبُ أنْ يجتهد فيه المكلَّف، ويأخذ بما استقلّ به عقلُه فإنْ لم يستقل به عقلُه عليه أنْ يأخذ بالمتيقَّن الطريقية، فنقول:

إنْ كان المعدول إليه والمعدول عنه كلاهما قائلَيْنِ بجوازِ العُدول فلا إشكال؛ لأنهّ عليه كان العدول له من المتيقّن؛ إذ لا يخلو مرجعه من أنْ يكونَ أحدهما، وقد قالا بجواز العدول، فالعدولُ له مبرءٌ قطعاً، وكذا لو كان أحدهما متوقفاً والآخر قائلاً بالجواز؛ لأنَّ التوقف عبارةٌ عن عدم الفتوى فتعيّن عليه العدول أيضاً، وكذا إنْ كان أحدُهما يقولُ بالتخيير بين العدول وعدمه والآخر يعيّن أحدهما، فإنَّ الأخذ بما يعيّنه الآخر طريقُ الاحتياط، وأمّا إنْ كان أحدُهما يُعيِّنُ العُدول والآخر يمنعُهُ فلا متيقَّن في البين؛ لدورانِ أمرِهِ بين المحذورين، فيجبُ عليه الأخذ بأحوط القولين في الموارد.

ثمّ إنَّ ما ذكرنا حُكْمُ المسألةِ بحسب النّظر في الأدلّة، وأمّا المقلِّد فبعد أنْ لم يستقلّ عقلُهُ بشيءٍ يجبُ عليه الاحتياطُ أو الأخذُ بالمتيقّن ولا متيقّن في البين إذا اختلفا في الحرمة والوجوب.

نعم إنْ جَوّزاهُ معاً، أو حرّماه، أو أوجباه، أو جوَّزه أحدهما وأوجبه أو حرّمه الآخر أمكنَ الجمعُ بين فتواهما.

والحاصل لو أمكَنَهُ الجَمْعَ بين الفتويين كان ذلك أسلم له وإلاّ فيحتاط في المسألة الفرعية، ويأخذ بأحوطِ القولين، وإلاّ فليتخيّر بين العدول والبقاء.

ومن جميعِ ما ذكرنا ظهر أنّه لا وجهَ لعنوانِ المسألة بقوله: (إذا قلّد من يقولُ بحرمةِ العدول) بل الأولى أنْ يعنون: (إذا قَلَّد مُجتهداً ووجِدَ أعلمُ منه فالأحوطُ العُدولُ وإنْ كان الأوّل يحرّمه).

ثمّ إنَّ جَعْلَ العُدُولِ أحوطَ لَعَلَّهُ من أجلِ أنَّ قولَهُ بوُجوبِ تقليدِ الأعلم أيضاً من بابِ الاحتياط، وإلاّ فليسَ الُعدولُ أحوط من البقاء.

المسألة الخامسة والثلاثون: إذا قَلَّدَ شخصاً بتخيُّلِ أنّه زيدٌ فبانَ عَمْراً، فإنْ كانا متساويين في الفضيلة...([83])

أو كان عَمْراً أعلم صَحّ عملُهُ وتقليدُه ولو كان بعنوان التقيّد؛ لأنّ الفتوى التي أخذها فتوى صادرة عن أهلها جامعة لشرائط الأخذ، فلا وَجْهَ لعدمِ صِحةِ العَمَلِ عليها.

وُمَجرَّدُ البناءِ على أنَّ فتوى غيره لا تضر بصحّة العمل حتّى إذا كان الغيرُ غيرُ جامعٍ لشرائطِ جواز الأخذ بفتواه فضلاً عمَّا إذا كان جامعاً، غايةُ الأمر على الأوّل يكون مُتجّرياً؛ بل مُشَرِّعا، ولا يمنعُ شيءٌ منهما عن صحّة العمل إذا لم يضرّ بقصد القربة كما هو المفروض([84]).

المسألة السادسة والثلاثون: فتوى المجتهد تُعْلَمُ بأحد أمورٍ: الأوّل: أنْ يسمع منه شفاهاً...([85])

ولا يضُرّهُ كونُ دلالةِ ألفاظِهِ ظنّية؛ لثبوتِ حُجّيّتهِ ببناءِ العقلاء الممضى شرعاً، وأن يخبر بها عدلان ودلالة ألفاظهما ظنّية أيضاً غيرُ مُضِرًّ لما عرفت، وأمّا إخبار العدل الواحد بل وكُلُّ مَنْ يُوثَقُ بخبرِهِ فلا إشكال فيه أيضاً إنْ جعلنا نقل الفتوى من نقل الأحكام الشرعية، فيكونُ حالُ العَدْلِ الواحد حالَ العدل النّاقل عن الإمام  عليه السلام ، وحال الثقة حال الخبر الموثوقِ به المبنيّ على حُجّيته، وأمّا إنْ جعلناه من قبيل نقل الموضوعات، كما لعّله هو أقرب، ولا أقل من خروجه عن منصرف حُجّيّة أخبار الآحاد الناقلة عن الإمام  عليه السلام ، كما هو المتيّقن من جملة أدلّتها فكذلك لا إشكال في حُجّيّته؛ للسيرة القطعية الجاريَةِ بينَ المسلمين حيثُ يتلقونَ فتاوى المجتهدين من الثقاة.

ومنه يظهرُ الوَجْهُ في حُجّيّةِ كِتابَةِ الرِّسالة مع الأمن من الغلط، فانه ايضاً نَقْلٌ يُوثَقُ بصْدقِهِ، بل ولو لم يَكُنْ من بابِ الخبر أيضاً لجريانٍ السيرةِ على العمل بها من دون إنكار من مُنْكر.

المسألة السابعة والثلاثون: إذا قلَّد من ليس له أهليّة الفتوى... الخ([86])

فروعُ هذه المسألة قد أُشيَر إلى مَدْرَكهِا فيما مَضَى، بل ومضى نفسُ الفروع في المتن، فلا حاجة إلى تكرار وإعادة.

المسألة الثامنة والثلاثون: إنْ كانَ الأعْلَمُ مَنْحَصِراً في شخصين ولم يمكن التعيين، فإن امكَنَ الاحتياطُ...([87])

والجمْعُ بينَ فتواهُما احتاطَ، وإلاّ تخيّر؛ لأنّه لا يتمكَّنُ من الأخذ بفتوى الأعلم، فيسقط وجوبه؛ لأنّ وجوبَ تقليدِ الأعلم إنّما هو مع التمكُّن، ويسقُطُ مَعَ عَدَمِ التمكُّنِ، ككونه في مورد لا يتمكّن المقلّد من تعلم فتواه.

ولولا ما ذكرنا من سُقوطِ التّكليفِ بتقليدِ الأعلم وتعيُّنِهِ لم يكن وجهٌ للتخيير، لكنّه من بابِ اشتباهِ الحُجّة بغيرِ الُحجّة، نظير أنْ يعلَمَ باجتهادِ أحدِهِما ولا يتمكَّنُ من تعيُّنِهِ فإنّهُ لا وجه لاحتمال التخيير، وما نحنُ فيه أيضاً من هذا القبيل، فظهر أنَّ الفتوى بالتخيير مستندة إلى سقوط تعيّن الأعلم للطريقية، هذا كُّلهُ بناءً على كونِ الأعلميّة شرطاً لجواز التقليد، وأما بناءً على ما ذكرناه من كونِ صُدورِ الفتوى المخالِفِ من الأعلم مانعاً من جواز تقليد غيره فيمكن القول بالتخيير من أوّل الأمر يعني: حتّى إذا أمْكَنَ الاحتياطُ بالجمع، وذلك لأصالةِ عدمِ صُدورِ الفتوى المخالفة من أعلم من هذا الذي يأخذُ فتواه.

ودعوى أنّ الأصل المزبور يَجري في حَقّ كُلٍّ منهما مع العلم بكذب أحدهما؛ لأنَّ أحَدَ الفتويين فتوى مخالفة من أعلم من صاحبه بلا إشكال.

مدفوعةٌ بأنّه لا يَلزَمُ من جريانِ الأصلين مخالفةٌ عمليةٌ للواقع لو لم يجز التخيير الاستمراري مع تعدُّدِ المجتهدين المتساويين.

نعم إذا قُلنا بالتخيير الاستمراريّ هُناكَ كانَ مقتضى الأصلين هنا أيضاً ذلك، فتلزمُ مخالفة عملية للتكليف المعلوم.

المسألة التاسعة والثلاثون: إذا شكَّ في موتِ المجتهد أو في تبدُّل رأيهٍ أو عروضِ ما يُوجبُ عَدَمَ جواز تقليدِهِ...([88])

من فسقٍ أو جُنون أو وجودِ مَنْ هو أعلَمُ منه من أرباب الفتاوي يجوز له البقاء على تقليده بحكم الاستصحاب إلى أنْ يتبيّن له الحال، ولا يَجبُ عليه الفَحْصُ؛ لِعَدَمِ وجوبه في موارد الأصول الموضوعية، بل يجوزُ له ذلك - يعني: البقاء استصحاباً - حتّى لو شكّ في حياته وبقاء عدالته على تقدير الحياة، مع أنّه قد يُنَاقَشُ في الاستصحاب الثاني على هذا التقدير؛ لعدم إحراز الموضوع عِلماً، ولا يجوز إحرازه بالاستصحاب؛ إذ ليس من آثار بقاءِ حياته جوازُ استصحاب عدالته وعدم تبدل رأيه وبقاء عقله وهكذا، وليس الشكُّ في العدالة مُسَبَّبٌ عن الشكّ في الحياة حتّى يكفي عنه، وذلك لأنّه يكفي في الاستصحاب إحرازُ الموضوع على تقدير الحياة، فالعدالة على تقدير الحياة مستصحبة، ولا مانع منه، وما سَمِعْتَ من وجوب إحراز الموضوع في الاستصحاب لا يُرادُ منه أزيد من اتحادِ القضيّة المتيقّنة والمشكوكة، وهو حاصلٌ في الفرض.

وأضعفُ من التوهُّمِ المزبور ما يُمْكِنُ أنْ يتوهّمُ من أنّه لا أثَر لاستصحابِ الحياةِ عنَد الشكّ في الموتِ؛ لأن ترتُّبَ جوازِ التقليدِ وبقاءِ حُجّيةِ الرأي على الحياةِ عقليٌّ؛ ضرورةَ أنَّ زوالَ الّرأي بالموتِ من حُكْمِ العقل فيكونُ اشتراطُ الحياةِ فيه أيضاً منه فلا يترتَّبُ على استصحابه جوازُ تقليدِه أو حُجّيّة رأيه([89]).

فإنّه يندَفُع بضروريّة كونِهِ اشتراط الحياة في المجتهد شرعياً، وأنَّ التقليّد الابتدائي للميّتِ لا يجوزُ إجماعاً لا بملاحَظَةِ دليلِ العقل وعدم بقاءِ الرأي له بعد موتِهِ على تقدير تسليمه لا يمنع عن جواز الأخذِ برأيه السّابق، فيكونُ نظيُر الخبر، بل عَرَفْتَ انّه من أقسام الإخبار الحدسيّ، كما في غيرهٍ من أربابِ خبرة الصّنائع.

المسألةُ الأربعون: إذا عَلِمَ أنّه كانَ في عباداتِهِ بلا تقليدٍ مُدَّةً من الزَّمان...([90])

هذه المسألةُ تتضمن فروعاً أشير سابقاً إلى جُمْلَةٍ منها مَعَ مَدارِكِها.

الأوّلُ: إنْ عَمِلَ المكلَّفُ بلا تقليدٍ مدّةً من الزّمان، ثُمَّ عَلِمَ موافَقَتها للواقع أو للمجتهد الذي كان تكليفه الرّجوع إليه صَحَّتْ أعماله، وهذا مَرَّ الكلامُ فيه، ومَرَّ سابقاً أنّه إنّما يتمّ في غير العبادات، وفيها إنْ تحقَّقَ منه قصدُ القربة، كأنْ كان غافلاً حين العمل، وأما مع التفاته حينه فلا يصح منه وإن كان مِوافقاً للواقع، ولعلَّه لم يقيّد الحكم هنا اعتماداً على ما مَرَّ منه سابقاً، وإنْ لم يصحّ هذا الاعتماد في الرّسائل العلمية.

الثاني: إذا لم يعلم بًمطابَقَةِ عَمَلِهِ للواقع ولا لفتوى المجتهد وَجَبَ عليهِ قَضَاءُ أعمالِهِ السّابقة وإعادتها مع بقاءِ وقتها وهذا أيضاً مَرَّ الكَلامُ فيه.

الثالث: أنه إذا لم يعلم المقدار الذي كان عمله فيه بلا تقليدٍ، مثلاً لم يَعْلَمْ إنْ عَمِلَ بلا تقليدٍ صحيح خَمْس سنين أو أربع يجبُ عليهِ قضاءُ أعمالِهِ في المقدار المتيقّن، وهذا لا إشكال فيه مع عِلْمِهِ بمخالَفَتِهِ لفتوى مُجتهِدِه، وأمّا مع الشكّ في الموافقة والمخالفة، فهل هو كذلك يجب عليه الإعادة والقضاء، أو يمكن إجراء قاعدة الفراغ والتجاوز والشكّ بعد الوقت؟ وجهان، من إطلاق أدلّة تلك القواعد، ومن أنّ الظاهر منها جميعُها سَوْقُها لبيانِ عَدَمِ الالتفاتِ إلى احتمال النّسيان والسّهو، كما يُرْشِدُ إليه قوله: (لأنَّهُ حينَ ما يتوضّأ أذْكَرُ منه حينََ يَشُكُّ)([91])، فإنَّ ظاهره أنْ لغوية الشكّ بمناطِ الأذْكَريّة، فلا يُلْغَى بها الشكُّ في الصّحّة والفَسَاد، إذا لم يستندَ إلى الغَفْلَةِ، ولذا لم يعتمدوا على قاعِدَةِ الفَرَاغِ والتَّجاوُز في الطَّهارة في ما إذا عَلِمَ بأنّه لمْ يحرِّك خاتَمَهُ حينَ الغَسْل، وكانَ يصلُ الماءُ تحتَهُ تارةً ولا يصِلُ أخرى ويحتمل أنْ يكونَ هذه (المرّة) وَصَلَ الماء وأصعبُ منه ما إذا لم يَعْلَمْ بأنَّه قد يصل بأنْ احتَمَل؛ لأنّه لا يصلُ الماءُ تحتَهُ أبداً، ومنه ما إذا توضَّأ بأحدِ طَرَفَيْ الشُّبْهَةِ غَفْلَةً واحتَمَلَ أنّه صَادَفَ الماءَ الطّاهر اتفاقاً، وهذا أشْبَهُ ما نَحْنُ فيهِ فإنّ مثل ذلك لا يجري فيها أصالةُ الصّحّة والفراغ وإن لم تَقُلْ بأمَاريّتها فضلاً عَمَّا جعلناها أمارَةً، وحينئذٍ فُمقتضى القاعدة، يعني قاعدةَ الاشتغال وجوب القضاء.

إنْ قلت: هذا يتمُّ في ما إذا التفتَ في الوقتِ، وأما إذا التفتَ بعد الوقتِ فلا مجالَ للاشتغال؛ لأنَّ التكليف الموقّت قد ارتَفَعَ يقيناً إمّا بالامتثال وإمّا بالعصيان والقضاء بتكليفٍ جديد مشكوكٍ والأصل فيه البراءة.

قلت: يكفي في ثبوت القضاء تنجُّزُ التكليفِ في الوقتِ بُحكْمِ الاستصحاب وقاعدة الاشتغال.

إنْ قلتَ: احتمالُ وجود تكليفٍ في الوقت وإنْ أوْجَبَ الاحتياط بحكْمِ القاعدة والاستصحاب في الوقت إلا أنّه بعد الوقت يكون الشّكُّ في التكليفِ شكَّاً بَدْوياً مَجرىً لأصل البراءة.

قلتُ: إنْ فَرَضْنَا الأمرَ الاحتماليّ في الوقتِ مُنجّزاً فما يترتّبُ عليه من القضاءِ أيضاً يكونُ مُنجَّزاً، لأنهُ من الآثار الواقعيّة غير المنفكّةِ عنه، مثلاً بعد الاتيانِ بالمشكوك في الوقت لم يُعْلَمْ بالبراءة؛ لاحتمالِ كون ما أتى به مخالفاً للواقع فلا يُؤمِّنُ من العقاب؛ لأنَّ الاشتغال اليقينيّ يستدعي البراءة اليقينية بحكم العقل، ولازمُ ذلكَ أنْ يكونَ التكليفُ على تقديرِ وجودِهِ الواقعيّ مُنجّزاً غيرُ مرتفع، فإذا كان بوجوده الاحتمالي متنجّزاً كانَ فوته الاحتماليّ أيضاً منجّزا، فإذا احتملنا بقاءه في الوقتِ احتملنا وجوبَ القضاءِ، وكما أنَّ الاحتمالَ الأوّل مُصَحِّحٌ للعقاب كذلك الاحتمال الثاني؛ لكونه متفّرعاً عليه ومن آثاره، هذا.

مضافاً إلى أن نفس الأمر الظاهري بالفعل في الوقت بعد الإتيان بمشكوكِ الصّحة قد تنجز وفات فيجب قضاءه، هذا مضافاً إلى أن القضاء مرتب على نفس عدمِ الاتيان بفريضةِ الوقتِ الذي هو مُطابق للأصل، دون الأمر الوجوديّ المنَتَزعِ عن العَدَم على وجهٍ مخصوصٍ غيرِ الثابتِ بالأصل.

وبالجملة فمُقتضى القاعدةِ وجوب التّدارُكِ بالقَضَاء والإعادة وإنْ لم يعلم الموافَقَةَ للواقِعِ والمخالفة فضلاً عَمَّا إذا علِمَ المخالفة.

الرابع: إذا شكَّ في المقدار الذي كان عمله مخالفاً للواقع أو مشكوك المخالفة له يقتصر على المتبقِ في القضاء والتّدارك؛ لجريانِ أصالةِ الصّحّة في الزائد سواء شكَّ في الزّيادَةِ من حيثُ وقوعها عن تقليدٍ وعَدَمِهِ، مثلاً يعلم أنّ مقداراً من أوائل بُلوغِهِ كانَ بلا تقليدٍ، ويشُكُّ بينَ الأقلِّ والأكثرِ، والزّائدِ من الأقلّ يحتمل موافقته للتقليد فلا يجبُ عليه بالنسبة إليها شيءٌ، أو شكَّ في أصلِ الزّيادة، مثل أنْ يلتفت إلى حالِهِ وأنّه غيرُ مُقلِّد فرجع وقلَّد، وشَكَّ في أنّ المقدار الفائت من زمانه الذي لم يُقّلد فيه كم مقداره، فإنّه حينئذٍ لا يحتاج إلى أصالةِ الصّحّةِ، بل هذا شَكٌّ في المقدار الفائت أو المحتملِ الفوتِ بين الأقلّ والأكثر والمرْجِعُ في الزّيادَةِ أصالَةُ البراءة والفرقُ بين المسألتين واضح.

الخامس: إنّه يسَتَحَبُّ أنْ يقضي حتَّى يَعْلَمُ بالفَرَاغ ولَعَلَّ وجهَهُ فتوى المشهور على ما نُسِبَ إليهم ذلكَ في مَنْ كانَ عليهِ فوائت وتردَّدَ بينَ القليل والكثير على خلافٍِ لما هو المتيقّنُ من البراءةِ في الشُّبَهاتِ الوُجوبّية، بلْ كادَ أنْ لا يكونَ خلافٌ حتَّى من الأخباريين([92])، وجُمْلةٌ من الأساطين وإنْ راموا تطبيقَ ذلكَ على القاعِدَةِ بإخراجِهِ عن الشُّبهةِ الوُجوبيّة الابتدائية وإدخالِهِ في قاعدةِ الاشتغال، لكنّهم لم يأتوا بشيءٍ، وبعضُ الأساتذة([93]) ممن أدركنا عصره وجَّهه بأنّ الشكَّ في الأقلّ والأكثر الراجع إلى الشُّبهة الابتدائية هو ما كانَ بحيثُ إذا رجع الشاكُّ إلى نفسه جَعَل لمتيقّنِهِ حَدّاً خاصّاً، أمّا إذا راجع نفسه وأراد أنْ يحدِّد الأقلّ لم يتمكّن من تحديده فهو مُلْحَقٌ بالشكّ في المكلّف به، ويرجع إلى الاحتياط، وفيه ما لا يخفى.

وأحْسَنُ ما يمكن أنْ يقال: استفادة الوجوب مّما وَرَدَ في قَضَاءِ النّوافل لمن لم يَدْرِ كَمْ هيَ من أنّه يُصَلّي حتَّى لا يدري كم مقدار أتى وفي هذه الاستفادة أيضاً ما لا يخفى.

المسألة الواحدة والأربعون: إذا علم أنّ أعماله السّابقة كانت مَعَ التقليد لكنْ لا يعلم أنّها كانت عن تقليدٍ صحيح أمْ لا؟ بنى على الصّحة.

في أعماله؛ لكونه من موارد قاعِدَةِ الفراغ والصّحّة، بل يمكنُ إجراؤها في أصل تقليده، الذي هو بمنزلة شبهة في المسألة الأصولية، فإنَّ الشّكَّ في أنْ اعتمادَهُ عليه هل كان اعتماداً صحيحاً شرعياً أم لا؟ مرجعه القاعدة، وذلك يكفي في صِحّةِ الأعمَالِ الصَّادِرَةِ من غيرِ حَاجَةٍ إلى إعمال القاعدة فيها، بل لا مجال لتلك مع الجريان فيه.

ودعوى عدم العموم لقاعدة الفراغ والصّحّة.

ممنوعةٌ لعمومِ قِولِهِ: (إنّما الشكُّ إذا كُنْتَ في شيءٍ لم تجزه)([94])، وعمومِ ما هو بمنزلة التّعليل في قولِهِ: إنّه حينَ ما يتوضّأ أذكَر([95]) المستفاد منه أنه كُلّما كانَ أذْكَر لم يعتد بشكّهِ.

المسألة الثانية والأربعون: إذا قلد مجتهداً، ثمَّ شكَّ في أنّه جامعٌ للشَّرائط أم لا وَجَبَ عليه الفحص...

إنْ لم يكُنْ مسبوقاً بالجامعية حيثُ لا يجبُ عليه الفحص؛ اعتماداً على الاستصحاب وعلى أيِّ حالٍ فقد عرفتَ أنه يبني على الصحيح بالنسبة إلى ما مَضَى من تقليدِهِ ويُحْرِزُ شرطَ الصّحّة بالنّسبة إلى الأعْمَال الآتية، فكأنَّ هذه المسألة جزءٌ من المسألة السابقة، يعني: إذا شَكَّ في أنَّ تقليدَهُ كان صحيحاً أم لا حيثُ مَرَّ أنَّه يبني على الصّحّة في ما مضى من تقليدِهِ وحينئذٍ فلا يجبُ عليه الفحص بالنسبة إلى ما يأتي.

والحاصل: أنَّ مَجْرَى القاعِدَةَ لو كانَ هيَ الأعْمَالُ الفرعيّة الصادرة عنه بَنى على الصّحّة في ما مضى، وَوَجَبَ عليه احرازُها لما يأتي من الأعمال.

لكنّكَ عَرَفْتَ أنّ لجريانه في أصل التقليد وجها.

وبالجملةِ تشبه هذه المسألة مسألة الشكّ في الصّلاة من جهةِ الشكّ في الطّهارة، فإنْ جرى الأصلُ في الطَّهارة صَحَّتْ الصّلاةُ السَّابقَةُ ولم تحتج الصَّلاة اللاحقةُ إلى طهارَةٍ جديدة، وإنْ جَرَىَ في الأعمال السّابقة من الصّلاة وأشباهها احتاجت اللاحقة إلى إحراز الطهارة فتأمل.

المسألة الثالثة والأربعون: مَنْ ليس أهلاً للفتوى يَحْرُمُ عليه الإفتاءُ، وكذا مَنْ ليس أهلاً للقضاء يَحْرُمُ عليه القَضَاءُ بينَ النّاس...([96])

لعل مراده الافتاءُ للغير، وأمّا العملُ لنفسِهِ فلا إشكال فيه بوجهٍ، وذلك لأنَّ العدالةَ شَرْطٌ في جوازِ تقليدِ الغير له لا لعمل نفسه، وكذا طهارةُ المولد والحرّية على القول بهما، وأَضعف منه احتمالُ ذلكَ في شرطِ اطلاقِ الاجتهاد، بأنْ يكون شَرْطاً لِعَمَلِ نَفْسِهِ فإنّه في غيرِ مَحَلِّه جداً؛ إذ مع اجتهادِهِ ليس رُجُوعُهُ إلى الغير من رُجوعِ الجاهلِ إلى العالم لو لم يكن الأمر بالعكس، بل لو كان اعتقاد المقلّد مخالفاً لاعتقادِ مُجْتَهِدِهِ في بَعْضِ مَبَاني فتواهُ لا يجوزُ له الرَّجُوعُ إليه في ذلك، مثل: إنْ كان المقلِّد مؤرِّخاً عالماً بأربابِ رجالِ الرواية، وضعَّفَ مَنْ اعتمد مجتهده في فتواه على خبره لم يَجُزْ له العمل بفتواه المستندة إلى ذلك الحديث مُتّكلاً على وثاقة راويه.

نعم في جوازِ إفتائه لغيرِهِ - يعني: إفتاءُ غير العادل وغير الحرّ وطاهر المولد للغير - وجهان، مبنيّان في الجملة على كونِ الشَّرطِ المفقودِ من الشّروطِ الواقعيّة أو الاعتقاديّة، آتيانِ في جوازِ الإمامة لمن فَقَدَ بَعْضَ شُروطها، والأصلُ في الشّرط وإنْ كانَ كونُهُ من الشروطِ الواقعيّة؛ لأنَّ الألفاظَ موضُوعَةٌ للمَعَاني الواقعيّةِ دونَ العلمية، إلاّ أنّ جُمْلَةً من شروطِ الفتوى إنمّا استندوا فيها إلى الإجماعاتِ التي لا مجال للإطلاق فيها والاستظهار منها، مع ما عرفت من المناقشة في ثبوت الاجماع.

وظاهرُ دليلِ بعضها الآخر وإنْ كانَ ما ذكر مثل قوله: (وأمّا مَنْ كانَ صائناً لنفسه...)([97]) إلى اخره ، إلاّ أنّ الموضوعات المرتّبة عليها الأحكام التكليفية ظاهرُها ما كانَ موضوعاً في اعتقاد المكلّف على إشكال.

مع أنّ لقائل أنَّ يمنع عن حُرْمَةِ الإفتاء حتَّى على كونِ الشّرطِ واقعياً لا اعتقادياً؛ إذ ما يمكنُ أنْ يكونَ وَجْهَاً للحُرْمَةِ ليس إلاّ كونُهُ سَبباً لإيقاعِ الغيرِ على خِلاف الواقع، حيثُ يُستفَادُ من قولِهِ في بيَعِ الدّهنِ النّجس (يُبَيِّنُهُ لمن اشترى ليَسْتَصْبِحْ به)([98]) حرمةُ إيقاعِ الغير في القَبيحِ ووجوبِ إعلامه؛ ليرتدع، فإنَّ غايةَ الإعلام والتنبيه ليس تحقُّقُ الاستصباح؛ إذ ربَّما لا يترتّبُ الاستصباحُ على الإعلام، بل من المعلوم عَدَمُ وجوبهِ أيضاً، فالغايةُ التي لا يرضى الآمرُ بتركها هو عدمُ الاستعمال في غير الاستصباحُ، ولو لم يكن يتسَّببُ لذلك حراماً لم يكن وجهٌ لإيجاب الاعلام.

بل يُستفادُ من نَفْسِ وُجوبِ الإعلام على البائع ذلك - يعني: حرمة التسبُّب للحرام الواقعيّ - فإنَّ المشتري جاهلٌ بالنجاسَة فليسَ بالنّسبة إليه حرمةٌ فعلية ولا يتوجَّهُ إليه التكليفُ بالاجتناب.

بل في مكاسبِ شيخنا الأكبر  قدس سره : (ويشيرُ إلى هذه القاعدة كثيرٌ من الأخبار المتفرّقة الدالّةِ على حُرْمَةِ تغرير الجاهل بالحُكْم أو الموضوع في المحرّمات، مثل ما دَلَّ: (على أن مَنْ أفتى الناسَ بغير عِلْمٍ لحقه وزرُ مَنْ عَمِل بفُتياه)([99])، وقوله: (ما من إمام صلى بقومٍ فيكونُ في صلاتهم تقصير إلاّ كان عليه أوزارهم)([100])، وفي آخر: (فيكون في صلاته أو صلاتهم تقصير إلا كان إثمُ ذلك عليه)([101])، وفي ثالث:(لا يضمن الإمام صلاتهم إلا أنْ يصلي بهم جُنُباً)([102])...)([103]).

قال([104]): (ومثل رواية أبي بصير المتضمّنة لكراهة أنْ تسقى البهيمة أو يطعم ما لا يحلّ للمسلم أكله أو شربه، فإنّ [في] كراهة ذلك في البهائم إشعاراً بحرمته في المكلّفين، ويؤيّدُهُ حرمة الإيقاع في القبيح الواقعيّ، بل رُبّما يُقالُ بوجوبِ الإعلام والتنبيه وإنْ لم يكن للشّخص تسبيبٌ، كما عن العلامة في أجوبة المسائل المهنّائية، حيث أجابَ بوجوب الإعلام على مَنْ رأى في ثوب المصلي نجاسة معلِّلاً بوجوب النَّهي عن المنكر)([105])، ولكن مع ذلك كلّه للنفس في غير ما علم من دليله أنه مبغوضُ الوقوع من المكلّف، بحيثُ يراد من كلّ أحدٍ عدمه في الخارج إشكالٌ؛ لعدمِ دلالة ما زبر على التحريم؛ إذ أقواها وجوبُ إعلام البائع للدهن النجس بنجاسته معلّلاً بقوله: (ليستصبح به) بالتقريب الماضي.

وفيه: مع أنه يحتمل التعبّد من جهة اعتبار وقوع الشراء بهذا الفرض فيكونُ وجوب الإعلام لتحصيل شرطِ صحة الشراء، كما قيل: إنّه ليس للعلّة عمومٌ فيحتملُ اقتصار الحكم على بيع الدهن النجس، فلا يتعدى مثلاً إلى بيع اللباس المتنجس، ولو علم باستعماله وارتكاب...([106]) في الأكل والشرب، وليس هذا التعبّد بهذه المرتبة من البعد، مع احتمال أنْ يكون ذلك من جهة أنَّ الدهن النجس ماليته الواقعية تنقص بالنجاسة من جهة عدم جواز الانتفاع به في غير الجهة الخاصة، فالجهل به جَهْلٌ بمقدارِ ماليَّتِهِ فيَجبُ الإعلامُ لأمرين:

أحدهما: عدمَ الماليّة له باعتبارِ منافع غير الاستصباح.

]ثانيهما[: ثبوتُ الماليّة له باعتبار الاستصباح.

هذا كلُّهُ الكلام من حيث الفتوى.

وأمّا مباشَرَةُ القضاء فلا يجوزُ بلا إشكال؛ لأنّه مَعَ الشكّ في مشتبه قضاه تفويتٌ للحقوق والأموال وإباحة للأعراض، مع أنّ كُلَّ ذلك مّما عُلِمَ بعَدَمِ رضاء المولى به، فيكونُ للتَّسبّبِ لوقوعها حَرَاماً، بل التسبُّبُ لِعَدَمِ وقوعِهَا في موارِدِ ابتلائه واجباً، بل في الأخبار الواردَةِ في عَدَمِ جَوَازِ التصدّي لغير الأهل كفايةٌ؛ لعدم جواز تصدّيه، وعدم جواز الترافع إليه، بل هو بالخصوصِ متعلّق للنهي، وإنَّ الترافع إلى غير الأهلِ كالتّرافُعِ إلى الجبتِ والطَّاغوت([107]) وإنْ كان موردُهُ الترافع إلى قضاة العامة إلاّ أنَّ مقتضى الضّابط المذكور في ما بعده أنّه حُكْمُ كُلِّ من تَرَافَعَ إلى غيرِ مَنْ كانَ داخلاً في الضّابط المزبور بَعْدَ تقيُّدِ مُطْلقها بمقيّدها.

بل الشَّهادَةُ عندَهُ لتسبيب مقدّمات القضاء إعانة على الإثم، بل هو أشدّ في مناطِ الحرمة من الترافع في وجه، والمال الذي يؤخَذُ بحُكْمِهِ حرامَ، كالذي يُؤْخَذُ غَصْباً من الغير لِعَدَمِ سببيّةِ حُكْمِهِ للاستحقاق، ولا لدفع حَقّ الدعوى، فلا ينبغي أنْ يجعل مناطاً في التصّرف، بل هو كذلك وإنْ كانَ الآخِذُ مُستحقّاً لما يأخذه.

بل يعمُّ هذا الأعيان أو يختصُّ بالكُلّيات والذمم؟ مقتضى الإطلاق الأول، ويؤيده: أنه بوقوعه في يدِ الغير صارَ مُتعلقاً لحقّ دعواه وإنْ كان ملكاً للمدّعي، فلا يجوز التصرف فيه قبل إبطال حقّ دعوى مَنْ في يده بعد أنْ أظهر دعواه وأقدم على المرافعة، فلا ينافي جواز سرقته منه أيضاً لو سلَّمناه.

ومن أنْ العالم بأنّ العينَ له لا مانع له من التصّرف وليس في إطلاقِ المقبولة قوّة تخصيص جواز تصُّرف المالك في مِلْكِهِ وأنّ السّلطنة على الأموال عقليٌّ مُعَاضَدٌ بالشَّرع.

رْبّما يدّعى فيها الإباء عن التخصيص، حتى قيل في ما ورد في بعض موارده من ترخيص المارّة بالأكل مما مَرَّ عليه([108])، بأنّه يكشِفُ عن ثبوتِ حَقّ له، وإلاّ فالحكم بجواز التصرَّف في مالِ الغير لا يكادُ يقع في الشرع إلاّ بدليل قطعيٍّ، وفي حكمة المنع عن تصرُّف المالك، بل هو من أفراده في وجهٍ، فتحمل المقبولة المانعة عن الأخذ بحكم غير الأهل وإنْ كان الآخذُ محقاً على غير الأعيان، كما يؤيّده قوله: (في دين أو ميراث)([109]) ضرورةَ ظهور الدّين في الكلّي، وظهور النزاع في الميراث في الشبهة الحكمية، بل بناءً على بَعْضِ وجوه علاج الإشكالاتِ الواردة على المقبولة، يجبُ اختصاصُها بالترافع في الشُّبهة الحكمية فيرتفعُ الإشكال من أصله.

كلّ ذلك مع عدم توقّف الاستنقاذ على الرّجوعِ إلى غير الأهل، وأمّا معه فيجوزُ بلا إشكال؛ لحديثِ رفع الضرر والإكراه والاضطرار، وهل يتخير في الرجوع إلى قضاء العامة أو غير الأهل من مجتهدي الخاصة، أو يتعيّن الأول؛ لأنه مورد بعض الأخبار والكلمات، أو الثاني؛ لأنه أقل محذوراً، أو الشرائط المفقودة فيه أهون من الآخر، ليس هنا مَحَلّ تعرّضها.

المسألة الرابعة والأربعون: يجبُُ في المفتي والقاضي العدالة، وتثبتُ العدالةُ بشهادة عدلين، وبالمعاشرة المفيدة للعلم بالملكة، أو الاطمئنانِ بها، وبالشّياع المفيد للعلم...

مرَّ الكلامُ في هذه المسألة وفي طرُق إِثباتِ الموضوعات؛ إذ لا تزيد العدالة عن غيرها من الموضوعات، بل ومَرَّ أَنّها تَثْبُتُ بحسن الظاهر الكاشف عن الملكة عِلماً أو ظنّاً، ولعلَّه المرادُ من قوله: (وتثبتُ بالمعاشرة المفيدة للعلم بالملكة أو الاطمئنان) وإلاّ فالمعاشرة إذا لم تقترنْ بحسن الظّاهر لا تنفع وإنْ أوجبت الظنّ بالملكة.

أمّا اعتبار العدالة في الفتوى بالّنسبَةِ إلى غيرِ المفتي فيدلُّ عليه - مُضافاً إلى المرويّ عن تفسير العسكري  عليه السلام ، واعتبارها في نقل الحديث الذي رُبمّا يُستفاد منه الاعتبار في المفتي بالأولوية، وأنه لا دليلَ على تصديقِهِ فيما ينقله من رأيه- ظهورُ الإجماع، وكذلك اعتباره في القضاء الذي هو أهمُّ بمراتب من الحديث والفتوى.

وبالجُمْلَةِ الكلامُ في ما تشتَمِلُ عليه هذه المسألة مضافاً إلى أنَّهُ في غاية الوضوح([110]) غيرُ مُحتاجٍ إليه قد مَرَّ في المسألةِ الثانيةِ والعشرين وتاليتها.

المسألة الخامسة والأربعون: إذا مَضَتْ مدّة من بلوغه وشكَّ بعد ذلك في أنَّ اعمالَهُ كانت عن تقليدٍ صحيح أم لا، يجوزُ له البناءُ على الصّحة في أعمالهِ السابقة، وفي اللاحقة يجبُ عليه التصحيح...

لعلّ الفرق بين هذه المسألة وبين المسألة الواحدة والأربعين وتاليتها أنّ تلكَ مفروضة في ما إذا كانَ الشكُّ في صِحَّةِ التقليد وفساده بعد الفراغ عن وقوع أعماله عن تقليدٍ، ولذا قلنا إنّه له إجراءُ الأصل في نفسِ التقليد وفي الأعمال الصّادِرَةِ عنه، وقلنا إنّه لو أجريناهُ في نفس التقليد ربّما استكفينا عنِ الفحص بالنسبة إلى الأعمال اللاحقة ايضاً، مثلاً لا يدري أنّه أحرز أعلميّة مُقلَّدِهِ بطريقٍ شرعي أم لا؟ يبني على الأوّل ويبقى على تقليدِهِ، وهكذا عدالته، ولا يحتاج إلى الفحص فيما بعد ذلك.

و هذه المسألةُ مفروضةٌ في الشكِّ في أصلِ التقليدِ، فلا يجري الأصلُ إلاّ بالنسبةِ إلى نفس الأعمال، ولك أنْ تقول بجريانه في هذه أيضاً في نفس التقليد فإنَّ الشكَّ في الوجودِ أحرى بجريان الأصل فيه من الشكّ في الصّحة، بل الأوّل من([111]) المتيقن من أخبار المضيّ وعَدَمِ الاعتناءِ بالشكّ بعد تجاوُزِ محلهِ.

والحاصل كما أنّه لو شَكَّ في أنَّ تقليده كان على الوجهِ الصحيح أم لا يبني على وقوعِهِ على الوجهِ الصحيح كذلكَ إذا شَكَّ في أنّه كان مُقلّداً أمْ لا يبني على أنّه كان مقلّداً، هذا.

ولكنّكَ خبيرٌ بعدَمِ جريانِ الأصل في التقليدِ هنا وإنْ أجريناه في المسألة السابقة، وتوضيح الفرق بالمثال، فإنَّ ما نحنُ فيه نظيرُ مَنْ صَلّى ولا يَدرْي أنّه تَطَهَّرَ لها أم لا، وما مضى نظيرُ مَنْ عَلِمَ بأنّه تطهَّر للصَّلاةِ ولا يدري أنّه تَطَهَّرَ صحيحاً أمْ لا.

وكيف كان فالأصلُ وإنْ سلّمناه في إحراز شرط صحّة الأعمال السابقة وأنها وقعت عن تقليد، إلاّ أنّه لا يكفي لصحّة الأعمال اللاّحقة، فيجبُ إحراز شرط التقليد بالنسبة إليها؛ لأنَّ مجّرد البناء على أنّه كان مقلّداً في أعمالِهِ لا يثبتُ بهِ مقلَّده بالفتح حتى يتمكّن من العمل، فهو مع أنّه يبني على أنّه كان مقلّداً في أعمالِهِ السّابقة لا ينتفع به للأعمال اللاحقة.

إنْ قلَت: سَلَّمنا ذلكَ بالنّسبة إلى غير الأعمال الماضية المعلومَةِ الوجه،
وأمّا إذا علم أنّه صلَّى مُدَّةً مثلاً بلا سورةٍ وشك في أنه كان بتقليدٍ أم لا؟ فالأصلُ في أنّه كان مقلّداً وإنْ كان لا ينفع في غير الصّلاة المزبورة إلاّ أنّه ينفعُ بالنّسبة إليه فيجوزُ له الصّلاة بعد ذلك بلا سورةٍ اعتماداً على التقليد المحرز بالأصل.

قلتُ الفرقُ بينَهُما هو الفرقُ بين الشكّ في الطّهارة الصّادرة منه
وأصلُ صدُور الطَّهارة منه لصلاته، فإنه في الأوّل يعتمدُ على طهارته التي أحرز صحّتها بالأصل لما يأتي من أعماله، وفي الثاني وإنْ كان يبني على أنّه تطهّر لصلاته إلاّ أنّه لا يُصَلّي بعد ذلك إلاّ بطهر آخر، وتوضيحُ الفرق يطلب من غير المقام.

المسألةُ السّادسة والأربعون: يجبُ على العامّي أنْ يُقلِّدَ الأعلم في مسألةِ وجوبِ تقليدِ الأعلم أو عَدَمِ وجوبِهِ، ولا يجوزُ ان يقلِّد غيرَ الاعلمِ إذا أفتى بعدمِ وجوبِ تقليدِ الأعلم، بل لو افتى الأعلم بعدمِ وجوبِ تقليدِ الأعلم يشكلُ جوازُ الاعتماد عليه...([112])

الفرقُ بينَ هذه المسألة والمسألة الثانية عشر المشتملة على وجوبِ تقليدِ الأعلم أنَّ ذاكَ كانَ مَسُوقاً لبيانِ المستفادِ من الأدلّةِ الشَّرعيّة للمجتَهد، يعني: أنَّ المجتهد بعد المراجعة في الأدلّة الشرعية يستنبطُ وجوبَ تقليدِ الأعلم.

وهذه المسألةُ مسوقة لبيانِ وظيفةِ المقلِّدِ حينَ التفاتِه إلى أنَّ له تكاليف يجب تعرّضُهُ لها إطاعةً وامتثالاً الذي([113]) قد تعرَّضْنَا لها سابقاً، وأوضحنا أنَّ وظيفته مع عدم استقلالِ عقلهِ بجوازِ تقليدِ غير الأعلم أنْ يقلِّد الأعلم؛ لأنّه المتيقّن؛ ضرورةَ دورانِ أمرِهِِ - بعد وضوح وجوبِ التقليد عليه - بين التخيير بين الأعلم وغيره وبين تعيّن الأوّل، ومن المعلوم أنَّ دورانَ الأمرِ في الطريق بين التخيير والتعيين يَقتضي الأخذَ بمُحتملِ التعيين وطرح الآخر وإنْ لم نقل بالتعيين في دوران أمرِ المكلّف به بين التخيير والتعيين؛ لأنَّ دورانَ الطريق بين الأقلّ والأكثر راجعٌ إلى الشكّ في طريقيّةِ غير ِمحتمَلِ التعيين، والشكُّ في الطريقيّة عِلّةٌ لعدمِ جوازِ العَمَل به، بخلافِ غيره من المكلَّف به النفسي.

وكيف كان فلا مَحيصَ للمكلّف العاميّ إلاّ عن الرّجوع إلى معلومِ الطريقية، ثمّ إذا راجعه واستنبط هو من الأدلّةِ جواز تقليد غير الأعلم وأفتاهُ بذلك، فهل يجوزُ له تقليدُ غير الأعلم لأنّه من العَمَل بفتوى الأعلم؛ إذ هو من شؤونه وعمل بفتواه أم لا؟ حيثُ لا تشريع للتقليد في أصل التقليد؛ لأنّ التقليدَ من الأصول دون الفروع، ولم يعلم تشريعُ التقليدِ في الأصول، فالمتيقَّن هو الرجوع إليه في المسائل الفرعية.

إنْ قلت: تقليدُ غيرِ الأعلم لفتوى الأعلم ليس إلاّ عبارةً عن العَمَل بفتوى غير الأعلم عن فتوى الأعلم، ففي الحقيقة يصدر فروعه عن تقليد الأعلم.

قلت: لا يمكن أنْ تصدر الأحكام الفرعيّة المطابقة لفتوى غير الأعلم عن فتوى الأعلم إلا بتوسّط جعل فتوى غير الأعلم حُجّة وسنداً له في أعماله، وهو عبارة أخرى عن تقليده إياه في الأصول، نعم يمكن المنع عن كون مسألة التقليد مسألة أصولية كيف وهو شرط صحة عمله الفرعي.

المسألة السابعة والأربعون: إذا كانَ مُجتهدان أحدهما أعلمُ في أحكام العبادات والآخر أعلَمُ في المعاملات، فالأحوط تبعيضُ التقليد، وكذا إذا كان أحدهما أعلمُ في بعض العبادات ــ مثلاً ــ والآخر في بعضٍ.

بل وكذا إذا كان أحدهما أعلمُ في أحكام القراءة والسّورة مثلاً؛ لاتّحاد المناط في الجميع، وهو وجوبُ الأخذِ بقولِ أعلمها، فإنَّ الظاهر إرادة أعلمها في تلك المسألة، والأعلميّةُ المطلقة أيضاً إنّما تكونُ مُرَجّحاً بهذه الملاحظة.

وكذا لو كانَ بمناطِ الأقربيّة وأقوائيّةِ الظنّ الحاصل وغيرها؛ إذ
احتمال مدخليّة الأعلميّةِ في غير المسألة المختلف فيها التي هي محلُّ الابتلاء في الترجيح في تلك بعيدٌ، إلاّ أنْ يوجب زيادةَ بصيرةٍ في تلك فيخرج عن محلّ الكلام.

المسألة الثامنة والأربعون: إذا نَقَلَ شَخْصٌ فتوى المجتهدِ خَطَأً يَجبُ عليه اعلامُ مَنْ تَعَلَّمَ منه، وكذا إذا أخطأ المجتهدُ في بيانِ فتواه...

هذا إذا علم أنّ المنقول إليه والمفتى له مما يَقَعُ مورداً لعملِ الغير ولو نقلاً للغير على وجهٍ يُعَدُّ من الفروع وأحكام الله عندهم، وأمّا مع العلم بالعدم، كأن عَلِمَ أنّه ليس مَحَلاًّ للعَمَل ولا ينقل على الوجه المزبور فلا وجه لوجوب الإعلام؛ لأنَّ ما يمكِنُ أنْ يكون وَجْهَاً ليس إلاّ التحرُّزُ عن إيقاعِ الغير في خلافِ الواقع أو وُجوبِ حفظِ الأحكام عن الاندراس والتغيّر، وشيءٌ منهما غيرُ لازمٍ في الغرض المزبور، بل إنْ علم أنّه مَحَلٌّ لابتلاء المنقول إليه أو غيره ممن ينتهي إليه الفتوى أيضاً يمكن المنُع عن وجوبِ الإعلام والإخبار بالخطأ؛ إذ ليس فيه إلاّ التسبيب لوقوع الغير في خلاف الواقع، وإنَّ قُبْحَ ذلك يُستفادُ من جُمْلَةٍ من الأخبارِ المشارِ إليها سابقاً أو أنّه من أفرادِ الظلم القبيح؛ لأن تفويتَ المصالح الواقعيّة على الغير فضلاً عن إيقاعه في مفاسدها مما يستقلُّ العقل بقبحِهِ كما في سائر أنحاء الظلم.

لكنّ الإنصافَ عدم الوثوق بشيءٍ منها وإنْ كان ظاهرُهُم تحريمُ التسبيب، ولعلّه في الأحكام من جهةِ وجوبِ إرشاد الجاهل، وأنَّهُ يجبُ على الحاضِرِ إعلامُ الغائب، فضلاً عَمَّا إذا كانَ ذلك سبباً لتغيُّرها.

لا يقال: هذا ليس من التسبيب المحرّم؛ لأنّه وَقَعَ منه غلطاً، وبعد ذلك حاله حال غيره في تنبيهِ مَنْ وَقَعَ في الخطأ.

قلت: الإبقاءُ على الخطأ كإيقاعه فيه في القبح إذا كان الإيقاعُ بفعله، ثمّ إنَّ ما ذكرنا كلُّه بالنّسبة إلى غير ما عُلِمَ من الشارع أنّه لا يُريدُ وقوعه في الخارج، نظير هتك الأعراض وتلف الأنفس وبعض مراتب الأموال فإنّه راجعٌ إلى تكليف كُلِّ أحدٍ بتسبيبِ منع وِقوعِهِ في الخارج، كمَا أنّه لا يُنافي عَدَمَ تحريمه في مَوْرِدِ الحُكْم بِضمانِ الخاطئ في النّقل إنْ كان متعلّقه من الأموال أو غيرها مما يَستْعقِبُ ضَمَانا.

المسألة التاسعة والأربعون: إذا اتّفَقَ في أثناء الصّلاة مسألة لا يعلمُ حُكْمَهَا يجوزُ له أنْ يَبني على أحد الطرفين بقصد...([114])

السؤال بعد الفراغ والعمل بوظيفته وحينئذٍ فإنْ وَافَقَ الواقعَ صَحَّ.

ولا يخفى أنَّ ما يتّفقُ للمصَلّي من الشكوكِ بعد الشروع في الصّلاة:

إما يحتمل أنْ يكون مبطلاً للصّلاة كأن خَرَجَ منهُ مذي أو ودي ولا يعلم أنّهُ مُفسِدٌ لصلاتِهِ، أم([115]) لا يحتمل أنْ يكونُ مفسداً، كأنْ عَرَضَ له بعضُ الشُّكوكِ التي يعلم أنّها ليستْ بمفسدةٍ لكنّه لا يَعْلَمُ الوظيفَةَ والعلاج.

وعلى الوجهين: إمّا أنْ يكونَ مُقصِّراً في تركِ التعلُّم أو قاصرا.

فإنْ كان قاصراً واحتمل فساد العمل جازَ لهُ رَفْعُ اليدِ، كما يجوزُ لهُ الإتمامُ؛ لعدم العلم بكون رفعِ اليدِ ابطالٌ، والأصل البراءة.

وإنْ كان مُقصّراً وَجَبَ عليه المضيّ؛ لأنه مُؤاخَذٌ بالإبطال على تقدير كونه ابطالاً، كما هو القاعدة في كُلِّ جَهْلِ لم يَكُنْ عذراً، فلا تجري أصالةُ البراءة.

ومنه يظهُر الحالُ في الوجه الثاني بقسميه؛ للعلم بكونِ رَفْعِ اليدِ إبطالاً فيحرم، فلو أبدلَ الجوازَ بالوجوب كان أولى، ولعلّ التعبيرَ بالجواز باعتبار احتمالِ حُرْمَة المضيّ وعدمِ جوازِ الاكتفاءِ بما يأتي مُتردِّداً فيرادُ منه الجوازُ بالمعنى الأعمّ الذي لا يُنافي الوجوبَ، هذا.

ثمّ لا يَخفى أنّ مُقتضى ما استظهرنا منه في المسألة الثامنة والعشرين من بطلان عمل تاركِ التعلُّم في ما هو مَحَلِّ الابتلاء إلاّ أنْ يطمئنّ بعدمِ اتّفاقِ وقوعِهِ له فيها يُقيِّدُ هذه المسألة بغير ما كان محلاً للابتلاء أو كون المصلّي ممن اطمئنّ بعدم اتفاق ابتلائه أو غفلته عمّا تعلَّمَهُ وسهوِهِ عنه، وإلاّ فلا تنعقدُ صلاتُهُ من رأس وإنْ كان قد مَرَّ منّا أنَّ الأقوى صحَّةُ صلاته لو لم يتّفق له مسألةٌ أو اتّفق وأتمَّه رَجَاءًَ واتَّفق المصادفة.

ومما ذكرنا يَظْهَرُ الوجهُ في ما في المتنِ من صِحَّةِ العَمَلِ على تقدير المطابقة؛ لأنَّ المفروضَ تحقُّق القُرْبَةِ المعتَبَرةِ في العبادة بمجرّدِ احتمال المطلوبية.

واعتبارُ الجزمِ بالأمرِ لو قُلنا به، فإنّما نقولُ به في ما أمْكَنَ، وأمّا مع عدم الإمكان فدعوى اعتباره مُساوقٌ، لدعوى عَدَمِ تمشّي الاحتياط في الشّبُهاتِ البدوية العبادية.

اللّهُمّ إلاّ أنْ يكونَ التقرُّبُ بنفسِ الأمرِ بالاحتياط والإبقاء على الوجه الذي ذكرَهُ شيخُنا الأكبر([116]) في رسالته مع ما فيه من التعسّف.

المسألة الخمسون: يجبُ على العامي في زمانِ الفحص عن المجتهد أو عن الأعلم أنْ يحتاط في أعماله.

أما مع عدم اطّلاعه على المجتهد فواضحٌ؛ إذ لا دليلَ على حُجّية قولِ غير المجتهد عليه، فمعَ ابتلائه بالعمل يجبُ عليه الاحتياط؛ لعدمِ الأمن من العقاب بدونه، ويكفي في الاحتياط هنا الأخذ بأحوط القولين أو الأقوال، ولا يجبُ عليه الأخذُ بأحوط الاحتمالات؛ لعلم العامي بأنَّ أحَدَ الأقوال هو الحجّة عليه، ومع عدم إمكان الاحتياط لا يَبْعد وجوبُ اختيار ما يُوافِقُ فتوى المشهور إنْ حَصَل منه الظنّ والاطمئنان، وإلا فيحتاط بين ما يظنُّهُ وما ذهب إليه المشهور؛ لأنه الأقرب إلى الواقع بعد العلم بعدم سقوطه وعدم وجود طريق خاص.

وأما زمان الفحص عن الأعلم فلا يبعد جواز الأخذ بفتوى كلٍّ من المجتهدين إلى أنْ يتبين عنده الأعلم منهم بناءً([117]) على ما ذكرنا من أنّ العلم بالفتوى المخالفة من الأعلم مانعٌ عن جوازِ الأخذ بفتوى غيره.

وإمّا بناءً على أنْ تكون الأعلميّةُ شرطاً فعليه الاحتياطُ بين الفتاوي إنْ علم بأعلميّة أحدهم، وإلاّ فيتخيّر مع تساوي الاحتمالات، ومع وجوبِ الاحتمال في أحدهم دون البقية يتعيّنُ الأخذُ بمحتمل الأعلمية على التفصيل الماضي، (هذا كلّه في التقليد الابتدائي، وأمّا في مثل لو قلَّد شخصاً ثمّ ماتَ، ففي زمان الفحص عمّن يرجعُ إليه له أنْ يبقى على تقليدِهِ السابق كذا([118])...).

المساْلة الواحدة والخمسون: المأذون والوكيل عن المجتهد في التصرُّف... ينعزل بموت المجتهد، بخلافِ المنصوبِ من قِبَلِهِ... فإنّه لا تبطل... على الأظهر([119]).

أمّا انعزالُهُ بموتِهِ لو كانَ على سبيل الإذن والتوكيل فلأنّه لا يزيدُ عن سائر الوكلاء والمأذونين، بل وسائر العقود الإذنية التي تَبْطُلُ بموتِ الآذن والموكِّل بل ليس ذلك بُطلاناً ولا فسخاً، بل هي متقوّمة بالإذن والرضا وطيب النفس المتقوّمة بالحياة، بل ولو لم نقل بتقوّمها بالحياة أيضاً؛ إذ لا أثَرَ لرضاه بعد موتِهِ؛ لانتقال التركة إلى غيره.

ففيما نحنُ فيه تبطلُ نيابتُهُ عن المجتهد بالموت البتة فلا أثر لما كان تأثيره بعنوان نيابته.

وأمّا ما كانَ من قبيل إِعطاء الولاية والقيمومة التي تُعَدُّ من المناصب فالكلام فيها من جهتين:

إحداهُما: كونُ ذلك للمجتهد، يعني: أنَّ للمجتهد هذا النّحو من التصَّرف بأنْ ينصب متولّياً على الوقف وقيّماً على الصّغير أم لا؟

ثانيهما: أنَّ بموتِهِ يَبْطُلُ هذا التصرّف منه أيضاً كالقسم الأوّل أم لا؟

لا يبعد أنْ يستظهر ذلك للمجتهد بما دَلَّ على جوازِ استخلاف القاضي في ما هو تحت ولايته، فإِنَّ ذلك قِسمٌ من الاستخلاف، فإذا جاز ذلك في زمن الحضور - كما ربما يكون ذلك من مسلّماتهم - جازَ في زمن الغيبة أيضاً، بل وكما كان ذلك للإمام حيثُ كان له أنْ ينصبَ القاضي ويُولّيه أمْرَ العامَّة كان ذلك لنائب الغيبة بعموم دليل نيابته.

بل إطلاقُ مثل (كُلّ معروف صدقة([120])) و(عون الضعيف صدقة([121])) أيضاً؛ لأنّ رفع القصور عن الصّغير بجعل أميناً عليه من المعروف.

ودعوى أنَّ إمكانَ جعل الولاية والقيمومَةِ وأشباهها موقوفٌ على الالتزام بجعل الأحكام الوضعيّة، وربَّما لا يلتزمُ به، بل رُبَّما يَرَوْنَ بعضهم جعلَها من المحالات.

مدفوعة بأنَّ مثل هذه الأمور التي إليها منشأ انتزاعٍ عُرْفي قابلةٌ للجعل ولو بجعل منشأ انتزاعها، فإنّها لا تنقص عن القاضي وخليفة القاضي بل ونفس منصب الإمامة.

وتوضيحُ ذلك: أنَّ المجتهد قد يتصرَّفُ في مال اليتيم والوقف بعنوانِ أنه لا والي له، والمجتهدُ وليُّه الشّرعيّ النوعي، فيتصرَّف مع بقاء التحفّظ على العنوان الذي جَوَّزَ له فيه التصرّف بذلك العنوان، وهو عنوانُ كون المال أو الشخص لا والي له، وقد يتصرّف فيه بعنوان إخراجِهِ من هذا العنوان فيجعل له والياً وقَيِّماً فيخرج بذلك عن كونه لا واليَ له، ومن المعلوم أنَّ عنوان تَصَرُّفِهِ بكُلِّ واحدٍ من النَّحوَين يُغايُرُ الآخر، فجَعلُ القيمومَةَ والولايةَ على الوقف من قبيلِ الثاني، والإذن والتوكيل من قبيل الأول لو لم يكن مسبوقاً بجعل نفسه قيّماً ومتولّيا، وإلا كان منشأه التصرّف على النحو الثاني.

وأما الكلام في الجهةِ الثانية، وهو أنّه إذا كان تصرُّفه على هذا الّنحو الثاني ينعزلُ بموته أم لا؟ فقد نقل في الجواهر عن بعضٍ: أنّه لا ينعزلُ بموتِ المجتهد، بل قيل: إنّه لا ينعزلُ بعزلِهِ أيضا.

ثم قال: (وإنْ كان لا يخفى عليك ما فيه؛ ضرورةَ كونه من فروعِهِ الذين ينعزلون بانعزاله بموتٍ ونحوه؛ إذ هو ليس أزيد من الإمام الذي ينعزل نّوابُهُ بموته، نعم لو قيل بجواز توليتهم من قبل الإمام أمكَنَ حينئذٍ عدم انعزالهم بموته؛ لكونهم من فروعِ الإمامة حينئذٍ، لكنّ جواز ذلك لا يخلو من نظر؛ للشكِّ في أصل ثبوت الولاية لهم على الوجه المزبور، وعلى تقديرهِ فالمتّجهُ جوازُ عزلُهُ له؛ إذ كما أنّ له ولاية على النَّصْب له ولاية على العزل؛ لإطلاق الدليل، إلاّ أنّ الإنصافَ الشكُّ في ذلك، والأصلُ العدم، وكذا الشكُّ في استفادة الولاية لكلِّ حاكمٍ على عزلِ نائب الآخر، بل لعلَّ المستفاد عدمُ ولايةٍ لأحدهم على ما دخل في ولاية الآخر، ولا أقل من الشكّ، والأصلُ العدم)([122])، انتهى بتغيير منّا غير مُغيِّر.

والتحقيقُ ما ذكرنا من أنَّ لهُ إعطاء الولاية من قبل نفسه ومن قبل الإمام، وأنّه لا ينعزلُ بموته على أيِّ وجهٍ كان؛ إذ تكونُ القيمومة من قبله نظير القيمومة من قبل الأب والجّد، وتولّيه الوقف من قبل الواقف أو المتولّي على ذلك، هذا لو كانت التوليةُ من قبل نفسه، وأمّا لو كانت مِنْ قِبَلَ الإمام فعدمُ فسادِها بموته أوضح.

المسألة الثانية والخمسون: إذا بقيَ على تقليد الميّت من دون أنْ يُقلِّد الحيّ في هذه المسألة كان كَمَنً عَمِلَ من غير تقليد.

إلاّ إذا استقلّ عقلُهُ بجوازِ بقائه على تقليد الميّت، وأمّا مع عدم ذلك، فيجبُ عليه الرجوعُ إلى الغير والتقليد، فيأخُذُ بالمتيقّن إنْ كان، لكنَّكَ عَرَفْتَ أنَّ العُدولَ إلى تقليدِ الحيّ لَّما كان مُحتمل المنع - كالبقاء على تقليد الميت - لم يكُنْ هناك له طريقٌ يقينيٌّ فوَجَبَ عليه الاحتياط بالأخذ بأحوط القولين.

إلاّ أنْ يقال: إنَّ هذا إذا كانَ قد قَلَّد الميّت في مسألةِ البقاء؛ إذ يكونُ حينئذٍ تقليدُهُ للحيّ عدولاً، وأمّا إذا لم يَكُنْ قَلَّدَ الميّت فيكونُ الرّجوع إلى الحي في مسألةِ العدول والبقاء من المتيقّن؛ إذ ليس تقليدُ الحيِّ في مسألةِ البقاء عُدولاً عن الميّت حتّى يدور أمره بين المحذورين.

إنْ قلتَ: كيفَ يمكن أنْ يكون قد قَلَّدَ الميّت في مسألةِ البقاء على تقليدِ الميَت.

قلت: لا مانعَ منه لو قلنا بأنّ أخْذَ الرّسالة والإلتزام بالعمل تقليداً إلاّ أنْ يمنع عن كونِ ذلك تقليداً إلاّ فيما أمكن الأخذُ به، ومسألةُ البقاءِ على تقليد الميّت لا يمكنِ الأخذُ والعَمَلُ به، وأمّا لو لم نقل بكونِ مجرّدِ ذلك تقليداً فيمكن أنْ يكون قد قَلَّده في البقاءِ على تقليدِ سابقه زماناً، فيكون قلّده في مسألةِ البقاءِ على تقليد الميّت وعليه فيكون أخذُ ذلك من الحيّ عُدولاً فيخرُجُ عن كونه من المتيقن.

وكيف كان فلا إشكالَ في وجوبِ كون البقاء على تقليد الميّت مستنداً إلى اجتهاد أو تقليدٍ غير ذلك الميّت، وإلاّ كان بقاؤه على تقليدِهِ بتقليدِهِ دوراً واضحاً.

وقد عرفتَ أنَّ الأخذَ في ذلك بتقليدِ الغير أيضاً لا يمكن إلاّ أنْ يكونَ ذلك الغير من المتيقَّن، وإلاّ فلا يجوزُ للعامّي تقليُدهُ ولا يكونُ من المتيقَّن إلاّ إذا لم يشتمل على عدولٍ من الميّت، وإلاّ فمع احتمالِ حرمةِ العُدول عنه كان أمرُ الرّجوع إلى الحيّ دائراً بين المحذورين.

المسألة الثالثة والخمسون([123]): إذا قلّد مَن يكتفي بالمرّة في التسبيحات وضربات التيمم، وعمل، ثم قلّد من يقول بالتعدد أخرى وكذا لو أوقع عقداً أو إيقاعاً بتقليدٍ، ثمّ قلَّدَ من يقول بفسادها، نعم في ما يأتي يعمل على قول الثاني، وأمّا إذا قلَّدَ مَنْ يقول بطهارةِ شيءٍ كالغُسالة ثمَّ قلّدَ مَنْ يقول بنجاستِهِ أو قَلَّدَ مَنْ يقولُ بجوازِ الذّبح بغير الحديد فذبح به، فقلَّدَ من يقول بعدم جوازه اجتنبَ عن ذلك الشيء مع وجوده، نعم في الأعمالِ السّابقة يتبع فتوى الأولى.

لعلَّ التفصيل المزبور راجعٌ إلى أنَّ الموضوعَ الذي هو متعلّق الحكم إنْ كانَ باقياً انقلبَ حُكْمُهُ باختلاف الفتوى، مثلاً الغُسالة موضوع الحكم بالطهارة والنّجاسة وهي باقية، فإذا رَجَعَ المجتهدُ إلى الفتوى بطهارتها يحكم بطهارتها، ثم لو رجع إلى الفتوى بنجاستها يحكم بها، وكذا اللَّحمُ المذبوح بغير الحديد أو على غير القبلة، بخلافِ مثل العبادات المأتيّ بها في أوقاتها، فإنَّ الحكم بصحتها قد انقضى وذهب موضوعه ولم يبقَ منه إلاّ الحكم والأثر، وكذلك الملكيّة المسبَّبَةُ عن العقد والانتقال، والإسقاط والبينونة المتحصّلة من الإيقاع قد انقضى ما هو موضوعُ الحكم فيها، فما هو الموضوع غيرُ باقٍ حتَّى ينقلبُ حُكْمُهُ والأثرُ مترتّبٌ على صحّتهِ حينَ وقوعه.

ولكنّ هذا التفصيل لا أرى رجوعه إلى مُحصَّل؛ إذ نحنُ لا نرى فرقاً بين سببيّة العقد للانتقال والملاقاة لنجاسة الغسالة والذبح لطهارة الحيوان في الامتثال لبراءة الذمة.

ويمكن أنْ يكونَ راجعاً إلى ما يظهرُ من الجواهر من الفرق بين ما كان مقتضى الفتوى فيه البقاء والاستمرار كالعقود والإيقاعات، فإنَّ مقتضى الفتوى تأثيرُها في النّقل إلى حصول المزيل، وكذلك الامتثال يقتضي البراءة مطلقاً لا إلى حَدٍّ، بخلاف الذّبح والملاقاة، فإنَّ مبنى الفتوى فيها ونظائرهما مما ليس على البقاء والاستمرار.

وهذا التفصيل أيضاً غير منضبطٍ فإنّا لا نرى لبقاءِ أثر العقد والإيقاع والامتثال استمراراً وبقاءً أزيد ممّا نرى في أثرِ الملاقاة والذبح، وفي المقام تفاصيل أخر يحتمل انطباق ما في المتن عليها، لا يُهمَّنا التعرُّضُ لها، بعد أنْ كان مقتضى القاعدة عدم الإجزاء مطلقا، بناءً على الطريقية، وعدم انقلاب الواقعيّات باختلاف الأصول والأمارات، وأنَّ المصيبَ واحد والبقية مخطئ، وأنَّ الموضوع للآثار هو السبَّبُ الواقعي والموضوع النفس الأمري دون الأعمّ منه ومن الظاهري، فالعقدُ المؤثّرُ في النقل هو ما كانَ صحيحاً واقعاً لا صحيحاً باعتقادِ العامل أو باعتقادِ مُجتهدِه، فإنَّ معَ جمع هذه المقدمات لا ينبغي الإشكال والتأمل في أنَّ مقتضى القاعدة عدم الإجزاء.

وبالجمُلة عَدَمُ الإجزاء مقتضى جمع أمورٍ ومقدّمات.

منها: كونْ الأمارات طُرُقاً إلى الواقعيات من دونِ أنْ يكونَ لها موضوعيّة له ونحو مصلحة يوجب قلبها، ولذا قيل: إنّ الإجزاء وعدمه من فروع التّخطئة والتّصويب.

ومنها: إنّا كما نقولُ بالتخطئة في الأحكام كذلك نقولُ بها في الأسباب والموضوعات، بل التخطئةُ في الموضوعات في الجملة اتفاقي.

ومنها: أنَّ مقتضى قاعدة السبَبيّة أنْ يكونَ الموضوع للآثار هو السبَبُ الواقعيّ دون الاعتقادي بالنسبة إلى المباشر، يعني: أنَّ ما يترتّبُ عليه النقل والانتقال والحلّية والحرمة هو السّببُ الصحيح في الواقع دون الاعتقادي.

نعم الطريقُ إلى الصحيح الواقعي هو اعتقادُ المجتهدِ بالنّسبة إليه ومقلديه دون غيرهم، وإنْ كان قد يكونُ كذلك كما في صحّة صلاة الإمام بالنّسبة إلى صَلاةِ المأموم عندَ بَعْضٍ إلاّ أن القاعدة تقتضي ما ذكرنا.

ومنها: إن الأمارة الثانية القائمة عند المجتهد حجة بالنسبة إلى الوقائع السابقة، وأنّها لا تختصُّ حُجيّتُها بواقعةٍ دون أخرى، نعم لا معنى لحُجيّتها بالنسبة إلى ما لم يكُنْ له أثرٌ حالَ قيام الأمارة.

ومنها: عدمُ المعارضة بين الأمارات السابقة واللاحقة بعد فسادِ السابقة، وتبيّن الخطأ فيها، بل لَعَلَّ لدليل اللاحقة نحو حكومةٍ بالنسبة إلى السابقة، فلا يتوهّم التعارض بينهما فضلاً عن تقدُّمِ السّابقة على اللاحقة.

مضافاً إلى أنّ المعارضة لا تنفعُ في الإجزاء.

ثمَّ بَعْدَ الجمعِ بين هذه الأمور لا ينبغي التأمُّلُ في اقتضاء القاعدة عدم الإجزاء.

وما يُتَوَهَّمُ من المخرج عن هذه القاعدة من: الإجماع والسيرةِ والعُسرِ والحَرَجِ وتُّرتبِ الأثر على الصّحِةِ باعتقادِ المباشر دونِ الواقعي ليس شيء منها قابلاً للتوجُّه.

أمّا الإجماع فواضحٌ؛ إذ لا إجماع مع مخالفة جَمْعٍ، خصوصاً مع ما عَرَفْتَ من الشّهيدِ([124]) مِنْ جَعْل الإجزاء متفرّعاً على التصويب، خصوصاً مع أنّ المسألة لها مدارك عقلية وشرعية، وفي مثلها لا يستكشف رأيُ الرئيس من اتفاق المرؤوسين.

وأمّا السّيرةُ العملية الكاشف اتصالُها عن مذاق صاحب الشرع فادّعاؤها موقوفٌ على دعوى أنّ اختلاف المجتهدين دائماً لا أقل من كونه غالباً من غير الأحوط إلى الأحوط، وأنّ العَمَلَ مع كون الفتوى على غير الأحوط عليه دون الاحتياط، وأنَّى لنا بذلك، مع ما قل من انقلاب الأحوط إلى خلافه، وأنَّ العَمَل رُبَّما يكون على الاحتياط مع كون الفتوى على خلافه.

ثمّ إنَّ عَدَمَ الاعتناء من المقلّدين رُبَّما يكون من عدم المبالاة والمسامحة كما في غالب سيراتهم، ومن المجتهدين غيرُ معلوم.

ومما ذكرنا ظهر أنّه لا حَرَجَ ولا عسر.

مضافاً إلى أنَّ العُسْرَ الشخصي لا يُوجب تغيّر الحكم الكلّي، غايةُ الأمر يوجبُ رَفْعَ الحكم الشخصي ممّن عليه العُسْرُ بقدرِ رفع العُسْرُ والحرج، والعُسْرُ النَّوعيّ غير معلومِ الثّبوتِ وعلى تقديره لم يعلم سببيّته لرفع التكليف وتغيرّ الحكم لظهور الأدلة في الشخصي.

نعم العُسْرُ المخلّ بالنّظام وإنْ كان نوعيّاً يُوجِبُ رَفْعَ الحكم.

وأمّا ترتُّبُ الأثر على الصّحّة باعتقادِ العامل فهو يتّبع الدّليل، وقد جعلناه من إحدى المقامات، وحينئذٍ فالأقوى بمقتضى القواعِدِ عَدَمُ الإجزاء.

ويمكن التمسُّكُ في باب الصّلاة بقاعدة الفراغ وأصالةِ الصّحّة بل ويجري ذلك في مطلق العبادات، بل وغيرها من المعاملات، حتى بالنّسبة إلى الصَّادر من الغير ايضاً؛ لعموم أدلّة البناء على الصّحّة، لكنّه وإنْ كانَ غير بعيد - بناء على ظاهر إطلاقاتِها - إلاّ أنّ قَصْرَ حُجيّتها في خصوص الشّبهاتِ الموضوعيّة دونَ الحكمية وظهورها ولو انصرافاً أو نظراً إلى الحكمة المشار إليها في بعض الأخبار في مورد لم يكن صورة العمل محفوظة، بل وفي سوقها سوق إلغاء احتمال السّهو والنسيان يُبعّدُ الاعتماد على هذا الإطلاق، ولذا لم يحضرني من تمسَّك بها، نعم في خصوص الصلاة إذا لم يوجب الاختلاف زيادة ركن أو نقصه يمكن التمسّك بـ(بلا تعاد)([125])، ولا وجه للتعدّي إلى غيرها.

ومع ذلك كلّهِ فالمسألةُ في نهاية الإشكال، ولَعلَّنا نعود إليها في ضمن المسألة الآتية، إلا أنْ يثبت الدّليلُ على أنَّ العمل الواقع صحيحاً باجتهادٍ أو تقليدٍ صحيح يترتَّبُ عليه الآثارُ ولو بَعْدَ بُطْلانِ الطَّريق، فيكونُ حالُ طريقه بعد اختلافِ رأيه حالَ العَمَل الصَّادر من مجتهدٍ آخر، فإنَّ الآخر يُرتّبُ آثار الصّحّة على موضوعٍ صدر من الأوَّلٍ باجتهاد، أفلا ترى أنّه يجوز عليه التصرُّفُ فيما اشتراه بالعقد الفارسي أو امرأةٍ زوَّجها به، كذلك يكونُ حال نفسِهِ بالنّسبة إلى زمانِ الاجتهادَينِ والإنصافُ أنّهُ ليس ببعيد.

المسألة الرابعة والخمسون: الوكيلُ في عَمَلِ عن الغير -كإجراءِ عَقْدٍ أو
إيقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفّارة أو نحو ذلك
- يجب أنْ يعمل بمقتضى تقليد الموكّل... وكذلك الوصيّ في مثلِ ما لو كان وَصياً في استيجار الصَّلاةِ عنه...([126])

لا يخفى أنَّ لازم ما مَرّ منا - من كونِ حُجّية الطّرقِ والأمارات من باب الطريقية وأنّه ليس لها بوجهٍ موضوعية - أنْ لا يختلفَ الواقع بالنسبة إلى المجتهدين المختلفين وإنْ كانت مقتضياتُ الطّرق والأمارات بالنسبة إليهم مختلفة، فالمختلفون في الاجتهادِ تختلفُ طُرُقُهم إلى الواقع فيختلِفُ تنجُّز الواقع بالنّسبة إليهم، فقد يكونُ الواقع بالنسبة إلى أحدِهِم منجزاً وبالنسبة إلى الآخر غير منجّز وذلك لأداءِ الطريق إليه بالنسبةِ إليهِ، دُونَ صاحبه، فيكونُ الآخر معذوراً وصاحبه غير معذور، ومن ذلك تكاليفهم العقلية في مواردِ اختلاف الأمارات، وحينئذٍ فإذا كان أحدُهُم وكيلاً لآخر في إجراءِ عَقْدٍ أو إيقاع أو عَمَلِ عبادّي فهل يراعي في عَملِهِ ما يكونُ من الواقع فعلياً في عَمَلِ نفسه أو عمل موكلّه؟ وجهان.

من أنّ الواقع لهما واحدٌ وتكليفُ الوكيل في مقام إحرازِهِ ما يؤدي إليه أمارته وحُجّيّته؛ لأنّه التكليفُ في عَمَل الوكالة، فيجب أنْ يراعي ما هو طريقٌ بالنّسبةِ إليه ولو كان العمل لغيره.

ومن أنّ وظيفة الوكيل إتيانُ ما كان فعلياً من الواقع بالنّسبة إلى مُوكلّه والفعليُّ من الواقعِ بالنّسبَةِ إليه ما كان مؤدّىً لطريقه.

وبعبارةٍ أخرى: وظيفةُ الوكيل في العبادات بل وفي المعاملات إتيانُ ما كانَ سَبباً للموكّل وفي حكمه ومنجّزاً عليه ومكلّفاً بحسب العقل والشرع لتحصيله، وهو مؤديات الطرق الواصلة إليه دون الوكيل.

والتحقيقُ الفَرْقُ بين الوكيل والوصيُّ، فالوكيل وكيلٌ في تحصيلِ الواقع بالنّسبة إلى الموكّّل؛ لأنّه الذي([127]) مكلّف بالعمل به، فمَنْ يريدُ شراءَ دارٍ أو تزويج امرأةٍ يُريدُ تحصيله على وجهٍ جائز له التصرّف فيه والتمتع به، دونَ ما لو التفتَ إلى كيفية وقوعه لم يجز له ذلك، وكذلك يريد وصول الزكاة والخمس إلى مَنْ يكون الموصول إليه مبرأ له ورافعاً لاشتغال ذمّتِهِ، دونَ من لو التفتَ إليه وَجَبَ عليه إعادته، فلو كانَ مُقتَضَى اجتهاد الموكّل أو تقليده ما يٌوافِقُ الاحتياط لم يَجُزْ العَمَلُ للوكيل على وَجْهٍ يُخالِفُهُ.

إلا أنْ يَجْعَلَ العُهْدَةَ إليه بحيثُ يخرُجُ عنها بمجّرد إيصالِ المال إليه، نظير إقباض المجتهد إياه فإنَّه يقتضيه بما هو وليُّ المستحق، فيخرج مَنْ عليهِ الحقّ بمجّرد إيصالِ المال إليه عن العُهْدَة، لكنّه خارجٌ عمّا نَحْنُ فيهِ، فإنَّه كلامنا في من يؤدّي ما يؤدّي بعنوانِ الوكالة عمَّن عليه الحقّ، وأمّا إنْ كان مقتضى اجتهادِ الموكّل مخالفاً للاحتياط فإنْ عَمِلَ الوكيلُ على الاحتياط فلا كلام، وإنْ عَمِلَ على خلاف الاحتياط فقد برأ الموكّل عن عهدة الحقّ، والوكيلُ عن عهدة العمل بالوكالة، كما عرفت، ومنه ظهر ما لو كان مقتضى الاجتهادين أو التقليدين متخالفين.

إنْ قلت في الفرض الأخير: إنْْ كان العَمَلُ عبادياًً لا يتمكَّنُ الوكيل عن قَصْدِ التقرُّبِ له اختارَ ما يُخالِفُ الاحتياط.

قلت: تمشّي القربة منه من هذه الجهة ليس بأشكل من تقرّبه بأمرِ الموكّل، مع أنّا نمنعُ من وجوبِ قصدها على الوكيل، فلا يجبُ على الوكيل في أداء الزكاة والخمس قَصْدَ القربة، هذا بالنسبة إلى الوكيل.

وأمّا الوصيُّ عن الميّت فيمكن أنْ يقال: بوجوبِ رعاية اجتهادِهِ دونَ الميّت؛ لأنَّ ما يَفْعَلُهُ الوصيّ ليس إلاّ لدفع الوزر واستحقاقِ العِقاب عن الميت والعِقابُ مرتَّبٌ على الواقع دون مؤدّي الأمارات.

توضيحه: إنّ ما يؤتى به في الخارج:

إما أنْ يكون الغرضُ منه ترتيب الآثار بحسب التكاليف المتوجّهة إلى الشخص، كبيع الدّار وشرائها وتزويج المرأة وطلاقها، وأداء الخمس والزكاة مع حياة من عليه الحقّ، فإنَّ الغرض في الأخير استراحَةُ مَنْ عليه وأمنهِ وعدم وجوبه عليه ثانياً، وفي الأوّلين ترتيبُ آثارِ الزّوجية أو البينونة أو الملكّية للثَّمَنْ أو المثمن، ولا إشكال في أنَّ كُلَّ ذلك مترتّبٌ على ما كان من الواقع فعلياً بالنسبة إليه وليس ذلك الاَّ ما أدَّتْ إليه، حجّته وامارته.

وأمّا أنْ يكون الغرضُ رفع الوزر والعقاب أو جلب الثواب، كمَنْ يوصي باستيجار مَنْ يصلّي عنه، فإنّه ليس الغَرَضُ من ذلك إلاّ رَفْعُ ما تَوَجَّهَ عليه من استحقاقِ العقاب، ومن المعلوم أنَّ العقاب المتوجّه إليه ليس إلاّ على الواقع الفائت عنه لا على مخالفة الطريق؛ لما قُرِّرَ في مَحَلِّه من أنَّ التكليف بالعَمَل بالطريق إنْ كانَ فهو تكليفٌ مُصَحِّحٌ للعقاب على مخالفة الواقع في موردِهِ، وإلاّ فلا يكون إلاّ تجرّيا.

ثمّ هل للميّت أنْ يوصي بالعمل على ما يوافق اجتهاده أو تقليده؟ وإنْ أوصى كذلك فهل على الوصيّ العمل إذا خَالَفَ رأيه؟

وهل يجوزُ للأخيرِ النيابة عن الميّتِ في عَمَلٍ يراهُ باطلاً؟ التحقيُق: نعم إنْ كان خلافه للميّت بالدليلِ الظنّي، ولا إنْ كان بالدّليل العلميّ.

المسألةُ الخامِسَةُ والخمسون: إذا كان البائع مقلِّداً لمن يقول بصحة المعاطاة مثلاً...، والمشتري... لمن يقول بالبطلان، لا يصحُّ البيع بالنسبة إلى البائع ايضاً لأنّه متقوّم بطرفين، فاللاّزمُ أنْ يكونَ صحيحاً من الطَّرَفين، وكذا في كُلِّ عقدٍ...([128])

اختلف الموجِبُ والقابل في صِحّته وفَسَاده.

وفي مكاسب شيخنا الأكبر  رحمه الله  في المسألة: (وجوهٌ، ثالثُها: اشتراطُ عدم كون العقد المركّب منهما ممّا لا قائل بكونه سبباً في النقل، كما لو فرضنا أنّه لا قائل بجواز تقديم القبول على الإيجاب وجواز العقد بالفارسي، أردؤها أخيرُها، والأوّلان مبنيّان على أنّ الأحكامَ المجتهد فيها بمنزلة الأحكام الاضطرارية... أو هي أحكامٌ عذرية)، إلى أنْ قال: (هذا إذا كانَ بُطلانُ العقد عند كُلٍّ مستنداً إلى فعلِ الآخر، كالصّراحة والعربية والماضوية والترتيب، وأمّا الموالاة والتنجُّز أو البقاء على صحة الإنشاء إلى آخر العقد، فالظاهر أنَّ اختلافها يُوجِبُ فَسَادَ المجموع؛ لأنَّ الإخلال بالموالاةِ أو التنجيز أو البقاءِ على صِحَّةِ الإنشاءِ يُفسدُ عبارةَ مَنْ يراها شروطاً)([129])، انتهى ملخّصا.

وفيه: إنَّ الأحكامَ الظاهرية لم يحتمل أحدٌ كونَها من قبيل الأحكام الاضطرارية مشتملةً على مصلحةٍ مغيِّرةٍ للواقع متصرف في دليله، وإلاّ لَزَمَ التصويبُ الباطل، ثمَّ لا تلازم بين عدم كونها من قبيل الاضطراري وكونها مجرّد عذرٍ لمن قامت عنده من غير استتباعِ حُكْم في موردها شرعي، وحينئذٍ فلو كان في موردهاً جَعْلُ حُكْمٍ شرعيٍّ كان ما وقع مطابقاً لها صحيحاً شرعياً، فكان لأحد المجتهدين ترتيب آثار الصحة على فعل المجتهد الآخر، فلا يجوز له تزوّيج امرأةٍ عَقد عليها بالفارسية، ولا التصُّرف في دار اشتراها بالعقد الفارسي من دون إذنه، بخلاف ما لو كانت مجّرد عذر.

وعلى أيِّ حالٍ فلا مانع من أنْ يرتّب القائلُ بصحّة العقد بالفارسي إذا قبل بالفارسية الأثرَ على العقدِ الذي أوجبه مَنْ يقولُ بفساده؛ لاجتماع شرائط الصحة عنده، ولا مانع من اختلافِ المتبايعين في الصحّة والفساد ظاهراً.

وعلّل المصّنفُ ما ذَهَبَ إليه من الفساد في حاشيته على المكاسب:

(بأنَّ ترتُّبَ الأثر على ظنّ المجتهدِ الآخر إنّما يكونُ في ما لو كان فعله موضوعاً للحكم بالنسبة إليه، كما في مثال النكاح وغيره، وأمّا إذا كان في فعله قائماً مقام فعله فلا، كما إذا استأجر الوليّ الذي يجب عليه قضاء الميّت من يعتقد بطلان صلاته وإنْ كانت صحيحة عند نفسه، فإنَّ فعلُ الأجير فعل المستأجر، فلا يجوز الاكتفاء به).

قال: (وما نحن فيه - يعني: اختلاف طرفي العقد - من هذا القبيل، فإنَّ العقد متقوّمٌ بطرفين، ويجبُ على كُلٍّ من المتبايعين إيجاد عقد البيع، الذي هو عبارة عن الإيجاب والقبول، فلا يجوز لواحدٍ منهما الأكلُ إلاّ بعد ذلك، فمع اعتقاد أحدِهما بطلانه ولو ببطلان أحدِ جُزْئيه لا يجوزُ له ترتيبُ الأثر).

قال: (وإنّما يتمّ ما ذكره المصنّف  رحمه الله  لو كان المؤثّرُ في حقّ البائع في جواز الأكل الإيجاب الصحيح، وبالنسبة إلى المشتري القبول الصحيح، وليس كذلك إذ المؤثِّر المجموعُ، وهو فعلُ كُلِّ واحدٍ منهما، وبعبارةٍ أخرى ليسَ جوازُ القبول معلَّقاً على وجودِ ايجابٍ صحيح من الغير حتّى يقال إنَّ المفروض أنّه محكومٌ بالصحّةِ عندَ الموجبِ، وبالجملة البيعُ فعلٌ ]واحد[ تشريكي، ولا بدّ من كونه صحيحاً في مذهبِ كُلٍّ منهما؛ ليتمكَّنَ من ترتيب الأثر عليه، وهذا بخلافِ مسألةِ النكاح، فإنَّ الفعل للأوّل والثاني يرتّب عليه اثره)([130]) انتهى.

ومرادُهُ من مثالِ النّكاح النكاحُ الواقع من أحدِ المجتهدين مع طرفه صحيحاً بالنسبة إلى مجتهدٍ آخر مخالفٍ له في فتواه، وإلا فحالُ النكاح مع اختلافِ الطرفين حالُ البيع، وعلى أيِّ حالٍ فلم يأتِ لما ذكره من الاعتبار بدليلٍ قاطعٍ للإطلاقاتِ بالنسبة إلى الطّرفِ الذي يرى البيع كذلك صحيحا.

المسألة السادسة والخمسون: في المرافعات اختيارُ تعيين الحاكم بيد المدَّعى، إلا إذا كانَ مختار المدَّعى عليه أعَلَمُ، بل مع وجود الأعلم وإمكان التّرافُعِ إليه الأحوطُ الرُّجوعُ إليه مطلقا.

ظاهره جوازُ الترافُعِ إلى غير الأعلم مع توافُقِ المدّعي والمدَّعَى عليه، نَعَمْ الأحوطُ عَدَمُ ترافُعِهِما إلى غيرِ الأعلم ولو مع التوافق، ويتوجَّهُ عليه أنَّ الظاهرَ مع اتحاد المدرك في المسألتين يَعني: المحاكمة إلى المفضول مع وجودِ الأفضل وتقليده، بل رُبَّما يكونُ من أفرادِهِ إذا كانت الشبهة حُكْميَّةً، كالنزاع في اختصاص الأكبر بالحبوةِ مجّاناً وإرثُ الزّوجة من الدّية مثلاً، فما وجهُ جزمه بوجوبِ تقليدِ الأعلم أو توقفه وجزمه بالجواز هنا؟

نعم بناء على ما ذكرنا من أنَّ مخالَفَةَ الأعلمِ مانعَةٌ من تقليدِ غيرِهِ لا يتوَجَّهُ إشكالٌ؛ لما عَرَفْتَ من أنَّ المانعَ مخالفةُ الأعلم، وهو في الفتوى يتحقَّقُ بنفسِ الإفتاء على الخلاف، وأمّا في الحكم فلا تتحقَّقُ المخالفة إلاّ بَعْدَ المراجعة والحكومة أو الدخول.

ويمكن أنْ يُجابَ بناءً على مختار المصنف  رحمه الله  أيضاً، بأنّ الإطلاقات المسوقَةِ لبيانِ الرُّجوعِ إلى العلماء الشّامل للأعلم وغيره لم تقيّد بخصوصِ الأعلم إلا في صُورَةِ مخالفتها في الحكم.

إمّا في باب التقليد فلا دليلَ لفظيٌ عليه، فضلاً عن أنْ يكونَ له إطلاق كذلك، فيجبُ الأخذ بالمتيقَّن([131]) الطريقية، وإنْ كُنَّا أوضحنا الإطلاقات في باب التقليد أيضا.

ثم بناءً على جوازِ الرُّجوع إلى غيرِ الأعلم فما وَجْهُ تعيُّنِ الأعلم إذا اختاره المدّعى عليه؟ ويمكن أنْ يكونَ لأجلِ الإجماعاتِ المدَّعاة على تَعَيُّنِ الرُّجوعِ إلى الأعلم.

أو يقال: إنَّ المستفادَ من المقبولَةِ الدّالة على تَعَيُّنِ الأعلم عند الاختلاف تقديمُهُ عند اختلاف المتداعيين.

أو يقال: إنَّ الرجوعَ إلى الأعلمِ الموجِب لوجوبِ الإجابةِ على المدّعي دعوتَه إلى الحضور لو استدعاه تمنعُ([132]) عن جوازِ رُجوعِهِ إلى غيرِهِ؛ لظهور التنافي بين مقتضيهما، بل كان يتحَقَّقُ به موضوعُ المخالفة التي يتقدَّمُ فيها الأعلم.

أو يقال: بانصراف الاطلاقات التي كانت هي المنشأ لجواز الرجوع إلى غير الأعلم إلى غيره.

وكيف كان فاختيارُ المرجع والمحاكمة ابتداءً بيدِ المدّعي؛ لأنّه المطالِبُ بالحقِّ فلَهُ الحضورُ عندَ أيِّ حاكمٍ أرادَ، وقد عَرَفْتَ أنْ مقتضى القاعدة بقاءُ هذا الخيار ولو أرادَ المدَّعى عليه الحضورُ عند الأعلم، إلاّ أنْ يُدَّعَى تعيُّنَهُ حينئذٍ بأحدٍ من الوجوه السابقة، ولا بأسَ ببعضها، بل لعلَّ مقتضى اطلاقِ المقبولة كفايةُ التشاحّ في تقديم الأعلم.

المسألة السابعة والخمسون: حُكْمُ الحاكم الجامع للشَّرائطِ لا يَجوزُ نَقْضُهُ ولو لمجتهدٍ آخر، إلاّ إذا تبيَّنَ خطؤه.

عدمُ جوازِ نقضِهِ ولو لمجتهدٍ آخرٍ فلإطلاقِ ما دَلَّ على حُرْمَةِ الردّ، ولأنه حُكْمٌ من جانبِ اللهِ بالعَدْلِ والقسط، فلا يجوزُ رَدُّهُ، وأمّا أنَّه يجوزُ ذلك إذا تبيّن خطأه، فلا إشكال فيه لو كان المراد من تَبيُّنِ الخطأ ظهورُ عدم كون اجتهادِهِ مُبتنياً على القوانين المقرَّرة للاجتهاد، بمعنى عدم كونِ الحكمِ المجتهدِ فيه حُكْماً إلهياً لعدم المشي فيه على القوانين الواصلة إلينا، أو عَدَمِ اتعاب النظر في استيفائها.

والحاصل: أن لا يكونَ القاضي فيه معذوراً، وأمّا لو كان اجتهاده منطبقاً على الأصولِ معذوراً في ما أدَّى إليه نظره فجوازُ نقضِهِ والرّد عليه مَحَلُّ إشكالٍ مع تلك الإطلاقات حتّى لو كان تبيّن خطأه علمياً إذا كانَ العلمُ المزبور مَحَلاًّ لاجتهادِ الخلاف، بل جوازُ نظر المجتهد في مَباني المجتهد الأوّل لعلّه من التفحّص المنهيّ عنه، بل نظره في أصلِ المسألة ومراجعة المرافعة ثانياً مع ثبوت حكم الأّول شرعاً محلُّ اشكال وإنْ كان ظاهرهم الجوازُ إنْ كان ذلكَ بمسألة المتداعيين وتراضيهما على تجديد المرافعة.

وكيف كان فلعلَّ مَنْ قَرَنَ في أصلِ المسألة بِين ما كان تبيّن الخطأ علمياً أو ظنياً نظراً إلى أنَّ الغالب عَدَمُ كون المباني العلمية قابلةٌ للاجتهاد والخطأ فيها، فيكون المجتهد بخلافه مقصّراً في اجتهاده.

المسألة الثامنة والخمسون: إذا نَقَلَ ناقلٌ فتوى المجتهد لغيره، لا يجبُ على الناقل إعلامُ الغير بتبدل رأي المجتهد وإنْ كان أحوط وإنْ كان عليه ذلك إذا كان مخطئاً في نقله([133]).

أمّا أنه لا يجب عليه إعلامُ مَنْ نَقَلَ إليه الفتوى بتغيّر رأي المجتهد فلعدم المقتضى له إذ ليسَ البقاءُ على الرّأي الأوّل من المنكر حتى يجبُ الرَّدعُ عنه، ولا كانَ ذلكَ بتسبيبه حتّى يقال إنّه عاملٌ على خلافِ وظيفته فيجبُ عليه رَدْعه لقُبْحِ التسبيب إلى ذلكَ عقلاً، بل مَرَّ منّا المنعُ من وُجوبِ الإعلامِ عَقْلاً حتَّى إذا كان مخطئاً في نقله، إلاّ إذا كانت الواقعةُ على طبقِ المنقول مما لا يريد الشرع وقوعها، فيجبُ على كُلِّ أحدٍ رَدْعُ العامل من غيرِ اختصاصٍ بالناقل.

المسألةُ التّاسعةُ والخمسون: إذا تَعارَضَ النّاقلان في نقل الفتوى تساقطا، وكذا البيّنتان، وإذا تعارض النَّقْلُ مع السّماع... قُدِّمَ السّماع، وكذا إذا تعارَضَ ما في الرسالة...، ومع تعارض النقل... والرسالة قُدِّم... الرسالة مع الأمن من الغلط([134]).

لعل ذلكَ مع اتّحادِ تأريخ التعارُض أو العلم بعَدَمِ اختلافِ الرأي من المجتهد، وإلاّ فلا وَجْهَ لِعَدَمِ الجمع بالحَمْل على تبُّدلِ الرّأي فيؤخذُ بالمتأخّر، وهل يُقَدَّمُ الأظْهَرُ والنَّصُّ على الظاهر.

وبعبارةٍ أخرى: يَجْمَعُ بَينَ المتعارضَينِ في الدّلالة كما يجمع في الأخبار أو لا؟ وجهان! أقواهُما لا؛ لأنَّ الجَمْعَ الدّلالي راجعٌ إلى رَفْعِ اليدِ عن الظّهورِ لقرينةِ نَصٍّ أو أظهر.

وبعبارةٍ أخرى: مرجعُ الجمع الدّلالي إلى جَعْلِ بَعْضِ الكلامِ قرينةً صارفةً عن ظاهر بعض آخر، ومن المعلومِ أنَّهُ لا يكونُ إلاّ بالنّسبة إلى متكلّمٍ واحدٍ أو متكلّمَينِ كانا في حكم الواحد، وأمَّا مع تَعُّدد المتكلِّم موضوعاً وحُكماً فلا وجه لصرف ظاهر كلام أحدِهما بكلامٍ آخر؛ إذ لا يكونُ أحدُ الكلامَينِ قرينةً على الآخر، فتأمّل.

ثمّ إنَّ ما يَظْهَرُ من المصنّف من تقديمِ السَّماع على النّقل لَعَلَّهُ من جهةِ أنَّ النَّقل ظنّيٌ من جهتين والسَّماع من جهة واحدة.

ومنه يَظْهَرُ وَجْهُ تقديمه على ما في الرّسالة أيضا.

وأمّا ترجيحُ الرّسالة على النقل فلأنَّ الرّسالة مع الأمن من الغلط بمنزلة السّماع إنْ كان هو الكاتب، فلا يكونُ في الحقيقة بين المجتهد والرسالة واسطةٌ.

ومنه يظهر ضَعْفُ ما أشرنا إليه، من توجيه تقديم السَّماع على الرسالة المأمونة من الغلط، أو كان ما ذكرنا مبتنياً على تحقّق الواسطة بين المجتهد والرّسالة، وقد عرفت منعها، بل التحقيقُ أنَّ كُلَّ ما ذكرنا من المرجّحات لا يرجعُ إلى مُحَصَّل؛ لأنَّ المرجّحيّةَ كأصلِ الحُجّيّة محتاجةٌ إلى دليلٍ، وليس.

ودعوى استفادةُ ذلك من أخبارِ التراجيح([135]).

مدفوعةٌ، أوّلاً: بالمنع من التعدّي عن أدلّةِ الأحكامِ، اللّهم، إلاّ أنْ يقال: إنَّ ذلك منها أيضاً، ولذا احتملنا حُجّيّةَ خبر العَدْلِ بل الموثوقِ به في نقل الفتوى وإنْ بنينا على عدمِ حُجّيّتها في الموضوعات.

والحاصل: إنَّ نقلَ الفتوى أقْرَبُ إلى نَقْلِ الأحكامِ الكُلّيةِ من نَقْلِ الموضوعات، فيأتي فيها التراجيحُ المسطورَةُ هناك، ويتعدَّى ما يتعدَّى إليه هُناك ايضاً، ولكنَّ الأقرب مع ذلك وجوبُ الأخذِ بالمتأخّر إنْ احتمل تجدُّدَ الرّأي، وإلاّ تساقطا، أو أَخَذَ بالموثوقِ به إنْ كان.

المسألةُ الستون([136]): إذا عرضت مسألة لا يعلم حكمها، ولم يكن الأعلم حاضراً، فإنْ أمكنَ تأخير الواقعة إلى حضور الأعلم وَجََبَ، وإلا احتاط، وإن لم يمكِنْ الاحتياط رَجَعَ إلى مجتهدٍ آخر الأعلمُ فالأعلم، وإنْ لم يمكن ذلك عَمِلَ بقولِ المشهور إنْ أمْكَنَ له ذلك، وإلاّ رجعَ إلى أوثقِ الأموات، وإلاّ عمل بظنّه، وإلاّ بنى على أحدِ الاحتمالين، وعلى التقادير إنْ تَبَيَّنَ مخالفةُ ما اختاره لفتوى مجتهدِهِ كان عليه الإعادة أو القضاء.

لا يخفى أنّه لا إشكالَ عندنا في جوازِ العَمَل بفتوى غير الأعلم إنْ لَمْ نَعْلَمْ اختلافَهُ مع الأعلم في الفتوى تفصيلاً ولا إجمالاً؛ لما عَرَفْتَ مِنْ أنَّ الفتوى المخالفة من الأعلم مانعٌ من تقليد غيرِهِ، لا أنَّ الأعلميّةَ شَرْطٌ، وعليه فلا يجبُ عليه تأخيرُ الواقعة مَعَ عَدَمِ عِلْمِهِ بمخالفتهما.

نعم مع علمِهِ بمخالَفتهما ولو اجمالاً في ما يبتلي به من الوقائع وَجَبَ تأخيرُ الواقعة إلى اطّلاعِهِ على طريقه وهو قول الأعلم.

ومع عدمِ إمْكانِ التأخير فهل يَكُونُ من مواردِ عدم التمكُّنِ من الأعلم حتَّى يجوز الرّجوع إلى غير الأعلم بناءً على ما مَرَّ مِنْ أنَّ الرُّجوعَ إلى الأعلم إِنَّما يَجبُ مع التّمَكُّنِ، وإمّا مَعَ عدم التمكّن فلا مانع من تقليدِ غير الأعلم، أو أنَّ عدم التمكّن الذي هو شرطُ وجوبِ الرُّجوعِ إلى غير الأعلم غير هذا النَّحو من عدمِ التمكّن؛ لأنَّ في الفرض عسر الاطّلاع على فتواه اتّفاقي لُعْذرَّية الواقعة بعد أنْ رجع إليه وجعله طريقاً، بل قلَّدَهُ والتزم بالعمل بفتاويه، وجهان.

وعلى الأوّل لا يَجبُ الاحتياطُ لأنَّ المفروضَ كونُهُ من موارِدِ عُسْرِ الاّطلاعِ على فتوى الأعلم، ومعه يسقُطُ وجوبُ الرُّجوع إليه.

وعلى الثاني وَجَبَ الاحتياطُ بين ما يَحْتَمِلُ كونه فتواه، فيختارُ أحوط الاحتمالات إنْ كان وإلاّ فيجمع بين الاحتمالين أو الاحتمالات.

ويمكن أنْ يقال: إنّ مع امكان الاحتياطِ لم يتعذَّر الرّجوع إلى الأعلم فيجب، ومع عدمه يسقط وجوبُ الرجوع إليه فيختار غير الأعلم، وإنْ لم يمكن الاحتياط فهل يجبُ الرّجوعُ إلى غير الأعلم مُعّيناً كما هو الظاهر من المتن، أو يُجْمَعُ بينه وبينَ المراتب المتأخّرة بناءً على أنَّ طريقية قول غير الأعلمِ مع وجودِ الأعلم غيرُ معلومةٍ، بل معلومةُ العَدَم، فحاله مع وجودِهِ حال المجتهد الميّت.

ودعوى أنّـه ليس من موارد التمكُّن من الأعلم رجوعٌ عن فَرْضِ المسألة؛ إذ قَدْ عَرَفْتَ أنَّ عليهِ لا يَجبُ الاحتياطُ من أَوّل الأمر.

اللهم إلا على ما عَرَفْتَ من أنَّ مع التمكّن من الاحتياط لم يتعذّر الرّجوعُ إليه فيجبُ، ومع عَدَمِهِ يَسْقُطُ، وحينئذٍ فيتعيَّن الرُّجوعُ إلى غير الأعلم
مع وجوده.

وأمّا مع عدم المجتهد فظاهرُ المتن تقدّم المشهور على تقليد الميّت، وهو على العمل بالظن، ولعلَّ وجه الأوّل: أنّ تقليد الميّت مما قام الدّليل على عَدَمِهِ، والمشهورُ لم يَقُمْ الدّليلُ على حُجيّته ومع دورانِ الأمر بينَ العَمَل بأحدهما يتعيّنُ العَمَلُ على الثاني، ومع عدمهما فالظنُّ أقربُ الطرق، ومع عدمه يتعيَّنُ العَمَلُ بالاحتمال؛ لأنَّ المفروض العلمُ بعدم سُقوط الواقع.

ولكن للنفس في هذا التّرجيح والترتيبِ وسوسة؛ لعدم دليلٍ عليه، وما ذُكِرَ لا يرجعُ إلى أزيد من استحسانٍ لم يَقُمْ عليه دليلٌ، واحتمالُ تعيّنِ العَمَل بالظنّ إذا وَافَقَ أحَدَاً من الشُّهْرَة، وفتوى أوثقِ الأموات قائم فيقدَّمُ أيّاً منهما طابَقَ ظَنَّ العامل، وإنْ خالفا ظنَّهُ فالأحوطِ الجَمْعُ بين مظنونِـهِ وبينهما، ومع عدم الإمكانِ فالتخيير مُحْتَمَلٌ، والتوُّقفُ مَعَ عَدَمِ إمكانِ الاحتياط متعيّنٌ.

ثمّ ما ذكره من أنـّه إنْ انكشَفَ عَدَمُ مُطَابَقَةِ عَمَلِهِ لما هو فتوى الأعلم لا يتمُّ في المرتبة الأولى جَزْمَاً؛ لما عَرَفْتَ مِنْ أنَّ قولَ غيرَ الأعلمِ مع العجز عن الرّجوع إلى الأعلم حُجَّةٌ شرعيةٌ، فلا وَجْهَ للإعادة مع المخالفة، وأمّا في سائر المراتب فيمكِنُ أنْ يقال:

إنَّ وَجْهَ الرُّجوعِ إليها ليسَ إلاّ حُكْمُ العَقْلِ بمقدِّماتِ الانسداد، وهو يُوجِبُ كونَ ما يَحْكُمُ بـهِ العقل ويَعِّينُهُ للعامل من العمل على المشهور أو أوثق الأموات أو الظنّ حُجّةً شرعيةً، غايةُ الأمر كونُهُ أقرب الطّرق إلى الواقع، فإنْ وافقه أو وافَقَ حجّةً من حُجَجِهِ أجزأ، وإلاّ بقَيتْ ذِمَّةُ المكلَّفِ مَشْغولة بَعْدَ رَفْعِ الانسداد وفتح باب العلم والعمل.

نعم من رأى حُجّيّةَ فتوى المفتي أيضاً من باب الانسداد لم يكنْ فرقٌ عندَهُ بين المعمولِ به في الحالين، فيمكِنُ المنعُ عن عدمِ الإجزاء ووجوبِ الإعادة أو القضاء عليه.

المسألة الواحدة والستون: إذا قَلَّدَ مجتهداً ثمّ ماتَ، فقَلَّدَ غيره، ثمَّ ماتَ، فقلَّدَ مَنْ يقولُ بوجوبِ البقاءِ على تقليدِ الميّت أو جوازه، فهل يَبقى على تقليدِ المجتهدِ الأوّل أو الثاني؟ الأظهرُ الثاني، والأحوطُ مراعاةُ الاحتياط.

لا ينبغي الإشكالُ في أنّ الأظهر الأقوى بقاءه على تقليد الثاني إنْ كان فتوى الثالث جوازُ البقاء، بل عليه يكونُ رُجُوعَهُ إلى الأوّل تقليداً ابتدائياً من الميّت؛ لانقطاعِ التقليد الأوّل بالعدول إلى الثاني.

نعم بناءً على قولِ الثالث بوجوبِ البقاءِ وعدمِ جوازِ العُدولِ أمْكَنَ أنْ يكونَ عدوله إلى الثاني محرَّماً غيرُ نافذٍ، فلا يكونُ عدولُهُ صحيحاً، فيجبُ أنْ يبقى على تقليد الأول، وليس ذلك تقليداً ابتدائياً له منه؛ لفسادِ عُدُولِهِ إلى الثاني.

وبعبارةٍ أخرى: فتواهُ بوجوبِ البقاءِ مقتضاه أنْ يكونَ ذلك تكليفاً له من حين موت المجتهد الأول، وإنّ رجوعه إلى الثاني لم يكن بمحلّهِ، غايةُ الأمرِ كانَ معذوراً في المخالَفَةِ، فيجبُ عليه من حين فتوى الثالث تقليد الأوّل على ما كانَ مُقتضى واقعِهِ بمقتضى فتوى الثالث.

إنْ قلت: مُقتضى تقليدِ الثالث وإنْ كانَ فسادُ الرّجوع إلى الثاني إلاّ أنَّ فتواهُ لم يَكُنْ حجَّةً في حَقِّ المقلّد حينَ عدل إلى الثاني، فكان عدولُهُ إليه حين عدولِهِ صحيحاً ومطابقاً لفتوى مقلّده، وفتوى الثالث إنّما صارَ حُجَّةً له بعدَ انقضاءِ تقليدِ الثاني، فيكونُ تقليدُهُ السَّابقُ تقليداً صحيحاً، ومعه يكونُ الرّجوع إلى الأوّل تقليداً ابتدائيا.

قلتُ: نَعَمْ إنّما كان تقليداً صحيحاً إلى زمانِ موتِ الثّاني، وإمّا بعده فيجبُ عليه أنْ يرتّب آثار العدول الفاسد بمقتضى فتوى الثالث، وعليه فلا يكونُ رجوعه إلى الأوّل تقليداً ابتدائيا.

ولعلَّ المسألة من فروعِ ما مَرَّ من مسألة الإجزاءِ وأنَّ الفتوى المتأخرة يكون بمنزلةِ النّسخ أو كاشفاً عن فساد ما خالفه من الأعمال من قبل وقوعه، وقد عرفت أنَّ مقتضى قواعد الطريقية، وإنْ كانَ هو الثاني إلاّ أنَّ الظاهر أنَّ الأفعال السابقة التي كانت من قبل الموضوع لما يأتي لا يؤثّر فيها الاجتهاد المتأخر، فما وَقَعَ من التقليد السّابق للمجتهد الثاني انعقدَ، ولا يؤثرُ فيه فتوى الثالث، فالأظهر ما في المتن من البقاء على تقليد الثاني وإنْ كان الأحوطُ مراعاة الأوّل أيضا.

المسألة الثانية والستون: يكفي في تحقُّقِ التقليد أخذ الرسالة والالتزام بالعمل بما فيها وإنْ لم يعلم ما فيها ولم يعمل، فلو مات مجتهده جاز له البقاء، وإنْ كانَ الأحوطُ مع عدم العلم بل مع عدم العمل ولو كان بعد العلم عدمُ البقاء والعدولُ إلى الحيّ، بل الأحوط استحباباً على وجهِ عدمِ البقاءِ مُطلقاً ولو بعد العلم والعمل.

مرّ أنّ الأظهر مراعاةُ العمل في تحقُّق التقليد، وإشكالُ الدّور المعروف لا مُحَصَّلَ له، كما مَرَّ أنَّ مسألةَ البقاءِ وعدمِهِ غيرُ مَبنيةٍ على كونِ التقليدِ مُجَرّدُ العَمَل أو مُطْلق الالتزام؛ إذ مبني([137]) على جريانِ استصحابِ الحجّية أو الحكم الفرعي أو إطلاق الأمر بالسؤال، فانّـه يتحقَّقُ بمجرّدِ العلم ولو لم يتعقّبه عَمَلٌ وإنْ جعلنا التقليدَ عبارَةً عن العمل.

نعم يمكن أنْ يقال: إنَّ التقليدَ لو كان مجرَّد الالتزام كانَ العَمَلُ المتأخّرُ عنه بقاءً وإنْ اعتبرنا فيه العمل لم يكن ذلك بقاءَ بل تقليداً ابتدائياً مُحرَّماً، فوجهُ ابتناءِ المسأَلةِ على تحقيقِ معنى التقليدِ والتقليد الابتدائي حتَّى نجزمُ بعدمه إنْ كانَ من أفرادِ التقليد الابتدائي.

لكن مَرَّ سابقاً أنَّ ما دَلَّ على عَدَمِ جَوَازِ التقليدِ الابتدائيّ من الإجماع إنْ سلّمناه فلا نسلّمه في مثل المورد الذي كانَ فتوى المجتهدِ قَبْلَ موتِهِ حُجّة للعاميّ ولم يعمل به اتّفاقاً أو عصياناً، ثمَّ ماتَ، فيمكن أنْ يقال بجوازهِ حينئذٍ وإنْ كان تقليداً ابتدائياً؛ لعدم الدّليل على حرمته.

وعلى أيِّ حالٍ فلمّا احتمل كونُ ذلكَ التقليدُ ابتدائياً مُحرَّماً من جهةِ الإجماع كان الأحوطُ مع عَدَمِ العِلْم بل والعمل عدمُ البقاء والعدولُ إلى الحيّ، وإنْ كان هذا الاحتياطُ مُعارَضاً باحتمالِ حُرْمَةِ العُدولِ بناءً على وُجوبِ البقاء، لكنَّهُ لم يعتنِ باحتمال وجوب البقاء؛ لضعفه، ورَجَّحَ الاحتياطَ في الجانبِ الآخر؛ ولضعف احتمالِ وجوب البقاء جَعَلَ الأحوطَ مُطلقاً في وجهِ عدمِ البقاء والعدولِ مطلقاً وإنْ كان قد عَمِل.

المسألة الثالثة والستون: في احتياطاتِ الأعلم إذا لم يكن له فتوى يتخيّر المقلّد بين العمل بها، وبَين الرّجوع إلى غيره الأعلم فالأعلم.

لأنّ معنى الاحتياط هو التوقّفُ في الفتوى، ومع توقّفِهِ في الفتوى لا معنى لتقليدِهِ، فإمّا أنْ يحتاط العاميُّ على النّحو الذي احتاطَ الأعلمُ أو يرجعُ إلى غيره، وأمّا إذا جَهلَ ما أفتى بهِ الأعلَمُ فهلْ يجوزُ له الرُّجوعُ إلى غيره أمْ لا؟ الظاهرُ جواُزُه، الاَّ إذا عَلِمَ اختلافه مع غير الأعلم فلا يجوز له ذلك، بل يجبُ عليهِ الاحتياط.

نعم مع عَدَمِ التمكَّنِ من الاحتياطِ أيضاً دَخَلَ في من لم يتمكن من الرُّجوعِ إلى الأعلم، فجاز له تقليد غيره، ومَرَّ تفصيلُ ذلك.

المسأَلةُ الرّابعَةُ والستون([138]):

الاحتياطُ المذكور في الرسالة إن كان مسبوقاً بالفتوى أو ملحوقاً بها استحبابيٌ، جاز للمقلّد تركه؛ لأنَّ السبقَ واللّحوقَ بالفتوى دليلٌ على عدم توقفه في المسألة، بل مع الإفتاء لو أمَرَ بأنَّهُ لا يترك لا يجبُ متابعته، إلاّ أنْ يكون ذلك منه رُجوعاً عن الفتوى، وأمّا إنْ لم يَكُنْ مَسبوقاً ولا ملحوقاً به فلا يجوزُ للمقلِّد تركُه لأنَّ المفروضَ عَدَمُ عِلْمِهِ بفتوى مجتهدِه، فيجبُ عليه الاحتياط أو رجوعه إلى غيره إنْ عَلِمَ توقُّفه أو لم يعلم اختلافاً بَيْنَهُ وبين ذلك الغير الذي يرجع إليه.

المسألة الخامسة والستون: في صورة تساوي المجتهدين يتخيّر...([139])

مرَّ الكلامُ في هذه المسألة وفي حكمِ التبعيض في العمل الواحد، حتّى في ما كان العَمَلُ بفَتْوى كليهما باطلاً، فراجِعْ المسألةَ الثالثة والثلاثين.

المسألةُ السّادِسَةُ والستّون: لا يخفى أنَّ تشخيصَ موارِدِ الاحتياطِ عَسِرٌ على العاميّ...([140]).

مرّ أنـّه ليس للعاميّ الاحتياط إلا بعدَ الرُّجوعِ إلى مجتهدِهِ بتشخيصِ الاحتياط وكيفيته، وعليه فلا مجال لهذه المسألة إلاّ لبيانِ الاحتياط في المسائل المزبورة إنْ أراد المقلِّدُ الاحتياطَ فيها.

وحينئذٍ فنقول: قوله: (وقد يكونُ الاحتياط في ترك الاحتياط) ينبغي تقيُّدُه بصورَةِ عدمِ إمكانِ الجَمْعِ بينَ الاحتمالين، وإلاّ فيكونُ الاحتياطُ في الجَمْعِ، مثلاً في المثالِ المذكور في المتن: الأحوطُ الوضوءُ بالماءِ المستعمل المفروض الانحصار والتيمُّم، ثمَّ الصَّلاةُ، فيجبُ ذلك إنْ كان الاحتياطُ بالتّرك وُجوبياً ويستحب إنْ كان استحبابيا.

نعم إذا لم يتمكَّن من الاحتياطِ بالجمع كانَ ما ذَكَرَهُ احتياطاً، وإلاّ فليسَ في ما ذكر احتياطٌ.

كما أنّ قوله: (فالأحوط ترك هذا الاحتياط) يعني: الاحتياطُ بالتثليث في ضيقِ الوقتَ ينبغي تقيّده أيضاً بأنَّ الأحوطَ تركُ التثليثِ والقضاء خارج الوقت، وإلاّ فليسَ في تركِ التثليث احتياط.

نعم في المسألتين ترجيحٌ لأحدِ الاحتمالين على الآخر؛ لقوة أحدِهِما وضَعْفِ الآخر وليسَ في ذلك احتياطٌ، إلاّ مع تَعَذُّرِ الجَمْع.

وكذا قولُهُ في المثال الثالث: (فالأحوطُ التيمُّم به) ليس فيه احتياطٌ، بل الاحتياطُ بالجمع بين التيمُّم به والمرتبةِ المتأخرة إنْ كان، وإلا فالجَمْعُ بين الصّلاةِ بهذا التيمُّم والقضاء خارج الوقت، الذي هو وظيفة فاقد الطهارة.

المسألة السابعة والستون([141]): محلُّ التقليد هو الأحكامُ الفرعية، فلا يجري في أصول الدّين ولا في مسائل أصولِ الفقه، ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية واللغوية ولا في الموضوعات الصِّرفة.

أمّا عَدَمُ جوازِ التقليد في أصولِ العقائد ففي ما يتمكَّن فيه من العلم فللإجماع والآياتِ والأخبار، وأمّا مَعَ العَجْزُ عن تحصيلِ العِلْمِ فلِعَدَمِ الدّليل عليه؛ إذ لا يجبُ تحصيلُ الظنّ أيضاً حتّى يُقال إنّه من طُرُقِهِ؛ لأنَّ المطلوب هو الاعتقاد، فمع تعذّرِهِ سَقَطَ الطَّلَبُ، ولا طَلَبَ بغيره، ودليلُ الانسداد غيرُ جارٍ فيه؛ إذ ليسَ المطلوب فيه العَمَل، ولا دليلَ على عَدَمِ جوازِ التوقُّفِ في الاعتقادات، هذا.

مضافاً إلى أنّه لا طريقَ له إلى تقليدِ بَعْضِ أربابِ الدّياناتِ دون آخر مُعيَّناً والتّخيير بينَهُم، ليسَ في المحذورِ أنقص من توقفه وعَدَمُ التزامه بشيءٍ حتّى يتبيّن له الأمر.

نعم إنْ رأى غيره الواصل إلى الحقّ تمكّنَه ولم يَخَفْ من أنْ يحصل له الاعتقاد بالخلاف جازَ لذلك الغير أنْ يلزمه بتحصيلِ الظنّ أو يأمره بتقليدِ مَنْ يراه على الحقّ، بل لا يبعُدُ وجوبه عليه.

وأمّا الموضوعات الاستنباطّية العُرْفّية أو اللّغوية فالظاهر جريانُ التقليد فيها إذا لم يتمكن العامي من تعلّمها عرفاً أو لغةً؛ إذ لا طريقَ له حينئذٍ غيرُه، فإنّه إذا لم يتمكّن من تحقيقِ مفهوم الغناء أو الصّعيد بنفسه، فأيُّ طريقٍ له إلى رفع الشّبهَةِ من مواردِها غيرُ التقليد؟ كيف لا يجوزُ التقليدُ فيها، وتحقيقُ الحقّ فيه محتاجٌ إلى جرحٍ وتعديلٍ وترجيحٍ، خُصوصاً مَنْ يَرَى الدّليلَ على جَوَازِ التّقليدِ في الفُروع قاعدة رُجوعِ الجاهل إلى العالم والسّيَرة الجارية على مراجعةِ النّاس في كُل صنفٍ إلى أهل خبرتها.

المسألة الثامنة والستون: لا تعتبر الأعلمية في ما أمره راجعٌ إلى المجتهد، نعم الأحوط في القاضي أنْ يكون أعلم من يمكن رجوع المترافعين اليه([142]).

أمّا عدمُ اعتبارِ الأعلمية فلإطلاقاتِ مثل قوله: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رُواةِ أحاديثنا)([143]) وقوله: (مجاري الأمور بيدِ العُلَمَاء)([144])، وسائر ما دَلَّ على نيابَةِ المجتُهِدِ العادل، وجملةٌ منها وإنْ كانتْ مطلَقَةً شاملة للقضاء أيضاً، إلاّ أنَّ دعوى الإجماع في كلامِ بَعْضِهِم على وُجوبِ الرُّجوع إلى الأعلم أوْجَبَ الاحتياط فيه وإنْ كان لم يثُبتْ عندنا هذا الإجماع، وقوَّينا جوازَ الرجوع إلى كُلِّ مجتهدٍ عادلٍ في القضاء، إلاّ أنْ يتحَقَّقَ بينَهُما تعارُضٌ في الحُكْمِ على وَجْهٍ جائزٍ منهما يقدّم الأعلم، وقد يُـفصـَلُ بينَ التّرافُع في الشُّبُهاتِ الحُكْمِيّـةِ والموضوعيّـة فيمْنَعُ من اعتبارِ الأعلميّـة في الثاني دونَ الأوّل، ومنشأه أنَّ حقيقةَ الترافُع في الشُّبهاتِ الحكميـّة تقليدُ المتحاكِمين الحاكم، لكنّه اشتباهٌ، لأنَّ فَصْلَ القضاءِ بالفتوى ليس تقليداً منهما له، وقد مَرَّ الكلامُ في وُجوبِ تقديمِ الأعلم إذا اختارَهُ أحدهما أنـَّه لا يَجوزُ التّرافُعُ إلى غيرِهِ والنّقض والإبرام فيه.

المسألةُ التاسعَةُ والستّون: إذا تَبَدَّلَ رأيُ المجتهد هل يجبُ عليهِ إعلامُ المقلِّدينَ أم لا؟...([145])

 لا إشكالَ في عدمِ الوجوب مَعَ موافَقَةِ الفتوى السّابقة للاحتياط، وأمّا مَعَ المخالَفَةِ لَـهُ فصَريحُ المتنِ الوجوبُ، وفيه إشكالٌ: مَرَّتْ الإشارَةُ إليه في حُكْمِ مَنْ أخطأ في النقل فراجع، نعم هو أحوط.

المسألةُ السبعون: لا يجوزُ للمقلِّد إجراءُ الأصول في الشّبهات الحكمية([146]).

لأنّ من شرطِ جَرَيانها الفحصُ الغير الممكن من المقلد.

نعم لو فَحَصَ المجتهدُ ورَفَعَ مَوَانِعَ الجريانِ لَهُ أنْ يُفتي بأنَّ الموردَ مَوْرِدُ الاستصحاب أو البراءة أو الاشتغال أو التخيير، لكنَّ المجرى حينئذٍ ليس إلاّ المجتهد؛ لأنَّ مقتضيات الأصول أيضاً تؤخَذُ منه.

وأمّا في الشّبهاتِ الموضوعية فلمّا لم يتوقّفْ على الفحصِ، ولو سَلَّمنا توقُّفَها عليه كانَ ممكناً للمقلِّد أيضاً إذا أخَذَ الفتوى بجريانها من المجتهدِ جاز له إجراؤها بعد تحقُّق مِوردها.

المسألة الواحد والسّبعون([147]): المجتهد الغير العادل أو المجهول الحال وإنْ لم يَجُزْ تقليدُهُ ولا الرَّجُوعُ إليه لكن فتاواه لعمل نفسه حُجَّة فالعدالةُ مُعتَبَرةٌ في الموضوعِ في حُكْم المقلِّد دُونَ نفسِ المجتَهِدِ، من غيرِ فَرْقٍ بَينَ كونِهِ موثوقاً به أم لا، يعني: ليسَ وَجْهُ اعتبارِ العَدَالَةَ فيه هو احتمالُ كذبه في فتواه، أو عدم إتعابِ نَظَرِهِ في اجتهاده حتَّى يقال: إنـّه إذا وثق به ضَعفَ هذا الاحتمال فيحوز تقليده، بل اعتبارُ العدالة له موضوعية في حكم الغير.

وكذا لا تنفَذُ تصرُّفاته ولا حُكْمِهِ في الأمور العامة؛ لما مَرَّ من أنَّ اعتبارَ العَدَالَةِ في حُكْمِ الغير له موضوعية، فلا تَنْفَذُ تصرّفاته في الحقوق، ولا الأمور المرجوعة إليه حتَّى لو كان موثوقاً به.

ولكن لقائلٍ أنْ يقول: إنَّ اعتبارَ العدالةِ شَرْطٌ الرّجوعِ إليه والتأمين من عنده، وجوازُ وَضْعِ اليدِ على مَالِ المجنونِ والصَّغير والغائب فيمْنَعُ عن ذلك، أمّا لو تَصَرَّف فيها على طبقِ الواقع الصحيح، بل على طبق فتواه نَفَذَ، فلا يَضْمَنُ لو أوْصَلَ الحقَّ إلى أهْلِهِ ويكونُ صاحب الحق بريئاً، وكذا لا يَضْمَنُ مالَ الغائب والصّبيّ لو تَصَرَّفَ فيه على طبقِ المصلَحَة والغبطة، بل يمكن أنْ يُدَّعى أنّ المجتهد الذي ظاهِرُ حاله العدالة والتّقى إذا حَكَمَ على طبقِ فتواه واقعاً نَفَذَ حُكْمُهُ وأجرى ما حَكَمَ به على المحكومِ عليه، وببالي أنّي رأيتُ في بعضِ رَسائل بعضِ الأفاضل ممّن عاصرناهم نظيرَ ما ذكرته.

المسألة الثانية والسبعون: الظنُّ بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل...([148])

لحرمة العَمَلِ بهِ كتاباً وسُنَّة وإجماعاً وعقلاً، على ما حُرِّرَ في محلّه، حتّى إذا لم يتمكّن من العلم؛ إذ يجب عليه حينئذٍ الاحتياط، وإذا عسر أو لم يتمكّن قلَّد غيره، ولا يعمل بظنّه بفتوى مجتهده على ما مَرّ؛ لما عَرَفْتَ من عدم الدليلِ على حُجّية فتواه، ولو كان ظَنّهُ في تعيّن فتوى مجتهدِهِ حجّةً لتعيّن العَمَلِ به عند تعسّر الاطلاع على المجتهد وَجَبَ عليه رعايةَ ما ظَنَّه من الحكم الواقعي، وقد عرفت خلافه، وإنَّ المتّبع هو ما ذَهَبَ إليه المشهور أو أوثق الأموات وإنْ جعلنا نحنُ الاحتياط في الجمع بينهما وبينَ ما ظنَّه.

وعلى كُلِّ حالٍ فحُجيّة ظنِّهِ في تشخيص فتوى مجتهدِهِ لم يَدُلّ عليه دليلٌ وإنْ بلغ إلى مرتَبَةِ الاطمئنانِ والوثوق وإنْ كان الظنّ الاطمئناني إنْ حَصَلَ من قولِ الغير كانَ حُجَّةً كما مَرَّ بَلْ ادّعينا عليه السيرة.

نعم لو كان ظنُّه من ظاهرِ لفظٍ سَمِعَهُ شِفاهاً أو نقلاً كانَ حُجَّةً، لاستقرارِ بناءِ العُقلاء على العَمَلِ بالظواهر من غير تقيّد بإفادة الظنّ.

 

فصلٌ

فــي الميـــاه

الماءُ: إمّا مطلقٌ، وهو ما يُطلَقُ عليه الماءُ عُرفاً، من غير توسُّعٍ وعلاقة، وليس ما ذكرنا وذكره الفقهاءُ تحديداً لمفهوم الماء، كيف! وهو من أوضح المفاهيم العرفية، بل الغرضُ أنّـه لا يعتبر في مفهومه إلاّ صحّة إطلاق لفظ الماء عليه عرفاً من غير حاجةٍ إلى قرينة، بخلاف المضاف الذي لا يَستحقّ إطلاق الماء عليه إلاّ بعلاقة وتوسّع.

فتخرجُ المائعات التي لا يصحُّ الاطلاق عليها إلاّ باعتبار المبالغة في الميعان، كما يقال للدهن والعسل المائعين في مقام المبالغة في ميَعانها: إنّهما ماء.

وهل مثلُ أبوال الحيوانات المأكولة اللحم وعرقها وعرق الإنسان داخلٌ في المضاف؟

الأقوى نعم، وللعدم وجهٌ، حيثُ أنَّ ظاهر الفقهاء في عنوان الباب أنَّ الماءَ إمّا مطلقٌ أو مضاف أنـّه يعتبر في تحقّق عنوان المضاف إطلاقُ الماء عليه فعلاً، ولا يطلق فعلاً على المذكورات.

نعم ينطبق على مثل ماء الورد.

وفيه: أنـّه لا شُبهة في كون عامّة المعصرات من المضاف، مع أنـّه لا
ينطبق عليها لفظ الماء، نعم يعتبر صحة الاطلاق عليها وهي في الجميع متحققة مجازا.

وكيف كان فالمضاف على أقسامٍ: منها: المعتصر من الأجسام، ومنها:

الممتزج بغيره مما يخرجه عن صدق اسم الماء بلا قرينة، وإلا فليس كلّ مزج يوجب إضافة الماء.

والمطلق أقسام: الجاري، والنابع غير الجاري، والبئر، والمطر، والكر، والقليل.

الظاهر إنَّ غرضه ذكر العناوين الواقعة في لسان الأدلة موضوعاً للأحكام، وعليه فكان عليه ذكْرُ الحمّام أيضاً، وإلا فلا وجهَ لعُدولِهِ عَمَّا في لسانِ الفقهاء من التقسيم: بالجاري والراكد وماء البئر، ثمّ تقسيمُ الراكدِ إلى القليل والكثير.

وعلى أيّ حالٍ فكلُّ واحدٍ منها مع عدم ملاقاة النَّجاسة طاهر مُطهِّر من الحدث والخبث.

والظاهر أنّ التقيّد بعدم ملاقاة النجاسة لا يرجع إلى الجميع؛ ضرورةَ أنّ الملاقاة غير مؤثرة في الكرّ والجاري والمطر وماء البئر فيكونُ قيداً لكلّية الحكم، يعني: أنَّ الحكمَ بطهارة الجميع مشروطةٌ بعدمِ ملاقاةِ شيءٍ منها للنّجاسة، أو مسامحةً منه في التعبير.

ثمَّ الدليلُ على طهارةِ الماء في أصلِهِ هو الدّليلُ على طهارة غيره من الأجسام عدا الأمور العشرة، بل نفسُ عدِّ النجاسات دون الأجسام الطاهرة دليلٌ على طهارة الأشياء بمقتضى طبيعتها الأولى وإنّ ما خَرَجَ ما خَرَجَ.

وأمّا كونه مُطهِّراً من الحدث والخبث فلإطلاقاتِ الغسل في المقامين، التي قدر متيقنها تحقّقه بالماء، مُضافاً إلى المستفادِ من الكتاب والأخبار المتفّرقة في الأبواب التي سَتَمُرُّ عليك إنْ شاء الله.

المسألة الاولى: الماء المضاف مع عدم ملاقاته للنجاسة طاهر، لكنّه غير مُطهِّر لا من الحدث ولا من الخبث ولو في حال الاضطرار، وإنْ لاقى نجاسة تنجّسَ مطلقاً...([149])

أمّا طهارته مع طهارة أصله؛ فلِما مرَّ في طهارة الماء المطلق، ومنه يُعلَمُ لزوم هذا القيد كما في بعض العبارات.

وأمّا أنّه غير مطهِّرٍ من الحدث والخبث؛ فللاستصحاب؛ مع انصرافِ الاطلاقات؛ مضافاً إلى قوله: (سبحانَ الله كيف يطهر من غير ماء)([150])، وقوله:(كان بنو اسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة بولٍ قرضوا لحومهم بالمقاريض فأوسَعَ اللهُ عليكم بما بينَ السّماء والأرض فجعل لكم الماء طهورا)([151])، وقوله تعالى: [فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ]([152])، حيث أنـّه لو كان غير الماء مطهّراً لم يحسُن الأمرُ بالتيمّم مع عدمِ وجدانِ الماء، وغيرها مما يطّلعُ عليها الملتفتُ إلى أخبار التيمّم.

وما ورد في بعض الأخبار الشاذة من جواز الوضوء بماء الورد([153]) مطروحٌ وإنْ أفتى به بعضُهم، وكان في الأخبار ما يشهد بالجمع بينه وبين الأخبار الدالة على وجوب التطهير بالماء بالحمل على حال الضرورة، وذلك لأنّ الجمع بالتعبّد، والتفصيل فرعُ الحُجيّة، والشذوذُ مخرِجٌ للشاذ عنها.

وأمّا أنَّه ينْجُسُ بملاقاة النجاسة فلقاعدة تنجّس كلّ مائعٍ بل كلّ رطبٍ بالملاقاة، المستفادة من الأمر بإراقةِ القِدْر الذي وُجدت فيه فأرة، وإراقة الدهن والزيت الذي ماتت فيه فأرة مُعلِّقاً إياه بقوله: (وإنْ كان ذائباً فأرِقْهُ([154])).

وجعل - من الأخبار المستفادة منها ذلك - بعضُ الأساطين([155]) الصّحاحَ المشتملة على أنّ (الماء إذا بلغ قدر كُرّ لم ينجّسُهُ شيء)([156]).

بتقريب: إنَّ جعل العلّة من كّريةِ الماء شاهد على أنَّ غير الماء لا يمنع عن التنجس وإنْ كان كرا.

وفي الاستفادة نظرٌ، بل وفي استفادة القاعدة المزبورة حتّى في مثل المضاف الكثير البالغ ألف كرّ كما في عبارة المتن تأملاً، فالأولى الاستدلال بالإجماع إنْ تمَّ، والاّ فللتوقف مجال، كما أنّ المدرك في الفرع الأخير - وهو عصمةُ العالي السائل على النجاسة - أيضاً منحصرٌ بالإجماع، وإلاّ فدعوى امتناع سراية النجاسة من السافل إلى العالي لا يرجع إلى مُحّصل، إلاّ أنْ يكون المراد انصراف أدلّة الانفعال إلى غير هذه الصورة، وهو أيضاً ليس بمعتمدٍ.

ويلحق به بعضُهم السائل من السافل إلى العالي بقّوة، كالفوّارة بل ومطلق السائل بشدّة على وجهٍ لا يُعَدُّ الخارج الملاقي واحداً مع الباقي الغير الملاقي، كالخارج من الإناء بشدّة، مثل ما إذا وَقَعَ في الإناء المطر ومن الإناء ثقبة خَرَجَ منها الماء إلى حائطٍ متنجّس، فلو كان مناطُ العِصْمَةِ في العالي السائل الانصرافَ وبعض الوجوه الاعتبارية جَرَتْ في الصّورتين أيضاً، والاّ فإلحاقها بالعالي السائل محلُّ منع، بل لو كان المدركُ الإجماع أشكل التعدّي من الماء المطلق إلى غيره من المضاف وسائر المائعات، إلاّ أنْ يتحقَّق فيها أيضاً الإجماع كما ادّعاه شيخنا الأكبر في طهارته([157])، فإنّه استظهر من كلماتِ السابقين وغيرها أنّهم لا يحكمونَ بنجاسة المضاف العالي إذا سالَ إلى نجسٍ، ولعلّ السيرة المتأخّرة جارية على ذلك.

المسألة الثانية: الماء المطلق لا يخرج بالتّصعيد([158]) عن إطلاقه، نعم لو مزج معه غيره وصعّد كماء الورد يصير مضافا.

إمّا أنّ المطلق لا يخرج بالتصعيد عن الإطلاق فلبقاء الصّدق، ومع الشكّ يستصحبُ الإطلاق على إشكالٍ تأتي إليه الإشارة، كما أنـّه مع المزج والتصعيد يخرج عن الإطلاق لزوال الصدق.

ومما ذكرنا ظهر أنَّ مطلق المزج لا يوجب ذلك كالممزوج من التراب والرمل، بل يعتبر أنْ يكون بحيث يتصعّد من الممزوج والممزوج به.

ومما ذكر ظهر الوجه في ما ذكره من المسألة الثالثة: من أنّ المضاف المصعّد مضافٌ، حيث أنَّ صدقَ الماء عليه بالإطلاق منتفٍ، وإلاّ فلا ملازمَة عقلية ولا شرعيَّةً بين كون المصعّد والمصعَّد منه في الإطلاق والإضافة مُتوافقان.

المسألة الرابعة: المطلق أو المضاف النّجس يطهُرُ بالتصعيد؛...([159])

لتخلُّل البخارية بين الحالتين، وهو مطهِّرٌ له عن النّجاسة الثابتة له في الحالة الأولى، والأصل في ذلك وضوحُ تقوّم الحكم بالموضوع بقاءً كما هو متقوّمٌ به حدوثاً، فلا يُعقلُ بقاءُ الحكم وغيره من الأوصاف مع زوالِ موضوعه، فلا محيصَ من لزومِ كونِ زوالِ الموضوعِ سبباً لرفع الحكم وهو المطلوب.

بل مع الشكّ لا يمكنُ استصحاب الحكم لغرض الشكّ في بقاء الموضوع، وأمّا استصحابُ الموضوع فلجريانه وجهاً، فيقال: كانَ هذا المحسوس ماءاً فهو باقٍ على ما كان، إلاّ أنْ يمنع عن كون البخار أصله ماء؛ لاحتمال كونه من الهواء المجاور له.

وكيف كان فلا ينبغي الإشكالُ في الطهارة مع انقلاب الموضوع.

نعم الإشكال والخلاف في تحقّق انتفاء الموضوع، فترى بعض الأساطين من يمنع من طهارة الخنزير باستحالته ملحاً، زاعماً أنّ النجاسة تعرضُ الجسم لا بما هو خنزيرٌ بل بما هو جسم، وهو محفوظٌ في الحالتين([160])، فمناطُ الحكم في الفرع أنَّ البخارَ المتوسّط بين الحالتين من أجزاء المتنجّس المصعَّد أو هو معدودٌ عرفاً حقيقة ثانية.

وبعبارةٍ أخرى: البخار عبارة عن الأجزاء المائية المتفرقة، أو عنوان غير الماء الذي صعّد منه وانقلاب لماء حادث بعد التصعيد، نظير انقلاب الهواء إلى الماء في أطراف الإناء الذي فيه الثلج.

وإنْ شئتَ قلتَ: إنّ عَدَّ العرفِ البخارَ حقيقة أخرى مسامحةٌ لهم، وإلاّ فهو عندهم أيضاً ليس إلا الأجزاء الصّغار من المصعّد منه، ولذا تراه موافقاً له في الأثر، فالمصعَّدُ من المطلق مطلقٌ، ومن المضافِ مضافٌ، ومن المسكرِ مُسكرٌ وهكذا، أو هو حقيقةٌ أخرى، أو حالة تحدث للهواء بسبب مجاورته مع الحرارة الموجودة في المصعّد.

والإنصافُ أنَّ الجزم به في غاية الإشكال، خصوصاً في المصعَّد من المضاف النّجس، كالبول، نعم عرفتَ أنّ مقتضى الشكّ أيضاً الطّهارة؛ لعدم جريان الاستصحاب.

إنْ قلت: انقطاع النّجاسة على تقدير انتفاء موضوعه مبنيٌ على عَدَم جوازِ انتقال العرض، وهو أوّل الكلام.

قلتُ: مع تسليم جوازه، فعدمُ مقتضٍ للاستصحاب؛ إذ الأصل عدمُ نقل وَصْفِ النّجاسة إلى الموضوع الثاني.

نعم يعتبر تقيّده بما إذا لم يعلم صعودُ بعض الأجزاء المائية إلى فوق، والاّ فينجُسُ البخارُ بَعْدَ تجسّمه، ومع الشكّ يمكن أنْ يقال: إنّ الأصلَ بقاءُ الأجزاء المائية معه، فإنَّ من المعلوم صعود جملةٍ من الأجزاء مع البخار عند الغليان قليلاً، كما هو المشاهد حين شدّة الغليان والفوران، فإذا شُكّ في عودها جميعاً من البخار(قبل تجسّمه) أو بقاءِ شيء منها فالأصلُ يقتضى الثاني، إلاّ أنّ في اقتضاء هذا الأصل تنجس المجسّم منه إشكالٌ بل منع.

ثمّ إنّ ما ذكرناه من طهارة المتنجّس أو النّجس بالتصعيد إنّما هو حيث لم تكن الحقيقة الثانية الحاصلة من التصعيد من الحقائق والعناوين النجسة، كالمصعّد من المسكر إذا كان مُسكراً ولعلّ منه المصعّد من البول النّجس على إشكال.

المسألة الخامسة: إذا شُكَّ في مائعٍ أنّه مضافٌ أو مطلق، فإنْ علِمَ حالته السابقة أخذ بها...([161])

لاستصحاب بقائها إنْ فُرض جريانُ الاستصحاب بلا معارض، وإلاّ فقد يجري في كُلٍّ من الممتزج والممزوج، فيه كما إذا ألقيَ مقدارٌ من المضاف في المطلق، فإنّ الاستصحاب في كُلٍّ منهما يجري:

فإنْ احتمل بقاء كلٍّ على حاله ترتّبَ على كلٍّ حكمه، فلو ارتمس فيه جُنُبٌ طَهُرَ من الحدث؛ لوصول الأجزاء المائية إلى بدنه، اللهمّ الا أنْ يشكّ فيه أو يدّعى أنَّ وصول الأجزاء المتفرقة لا يُوجبُ صدقَ الغسل.

ولو لم يحتمل ذلك جرى عليه حكم المضاف؛ للأصل، كما سيجيئ
إنْ شاء الله.

ولعلّ مراد المصنف من أنـّه يؤخَذُ بالحالَةِ السّابقةِ غير مثل هذه الصورة.

نعم لو مزج المطلق بالمائع الغير المضاف وشُكّ في إطلاقه جرى استصحابُ الإطلاق غالبا.

وكيف كان فقد عَرَفْتَ أنّه إنْ كانَ احتمالُ إضافته بالتصّعيد لا يجرى الاستصحابُ أيضاً؛ لما عرفت من الشكّ في كون المصعّد مسبوقاً بالمائية، ولعلَّ مرادَهُ العلمُ بالحالة السابقة للموضوع المشكوك في إضافته، وإطلاقه وفي المثال المزبور لا يعلم الحالة السابقة للموضوع المشكوك فيه، فيدخل في الشقّ الثاني، وهو ما لا يعلم حالته السابقة، الذي لا يحكم عليه بالإطلاق ولا بالإضافة، فيعمل في آثار كُلٍّ منهما بالأصل.

مثلاً: لا يحكم برفع الحدث والخبث به؛ لاستصحاب بقائهما؛ ويحكم بتنجسه بالملاقاة إنْ كان قليلاً؛ لأنـه حكمٌ للمطلق والمضاف، وإنْ كان كُرّاً لا يحكم بتنجسه بالملاقاة؛ لاستصحاب الطهارة مع احتمال كونه ماءً.

لكن مقتضى ما مَرَّ نقله من شيخنا الأكبر  قدس سره  من أنّ المستفاد من الأخبار المتفرّقة أنّ الملاقاة تنجس مع الرطوبة لكلّ جامدٍ رطبٍ أو مائع، إلا أنْ يمنع منه مانع، والمانع بمقتضى أخبار الكّر منحصرٌ في الكُرِّ من الماء يحكم بالنجاسة؛ لأنَّ الملاقاة حاصلةٌ، والاعتصام يدورُ مدارَ أمرٍ وجودي، وهو الكرّ من الماء، فإذا شُكَّ في تحقُّقِه فالأصلُ عدم تحقّقه ولا يُعَدُّ مثل هذا الأصل من الأصول المثبتة وإنْ كان المستصحب عَدَماً أزلياً؛ لأنّ عدم المسبَّبِ مُرَتَّبٌ على عَدَمِ السّبب ولو بعدَمِهِ الأزلي.

المسألة السادسة: المضافُ النّجسُ يَطْهُرُ بالتّصعيد كما مَرَّ وبالاستهلاك في الكرّ أو الجاري.

ولكنّك خبيرٌ بأنّ شيئاً منها ليس تطهيراً للمضاف بل إعدامٌ للموضوعِ القائم عليه وصفُ النّجاسة.

أمّا الأوّل؛ فلما عَرَفْتَ مُفَصَّلاً، وأنَّ عَدَّ التصعيد مُطهِّراً باعتبار كونه من أقسامِ الاستحالة؛ إذ بانقلابه بخاراً ينتفي الموضوع القائم عليه النجاسة، وإذا شُكَّ في انتقالها إلى الموضوع الثاني كانَ الأصلُ عَدَمُهُ بعد تسليم كونِهِ معقولا.

وأمّا الثّاني؛ فلأنَّ الاستهلاك في الحقيقة أيضاً إعدامٌ للصّورة النوعيّة القائمِ بها المستَهْلَك، فينتفي موضوعه حقيقةً.

لكنَّ الظاهر أنّ عنوان المضاف ليس من العناوين المتقوّم بها النّجاسة حتّى يوجب زواله طهارته - كما في الاستحالة - وإلاّ كان اللاّزم طهارته بمجرّد زواله من دون حاجةٍ إلى ماءٍ منضمّ.

نعم بعد أنْ صارَ ماءً مطلقاً كان حاله حال الماء المطلق المتنجِّس في طهارته بالاتصال بالمعتصم أو بالمزج فيه على الوَجهين.

ففي الحقيقة لم يكنْ عندنا طريقٌ لطهارة المضاف، نظير تطهير سائر الأجسام، بحيث تزول النَّجاسة عنه مع بقاء موضوعه، وليس في الأدلّة ما يدلُّ على أنّ كُلَّ شيءٍ قابلٌ للتطهير، وقوله: (الماء يطهّر)([162]) لا إطلاق له من حيث حذف المتعلّق، فلتكن المائعات المضافة مما لا يقبل الطهارة، ولو فرض له إطلاق من حيثُ حذفِ المتعلَّق فلا إطلاقَ له من حيثُ كيفيّةِ التّطهير، فليكن كذلك بالاستهلاك بالمعتصم، بل قد يقال: إنّ ذلك هو الطريقُ المتعارف المنصرف إليه الإطلاق، فكأنّه لمّا كان للعرف طريقٌ في تطهير مثل المائعات عَدَلَ كيفيته اليهم.

لكن فيه مع أنّـه غيرُ نافعٍ مَعَ عَدَمِ الإطلاق من حيث حذف المتعلّق عَدَمُ ثبوتِ كونِ ذلك طريقُ التطهير في المائعات عند العرف، بل ذلك عندهم إعدامٌ للموضوع وإتلافٌ للحقيقة.

وكيف كان فلا إشكال عندهم في المسألة، لا في أنَّ المضاف يَطْهُرُ بالاستهلاك في المعتصم، ولا في أنـّه لا طريقَ لتطهيره عندهم.

نعم سيجيءُ أنَّ بعضهم طَهَّرَ الدهن المتنجس بمزجه في الكرّ الحار، بل لولا الإجماع أمكنَ التمسُّكُ بقوله: (ما رآه المطر فقد طهُّر([163]))، وقوله: (ما أصابَ هذا شيئاً إلا وقد طهَّره([164]))، بأنَّ الاتصال بالمعتصم أيضاً من طريق تطهيره، إلاّ أنَّـا لمّا لم نَقُلْ به في الماء المطلق قبل المزج كيف نقولُ به في المضاف.

إنْ قلتَ: فليقل به هنا بعد المزج.

قلت: لا يعقل بقاءُ ماء المطر والكرّ بعنوانه بعد المزج بدون استهلاك المضاف، وإلاّ فيخرجُ المطرُ عن كونه ماءً فضلاً عن كونِهِ ماء مطر.

المسألة السابعة: إذا ألقي المضاف النجس في الكرّ، فخرج عن الاطلاق إلى الإضافة تنجس إنْ صار مُضافاً قبل الاستهلاك...([165])

لأنّ الكُرَّ بعد أنْ صار مضافاً زالت عصمتُه، والمفروضُ بقاءُ المضاف المتنجّس أو النجس أيضاً غير مستهلَك، فيتلاقيان، فينجس الكرّ، وهو واضح، كما أنّه لا إشكال في طهارة الجميع إنْ تحققّت الإضافةُ بعد الاستهلاك؛ إذ بالاستهلاكِ طَهُرَ الجميعُ، فاتّفَقَ أنَّه صارَ بتصرُّفِ الهواء مُضافاً بظهورِ أثرِ المستهلك فيه، فإنـّه لا وجه لتنجُّسه حينئذ.

وإنْ حَصَلَ الاستهلاكُ والإضافة دفعةً ففيه وجهانِ، من أنَّ المضافَ لم يلاقِ نجساً؛ إذ المفروضُ انتفاءُ موضوعِ المتنجّس في عرض الإضافة، فبعد تحقُّق الإضافة الذي هو طَرَفُ تأثير المائع الكثير وقابليّته للتنجس لم يبق تنجس ملاقيه، فلا وجه لنجاسته، ومن أن الاستهلاك إنما يكون مطهرا إذا كان المستهلك فيه مطلقا، وأما لو صار في عرضه مضافا فلم يتحقق الاستهلاك في المعتصم فلا وجه لطهارته.

ويمكن أنْ يدفع الأخير بأنّ تحقق الإضافة والاستهلاك معاً لا يوجبُ أنْ يكون الاستهلاك في المعتصم، نعم يقتضي أنْ يكون زوال العصمة ورافع النجاسة في مرتبة واحدة، وهو كاف في الحكم بالطهارة، بل المتحقق ترتب الإضافة على الاستهلاك؛ لأنَّ علتها استهلاك المضاف فإنَّه بتفرّقه تتحقق، ولا نريد بالاستهلاك إلا ذلك، وحينئذٍ فالأقوى الطهارة مع تحقق الفرض، ولعلَّ قول المصنّف: (لكنه مشكل) مدركه الإشكال في تحقّق الفرض وإنْ شكَّ في تقدُّمِ أحدهما على الآخر، كأنْ ألقيَ في الكُرِّ مقدارٌ من الدّبس المتنجّس، فصار مُضافاً واستهلَكَ الدّبس، فشكَّ في تقدّمِ أحدهما على الآخر فلا يَبْعُدُ جَرَيَانُ استصحابِ ملاقاةِ الكرِّ للدّبس إلى زوالِ إطلاقِهِ، ولا يُعارِضُهُ استصحابُ بقاءِ إطلاقه إلى استهلاك المضاف؛ لعدم الأثر له.

المسألة الثامنة: إذا انحَصَر الماءُ في مضافٍ مخلوطٍ بالطين ففي سعة الوقت يجبُ عليه أن يصبر حتى يصفو...([166])

لأنّهُ واجدٌ للماءِ، غايةَ الأمر خلْطُهُ بالطّين يمنعُ عن التوضؤ به، فلا يقاسُ على التصعيد الذي يمكنُ منعُ وجوبه؛ إذ فرقٌ بينَ ما كان عنده مُضافاً يمكن تصييرهُ ماءً بالتصعيد ونحوه، وبينَ ما نحن فيه، من حيث أنَّ ما نحنُ فيه يصدقُ الوجدانُ للماءِ؛ إذ الخلطُ بالطّين من قبيلِ المانعِ عن الاستعمال، نظير مَنْ كان عنده ثوبٌ مغسولٌ لو عَصَرَهُ يخرجُ منه الماء بقَدَرِ الوضوء، بخلاف مثل التّصعيد وحَفْر البئر، فإنَّهُ من قبيلِ تحصيل الماء، فلو لَمْ نَقُلْ بالوجوبِ في الثّاني ليسَ علينا أنْ لا نقولَ به في الأوّل، ولك أنْ تجعل مثل حفر البئر من قبيل الأوّل أيضاً؛ لأنَّ الماء فيه موجود، والحفرُ توصُّل إليه، نظيرُ الاستقاءِ من البئر، بخلافِ مثلِ التّصعيد، فإنَّـهُ إيجادٌ للماء، ولذا أفتى المصنّف بنحو الجزم في ما يأتي بوجوب الحفر وإنْ كان ظاهرُهُ هنا التوقُّف في وجوبِ الصَّبر إلى صَفَاءِ الماء.

وكيف كان ففي الفرض لا ينبغي الاشكالُ في وجوبِ الصَّبر وإنْ لم نَقُلْ بهِ في ما لو لم يوجد فعلاً وبالصَّبر يوجد، فضلاً عمَّا لو قلنا به هناك أيضاً كما سيأتي في محلّه.

نعم مع الضّيقِ يُنتَقَلُ إلى التيمُّم؛ لعدمِ التمكُّنِ من الماء، بل وعدمِ وجدانِهِ في وقتِ الوضوء، ففاقدُ الماءِ لو عَلِمَ بوُجود الماءِ بَعْدَ ساعَةِ المطر أو سيلٍ أو نحوه وَجَبَ عليه الصَّبر في وجهٍ ولا يجبُ في آخر؛ نظراً إلى أنّه غيرُ واجدٍ للماءِ فعلاً فيجوزُ له التيمُّمُ، وليس من قبيلِ ما نَحْنُ فيه بل ولا من قبيل حفر البئر الذي عرفتَ أنّ الماءَ موجودٌ، بل من قبيل التّصعيد، وإنْ كان لوجوبِ الصَّبر والعلاجِ مُطَلقاً وجهُ حسنٌ، وشرح الكلامِ في مَحَلِّهِ.

المسألة التاسعة: الماءُ المطلقُ بأقسامه حتّى الجاري منه ينجس إذا تغيّر بالنجاسة في أحد أوصافه الثلاثة...([167])

أمّا تنجّسُ الماء بالتغيّر بأوصافِ النّجس مطلقاً حتى الجاري والمطر فلا خلافَ فيه نصّاً وفتوى وإنْ كان في بعض أخبار الجاري ما يُشْعِرُ أو يظهر منه عدمُ تنجُّسِهِ بالتغيّر، إلاّ أنـّه مطروحٌ أو مؤوّل.

ومناطُ التغيُّر كونُهُ بأحد الأوصافِ الثلاثة، يعني: الطعم والرّيحُ واللّون، والحكم في الأوليين اتّفاقيٌّ([168]) والنّصوصُ بهما متظافرة([169])، وفي الثالث مشهوريٌّ وفي النُّصوصِ ما يُشْعِرُ بهِ أو يستظهر منه، بل وَقَعَ التّصريحُ بهِ في بعضهما([170]) ولو كان في سندِهِ ضَعْفٌ جُبِرَ بالعَمَل.

وكيف كان فيشترط أنْ يكونَ التغيُّر بملاقاةِ النّجاسة، فلا ينجُسُ إذا كان بالمجاورة وإنْ كان ذلك مقتضى إطلاقها، إلاّ أنَّ المرتكز في أذهان العرف توسيط الملاقاة في التنجس، ولذا يفهم من مفهوم الصّحاح توسيطها فيها.

وعليه فيكون قوله: (خلق اللهُ الماءَ طهوراً لا يُنجِّسُهُ شيء([171])) في معنى: لا ينجّسُهُ بملاقاةٍ، فيكون الاستثناء بقوله: (إلاّ أنْ يغيّر ريحه) استثناءٌ من الملاقي، يعني: إلاّ أنْ يكون الشيءُ الملاقي له مُغيِّراً له، بل ظاهرُ جملةٍ من النّصوص لو لا جُلّها أنّها في مقامِ بيانِ اعتصامِ الكُرِّ وذي المادّة وعدمِ انفعاله بما ينفعل به غيُره إلا في صورةٍ خاصّة وهي التغيّر، فيكونُ في حكمِ الاستثناء الواقع في النبويّ.

ويشترط أيضاً أنْ يكونَ التغيُّرُ بأوصافِ النَّجاسةِ دونَ المتنجس، فلو وَقَعَ في الماء المعتصم متنجّسٌ فغيَّرَهُ بوصفه لا ينجس، لا لما في طهارة شيخنا الأكبر([172]) من ظهورِ اختصاصِ الموصول في قوله: (الا ما غَيَّر) في نجسِ العَين؛ للمنعِ منه، وإنْ سلَّمنا ظهوره في ما فيه مقتضى التنجس؛ لأنه يشملُ المتنجّس أيضاً لأنه يقتضي التنجّس كالنّجاسة.

ودعوى أنَّ المتنجّسَ إنّما يُنَجِّسُ ما يُلاقيه بواسطة نجسِ العَين مُسَلَّمَةٌ في وجهٍ غير نافع وممنوعَةٌ في وجهٍ نافعٍ، بل لقولهِ في صحيحة حريز الواقعة في مقام الضابط (كلما غَلَبَ الماءُ على ريحِ الجيفة فتوضّأ [من الماء] واشرب فإذا تغيَّر الماءُ وتَغَيَّر الطعم فلا توضّأُ ولا تشرب)([173])، فإنّ المتعيّن حَمْلُ التغيُّر على ظهورِ أثر الجيفة، فهي داَّلةٌ بصدرها وذيلها على انحصار التنجُّس بالتغيّر بأوصاف النّجس، هذا، مع أنّـه مقتضى استصحاب الطهارة وأصالة عدم حدوثِ سبب النّجاسة.

وفي طهارة شيخنا الأكبر: (ولو عُورِضَتْ في بعض الموارد كما إذا أُلقيَ مائعٌ نجسٌ في الماء بأصالَةِ بقاءِ نجاسَته رجعَ بعد التساقط إلى قاعدة طهارة الماء)([174]) انتهى.

وهو مَبنيٌ على عدمِ احتمالِ بقاءِ أجزاءِ المائع المتنجّس على نجاسته وأجزاء الماء على طهارته، وإلاّ فلا تعارض، كما أنـّه مبنيٌ على استهلاكِ المائع المتنجّس، وإلاّ فلا يُحْتَمَلُ طهارته.

فيكونُ صورةُ المسألةِ: أنْ يلقى مثلاً دبسٌ متنجّسٌ فيغيّر الكُرّ بطعم الدبس، واستهلك الدّبس في الكرّ، فإنـّه يمكن استصحاب طهارة أجزاء الماء التي كانت طاهرة حيثُ يحتمَلُ تنجُّسُها بالتغيُّر، ويمكن استصحاب نجاسة أجزاء الدّبس الموجودة في ضمن الماء فيتعارضان، إلاّ أنّه يتوجّهُ عليه أنّ أجزاءَ الدّبس بعد الاستهلاك لا يستصحب حُكمها؛ لانقلابِ موضوعها إلى الماء وإنْ فُرِضَ عَدَمُ استهلاكه فلا يحتمل طهارَتُها حتّى يحتاج إلى الاستصحاب.

وكيف كان فلا ينجس المعتصم بالتغيّر بأوصافِ المتنجّس إلاّ أنْ يصيرَ مضافاً قبل استهلاكِ المتنجّس، وإلاّ فإضافَتُهُ بعد الاستهلاك أو معه أيضاً غيرُ مُضِرٍّ بطهارَتِهِ.

ولعلَّ سقوط القيد في العبارة مسامحةٌ من المصّنف، وإلاّ تقدَّمَ منه آنفاً أنّ استهلاكَ المضاف في الكُرّ لو كانَ قبل الإضافة لا يوجب نجاسته.

نعم لا يعتبرُ أنْ يكون التغيّر بملاقاةِ عينِ النجاسة، فلو غيَّرَهُ المتنجّس بأوصاف عين النّجس نَجُسَ؛ للإطلاق؛ وعدمِ دليلٍ على التقيّد المزبور، بل غالباً أو دائماً يكونُ التغيُّر بأوصافِ النَّجِس بواسطة المتنجّس، حيثُ أنـّه لو وَقَعَ في الماء مقدار من الدّمِ تغيَّرَ أطرافُهُ، ثُمَّ يسري التغيُّرُ من تلك الأطرافِ إلى سائر الأجزاء، وهذا هو عين التغيُّرِ بالمتنجّس.

ويُعْتَبَرُ أنْ يكونَ التغيَّرُ حِسيّاً بظهورِ التغيُّر فيه، بل ليس التغيُّرُ التقديريُّ بتغيُّرٍ عُرفاً ولا عقلاً، من غير فرق في ذلك:

بين أنْ يكونَ بموافَقَةِ النَّجَاسَةِ مع الماء في الوصف ذاتاً أو عَرَضَاً، كما لو كانَ لونُ الماء أحمرا أو أصفراً، فوقعتْ فيه نجّاسة كانت تُغيّره لولا ذلك.

أو كان لعدم اللّون للنّجاسة، أيضاًَ ذاتاً أو عرضاً، كما إذا صبَّ فيه بولٌ كثيرٌ لا لون له، بحيث لو كانَ له لونٌ لغيَّرَهُ.

أو كانت الميتة زائلةُ الطّعم والرّيح، بحيثُ لو كانت لها ذلك لغيَّرَتْهُ.

فإنّه لا ينجُسُ بذلك، ما لم يَخْرُجُ عن الإطلاق، أمّا أنـّه لا ينجُسُ ما دام باقياً على إطلاقه؛ فللاستصحاب، بعد اختصاص دليلِ التنجُّس بغيره.

ودعوى أنَّ التغيُّر فعليٌّ وإنْ كان مستوراً عن الحسّ في ما لو كانَ ذلك لموافَقَةِ الماءِ النَّجَاسَةَ في اللّونِ كما إذا أُلقْيَ الدَّمُ في ماءٍ أحمر بوقوع البَقَّم([175]) فيه.

فممنوعةٌ فإنَّ التغيُّر في الخارجيات نظير الحالة الوجدانية ليس لهُ واقعٌ سوى ما يَظْهَر للحسّ فهو عبارَةٌ عن ظهورِ أثر المغيِّر في المتغيّر عندهم، فإنْ لم يظهر لهم ذلك فلا تغيّر.

نعم يمكن أنْ يقال: قد يبلُغُ وجودُ النّجسِ في الماءِ مع توافُقِ اللَّونين لموافَقَةِ النَّجَاسة للماء فيه، أو كسب اللون عن النّجاسة بحيث يرى العرفُ اللونَ الموجودَ لوناً لهما، كما أنـَّه يرى الموجود مركّباً منهما، وحينئذٍ فيكون ما هو المناط في التغيَّر من ظهورِ أثرِ المغيّر حاصلاً في الفرض فينْجُسُ ولا يحدّد ذلك بما ذكره من فرض النّجاسة بحيث لو لم يكن توافقها مع الماء في اللون لظهر أثرها فيه.

ولكنّ التحقيقَ أنّ ذلك أيضاً لا يرجع إلى مُحَصَّل إلاّ إلى تحديد النّجاسة والطهارة بغلَبَةِ النّجاسة كمّاً، ومن المعلوم أنهما لا ينوطان([176]) به.

وأمّا أنـّه ينجُسُ إذا صار مُضافاً؛ فلأنّ الإضافة لّما كانت بمزجه بالنّجس لم تزل ملاقاته له إلى حين الإضافة، ومقتضاهُ النّجاسة، هذا.

ولكنَّ التحقيقَ التفصيلُ بين تقدُّمِ الإضافة على استهلاك جميع أجزاءِ النَّجَاسة وتأخُّرها ومقارَنَتها على التفصيل السّابق في المائع المُلقى في الكُرّ، وسيأتي في المسألة الآتية.

المسألة العاشرة: لو تغيَّرَ الماءُ بما عدا الأوصافِ المذكورة من أوصاف النّجاسة، مثل الحرارة والبرودة، والرقة والغلظة، والخفة والثقل، لم ينجس ما لم يصر مضافا.

أمّا أنـَّه لا يتأثّر بغير الأوصاف المذكورة الثلاثة؛ فلظهور التّحديد في المستفيضة، تارة بالثلاثة، وأخرى باثنين منها، وثالثة في جواب السؤال عن التغيّر، ومع هذا فلا عبرة بإطلاقاتِ التغيّر المسوق لبيانِ مجرّدِ أنّه سببٌ للنّجاسة، والإجماعُ على عدمِ الاعتبار بغير الثلاثة منقولٌ عن جماعة([177]).

وإمّا أنّه إذا صار مضافاً ينجُس كما يظهر من مفهومِ قوله: (ما لم يصر مضافاً)؛ فلفرضِ وجود النّجاسة الممزوجة؛ وعدمِ عصمةِ الممزوج فيه.

وبعبارةٍ أخرى: إذا فُرضَ أنـّه لم يصدق على الموجود أنـّه ماء، بل ماءُ بولٍ، أو ماءٌ وبولٌ، فالمائيّةُ العاصمةُ مسلوبة، والمقتضي للنّجس وهو الملاقاةُ بالنّجس اللاّزمة لمزّجِهِ فيهِ حاصلةٌ، وهي تُوجِبُ التنجُّس بلا شُبْهَةٍ، وقد مَرَّ نظيرُهُ في المسألة السابقة فراجع.

المسألة الحادية عشر: لا يعتبر في تنجُسه أنْ يكونَ التغيّر بوصف النجس بعينه([178])، فلو حدثت بالملاقاة صفة أخرى غير صفة النجاسة تنجَّسَ، فيكون المناط تغيُّر أحد الأوصاف بسبب النّجاسة وإنْ كان من غير سنخ وصفِ النجس.

للإطلاق بعد أنْ عَرَفْتَ خروجَ التغيُّر بغير الثّلاثَةِ بالإجماع والحَصْر المستفادِ من النّصوص، وبقيَ الإطلاقُ بالنّسبة إلى الثلاثة بلا تقيّد، فبمجرّد صدقِ التغيّر ينجُسُ سواء كان بوصف النجّاسة الأصلية أو العارضة أو بغيرها.

نعم يقعُ الكلامُ في أنّه يعتبر أنْ يكونَ الوصفُ الحاصلُ مستنداً إلى تأثير النجاسة بوصفها في الماء، بحيثُ يكونُ المتحصّل من الكسر والانكسار والتأثير والتأثر بين الوصفين ذلك أو لا يعتبر ذلك؟ بل يكفي ظهورُ تغيّرٍ في الماء مستندٍ إلى ملاقاةِ النّجاسة، فلو كانت النّجاسة بالخاصيّة مؤثرة في زوال لون الماء أو حدوثِ وصفٍ فيه تنجَّس ظاهرُ العبارة وإنْ كانَ الثاني إلاّ أنَّ المظنون
عَدَمُ إرادَتِهِ وإنَّ المراد من قوله: (بسبب النجاسة) تسبيبُها له بنحوٍ من التأثير والتأثُّر الحاصل بتفرُّقِ أجزائه في أجزاءِ الماء أو انتقال وصفها بناءً على جوازه اليها.

المسألة الثانية عشر([179]): لا فرقَ بينَ زوالِ الوصف الأصليّ أو العرضيّ؛

للإطلاق؛ وعدم التقييد.

ودعوى الانصراف إلى خصوص تأثير أوصافه الذاتية ممنوعةٌ أشدَّ المنع، مُضافاً إلى ما قَدْ عَرَفْتَ من أنَّ المناطَ ظهورُ أثرِ النّجاسة فيه بأيّ وجهٍ كان، بل وكما لا فرق في أوصافِ النّجس الأصلية والعرضية كذلكَ لا فرق في أوصافِ الماء.

المسألة الثالثة عشر([180]): لو تغيّر طرفُ الحوض تنجس، فإن كان الباقي أقل من كرّ تنجّس الجميع، وإنْ كانَ بقدره بقيَ على طهارته، والآخر على نجاسته ما دام متغيّراً، فإذا زالَ تغيّره طهُر بالاتصال بالكرّ من غير حاجةٍ إلى الامتزاج.

إمّا أنـّه لا فرق في التنجُّس بالتغيّر بين ما كان المتغيّر مُتّصلاً بمعتَصِمٍ وعدمه؛ فللإطلاق؛ ولأنَّ الاتصالَ بالمعتَصِم لا ينفعُ ما دامَ التغيُّر إجماعاً، بل ظاهرُ النُّصوص والفتاوى أنَّ التغيُّر عِلّةٌ تامّةٌ للنَّجَاسَةِ، لا يؤثّر في علّيّتِهِ شيءٌ، وحينئذٍ فينجُسُ الباقي إنْ كانَ أقل من كرٍّ بناءً على نجاسةِ القليل بملاقَاةِ النَّجسِ والمتنجّس، وإنْ كان بقدرِ الكرّ فهو معتصمٌ، لا ينجس؛ لما دَلَّ على عِصْمة الكرّ من غير شرطٍ وإنْ زالَ تغيّره يطهُرُ؛ لاتصالِهِ بالكرّ، بناءً على كفاية الاتصال بالمعتصم في عصمة الماء وطهارته، ولا يحتاج إلى المزج، بخلافِ ما إذا لم يكتفِ بذلك، فإنـّه يَطْهُرُ بعد المزج، وسيأتي الكلام فيه إنْ شاء الله تعالى.

المسألة الرابعة عشر: إذا وَقَعَ النّجسُ في الماء فلم يتغير، ثمَّ تغيَّرَ بعد مدّةٍ، فإنْ عُلِم استنادُهُ إلى ذلك النّجس تَنَجَّسَ وإلاّ فلا.

وقد يتوَهَّمُ أنّه إنْ لم يتغيّر حال الملاقاة لم يَنْجُسْ وإنْ تغيَّر بعد ذلك؛ إذ يكون تَغَيَّرَ بعده كالتغيرُّ المستند إلى الملاقاة، وقد عرفتَ أنّ المنجّس من التغيّر خصوص المستند إليه.

وفيه: إنـّه قد يكونُ التغيُّرُ المتأخّرُ عن الملاقاة مستندٌ إليه، فينبغي أنْ يفصِّل كما في المتن بينَ ما إذا علم باستنادِ التغيُّر إلى الملاقاة فينجس وعدمه فلا.

المسألة الخامسة عشر: إذا وَقَعَتْ الميتةُ خارجَ الماء، ووقع جزءٌ منها في الماء وتغيَّرَ بسببِ المجموعِ من الدّاخل والخارج تَنَجَّسَ، بخلافِ ما إذا كان تمامُها خارجَ الماء.

لا يخفى أنَّ التغيَّر الحادث في الماء:

1.  إمّا أنَّ يكونَ مُسنداً بما يجاورُهُ من دونِ أنْ يلاقي شيئاً منه للماء.

2. وإمّا أنْ يستند إلى تمام ملاقيه من دون أنْ يكون للخارج دَخْلٌ في التغيُّر.

3. وإمّا أنْ يستند إلى مجموع الدّاخل والخارج كما في المتن.

4. وإمّا أنْ يستندَ تمامه إلى الجزء الغير الملاقي، مثل أنْ يكون الملاقي للماء جزءً من الميتة لم تسرِ العفونةُ فيه بعد، أو لم يكن قابلاً للعفونة.

ثمَّ المستند إلى المجموع قد يكون الملاقي وغيره جزءان من مركّب واحد، وقد يكون شيئين مستقليّن، كأنْ يقع في الماء ميتة غير جائفة ويكونُ في جنبه ميتة جائفة قد تغيَّرَ الماءُ بمجاورته.

مَرَّ الكلامُ في القسم الأوّل، وهو التغيّرُ بالمجاورة، ويلحقه الأخير بالضرورة؛ لأنَّ ما لاقى الماء لم يغيّره، وإنّما غَيَّرَهُ المجاوِرُ له، وقد عرفتَ أنّه يعتبر أنْ يكون سببَ التغيُّر هو النَّجس الملاقي، والمتيقَّن من موردِ التنجّس بالملاقاة هو القسم الثاني؛ لأنَّ ما لاقى الماء هو الذي غَيّرَهُ، ويلحق به القسم الثالث، وهو المفروض بالمتن؛ إذ يصدُقُ أنَّ ما لاقاه هو الذي غيَّرَهُ ولو كان التغيُّر مستنداً إلى الجزء الملاقي والخارج.

ويقعُ الإشكالُ في القسم الرّابع بالنَّظَر إلى أنَّ الجزء الملاقي غيرُ مؤثّر في التغيّر، فيكونُ التغيُّرُ مستنداً إلى مُجرّدِ المجاورة، وإلى أنّه ليس الاستثناء من قوله: (لا يُنَجِّسُه) مقتضياً لأزيد من أنْ يكونَ المستثنى من أفرادِ الملاقي للماء، فيكونُ المعنى: لا يُنجِّسُهُ شيءٌ ممّا لاقاه إلاّ أنْ يُغيِّره، وهذا المعنى صادق، ولعلَّهُ أحوط إنْ لم يكن أقوى.

وعبارةُ المتن غيرُ شاملة لهذه الصُّورة وإنْ كان رُبَّما يُستظهر من قوله:(بخلاف ما إذا كان تمامها خارج) أنَّ في غير الصّورة محكوم بالنَّجَاسَة.

المسألة السادسة عشر([181]): إذا شُكَ في التغيُّر وعَدَمِهِ لم يحكم بالنّجاسة.

لاستصحابِ عَدَمِ تحقُّقِ سَبَبِ نَجاسَةِ الماءِ وطَهَارَتِهِ، بل وقاعِدَة الطَّهارة.

المسألة السابعة عشر: إذا وَقَعَ في الماءِ دَمٌ وشيءٌ طاهرٌ أحمر فاحمرَّ بالمجموع لم يحكم بنجاسته.

لا يَنبغي الإشكالُ في أنّه لو ألقي في الماء طاهرٌ آخر فاستَعَدَّ للتغيّر، ثمَّ ألقيَ فيهِ دَمٌ فغيَّرَهُ تنجَّسَ، كما أنّه لو عُكِسَ الأمر لم يُحْكَمْ بنجاسته؛ لصدق التغيّر بالنّجاسة الملاقية في الأوّل وعدمه في الثاني، بل ولا يُحْكَمُ بها إذا ألقيا معاً أيضاً؛ لعدمِ صِدْقِ التغيُّر بالنّجس الملاقي، وأمّا لو مُزِجا خارج الماء، ثمَّ ألقيَ الجميعُ في الماء، فإنْ استهلَكَ الجسم الأحمر في الدَّم لا يَبْعُدُ أنْ يَصْدُقَ أنَّ الدمَ الملاقي غيره فينجُس، وإنْ لم يستهلك فيه بل عُدَّ المجموع مُضافاً مُركّباً منَ الدّمِ وذلك الأحمر لم ينجُس؛ لأنّه لم يتغيّر الملاقي بوصفِ النّجس؛ لأنَّ الوصف الموجود فيه ليس وصف للنّجسِ فقط، بل له وللطّاهر، ومنهُ يظهر أنَّ الأظهرَ في الصُّورَةِ السَّابقة أيضاً عدمُ التنَجُّس.

المسألة الثامنة عشر: الماءُ المتغيّر إذا زالَ تغيُّرُهُ بنفسهِ من غير اتّصاله بالكُرّ أو الجاري لم يَطْهُرْ...([182])

لاستصحاب النّجاسة، بل إطلاقُ ما دَلَّ على تنجّسه بالتغيّر، فإنّ قوله: (خلق اللهُ الماءَ طهوراً لا ينجّسُهُ شيءٌ إلاّ أنْ يتغيّر) دالٌّ على تنجُّس الماءِ بالتغيُّر، وهذا بإطلاقِهِ شاملٌ له حتّى بعد زواله وإنْ كان لدعوى سوقِهِ لبيانِ حُكْمِهِ بَعْدَ حدوثِ التغيّر من دونِ تعرُّضٍ لحالِ زوالِهِ بعد حدوثه مجالٌ، فينحصرُ الدّليلُ بالاستصحاب.

وفي طهارة شيخنا الأكبر  رحمه الله : (وللأمر بوجوبِ النّزحِ في البئر المتغيّر حتَّى يزولُ التغيّر بناء على كون (حتّى) للانتهاء لا للتعليل)([183]) وفي الدّلالةِ مَنعٌ.

وقد يتوهَّمُ طهارتُهُ إمّا؛ لأنّه لازم القول بالتيمّم، كما هو مُقتضى إطلاق قوله: (إذا بَلَغَ الماءُ قَدرَ كُرٍّ لم يحملْ خبثاً)([184]) خرجَ حال التغيّر وبقيَ غيره، أو لأنّه مُقتضى عموم: (كلّما غَلَبَ الماءُ على ريحِ الجيفَةِ فتوضّأ)([185])، وقوله: (لا بأس إذا غَلَبَ لونُ الماءِ لَونَ البول)([186])، وقوله: (إنْ كان النتنُ الغالب على الماء فلا يتوضأ)([187])، بل لقوله: (حتّى يذهبَ الريحُ ويطيب الطعم)([188])، بناءً على كون (حتّى) تعليلية أو للانتهاء مع استظهار دخولها على العلّة الغائية، مثل (تَفَكَّر في العبارةِ حتّى([189]) تفهمها).

وفي الأخير إنّا لو سَلَّمنا كونَ (حتى) تعليلية لا نُسلّم كون العلّة مطلق زوال التغيّر بل الحاصل منه بتكاثر الماء عن المادّة كما سيجيئ.

وفي ما قبله([190]) إنّها مسوقةٌ لبيانِ حالِ الماءِ في أوّلِ الملاقاة، فيكونُ المرادُ
أنَّ المناطَ في حدوثِ النّجاسة على الطّاهر وعدمِهِ الغلبةُ، يعني: حُدوثها في
أوّل الملاقاة.

وأمّا مسألةُ الابتناءِ على مسألة التيمّم ففيه ما سيجيئ، من أنّا لو قلنا به فنقولُ به في التيمّم بالطّاهر دونَ النّجس والمتنّجس، ومع ذلك فنقول به بحسبِ مُقتضى الأصل، دون قوله: (إذا بَلَغَ الماءُ قَدرَ كُرٍّ لم يحملْ خبثاً) فلا وجه لابتناء المسألة عليه.

نعم لو قلنا بالتيمُّم بالنّجس والمتنجّس كان لجعلِ ما نحنُ فيه من أفرادِهِ وجهاً، خصوصاً إذا فرضنا الكرّ مركّباً من نصفي كرٍّ متغيّر بعد زوال تغيُّره ولو سلَّمنا سقوطَ الأدلّة من الجانبينِ فالمرجعُ استصحابُ النّجاسة؛ للمنع من كون التغيُّرِ واسطةٌ في العروض بالنّسبة إلى النّجاسة وإنْ سَلَّمنا ظهورَ بعض أدلّتها في ذلك، إلاّ أنّه معارَضٌ بظهورِ بَعْضِها الآخر بكونِها علّة لنجاسة الماء، مع أنَّ المناط في أخذِ الموضوعِ في بابِ الاستصحاب هو العُرف دونَ أدلّة المستصحب.

نعم الجاري بل مطلق ذي المادة إذا زالَ تغيُّرُهُ مع بقاءِ اتّصاله بمادته طَهُرَ؛ لقوله: (لأنَّ لَهُ مادّة) بعد قوله: (فينزح حتَّى يذهب الريحُ ويطيب الطعم) فإنَّ الظاهر كون (حتى) تعليلية أو داخلة على العلّة الغائية، فتدلُّ على أنَّ غايةَ النَّزحِ هو ذِهابُ التغيُّر.

ثمَّ بقوله: (لأنَّ له مادة) دَلَّ على أنَّ الحكم المذكور لا يختصّ بخصوص البئر بل هو ثابتٌ لكُلِّ ذي مادّة، فتكونُ النتيجةُ طهارةُ كُلِّ ذي مادَّة بزوالِ التغيُّر.

لكنَّهُ مبنيٌ على كون (حتّى) تعليليةً لا لمجرّد الانتهاء أوّلاً، وعلى كونِ مدخولها مطَلقُ زوال التغيّر لا زواله بالنّزح وخروج الماء من المادّة ومزجه معه كما هو الغالبُ ثانياً، ورجوعُ التعليل وهو قوله: (لأنَّ له مادة) إلى عِلّيّة زوال التغيّر للطهارة ثالثا.

وقد يُناقَشُ في كُلٍّ من هذه المقدّمات فيَمْنَعُ كونُ (حتى) تعليلية؛ لجواز كونِها لمجرَّد الانتهاء، كما في (سرتُ حتَّى بلغتُ القنطرة) لكنَّ التحقيقَ ظُهورُها في الغائية.

توضيح ذلك: إنَّ مدخول (حتّى): قد يكونُ جزءً ممّا جُعِلَتْ غايةً له في الخارج، وقد يكون أمراً خارجياً مرتّباً عليه.

فالأول: (كقولك سرتُ حتَّى وصلتُ القنطرة أو الكوفة).

والثاني: كقولك: (حتّى لاقيتُ زيداً، أو حتَّى عرقَتْ جبيني).

فالظاهرُ العرفيُّ في الأوّل كونُه لمجرّدِ الانتهاء، وفي الثاني كونه للغاية، وما نحنُ فيه من قبيل الثاني، فيكونُ ظاهراً في الغاية.

ثمّ إنّ الظاهر أنّ مدخوله مجَّردُ زوال التغيّر، لا خصوص المستند للنّزح الموجبِ لتكاثُرِ الماء من المادّة عليه، المستلزمِ لمزجِهِ فيه؛ للإطلاق وعدمِ التقيد.

ودعوى: أنّه محمولٌ على الغالب من حصول المزج إذا كان زوال التغيّر بالنزح، بل يندرُ زواله بدونِ ذلك في مثل البئرِ البعيدِ عن الهواء وتجدُّدِ الرّياح عليه.

مُسَلَّمَةٌ، لكن في مقام بيان الغاية والعلّة والإشارة إلى مناط الحكم، خصوصاً إذا أريدَ إعطاءَ الضّابط الموجبِ للتعدّي عن الموردِ لا يُكتفى بمثلِ هذِهِ الغلبة في بيانِ الخُصوصيّة.

والظاهر رجوعُ العلّة إلى ترتّب الطّهارَةِ على زوال التغيّر؛ لأنَّ بيانه من وظائف الشرع، دونَ ترتّبِ زوالِ التغيّر على النّزح فإنَّهُ أمرٌ عاديٌ ليس بيانُهُ من وظائفه، مضافاً إلى كونِهِ من الأمور الواضحَةِ الغير المحتاجَةِ إلى البيانِ، فلا يُقَاسُ بقوله: (لازمْ غريمَكَ حتّى يُوفّيكَ دَيْنُك).

وأمّا احتمالُ كونِهِ راجعاً إلى الفقرات الأوُلَ من قوله: (لا يُفْسِدُه شيءٌ) أو (واسع) فبعيدٌ جداً، ومع ذلك فالأحوطُ اعتبارُ الامتزاج؛ نظراً إلى ما عَرَفْتَ من احتمالِ كونِ الغاية زوال التغيُّر على الوجه المخَصوص الحاصل من مثل النّزح الموجبِ لتكاثُر الماء من المادةِ المستلزم لمزجِهِ فيه.

وأمّا قوله في المرسلة: (ماء الحمّام كماء النهر يُطَهِّرُ بعضُهُ بعضاً)([191]) فهو وإنْ كان لا يأتي فيه ما ذكر إلاّ أنّ كونَ التّطهير فيه بمعنى الرّفع، مع كونِهِ وارداً في جوابِ السّؤال عن الدّفع بعيداً.

اللّهم إلاّ أنْ يقال: إنَّ حملَهُ على الأعمّ من الدّفع والرّفع ممكنٌ، فيدلُّ على أنّ كُلّ بعضٍ أو خصوصِ البعض المتصل بالمادّة يرفع ويدفعُ النّجاسة عن البعض من غيرِ اشتراطٍ بالمزج، وهو المدّعى، إلاّ أنْ يقالَ معَ دورانِ حَمْل التَّطهير على خصوصِ الدّفع، الذي هو موردُ السؤال، أو الأعمّ الأقرب هو الأوّل عرفاً، لا أقل من الإجمال المسقط له عن الاستدلال، فلا مَحيصَ عن الاحتياط، هذا بالنّسبة إلى خصوص الجاري، وذي المادّة الذي يخصّ من بين سائر المياه المعتصمة بما عَرَفْتَ من الأدلّة.

وأمَّا غيرُها كالتّطهُّر بالكّر أو المطر أو الحمّام فهل يُعَتَبرُ فيه المزجُ أو يكفي مجرّد الاتصال، فلو تغيَّر بعضٌ من حوضٍ وكان الباقي كُرّاً فهل يَطْهُرُ المتغيِّرُ بزوالِ تغيُّرهِ أو يُعتبر مع ذلك المزج؟ صريحُ الماتن وجماعَةٍ الأوّلُ، واستدلّوا عليه بوجوه:

الأوّل الذي هو عمدتُها: إطلاقاتُ مُطهّريّة الماءِ، مثل قولِهِ: (الماء يُطهِّر ولا يَطهَّر)([192])، وقوله: (ما أصابَهُ المطرُ فَقَدْ طهر)([193])، وقوله: (ما أصابَ هذا شيئاً إلاّ وقد طهر)([194])، وأشباه ذلك، الممنوع كون جملةٍ منها في مقام البيان([195]) من حيثُ كيفيّة التّطهير، بل وبعضها من حيثُ المطهّر، ولو فرِض إرجاع الكيفيّة إلى العرف فهيَ عندهم عبارةٌ عن استهلاك المتنجّس في الطّاهر، لا أقل من خلطه معه ومزجه فيه، مضافاً إلى المنع من تبيُّن طريق التطهير في المائعات عندهم أيضاً فيرجع إلى استصحاب النّجاسة، وبعضُها لا يدلُّ إلاّ على طهارةِ خصوصِ الجزءِ الملاقي، كقوله: (ما أصابه المطر)، فإنَّ الذي أصابه المطر ليس إلاّ خصوصُ الجزءِ الملاقي دون غيره.

ودعوى أنّه يصدُقُ عُرفاً أنّه أصابَ الجميع ممنوعةٌ، والصّدِقُ العرفيُّ محمولٌ على ضربٍ من المسامَحة، ولذا يكونُ محفوظاً حتَّى في الجامدات، فالإناءُ الذي أصابَ بعضَ أطرافِهِ المطرُ يقال: أصابه المطر، مع أنّه لا يُرادُ منه إلاّ أنّه أصاب بعضه، فليكُن في المائعات أيضاً كذلك، يعني: على نحوٍ من التوسّع والمسامحة، ويؤيّدُهُ أنّه يصدُقُ عليه أنّه أصابَ المطرَ ذلكَ الجانب الآخر، ومنه ظهر الكلام في قوله: (ما أصابَ هذا شيئاً إلاّ وقد طهر)، فإنّ الذي أصابَ الكُرّ هو خصوص السّطح الملاقي دون غيره.

إنْ قلتَ: ما أصابه طَهُرَ فصارَ من الكُرِّ المعتصم، فيطهر بإصابته ما جاوره، فيكون جزء من الكُرّ أيضاً فيطهُرُ الجميع، فلو نحنُ سلّمنا ما ذكرتَ في مثل المرسلة يعني قوله: (ما أصابَه المطر)، فلا نسلّمه في مرسلة ابن أبي عقيل، وهو قوله: (ما أصاب هذا شيئاً إلا وقد طهّره) مُشيراً إلى الماء الموجود في الطريق؛ لأنَّ مقدار الملاقي له يكون بعد طهارته جزء منه، فيكونُ كرّاً معتصماً، فيطهر ما أصابه وهكذا، نعم الملاقي للمطر لا يكون به مطراً، وبهذا تعرفُ الفرق بين المرسِلين، يعني: (ما أصابَ هذا شيئاً إلا وقد طهُر)، وقوله: (ما أصابه المطر فقد طهر).

قلتُ: هذا إنّما يتمُّ بناءً على كونِ التطهير والتنجّس بالسّراية، وقد قُرِّر في مَحَلِّهِ أنّه مستلزمٌ للجزء الباطل.

وحاصله: إنَّ الملاقي ليس إلاّ سطح الماء المنفعل، ومن المعلوم أنَّ سطحه الآخر غير ملاقٍ لا للكُرِّ ولا لهذا السّطح الملاقي له.

اللّهم إلاّ بناءً على القولِ بالجُزءِ والالتزام بتركّبه من الأجزاء التي لا تتجزأ، فينحلُّ إلى جزءٍ ليسَ له سطحان، فإذا طَهُرَ طَهُرَ الجزءُ الآخر، وهكذا، وهذا عينُ الالتزام بالجزء الباطل، ولذا التزموا في باب انفعال الماء القليل بملاقاةِ بعضِهِ بالتعبّد، وأبطلوا السراية، والحال في باب التطهير والتنجُّس واحد.

إنْ قلت: فكما أنّهم التزموا به في باب التنجيس بالتعبّد، وقالوا: إنّ بملاقاة بعضه يصدُقُ ملاقاةُ الجميع فينجُس فليقولوا به في باب الطهارة أيضاً، ويلتزموا بطهارة الجميع بإصابة البعض.

قلت: الموضوعُ في بابِ النَّجاسَةِ في قولهم: (الماء إذا بلغ كراً…) الخ، هو الماء الواحد، فحكم الشّارعُ بأنَّ الواحد من الماء ينجُسُ بالملاقاة، وبما في باب مطهرية الماء فالموضوعُ هو كلمة (ما) الموصولة، التّي يكنّى بها عن الأجزاء أيضاً، فلا يدلُّ إلا على طهارةِ خُصوصِ الجزءِ الذي أصابَ المعتصمَ دُونَ جميعه، ولو كانَ ما نَحْنُ فيه أيضاً مثل قوله: (كل ماء أصاب الكّر أو المطر يطهر) لقلنا به أيضاً، لكنّه ليس، فلا نقول([196]).

وأمّا الوجوه الأخر المذكورة لعدمِ اعتبارِ المزج بل لامتناعِ اعتباره فلا كرامة في شيءٍ منها([197]).

 

فصلٌ

في الماء الجاري

الذي قد يَقَعُ الكَلامُ بينَ الفُقَهَاءِ في موضوعِهِ، وأنّه السّائلُ مُطلقاً، أو عن مادّةٍ، أو مطلقّ النابع، وعليه فيكونُ وصفُهُ للجريان؛ للغلبة ولجريان الاصطلاح، أو يراد به الجريان الطبيعي، وبحسب المقتضي.

ويؤيِّدُ الاحتمالَ الثاني([198]) المنقولُ عن بعض المتأخرين([199]) من إطلاقه على السائل من ذوبان الثلج شهراً أو شهرين أو طول السنة، فإنَّ المنع من إطلاقِ الماء الجاري عليه مجازَفَةٌ، إلاّ أنّه أخصّ من المدّعى؛ لوضوح عدم صدِقِهِ على مطلق السائل.

لكن لا يُهمّنا تشخيصُ موضوعه بعد أنّ كان مَدْرَكُ الحكمِ عندنا
مثل صحيحة ابن بزيع([200]) المشتمل على عنوان المادّة، فإنّها سواء جُعِلَتْ كلمة (حتى) فيها للانتهاء أو للغاية تدلُّ على عمومِ حُكْمِ البئر لكُلِّ ذي مادَّة، بمقتضى عموم العلّة، سواء يرجعُ التعليلُ إلى قوله: (لا يفسده شيء إلاّ بالتغيّر)، أو إلى طهارته بعد التغيّر بزوالِهِ مُطلقاً أو بالنّزح، فإنّه على كلا التقديرين تدلُّ على عصمة ما يخرُجُ من المادة، وإلاّ لا نفعَ بالملاقاة، ولم يَطْهُر المتغيّر، فدلالته على عِصمة ما يخرج من المادّة واضحة، وعموم الحكم لكلّ ذي مادةٍ ثابتٌ بمقتضى عموم العلة.

نعم إنْ رجع التعليل إلى زوال التغيّر بالنّزح، كما في قولك: (لازم غريمك حتّى يوفّيك دينك فإنّه يكره ملاقاتك) على أضعف الوجوه لم يعمّ الحكم لكلِّ ذي مادّة.

وعليه فيحتاج إلى التمسّك بمثل قوله: (الماء الجاري لا ينجسه شيء)([201])، وفي الدعائم: (ليس ينجسُه شيء ما لم تتغيّر أوصافه)([202])، و(ماء الحمَّام كماءِ النّهرِ يُطَهِّرُ بَعْضُهُ بعضاً)([203])، بل ومثل قوله: (ماء الحمام بمنزلة الجاري)([204]) الظاهر في ثبوت خُصوصيّةٍ له ممتازة عن غيره، وليس إلاّ اعتصام القليل منه، وحينئذٍ فيحتاج إلى تشخيص موضوع الجاري، إلاّ أنَّك عَرَفْتَ استظهارَ رجوع التعليل في الصحيحة إلى أحدٍ من الاعتصام أو التّطهير والرفع، بل الظاهر رجوعه إلى خصوص الأخير، نعم مقتضاهُ اعتصام ذي المادّةِ مُطلقا.

نعم قد يُعَارَضُ بعموم أدلّة الانفعال الشّامل للجَّاري والرّاكد، والنّسبة عموم من وجه، وبعد التساقط يرجعُ إلى عموم: (خَلَقَ اللهُ الماء طهوراً لا يُنَجِّسُهُ شيء)([205])، وقد يُرْجَعُ بعد التّساقُط إلى ما قد يستفاد من أدلّة الكرّ والجاري من احتياجِ اعتصامِ الماءِ إلى سببٍ وجوديّ، فإذا شُكَّ في وجودِهِ فالأصلُ عدمه، والكلام في المسألةِ طويل فليرجع إلى طهارةِ شيخنا الأكبر.

لكنّا نقولُ: يمكنُ المنعُ عن كون النّسبة بين أدلّة الجاري وأدلّة الانفعال العمومُ من وجه، وذلك لأنَّ مَفَادَ أدلّة اعتبار الكرّ في العِصْمَةِ أنَّ الماءَ مُطْلَقاً عصمتُهُ منوطَةٌ بكرّيّتِهِ فقليله ينفعل، وكثيره لا ينفعل، ومفادُ دليلِ ذي المادّة والماء الجاري أنَّ الجاري من أقسامِ الماءِ المعتصم مطلقاً، ومن الواضح أنّ بينَ موضوعَيْ الدّليلين عُمومٌ مُطلقٌ، نعم إنْ جُعِلَ المعارضُ لأدلّة الجاري وذي المادة خصوصُ المفهوم الدّالّ على أنَّ القليل من الماء منفعلٌ كانَتْ النّسبة عموماً من وجه.

لكنَّ الإنصاف أنَّ المعارَضَةَ بينَ الخُصوصيّةِ المستفادَةِ من المنطوقِ ودليلِ الجاري، ثمَّ على تقدير جعل المعارض مفهوم الصّحاح، وكون النسبة عموماً من وجهٍ عَرَفْتَ أنّه قد يرجع إلى ما يسُتَفَادُ من الأدلّة من احتياج الماءِ إلى سَبَبٍ وجوديّ، ومَعَ الشكَّ يَنْجُسُ وقد يُرْجَعُ إلى عمومِ قولهِ: (خلَقَ اللهُ الماء طهوراً لا ينجّسه شيء) الدالّ على اعتصامِ الماء بنفسهِ واحتياجِ الانفعال إلى التغيُّر.

والتحقّيقُ التعارُضُ بينهما أيضاً بالتبايُن، فيُرْجَعُ إلى قاعدة الطهارة واستصحابها.

وعلى أيّ حالٍ فلا إشكالَ في تنجُّسِهِ قليلاً كانَ أو كثيراً بالتّغير، كما أنّه لا فرقَ في الجاري بين أنْ يكون بالفوران من المادّة أو بالرّشح، إمّا بناءً على كونِ الموضوع عُنوان الجاري فواضحٌ، وكذا إنْ كان عنوان ذي المادّةِ لصدقِ المادّةِ على كُلٍّ منهما.

نعم لو جعلنا الموضوعَ عنوانَ الجاري لم يُلْحَقْ به النَّابع الواقف، وإنْ جعلنا عنوانَ ذي المادّة - كما هو الأقوى؛ لما عَرَفْتَ من وضوحِ دلالةِ الصحيحة- عمَّ الحكمُ لكلِّ نابعٍ وإنْ كان واقفاً، وسنشيرُ في المسألة الخامسة إلى أنّه هل يُعتَبَرُ في عِصْمَةِ ذي المادّة النّبعُ أم لا؟ فانتظر.

المسألة الاولى: الجاري على الأرضِ من غيرِ مادّةٍ إذا لم يكُنْ كرّاً تَنَجَّسَ بالملاقاةِ...([206])

أمّا بناءً على كونِ دليلِ العصمة ما دَلَّ على اعتصامِ ذي المادَّة فظاهرٌ؛ لعدم المادة العاصمة، لأنّ الظاهرَ من المادةِ المادَّةُ الأرضية دونَ مُطلق ما يستمدُّ منه في الجريان، بل قد عرفتَ الإشكال في صدقِهِ على السّائل من ذوبانِ الثّلج؛ لعدم انصرافِ المادَّة إليه؛ لأنَّ الظاهر من المادة - ولو بقرينةِ الموردِ - ما كان مثل مادّةِ البئر، وليس للفظ المادّة من هذه الجهة إطلاقٌ يشملُ غيرَ المادّة الأرضيّة لو لم نقل بانصرافه إلى خصوصها، وسيجيئ في المسألة الرابعة لذلك توضيح.

نعم إذا كانَ جارياً من الأعلى إلى الأسفل لا ينجُسُ أعلاهُ بملاقاة الأسفل للنّجاسة، لا لما قد يُتَوَهَّمُ من امتناعِ سراية النَّجاسة من الأسفل للأعلى؛ إذ لا نقولُ في انفعالِ الماءِ القليل بالسّراية لما سيجيئ، بل للإجماع الظاهر على ذلك، بل وعدم نقل قولٍ بالنجاسة، وحينئذٍ فيقتَصِرُ فيه على ما كانَ علوّه تسنّمياً كالميزاب أو ما يشبهه، وأمّا الاعتصام في مطلقِ العلوّ والسّفل فلا وجه له، بل ومنه يظهرُ عَدَمُ إلحاقِ ما كانَ مثل الفوّارة الملاقيه عالية بالنجّاسة به، وقد مَرَّ شطرٌ من الكلامِ في ذلكَ في بابِ المضاف.

المسألة الثانية: إذا شك في أنه له مادة أم لا وكان قليلاً ينجس بالملاقاة.

لما عرفتَ من أنَّ الجريان كالكُرّية عاصمة ومانعة، فإذا شكَّ في تحقُّق المانع عن التنجُّس يُستَصْحَبُ عَدَمُه؛ لأنَّ استصحاب عَدَمِ المانعِ ولو بالعَدَمِ الأزليّ ينفع في الحكم بتأثير المقتضي، فإذا كان ظاهر قوله: (إذا بلغ الماء) بل وقوله: (لأنَّ له مادة) أنَّ الملاقاة تؤثّر في النجّاسة، والكرّيّة والمادّة عاصمةٌ، وجرت أصالة عدم تحقُّق المانع عن تأثيرها حكم بنجاسته.

إلاّ أنْ يقال: إنّهما في دلالتهما على ذلك متعارضةٌ مع قوله: (خلق اللهُ الماءَ طهوراً لا يُنجِّسه شيء) الدّالّ على أنّ المحتاج إلى أمرٍ وجوديٍّ هو النَّجاسة، وإلاّ فنفسُ الماء معتصمٌ بنفسِهِ ولا تؤثّر فيه الّنجاسة، ومع التعارض فالأصلُ الطّهارة وعدم الانفعال، وحَمْلُ النّبويِّ على خصوص الجاري والمطر والضحضاح على الرّاكد وإنْ كان ممكناً إلاّ أنّه بلا شاهدٍ، مع أنَّهُ خلافُ الظاهر في أدلّة ذي المادّة أيضاً، حيثُ عَرَفْتَ ظُهورها في قابليّةِ الماءِ بما هو ماء للانفعال، والمادة عاصمةٌ، وشيخُنا في طهارته([207]) وإنْ ضَعَّفَ النبويَّ إلاّ أنَّ شُهْرَةَ نَقْلِهِ في كُتُبِ الخاصَّةِ واستدلالهم به جَبَرَ ضعفه.

ومن جميع ما ذكرنا ظهر وجها المسألة، وأنّ الأقوى طهارتُهُ، مضافاً إلى إمكان استصحابِ اتّصالِهِ بالمادة؛ لظهورِ اليقين بأنَّ لكلِّ ماءٍ مادّة ونشكُّ في انقطاعه عنها، فيستصحب اتصاله بها، ورجوعُ الاستصحابِ إلى الاستصحاب الكُلِّيّ غيرُ مانع بَعْدَ كونِ الأثَرِ من آثارِ مُطْلَقِ المادة لا المادة الخاصة.

المسألة الثالثة: يعتبَرُ في عدم تنجّسُ الجاري اتصالُهُ بالمادّة...([208])؛ لأنَّ الظاهرَ المنصرف من أدلّة ذي المادّة أنَّ حفظه من النَّجاسة مُستند إليها بمعنى أنّها
هي التّي تعصِمُهُ من النَّجاسَة، لا بمعنى أنَّ هذا القسم من الماء الذي خَرَجَ من المادّة معتصمٌ.

وبعبارةٍ أخرى: المادَّة علّة للاعتصام حدوثاً وبقاءً، فما دام كان([209]) لهذا الماءِ مادّة فهو معتصم، ومن المعلوم أنَّ بعد الانفصال عن المادَّةِ لا يَصْدَقُ أنَّ له مادَّة.

ومنه يظهر أنَّ الحكم بانفعال ما كان له مادة من فوق بترشح وتقاطر إنْ كانَ دونَ الكُرّ محلُّ نظرٍ؛ لصدقِ([210]) له مادة في مثله.

اللّهم إلاّ أنْ يكون قطراته متباعدة أو بعيدة، بحيث لم يُعَدّ في العُرف متّصلاً، وإلاّ فمَعَ اتّصاله مَعَهَا عُرْفاً كما في الماءِ الكائن على الأرض الذي يتقاطَرُ عليه المطر، حيثُ يحكمون بعصمَتِهِ ما دام اتّصالُهُ بالمطر ويُصَرِّحونَ بأنَّ المرادَ بالاتّصالِ ليس اتّصالُ قطرات المطر، بحيث لم يكن حالة فتورٍ بينها؛ لصدق الاتصال به، بل ولو لم يصدق الاتصال بعدم إناطة الحكم مناطَ عنوان الاتصال، بل يدورُ مدارَ عَدّ العُرف أحدهما قابلاً للتأثر بالآخر، بحيثُ يمكن أنْ يقال إنّ عصمته به وهذا يكفي فيه أقل من صدق الاتصال.

وعلى أيِّ حالٍ فمحلَّ الرشح طاهر ولا ينفعل بالملاقاة؛ لأنَّ له مادة، وهل يتعدّى إلى الرّطوبة الموجودة في حال الفتور المتخلِّل بين قطراته؟ وجهان، أقواهما: نعم، إلاّ أنْ يمنع من اعتصامه مع عدم صدق الماء عليه؛ لعدم الدليل على اعتصام غير الماء.

ويدفع بأنَّ الرطوبة المتصلة بالمعتصم المتكوّنة منه معتصمةٌ أيضاً، فلا تنفعل هي ولا سطح الأرض الراشح.

المسألة الرابعة: يُعْتَبَرُ في المادَّة الدّوام، فلو اجتمعَ الماءُ من المطر أو غيره تحتَ الأرض ويترشَّحُ إذا حُفِرَتْ لا يلحقه حكم الجاري.

لا يخفى أنَّ ذلك ليس من فروعِ اعتبارِ الدّوام، كيف؟ والعيونُ النّابعة في وقتٍ دون وقتٍ يلحقُها الحكمُ حالَ نبعها، بل هو من فروعِ اعتبار كونِ المادّة أرضيَّةَ، يعني: متكوّنة من الأرض لا مذخورةً فيها من الخارج، فإنّ المياه المجتمعةُ تحتَ الرَّمل من المطر من قبيل المذخورة فلا يلحَقُها حكمُ ذي المادّة، كما عرفتَ في المياهِ الجارية من ذوبانِ الثّلج ولو كانَ ذلك طول السنة.

وقد عَرَفْتَ أنّا لو سَلَّمْنا إطلاقَ المادَّةِ على مثلِ ذلك ولم نَقُلْ بظهورها في خصوصِ المتكوّنَةِ في الأرض بطبعها لا نسلِّمُ تماميَّةَ مقدّماتِ الحكمة فيها حتَّى يُحْرَزَ الأخذُ بإطلاقها، بل يُمكِنُ أنْ يكونَ ورودُها في موردِ التعليل للبئر مُوجب لإرادة قسمٍ خاصٍّ من المادّة، وهي المادَّة، الأرضية.

المسألة الخامسة: لو انقطع الاتصالُ بالمادّة كما لو اجتمع الطين فمنع من النبع كان حكمه حكم الراكد...([211])

لا من جهةِ عدم النّبع الفعليّ، على ما يظهر من المتن، بل من جهة زوال الاتصال بالمادّة، ضرورةَ أنّه لا يُعَتَبرُ في عاصميّة المادّة كونُها نابعةً فصلية لعدم الدليل عليه وإنْ كان يُحتَمَلُ ذلك في تعليل صحيحة ابن بزيع بناءً على رُجوعها إلى سببيّة زوالِ التغيُّر بالنّزح لا لعدمِ الانفعال بغير التغير، وذلك لما عرفتَ من أنَّ المحتمَلَ أنْ يكونَ الرّافعُ لنجاسة المتغيّر زوال التغيّر عنه على وجهِ النّزح الملازم للجريان والنبع من المادة، وحينئذٍ فلا يدلُّ إلاّ على عصمة ذي المادّة حالَ النّبع لا مطلقا.

نعم بناءً على رُجوعِ التعليل إلى أصلِ الاعتصام وعدمِ التنجّس إلاّ بالتغيّر، فبابُ هذه المناقشة مسدود.

لكنَّ الإِنصافَ أنَّ ظاهرها وإنْ كانَ رجوعَ التعليل إلى زوالِ النَّجاسَةِ بزوالِ التغيُّر إلاّ أنَّ المستفادَ منه أنَّ الغايَةَ مجرد زوال التغيّر، لا خصوص الحاصل منه بالنزح الموجب للامتزاج حتّى لا يستفاد منه إلاّ اعتصام ذي المادة حالَ النّبع، فكما أنّ الأقوى عصمته مطلقاً كذلك الأقوى عدمُ اعتبارِ الامتزاجِ في ذي المادّة وكفاية مجرد الاتصال، فإنْ ثَبَتَ عَدَمُ القولِ بالفصل بينه وبين المياه العاصمة لا يًعتَبَرُ الامتزاج مطلقاً، وإلاّ فيُفصّلُ بينهما.

وكيف كان فلا إشكالَ في أنّه بعدَ زوالِ المانع وحدوثِ الاتصال يعتصم مطلقاً في وجهٍ، وبشرط الخروج من المادّة والنّبع في آخر، وقد عَرَفْتَ أنَّ الأوّلَ أقوى.

المسألةُ السَّادسة: الراكدُ المتّصلُ بالجاري كالجاري...([212])

في الاعتصام إنْ قلنا: بأنَّ المناطَ وجودُ المادّة له، وأمّا إن أنَطْنا العِصْمَةَ أو زوال النجّاسة بالجريان وصدق الجاري فهو مَوردُ تأمُّلِ بل منع.

والحاصل: إنَّ المتَّبَعَ في الإلحاقِ وعَدَمِهِ دليلُ ذلك الأثر الذي يُرادُ إثباته، فإنْ كان ثابتاً لذي المادّة فيثبتُ للمتَّصلِ بالشطّ مطلقاً بصدق ذي المادّة عليه، وإنْ كان ثابتاً لِعُنوانِ الجاري فلا يَصدُقُ على الحوض المتّصل ما لم يُعَدُّ في الخارجِ جزءٌ منه، كأطرافِ الشطَّ المعدودة بعضاً منه، فإنّه مُلْحَقٌ به في الحكم مطلقاً حتَّى لو كان واقفا.

المسألة السّابعة: العُيونُ التي تَنْبَعُ في الشّتاءِ -مثلاً- وتنقطِعُ في الصَّيفِ يَلْحَقُها الحُكْمُ في زمانِ نَبْعِها.

لصدقِ ذي المادّة عليها حينَ النّبع وعدمِ الصّدق حين عدمها، بل لا يعتبر النبّع ويكفي مجرّد وجودِ المادّة واتّصال الموجودِ به وإنْ كان لاعتبارِ النّبع والجريانِ من المادّة وجهٌ، بناءً على أنَّ صحيحةَ ابن بزيع لا تدلُّ إلاّ على الاعتصامِ حينَ النّبع؛ لأنَّها غيرُ دالَّة إلاّ على أنَّ زوالَ التغيُّر بالنَّزحِ الموجِبِ لخروجِ الماء من المادّة ومزجِهِ بالمتغيّر مُطَهِّرٌ له، ولا يَظْهَرُ من هذه الجملةِ إلاّ اعتصامُ ما في المادّة بالجريان والنبع، نعم لو قيلَ برجوعِ التَّعليل إلى قوله: (لا يُفسدُه شيء)، أو جَعَلَ الغايةَ مطلقَ زوال التغيّر كانَ للحكم باعتصام المادة وما يتّصلُ بها مطلقاً وجهٌ.

المسألة الثامنة: إذا تغيّرَ بعضُ الجاري دونَ بعضه الآخر...([213])

فتنجَّسَ المتغيِّرُ بلا إشكالٍ؛ لوجود سببهِ، ويبقى الطَّرفُ المتّصِلُ بالمادّة على طهارَتِهِ؛ لأنَّ سببَ الاعتصامِ وهو الاتّصالُ بالمادّة موجودٌ فلا يَضرُّ اتّصاله بالمتغيّر المتنجّس، من غير فرقٍ بين أنْ يكون قليلاً أو كثيرا.

وكذا الطَّرَفُ الآخرُ لم يتغيَّر تمام قطر الماء، ولم ينقطع عن المادّة بالمتغيّر مطلقاً، بل بقيَ بعضُ الماءِ غيرُ متغيِّر فإنَّ الطَرَفَ الآخرَ أيضاً يَبقى على طهارَتِهِ من اتّصاله بالمادّة بواسطةِ الماء الغير المتغير.

وأمَّا إذا انقطع تمامُ قطر الماء، بحيثُ لم يبقَ منه مقدار يكونُ واسطةً بين المادّة والطَّرَف الآخر المتّصل بالمتغيّر المنفصل عن المادّةِ به، فهل:

يبقى على طهارته؛ لصدق ذي المادّة والنَّهر والجاري عليه، واتّصاله بالمادّةِ أيضاً محفوظ، ولم يدلَّ دليلٌ على اعتبارِ أزيدَ من ذلك.

أو يتنجَّس؛ لأنّ عصمته لو كانتْ تكونُ من ناحيةِ المادّة، وقد انقطعَ عنها بالمرَّة بالمتغيّر، فإنَّ المتغيّر المنفعل حيثُ لا يَعتصمُ بالمادّة لا يمكنُ أنْ يَنحفظَ غيرُهُ بهِ؟ وجهان، اختارَ الثّاني في المتن، وبعضُ الأساتذَةِ ممّن أدْرَكْنا عصرُهُ على الأوّل.

 

فَصْلٌ

في الماءِ الرّاكد

الرّاكدُ بلا مَادَّةٍ إنْ كانَ دونَ الكرّ يَنجُسُ بالملاقاة.

على المشهور، المدّعى عليه الإجماع، والنّصوص المتظافرة لو لم تكن متواترة المبتلى بمثلها، الظاهر في العصمة وعدم الانفعال المتأيّد بالتعليل في بعض الأخبار بقوله: (لأنّ الماء أكثر من القذر)([214]) الذي سنُشيرُ إليه وإلى وجهِ دلالته في مسألةِ الغُسالة إنْ شاء الله، وبقوله: (خلقَ اللهُ الماءَ طَهوراً لا ينجّسه شيء إلاّ ما غَيَّرَ) الحديث، الذي عرفتَ أنّه لو سَلَّمنا معارضَتَهُ مع قوله: (إذا بَلَغَ الماءُ قدرَ كُرٍّ) وَجَبَ الرّجوعُ إلى عموماتِ الطَّهارةِ للماء، ولكلِّ شيءٍ واستصحابها وقاعدتها، هذا.

مضافاً إلى أنَّ كثرةَ أخبارِ الطَّرفين مانعةٌ عن الرُّجوعِ في علاجها إلى ملاحَظَةِ سَنَدِها، فيتعيَّنُ فيها الجمع الدلالي.

والإنصافُ أنَّ ما يُقابلُ أخبار الطَّهارة أَقْبَلُ للتصرُّف، بل هي في الطَّهارة نصٌّ، وتلكَ في النَّجاسَةِ ظاهرةً إلاّ وضوحَ الحُكْمِ بِينَ المتشرّعةِ حديثاً وقديماً، والإشعاراتُ الموجودَةُ في الأخبار المتفرّقة، وارتكاز النَّجاسة في ذهن عمومِ المذهب، بل المسلمين أوقفنا عن الحكم بالطهارة وجعل الاحتياط الشديد في النجاسة.

وعليه فلا فرق بين النجاسات حتى رأس الابرة من الدم الذي لا يدركه الطرف الذي ذَهَبَ بَعْضُهُم إلى عدم تنجُّسِ الماءِ به؛ زاعماً أنَّه موردُ صحيحةِ عليّ بن جعفر من قوله: (إنْ كانَ شيئاً لا يَستبينُ في الماء فلا بأس)([215])بعد السؤال (عن رجلٍ امتخطَ فصارَ الدمُّ قطعاً صغار فأصابَ إناءه)، لكنّه ضعيفٌ؛ لاحتمال أنْ يكونَ المرادُ من قوله: (إنْ لم يستبين): لا يعلم وصوله إلى الماء؛ إذ العلمُ بإصابته الإناء أعمّ من ذلك، بل يحتملُ أنْ يكونَ السؤالُ عن ذلك أيضاً، يعني: أنَّ العلم بإصابة الإناء والجهل بإصابة الماء يوجبُ الاجتنابَ عن الماء؛ لوقوعه طرف الشبهة أم لا؟ مع أنّه شاذٌّ غير معمولٍ به، فلا يمكنُ الاعتمادُ عليه في الفتوى، فالأقوى عدمُ الفرقِ بين قليل النَّجاسة وكثيرها، كما أنّه لا فرقَ بينَ أقسامها.

وكذلكَ لا فرقَ بينَ أنْ يكونَ الماءُ الذي لاقَتْهُ النجاسَةَ مُجتمعاً أو متفرّقاً مع إتصالها بالسّواقي، فإنَّ ملاقاة طَرَفٍ منه بالنَّجاسة يُنجِّسُ الجميعَ لا بسراية النجَّاسة موضُوعاً مع عدمِ قابليّةِ بَعْضِها لذلك، واستلزامِ القابل له حصول وصف النّجاسة للماءِ تدريجاً، ولا لكون أجزاء الماء متلاقيةً بعضها ببعضٍ، فإذا لاقى بعضها النجَّاسَةَ تنجَّسَ الجميعُ لملاقاتها بالمتنجّس وملاقاة بعضها بالنجَّاسة، حتّى يقالَ بابتنائه على القولِ بتنجيس المتنجّس، مع أنّه مُلتزمٌ بالتنَجُّس هنا مَنْ يمنعُ تنجيسَ المتنجِّس، خُصوصاً مع كثرةِ الوسائط، كما في الفرض بالنسبة إلى الأجزاء البعيدة، أو يقال بأنَّ التنجيس بذلك على القولِ بالجزء الذي لا يتجَزّء حتى يصحّ أنْ يقال إنَّ كلَّ جزءٍ مُلاقٍ للآخر، وإلا فمع عدمه يمنع التلاقي بينها لأنَّ الجزءَ الملاقي أحدَ سطحيه لا يُلاقيها إلا بسطحه المتّصل، والسَّطْحُ المقابل غير مُلاقٍ: لا للنَّجَاسةِ وهو ظاهر، ولا للسطح الآخر؛ لأنّ تلاق السّطحين المتقابلين غيرُ معقولٍ، بل للتعبُّدِ عن الشرع، حيثُ أناطَ الحكمَ بطهارة الماء الملاقي للنَّجاسة على كونِهِ كُرّاً الظاهر في أنّه مع عدم كُرّيّتِهِ يتنجَّسُ الجميع؛ لأنَّ الجميع لاقى النّجس، وإنْ كانَ بقدر الكرّ لا يَنْجسُ للإجماع والصِّحاح وغيرها، المتكثرة المتظافرة، من غيرِ فرقٍ بين تفرّق الماء أو اجتماعه مع صدقِ الوحدة العُرْفيَّة؛ للإطلاقِ وعدمِ ما يَصلحُ للتقّيد حتَّى الانصراف، فإنَّه لو كان فهوُ انصرافٌ بَدويٌ لا يُعتنى به، وإلا كان الأمرُ في القليلِ كذلك مع أنّه لا يلتزم به الخصم.

المسألة الأولى: لا فرقَ في تنجُّس القليلِ بيَن أنْ يكونَ وارداً على النّجاسة أو موروداً؛ لإطلاق الأخبارِ الخالية عَمَّا يُوجِبُ تقيُّدها.

ودعوى أنّه لو نجّس الوارد لم يطهر متنجّسٌ إلاّ بالكرّ أو غيره من المياه المعتصمة.

سيأتي دفعها إنْ شاءَ اللهُ مع وضوح عَدَمَ الملازمة.

المسألة الثانية: الكرّ بحسب الوزن ألفٌ ومائتا رطلٍ...([216])

إجماعاً منّا، والمشهور أنّه بالعراقي([217])؛ لكونِ المرسِلِ عراقياً، مع أنّه أرسله عن بعض اصحابنا، الظّاهِرِ في كونِهِ أيضاً كذلك، فيكون الرّاوي أيضاً عراقياً؛ ولإرادة العراقيّ من الرّطل في بعض الأخبار([218]) فيكون شاهداً على إرادته منه هنا أيضاً، ولأنّ في صحيحة محمّد بن مسلم حَدَّدَهُ بستمائة رطل([219])، ولا إشكال، ولو بضميمة عدمِ الخلاف في أنّ المراد منه المكّيّ الذي هو ضِعْفُ العراقيّ، فيكونُ ألفاً ومائتانِ بالعراقي، فيكون مُبيِّناً للمرسَل المزبور؛ لأنّ المبيِّن يُفَسِّرُ المجمل، بل يمكن أنْ يجعل نفس هذه الصحيحة دليلاً، ولا يعارَض بالمرسلة؛ لأنَّ المجمَل لا يعارض المبيِّن.

وأمّا دعوى أنّ ابنَ أبي عمير مُرسِلٌ للرّواية، والمقدَّمُ على عُرْفِ المرويِّ عنهُ عُرفُ الرّاوي دون المرسِل، فلا وجهَ لجعله شاهداً على إرادة العراقيّ، كما في طهارة شيخنا الأكبر  قدس سره ([220]).

فيُمكنُ دفعها: بأنَّ المرسِلَ أيضاً حيثُ نَقَلَ الرواية بالرّطل ولم يُبيِّن أنَّ المرادَ منه غيرُ مصطلحه يُحْمَلُ على مصطلحه؛ إذ مثل ابن أبي عمير ليس ممّن ينقل ألفاظ الرّوايةَ من غيرِ نَظَرٍ إلى معناها، فلو كانَ له ظهورٌ في كلامه في معنى وكان المرادُ غير ذلك الظاهر لَكَانَ يُشيرُ إليه.

ومن المعلوم أنَّ الواقعَ في كلامه ظاهرٌ في إرادة العراقي، نعم ليس هذا النّحو من الاستظهار من قبيل تقدُّم عُرْفِ الرّاوي على عُرْفِ المرويّ عنه.

وكيف كان فالعُمْدَةُ في الحمل على العراقيّ ما عرفتَهُ من شهادة صحيحة ابن مسلم.

ثمّ إنّ الدليلَ على أنّ الرّطل العراقيّ مائة وثلاثون دِرْهَماً مكاتبةُ عليّ بن مُحمَّد الهمداني([221]) المشتمل على أنّ الصّاع ستة أرطال بالمدنيّ وتسعة أرطالٍ بالعراقي، ووزنه ألف ومائة وسبعون وزنةً، فإنَّ الصَّاع لا يكونُ وزنه ذلك إلاّ أنْ يكونَ الرّطلُ العراقيّ مائة وثلاثون، حتَّى يكون تسعة مرّات مائة وثلاثون الف ومائة وسبعون.

ثمّ لو شُكَّ في أنّ مقدارَ الكرَّ ما عرفتَ من الألف ومائتا رَطْلٍ بالعراقيّ أو هو بالمدنيّ الذي هو ثُلثا العراقي حتّى يكون ثمانمائة رطل بالعراقيّ، يمكن أنْ يرجع في المقدار المشكوك إلى عُمومِ (خَلْقِ الله المِاءَ طهوراً لا يُنَجِّسُهُ شيء إلا ما غير).

إنْ قلتَ: لم لا يَرْجعُ إلى مثلِ قولِهِ في الماء الملاقي للكلب لا تتوضّأُ منه، إلاّ أنْ يكون كثيراً قدر حوض([222])، ومثل قوله في الماء الذي دخلته الدجاجة الواطئة للعذرة: (لا تشرب منه إلاّ أنْ يكون كرّاً)([223])، بل ومثلُ مفهومِ الصِّحاح حيثُ أنَّ مفادَها تنجُّسَ الماء إلا أنْ يكون كرّا.

قلنا: نعم لكنّها كلّها من قبيل المخصّص بالمتّصل الذي لا يَرْجِعُ إليه مع إجمالِ المخصّص؛ لأنّ الاستثناءَ إمّا من المتّصل أو الملحق به؛ لكونه بمعنى استثني، الذي لا يتقوَّم بدون المستثنى منه، وإمّا لو كان معناه حرفياً آلياً فكونُهُ من المتَّصل أوضح، هذا بخلاف عموم النبويّ، فإنَّ المخصِّص فيه منفصَلٌ فيمكُنُ الرُّجوع إليه مع إجماله.

إنْ قلتَ: قد مَرَّ منكَ أنَّ عُمومَ النبويّ معارَضٌ بالصِّحاح مثل قوله: (إذا بَلَغَ الماءُ قَدْرَ كرٍّ لا يُنجّسه شيء) ومع التساقط لا يمكن أنْ يكون مرجعا.

قلتُ: لمثل النبويّ جهتان من الدلالة:

إحداهما: أنّ الماء بما هو، يكونُ مخلوقاً لله على وجهٍ لا يُنجِّسُهُ شيء، فيحتاجُ انفعالُهُ إلى سببٍ وجوديّ، وإلاّ فهو بمقتضى طَبْعِهِ لا يَنْفَعِلُ.

والثانية: دلالته على فعليّة الطَّهارة لكَلّ واحدٍ من أفراده سوى المتغير.

والتي بها مُعَارَضتُها مع الصِّحاح هيَ الجهةُ الأولى، حيثُ أنّها متعارضة معها تعارُضَ التباين ويتساقطان.

وأمّا الجهة الثانية فلا معارض لها؛ لأنّ الصِّحاحَ بالنّسبة إلى هذه الجهة منها أخصّ؛ إذ هيَ مفصّلة بين الكرّ والقليل، فإذا شكَّ في مقدار الكرّ ثمانمائة رِطْل، وأنّه من الخارج أو من الداخل يمكنُ الرُّجوعُ إلى عُمومِهِ، نعم رُبّما يحكم بسقوط النبويّ؛ لضعفه، فيتعيّنُ الحكمُ من الجهتين على طبقِ ما يقابله.

وعليه فلا يبقى عمومٌ يُرْجَعُ إليه في الحكم العقليّ، ويتعيّنُ الرُّجوعُ عند الشكّ مع عدم العُمومِ إلى الأصل، فإذا فُرِضَ احتياجُ الاعتصامِ إلى سببٍ وُجوديّ، وقد شُكَّ فيه بحكم بالنّجاسة.

بل قد يُجعل مقتضى الجمع بين الأدلّة حَمْلُ النبويّ على ماءِ الكُرّ والمطر والجاري، لكنّكَ عَرَفْتَ أنّ هذا الجمع لا يُنافي كونه المرجع عند الشكّ في مقدار الكرّ مفهوما.

نعم مع كونِ الشُّبْهَةِ مصداقّيةً بعد تبيّن مفهومه لا يُرْجَعُ إليه.

وكيف كان فهو (بالمساحة ثلاثة وأربعون شبراً إلاّ ثمن شبر)، الحاصل من ضرب ثلاثة ونصف عُرضاً في مثلهِ طولاً، ثمّ ضرب المجموع في ثلاثة ونصف عُمْقاً، كما هو مقتضى رواية حَسَن بن صالح الثوري: (إذا كان الماء في الرَّكيّ ثلاثة أشبار ونصف عمقها في ثلاثةِ اشبار ونصف عرضها)([224]).

ولا ينافيها عدم اشتمالها على تحديد الطول بَعْدَ أنْ لا يكون أقل من العرض، وإلاّ خَرَجَ عن كونِهِ طولاً، ولا أقل من أنْ يكونَ مثله، كذا قيل.

والأظهر جَعْلُ العُرْض بمعنى: السِّعة، المقابل للعمق، دون العُرْض العرفيّ المقابل للطّول، وإلاّ فيعتبر أنْ يكون أقل من الطول، كما هو واضح.

ورُبّما يُجعْلُ ذلك مضافاً إلى وقوعه تحديداً للماء الموجود في الرّكي مُؤيِّداً لحملِهِ على المستدير.

وكونُ المراد من العُرْض هو القطر وحاصلُ الضَّرب فيه ممّا لا قائل به، وذلك لأنّ ضَرْبَ نصف القُطْر في نصفِ الدّائرة ثمَّ ضرب المجموع في ثلاثة ونصف - القطر - يحصل منه ثلاثة وثلاثين شبراً وخمسة أثمان شبر ونصف شبر([225])، ولم يقل به أحدٌ، فتطرح الرواية.

وكذلك الرّواية الأخرى يعني: رواية أبي بصير: (إذا كان الماء ثلاثة أشبار ونصف في مثله ثلاثة أشبار ونصف في عمقه من الأرض فذلك الكرّ من الماء([226])).

فتطرح الرّوايتان، وتبقى رواية إسماعيل بن جابر المشتملة على ثلاث في ثلاث([227])، التي يحصل منها سبعة وعشرين بلا معارض.

وتؤيّدُهُ صحيحةُ إسماعيل بن جابر المحدَّدة له بذارعين عمقه في ذراع وشبر سعته([228])، والذراع قدمان، فإنَّ مَنْ ضَرَبَ نصف القطر وهو شبر ونصف في نصف الدائرة وهو أربعة ونصف، يحصل ستة وثلاثة أرباع، فيضرب في أربعة العمق، فيحصل سبعة وعشرين([229])، وبذلك كلّه تترجح روايةُ القميين وهي رواية إسماعيل بن جابر: (ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار) على المشهور.

ولكن فيه - مع أنَّ وقوعه في جواب السؤال عن ماء الرّكي بعد أنْ كان مورد الجواب والسؤال تحديد الكرّ لا خصوص الواقع منه في الرّكى لا يُوجبُ تخصيصَهُ بالمستدير إنْ حمل الرواية على تحديد الكرَّ بالمساحة، المتحصّلة من ضرب نصف القطر المدوَّر في نصف الدّائرة، الذي لا يعرفه موضوعاً وحكماً إلاّ الخواص - في غايةِ البعد، فلا داعي إلى حملِ الرواية على هذا المعنى البعيد، ثمَّ طرحها لعدم القائل بها.

ومجرّد انطباق صحيحة إسماعيل بن جابر على المنقول من القميّين لا يجوّزُهُ، مع أنَّ حَمْلَ تلكَ الصحيحة على المدوَّر أيضاً بعيد.

ومجرّدُ أنّه لو حُمِلَتْ على المربّع يكونُ محصّله، ستة وثلاثين ولم يقل به أحد لا يوجبه؛ لأنَّ ورود الأخبار في تحديد الكرّ على ما لا يقول به أحدٌ غيرُ عزيزٍ، مع أنّه يجيء منّا ما يَرْفَعُ الإشكال من أصله في ورودِ التحديدات المختلفة، مضافاً إلى أنّه احتمل في المعتبر على ما حكى العمل به.

فالإنصافُ معاملة المعارضة بين الأخبار ثلاثة ونصف، وبين ما يحدِّدُهُ بالثلاثة، والترجيح للأول؛ لموافقة المشهور والإجماع المنقول، وكونُ الريبِ فيه أقل لاحتمال سَقْطِ النصف من رواية الثلاثة، فيدلّ على ترجيحه قوله: (فإنّ المجمع عليه لاريبَ فيه) ([230])، وأمّا سائر الأخبار فيكفي فيها الشُّذوذ وعدم الفتوى على طبقها.

وأمّا الاختلاف بين الوزن والمساحة الذي أوقع القوم في الإشكال فيمكن رفعه بأنَّ الأصل في تحديد الكرّ هو الوزن، وإنّما حُدِّدَ بالمساحة نظراً إلى بلوغ ما كانت مساحته ذلك إلى الوزن الذي هو الحدّ الواقعيّ، فيكونُ ذلك تحديداً تقريبياً لا تحقيقياً، وإنّما حدوده تقريباً؛ لأنّ مجموعَ المياه عندهم غالباً لم يكن متساوي الأبعاد، بل ولا متساوي السّطح والأبعاد، فحَدّدوه تحديداً تقريبياً آخذين فيه طرف الأكثر؛ لأن ينطبق مع هذه الاختلافات الموجودة في محلّ الماءِ على الوزن، وبه يرتفع الاشكال في اختلاف الحدّين وعدم انطباقهما، وأنّه كيف حدوده بكُلٍّ منهما، ويكفي الاعتبار بأيّ منهما مع ما ترى من الاختلاف.

وحاصلُ الجواب: أنّ الأصل في الاعتبار هو الوزن؛ لأنّه الحدُّ الأضبط الذي لا يأتي فيه المسامحة من جهةِ، ولكنّه لمّا لم يمكن التّحديدُ به غالباً جعلوا له طريقاً، ولمّا لم يمكن المساحة أيضاً تحقيقاً لعدمِ تَسَاوي أبعادِ الماء، وكذا المحلّ الذي اجتمع فيه، واشتماله غالباً على الارتفاع والانخفاض مسحوها بمساحةٍ أزيد من الوزن؛ لينطبق عليه، مع ما يقع عليه المساحة من المسامحة؛ لاختلافِ الأبعاد وارتفاع محله وانخفاضه، ولذا كان غالب التحديدات عندَ التحقيق أكثر من الوزن.

ويمكن أنْ يجعل ذلك أيضاً من مرجّحات رواية ثلاثة ونصف على الثلاثة، لأنَّ الثاني يكون أقل من الوزن، فلا رافع عليه لإشكال الاختلاف، وحملُهُ على مجرّد التعبّد بالحدّين وأنّه ليس للكرّ حَدٌّ واقعيٌّ بل يختلف باختلاف كيفيّة التحديد ليس ممّا يمكن الالتزام به، فلا محيصَ إلاّ عن جعل أحدِهِما أصلاً والآخر طريقاً، كما لا محيص إلاّ عن جَعْلِ الأضبط الأشكل في الخارج أصلاً، والآخر طريقاً، وجعلُ الطريق ما لا يوصل أبداً إلى ما جعل طريقاً إليه ممّا
لا يمكن الالتزام به، بخلاف جعله بحيث يوصل إليه دائماً بحيث لا ينفكّ عن تحقّق المقدار الواقعيّ وإنْ كان يزيدُ عليه، وإنّما حَدَّدوه بالزّائد عليه؛ لما عَرَفْتَ من الحكمة.

ثمّ إنَّ ما مَرَّ مِنّا من أنَّ حَمْل التحديد على الدوريّ مبنيٌ على معرفة كيفيّةِ ضربِ المدوَّر الذي لا يعرفه الغالب غيرُ واردٍ على غير الدوريّ أيضاً بأنْ يقال: إنَّ معرفة الضرب والمكسّر أيضاً غيرُ معلومٍ للعامة، فكيف حدّدوه به، وذلك لأنَّ التحديدَ في متساوي الأضلاع - بأنْ يقال: كُلُّ ما كان مجمع الماء من أطرافه وأبعاده ثلاثة ونصف كانَ الماءُ كرّاً - غيرُ محتاجٍ إلى الضَّرب، وبعبارةٍ أخرى: التَّحديدُ بالمساحة لا يبتنى على معرفةِ مكسَّر المساحة؛ إذ يجوزُ أنْ يقال: كلّ ما كانَ طول الماء وعرضه وعمقه ثلاثة ونصف كانَ الماءُ كرّاً وإنْ لم يعرف المخاطب أنَّ ذلك مبلغ تكسيره سبع وعشرين إلاّ ثمن شبر([231]).

لكنّه إنْ أرادَ أنّ الماءَ يبلُغُ كذا مقدار عليه أنْ يجمعه في محلٍّ كان أبعاده
كذا، ويعرف المكسّر بالضرب، فيعرف أنَّ الماء المسكوب يبلغ مكسَّره ذلك أم لا، ومعرفة هذا التكسير كما أنَّ معرفَةَ أنَّ وزنه فعلاً بحسبِ الوَزْنِ المتعارَف المعروف بالشاهي الذي وَزْنُهُ ألفُ ومائتان وثمانون مثقالاً يَصيرُ أربعةً وستيّن مَنّاً إلاّ عشرين مثقالاً، أو أنّه بحسب حقّة الاسلامبول المتعارف أخيراً في العراق الذي مائتان وثمانون مِثقالاً مائتا حقّة وإثنان وتسعونَ حقَّة ونصف حقّة لا يعرفه إلاّ الخواصّ الماهرين من أهلِ الحساب لا يضرُّ بالتَّحديد ولا يجعل أصلُ التّحديد عسرا.

المسألة الرابعة([232]): إذا كانَ الماءُ أقل من الكرّ ولو بنصفِ مثقالٍ يَجري عليه حكمُ القليل.

ولا يُعتنى بمسامحة العرف في عدِّهِ كُرّاً، كما في سائر المقادير، وجميع الموارد التي كان الصّدق عندهم مَبنياً على المسامحة، وذلك لأنَّ ما يرجع فيه إلى العرف إنّما هو بيانُ مفاهيم الألفاظ حيثُ كانَ لها مَعنىً عُرفاً، وأمّا تطبيقُ المفاهيم على المصاديق فلا وجه للرجوع إليهم.

إنْ قلت: فكيف يرجع إليهم في تعيين المستصحب، مع أنّ مسامحتهم هناك ليس إلاّ في تطبيق مفهوم النقض.

قلت: حيثُ إنَّ النَّقضَ ليس إلاّ رَفْعُ الحكمِ عن موضوعه الواقعي وإطلاقُهُ على رفعِهِ عن غيرهِ مبنيٌ على عَدِّهِ في العُرْفِ ذاكَ الموضوع الواقعي، ومن المعلوم أنّه مبَنيٌ على المسامحة في الصّدق، فلنا الرُّجوعُ إلى العُرف فيه أيضاً؛ لأنَّ مفهوم النقض عندهم هو رَفْعُ الحُكْمِ عَمَّا يُعَدُّ عِنْدَهُم موضوعاً واحداً، فهذا في الحقيقة تعميمٌ في معنى النقض عرفا.

والحاصل: إنّ الكُرّ كسائر المقادير، يبتني الأمرُ فيه على التحقيق، لا التقريب والمسامحة.

المسألة الخامسة: إذا لم يتساوَ سطوحُ القليل ينجُسُ العالي بملاقاة السّافل كالعكس...([233])

ولا ينظُرُ إلى ما يمكن أنّ يتوهم من امتناع السّراية إلى العالي؛ لما مَرَّت الإشارةُ إليه من أنّ أمرَ التنجّس عندنا ليس بالسّراية الموضوعيّ أو الحكمي.

أمّا الأوّل: فواضح، ومستلزمٌ لأنْ يتنجَّسَ الماءُ من عند الجزء الملاقي تدريجا.

وأمّا الثاني: فلأنَّ تحقُّقَ الملاقاةِ بين الأجزاءِ حتّى يتحقَّقَ بمجرَّد ملاقاةِ جُزءٍ منه للنَّجاسة تلاقي جميع أجزائه للنجاسة أو للمتنجس للجزء، وهو باطل، بل مبنى التنجُّس هو التعبُّد الشّرعي، وصدقُ أنّه ماءٌ لاقى النّجس فتنجّس، وعليه فلا فرقَ بين ملاقاة الجزء العالي أو السّافل أو المساوي.

نعم - قد عرفتَ أنّه - لو كان جارياً من الأعلى إلى الأسفل لا ينجُسُ العالي بملاقاة السّافل، لكن لمّا كان مقتضى القاعدة حسبما عرفتَ النَّجاسَة وكان خروج المورد بالإجماع كان التعميم الذي ذكره المصنف بقوله: (من غير فرقٍ بين العلوّ التسنيميّ والتسريحيّ) مبنياً على تحقُّق الاجماع في التعميم، أو ثبوت إطلاق لمعقدِهِ، ولمّا لم يكن الأمرُ بهذه المرتبةِ من الظّهور كانَ الأحوطُ الاقتصارُ على العلوّ التسنيمي، أو ما كان مُلحَقَاً به عُرْفا.

المسألة السادسة: إذا جمد بعضُ ماءِ الحوض والباقي لا يبلُغُ كُرّاً ينجُسُ بالملاقاةِ ولا يعصمه ما جمد...([234])

لا لخروجِهِ بالجمودِ عن الحقيقة، حتّى يقال: إنّه لو كان كذلك لوَجَبَ القولُ بطهارَةِ الماء النّجس إذا جَمد وانعكسَ كما في المصَعَّد، بل عرفتَ أنَّ الجمود في الحقيقة ليس إلا تماسُكُ أجزاءِ الماء، بل مَرّ أنه لو كانَ الأمرُ في البخار أيضاً على هذا المنوال، بأنْ كان عبارةً عن افتراق أجزائه، لم يَكُنْ وجهٌ لجعلِ التصعيد مطّهراً، بل لعدمِ الصِّدقِ عُرْفاً، أو انصراف أدلّة مطهّرية الماء إلى حالِ مَيَعَانِهِ وسَرَيَانِهِ، دونَ حين جموده، كلّ ذلك لشهادة الاعتبار به، وحينئذٍ مُضافاً إلى أنَّ المجمود([235]) لا يَعْصِمُ غَيْرَه ينفعلُ كُلُّ ما يَذوبُ منه شيئاً فشيئاً، بل ينفَعِلُ قبلَ الذَّوَبان، لعدم المانع من تنجُّسِ الجامد.

وكذا إذا كان هناك ثلج كثير قد ذاب منه أقل من كُرٍّ فانه يَنْجَسُ بالملاقاة ولا يعتصم بما بقي من الثلج، كُلُّ ذلك؛ لما عرفتَ من أنّ الاعتصام والعِصْمَةَ وعدم انفعالِ الكُرِّ كُلُّها مَنوطَةٌ بالماء العرفي دون ما لا يصدق عليه الماء وإنْ كان من حقيقته وجنسه، نظير بعض الأحكام الثابتة للحنطة أو الطحين أو العجين أو الخبز فإنّها لا تتعدَّى من الحالة التي تَثْبُتُ لها تلك الأحكام إلى الحالات الأخر لكونِ الحقيقة في الجميع واحدة.

المسألة السابعة: الماءُ المشكوك كُرّيَّتُهُ مع عَدَمِ العِلْم بحالَتِهِ السَّابقَةِ في حكم القليل على الأحوط...([236])

لأصالة عدمِ تحقُّق سَبَبِ الاعتصامِ؛ لما عُلِمَ من الأدلّة المعلّقة؛ لعدمِ التَنَجُّسِ على الأمورِ الوجودية من الكرّيّة والمادّة وغيرهما، فعَلَّلَ الطهارةَ في صحيحةِ ابنِ بَزيع (بأنَّ له مادة)([237])، وفي الماءِ الجاري عَلَّقَهُ بوصفِ الجريان، مُضافاً إلى قوله: (إذا جَرَى فلا بأسَ)([238])، وفي الكرَّ علَّقه (بأنْ يكونَ الماءُ قَدْرَ كُرٍّ)([239])، وهكذا.

فإنَّه يُعْلَمُ من هذا المجموع أنَّ السَّبَبَ العاصم للماءِ عن الانفعال أمرٌ خارجيٌ وجوديٌ يَجبُ أنْ يتحقَّق حتّى يعتصم، فإذا شُكّ فيه فالأصلُ عَدَمُه، فيحكم بعدمِ سببه، أي: سبب الاعتصام وعدم الانفعال بعد تحقُّق مقتضيه، يعني: الملاقاة.

نعم لا يمكنُ الرُّجوعُ إلى عُموماتِ الانفعال لكونِ الشُّبْهَة مِصداقيّة، ولا مجالَ فيها للرُّجوع إلى العامّ وإنْ قَوَّى شيخُنا  رحمه الله  جوازَ الرُّجوع إليها أيضاً:

تارةً من جهةِ كفاية أصالةِ عدمِ وجودِ الكرّ في هذا المكان، وإنْ لم يُجرِ أصالةَ عَدَم الكُرّيّةِ.

وأخرى من جهةِ أنَّ الشكَّ في تحقُّق مصداقِ المخصّص يُوجبُ الشكَّ في ثبوتِ حُكْم الخاصّ، والأصلُ عَدَمُ ثبوته، فإذا انتفى حُكْمُ الخاص ولو بالأصل ثَبَتَ حكمُ العامّ، إذ يكفي في ثبوت الحكم العام عدمُ العلم بِثبوتِ حكم الخاصّ، دون العكس.

وثالثةً من جهةِ أنَّ عُنوانَ المخصِّص في المقام من قبيلِ المانع عن الحكم الذي اقتضاهُ عنوان العام، فلا يجوزُ رَفعُ اليدِ عن المقتضي، إلاّ إذا علم بالمانع، ومع الشكّ فالأصل عدمُ المانع وإنْ كانَ ذاتُ المانع في ما نحن فيه غير مسبوقٍ بالعدم([240]).

لكن الذي يظهرُ من كلماته Q أنّه لا يعتمدُ على شيءٍ من الوجوه المزبورة، بل المصَّرحُ به في أوّلِ الكتاب([241]) أنَّ مَنْشَأ حُكْمِهِ بالانفعال في ما يَشْبَهُ المقام هو ما يُستَفَادُ من الأدلّة، من احتياج الاعتصام إلى سببٍ وجوديّ، فيكونُ عَدَمُهُ مُطابقاً للأصل حَسْبَما بيّناه.

إنْ قلتَ: أصالةُ عَدَمِ سببِ الاعتصام في الموردِ ليس لهُ حالةٌ سابقة إلاّ العدم الأزلي؛ لأنَّ السّبَبَ العاصمَ ليس إلاّ كُرّيّةُ الماءِ، وأصالة عدمِ كرّيّتِهِ ليس له حالةٌ سابقة إلاّ العدمُ بعدمِ الموصوف([242])، الذي علمنا بانقطاعه بوجودِ الموصوف؛ لأنَّ عَدَمَ كرّيّةِ الماءِ حينَ لا ماءَ عَدَمٌ بعدمِ الرّبط، ضرورةَ احتياج الرّبط إلى الموضوع، وإذ ليس فلا ربطَ، وبعد تحقُّقِ الماء الذي هو بمنزلةِ الموضوع قد عُلِمَ انقلابُ عدم الرّبط بالربط وإنْ لم يعلم بتحقّق الربط الوجودي أو العدمي، لكن بعد العلم بانقلابِ اليقينِ السّابق بحدوثِ الرّبط انقطعَ العِلمُ بعدمه، ولا يقينَ بربطِ العدم يُستَصْحَبُ؛ لما عَرَفْتَ من أنَّ الربط الموجود لم يُعلم إيجابياً أو سلبياً.

قلت: يكفي استصحابُ عدمِ الرّبط بعدمِ المقيّد، بأنْ يقال: كُرّيّةُ هذا الماءِ لم تكنْ قبل وجود الماء فلا يكون، فإنّ كرّيّةَ هذا الماء الذي هو أمرٌ وجوديٌ يعتصمُ به كان معلومَ العدمِ بالعدم الأزلي فيُستَصْحب، واستصحابُ العدم الأزليِّ جارٍ بلا إشكال؛ إذ يكفي العدمُ الأزليُّ للسَّبَبِ في تُّرتبِ عَدَم المسَّبب، وما سمعتَ من عدمِ جَرَيانِ الاستصحاب في الأعدام الأزليّة إنّما هو في ما كان الأثرُ للعَدَمِ الخاصّ، دونَ ما كان لمطلق العدم.

هذا كلّهُ بناءً على ضعف النبويّ، أو عدمِ دلالَتهِ على عصمة الماء نفسه، وأنَّ انفعاله بالملاقاة محتاج إلى أمرٍ وجوديٍ، كما رُبَّما يستظهر من قوله: (خلقَ اللهُ الماءَ طهوراً لا يُنَجِّسُهُ شيء) حيث أنَّ ظاهرَهُ أنَّ كونَ الماءِ كذلك بجعلٍ إلهيٍ له بما هو ماء، من دونِ مدخليّة أمرٍ آخر فيه، من كونه كُرّاً أو جارياً أو ذا مادة، فيكونُ اعتصامُهُ بنفسهِ وانفعالُهُ محتاجاً إلى أمرٍ وجوديٍ من تَغَير أو كونه قليلاً.

إنْ قُلْتَ: بعد تخصيصِهِ لِصَحاحِ الكُرّ المفصِّلَةِ بينَ القليل والكثير، كما هو مقتضى الجمع بِينَ المطلق والمقيّد والعامّ والخاصّ يكونُ الموضوعُ في هذا النبويّ غيرُ الرّاكد القليل، وبه تَبْطُلُ دلالتُهُ من الجهةِ المنافيَةِ لِمدلولِ الصِّحاحِ، من حَيْثُ دلالتَهُا على احتياجِ الانفعالِ إلى سَبَبٍ وجوديّ؛ إذ لا يبقى فيه حينئذٍ دلالةٌ على كونِ الماءِ بذاته كذلك؛ إذ ليس الموضوعُ فيه بعدَ التخصيص نفسَ الماء وطبيعَتِهِ، بل غيرُ القليل المشتملِ على جهةٍ من جهاتِ الاعتصام، فلا يزيدُ في الدّلالَةِ على أنَّ الكرَّ والمطرَ وذا المادة معتصمةٌ بذاتِها، فلا يدلُّ على ثبوتِ هذا العنوان يعني: الاعتصام لمطلق الماء.

قلتُ: لزومُ تخصيصِهِ بغيرِ القليل لا يتعيَّن أنْ يكونَ على وجهٍ يُنافي دلالتَهُ من تلكَ الجهة؛ إذ يمكن أنْ يُجعْلَ الخارجُ منه القليل الرّاكد، الذي هو أيضاً امرٌ وجوديٌ، فيتحفظ على أنّ الانفعالَ محتاجٌ إلى سببٍ وجودي.

ودعوى أنَّ القلّة أيضاً عدميٌ؛ لأنه عبارةٌ عن عدمِ الكُرّيّة.

مدفوعةٌ بأنَّ الكُرَّ وغيرَ الكُرِّ متضادّانِ، والقليلُ عبارةٌ عن غيرِ الكُرّ، ولا تنافيِهِ ملازمته مع سَلْبِ الكُرّيّة الذي هو نقيضُ الكُرّيّة، وحينئذٍ فيُعارضُ الصّحاحَ من هذه الجهة مُعَارَضَةَ المباينِ مع مُباينهِ، ويرجعُ بَعْدَه إلى استصحابِ الطَّهارَةِ، وقاعدتها، ولعلَّهُ لذا كان الأقوى عند المصنّف عدمُ تنجُّسِهِ بالملاقاة.

نعم لا يجري عليه حكم الكرّ، يعني: الحكم المختصّ به بما هو كرّ، مثلاً: إنْ دَلَّ دليلٌ على عدمِ لزومِ العَصْرَ أو التعدّد في الكرّ لا نتعدى إلى مثل الماء المزبور، وأمّا إنْ ثَبَتَ له حكمٌ بما أنّه لا ينفعل نَتَعَدَّى إليه؛ لأنَّ المفروضَ أنَّه أيضاً بمقتضَى الاستصحاب معتصمٌ لا ينفعل، وهل طهارَةُ الماء المتنجّس بإلقاءِ كُرٍّ عليه من قبيل الأول فلا يطهر ما يحتاج تطهيره إلى إلقاءِ كُرٍّ عليه، أو الثاني فيَحُكم بطهارته، ظاهرُ المصنّف  رحمه الله  بل صريحُهُ الأوّل.

وهو كذلك:

إن كانَ المدركُ الإجماعات المنعقدة على طهارةِ الماء المتنجّس بإلقاءِ كُرِّ عليه.

وأمّا إذا كان المدركُ أدلّةُ عصمة الكرّ مُنضَمَّاً إلى الإجماع على عدمِ اختلافِ أجزاءِ الماء الواحد الممتزج بَعْضُهُ ببعضٍ فلا وجه لعدم الالتزام بطهارةِ الجميع بعد المزج.

إلاّ أنْ يقال: مع العلم بالكرّيّة يعتصم الكرُّ بأدلّةِ عصمتها، وهي غيرُ معارضةٍ باستصحاب نجاسَةِ المتنجّس فيُحْكَمُ بطهارَةِ الجميع بضميمة الإجماع المزبور.

وأمّا مَعَ عَدمِ العلمِ بالكُرّية فلا عاصِمَ له إلاّ الاستصحاب، وهو معارضٌ مع استصحاب نجاسَةِ المتنجّس ولا حكومَةَ بينَهُما؛ لعدمِ تسبيبِ الشكّ في أحدهما مع الآخر.

نعم يمكن أنْ يرجع بعد المعارضة إلى قاعدة الطهارة واستصحابها، هذا.

وأمّا الحكمُ بطهارةِ المتنجّس الذي غسل فيه الذي جزم المصنّف  رحمه الله  بعدمه فلا يحتاج إلى المعارضة والرجوع إلى القاعدة؛ لأنَّ الالتزامَ بورودِ المطهّر في القليل وعَدَمِهِ في الكثير ليس إلاّ لانفعال الأوّل بالملاقاة وعدم انفعال الثاني بها، فلو كان مقتضى الاستصحاب طهارتُهُ وعدمُ انفعالِهِ بوقوعِ المتنجّس فيه فلا وَجْهَ لاشتراط الورود.

نعم في اعتبار ِالتعدُّدِ والعَصْر فيه إنْ لم يعتبرهما في الكرِّ للإجماع أو لقوله: (ما أصابَ هذا شيئاً إلا وقد طَهَّرَهُ) وَجْهٌ إلاّ أنَّ المسهِّل للأمرِ أنّا نعتبرُهُمُا في الكُرّ أيضاً كما سيجيء إنْ شاءَ الله.

المسألة الثامنة([243]): الكُرُّ المسبوقُ بالقلّة إذا عُلِمَ ملاقاتُهُ للنَّجاسة ولم يُعْلَمْ تأريخُ شيءٍ منهما يُحْكَمُ بطهارته؛ لتعارُضِ استصحابِ القلّةِ وعَدَمِ الكُرّيّةِ إلى زمانِ الملاقاةِ مع استصحابِ عَدَمِ الملاقاةِ إلى زمانِ الكُرّيّة، فيرجع إلى قاعدة الطهارة واستصحابها.

وكذا إذا علم تأريخ الكرّيّة وجهل تاريخ الملاقاة، فإنَّ استصحاب عدم الملاقاة إلى زمان الكرّيّة أثَرُهُ الطهّارَةَ، ولكن ما ذكرناه من الرُّجوعِ إلى قاعِدَةِ الطّهّارةِ واستصحابها مبنيٌ على ما ذكرناهُ من مُعَارَضَةِ القاعدةِ المستفادَة من دليل الكُرّيّة، وأنَّ الملاقاةَ مُقتضيةٌ للنَّجَاسَةِ، والعِصْمةُ محتاجةٌ إلى سببٍ وجُوديٍّ، مع المستفادِ من النبويّ، وإلاّ فبناءً على ضَعْفِ النبويّ أو ضَعْفِ دَلالَتِهِ واستقرارِ البناءِ على مَفادِ الصِّحاحِ كان المرجعُ هو تلك القاعدة، ولذا قال الماتن: (وإنْ كان الأحوط التجنُّب).

لكن ما ذكرنا من وَجْهِ الاحتياطِ إنّما يَجري في الفرض الأوّل يَعْني: صورة تعارُض الاستصحابين للجهل بالتأريخين، فإنَّ المرجعَ بعد المعارضة هي تلك القاعدة المقدّمة على استصحابِ الطَّهارة، فضلاً عن قاعدتها، ولا يَجري في الفرض الثاني، وهو صورةُ العِلم بتأريخ الكرّيّة والشّكّ في تأريخِ الملاقاة، فإنَّ استصحابَ عَدَمِ الملاقاةِ إلى زَمَانِ الكُرّيّةِ يَنفي وجودَ مقتضي النَّجاسة، فلا وَجْهَ للرُّجوعِ إلى القاعدة، والقَدْرُ المتيقّنُ من مرجعِ الاحتياطِ في الكتاب هو الفرضُ الثاني، كما في الجُمَل المتعقِّبَةِ للاستثناء.

وإنْ كان يمكن أنْ يكونَ الوجهُ في ما ذكره من الاحتياط الاستشكال في جريانِ الاستصحاب في مجهول التأريخ؛ لما يذكُرُه من عدمِ اتّصالِ زَمَانِ اليقينِ بالشّكّ فيرجعُ الاحتياطُ إلى الصُّورَتين، إلاّ أنْ يُقالَ: باختصاصِهِ أيضاً بالأوّل.

وإنْ علم تأريخ الملاقاة حكم بنجاسته؛ لاستصحابِ عَدَمِ الكُرّيّةِ إلى زمانِ الملاقاة، ومقتضاهُ النَّجاسة.

وأمّا القليلُ المسبوق بالكرّيّةِ الملاقي لها فإنْ جُهِلَ التاريخان فيجري استصحابُ بقاءِ الكرّيّة إلى زَمَانِ الملاقاة، ويُحْكَمُ بالطَّهارَةِ، ولا يُعَارضُهُ استصحابُ عَدَمِ الملاقاة إلى زمان القلّةِ؛ لعدمِ الأثرِ له، بَعْدَ عَدَمِ إثباتِ تأخُّرِ الملاقاةِ عن الكرّيّةِ فيُحْكَمُ بالطهارة.

وكذا لو علم تأريخَ الملاقاة وشَكَّ في تأريخ القلّة، فإنّ الجاري استصحاب بقاء الكرّيّةِ إلى زمانِ الملاقاة، فيحكم بالطّهارة في الفرعين.

وإنْ عَلِمَ تأريخ القلة ففي المتن حكم بنجاسته، ولم يُعْلَمْ وجهُهُ، مع أنَّ استصحابَ عدم الملاقاة إلى زمانه يكفي في الحكم بالطّهارة.

المسألَةُ التاسعة: إذا وَجَدَ نجاسَةً في الكُرِّ ولم يَعْلَمْ أنّها وَقَعَتْ فيه قبلَ الكرّيّةِ أو بعدها يَحْكُمُ بطهارَتِه، إلاّ إذا عَلِمَ تأريخ الوقوع.

لعَيْنِ ما سَبَقَ في الفرع السَّابق، بل لم أعْلَمْ فَرْقَاً بينهُما إلاّ من جِهَةِ بَقَاءِ النَّجَاسة، وعليه كان على المصنّفِ الإشارَةُ إلى الاحتياط السّابق أيضا.

المسألة العاشرة: إذا حَدَثَتْ الكرّيّةُ والملاقاة في آنٍ واحدٍ حُكِمَ بطهارَتِهِ...([244])؛ لأنَّ المقتضي الموجود مع المانع لا يؤثّر.

نعم إنْ كانَ ظَرْفُ تحقُّقِ المانع مُتّحداً مع تحقَّقِ المقتضَى - بالفتح - لا يؤثّرُ المانع؛ لأنَّهُ علّةٌ لِعَدَمِ المقتضي، والعلّة إنّما تؤثّرُ في ظَرْفِ المتأخّر عن وجودِهِ، لا في ظرفِ وجوده، وإلاّ بَطَلَ الترتُّبُ بين العلّةِ والمعلول.

إلاّ أنْ يُقال: إنَّ الموجودَ مع المقتضي في ظرفٍ واحد لا يمكن أنْ يؤثّر في رفعِ المقتضَى - بالفتحَ - ودَفْعِهِ؛ لأنَّ ظرفَ تأثيرِهِ في المنعِ يتَّحِدُ مع ظَرْفِ تحقُّقِ الممنوع، فلا يمكن أنْ يؤثّر في عَدَمِهِ، فالواجِبُ عَقْلاً هو وُجودُ المانع في مَرْتَبَةٍ مقدّمَةٍ على مرتبةِ وجود ممنوعه، فلا يمنع بدونه عن تأثيرِ الملاقاة، هذا.

مضافاً إلى أنّ الظاهر من قوله: (إذا بَلَغَ الماءَ قَدْرَ كُرٍّ لا يُنَجِّسُهُ شيءٌ): أنَّ العاصمَ من النَّجاسَةِ هو الكُرّيّةُ قَبْلَ الملاقاة؛ لأنَّ التقسيمَ بملاحَظَةِ حالِ عُروض الملاقاة، وعليه فمَعَ كون الاجتنابِ أحوط كما في المتن يكونُ الأقوى.

المسألة الحادية عشر: إذا كانَ هَناكَ مَاءان أحدُهُما كُرٌّ والآخرُ قليلٌ، ولم يعلم أنّ أيُّهُما كُرٌّ، فوَقَعَتْ نجاسَةٌ في أحدهما مُعَيَّناً...([245]) وجبَ الاجتنابُ عنه.

إنْ كانَ مَسبوقاً بالقِلّة مع سَبْقِ الآخر بالكُرُّيّةِ فواضحٌ، بل هُو خارجٌ عن مفروضِ المسألة، وداخلٌ في ما يعلم الكرّ والقليل منهما.

وأمّا مع سَبْقِ كليهما بالقِلّة فلاستصحابِ القِلّة في الملاقي، ولا يُعَارِضُهُ الاستصحاب في الآخر نَظَرَاً إلى العِلْمِ بحدوثِ الكُرّيّةِ في أحدِهِما، الموجب لسقوطِ الاستصحاب في أحدهما؛ لأنَّ العلم الإجماليَّ لا يُوجِبُ خروجَ شيءٍ من الطرفين عن كونه مَشكوكاً وداخلاً في عموم الأصل، فلم يبقَ ما يمنع عن جريانِ الاستصحابين إلاّ التكليف المتوجّه إلى المعلوم بينهما، الموجب جريانهما سقوطه.

ومن المعلوم أنّ هذا إنّما يكونُ مانعاً لو كان للمعلومِ الإجماليّ تكليفٌ مُنَجَّزٌ، وأمّا في مثل ما نحنُ فيه الذي لا يتعلَّقُ بالمعلوم الإجماليّ تكليفٌ إلزامي فلا مانعَ من جريانِ الأصلين، ولذا قالوا: إنَّ استصحابَ النَّجاسة يجري في إناءين نجسين عُلِمَ بطهارة أحدهما؛ لوقوع المطر فيه، بل صَرَّحَ بَعْضُهُمُ بنجاسَةِ ملاقي كُلٍّ منهما.

وهذا معنى ما يقال: من أنّ الأصول في أطرافِ العلم الاجمالي تجري إنْ لم يوجب مخالفةً قطعية عملية للواقع.

وعليه فيُحْكَمُ بنجاسة كُلٍّ منهما أيضاً لو لاقى كُلٌّ منهما نجاسةً؛ لأنَّ جَرَيَانَ استصحابِ عَدَمِ الكُرّيّةِ فيهما نظير استصحابِ النّجاسة في إناءين عُلِمَ بوقوعِ المطر في أحدهما، وأمّا مع سبق كلاهُمُا بالكرّيّة وحدوثِ النقض في أحدِهِما فالحُكْمُ بوجوبِ الاجتنابِ عنهُ مبنيٌ على ما مَرَّ مُكَرَّرٌ، من أنّ المحتاجَ إلى سَببٍ وجوديٍّ هو الاعتصامُ أو الانفعال، والمصنَّف قَوَّى الثَّاني، واحتاطَ في الأوّل.

وإنْ وَقَعَتِ النَّجَاسَةُ في أحدِهِما الغير المعيَّن فالقولُ بنَجَاسَتِهٍ إذا كانا مسبوقين بالقِلّة أيضاً متّجِهٌ؛ لاستصحاب بقاءِ الملاقي على القِلّة فيتنجَّس، فيجبُ الاجتناب عنه مقدّمة.

نعم مع سبقهما بالكُرّيّة أو عدم الحالة السابقة لهما لا يُحْكَمُ بالنَّجَاسة؛ لعدم العلم بحدوثِ تكليفِ بسببِ ملاقاةِ النّجس الملاقي.

ويُمكِنُ أنْ تُبنى المسألَةُ على ما مَرَّ من احتياجِ الاعتصام إلى سَبَبٍ وجُوديٍّ أو الانفعال.

وعليه فيكونُ على المصنّف الاحتياطُ حتّى في ملاقي الواحد غير المعيّن، ولا يقتصرُ على الاحتياط في خصوص ملاقاة الواحد المعيّن.

المسألةُ الثانية عشر: إذا كان ماءان أحدُهُما المعيّن نجسٌ، فوقعتْ نَجَاسَةٌ لم يُعْلَمْ وقوعُها في النّجس أو الطاهر، لم يحكم بنجاسة الطاهر.

لعدم العلم بوقوعه فيه فيبقى على طهارته، كما أنَّ الأصلَ البراءةُ عن وجوبِ الاجتناب عن غير ما كان واجب الاجتناب قبل الوقوع.

المسألة الثالثة عشر: إذا كانَ كُرٌّ لم يُعْلَمْ أنّه مُطْلَقٌ أو مُضافٌ فوقَعَتْ فيهِ نَجَاسَةٌ لم يُحْكَمْ بنجاسته...([246])

لاستصحاب طهارته؛ لعدم العلم بتأثير النّجاسة فيه.

ولك أنْ تَبني المسألة على ما مرّ أيضاً، من احتياجِ الاعتصامِ إلى سببِ وجوديّ وعدمه، فيقال: إنَّ الملاقاةَ للمائع مطلقاً سَبَبٌ ومقتض للانفعال، وكونه كرّاً من ماءِ مانعٌ، والأصلُ عَدَمُهُ، لا بمعنى عدمُ كونِهِ كرّاً من ماءٍ لعدمِ العلم لحالته السابقة، بل لأصالة عدم تحقُّق المانع عن انفعال هذا المائع، بعد العلم بتحقّق سببِ نجاسته.

ومثله ما إذا كان كرَّان أحدهما مطلق والآخر مضاف وعلم وقوع النجاسة في احدِهِما، ولم يُعْلَمْ على التعيين مع العلم بالكرّ المطلق والمضاف، وأمّا مع الجهل بأنَّ أيّهما مطلقٌ ومضافٌ فالحال فيه كما في ما كان هناك ماءانِ أحدهما كرٌّ والآخرُ قليلٌ فراجع.

المسألة الرابعة عشر: القليلُ النّجسُ المتمّم كُرّاً -بطاهر أو نجسٍ- نجسٌ على الأقوى.

كما عليهِ الأشهرُ بل المشهورُ على المحكيّ، وإنْ كان القول بالطهارة فالمتمّم بالطّهارة وَجْهٌ لاستصحابِ طّهارة المتمّم، ولو عُورضَ باستصحابِ نجاسَةِ المتمِّم (بالفَتحِ) رَجِعَ إلى قاعِدَةِ الطّهارَةِ فيهما.

ودعوى إنّهُ لم يَثْبُتْ الإجماعُ على عَدَمِ جوازِ اختلافِ أجزاءِ الماء الواجب في الطّهّارة والنّجاسة حتّى في الظاهر، فلا تعارُضَ بينَ الأصلين؛ لاحتمالِ بقاءِ كُلٍّ منهما على حُكْمِهِ في الظّاهر وإنْ علم أنَّهمُا لا يختلفان في الواقع.

مدفوعةٌ بأنّـا لا نحتاجُ إلى الإجماعِ على الاتّحادِ في الظاهر، بل يكفينا الإجماع عليه في الواقع؛ لأنَّ الملازَمَةَ بين طَهَارَةِ المتمّم وطهارة المتمّم واقعاً ونجاستهما يوجبُ العلمَ بكذب أحد الاستصحابين، فيسقطان جميعاً، لا من جهة الإجماع على اتّحادِ حُكْمِ الماء الواحد في الظّاهر، بل بمقتضى نَفْسِ الإجماع على اتّحادهما في الواقع، مضافاً إلى أنَّ ظاهر الإجماع يَعُمُّ الإجماع على الاتّحاد حتّى في الظاهر.

نعم يمكنُ أنْ يقال: لا معارضةَ بين الاستصحابين مع عدمِ استلزامِ جريانِهمِا المخالفة العمليّة للواقع؛ ضرورةَ أنَّ البناءَ على بقاءِ كُلِّ جزءٍ على حُكْمِهِ لا يُعْلَمَ فيه مخالفٌ للواقع؛ لجواز أنْ (يكونَ الجميع طاهراً)، ولا ضيرَ في التزامِ النَّجَاسَةِ في الظّاهر، في ما كان في الواقع طاهرا.

ويمكن دفعه أيضاً، بأنّ الجمعَ بين الاستصحابين بعد الإجماع على
الملازمة في الواقع جَمْعٌ بين الضّدّين، فسقوطها ليس من أجل المعارضة مع
دليلِ الواقعِ حتَّى يدّعى اختصاصُهُ بما إذا كانَ لدليلِ الواقعِ أثرٌ عَمَليٌ، بل
من أجلِ اقتضاءِ جريانهما طهارةَ أجزاءِ الماء الموجودِ ونجاسَتُها وهو غير
معقول.

وما سمعتَ من جوازِ إجراءِ الاستصحابين في ما لم يَكُنْ في جريانهما مخالَفَةٌ عمَليّةٌ للواقع إنّما هو في غير ما نحنُ فيه ممّا يستلزمُ جريانُهما الجمعَ بين الضّدين.

وأورَدَ شيخُنا في الطّهارَةِ على استصحابِ طهارةِ المتمّم بأنّه لا يَقتضى طهارَة الجميع ([247])؛ إذ لا إجماعَ مع عَدَمِ الامتزاج، وهم مُجْمِعونَ على سَقوطِ حُكْمِ المزجِ في المسألة، وأنّه لا مدخليةَ لهُ في الطّهارة والنَّجاسَة، هذا مُحَصَّلُ ما أوردَه أولاً وثانياً، بعد إسقاطِ جُمْلَةٍ من التّرديداتِ في السّؤال الرّاجعِ بَعْضُها إلى بعضٍ مع خروجِ جُلِّها عن مَحَلّ الكلام.

ومع ذلك يَتَوَجَّهُ عليه: أنَّا لا نقولُ بمدخليّةِ الامتزاج في الطّهارة حتّى يدّعي سقوط مدخليتّه بالإجماع، بل نقولُ بَعْدَ المزجِ يُعْلَمُ باتّحادِ حُكْمِ الماءِ وعدم التبعيض ونَستظهرُ الحُكْمَ بطهَارَةِ الجميع؛ للأصل وإنْ بقينا على الشكّ قبل المزج، بل يُمْكِنُ استظهارُ حُكْمِهِ قَبْلَ المزج أيضاً إنْ ثَبَتَ الإجماعُ على عَدَمِ اختلافِ حُكْمِهِ قَبْلَ المزجِ وبعده؛ لما اعترفَ به من الإجماعِ على عَدَمِ مَدْخَليّةِ المَزْجِ في التَّطهير والتّنجيس في المسألة.

فالإنصافُ أنّهُ لا مَانِعَ من جَرَيَانِ استصحاب الطّهارَةِ، فيَسْقُطُ بهِ استصحابُ نجاسَةِ المتمَّم بالفتح.

نعم أوْرَدَ عليه  قدس سره  ثالثاً: بأنّه لا مَجرى للأصلِ مع عمومِ المفهوم في قوله: (إذا بَلَغَ الماءَ قَدْرَ كرٍّ لا يُنَجّسُهُ شيءٌ)، حيث أنّه يَصْدُقُ على المتمّم أنّه قليلٌ لاقى متنجّساً فتنجّسَ.

فيندَفعُ ما يقال: إنّ المستفادَ من المحمولِ وهو قوله: (لا ينجس) كونُ الموضوعِ ما يكونُ قابلاً للتنجُّس وعَدَمِهِ، وهو الماء الطاهر، فيَخْرُجُ الموردُ عن موضوعِ الدّليل مَفْهومَاً ومنطوقا.

وحاصلُ الدَّفع: أنْ نجعلَ الموضوعَ الماء المتمّم المفروضِ الطهّارة، ونقول: هو ماءٌ ليس بكرٍّ ولاقى نجساً فتنجَّسَ فيشمل المفهوم للمتّمم.

نعم قد يُورَدُ عليه: بأنّ المتمِّم الطاهر كما ينطبقُ عليه عنوانُ المفهوم لكونِهِ قليلاً لاقى مُتَنجّساً فيَتَنجَّسُ، كذلك ينطبق عليه عنوان المنطوق؛ لأنَّه ماءٌ بَلَغَ بالملاقاة كرّاً فلا ينجس، فيتعارض المفهوم والمنطوق، ويتساقطان، فيبقى استصحاب الطهارة فيه جارياً ويَسْقُطُ به استصحابُ النّجاسَةِ في صَاحِبهِ فيَرْجِعُ إلى قاعدة الطّهارة.

لكنْ أجابَ عنهُ شيخُنا  رحمه الله  بأنَّ الظاهرَ من الرّواية أنَّ العاصِمَ والعلّة لعدم الانفعال هي الكرّيّةُ الحاصلةُ قبل الملاقاة([248])، دونَ ما كانَ معلولاً له؛ لأنَّ ما كان معلولاً للملاقاةِ يكونُ متحقّق في مرتبة الانفعال؛ لكونهما معلولين للملاقاة، ولا يمكن أنْ يمنع أحد المعلوَلينِ عن الآخر؛ لأنَّ المانعَ الذي هو علّةُ العَدَم يجبُ أنْ يَتَقَدَّمَ على معلوله طبعاً، والمفروضُ أنَّ الكرّيّة متّحدَةٌ مع الانفعال رُتبَةً، فكيف يمكن أنْ يكون مانعا.

وإنْ شئتَ توضيح ذلك فنقول: قد تكونُ الكرّيّة حاصلةٌ قبل الملاقاة، وقد تكون معه، وقد تكون متأخرة عنه:

فما كانَ قَبْلَ الملاقاةِ لا ينبغي أنْ يستشكَلَ في قابليتها للمنع عن الانفعال؛ لأنَّ مقتضى النَّجاسَةَ إنّما وَرَدَ في مورِدٍ مشغول بالمانع، فلا يؤثّر، بل التأثير للمانع الذي هو علّةٌ للعدم فيؤثّرُ في الاعتصام وعدم الانفعال.

وما كانَ مقروناً مع الملاقاة فهو مَبنى الفرع السّابق في كلام المصنّف  رحمه الله : (لو قارَنَ الكرّيّة والملاقاة فالأقوى الطهارة والأحوط النجاسة)، فإنَّ الكرّيّةَ التي هي علّة الاعتصام متّحدةٌ مرتبةً مع الملاقاةِ التي هي علّة الانفعال فتتزاحَم العلّتان، يعني: علّة الانفعال وعلّة عَدَمِهِ فيَرْجعُ إلى قاعدَةٍ من القواعد.

وما كانَ متأخراً عن الملاقاةِ كأنْ يكونَ معلولاً لها فهُوُ مِنْ مَحَلِّ الكلامِ، حيثُ أنَّ الملاقاةِ كما تكونُ علّة للانفعال تكونُ علَّة للكرّيّة، فيكونُ تحقُّقُ الكرّيّة في مرتبة تحقّق الانفعال.

ومن المعلوم أنَّ مثله لا يُعقل أنْ يؤثّر في عَدَمِ الانفعال؛ لأنَّ علّة الشيء مقدّمة عليه، فلا يعقل أنْ تقارنُهُ رتبةً، فالكرّيّة التي تمنعُ عن الانفعال إنّما هي الكرّيّة التي تكونُ أسبقَ منه.

وهذا ما يقال: إنَّ المستفادَ من الصّحاح عِلّيّة الكرّيّة السّابقة على الملاقاةِ للاعتصام، دونَ الواقِعَةِ معه في المرتّبة وإنْ كان قد عَرَفْتَ أنَّ الأقوى مانعيّة الكرّيّة الملاقية مع الملاقاة أيضاً، هذا.

ولكن لكَ أنْ تمنعَ من كونِ الملاقاةِ علّة للكرّية، بل هي عبارةٌ عن اتّصالِ المائين وزوالِ حَدّيهما بحدوث حدٍّ واحدٍ لها، وهو عينُ الكرّيّة؛ إذ ليست هي إلاّ كونُ المجموعِ كذا مقدار، والمفروض إنْ مجموع المتمِّم والمتمَّم إلاّ ذلك المقدار، وإنّما لا يكون كرّاً لعدم الوحدة، فإذا صارَ بالاتّصال واحداً كانَ كرّا.

ومن المعلوم أنّ وحدتهما عبارةٌ عن زوالِ الفصل الموجب للتعدّد وانقلابِهِ إلى الوصل.

ومن المعلومِ أنَّ الفصل والوصل ضدّانِ ليس وجود أحدهما مقدّماً على عدم الآخر، ولا عدم الآخر مقدّمة لوجود صاحبه، وإلاّ لَزَمَ الدَّورُ المعروف، فالملاقاةُ عينُ وَحدَةِ الحدِّ بينهما، وهو في مرتبة زوالِ التعدُّد فيكونُ الكرّيّةُ في مَرتَبَةِ الملاقاةِ، فيكونُ من المسألةِ السّابقة، وهي ما لو حَدَثتْ الكرّيّة والملاقاةُ في مرتبةٍ واحدةٍ التّي بَنى المصنّف  رحمه الله  على طهارته.

سَلَّمنا كون الكرّيّة صفة وجودية معلولة للملاقاة، لكنّا نمنعُ عن أنَّ الشيئين مَعْلَولَيْ عِلّةٍ واحدةٍ، ولا يُمكنُ أنْ يَمنع أحدُهُما عن الآخر؛ لاتّحادهما في المرتبة؛ ولزومِ تقدُّمِ المانعِ على الممنوع رُتبةً، وذلك لأنَّا لا نُريدُ بالتقدُّم والتّأخّر في المرتبة إلاّ كون أحدهما علّةً للآخر، والآخر مَعلولاً للأوّل، وأمّا مَعَ عَدَمِ العِلّيّةِ بينَهُما فلا نسبة بينهما من هذه الجهة، فلا مجال لأنْ يقال: إنَّ النَّجَاسَةَ والكُرّيّة مُتّحِدَتانِ في الرُّتْبَة؛ لأنَّهُما معلولانِ لعِلَّةِ واحدة؛ إذ يجوزُ أنْ يكونَ أحَد مَعْلولَيْ عِلّةٍ واحدة علّة لعَدَمِ المعلول الآخر، وعليه فيقَعُ التّزاحُمُ بينَ أثَرَيْ الملاقاةِ والكُرّيّة؛ إذ تأثيرُها في الكُرّيّة غيرُ قابلَةٍ للتّزاحم، فيكونُ المزاحِمُ للانفعال أثرَ الكرّيّة - يعني: الاعتصام - لأنّه الذي يضادّ الانفعال أو يناقضه، فيكون حال هذه المسألة حال المسألة السابقة، ما لو قارَنَ الكرّيّة والملاقاة.

إنْ قلتَ: سَلَّمنا ذلك؛ لكنّا نقولُ: ظاهِرُ الصِّحاحِ أنَّ العاصِمَ للماءِ عن الانفعال ليس إلاّ الكُرّيّةُ السّابقة عن الملاقاة، دونَ اللاّحقة لها، بل المقارنة لها.

قلتُ: ليس فيها سوى أنَّ العلَّةَ المانعة عن الانفعال هي الكرّيّة، واستفادة سبقها عنهُ ليسَ إلاّ من جِهَةِ جَعْلِها مؤثّراً في عَدَمِهِ، ولازمُ العلّة المانعة التقدُّمُ على الممنوع، فيجبُ أنْ تكونَ الكرّيّةُ التي جُعِلَتْ مانعاً متقدّمَة طبعاً على الانفعال حتّى يمنع عنه، لكنّه لا يقتضى إلا التقدّم الطبعي، وقد عرفتَ أنَّه ليس إلاّ عبارة عن كونِهِ مؤثّراً في عدَمِ الممنوع، وهو ممكنٌ مع كونِها مع الانفعال معلولين للملاقاة، فضلاً عمَّا إذا كانت هي والملاقاة معلولَيْ علّةٍ واحدة.

فتلَخَّصَ أنّ مفهوم الصِّحاح لا يَرْفَعُ استصحابَ الطَّهارَة في المتمِّم الطّاهر فيُعَارِضُ استصحاب النّجاسة، وقد عَرَفْتَ أنَّ مقتضى التّعارض الرّجوع إلى قاعدة الطّهارة إلاّ أنْ يَمْنَعَ التّعارُضُ.

وقد يُستَدَلُّ بالخبر المرويّ المشهور - كما ادّعاهُ بَعْضٌ -([249]) بل المجبور بعمل مَنْ لم يعمل بالخبر الواحد الظنّي لو مُنِعَ اشتهاره وهو قوله: (إذا بَلَغَ الماءُ كُرَّاً لم يحمل خبثاً([250]))؛ لأنَّ الظاهر من عدمِ حَمْلِهِ الخبث عَدَمُ تحمُّلِهِ له بَعْدَ البُلوغ، ومن الواضحِ أنّه يَعمُّ الدّفعَ والرَّفع، فتكونُ الكرّيّةُ رافعة كما أنّها دافعة، وبهذا يفارق الصِّحاح (إذا بَلَغَ الماء قدر كرٍّ لا يُنَجّسُهُ شيء)، فإنَّ التنجيسَ المنفيّ ظاهرٌ في الحدوث، فلا يَشْمَلُ الرَّفع.

وأمّا هذا الخبر فهو بإطلاقِهِ يَشْمَلُ الرَّفع والدّفع، فيدلُّ على أنَّ البلوغَ كُرّاً مطهِّرٌ للماء، وعليه فلا فرق بين كونِ المتمِّم طاهراً أو نجساً، ولا دليلَ على حمل الماء الذي يَبْلُغُ كرّاً على خُصوصِ الماء الطّاهر.

وما أورَدَ عليهِ شيخُنا في الطّهارةِ([251])، من أنَّ الظاهرَ من الحَمْلِ المنفيّ هو الحَمْلُ المتجدِّد الحادثُ لظهورِ الفعل المضارع فيه غيرُ واردٍ؛ لأنَّ الحملَ المنفيّ ليس إلاّ الحمل بَعْدَ البُلوغِ، وهو حَمْلٌ جديدٌ فينتفي.

وبعبارة أخرى: لا يُعْقَلُ أنْ يُرادَ من الحمل المنفيّ غيرُ الحمل الجديد؛ لأنَّ الحمل العتيق غيرُ قابل الزوال، ولا دلالةَ فيه على كونِ المرادِ النَّجاسة الغير المحمُولَةِ النَّجَاسة الجديدة.

وبعبارة أخرى: فرقٌ بين الحمل الجديد والنّجاسة الجديدة، والنّجاسة المرتفعة وإنْ كانَتْ هي السَّابقة لكن الحمل المنفي هو الحَمْلُ بعد البلوغ وهو جديد.

والحاصلُ: دلالةُ الجملةِ الفعليّةِ على التجدُّدِ والحُدوثِ ليس مَنشأه إلاّ ما ذكروه من دلالَةِ الفِعْلِ المضارِع على الزَّمان وعلى الثّبوت والنفيّ في المستقبل؛ إذ لا يَنْطَبقُ ذلكَ إلاّ على كونِ النّسبة المثّبتة أو المنفيّة جديدة، ومن المعلوم أنَّ ذلكَ لا يَقْتَضي أزيد من أنْ يكونَ اللّفظ ظاهراً في النِّسبة في الزّمانِ المستقبل، فيكونُ معناهُ: أنّ الماءَ بعد البلوغ لا يحمل، يعني: ينفى منه الحمل، ومن المعلوم أنَّ الحمل الذي بَعْدَ البُلوغِ حَمْلٌ جَديدٌ، ولذا قالوا: أنَّ البقاء عبارَةٌ عن الوجود بعد الوجود، فلو لم يكن وُجوداً جديداً كيف يكون وجوداً بعد الوجود؟!

وأمّا دعوى اعتبارِ الحُدوثِ فيه بمعنى: عدم سبقه بالوجود حتى يكون المنفي هو حدوث الحمل لا مطلق وجوده فهي ممنوعةٌ على مدّعيها.

ولو سَلَّمنا اعتبارَ الحُدوثِ فإنّما نُسَلِّمُهُ بالنّسبة إلى النّسبة السَّلبية والإيجابية فمعنى لا يحمل: أنَّه يُحْدِثُ في الماءِ عَدَمَ الحمل، فيتحفّظ على الحدوثِ المعتَبَر في الجملة الفعلية.

ثمَّ أورَدَ عليه شيخُنا الأكبر([252]) بعد تسليم دلالته وصحّة سنده بمعارضته مع مفهوم (إذا بلغَ الماءُ قَدْرَ كرٍّ لا يُنَجّسُهُ شيء)، فإنّه ظاهرٌ في أنّ المتمِّم بالملاقاة ينفعل، فيُعَارِضُ ما دَلَّ على أنَّ البالغ كُرّاً لا يَتَحَمَّل نجاسَةً، والنّسبةُ عُمومٌ من وجهٍ؛ لافتراق الصّحاح في القليلِ الملاقي الذي لا يبلُغُ كرّاً، والخبرُ عن الصّحاح في البالغ كرّاً في حالِ الطّهارة، ويجتمعان في البالغ نجسا.

إنْ قلتَ: هذا في التتميم بالطّاهر، وأمّا في التتميم بالنّجس فلا معارض للخبر.

قلتُ: يُعارضُه في التتميم بالنَّجس أدلّة نجاسة غسالة الحمّام المعتضدة بالسّيرة بين المسلمين على الاجتناب من المياه البالغة كرّاً برواية السّكوني: (الماء يُطهِّر ولا يِطهَّر)، وقوله: (سبحان الله! كيف يطهر من غير ماء)([253]).

وفيه: إنّ معارَضَةَ الصّحاح مع الخبر المزبور توجبُ الرُّجوعَ إلى قاعدة الطّهارة.

فلو قيل: المرجعُ استصحابُ نجاسَة المتمَّم بالفتح بضميمة الإجماع.

قلنا: ليس بأولى من أنْ يكون المرجعُ استصحابُ طهارة المتمٍّم بالكسر.

مع أنَّ دلالة الصّحاح على نجاسة الملاقي في مرتبة البلوغ لا تنافي رفع النجاسة عن الجميع متأخّراً عنه، كما هو مقتضى ما ذكره من قاعدة الترتب بين الكرّيّة ومسبّبها، فالملاقي ينجس في مرتبة البلوغ وترتفع النجاسة عن الجميع في المرتبة المتأخرة.

وأمّا خبرُ السّكوني فمعَ ضعفه إجمالُ المراد أسقطَهُ، مع احتمال أنْ يكون المرادُ أنَّ الماءَ لا يطهر بغير الماء، وقولِهِ: (سُبحانَ الله! كيفَ يطهّر من غيرِ ماء) لا مَحلَّ له هنا؛ إذ لا نقول أنّ المطر غير الماء، بل مقدار منه، فإذا بَلَغَتِ المياه القليلة بالإجماع حَدَّاً لكثرة يطهّر الجميع فيكونُ كُلُّ بَعْضٍ مطهّراً لكلِّ بعضٍ، فإنّه معنى العصمة بالكثرة.

فتلَخَّصَ أنَّ القولَ بطهارة المتمِّم بالطاهر لا يخلو عن وَجهٍ، بل والمتمّم بالنّجس إنَّ أُجبر الخبر بعملِ الحلّيّ وغيره ممّن لا يَرَىَ العَمَل بالخبر الواحد، بل وينقل الحلّي إجماع المخالِف والمؤالف عليه([254])، لكن يُوهِنُ دعوى الإجماع ما نَقَلَهُ بَعْضُهُم([255]) من أنّه لم ينقلْهُ من الخاصّة أحدٌ، ولم يَعْمَل بهِ من العامّة الا ابنُ حيّ([256])، وحينئذٍ فالاحتياطُ في المتمِّم بالنّجس بل مطلقاً ممّا لا ينبغي أن يترك.

 

فصلٌ

ماء المطر

ماءُ المطرِ الجاري من السّماء بمقدارٍ يَصْدُقُ عليه المطرُ عُرْفاً من غير اعتبار الجريانِ على الأرض؛ للإطلاق؛ وعَدَمِ الدّليل على التقييد، وتقيّده في بعضِ الأخبار بالجَرَيَانُ مشتَبَهُ المراد، فلا يُوجبُ التخصيصَ بأزيدِ من المتيقَّن، وهو الجَرَيَانُ من السَّماء على وجهٍ يتَحَقَّقُ به عنوانُ المَطََرِيّة عُرفا.

فهو حالَ تقاطُره من السّماء - يعني: مادام متقاطراً - كالجاري، فلا ينجس ما لم يتغير، سواء جَرَى من الميزاب، أو على وجهِ الأرض، أم لا، بل وإنْ كان قطراتٍ بشرطِ صدقِ المطر عليه عُرفاً؛ لما عرفتَ من الإطلاق وعدم التقييد، والدّليل على ذَلِكَ كُلِّهِ هو الأخبار، والإجماعاتُ المتضمّنة عاصميّة المطرِ النازلِ على الأرض النّجسة، حين يَكِفُّ من السّطح أو ينتزح من الأرض، بل في بعضها التّصريحُ بطهارة طينِ المطر إلى ثلاثة أيام([257])، المحمولِ على عَدَمِ العلم بنجاسته بعدها.

واذا اجتمعَ في مكانٍ وغسل فيه النّجس طَهُرَ وإنْ كان قليلاً؛ لما عَرَفْتَ من عصمته؛ وأنّهُ مادامَ الاتصالُ وعدمُ الانقطاع عمّا يتقاطرُ من السَّماء لا ينفعل.

نعم اذا انقطع منه المطر تنجَّسَ إنْ كان قليلا.

ومن جميع ما ذكرنا ظهر الوَجهُ في ما اشتملتْ عليه:

المسألة الاولى([258]): من أنَّه لا يُعْتَبَرُ في ما يَطْهُرُ بالمطر التَعَدُّدُ ولا العَصْر ولا شيء ممّا يعتبر في غيره؛ لأنّه يَطْهُرُ كل ما أصابه؛ للمُرسلةِ المعمولِ بها، فهو أقوى في ذلكَ من الجاري؛ اذ رُبَّما نقولُ فيه بالمطر، بل التعدُّدِ في الجملة، ولا نقول بشيء من ذلك في المطر، فالثوبُ يَطْهُرُ بمجَرَّدِ اصابة المطر كلِّه أو بعضه، وحتَّى إذا كانَ فيه عَينُ النَّجاسَة طَهُرَ من أجزائه كُلُّ ما أصابه سوى الموضع الذي فيه النّجاسة، فإنّه لا يطهر مادامت عليه، فإنْ أُزيلَتْ وأصابه المطر بعد الإزالة طَهُرَ.

ويَتفرَّعُ على ما ذكرناهُ ما في:

المسألةُ الثانية([259]): أيضاً من أنَّ الماءَ الموجودَ في الإناء، بل ونفس الإناء يَطْهُرُ بمجرَّدِ إصابتِهِ بالماء ووقوعِهِ فيه، والموضع الخالي من الماء أيضاً يَطْهُرُ إنْ أصابَهُ المطرُ، فلا يعتبر في طهارةِ الموضع المشغولِ بالماء إصابَةُ المطر له، بل ولا في طهَاَرة جميعِ الماء إصابة المطر بجميعِ سَطْحِهِ الظّاهر فضلاً عن باطنِهِ.

ومنهُ يَظْهُرُ أنّه لا يُعْتَبَرُ الامتزاجُ - يعني: امتزاجَ المطر - ولو بضميمةِ ما امتَزَجَ معه في الباقي، كُلُّ ذلك لإطلاقِ المرسلة (ما أصابَهُ المطرُ فقد طَهُرَ)، ولكن للنَّفسِ في جُمْلَةٍ مما ذكر شيءٌ.

نعم لا إشكالَ في طهارَةِ كُلِّ مَوضعٍ من الإناء أصابَهُ المطرُ - يَعني: طهّره - والموضع الخالي من الماء، وأمّا الموضعُ المشغول بالماء فلا دليل على طهارته؛ إذ لا يَصْدُقُ عليه أنّه أصابه المطر، ولا يُنافي ذلك اعتصامَ ما فيه مادامَ يتقاطرُ عليه المطر؛ إذ لا دليلَ على طهارة الإناء بمجرَّدِ وصولِهِ بالمعتصم وإنْ فُرضَ أنَّهُ قامَ عليه دليلٌ فتستندْ طهارةُ نفسِ الإناء إلى طهارةِ ما فيه، لا إلى ماءِ المطر، وسيجيءُ الكلامُ إنْ شاءَ الله في مقام اعتبار التعدُّد.

وبالجملةِ لا كلامَ في أنَّ الموضوعَ في المرسلة هو (الموصول) القابل لأنْ يكنَّى به عن كُلِّ بَعْضٍ من أبعاضِ الشيء الواحد، كما أنّه يكنَّى به عن كُلِّ شيء ممّا وَقَعْ عليهِ المَطَرُ، فسطحُ الماءِ شيءٌ، والجُزْءُ الآخرُ الذي لم يَقَعْ عليهِ المطرُ شيءٌ، وكُلٌّ منهما يصلحُ لأنْ يكنّى عنه بالموصول، فطهارَةُ أحدِهِما لا تستلزمُ طهارَةَ الآخر.

ودعوى أنّه يُكَنَّى بهِ عن كُلِّ ما يُعَدُّ عُرْفاً أمراً واحداً ممنوعةٌ جدّاً، وإلاّ لَطَهُرَ الإناءُ بمجرَّدِ إصابة المطر ببعضه؛ لأنّه شيءٌ واحدٌ، وحينئذٍ فالقَدْرُ المعلوم طهَارَةُ خصوص ذلك الموضع، فإنْ امتزَجَ معَ غيرِهِ مادامَ مُعتصماً ومُتّصلاً بالمطر طَهُرَ غيرُهُ من الأجزاءِ المتساوية له والنازلة عنه، وإلا فلا يطهِّرُ إلاّ نَفْسَهُ وينجِّسُ بمجرّدِ انقطاع المطر.

نعم لو امتزجَ مع سائر الأجزاء طَهُرَ الجميعُ؛ للإجماع على اتّحادِ حكم الماء الواحد الممتزجِ بعضُهُ ببعض، ومع ذلك فإنْ قُلنا بطهَارَةِ الإناء بمجرَّدِ وصولِ المعتصم به فهو، وإلاّ فيبقى على نجاسَتِهِ إلاّ أنْ يعلم وصول المطر الممتزجِ بما في الإناء ولو بأجزائِهِ المختلفة معها إليه، وحينئذٍ فالاحتياطُ باعتبارِ المزْجِ لا يُتْرَكُ، بل لو لم يعلم بوصول المطر بأجزائه إلى الإناء الاحتياطُ في الإناء أيضاً لا يترك، فيَنْجُسُ الماءُ بانقطاعِ المطر بالإناء إلاّ أنْ يُعَالَجَ في ماءِ المطرِ بوَجْهٍ يَحْصَلُ التعدُّدُ في الإناء أو نقولُ بطهارَتِهِ بمجَّرد الاتصالِ بالمعتصم.

وأمَّا ما اشتملتْ عليه:

المسألة الثالثة([260]): من طهارة الأرضِ النّجسة بوصولِ المطرِ إليها، أيضاً من فروعِ ما مَرَّ في صدر المسألة، بل عَرَفْتَ التّصريحَ بطهارةِ طينِ المطر في بعضِ الأخبار إلى ثلاثةِ أيّام.

نعم يُعْتَبَرُ أنْ يكون ذلك بالتقاطُر عليه من السَّماء ولو بإعانة الرّيح كما يعتبر ذلك في الفرع السابق، بل ليس ذلك شَرْطاً غير تحقّق عنوانِ إصابةِ المطر؛ إذ بعدَ انفصالِ المطرِ من المكانِ الذي وَقَعَ فيهِ إلى مَكَانٍ آخر خَرَجَ عن كونِهِ مطراً عرفاً وإنْ كان من مائهٍ، إلاّ إذا كانَ الوقوعُ مُتواتِراً بنحوٍ لا ينقطعُ اتّصالُهُ بما يجري من السماء، إذا كان السّقفُ رقيقاً فَنَزَلَ المطرُ عليه، ومنهُ إلى الأرض متواتراً على نحوٍ يُعَدُّ المجموعُ مُتّصلاً واحداً فيَطْهُرُ ما يَنْزِلُ عليه.

إذ تكونُ حينئذٍ كما إذا جَرَى المطرُ على وجهِ الأرضِ فوَصَلَ إلى مكانٍ مُسَقَّفٍ بالجريانِ إليه، فإنَّه يطهر بذلك لا لصدقِ إصابة المطر، بل لجريانِ الماءِ المعتصِم، فإنْ اعتبرنا التعدُّدَ في التَّطهير بالمعتصم واعتبرناهُ هُنا أيضاً كما أنّه إذا اعتبرنا انفصالَ الغُسالَةِ اعتبرناهُ، وذلك لأنَّهُ ما لا يُعْتَبَرُ فيه شيءٌ من ذلك هو التَّطهيُر بالمطر، لا بكُلِّ ما اعتصم بالمطر.

وما نحنُ فيه من قبيلِ الثاني، بل يمكن أنْ يدَّعى صدقُ المطرِ على النَّازلِ
من السَّقْفِ الرّقيق المتواتِرِ، ولا يُمْكِنُ صِدْقُهُ في المقام، ولَعَلَّ إطلاقَ المتنِ
نَاظِرٌ إلى ما يرَاهُ منْ عَدَمِ اعتبارِ شيءٍ من التعدُّدِ وإخراج الغُسَالَةِ في التطهير بالمعتصمِ مطلقا.

المسألة الرابعة: الحوض النّجسُ تحتَ السّماءِ يُطهَّرُ بوقوع المطر فيه ([261]) ولو لم يصل إلى جميع سطحه، من دون اعتبارِ المزج، بناءً على ما في المتن، كما مَرَّ في طهارة ما في الإناء؛ لعدمِ الفرقِ بينهما، وبناءً على ما اعتبرنا من المزج نعتبرُهُ هنا أيضاً لعينِ ما ذكرناه في الإناء.

وكذا إذا كانَ الحوضُ تَحْتَ السّقف، وكانَ هناك ثقبةٌ ينزل منها المطر على الحوضِ؛ لصدق المطرِ على ما ينزل فلا ينجس، ولازمُهُ طهارة ما يتّصلُ بهِ فيطهّر البقية مطلقاً أو بعد المزج.

وكذا لو أطارَتْهُ الرّيحُ حالَ تقاطُرِهِ فوَقَعَ في الحوض؛ لصدق المطر عليه إنْ لم يُعَدّ المتطايرُ بالرّيح منفصلاً من النازل من السماء عرفا.

وكذا إذا جرى من ميزابٍ فوقع فيه بشرطِ اتّصالِهِ بالمطر، فإنّه يطهرُ به الحوض وإنْ لم يصدق به على النّازل من الميزابِ المطر؛ لفرضِ اعتصامِهِ باتّصاله بالمطر ووقوع المطر عليه.

المسألة الخامسة([262]): اذا تقاطَرَ من السّقفَ لا يكون مُطهّراً؛ لما عَرَفْتَ من عَدَمِ صِدْقِ المطر عليه؛ وعدمِ اعتصامه، إلاّ أنْ يكون على وجهِ التّواتر والتظافر، بحيثُ يُعَدُّ مُتّصلاً بالمطر، بل عَرَفْتَ أنّه قد يكونُ هو المطرُ نفسه عُرْفا.

وكذا حالُ ما يقع على الشجر ثمَّ على الأرض، فإنّه بعد انقطاعه عن الوَرَق يخرجُ عن صدقِ المطر عليه، نعم حينَ وقوعِهِ على الورق أو ملاقاته لشيءٍ في الهواء يكونُ مطراً فيطهِّرُ ما أصابه، كما أنّه لا يضرُّ بصدق المطر عليه مجرَّد مُرورِهِ على شيءٍ ما لم يستقرّ عليه، بحيث ينقطعُ عن الماءِ النّازلِ من السَّماء.

وممّا مَرَّ من اعتصام المطر، بل والمتّصلِ به، وأنّه لا ينفعل، تعرفُ حالَ ما في:

المسألة السادسة: إذا تقاطَرَ على عينِ النّجسِ، فترشَّحَ منها على شيءٍ آخر، لم ينجّس إذا لم يكن معه عينُ النجاسة ولم يكن متغيّرا.

ومن هذا القبيل أيضاً ما جَعَلَهُ سابع المسائل، من أنّه:

إذا كان السطحُ نجساً فوقعَ عليه المطرُ ونفِذَ فيه وتقاطرَ من السَّقفِ، لا تكونُ تلك القطراتِ نجسة وإنْ كان عين النَّجاسة موجودة على السَّطح ووقع عليها...([263])

نعم يعتبر فيه أمران:

أحدهما: أنْ لا يمرّ بعد النّزول على نجاسةٍ أو متنجس في جوف السطح حيث أنه لا مانع من أنْ يتنجس به، وذلك لأنَّه حين وقوعه على السطح وإنْ كان معتصماً لا ينجس؛ لصدقِ المطر عليه لكن بعد نزوله في جوفه يخرجُ من كونه مطراً، بل يكونُ من قبيل المطر الواقع على محلٍّ، ثمَّ منه إلى محلٍّ آخر، حيث مَرَّ أنَّه يخرجُ عن العاصمية.

نعم لو كان كثيراً بحيثُ يُعَدُّ متَّصلاً بالمطر عُرفاً كانَ كماءِ المطر الجاري من الميزاب من حيث العصمة وعدم الانفعال بالملاقاة.

ثانيهما: أنْ يكون ذلك - يعني: مرورهُ بالنّجاسة ووقوعه على السطح - حالَ تقاطُرِهِ من السَّماء وإلا تنجس بالملاقاة، وكذا الحال في ما ينزلُ من الميزاب مع اتصاله بالسَّطحِ النجس أو النَّجاسة الموجودة فيه، فإنَّهُ وإنْ كان ذلك في حال التقاطر كان طاهراً؛ لكونه معتصماً باتصاله بالمطر، وإلا كان نجسا.

وما ذكره في:

المسألة الثامنة([264]): هو عينُ ما مَرَّ في سابقِه من أنّ وقوعَ المطرِ على النّجسِ الموجودِ في السّطح النازلِ منه لا ينجس وإنْ كان نزولُه في حالِ تقاطُرِهِ من السَّماء.

وكذا ما تَعَرَّضَ لهُ في:

المسألة التاسعة: من أنَّ التُرابَ النّجس يَطْهُرُ بنزولِ المطرِ عليه إذا وَصَلَ إلى أعماقِهِ حتَّى صار طيناً.

فإنَّ قوله: (ما أصابه المطر فقد طهر) يَشْمَلُهُ بعُمُومِهِ، بل والموردُ مَورِدٌ للنصّ الخاصّ.

وكذا ما ذَكَرَهُ في:

المسألة العاشرة: الحصيرُ النّجسُ يَطْهُرُ بالمطر، وكذا الفِراشُ المفروش على الأرضُ، واذا كانت الأرضُ التي تَحْتَها أيضاً نجسةٌ تَطْهُرُ إذا وصل اليها. نعم إذا كان الحصير مُنفصلاً عن الأرض يَشْكُلُ طهارتُها بنزولِ المطر عليه إذا تقاطر منه عليها، نظيرُ ما مَرّ من الإشكال في ما وقع على وَرَقِ الشّجر وتقاطَرَ منهُ على الأرض.

وغالبُ هذه الفروض قد مَرَّ التعرُّضُ لها في المتن، وليس مَدرَكُها سوى عصمةِ المطر، وعدمِ تنجُّسِهِ بالنّجاسة، وأنّه إذا أصَابَ المتنجّس طَهَّرَهُ، خصوصاً ما ذَكَرَهُ في:

المسألة الحادية عشر: من أنّ الإناء النجس يطهَّر اذا أصابَ المطرُ جميعَ مواضع النجس منه، وإلاّ فكلّما أصابه منها، نعم إذا كان نجساً بولوغ الكلب يشكل طهارته بدون التعفير.

للأصل وإطلاق الصحيحة الحاكمة به([265])، وهي مقيِّدة لمرسَلةِ([266]) المطر الدالّة على عَدَمِ الحاجَةِ إلى شَيءٍ آخر.

وعن نهايةِ الأحكامِ والمختلف سقوطُ التعفير، وفي طهارة شيخنا بعد نقله: (ما أحسن لها التمسُّك بإطلاق المرسلة)([267]).

قلت: النسبةُ بينَ المرسلة والصحيحة الدالّة على التعفير هو العموم من وجهٍ، ومع التساقط فالمرجع الأصل، فلا حُسْنَ في التمسُّك بما هو مبتلى بالمعارض، إلاَّ أنْ يمنع من إطلاق الصحيحة للمطر، بل والكثير؛ لظهور الصحيحة في الغسل بالماء القليل، وفي كتاب الطهارة أيضاً: (وما أبعد ما بينَهُ وبين القول بعدم سقوط التعدُّد كما عن المعتبر وهو أحوط)([268]).

 

[فصلٌ]

ماءُ الحَمّام

مَاءُ الحمّام الموجود في حياضه الصِّغار بمنزله الجاري، عاصمٌ لا ينفعل بالملاقاة، بشرط اتّصاله بالخزانة، إذا كان ما في الخزانة وحدَه أو مع ما في الحياض بقدر الكرّ، من غير فرقٍ بين تساوي سطحها مع الخزانة أو عدمه.

وتوضيحُ هذه المسألة يقتضي التعرّض لحكمِ هذا الماءِ أولاً، بمقتضى القاعدة الأوّليّة مع قطع النّظر عن الأخبار الخاصّة، ثمّ التعرّضُ للمستفاد منها.

فنقول: مسألةُ اعتصامِ ماءِ الحمَّام - يعني: ما في حياضه الصّغار بما في الخزانة مطلقاً أو إذا كانَ ما في الخزانة كرّاً - مبنيةٌ على اعتبار تساوي السّطوح في الكرِّ.

فمَنْ يَعتبرُهُ مطلقاً لا يراهُ عاصماً مطلقا.

ومَن يَعتبرُ في اعتصام السّافِل بالعالي كرّيّة العالي عليه أنْ يعتبر الكرّيّة في الخزانة.

ومَنْ لا يعتبر تساوي السّطوح حينئذٍ بل يرى تقوّي كل من السّافل والعالي بالآخر لا يعتبر الكرّيّة إلاّ في المجموع.

وعلى كُلِّ حالٍ بمقتضى القاعدةٍ إذا لم يكن حتّى بانضمام ما في الحياض لما في الخزانة كُرّاً ينفَعِلُ السّافل ولو بملاقاة العالي، نعم لا ينفعل العالي بملاقاةِ السّافل لعلوّه وجريانه، هذا مع اختلاف سطح ما في الحياض مع ما في الخزانة، وأمّا مع تساوي سطحيهما فلا إشكال في اعتصامه، وأنّه في حكم الكُرّ وسيجيء الكَلامُ في اعتبار التساوي وعَدَمِهِ عند تعرّض المصنّف له.

وأمّا بمقتضى القاعدة الثانوية

المستفادة من أدلّة الحمّام([269])، فهو تابع للمقدار المستفاد من أخباره، فقد يُدِّعى انصرافها ولو بحكم الغلبة إلى ما كانت المادّة كرَّاً، وقد يُمْنعُ من ذلك، ولكن يُدَّعى أنَّ الغالب بلوغُ المجموع كرّاً، وقد لا يُعتنى بهذه الغَلَبَة، ولكن يُدَّعى معارَضُتها مع أدلّة انفعالِ القليل، فيُقال: إنَّ مُقتضى إطلاقُها وإنْ كانَ عصمته حتّى إذا لم يَكُنْ كُرّاً ولو بالانضمام إلاّ أنّها معارَضَةٌ مع أدلّة انفعال القليل فيتعارَضَان في القليل الحمّام، فيرجع إلى الانفعال بملاحظة ما مَرَّ من أنّ الظاهر من الأدلّة احتياجُ العِصْمَةِ إلى سَببٍ وجوديّ، والأصلُ عَدَمُه، ولكنّا لمّا نفهمُ من أدلّة الحمَّام أنّ له خصوصيّةً، ولا نرى لتساوي السّطوح في غير الحمّام اعتبار، فلا يمكن أنْ يكونَ خصوصيَّةَ الحمَّام إلغاءُ اعتبار تساوي السطوح فيه، تَعيَّنَ عندنا أنْ تكون الخصوصيّة إلغاءُ اعتبار الكرّية.

ودعوى أنّه لا يستفادُ منها اعتبارُ خصوصيّة، بل لعلّها تشيرُ جَميعاً إلى عَدَمِ اعتبارِ تساوي السّطح، وأنّه يعتصمُ السّافلُ بالعالي مُطلقاً، أو إذا كان كُرَّاً، وكَثُرةُ التعرُّضِ له من جهة كثرة الابتلاء به، وكونُه في معرض الاستقذار، بل توهّم التعدّد بحيثُ يرى العرف ببعضِ الملاحظات الموجود في الحياض مع الموجود في الخزانة متعدّداً وإنْ كان ذلك توهماً باطلا.

خلافُ الظّاهِرِ من النّصوص بل الفتاوى.

ودعوى كون الغالب كُرّيّةَ ما في المادّة وإنْ كانت مُسلَّمّةً في الحمّامات المعدَّة للعامّة إلاّ أنّها ممنوعَةٌ غايَةَ المنع في الحمّامات الشخصيّة.

ودعوى اختصاصها بخصوصِ الحمَّامات العامّة هو موردُ السّؤال في بعضها مجازفةٌ بينَّة.

ومنه ظهر أنّ دعوى غَلَبَةَ الكُرّيّة في المجموع أيضاً ممنوعةٌ، مع أنّها غَلَبَةُ وجودٍ لا تمنعُ عن الإطلاق، والتعارُضُ بينها وبين أدلّة القليل وإنْ كان مُسَلَّمَاً إلاّ أنّ كون النّسبة عموماً من وجهٍ ممنوعةُ؛ لما مَرَّ في بعض مسائل الجاري، من أنّ لحاظ النّسبة إنّما هو بين موضوعي الدّليلين، وموضوع دليلِ أدلّة انفعال القليل، وهي الصِّحاح المقسِّمة للماء الرّاكد والقليل أعمُّ من موضوع ماءِ الحمّام، وما كان موضوعه الماء القليل في الطريق لم يبلُغْ ظهوره بمرتبةٍ يعارض دليلَ الحمَّام، مع أنّها مُعارَضَةٌ بمثلها في موردها، فالعُمْدَةُ الصِّحاحُ المشتملة على العُموم، مع أنّهُ بَعْدَ التّعارضُ والتّساقط كون مقتضى القاعدة الانفعال ممنوعٌ؛ لما مَرَّ الكلامُ فيه مُفصَّلاً في أوائل المياه، ويأتي عند الابتلاء، فظهر إنّما ذَكَرَهُ من كون ماءِ الحمّام بالشّروط المزبورة بمنزلةِ الجاري والكرّ لا ينفعلُ بالملاقاة على طبقِ القاعدة، وعليه فلم تَثْبُتْ لماءِ الحمَّام خُصوصيّة، وأنّ مُقتضى ما ذكرنا عَدَمَ اعتبار الكُرّيّة في المجموع، فضلاً عن خصوص المادّة.

وعلى أيِّ حالٍ فإذا تنجّسَ ما فيها يطهُر بالاتصال بالخزانة بشرطِ كونها كُرّاً، حتّى بناءً على اعتبارِ الكرَيّة في المجموع؛ لأنَّه مع تنجُّس ما في الحياض لا يَعْتصِمُ به الموجود في الخزانة الوارد عليه، فيعتبر كونُ ما فيها كُرّاً حتى لا ينفعل الواردُ منهُ بما في الحياض، واختلافُ السّطح بالنّزولِ إلى الحياض غيرُ مُضِرٍّ بوَحْدَتِهِ عُرفا.

مضافاً إلى إطلاقِ الأخبار التي يكونُ اختلافُ السّطح من المتيقِّن منها لنُدْرَةِ تساوي سَطْحِ ماءِ الحمَّام.

مضافاً إلى ما عَرَفْتَ من تقَويّ السّافل بالعالي، سيّما مع كونِ العالي كُُرّاً، وإنْ كان الاتصال بمثل المزمّلة([270])، وهل يُعْتَبَر مَزْجُ ما ينزلُ إلى الحياض مع ما فيها في التطهير أو يكفي مجرد الاتصال؟ وجهان:

من استصحابِ النّجاسَةِ وعَدَمِ الإجماع على اتّحاد حُكْمِ أجزاءِ الماءِ الواحد ما لم يمتزج بعضه ببعض.

ومن الاطلاقات في خُصوصِ الحمّام غير المتعرّضة للمزج، من أنّ الغالب انفعال ما في الحياض حينما يُرادُ إجراء الماء من المادّة فيها.

مُضافاً إلى ما مَرَّ من المصنّف من كفايةِ مُجرَّدِ الاتصال.

وعلى ما ذَكَرَهُ المصنّف من اعتبار الكُرّيّة في المادّة أو في المجموع وعدم اعتبار اتّحاد السّطحِ في عِصْمَةِ الكرّيّة لا فَرْقَ بين الحمَّام أو غيره، فَيَجْري هَذَا الحُكْمُ دافعا ورفعاً في غير الحمّام أيضاً؛ فإذا كان في المنبع الأعلى مقدار الكُرّ أو أزيد، وكان تحته حوضٌ صَغير نجسٌ واتّصَلَ بالمنبَع بمثل المزملّة يطهر، وكذا لو غسل فيه شيءٌ نَجسٌ يطهر مع الاتّصال المزبور، تعني: اتصاله بما في المادّة ولو بمثل المزملّة ونحوها.

وأمّا بناءً على ما ذَكَرْنا من عَدَمِ اعتبارِ الكُرّيّة في المجموع فضلاً عن خصوص ما في المادّة فلا يجري الحكمُ في غير الحمّام؛ لكونِ الحكم على خلاف القواعد، فيَقُتَصَرُ على خُصوصِ مَورِدِ الدّليل الذي يمكنُ بناءُ الحكم فيه على عمومِ الابتلاء الذي يُنَاسِبُهُ التخفيف والتسهيل.

 

فصلٌ

ماء البئر النّابع

ماء البئر النّابع دونَ العاري عن النّبع، المجتمع فيه المياه من المطر وغيره وإنْ سُمّي بئراً، بمنزلة الجاري عاصِمٌ معتصمٌ، لا ينفعل بملاقاةِ النّجاسة إلاّ بالتغيّر، سواءاً كان بقدر الكرّ أو أقلّ؛ لصحيحةِ ابن بزيع المعلَّل فيها بـ(إنَّ له مادة)([271])، حيث لا محلَّ لهذا التعليل مع اشتراط الكّرّية؛ اذ يكون الاعتصام حينئذٍ فيه بالكثرة دون المادّة، فتقدم الصحيحة على عمومِ ما دَلَّ على انفعال القليل بئراً كان أو غيره؛ لبعد التخصيص في الصحيحة؛ لما عَرَفْتَ من استلزامِهِ لَغْويّةَ التعليل فيها، مع ما مَرَّ مراراً من احتمال كونِ دليلِ البئر أخصّ من الصّحاح المفصِّلة بين الكرّ وغيره.

وأمّا ما وَرَدَ في خصوص البئر ممّا ظاهِرُهُ الانفعالُ مُطلقاً كقوله: (ما الذي يطهّرها)([272]) وأشباهه فتُرجَّحُ عليها الصحيحةُ؛ لقوّة دلالتها وحجّتها بعمل المشهور عليها.

ودعوى أنَّ الأخبار المفصّلة بين الكرّ وغيره يمكن أنْ تكون جامعة بين الفريقين.

مدفوعةٌ بما عَرَفْتَ من عدمِ إمكان تخصيصِ صحيحةِ ابن بزيع بالكرّ.

وإذا تغيّر ثم زال تغيُّرهُ من قبل نفسه طهر لأنّ له مادة.

وفي اعتبار المزج بما يخرج من المادة أو كفايةِ مجرّدِ الاتّصال ما مَرَّ في النابع والحمّام والجاري والمطر.

ونَزْحُ المقدّرات في صورةِ عَدَمِ التغيُّر مُستحَبٌ.

وفي اختلاف أخبارها وعدم التّحديد فيما يُنْزَحُ منها غالباً بل الاكتفاءُ بأنْ يَنزحَ منها دِلاءً إشارةٌ إلى الاستحباب.

مُضافاً إلى ما عَرَفْتَ من قُوّةِ صحيحةِ ابن بَزيع الناصَّة بطهارتها في غير موردِ التغيّر.

ومما ذكرنا من كونِ المستند في الطهارة خصوصُ الصحيحة تعرفُ أنّه إذا لم يكنْ له مادة نابعة لا يلحقه الحكم، بل يعتبر في عدم تنجّسه الكرّيّة وإنْ سُمّيَ بئراً، كالآبار التي يجتمع فيها ماء المطر.

المسألة الأولى([273]): ماء البئر المتّصل بالمادّة ولو بجريانه عنها، كما في آبار القنوات التي لا تشتملُ على النّبع إلاّ أنّها تجري إليها من النّبع طاهرٌ معتصمٌ أيضاً؛ لجريانها واتّصالها بالمادّة، فإذا تنجّسَ بالتغيّر يكونُ طهره بزواله ولو من قبل نفسه على إشكالٍ مَرَّت إليه الإشارة، بل عَرَفْتَ أنّه يُعتَبَرُ مَزْجُهُ بما يجري إليه من المادّة، وكذا يُعْتَبَرُ فيه ذلك إذا أريدَ تطهيرُهُ بنزول المطر، وأمّا إذا أريدَ تطهيره بالنّزح حتّى يزولُ التغيّر فهو لا ينفكُّ عن المزج وخروجِ الماء من المادة أو جريانها منها إليه.

المسألة الثانية([274]): الماء الرّاكد النّجس كرّاً كانَ أو قليلاً يطهرُ بالاتصال بكرّ طاهر؛ لقولهِ مُشيراً إلى غدير فيه الماء: (لا يصيب هذا شيئاً إلا وقد طهر)([275]) والرّوايةُ وإنْ لم تكن مختصةً بالكرّ، بل ليس فيه إلاّ أنّه كانَ في طريق الرّجل إلى الإمام الباقر  عليه السلام  ماءٌ فيه العذرة، وكان َيَغْسِلُ رجله إذا عَبَرَهُ، فرآه الباقر  عليه السلام  يوماً فقال: (لا يجب غسل رجليك من هذا لا يصيب شيئاً الاّ وقد طهَّره)، وقد [نقلت] الرواية بالمضمون؛ إذ لم يحضرنا المنتهى المرسل عن ابن أبي عقيل.

وكيف كان فهو مقيَّد بالكرّ للأخبار الناطقة بانفعال القليل، وهذا المرسل بملاحظة كون المرسِل ابن أبي عقيل ناقلاً عن بعض أصحاب الباقر  عليه السلام  أنّه كان يزوره وفي طريقه ماء لا يَقْصُرُ عن المسند، والناقل عن ابن أبي عقيل العلاّمة الحلي، هذا.

ولكن مع ذلك للنّفس في الاعتمادِ عليه وسوسة؛ بل لعلَّ نقل ابن أبي عقيل ذلك ناظرٌ إلى عدمِ انفعالِ الماء القليل، فكأنَّه فهم منه ذلك.

ويؤيّدُهُ أنَّ ظاهر النّقل أنَّ الماء كانَ في الطريق مُجتمعاً من المطر، وكانَ ذلك من الرّجلُ الذي كان مرورُهُ أمراً استمرارياً، ويبعُدُ بقاءُ ماء المطر في طريق مدينةٍ مدّة كم يوم بقدر الكرّ، لا أقل من إجماله، وليس ذلك من قبيل الإطلاق حتَّى يُدَّعى تقيّده بأدلّة انفعالِ القليلِ، بل هو من قبيل المجمل، ومعه لا يمكنُ دعوى انجبارِهِ بعمل المشهور؛ إذ لم يعلم منهم رفع إجماله حتّى يقارن بالعَمَل أو يجبر به.

وبعبارةٍ أخرى: الجمعُ بينه وبين أدلّة انفعال القليل برفعِ إجماله ببيانها موقوفٌ على جَبْرِهِ، وجبرُهُ موقوفٌ على رفع إجماله، فالأولى الاستناد في المسألةِ إلى الإجماع على اتّحادِ أجزاء الماء الواحد في الطّهارة والنَّجاسة، فيُعتَبَرُ في الحكم به المزجُ بينهما، وأمّا الإجماعُ على طَهَارَةِ الماء النّجس بإلقاء الكرّ عليه يستلزمُ الامتزاجَ أيضاً لأنَّ الظاهرَ من الإلقاء ما يُلازمُ المزج.

وكيف كانَ فالحُكمُ بالطّهارَةِ مَعَ عَدَمِ المزجِ خلافُ الاحتياط، ومثلُهُ الكلام في تطهيرِهِ بالجاري أو النابع أو نزول المطر، فإنَّ الحُكْمَ بالطَّهارة في الجميع قبل حصول الامتزاج لا يخلو عن إشكالٍ وإنْ مَنَعَ في المتن عن اعتباره في شيء منها.

المسألة الثالثة: لا فَرق بين انحاء الاتّصال في حُصولِ التّطهير فيَطْهُرُ بمجرَّدِهِ وإنْ كانَ الكرُّ المطهِّر - مثلاً - أعلى والنّجسُ أسفل...([276])

بل المسألةُ مبتنيةٌ على ما أشرنا إليه آنفاً من اشتراطِ تساوي السّطوح في اعتصام الكرّ، وليُعلم أنّها وإنْ وَقَعَتْ محّلاً للخلاف بين أساطين الفقهاء، فبين مَنْ لم يعتبرهُ مطلقاً، ومن فَصَّلَ فقال: بأنَّ السّافل يتقوّى بالعالي دونَ العكس، ومنهم مَنْ خَصَّصَ ذلك بما إذا كانَ العالي كُرّاً، إلاّ أنّ مدرَكَ المسألة منحصرٌ بحسب القواعد في ما ينحفِظُ به وَحْدَةُ الماء؛ إذ لا يُستفاد من أدلّة اعتصام الكرّ سواها.

فإذا كانَ ماء واحد عُرفيّ بالغ كرّاً فهو معتصمٌ، اجتمعتْ أجزاؤه أو تَفرَّقَتْ، مع الاتّصال بالسّواقي، اختلفت السطوح أو تساوَتْ، والأظهرُ بقاءُ الوَحْدَةِ العُُرْفيّة وصِدْقُها مع اختلاف السُّطوحِ، سائلاً كانَ الماءُ أو ساكناً أحد الطرفين، بالغاً حَدَّ الكرّ أو لم يَكُنْ إلا بضميمة الآخر، فالماء مع اتّصال بعضِهِ ببعضٍ واحد، ولذا لم يعارض أحدٌ في وحدته عند سكونه وعدم جريانه.

وحينئذٍ فإنْ لم يعتبر الامتزاج إنْ أريقَ من الكرّ في حوضٍ نَجِسٍ طهُرُ الحوضُ بمجرّد الوصول، وإنْ اعتبَرْنا الامتزاج تَوقَّفَ على حُصولِ امتزاجِ مقدارِ كُرٍّ من المتنجّس.

وعلى أيِّ حالٍ فلا يَجبُ إراقَةُ جميعِ الماءِ في الحوض للتطهير، فضلاً عن أنْ يكون بالإلقاء أو دفعة.

ويتوجَّهُ([277]) على المصنّف ومَنْ يحذو حذوَهُ ممّن لا يعتبر الامتزاج ولا تَسَاوي السّطح في العِصْمَةِ وصدق الوَحْدة أنَّ لازِمَهُمْ طهارَةَ الماءِ المتنجّس إذا جَرَىَ من العُلوِّ إلى الحَوضِ الطّاهِرِ؛ لحصولِ الاتّصال بالطَّاهر، وعَدَم اعتبار الامتزاج؛ وعدمِ إخلالِ اختلاف السّطح في وَحْدَةِ الماءِ المتنجّس.

اللّهم إلاّ أنْ يتمَسّكوا لخُرُوجِهِ بالإجماع، وأنّى لهم بذلك، وأمّا نَحْنُ فلما نعتبرُ الامتزاجَ في التطهير لا يتوجَّبُ علينا شيءٌ؛ لأنَّ المتنجّسَ ما لم يمتزجْ بالمعتصِمِ لا يَطْهُرُ والجُزْءُ العالي منه مادامَ عالياً غيرُ ممتزجٍ، فهو باق على نجاسته.

وبالجملة بناءاً على ما يَظْهَرُ من المصنّف من تسليمِ الأمرين المشارِ لهما، من عدمِ اعتبارِ تساوي السّطوحِ في صِدْقِ الوَحَدْة وعدمِ اعتبارِ الامتزاجِ يَجبُ إقامَةُ الدّليلِ على عَدَم طَهارَةِ المتنجّس إذا جَرَى مِنْ فوق على كُرٍّ طاهرٍ، وإبداء الفارقِ بينَهُ وبينَ ما ذكره في [المسألة الرابعة].

المسألة الرابعة: من أنّ الكوزَ المملوءَ من الماءِ النّجسِ إذا غُمِسَ في الحوض يَطْهُر، ولا يلزمُ صب مائهِ وغَسْلِهِ.

المسألة الخامسة: الماءُ الكثير إذا القيَ عليه الكرّ فزال تغيرّه به يطهر...([278])

وأمّا مَعَ زوالِهِ من قِبَلِ نَفْسِهِ فقد مَرَّ أنّه لا يَطْهُرُ، بل لو تغيَّرَ مِنَ الكُرِّ الملقى شيءٌ بحيثُ أوْجَبَ نَقْصَهُ عن الكُرّ نَجُسَ الجميعُ؛ لأنّه ماءٌ قليلٌ لاقى نجساً، كما أنّه إذا انقطَعَ أجزاءُ الكُرِّ بالمتغيّر نَجُسَ أيضاً؛ لأنَّ كُلَّ واحِدٍ من المتقاطعين أقل من كُرِّ فيُعْتَبَرُ بَقَاءُ الكُرِّ على وَحْدَتِهِ واتّصالِهِ إلى أنْ يزولَ تغيُّر المتغيّر، وحينئذٍ فلا يُعْتَبَرُ بَعْدَ ذلكَ إلقاءُ كُرٍّ آخَرَ بَعْدَ زوالِ التغيُّر؛ لأنَّ المفروضَ أنّ الكُرَّ لم يَخْرُجْ عَمَّا يُعْتَبَرُ في عِصْمَتِهِ، وأنَّهُ زال التغيُّرُ عن المتنجّسِ وصارَ الجميعُ مُتّصلاً واحِداً فيَطْهُرُ الجميع.

نَعَمْ يُعتَبَرُ على ما مَرَّ مِنّا مِراراً حُصولُ امتزاج مِقْدَارٍ في الكُرِّ فيهِ بَعْدَ زَوَالِ تغيُّرِهِ.

المسألة السادسة: تثبتُ نجاسَةُ الماء كغيرِهِ من الاشياء بالعلم وبالبيّنة على ما مَرَّ، وبالعدل الواحِدِ على إشكالٍ...([279])

ناشئٍ: من قوله: (والأشياء على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقومَ بهِ البيّنة)([280])، وأصالةِ حرمَةِ العَمَل بالظنّ يعني: أصالة عَدَمِ الحُجّيّة، ومن إطلاقِ دليلِ حُجّيّةِ خَبَرِ الواحد، ولم يَقُمْ دَليلٌ على اعتبارِ التعدُّدِ غير في مواردِ الحقوق.

أقواهما: الأوّل؛ لظهورِ أدلّةِ الشَّهادةِ في اعتبارِ التعدُّد في كُلِّ مَوْرِدٍ عُدَّتْ شهادة عرفاً، وما نحنُ فيه منها.

وأمّا حُجيّةُ قولِ ذي اليَدِ في ما نحنُ فيه وإنْ كانَ فاسِقاً فعليه المنتهى والقواعد والموجز وكشف الالتباس على ما حُكي، كما أنَّ المحكيَّ عن الذّخيرة إنّه المشهور، وعن الحدائق: إنّهُ ظاهرُ الأصحاب الاتفاقُ عليه، وعن الأستاذ: (أَنّهُ لا ينبغي الشكُّ فيه)؛ لأصالَةِ صِدْقِ المسلم، خصوصاً في ما في يَدِهِ، وفي ما لا يعلم إلاّ من قبله، وفي ما لا مُعَارِضَ له، والسَّيَرةُ القطعية والاستقراء، وفحوى قبول قوله في التطهير، بل والتنجيس بالنسبة إلى بدنه)([281])، كما لعلَّهُ من المسلّمات عندهم لا أنّهُ من أفرادِ مَحَلِّ النزاع.

وما وَرَدَ من جوابِ السّؤالِ عن ذكاةِ الجلد المشترى إذا كان البائعُ غير عارف: (عليكم أنْ تسألوا عنه إذا رأيتُم المشركين يَبيعون ذلك وإذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه)([282]) ظاهره قبولُ قولِهِ وإنْ كانَ مُشركا.

وفي دلالةِ جُلّ ما ذكر لولا الكُلّ نظرٌ وتأمّلٌ، ولذا حُكيَ عن الذّخيرةِ وشرحِ الدرّوس: إنّي لم أقِفْ له على دليلٍ، وعن نهاية الأحكام الإشكال فيه([283])، بل رَبما يُشيُر إلى عَدَمِ حُجّيّةِ صحيحة العيص:

(عن رَجُل صَلّى في ثوبِ رَجُلٍ أيَّاماً ثُمَّ إنّ صاحِبَ الثَّوبِ أخبَرَهُ أنَّه لا يُصَلَّى فيهِ فقال: لا يُعيدُ شيئاً من صلاته)([284]) وإنْ كانَ في ذلك أيضاً إشكالٌ من جهاتٍ، فالأولى الاستدلالُ لأصلِ المسألة بما وَرَدَ في بيع الدُّهْنِ المتنجّس: (إنّهُ يُعْلِمُهُ حتَّى يستصبحَ به)([285])، بل وبقاعدة مَنْ مَلَكَ شيئاً مَلَكَ الإقرارَ به، مع أنَّ في دِلالتَهما نَظَرٌ؛ لاحتمالِ استنادِ القَبولِ في الأوّل إلى قاعدَةِ الإضرار، أو خصوصِ كونِ المخبر بائعاً، ولذا يقبل أخباره في وزنِ المبيع وكيله، والثاني فهو أخَصُّ من المدَّعى.

ولا تَثْبُتُ بالظنّ المطلق على الأقوى لمفهومِ مَا دَلَّ على اعتبارِ العِلْمِ في قطع الطهارة بعد ثبوتها، بل لمجرَّدِ الاستصحابِ، وعَدَمِ دليلٍ على حُجّيّةِ الظنّ، بل والدّليل على عَدَمه في صحيحة زرارة الطويلة بعد سؤاله: (فإنْ ظننتُ أنّه قَدْ أصَابَهُ ولم أتيقّنْ ذلك)([286]).

وهل يستَحَبُّ الاحتياط؟ الأقوى نَعَم، إنْ لم يَكُنْ معرّضاً للوسوسة؛ لقوله:(وإنْ يُغْسَلْ أحبُّ إليَّ)([287])؛ ولما وَرَدَ في الاجتنابِ عن سؤر الحائض المتَّهَمَة([288])، بل كُلّ مُتَّهَم.

المسألة السابعة: إذا أخبر ذو اليد بنجاسته وقامتِ البيّنةُ على الطّهارة قُدِّمَتْ البينّةُ...([289])

لأقوائيّةِ دَليلها على دليله، بل لعدمِ إطلاقٍ في دليلِ الأوّل، بل ولو تعارضا كانَ المرجعُ قاعِدةُ الطَّهَارَة، أو استصْحابُها.

ومنهُ ظَهَرَ الحُكْمُ في ما لو تعارَضَتِ البيّنتان فإنّه بعد تساقُطهما يرجع إلى قاعدة الطهارة.

نعم إنْ كانت بينّةُ الطّهارة مستندةً إلى أصلٍ لا تُعَارضُ بيّنَةُ النَّجاسَة، كما أنّه لو كانَتْ بيّنَةُ النَّجاسة مستندةً إلى استصحابها وكانتْ بيّنَةُ الطّهَارَةِ مستندةً إلى العلم لا تعارضها.

بل ليس لمدّعي النَّجاسة بالأصل أنْ يَشْهَدَ بها إذا شَهِدَتْ البيِّنَةُ على طَهَارَتِها بالعلم.

بل وكذا الكَلامُ بالنّسبَةِ إلى إخبارِ ذي اليَدِ والبيّنة، وإنَّ المقدَّمَ مِنْهُما ما لو استَنَدَ إلى العِلْمِ في قِبَالِ المستنِدِ إلى الأصل، فالتّعارُضُ بينَ الأمارَتينِ مُنْحَصِرٌ في ما لم يعلم مستندُ شيءٍ منهما، أو كانتا مستندتين إلى العلم، وإلاّ فتُقَدَّمُ المستندةُ إلى العِلْمِ على المستنِدَةِ إلى الأصل، ومع استنادِ كُلٍّ منهما إلى الأصل يُناط التقدُّمُ والتأخُّرُ بتقديم مَنْشَأ شهادَتِهِما.

المسألة الثامنة: إذا شَهِدَ اثنانِ بأحدِ الأمرينِ وشَهِدَ أربَعَةٌ بالآخر...([290])

فهل تعارض الإثنين بالإثنين ويبقى الآخران - كما في المتن - أو يُعَدّ الأربَعَةُ بيّنة واحدةً، فتتساقطا، أو يرجّحُ الأربعة بالأكثرية والأقوائية؛ وجوهٌ لا مجال للأول مع تساوي نسبة دليل حُجّية البيّنة للجميع، فلا وَجْهَ لجَعْلِ المعارَضَةِ بينَ اثنين، وجعل الآخر مرجعاً؛ لأنّ التعدُّدَ المعتبرَ في البيّنةِ على سبيل اللاَّبشرط، يعني: يعتبر فيها أنْ لا يكون أقل من اثنين.

سَلَّمنا تَعَدُّدَ البيّنةِ، لكنّ المتعدِّد منها يُعَارضُ الواحد فتتساقط، كما أنَّ الأكثرية لا تُوجِبُ الترّجيح في أدلّةِ الأحكام، التي هي مَوْرِدُ أخبار التراجيح، فكيف بما نحن فيه الذي لا نتعدى إليه!

والحاصل: إنَّ الترّجيحَ بشيءٍ كالاستدلالِ به مُحتَاجٌ إلى دليلٍ، فكُلُّ ما ثَبَتَ مُرَجّحيّته نأخذ به وإلاّ فلا.

وبعبارةٍ أخرى: الترجيحُ مُطلقاً على خلافِ القاعدة، فيُقتَصَرُ فيه على مقدِارِ دلالَةِ الدّليل.

ولا يُنافي ما ذَكَرْنَاهُ في مَحَلِّهِ مِنْ أنَّ الأقوى التعدّي إلى المرجّحات غير المنصوصة؛ لأنَّ ذلك أيضاً من جهة ما استفدناه من أدلّةِ التراجيح، ولم نستفد التعدّي من أدلّة الأحكام إلى غيرها.

المسألة التاسعة([291]): الكرّية تثبتُ بالعلم.

وهو واضح، والبيّنة؛ لما عرفتَ من الاستقراء، وما يمكن الاستفادة منه من عموم حُجيّتها، وفي ثبوتها بقول صاحب اليد وجهٌ وإنْ كان لا يخلو من إشكالٍ؛ لما عَرَفْتَ من قُصورِ دليلهِ؛ لعدم عمومٍ فيه.

إلاّ أنْ يُجْعَلَ الدّليلُ فيه مَا ذَكَرْنَا مِنْ قاعِدَةِ: (مَنْ مَلَكَ شيئاً مَلَك الإقرارَ به)، وفيه أيضاً إشكالٌ.

أو يُستَفَادُ من حُجّيّةِ أخبارِ البائعِ بمقدارِ المبيع.

أو يُدَّعَى الاستقراء فيه أيضا.

والإشكال يتأتّى في إخبار العدل الواحد أيضاً؛ نظراً إلى ما عَرَفْتَ من إطلاقِ دليلِ حُجّيّة خبر الواحد وظهورِ دليلِ الشّهادة في التعدّد.

المسألة العاشرة: يَحْرم شربُ الماءِ النَّجس إلا في الضَّرورة...([292])

للإجماعِ وتَظَافُرِ الأخبارِ، بل ودلالة...([293]).

ويجوز سقيه للحَيوانات؛ للأصل؛ واستمرارِ سيرةِ المسلمين.

وكذا يجوزُ سَقيُهُ للأطفال غير المميّزة والمميّزة؛ لما مَرَّ من الأصلِ وعَدَمِ القاطع لعدمِ كونِهِ من الإعانة على الاثم؛ إذ لا نَهْيَ بالنّسبة إليه، ولم يَثْبُتُ بالنّسبةِ إلى غير المكلّفين فيه مفسدة، حتَّى يُقالَ: إنّه من الإيقاع في المفسدة، وهو قبيحٌ.

مُضافاً إلى المانعِ من أصلِ القضيّة إلاّ في الجُمْلَة.

ويجوزُ بيعُهُ؛ لجوازِ الانتفاعِ به، فهو مَالٌ مَبَاحٌ ولم يُعْلَمْ كونُهُ مِصْداقاً للوجوه النَّجسة في روايةِ تحف العقول.

مضافاً إلى عَدَمِ ثَبوتِ المنعِ فيها أيضاً إلاّ من جِهَةِ عَدَمِ المنفعة المحلّلة.

نعم يُعْتَبَرُ الإعلامُ للمشتري، كما وَرَدَ في بَيعِ الدُّهنِ المتنجّس؛ بناءً على عَدَمِ اختصاصِ وجوب الإعلام بالدُّهن، ولو بملاحظة تعليله بقوله: (حتى يستصبح)، فالحُكْمُ وإنْ كانَ تَعَبّديَاً مَحْضَاً لكنّهُ لعمومِ عِلّتِهِ يَتَعَدَّى إلى مَنْع كُلِّ نَجِسٍ.

إلا أنْ يُقال: إنَّ ذلكَ في البيعِ مِنْ جَهَةِ عَدَمِ المنَفَعَةِ المحلّلة له، سوى الاستصباح، فَوَجَبَ الإعلامُ لئلاّ ينتفعَ المشتري به المنافع المحرّمة، فلا يُقَاسُ به الماءُ الذي له مَنافِعُ محلَّلَةٌ، لكنّه مدفوعٌ بأنَّ مورِدَ المنافِعِ المحلَّلةِ في الماء يُوجِبُ كونَ غايةِ الإعلام فيه أعمّ لا جوازُ تَرْكِ الإعلام، هذا.

مُضافاً إلى احتمالِ كونِ وُجوبِ الإعلام احترازاً من:

وقوعِ المشتري في الحرام الواقعي، المشتملِ على المفسدة الملزمة، فإنه حرامٌ عقلاً وإنْ كان فيه تأمُّل.

أو من جهةِ قِلّةِ مَنْفَعَةِ المبيعِ الموجِبَةِ لقلّةِ ماليّتِهِ، فعدَمُ الإعلامِ غِشٌّ مِنَ البائع.

وفيه أيضاً: نظرٌ ظاهر؛ إذْ ليسَ ذلكَ من الغشّ المحرّم للبيع، وسيجيء الكلامُ إنْ شاء الله.

 

فصلٌ

الماء المستعمل في الوضوء

قوله: طاهرٌ مُطَهِّرٌ من الحَدَثِ والخَبَث...

بلا إشكالٍ عندنا؛ للأصل؛ استصحاباً وإطلاقاً وقاعدةً في الجملة.

وأمّا المستعمل في الحَدَث الأكبر فمَعَ طهارَةِ البَدَنْ لا إشكالَ في طَهَارتِهِ؛ للأصل قاعدةً وعُموماً واستصحاباً، ورفعُهُ للخَبَث؛ للإطلاق والاستصحاب وعَدَمِ المخصِّص في شيءٍ.

والأقوى جوازُ استعماله في رفع الحَدَث أيضاً؛ لعَدَمِ ثُبوتِ ما يُقيِّدُ الإطلاقاتِ، أو يُخَصِّصُ العمومات، أو يُخْرِجُ عن الأصل، سِوى المنقولِ عن ابن سنان من قوله: (لا بأس بالوضوء بالماء المستعمل، فقال: الماء الذي يغسل به الثوب أو يغتسل به الرّجُلُ من الجنابة لا يجوز أنْ يَتَوَضَّأ منه وأشباهه، وأمّا الذي يتوضّأ الرَّجُلُ به فيغسل به وجهه ويده في شيءٍ نظيفٍ فلا بأسَ ان يأخُذَهُ غَيْرَهُ ويتوضَّأ به)([294]).

ولا دلالةَ فيه على المنع؛ لاحتمال كونِ المنع من جِهَةِ وُجودِ النَّجَاسَةِ على بَدَنِ الجُنُب، كمَا كانَ مُتَعَارَفاً سَابقاً حيثُ كانَ بناؤهُمْ على إزالة النجاسة عن أبدانِهمْ حينَ الاغتسالِ، كما تشْهَدُ بهِ الأخْبَارُ، فلا إطلاقَ يُقْطَعُ بهِ الأصول والعُمومات.

مُضافاً إلى قوله: (لا يتوضأ منه وأشباهه) من جهةِ إرجاعِ الضّميرِ المجرورِ إلى الماءِ يُشْعِرُ بحَمْلِ الماءِ المزبورِ بكلا قِسْمَيهِ قِسماً واحداً ولا يكونُ ذلكَ إلاّ بأنْ يكونَ المانعُ مانعاً واحداً، مع أنَّ قوله: (وأشباهه) يُرْشِدُ إلى ظُهِورِ المانع عِندَ المخاطب حتى جَعَلَ الإمام غَيْرَهُ مما([295]) كانَ مثله مُتّحِداً مَعَهُ في الحكم، ولا يمكن ذلك إلاّ أنْ يكونَ المانعُ النَّجَاسةُ؛ إذْ هُوَ الذي كان مَعْروفاً عند الرّاوي، وكانَ يمكِنُ الحُكْمُ عليهِ بإلحاقِ ما يَشْهَدُ به.

مُضافاً إلى جملةٍ من الأخبارِ التي يَظْهَرُ منها كَرَاهَةُ الاغتسالِ بماءٍ اغتَسَل فيه الجُنُب.

نعم الأحوطُ مع وجودِ غيره التجنّب عنه؛ لما مَرَّ من روايةِ عبد الله بن سنان، والفتوى به من بعض الأساطين([296])، وتأيّده بما دَلَّ على المنعِ من الاغتسال بغُسَالَةِ الحمَّام مُعَلَّلاً بأنّه: يسيلُ إليه ما اغْتَسَلَ بهِ الجُنُبُ ووَلَدُ الزّنا والنّاصب([297]).

وأمّا المستعمَلُ في الاستنجاءِ ولو من البولِ كما هو المصرَّحُ به في كلامِ جمعٍ، بل في طهارة شيخنا الأكبر:

أنّه ظاهرُ كلِّ من أطلق الاستنجاء بناءً على شمول إطلاقه لمخرَجِ البولِ بشهادةِ جَمَاعَة، وعليه يمكن الاستدلالُ بإطلاقاتِ الاستنجاء، وإنْ كان الإنصافُ أنَّ استعمالَ الاستنجاء في غسل مخرج الغائط في مقابل مخرج البول في الكثرة بحيث يمنع عن الاستدلال بإطلاقاته([298]).

نعم يمكنُ التمسُّكُ بترك الاستفصال في رواية محمّد بن نعمان: (استنجي ثم يقع ثوبي فيه، قال: لا بأس)([299])، ورواية الأحول: (أخرجُ من الخلاء فأستنجي بالماء فيقعُ ثوبي في الماء الذي استنجيت به، قال: لا بأس)([300])، فإنَّ غَلَبَةَ غَسْل المَخَرجيَن في مَحَلٍّ واحِدٍ بضميمَةِ ترك استفصالِ الإمام  عليه السلام  رُبَّما يُفيدُ الوثوقَ بالعُموم.

فهو بإطلاقه مع الشروطِ الآتية طاهرٌ؛ لما عَرَفْتَ من الرّوايتين المعتضدتين بدعوى بعضِهِمُ([301]) الإجماعَ عليه تارةً وعَدَمِ الخلاف أخرى، وعن بَعْضِهمْ أنَّهُ معفوٌ عنه([302]).

ومنشأ الخلاف اختلافُ الاستفادة من الأخبار:

فبينَ مَنْ يدَّعي أنّه ليس فيها إلاّ نفيُ البأس وهو لا يُنافي النّجاسة، فيَجْمَعُ بينها وبينَ ما دَلَّ على انفعالِ القليل بالنّجاسة بالالتزام، مع كونِها مَعْفُوّاً عنها، فلا يَنْجُسُ ملاقيه.

وبينَ قائلٍ بأنَّ المستفادَ عُرْفاً من نفي البأس خُصوصاً مع أنَّ الغالبَ في الأخبارِ بَيَانُ النَّجَاسَةِ والطَّهَارَةِ بالأمر بالغَسْل أو بغَسْل الثَّوبِ فيُخَصَّصُ بها قاعِدَةُ انفعالِ القليل.

ورُبَّما يُدْفَعُ ذلكَ: بأنَّ استظهارَ الطّهَارَةِ من نفي البأس ليس إلا مِنْ أجلِ ارتِكازِ سِرَايَةِ النَّجَاسة من النَّجِسِ والمتنجِّس إلى ملاقيها، فإذا حَكَم الإمام بعَدَمِ البأسِ استظهرنا منه الطَّهارة، والمفروضُ سُقوطُ هذه القاعدة في المقام؛ للعلمِ بعَدَمِ سرايةِ النّجاسة إلى الملاقي هنا وإنْ تردَّدَ الأمرُ بين عدمِ سِرايَتها من المحلّ إلى الماء، أو من الماء إلى ملاقيه، فيبقى دليلُ الانفعالِ ونفيِ البأسِ بحالهِمِا من عَدَمِ الدّلالَةِ على الطَّهارَة.

قلتُ: سَلَّمنا دورانَ الأمرِ بينِ رَفْعِ اليدِ عن عمومِ قاعدة انفعال الماء القليل وقاعدة سراية النجاسة من المتنجس، وإنَّ مع الدّوران يتعيَّن رَفْعُ اليدِ عن الثّاني؛ لِعَدَمِ عُمومٍ لفظي فيه، حتَّى يَلْزَم خُروجُ فَرْدٍ منه تخصيصاً فيه، إلاّ أنَّ المتعيّن في المقام الأول، يعني: رَفْعَ اليدِ عن عموم انفعال الماء القليل؛ لخروجِ القليلِ الوارد المؤثّر في الطهارة عن هذا العموم عُرفا.

بمعنى: أنَّ العُرْفَ إذا سَمِعَ أنَّ الماء الفلاني يُطَهِّرُ المحلّ لا يَفْهَمُ تَنَجُّسَهُ به كما سيأتي توضيحُه إنْ شاء الله في الغُسالة، وحينئذٍ إذا دَارَ الأمرُ بين تخصيص دليلِ الانفعال بهذا الفرد الذي لا يَفْهَمُ العرفُ شُمُولَهُ له، وبينَ رَفْعِ اليَد عَنْ قاعِدَةِ سِرايَةِ النَّجَاسَةِ من المتنجّس، التي هي أمرٌ ارتكازيٌ عندهم، كان المتعيّنُ الأول.

مضافاً إلى ما عَرَفْتَ مِنْ دَعْوَى الإجماع تارة وعدم الخلاف أُخرى.

وعلى كُلِّ حالٍ فالأمرُ عندنا سَهْلٌ بَعْدَ بنائنا على طَهَارَةِ مُطْلَقِ الغُسالَةِ المطهّرةِ للمحَلّ المفروضِ أنَّ الغَسْلَةَ الواحِدَةَ المنقّيَةِ للمحلّ في المقامِ مُطهِّرَةٌ له، فيكونُ طاهراً، بل سيجيء إنْ شاءَ الله أنَّ المؤثِّرَةَ في تطهير المحلّ يمكنُ القولُ بطهارتها ولو لم يُعْقَلْ طهارَتُهُ.

وعلى الطّهَارَةِ دُونَ العَفْو يَرْفَعُ الخَبَثَ أيضاً، ولكنْ لا يجوزُ استعمالُهُ في رفعِ الحَدَث ولا في الوضوءِ والغسل، نصّاً وفتوى، ففي روايةِ ابن سِنان السّابقة: (الماءُ الذي يُغْسَلُ بهِ الثّوبُ أو يُغْسَلُ بهِ من الجَنَابَة لا يَتَوَضأ منه وأشباهه).

وهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بالوضوءِ والغسل الرّافعين أو الواجبين أو يَعَمُّهما والمندوبَين؟ الأظهْرُ الثّاني؛ لظهورِ اشتراكِ مندوبِ كُلِّ عبادَةٍ مع واجبها في الشرائط والأجزاء عُرفاً، حيثُ أنّه إذا أمَرَ المولى بفِعْلٍ وبَيَّنَ لهُ شرائطَ وأجزاء وكيفيّات، ثُمَّ نَدَبَ وسَكَتَ عن الشَّرائطِ والأجزاء، يَفْهَمُ العُرْفُ أنَّ المأمور به بالأمر النّدبي مُتّحِدٌ مع الوجوبي في كُلِّ ما له شَرْطٌ وجُزْءٌ وكيفيّة، إلاّ أنْ يُصَرَّحَ بالخلاف.

وأمّا المستعمل في رَفْعِ الخَبَثِ غير الاستنجاء فلا يَجوزُ استعمالُهُ في الوضوءِ والغسل، وفي طهارَتِهِ ونَجَاسَتِهِ خِلافٌ، والأقوى أنَّ ماءَ الغَسْلَةِ المزيلة للعين نجسٌ، وفي الغسلة غير المزيلة الأحوط الاجتناب.

أمّا الغَسلة المزيلة للعين غير المؤثّرة في طَهَارَةِ المحلّ فلا إشكالَ في نجاسته، بل لعلّه خارجٌ عن مَحلِّ النزاع في نجاسَةِ الغُسَالة وطهارتها.

نعم المتيقّن من ذلك خصوصُ المنفصِلِ قَبْلَ زَوَالِ العَيْن، وأمّا المنفصلُ معه ولو كانَ مُلاقياً للعين فلا وَجْهَ لخروجِهِ من محلّ النزاع، كيفَ؟ وهو عندَ جمعٍ من المؤثّر في التّطهير، ولذا يجعلونها من الغسلات.

وكيف كان فَمُرَادُهُ من الغَسْلَةِ المزيلَةِ للعين ليس المنفَصِل عنهُ قَبْلَ زوالِهِ، بل مَعَهُ، والذي هو خارجٌ عن مَحَلِّ الكلامِ هو المنفصِلُ قبله.

ويدلٌّ على نَجَاسَتِهِ مُضافاً إلى الإجماعِ المنقولِ([303]) عن التّحرير والمنتهى على نجاسةِ ماءِ الغسل إذا كان على بَدَنِ المغتسل نجاسةِ إطلاقُ الصِّحاح، فإنّها تدلُّ على نجاسة القليل مطلقاً، وَرَدَ على النَّجاسة أو وردتْ عليه، أثَّرَ في طهارة المحلّ أو لم يؤثّر، كما أنَّ منطوقَها دالٌّ على عدم انفعال الكرِّ بالملاقاة كذلك.

وجُمْلَةٌ من الأخبارِ الخاصَّة:

المرويّ عن العَيْصِ بن القاسم (قال: سألتُهُ عن رجلٍ أصابتْهُ قطرةٌ من طَشْتٍ فيه وضوءٌ، فقال: إنْ كانَ من بولٍ أو قَذَرٍ فيغسِلُ ثوبَهَ، وإنْ كانَ من وضوءٍ للصّلاةِ فلا بأس)([304]).

وموثَّقَة عَمَّار الوارِدة في الإناء والكُوزِ القَذِر: (كيف يغسل وكم مرة يغسل قال: يغسل ثلاث مرات يصبّ فيه الماء فيتحرك فيه ثمّ يفرغ منه ثمّ يَصُبّ فيه ماء آخر ثُمّ يتحرّكُ ثمّ يفرّغ ثمّ يَصُبُّ فيه ماء ويتحرَّك ثُمَّ يفرّغ منه وقد طهر)([305]).

دلَّ على وُجوبِ إفراغِ المياهِ الثلاثة، ولو كانَتْ الغُسَالَةُ طاهرة لم يجب الإفراغ، خصوصاُ في الثلاثة، غايةُ الأمر وجوبُ صَبُّ ماءٍ آخر غير المياه السّابقة، على القولِ بأنَّ الغسالة على تقدير طَهَارَتِها غيرُ مُزيلَةٍ للخَبَث([306]).

ورِوَايَة عَبْدِ اللهِ بنِ سِنان عن التّوضّي بماءٍ يُغْسَلْ بهِ الثّوب أو يُغْتَسَلْ بهِ من الجنابة، بناءً على إرادَةِ مُطْلَقِ التّنظيفِ من التّوَضّي وخُصوصِ الثّوبِ النَّجِسِ من قوله: (يغسل منه الثوب)، وفرض نجاسة بدن المغتسل في قوله: (أو يغتسل به من الجنابة)([307]).

وأمّا الغَسْلَةُ الغير المزيلة فهي طاهرة؛ لأنَّ إجمَاعَيْ التحرير والمنتهى على نجاسة ماء الغسل بخصوصِ وُجودِ النّجَاسَةِ على بَدَنِ المغتَسِل فلا يشملُ صورةَ خُلوّهِ عن عينها ولو كان مُتَنَجّسا.

بل يُمكِنْ خُروجُهُ عن مَوْرِدِ رواية العيص؛ لأنّ المجتمع في الطشت مجموعُ الغسالة التي منها المستعمل عينها في إزالةِ العين، فلا شمول لها لموردٍ لَمْ يَكُنْ الماءُ المستَعْمَلُ إلاّ في رَفْعِ أثَرِ النَّجَاسَةِ بعد زوالها.

وموثقة عمار ورواية عبد الله بن سنان لا دلالةَ فيهما على النّجاسة بوجهٍ؛ لأنَّ الأمْرَ بتفريغِ الكُوزِ والإناء ليسَ أمْراً شَرْعيّاً، بل هو جَرْيٌ على طِبْقِ العَادَةِ، وإنَّ ما يُغْسَلُ به الإناء يُصَبّ؛ لأنّهُ يستَقْذَرُ منه.

مُضافاً إلى أنَّ إبقاءَهُ في الأواني لَغْوٌ مَحْضٌ، بناءً على عَدَمِ جَوَازِ رَفْعِ الخبث به، بل وبناءً على جوازِهِ فهو مُجَرَّدُ رُخْصَة، وجواز ولا ينافيه الصبّ والغَسْلْ بماءٍ آخر، كما هو مجرى العادة في القذارات العرفية؛ تحفُّظاً على النّظافَةِ المطلوبة، فيُمْكِنُ أنْ يكونَ الأمرُ بالإفراغِ بهذه الملاحظة.

وأمّا روايةُ عَبْدِ اللهِ بن سِنان فلا دَليلَ على إرادَةِ مُطْلَقِ التّنظيف من التوضّي، فلم يَبْقَ إلاّ إطلاقاتُ أدلّةِ انفعال القليل، ودلالَتُها مَبْنيّةٌ على سَوْقِها مَسَاقَ بَيَانِ المفهومِ أوّلاً، وشُمولِ الموصولِ للمتنجّس ثانياً، وكونها مسوقة لبيانِ كيفيّة التّنجيس([308])عليه ثالثا.

ولو سَلّمنا تبيُّنَ كيفيّتها عُرفاً فيتوقّفُ أيضاً على كَوْنِها مَسُوقَةً لمقامِ البيان حتَّى يُستظهر منها الحوالة على ما عندَ العُرْفِ مَعَ إمكانِ المَنْعِ عَنْ تبيُّنِهِ عُرْفا.

هذا كلّه مضافاً إلى أنَّ المرتَكَزَ في فَهْمِ العُرْفِ وإنْ كانَ انتقالُ القَذَارَةِ من المحلِّ إلى الماءِ في القَذَارَاتِ العُرْفيّةِ، وبنائهم على قياسِ النَّجَاسَاتِ الشَّرْعيّة بها، إلاّ أنّه بعد صَرْفِهِمْ عن هذا القياس، وإعلانِ الشَّرْعِ بأنَّ النَّجَاسَاتِ الشَّرْعيّة تضعفُ بهذه الانتقالات، بل يكونُ الماءُ القليلُ الملاقي للنّجس أو المتنجّس تمامه في النّجاسَةِ والقذارة مثل الملاقَى (بالفتح)، من غير أنْ يَضْعُفَ منهُ شَيءٌ يَرَوْنَ التَّنافي بين تأثير الملاقاة في الطّهارة وتأثيرِهِ من الملاقاة بالنّجاسة، فإذا عَلِموا واطَّلَعوا على أنَّ المَحَلَّ بها يَطْهُرُ أنكروا نجاسَتَهُ بها، وعلى ذلك فلا يفهمون من أدلّةِ الانفعال بنجاسة الماء بالملاقاة المؤثّرة في التّطهير.

وإنْ شِئتَ قلتَ: إنَّ عندنا قاعدتين مفروضَتي الكلّية إلاّ ممّا عُلِمَ خُرُوجُه:

إحداهما: تَنَجُّسُ ملاقي النجس.

ثانيهما: طَهَارَةُ المطهّر، يعني: أنَّ المتنجّس لا يؤثّرُ في طَهَارَةِ ما لا قَاهُ بأنْ يَرْفَعَهُ.

وإذا دَارَ الأمرُ بَيْنَ رَفْعِ اليدِ عن أحدهما، تُقَدَّمُ الأولى، وذلك لأنَّ قاعدة تنجيس المتنجّس في الموردِ غير محفوظةٍ على كُلِّ تقديرٍ قُلنا بطهارةِ الغُسالةِ أو نجاسته.

أمّا على الطهارة فواضح.

وأمّا على النّجاسة؛ فلأنّ الماء المتنجس لم يؤثّر في نجاسَةِ المحلّ، وإلاّ لما طَهَّرَهُ فيَجِبُ إبقاءُ القاعدة الثانية على حالها، والالتزامُ بعَدَمِ تَنَجُّسِ الماءِ بملاقَاةِ المحلّ([309]).

إنْ قُلْتَ: قاعِدَةُ طَهَارَةِ المطهّر أيضاً منشؤها تنجُّسُ المتنجّس؛ إذ لا دليلَ عليها سواه، ففي الحقيقةِ التصرُّفُ في هذه القاعدة - يعني: قاعدة تنجيس المتنجس - لازمٌ لا غير، إلاّ أنّه دائرٌ بينَ أنْ يكونَ بإخراجِ تأثيرِ الماءِ عن المحلّ بالملاقاة، أو تأثّر المحلّ عن الماء ثانياً، وتأثيره فيه بما يضادّه.

إنْ قلتَ: نمنعُ من اقتضاء تنجُّسِ الغُسَالَةِ تَنَجُسَ محلّها؛ لأنّها مادامت في المحلّ يكونُ المحلُّ متنجّساً غيرُ قابلٍ للنّجاسة، وبعد الانفصال وإنْ كانَ يَطْهُرُ المحلّ لكنّه لا ملاقاة.

قلت: نعم مُرادُنا من تأثير المحلّ بالماء أيضاً ذلك، يعني: مع أنّ الماء المتنجّس يقتضي تَنَجُّسَ ما لاقاه وإنمّا لا يَتَنَجَّسُ بهِ في المورد؛ لِعَدَمِ قابليّتِهِ للنّجاسة؛ لسبقه بها لا يعقل أنْ يُؤثّر فيه ما يضادّ مقتضاه([310]).

قلتُ: سَلّمْنا، لكن الأوّل مع ذلك التصرّف الأوّل؛ لأنّه أقربُ من الالتزام بتأثير المتنجّس في ما يُضَادّ مقتضاه إذا دَارَ الأمرُ بيْنَهُ وبَينَ سَلْبِ تأثير المحلّ في ما يقتضيه وهو تنجُّسُ الماء، هذا.

مضافاً إلى ما أشير إليه في أخبار المطر والاستنجاء من تعليل اعتصامهما (بأنّ الماء أكثر من المقدار)، المراد منه بحسب الظاهر عَدَم ظُهورِ أثَرِ النّجاسَةِ فيهما بتغيّره بأوصافها، وأمْرُ النبيّ صل الله عليه وال وسلم  بصَبِّ الذَّنوب على بولِ الأعرابي([311]) في المسجد مع أنّه صل الله عليه وال وسلم  لا يأمر بتكثير نجاسته، وقوله: (اغسله في المركن مرتين)([312])، مع عَدَمِ تَعَرُّضِهِ لتطهير المركن بعد الأولى أو الثانية، والالتزامُ بطهارَتِهِ تَبَعَاً ليسَ بأولى من الالتزامِ بعدَم نَجَاسَةِ الماء.

ودعوى أنّه يُغْسَلُ مع الثبوتِ مرّتان.

مدفوعةٌ بتَرْكِ الاستفصال، مع عدم جَرَيانِ المادّة؛ لوصول الماء في الثانية بكُلِّ مَوْرِدٍ وَصَلَ إليه في الأولى.

ومن جميع ما ذكرنا ظَهَرَ أنّ الأقوى طَهارَةُ الغُسَالَةِ له المؤثّرة في تطهير المحلّ كانَ في المحلِّ عَيْنٌ أمْ لَمْ يَكُنْ.

قوله:

المسألة الأولى: لا إشكالَ في القطراتِ التي تَقَعُ في الإناءِ عندَ الغسل ولو قُلْنا بعَدَمِ جَوَازِ استعمالِ غُسَالَةِ الحَدَثِ الأكبر.

لأنّها بالوقوع تستهلك في الماء، ولا يمنع عن استعمال ما وَقَعَتْ فيه، بل وكذا لا يَمْنَعُ وإنْ كانَ أزيد من القَطَرَاتِ إنْ لم يَمْتَزِجْ في الماءِ فإنّه يغتسل من الجانب الأخر، بل ولو مزجت ولم تستهلك لا يمنع أيضاً إذا علم وصولَ الأجزاء الغير المستعملة بالبدن، نعم إنْ لم يعلم بذلك لم يعلم بحصول الطهارة.

المسألة الثانية: يُشترطُ في طهارة ماء الاستنجاء أمورٌ:

الأوّل: عَدَمُ تغيُّّرهِ في أحدِ الأوصافِ الثلاثة.

لعدَمِ ما دَلَّ على تَنَجُّسِ الماء بالتغيُّرِ بضَميمةِ التّشكيك في إطلاق أخبار الاستنجاء له، بل ولو سَلَّمنا فيها الإطلاق فلا إشكال في أقوائية دلالةَ تلك، سَلَّمنا المعارَضَةَ والتسَاقُطَ لكن نقول المرجعُ حينئذٍ عمومُ أدلّةِ الانفعال، فإنَّها تَشْمَلُ المتغيّر ولم يَخْرُجْ عنها إلاّ ما لم يتغيَّر من الاستنجاءِ، هذا، مضافاً إلى ظُهورِ الإجماع.

الثاني: عَدَمُ وُصولِ نجاسَةٍ إليه من الخارج؛

لعدم عَدِّهِ حِينئذٍ من الاستنجاءِ إنْ كانَتْ النّجَاسَةُ خارَجةً عن محلّ النَّجو وانْ كانَ دَاخِلٌ في النّجو، فإنْ خَرَجَتْ مع العَذَرَة في المحلّ ولاقتِ المحلَّ فالماءُ وإنْ عُدَّ ماءُ استنجاءٍ لكنَّ الإطلاقَ مُنْصَرِفٌ عن مثلِهِ؛ لأنّ الظّاهرَ منها ماء الاستنجاء من حيثُ كونِهِ ماء استنجاء، فلا يتعدَّى الحكمُ إلى موردٍ اقترنت مع نجاسة الاستنجاء نجاسة أخرى، لا أقل من انصرافِ الأخبارِ عن مثله.

الثالث: عَدَمُ التعدّي الفاحش على وَجْهٍ لا يَصْدُقُ معه الاستنجاء.

فلا يَحْسُنُ عَدَّهُ من الشّروطِ مَعَ كونِهِ مما يتحقَّقُ بهِ موضوعُ الحكم، وعلى هذا فيُراد من التعدّي المقدار الذي يَخْرج الماء عَنْ كونِهِ ماء استنجاء، وهو الفاحِشُ الموجِبُ لعدم الصّدق، كأنْ تكون النَّجاسَة منفصلة، بأنْ يتلوّث بها مَحَلّ آخر، فلا يضرّ التعدّي عن الموضع المتعارف المعتاد للعامّة، كما صَرَّحَ بهذا التعميم بَعْضُهُمْ، ولكن لنا في هذا التعميم إشكالٌ لاحتمالِ انصرافِ الأخبار إلى الاستنجاء على الوجهِ المتعارَفِ للعامّة، فلو تَعَدَّى عن المحلِّ الملوّثِ بالنَّجَاسَةِ غالباً للنَّوعِ أشكل الحكم بطهارته.

الرابع: أنْ لا يَخْرُجُ مع البَولِ أو الغائط نَجَاسَة أخرى مثل الدّم، على وجهٍ يلاقي المحلّ أو يبقى فيه مَعَهُ فيُلاقي ماءَ الاستنجاء، وإلاّ فليس لمجرّدِ خُروجِهِ مانِعا.

وعلى أيّ حالٍ فالدَّليلُ على هذا الشّرط ما ذكرناهُ في الشّرط الثاني، بناءً على عمومه لمثل هذه النجاسة.

وأمّا قوله: (نعم الدّمُ الذي يُعَدُّ جزءاً من البولِ أو الغائط لا بأس به) فلا نَعْلَمُ وَجْهَهُ؛ إذ لا وَجْهَ لِعَدَمِ البأسِ بما يَخْرُجُ من الدّمِ مع البولِ والغائط مَعْدُوداً من أجزائِهِ، ولَعَلَّ وَجْهُهُ أنَّ مُجَرَّدَ خروجَ الدّمِ وغيرِهِ مع العَذَرَة لا يُوجِبُ عَدَمَ عَدِّ الماءِ المغسولِ به المحلّ ماء الاستنجاءِ، وما دام كانَ من ماءِ الاستنجاء فلا وَجْهَ لِعَدَمِ طهَارَتِهِ.

نَعَمْ إنْ خَرَجَ مِنَ المحلّ الدّم المجرّد أو على وَجْهٍ كانَتْ العَذَرَةُ مُستَهْلَكَةً أو مخلوطة لا على نحوٍ يُعَدُّ الدَّمُ جُزْءٌ منه أو من البول خَرَجَ الماءُ حينئذٍ عن كونهِ ماءَ استنجاءٍ، لكن قد مَرَّ مِنَّا أنّه وإنْ صدق عليه مع ذلك ماء الاستنجاء إلاّ أنَّ المستفادَ من الأخبار ليس إلاّ الحُكْمُ الحيثيّ، فإذا اجتَمَعَ في ماء الاستنجاء جهتانِ لا يَتَعَدَّى إليه الحُكْمُ، مع أنَّ المنصرف من الإطلاقاتِ ليس إلاّ الأفرادُ المتعارَفة، والمتنجّسُ بالدّمِ الخارِجِ بأيِّ وَجْهٍ كانَ ليس منها.

الخامس: أنْ لا يكونَ فيه الأجزاءُ من الغائط بحيث يتميّز...؛ لأنّ عَدَمَ تنجُّسِهِ بالاستنجاء غيرُ تنجُّسِهِ بتلك الأجزاء بَعْدَ الانفصال، فمَتَى ما كان فيها أجزاء تَنَجَّسَ بها البتّة.

نعم إنْ كانت الأجزاءُ غير متميّزةٍ، بحيث قَلَّ أنْ يَخْلو ماءُ الاستنجاء عنها لم يَضُرّ بالطهارة؛ لعدَمِ الصَّارفِ للإطلاق، بل وحَمْلُ الأخبارِ على صُورة الخلوّ عن مثلِهِ حَمْلٌ لها على الفَرْدِ النّادر، ولا مانعَ من الحكم بنجاسَتِهِ إنْ اتّفَقَ بعد ذلك اجتماعُ الأجزاء وتميُّزُها في الماء.

نعم إذا كان معه دودٌ أو جزءٌ غيرُ منهَضِمٍ من الغذاء أو شيءٌ آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به.

يُحتَمَلُ أنْ يكونَ مُرادَهُ أنَّ وُجودَ ما ذكر في ماءِ الاستنجاء ليسَ كوجودِ أجزاءِ الغائط مُضِرّاً بطَهارَتِهِ، بل هُو طاهرٌ وإنْ كانَ فيهِ بَعْضُ ما زُبِرَ من الدّود وأشباهه، ولَعَلَّ وَجْهه أنّها تَطْهُرُ بالاستنجاء فلا يَنْجُسُ ماءُ الاستنجاء بها ثانيا.

ويُحْتَمَلُ أنْ يكونَ المراد أنَّ وُجودَها مع الغائط لا يَضُرُّ؛ لعدم خُروجِهِ عن صِدْقِ الاستنجاء المُشْتَمِلِ على مِثْلِها من الأفراد النّادرة، مع أنّها لو عُدّتْ من أجزاءِ النَّجَاسَةِ الخَارِجَةِ لا يَضُرُّ بطهارته.

المسألة الثالثة: لا يُشْتَرَطُ في طَهَارَةِ ماءِ الاستنجاءِ سَبْقُ الماءِ على اليد وإنْ كانَ أحوط.

لعدمِ دَخْلِهِ في حَقيقَةِ الاستنجاءِ عُرْفاً، ولا مبنيّاً عليهِ غالباً حتَّى يُدَّعى انصِرَافَهُ إلى مثلِهِ، ولا معدوداً لذلك من النّجاسة الخارجة.

نعم لمّا كانَ مَحَلاًّ لِوَسْوَسَةِ بَعْضٍ، بل مُحْتَمِلاً لانصرافِ الإطلاقِ عنه كانَ الأحوط سَبْقُ الماءِ على اليد([313]).

المسألة الرابعة: إذا سَبَقَ بيَدِهِ بقَصْدِ الاستنجاءِ ثمَّ أعْرَضَ، ثُمَّ عادَ
لا بأس...
([314])

إنْ لم يخرُجْ بذلك عن المستنجي وعن التنجُّسِ بالاستنجاء ولم يُعَدّ عُرْفاً من النّجاسَةِ الخارِجَةِ غير المرتَبِطَةِ بالاستنجاء، وإنْ لم يَثْبُتْ له حُكْمُ الاستنجاء.

المسألةُ الخامِسَةُ: لا فَرْقَ في ماءِ الاستنجاءِ بينَ الغَسْلة الأولى والثّانية...

حتّى في البولِ المحتاجِ إلى الغَسْلَتين للإطلاق؛ معتضداً بعَدَمِ جَرْي العَادَةِ على فِعْلِ كُلِّ غَسْلَةٍ في مَحَلّ، فالسّؤال يَشْمَلُ الغسلَتانِ والجوابُ يَعُمُّهما.

المسألةُ السّادسة: إذا خَرَجَ الغائطُ من غيرِ المخرَجِ الطبيعيّ فمَعَ الاعتياد كالطبيعيّ، ومع عَدَمِهِ حكمه حكم...([315])

غيرِ الاستنجاءِ فيُناطُ العفوُ مناطَ الاعتيادِ أو كونِهِ طبيعياً، هذا، ولكن لا دليلَ على هذا التّعميمِ سِوى الإطلاقِ وتَرْكِ الاستفصالِ مَعَ ما فيها من الإشكال؛ لكونِ الغَرَضِ من الأفراد النّادرة وإنْ كانَ الاستنجَاءُ بحَسَبِ الإطلاق يعمُّهما؛ لكنَّ الظّاهِرَ عَدَمُ نَقْلِ خِلافٍ في المسألة، فإنْ ثَبَتَ فهو، وإلاّ فالمسألة مَحَلُّ رَيْبٍ وتردُّد.

المسألَةُ السَّابعَة: إذا شُكَّ في ماءٍ أنَّهُ غُسَالَةُ الاستنجاء أو غُسَالَةُ سائرِ النَّجَاسَاتِ يُحْكَمُ عليهِ بالطَّهارة...([316])

لأصالَةِ الطَّهَارَةِ واستصحابها بعد الشكّ في تَنَجُّسِهِ بالملاقاة المعلومَةِ؛ لاحتمالِ كونِهِ على وَجْهٍ غيرِ مُؤثِّرٍ في تَنَجُّسِهِ.

ودعوى أنَّ مُقتضى الانفعالِ مَوجودٌ فيَحْتَاجُ الحكمُ بالطّهَارَةِ إلى إحرازِ سَبَبِ الاعتصام؛ لما ظَهَرَ من الصِّحَاحِ الواردة في الكُرِّ والقليل مِنْ أنَّ المُلاقَاةَ مُقتض للنّجاسة، إلاّ أنْ يكونَ هُناكَ أمرٌ وُجوديّ كالكُرّيّةِ والمطَريّة والنّبع وأسبابها تعصمه، فإذا شُكّ فيه فالأصلُ عَدَمُ تحقُّقه.

مدفوعةٌ بما مَرَّ، من أنَّ هذِهِ الصِّحاح مِنْ هذِهِ الجّهةِ مُتَعَارِضَةٌ مع المستَفَادِ من النبويّ: (خَلَقَ اللهُ الماءَ طَهوراً)، الحديثَ، الظاهرِ في أنَّ الماءَ بما هو يَقْتَضي العِصْمَةَ وعَدَمَ الانفعالِ إلاّ بالتغيير، إلا أنَّ الحديثَ فيهِ ما يُوجِبُ انفِعَالَهُ، وبَعْدَ التَّسَاقُطِ يُرْجَعُ إلى قاعِدَةِ الطَّهَارَة وعدمِ الاقتضاءِ للنَّجاسة، فيستصحب طهارَة الماء.

نعم الأحوطُ بالنّظر إلى ما قيل من ضَعْفِ النّبويّ المعارِضِ للصّحاح وذِهَابِ جَمْعٍ من الأساطين إلى ما اقتضته كانَ الأحوطُ الاجتناب.

المسألة الثامنة: اذا اغتَسَلَ في كُرٍّ- كخِزَانَةِ الحمَّام- أو استنجى
فيهِ لا يَصْدُقُ عليهِ غُسَالَةُ الحَدَثِ الأكبر، أو غُسَالَة الاستنجاءِ أو
الخبث.

لانصرافِ الأدلّةِ إلى القليلِ، بل رُبَّما ادُّعيَ الإجماعُ على اختصاصِ الحُكْمِ بالقليل، بل لا يُعَدّ عُرْفاً مثلُ الكثيرِ من الماء المستَعْمَلِ وإنْ كانَ ظاهرُ بَعْضِ الأخبارِ التّعميم، بل والظُّهور في الكثير، كقوله: (من اغتسل في الماء الذي يغتسل فيه..الخ)، فإنَّ الظاهرَ من الغسل فيه كونُهُ كثيراً، وإلاّ كانَ يغسل به أو منه، إلاّ أنّه لا خلافَ بينَهُمْ فيهِ ظاهر.

المسألة التاسعة: إذا شُكَّ في وُصولِ نَجَاسَةٍ من الخَارِجْ أو مَعَ الغائط يَبني على العدم([317]).

للاستصحابِ في الأوّل حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ نَجَاسَة، ولم يَكُنْ ملاقياً لها فالأصلُ بقاؤها - أي: الغسالة - على ما كانَ، بل والثاني لاستصحابِ عَدَمِ ملاقَاةِ المحلِّ لِشيءٍ من النَّجَاسة غير الغائط، ولكن قد يُشَكُّ في وُجودِ شيء من الدّمِ مثلاً معها في المحلّ ولو لم يكُنْ مُلاقياً للمَحَلِّ، فإنَّ نفسَ وجوده مع الغائط الباقي على المحلّ الذي يزال بالاستنجاء يُوجِبُ نجاسَتَهُ، ولا استصحاب؛ إذ لا حَالَةَ لها سابقة حتّى يستصحب؛ اذ يُحْتَمَلُ أنْ تكونَ خَارِجَة معها من المعدة، إلا أنْ يُستَصْحَب حينئذٍ عَدَمُ ملاقاةِ الماءِ لنجاسة غير الغائط الذي استنجى منها.

ثمّ إنْ فرضنا جريانَ الأصل الموضوعيّ على وجهٍ ينفع فهو، وإلا فيبتني المسألة على ما مَرَّ مراراً، من أنَّ الأصلَ في الماءِ الملاقي للنَّجَاسة الذي يُشَكُّ في وجودِ سَببِ الاعتصامِ مَعَهُ الطَّهارة أو النّجاسة.

إنْ قُلْتَ: مبنى المسألة هذه القاعدةُ دونَ الأصلِ، يعني: الاستصحاب؛ لأنَّ استصحابَ عَدَمِ النّجَاسَةِ مع الغائط أو عَدَمِ مُلاقَاةِ المحلّ لها، أو عَدَمِ مُلاقاة الماء لها لا يَنْفَعُ في عَدِّ الماءِ غُسالةَ الاستنجاء.

توضيحه: إنَّ خُروجَ الماءِ الملاقي للنّجاسة الخارجة عن الطّهارة بسبَبِ خُروجِهِ عن غُسَالَةِ الاستنجاءِ، وترتّب العنوانِ على مُلاقَاةِ النَّجاسَةِ الخارِجَةِ وعَدَمِهِ ليس من الشرع.

وبعبارةٍ ثالثة: الواجبُ إحرازُ أنَّ هذا الماء المشكوكِ غُسَالَةَ استنجاءٍ أو غيرها، وترتّبُ هذا العُنوانِ نَفْياً وإثباتاً على مُلاقاتِهِ لغير الغائط الخارج تَرَتّبٌ عاديٌ لا شرعي.

قلت: المناطُ في الطّهارَةِ والنَّجَاسَةِ مُلاقَاةُ الماءِ لخُصوصِ النَّجْوِ الخارجِ أو لغيره من النّجاسات، وعنوانُ غُسالَةِ الاستنجاء أيضاً في الأدلّة ليس إلا بهذه الملاحظة، وإلاّ فليسَ له موضوعية.

وبعبارة أخرى: ملاقاةُ الماءِ لمحلّ النّجو على وَجْهٍ يُؤَثِّرُ في طَهَارَتِهِ لا يُوجِبُ نَجَاسَتَهُ، وإذا لاقى شيئاً آخرَ مَعَهُ أو بَعْدَهُ أو قَبْلَهُ يَنْفَعِلُ، والمقصودُ من الأصلِ ليس إلاّ إثباتُ هذا المعنى.

المسألة العاشرة([318]):

قد مَرَّ في المسألةِ الثامنة أنّه إذا اغتسل في الكُرّ أو استنجى فيه لا يَصْدُقُ عليهِ غُسَالَةُ الاستنجاءِ أو الحَدَثْ، وحينئذٍ فيَجُوزُ استعمالُهُ على الأوّلِ في رَفْعِ الحَدَثِ والخَبَثْ وإنْ مَنَعْنا عن استعمال غُسالَةِ الاستنجاء في رَفْعِ الحَدَثِ، وكذا على الثاني يجوزُ استعمالُهُ في رَفْعِ الحَدَثِ ثانياً وإنْ مَنَعْنَا عَنْ رَفْعِ الحَدَثِ بما استَعمَلَ في رَفْعِ الحَدَثِ الأكبر، ومَدْرَكُ الحُكْمِ ليسَ غَيرُ الانصرافِ، وكونِ المتعارَفِ في السّابق غيرُهُ والاجماعات، لكنّكَ عَرَفْتَ أنَّ بَعْضَ الأخبارِ الظّاهِرَةِ في كَرَاهَةِ الاغتسالِ بما اغتسل فيه له ظهورٌ في الكثير.

المسألةُ الحادِيَة عَشَر([319]):

المتخلِّفُ في الثوبِ والإناءِ بَعْدَ الغَسْلِ اللاّزِمِ لا يُعَدُّ مِن الغُسَالَة عندَ المصنّف؛ لأنّ الماء ما لَمْ يَنْفَصِلْ لا يُعَدُّ غسالةً، كما في القُمَامَةِ والزّبالة والنَّجاسَة على أبعدِ الوجوه.

أو مِنْ جِهَةِ انصرافِ ماءِ الغُسَالَة أو الماءِ الذي غسل بهِ الثّوب عنه؛ لأنَّ المغسول به هو الذي ينفصلُ من المحلّ مع القذارة.

أو من جهةِ أنَّ بقاءه في المحلّ والحُكْمِ على المحلّ بالطّهارَةِ يُلازِمُ إلحاقَهُ به في الأحكام عُرْفاً.

ولكنْ للنّفسِ في كُلِّ ذلك شيءٌ فإذا عَصَرَ الثّوب شديداً، أو وَضَعَ الإناءَ على وَجهٍ اجتَمَعَتِ الرّطوبات والقطرات فَصارَتْ ماءً لَحِقَها الحُكْمُ، فلا يُسْتَعْمَلُ في الوُضوءِ والغسل، وإنّما لَمْ يَلْحَقْهُ الحُكْمُ قَبْلَ الاجتماع لِعَدَّهِ مَعْدُوماً.

نعم هو طاهرٌ وإنْ قُلْنَا بنَجَاسَةِ الغُسَالَةِ لكنّه لا يَنْفَعُ في رَفْعِ الحَدَثِ به إنْ قلنا بأنَّ الماءَ الذي يُسْتَعْمَلُ في رَفْعِ الخَبَثِ لا يُسْتَعْمَلُ في رَفْعِ الحَدَثِ؛ لأنَّ الموجودَ منه، إلاّ أنْ يُقالَ: إنَّ مَدْرَكَ الحُكْمٍ الإجماع، ولا إجماع في مَحَلَِّ الخلاف لو لم يَكُنْ على الخلاف.

وفيه: إنّ مَدْرَكَ الإجماعِ روايةَ ابنِ سِنان، وهو صادِقٌ عليه.

المسألة الثانية عشر([320]): تطهر اليد تبعاً بعد التطهير...

في الاستنجاءِ وغيرِهِ من الغَسَلات، وكذا غَيْرُ اليدِ من آلاتِ التّطهير من الظرف وغيره، على تردُّدٍ في اليدِ التي جَرَتْ السّيرةُ عليه وخَلَتْ النّصوص عن التعرُّضِ له، بخلافِ الظّروفِ التي يُغْسَلُ فيها الثّوبُ، فإنَّه لا سِيرَةَ على طهارتها جارية، ولم يستفد طهارَتُها من الأخبار.

المسألة الثالثة عشر([321]): لو أجرى الماءَ على المحلّ النّجِسِ زائداً على مقدارٍ يَكْفي في طهَارَتِهِ فالمقدارُ الزّائِدُ بَعْدَ حُصولِ الطَّهارَةِ طاهرٌ... عند المصنف.

بل لا إشكالَ بناءً على طَهَارَةِ الغُسَالَةِ، بل وكذا بناءً على نجاستها أيضاً؛ لأنَّ المقدارَ المحتاجَ إليه في التّطهير المعدودِ من الغُسَالَةِ قد انفصلَ عن المحلِّ، فمَا يَرِدُ بَعْدَهُ لا وَجْهَ لنجاسته مَعَ فَرْضِ تَعَقُّبِ المحلِّ بالطهارة بخروجه.

إلاّ أنْ يقال: إنْ المعتَبَرَ تحقُّقَ الغَسْلَةَ، والغسلة لا تتحقّق قبل قَطْعِ الماءِ الجاري، فكُلُّ ما يَجْري مادامَ لم ينقطع مَحْسُوبٌ من الغُسَالَةِ، فإنْ كانَتْ غُسَالَةُ الغسلة الثانية أو الأولى مَثَلاً نَجِسَةً كان تمامُ الجاري على المحلّ غُسالة فيُحْكَمْ عليهِ بالنَّجَاسَة، ولذا قال في المتن: إنَّ (مُراعَاةِ الاحتياطِ أولى)؛ لأنَّ مُقتضى القاعِدَةِ نَجَاسَةَ الماءِ القليل الملاقي للنّجِسِ خَرَجْنا عن ذلك بما دَلَّ الدَّليلُ عليهِ حَتّى بالنّسبة إلى تَعَقُّبِ المحلّ للطَّهَارة، وإلاّ فكيفَ يَطْهُرُ المحلُّ بالمتنجس، بل القاعدة تقتضى تأثيرَ المحلِّ عنهُ أزيدَ من سابقه؛ لأنَّ الملاقي للنَّجسِ شَرْعاً حُكْمُهُ حُكْمُ النّجس ولَيْسَتْ النَّجَاسَةُ في الشَّرعِ كالقذارات العُرْفيّة التي تَقلّ وتضمحِلّ بتَوارُدِ الغُسْلاتِ عليها.

وبالجملة الخارجُ عَنْ هذِهِ القاعِدَةِ ليس إلاّ ما قامَ الإجماعُ عليه، أو توقّف طهارَةُ المحلِّ عليه، وطهارةُ هذا المقدارِ الزّائدِ ليس عليه إجماعٌ، ولا تتوقّفُ طهارَةُ المحلّ عليه أيضاً، فهو باقٍ على مُقتَضَى القاعِدَةِ.

والأمرُ عِنْدَنا سَهْلٌ بَعْدَ أنْ بنينا على طَهَارَةِ الغُسَالة، نعم بناءً على نَجَاسَتِها فالأحْوَطُ لو لَمْ يَكُنْ الأقوى نَجَاسَتَهُ.

المسألة الرابعة عشر: غُسَالَةُ ما يَحتَاجُ إلى تَعَدُّدِ الغسل كالبول - مثلاً - إذا لاقَتْ شَيئاً لا يُعْتَبَرُ فيها التَعَدُّدُ...([322])

بناءً على كَونِ حُكْمِ الغُسَالَةِ بناءً على النَّجَاسَةِ كالمَحَلِّ قبل الغُسالة، لا كالمحلِّ قبل الغَسل مع احتمالِهِ فَيستصِحِبُ النَّجاسة إلى العلمِ بحُصولِ الطَّهارة، لكن مَنْ بَنَى على إطلاقاتِ الغسل، وأنَّ مُطْلَقَهُ كافٍ لِرَفْعِ النَّجَاسَةِ يَقْتَصِرُ في الخَارِجِ على المتيقّن، وهو المتنجّسُ بعينِ البول دُونَ غُسالته، فيرجع إلى الإطلاق، أمّا مَنْ مَنَعَ عن الإطلاق فلا مَجَالَ له إلاّ عن الاحتياط.

المسألة الخامسة عشر: غُسالة الغسلة الاحتياطية استحباباً يستحبُّ الاجتنابُ عنها؛ بناءً على نَجَاسَةِ الغُسَالَةِ في الاحتياطِ، فإنَّ حَالَ الغُسَالَةِ في الاحتياطِ تكونُ حالَ المحلِّ بلا إشكال.

 

فصلٌ

في الماء المشكوك

الماءُ المشكوك نجاسَتهُ طاهرٌ، اذا لم يَكُنْ مسبوقاً بالنَّجَاسة، سواء سُبِقَ بالطَّهارَة أو لا، يعلم له حالة سابقة أو توارد عليه الحالتان؛ لقاعدة الطهارة في ما لم يسلّم استصحابها، وإلاّ فيكون هو المعتبر لحكومته عليها، ولا يُقاس بقاعدتي الاشتغال والبراءة المقدّمتين على استصحابهما؛ لما قرّرناه في محلّه.

والمشكوكِ إطلاقُهُ لا يجرى عليه حُكْمُ المطلق، إلاّ مع سَبْقِ الإطلاق، أمّا الحكم في المستثنى فظاهرٌ؛ لعدم المانع من استصحاب الإطلاق، وأمّا في المستثنى منه فمَعَ سَبْقِ الإضافة لا إشكالَ فيه ولا كلام، ومَعَ عَدَمِ سَبْقِ شيءٍ من الحالين أو توارُدُهُما والشكّ في المتأخّر فلا أصلَ موضوعيّ فيرجع إلى الأصل في الآثار، وهو مع الإضافة، إلاّ في مسأَلَةِ مُلاقاتِهِ للنَّجاسة إذا كانَ كُرَّاً فإنَّ البناءَ على عَدَمِ إطلاقِهِ يقتضي الحكمَ بتنجُّسِهِ، وقد مَرَّ أنّه طاهرٌ لا ينفَعِلْ بملاقاتِهِ للنَّجَاسَةِ.

والمشكوكِ إباحَتُهُ محكومٌ بالإباحة إنْ لم يُعْلَمْ بكونِهِ مملوكاً لأحدٍ لقاعِدَةِ الحلّ والإباحة، ولا يمكنُ التمسُّكُ لحُرْمَتِهِ بما دَلَّ على عَدَمِ جَوَازِ التصرُّفِ في مالِ الغير؛ لعَدَمِ العِلْمِ بكونِهِ للغير، واستصحابُ عَدَمِ تملُّكِهِ له لا يؤثّرُ في عدمِ الإباحة إلاّ أنْ يَثْبُتُ بهِ ملك الغير له ولا طريقَ إلى إثباتِهِ مع احتمالِ عَدَمِ ملكِ أحدٍ عليه، مضافاً إلى كونِهِ من الأصولِ المثبتة.

وإنْ عَلِمَ بمملوكيّته لأحدٍ فإنْ عَلِمَ سَبْقَ مِلْكِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ أو كانَ على
 ذلك أمَارَة - كما لو كانَ في يدِ غيرِهِ - فلا إشكالَ في وجوبِ مُعامَلَةِ ملِكِ الغير عليه، وإلا فظاهرُ المتنِ أنّه محكومٌ بالإباحة، لكنّه مُشكلٌ؛ لأصَالَةِ عَدَمِ تملُّكِهِ، أو عَدَمِ دُخولِهِ في مِلْكِهِ ولا يُعَارَضُ بأصَالَةِ عَدَمِ مِلْكِ غَيْرِهِ له؛ لعَدَمِ الأثرِ له إلاّ بالأصلِ المثبت.

المسألة الأولى([323]): إذا اشتَبَهَ نجسٌ أو مغصوبٌ في محصور وجب الاجتنابُ عن الجميع.

لوجودِ المقتضي بمعنى: دليل الواقع الحاكم بوجوب الاجتنابِ عن النّجسِ ومالُ الغير وعدم المانع؛ إذ ليس ما يمكن أنْ يكون مانعاً سوى الجهل التفصيلي، وهو غيرُ مانعٍ: إمّا عقلاً فواضح، وإمَّا شرعاً فلأنَّهُ ليس في الشَّرعِ ما يَدلُّ عليه سِوى قاعِدَةِ الطّهارة والحِلّ، وهُمَا لو جَرَيَا في أطرافِ الشُّبهة لَجَرَيا في جَميعها على وجهٍ يَجوزُ بهما مخالَفَةُ الواقع المعلومِ قطعاً، وهو مُوجِبٌ لِطَرْحِ الواقِعِ بالأصلِ، ومن المعلومِ أنّه لا يُطْرَحُ الواقع به.

وإنْ اشتَبَهَ في غير المحصورِ لا يَجِبُ الاجتنابُ عن شيءٍ منه، وهو في الجُمْلَةِ لا إشكالَ فيه ولا خلافَ بالنّسبَةِ إلى عَدَمِ وُجوبِ الاحتياط وإنْ كانت المسألةُ بالنّسبةِ إلى جَوَازِ المخالَفَةِ القطعيّة مَحلَّ خلافٍ وجدال، كما أنّه بالنّسبة إلى ضابطِ غَيْرِ المحصورة عن المحصور في رَيبٍ وإشكال، فالمهمّ التكلُّمُ في هاتينِ الجِهَتَينِ في ضابطِ غَيْرِ المحصور وفي جوازِ المخالَفَةِ القطعيّة.

ولا أرى في الجهةِ الأولى أوثقَ من أنْ يقال: إنَّ المناطَ فيه هُو بُلُوغُ كَثْرَةِ الأطرافِ حَدَّاً لا يَرَى العقلُ العِلْمَ الموجودَ بياناً لها، وهو إنْ كانَ في الحقيقةِ اتّكالاً على أمرٍ مجهولٍ إلا أنّه لا محيصَ عنه؛ لأنَّ الإناطَةَ بالحَصْرِ وعَدَمِ الحَصْرِ عُرْفاً مُطْلَقَاً أو في زمانٍ قليلٍ غير راجعٍ إلى مُحَصَّلٍ، مَعَ أنَّ الرُّجُوعَ إلى العُرْفِ إنّما يَحْسُنُ إذا أُنيطَ بهما العُرْفُ في الأدلّةِ اللّفظية وليس....([324])، كما أنَّ الإناطَةَ بخُروجِ بَعْضِ الأطرافِ غالباً عن مَحَلِّ الابتلاء أعمُّ من المدَّعَى من وَجهٍ وأخصُّ من آخر.

ثمَّ بما ذكرنا رُبَّما يُستَظْهَرُ الحَقُّ في الجِهَةِ الثانية أيضاً؛ لأنّ المعلومَ وإنْ لم يَكُنْ بياناً للأطرافِ على وَجْهٍ يُوجِبُ الاحتياطَ بتحصيلِ الموافَقَةِ القطعيّة، إلاّ أنَّهُ لا يَزَالُ بياناً للتّكليفِ بالنّسبَةِ إلى طَرْحِها جَميعاً، ولذا لَمْ يَحْتَمِلْ أحدٌ جَوَازَ المخالَفَةِ القطعيّةِ منْ غيرِ المحصور إذا كانَتْ الشُّبْهَةُ وُجوبيّة.

المسألة الثانية: لو اشتبَهَ مُضافٌ في محصورٍ...([325])

فأمّا أنْ يمكن تمييز المطلقِ من المضاف، أو لا يمكن، فإنْ لم يمكن فلا إشكالَ في أنّه يَجبُ عليه أنْ يكرِّرَ الوضوء بها، حَتَّى يَعْلَم بالوضوءِ بالمطلق، وأمّا اذا تمكَّنَ من التمييز فهل يجوز أنْ يكرِّر الوضوء والغسل كذلك أو يجبُ عليه التمييز والوضوء بما يَعْلَمُ طهارَتَهُ؟ وجهان، مبنيّانِ على تقديمِ الامتثالِ التفصيليّ العِلميّ على الإجمالي منه، وقد قُرِّرَ في مَحَلِّهِ عَدَمُ الدّليل على تقدُّمِهِ لولا الإجماع، وتوضيحُهُ مُحْتَاجٌ إلى تفصيلٍ مُخْرِجٍ عن وَضْعِ الرّسالة.

وإنْ اشتَبَهَ في غيرِ المَحْصورِ جَازَ استعمالُ كُلٍّ مِنها عند المصنف؛ لأنَّ كُلَّ واحدٍ من أطرافِ الشُّبْهَةِ الغير المحصورة عنده في حُكْمِ المعلوم، دونَ المشتَبَهِ فيعامَلُ مَعَ كُلِّ واحدٍ من الأطرافِ مُعَامَلَةَ المطلقِ، دُونَ المشتبه، وإلاّ فلو كانَ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ المشتَبَه لم يَجُزْ التَوضّي به؛ إذ يُعتبر في ماءِ الوضوءِ الاطلاقُ.

وتوضيحُ مَرامِهِ: أنَّ الإجماعَ قائمٌ على أنّ العِلم الإجماليّ بين الأطرافِ الغير المحصورة لا يُعْتَدُّ به ولا يؤثّرُ في التكليفِ بوجهٍ، وحينئذٍ فيُلْغَى الاحتمالُ المستنِدُ إلى ذلك العلم، فإذا احْتَمَلَ الإضافَةَ في الماءِ فإنْ كان منشؤهُ العلم بكون أحد الإناءاتِ الغير المحصورةِ مُضافاً فلا يُعْتَنَى بهِ، ويجوزُ التوضّي بهِ، وأمّا إنْ كانَ منشؤه غيرَ هذا العِلم، كأنِ احتمل ابتداءً كونه مضافاً فلا يجوزُ رَفْعُ الحدثِ والخبث به، إلا أنْ يَعْتَمِدَ في ذلك إلى الأصل، وبَعْضُ مَنْ عاصرناه يُنْقَلُ عَنْهُ الميلُ إلى ذلك، بل اختارَهُ، وهو ضعيفٌ جداً؛ إذ لم يَدُلَّ دليلٌ على لغويّةِ العلم بينَ غيرِ المحصورِ بهذا المعنى.

غايةُ الأمرِ قيامُ الدّليلِ على عَدَمِ اقتضائِهِ الاحتياطَ والموافقة القطعيّة، سَلَّمنا قيامَهُ على جوازِ المخالَفَةِ القطعيّة أيضاً، لكنْ غايتُهُ أنَّ العِلْمَ المزبور لا يَمْنَعُ عن العَمَلِ على طبق الأصل إنْ اقتضى جوازَ المخالَفَة، وأمّا إنّه به ينقطعُ الأصولُ المقتضيةُ لتركِ الاستعمالِ من العَقْلِ والنقل، فلم يَدُلَّ عليهِ دليلٌ، فيبقى تحتَ القاعِدَةِ، وعليهِ فلا يجوزُ التوضّي بواحدٍ من أطرافِ ما عُلِمَ إضَافَةُ أحدِهِا ولو كانت غير محصورة، فما في المتنِ مِنْ أنّ الاحتياطَ أولى يَنْبَغي تبديلِهِ بأقوى.

المسألة الثالثة([326]): إذا لم يكن عنده إلاّ ماء مشكوك إطلاقه وإضافته.

غير مسبوقٍ بالإطلاق يتيمَّمُ للصّلاة؛ لأنّه غيرُ متمكّنٍ من الطّهارة المائية بَعْدَ أنْ كانَ مَحْكوماً باستصحابِ الحَدَثِ بَعْدَ الوضوءِ، وليس في دليلِ التيمُّمِ إلاّ عَدَمُ التَمَكّنِ من الطَّهارَةِ المائية، ومن المعلومِ أنّه لا فَرْقَ في عَدَمِ التَمَكُّنِ بينَ أنْ يكونَ ذلك لأجلِ مانعٍ شَرْعيٍّ أو عاديّ، فإذا كانَ المتوضّي بمثلِ هذا الماء محكوماً بالحَدَثِ لَمْ يُمْكِنْ رَفْعُ الحَدَثِ به شرعاً، ومعه يجبُ عليه التيمُّم؛ لأنَّهُ لا يَجِدُ ماء؛ ضرورةَ أنَّ المرادَ من عَدَمِ وجدانِ الماءِ ما يَعُمُّ عَدَمَ التَمَكُّنَ من استعمالِهِ على وَجْهٍ يَرْفَعُ الحَدَثَ، هذا.

وفيه: إنّا لو سَلَّمنا أنّ الموضوعَ للتيمُّمِ هو غيرُ المتمكّن من المائية فهو غير المتمكن منه واقعاً، لا ما يَعُمُّ غيرَ المتمكّن في الظّاهر، والأصلُ المزبور لا يَثْبُتُ كونُهُ كذلك واقعا.

نعم كونُهُ كذلك في الظّاهِرِ يترتَّبُ على الأصلِ المزبور وجدانا.

وقد يقال: إنَّ الموضوع بالتيمُّم هو غيرُ الواجدِ للماء، وليس المرادُ من وِجْدَانِهِ هو نَفْسُ وُجودِهِ، بل إحرازُهُ؛ لأنَّهُ ضِدُّ الفقدان، وفي ما نحنُ فيه غيرُ مُحْرِزٍ للمَاء، فوَجَبَ عليه التيمُّم، فكانَ مَوضُوعُ التيمُّمِ مُحرَزٌ بالوجدان من غيرِ حاجَةٍ إلى أصلِ شرعي.

وفيه: إنَّ عَدَمَ الإحرازِ ليسَ مَوضوعاً شَرْعاً لوجوبِ التيمُّم، ولذا أوجبوا الإعادَةَ على مَنْ صَلَّى ولم يلتفت إلى أنّ في رحله الماء؛ نظراً إلى كونِهِ واجداً للماء في الواقع.

مضافاً إلى أنّه لو كانَ الموضوعُ ما ذَكَرَهُ لم يَجِبُ الفَحْصُ عن الماء، وليس ذلك إلاّ من أجلِ أنَّ الإحرازَ ليس مَوضُوعاً للتيمُّم.

هذا كلُّهُ مع أنّ اعتبار الإحرازِ في الوجدان ممنوعٌ؛ لأنَّ الوجدانَ ضِدّ الفقدان وله واقعٌ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عن العِلْمِ والإحراز الوجداني، فقد يكونُ واجداً له ولا يعلمُ به، فالتَّحقيقُ أَنّه يَجبُ عليه التيمُّم إنْ كانَ مَسْبوقاً بالفِقْدانِ، وإلاّ فالجَمْعُ بينَ الأمرين لِدُخُولِهِ في أحد الموضوعين.

المسألة الرابعة([327]): إذا عُلم إجمالاً أنّ هذا الماء إمّا نجسٌ أو مضافٌ يَجوزُ شربه.

لعَدَمِ العِلْمِ الإجماليّ بالحُرْمَة، وكونُ احتمالِهِ بَدْويّاً مورداً لجريان الأصل.

نعم لا يجوزُ التوضّي به؛ لاستصحابِ الحَدَثِ وعدمِ إحرازِ شَرْطِ الطّهارة، وهو كونُ ما يغسل به الغسلات مطلقاً، فنفسُ قاعِدَةِ الاشتغال بالطّهارة تقتضي وجوبَ تحصيلِ البراءَةِ عنه، بل اشتراطُ صحّة الدّخولِ في الصّلاة به يَقتضي وجوبَ إحرازه لها.

وكذا إذا عُلِمَ أنّه إمّا مُضَافٌ أو مغصوب، بعينِ ما ذكر من جوازِ شربهِ، وعدمِ جواز التوضّي به؛ لأنَّ احتمالَ الغَصْبِ وإنْ لم يَكُنْ مانعاً عن التوضّي إلا أنَّ نَفْسَ احتمالِ الإضافة مَعَ عَدَمِ الحالةِ السّابقة مانعٌ.

وإمّا إذا عُلِمَ أنّه إمّا نَجسٌ أو مَغْصوبٌ فلا يجوزُ شرْبُهُ؛ للعلمِ التفصيليّ بالحُرْمة، ولا يمنعُ عن تنجُّزِهِ الجَهْلُ بسببه، كما لا يجوزُ التوضّي به لذلك أيضاً؛ إذ المفروضُ أنه عالمٌ بأحدِ المانعَينِ من النَّجَاسَةِ أو الغَصْبية وإنْ لم يَكُنْ احتمالُهُ مانعاً، إلا أنّه إذا لم يَكُنْ طَرَفَاً للعلم الإجماليّ، وأمّا مَعَ طَرَفيّته له فاحتمالُهُ مُنَجَّزٌ، ومعَهُ يكونُ مانعاً عن التَصَرُّفِ، فيَبْطُلُ الوُضوءُ إمّا لنجاسَةِ الماءِ أو لحُرْمَةِ التَصَرُّفِ، في الماءِ غُسْلاً ومَسْحَا.

والقولُ بأنّه يَجوزُ التوضّي به ضَعيفٌ جدّاً، لَعَلَّ نَظَرَ المجوِّزِ إلى أنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الوُضوءِ ليس هُو الإباحَة الواقعيّة حَتَّى تتساقَطَ أصالةُ الإباحَةِ والطَّهَارة، بل الإباحَةُ التي يكونُ الوُضوُء بها صحيحاً واقعيّاً، هو ما يَعُمُّ الظّاهِرَ بهِ، وحينئذٍ فلا تتساقطُ الأصولُ؛ لعدمِ العِلْمِ بالمخالَفَةِ القطعيّة للواقع من جريانهما؛ لاحتمالِ كونِ الماءِ مَغْصُوباً، ومَعَهُ يَصِحُّ الوُضوءُ واقعا.

إنْ قلتَ: أصالَةُ الإباحَةِ بالنّسبةِ إلى جَوازِ التَصَرُّفاتِ ولو مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الوضوءِ غيرُ جاريةٍ؛ للمعارضة، فتحرُمُ التَصَرُّفاتُ فعلاً، وبه يَبْطُلُ الوضوءُ لتَنَجُّزِ الحُرْمَة.

قلتُ: لا مُعارِضَ لأصالةِ الإباحة في مطلقِ التصرُّفاتِ سِوى قاعِدَةِ الطَّهَارَة، وهي غيرُ جَاريَةٍ بالنّسبة إلى الشّرب؛ لأنّه مَعْلومُ الحُرْمَةِ، ولا أثَرَ لها بالنّسبة إلى غيره.

إنْ قُلْتَ: لا مَعْنَى لِحُرْمَةِ الشّرب إلاّ مُعَارَضَةُ أصَالَةِ الإباحة فيه مَعَ أصالَةِ الطَّهارة وتَسَاقُطِهِما فيَحْرُمُ شِرْبُهُ فأينَ الأصلُ الخالي عن المعارِضِ الحاكِمِ بإباحةِ التصَرّفات؟

قلتُ: مُعَارَضَةُ الأصلِ مَعَ آخر بالنّسبةِ إلى أثرٍ خاصّ لا يُوجِبُ سَقُوطَهُ بالنّسبةِ إلى غيرِهِ، فأصْلُ الإباحَةِ بالنّسبةِ إلى الشّرب وإنْ كانَ مُعَارَضَاَ، إلاّ أنّه لا مُعَارِضَ له بالنّسبة إلى التَصَرُّفاتِ الأُخر.

إلاّ أنْ يُقال: إنّه مُعَارَضٌ بأصَالَةِ الطَّهَارَةِ في مُلاقيه، فإنَّ بَعْدَ سُقوطِ الأصلِ، يعني: أصل الطَّهَارَةِ فيهِ يَكُونُ المَرْجِعُ الأصلُ في الملاقي فيُعَارضُ أصَالَةَ الإباحَةِ في سائر التَصَرُّفات.

إلاّ أنّه حَسَنٌ بَعْدَ تَحَقُّقِ الملاقي والملاقاة، وأَمّا قَبْلَهُ فلا مَوضُوعَ للمُلاقي حتَّى يكونَ مَجَرىً للأصل.

المسألة الخامسة: لو أُريق أحدُ الإناءين المشتبهين من حيث النّجاسة أو الغَصبية لا يجوزُ التوضيّ بالأخر...([328])

تكليفاً ووضعاً؛ بناءً على حُرْمَةِ التوضّي بالماءِ النّجسِ نَفْسَاً وإلاّ لا يحرمُ إلاّ وضعاً، بمَعْنَى: فَسَادِ الوُضوءِ وعَدَمِ سَببيّتِهِ للطّهارة، وذلك لِسُقوطِ أصَالَةِ الطَّهارةِ في الأوّل وأصالةِ الإباحَةِ في الثّاني بالمعارَضَةِ قَبْلَ الإراقة، فلا يَبْقَى بَعْدَ إراقَةِ أحَدِهِما أصْلٌ يُعْتَمَدُ عليه.

إنْ قلتَ: سُقوطُ الأصلِ إنّما هو للعلمِ الإجماليّ والمعارضة، فالسّقوطُ يَتْبَعُهُما حُدوثاً وبقاءً، فمَعَ زَوَالِ عِلّةِ المعارَضَةِ -يعني: العلم الإجمالي- لا مَعْنَى لبقاءِ المعارضة.

قلت: هُو كذلك لو كانَتْ المعارَضَةُ في إطلاقِ الدّليلِ بالنّسبةِ إلى أزْمِنَةِ المتعارِضَينِ، وأمّا لو كانَتْ بالنّسبةِ إلى أصلِ دُخولِهِما في عُمومِ الدّليل، فمعنى المعارَضَةِ بَعْدَ حُدوثِ العلم الإجماليّ خُروجُ الطّرفين عَنْ عُمومِ الدّليلين، فلا معنى لِدُخُولِهِ بَعْدَ إراقَةِ أحدهما.

إنْ قُلْتَ: خُروجُ الطَّرَفَيْنِ عن الدّليل ليس إلاّ لِعَدَمِ إمْكانِ اجتِمَاعِهِما في الدُّخولِِ تَحْتَ العُموم؛ لأنَّ دُخَولَ كُلِّ وَاحِدٍ يُنافي الواقع المعلوم، ودخولَ أحدِهِما مُعَيَّناً تَرْجيحٌ بلا مُرَجِّح ومُخَيّراً لا دَليلَ عليه، وهذا المعنى إنّما هُو بالنّسبةِ إلى حَالٍ وُجودِ الطَّرَفينِ، وأمّا مَعَ عَدَمِ أحَدِهِما فلا مَانِعَ من دُخولِ الآخر تَحْتَ الدّليل.

قلتُ: دُخُولُ المفقودِ إلى زَمَنِ وُجودِهِ يُنافي دُخولَ الآخر كذلك، ومُجَرَّدُ طُولِ زَمَنِ وُجودِ أحَدِهِما وقِصَرِ الآخَرِ لا يَرْفَعُ المعارَضَةَ كما لا يخفى.

ولو أريقَ أحَدُ المشتَبَهَينِ من حُيثِ الإضافَةِ لا يَكْفي الوُضوءُ بالآخر؛ لِعَدَمِ إحرازِ إطلاقِهِ، ولو سَلَّمنا كانَ مَجْرَىً للأصلِ مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ العِلْمِ الإجماليّ، كأنْ عُلِم إجمالاً، بأنَّ أحَدَ المُطْلَقَينِ صَارَ مُضافاً كانَ استصحابُ الإطلاقِ في كُلٍّ مُعَارِضٌ للآخر، وبَعْدَ فَقْدِ أحَدِهِما لا يَرْجِعُ ولا يَصيرُ الموجودُ مَوْرِداً للأصل، ومُقتضى الأمرِ من المصنّفِ في المسألةِ السّابقة وجوبَ التيمُّم هنا، فإشكالُهُ فيها والتزامُهُ بالجمعِ يُنافي ما سَبَقَ وإنْ كانَ قَدْ عَرَفْتَ مِنَّا أنَّ الأحوطَ الجمعُ بينَ الوضوءِ والتيمُّم، وقد مَرّ تَمامُ الكلامِ مع النَّقضِ والإبرام، بل مُقتضى ما عَرَفْتَ وُجوبَ الجَمْعِ مَعَ بقاءِ أحدِ المشتَبَهَين بالنَّجسِ أيضاً، بناءً على عَدَمِ حُرْمَةِ استعمالِ النّجِسِ في الوُضوء إلاّ تشريعا.

المسألةُ السّادِسَة([329]): مُلاقي الشبهة المحصورةِ لا يُحْكَمُ عليه بالنَّجاسة...

لأصَالَةِ عَدَمِ مُلاقاتِهِ للنَّجِسِ، ولا يُعارَضُ بالأصل في مُلاقي الآخر، إذا لَمْ يَكُنْ مُلاقاة فعلاً؛ لِعَدَمِ الموضوعِ، ولا يُعَارَضُ الأصلُ فيه على تقدير وُجودِهِ بالأصلِ في الموضوع الموجود.

نَعَمْ لو فُرِضَ مُلاقَاةُ شيءٍ آخر للطَّرَفِ الآخرِ تَعَارَضَ الأصلُ فيهما؛ للعلمِ بكونِ أحَدِهِما مُلاقياً للنّجس.

وممّا ذكرنا يَظْهَرُ جَرَيَانُ أصالةِ الطَّهَارَةِ في الملاقي مِنْ غَيرِ مُعَارَضَةٍ مَعَهَا في صاحب الملاقَى؛ لأنّه مبتلىً بمعارَضَتِهِ مَعَ الأصلِ في الملاقى (بالفتح) المتقدِّم في الجرَيَانِ على الأصلِ في الملاقي (بالكسر).

ومن جميع ذلك يَظْهَرُ أنَّ العلمَ بنَجَاسَةِ واحدٍ من الملاقي (بالكسر) وصاحبِ الملاقى (بالفتح) لا يُوجِبُ وُجوبَ الاجتنابِ عنها مقدّمةً؛ لِما عَرَفْتَ من جريانِ الأصلِ في الملاقي (بالكسر) بلا معارِضٍ؛ وابتلاءِ الأصلِ في صاحب الملاقى (بالفتح) بالأصل في نفسِ الملاقى (بالفتح).

لكنّّ الأحوطَ الاجتنابُ ولو بتوهُّم أنَّ الاجتنابَ عن مُلاقي النَّجسِ من مُقدِّماتِ تحقُّق الاجتنابِ عنه، فإذا فُرِضَ تَنَجُّزُّ الأمرِ بالاجتنابِ عن النَّجسِ بَيْنَهُما، وفَرَضْنا أنَّ الاجتنابَ عن الشّيء لا يَحْصلُ إلاّ بالاجتنابِ عَنْ كُلِّ ما لاقاهُ وَجَبَ الاجتنابُ عن مُلاقي أحَدِهِما؛ إذ لولاهُ لَمْ يَعْلَم الاجتنابَ عن النّجس في البَين لو كان هو الملاقى (بالفتح) وتمامُ الكلام موكولٌ في مَحَلِّه.

المسألةُ السَّابعَةُ: إذا انحصر الماءُ في المشتبهين تعَيّن التيمّم...([330]).

لقوله  عليه السلام : (يهرِقُهُما ويتيمَّم)([331])، ولا يجبُ الوضوء بهما، بل ولا يجوز ولو بأنْ يتوضّأ بأحدهما ثُمَّ يَغْسِلُ مَحَلَّ الوُضوءِ بالآخر ثمَّ يتوضّأ بهِ حَيْثُ يَعْلَمُ بالوُضوء بالماءِ الطّاهِر مَعَ طَهَارَةِ البَدَن، أمّا لو كانَ الماءُ الطّاهِرُ هو الأوّلُ فظاهرٌ، وأمّا لو كانَ الثّاني فلأنَّ المفروضَ غُسْلُ مَحَالّ الوضوءِ بهِ ثُمَّ الوُضوءُ، فهو يعلم بَتَوَضُّؤه بالماءِ الطّاهِرِ مَعَ طَهَارَةِ بَدَنِهِ وِجداناً، بل يكفي الوُضوءُ بهما كذلك؛ لاستصحابِ طَهَارَةِ بَدَنِهِ إلى زَمَانِ الوُضوءِ بالماءِ الطاهر، ويَكفي ذلكَ لحُصولِ العِلْمِ بدَافِعِ الحَدَثُ.

نَعَمْ عليهِ أنْ يُصَلِّي بَعْدَ كُلِّ وُضوءٍ حَتَّى يَعْلَمَ بوُقوعِ صَلاتِهِ مَعَ الطَهَارَةِ الخبثيّةِ المستَصْحَبَة والحَدَثيةِ المعلومَة، وإنْ لمْ يُصَلِّ إلاّ بَعْدَهَا فَسَدَتْ صَلاتُه؛ لأنّهُ عالِمٌ بنَجَاسَةِ بَدَنِهِ، وإنْ كانَ يعلم برَفْعِ حَدَثِهِ أيضاً بالتقريب السّابق، وذلك لأنَّه طَرْحٌ للصحيحة المنقَّحَةِ الدّلالةِ المعمولِ بها، من جِهَةِ مُقتَضَى القواعِدِ والأصولِ، وهو غيرُ مَقْبولٍ، فيُؤْخَذُ بمفهومهما ويكتفي بالتيمّم.

وهَلْ يجِبُ إراقتُهما أيضاً كما اشتملتْ عليه الصحيحةُ أمْ لا؛ نظراً إلى كونِهِ كناية عَنْ عَدَمِ استعمالهما، الأحوط ُذلك وإنْ كانَ الأقوى العدم؛ لما عرفتَ من أنّ الإراقةَ كنايةٌ عن المنع عن الاستعمال، بل رُبّما أمْكَنَ أنْ يُحْمَلَ الصحيحةُ على صُورَةِ لم يتَمَكَّنَ من غُسلِ مَواضعِ الملاقاةِ بالثَّاني، واستعمالِهُما على نَحْوٍ ما مَرَّ على وَجْهٍ لا يتلَوَّثُ الثّوبُ والبَدَنُ بهما، فإنَّ الوُضوءَ بأحدِهما، ثمَّ غُسل مَحالِّ الوُضوء بالآخر، ثُمَّ التوضَّي بالآخر على وجهٍ لا يَتَلَوَّثُ سائرُ مواضِعِ الثّوبِ والبَدَن بهما مُشكِلٌ جِدَّاً، فأقرّ الإمامُ  عليه السلام  بإراقتهما حتَّى يَصيرَ فاقدَ الماء ثمَّ يتيمّم، ولَعَلَّ في الأمرِ بالإراقة احتياطاً للتيمّم؛ إذ قبله رُبّما كانَ من الواجدِ للمَاء، وسيجيئ إن شاءَ اللهَ في المسألة العاشرة إنَّ الأحوطَ عَدَمُ القَناعَة بالتيمُّم مع تمكُّنِهِ من الاستعمالِ على الوَجْهِ المزبور أيضا.

المسألة الثامنة: إذا كانَ إناءان أحدُهما المعيّن نجسٌ والآخر طاهرٌ فأُريقَ أحدُهما ولم يَعلم أنّه أيّهما حَكَمَ على الباقي بالطهارة...([332])

لقاعدة الطهارة في كلّ مشكوك، بخلاف ما لو كانا مشتبهين وأُريقَ أحدُهما فإنّهُ لا يحكم على الباقي بالطهارة؛ لأنَّ المفروضَ أنّه سَقَطَتْ القَاعِدَةُ بالنّسبَةِ إليه بالمُعَارَضَة في صَاحِبِه، وإهراقُ أحدِهما لا يُوجبُ بقاؤها في الباقي بلا معارِضٍ، وإلاّ لَعولجَ بذلكَ كُلّ شُبْهَةٍ مَحْصورَةٍ، بخلافِ الصُّورَةِ السَّابقة، فإنّه قَبْلَ إراقَةِ أحدِهِما لم يَكُنْ شيءٌ منهما مَجَرى القاعدة، ولم يَكُنْ عِلْمٌ إجْمَاليٌ في البَين، وإنَّما صَارَ البَاقي مُشْتَبَهاً بمجرّد إراقَةِ أحَدِهِما فتجري فيه القاعدة.

المسألَةُ التّاسِعَةُ: إذا كانَ إناءٌ لا يُعْلَم أنّه لزيدٍ أو لعمرو...([333])

لم يَجُزْ استعمالَه، إلاّ أنْ يكونَ مأذوناً من كُلٍّ منهما، وأمّا مُجرّد إذنِهِ من زيدٍ مثلاً فلا يُجَوِّزُ استعمالَهُ، لأنَّهُ لا يَعْلَمُ أنّه له، فلا يكونُ إذنُهُ مُوجباً لِحلِّ التصرُّفِ، وكذا إنْ عَلِمَ أنَّه لزيدٍ ولا يَدْري أنّه مأذونٌ مِنْ قِبَلَهِ أو مِنْ قِبَلِ عَمروٍ، فإنَّ الإذنَ الحاصل له لا يُوجِبُ حِلَّ التصرُّف فيه أيضاً؛ لأنّه لا يَعْلَمُ الإذنَ ممّنْ يملكُهُ (ولا يَحِلُّ مالُ امرئٍ إلاّ بإذنه)([334]).

المسألةُ العَاشِرَةُ: في الماءيْنِ المشتَبَهَين بالنّجس إذا توضّأ أو اغتسل بأحدهما وغَسَلَ مواضعَ الاستعمال من الآخر ثمّ توضّأ أو اغتسل منه...([335])

علم بأنّه اغتسل أو توضّأ بالماء الطاهر مع طهارة بدنه، فيرتفع حَدَثُهُ على الأقوى، ولكنّ الأحوطَ تَرْكُ هذا النّحو من الاستعمالِ مَعَ وُجودِ ماءٍ مَعْلومِ الطَّهَارَةِ للصحيحةِ الآمرَةِ بإهراقهما والتيمُّم، وقد عَرَفْتَ تَوْجيهَهُ، كما أفتى به جَمْعٌ، وكان سَنَدُهُ مُعتبراً كانَ الاحتياط في تَرْكِ الاستعمالِ، كذلك لو كانَ له غيرهما، وإلا جَمَعَ بَيْنَهُ وبَيْنَ التيمُّمِ؛ لما مَرَّ من احتمالِ وُرُودِ الصحيحةِ مورد لا يتمَكّنُ من استعمالهما على وجهٍ لا يتلوّثُ مَحَلٌّ مِنْ ثَوْبِهِ أو بَدَنِهِ بهما، ومَعَهُ وإنْ ارتَفَعَ الحَدَثُ لكن يُعْلَمُ بنَجَاسَةِ بَدَنِهِ أو ثوبه.

المسألة الحادية عشر([336]): اذا كانَ هُناكَ ماءان تَوَضَّأَ بأحدِهِما أو اغتسلَ.

ثمَّ بعد الفراغ علم بأنّه كان أحدهما نجساً واحتمل أنه اغتسل أو توضّأ بالطاهر، ففي صحة وضوئه أو غسله لقاعدة الفراغ..

- نظراً إلى عُمومِ دلِيلها أو عدمه - نظراً إلى أنّها مَسُوقَةٌ لرَفْعِ احتمالِ الفَسَادِ الناشئ من السَّهو والنّسيان أو التَعَمُّدِ يُتْرَكُ الجُزْءُ أو الشرط، فلا يَشْمَلُ دَليلَها ما لو كانَ احتمالُ الصِّحَةِ والفَسَادِ مُستَنِداً إلى مُجرَّدِ الاتّفاقِ غير المستند إلى المكلّف، كما يُرْشِدُ قوله  عليه السلام : (هو حينَ يتوضَّأ أذْكَرُ منهُ حينَ يَشُكُّ)([337]) فإنّ مثلَهُ لا يَشْمَلُ ما لو عَلِمَ عَدَمَ الأذكرية النّوعية؛ لأنَّه يَعْلَمُ بغَفْلَتِهِ حينَ ذاكَ عن الطَّهَارة والنَّجاسة، فليسَ هُو حينَ ذاكَ أذْكَرَ مِنْ حينِ التفاتِهِ.

ومنهُ يَظْهَرُ أنَّه لو كانَ عالماً بذلك قبل الوضوء والغُسْل ثُمَّ اغتَسَلَ أو تَوَضَّأ بأحِدِهما ثُمّ شَكَّ بعدهما بأنَّهُ أحْرَزَ طَهَارَةَ ما تَطَهَّرَ بهِ أو أنَّهُ تَطَهَّرَ بهِ شَاكّاً جَرَت قاعِدَةُ الفراغ؛ لجريانِ ما عرفت من التَّعليل، والمتيقَّن من انصرافِ المطلقاتِ أيضاً لو سَلَّمْنا عَدَمَ كونِ ما ذكر من قَبيلِ العلّة المخصِّصة للمطلقات.

نعم في الفَرْضِ المذكورِ أيضاً لو عَلِمَ بأنّهُ حينَ التوضُّؤ والاغتسال لَمْ يَكُنْ مُلتفتاً بأنَّ أحَدَهُما نَجِسٌ لَمْ تجرِ القاعِدَةُ؛ لِما عَرَفْتَ من الانصرافِ أو العلّيّة.

نعم لو مَنَعَ من الأمرين، يعني: انصراف المطلقات وكون المذكور من قبيل العلّة بل من باب الحكمة التي لا يلزمُ اطّرادُها في مواردِ القاعِدَةِ جَرَتْ في المقامين، أو فرق بينهما لو احتمل الانصراف من الصُّورَةِ الأولى دون الثانية.

المسألةُ الثانية عشر: إذا استَعْمَلَ أحَدَ المشتَبَهَينِ بالغَصْبيّة لا يُحْكَمُ عليهِ بالضَّمَان...([338])

لعدَمِ العِلْمِ بالاشتغالِ؛ لعَدَمِ العِلْمِ بكونِهِ مَالَ الغير فيكونُ احتِمالُ اشتغالِ ذِمّتِهِ هُنا نظيرَ احتمالِ نَجَاسَةِ الملاقي لأحدِ المشتَبَهين.

 

 [فصلٌ]

في أحكامِ التَخَلّي([339])

المسألةُ الثانية عشر: لا يجوز للرجل والأنثى النظرُ إلى دُبر الخنثى، وأمّا قُبُلها فيمكن أنْْ يقال بتجويزه،... بل الأقوى وجوبه؛ لأنّه عورةٌ على كلّ حالٍ...([340])

لعلّ المرادَ أنّهُ عَورَةٌ عُرْفاً؛ إذ ليسَ المرادُ مِنْ العَوْرَةِ إلاّ ما يُسَمَّى عُرْفاً إحليلاً وبَيْضَةً أو فَرْجاً، وهذا الموجودُ من الخنثى يُسَمَّى بهما، فيكونُ عَوْرَةً، ولا يجوزُ النّظُر اليها، وإلاّ فلا وَجْهَ لدعوى كونِهِ عَوْرَةً على كُلِّ تقدير.

نعم ما يَشْبَهُ آلةَ الرُّجولية للرَّجُل عَورَة سواء كان الخنثى ذكراً أو أُنثى، وما يَشْبَهُ آلَةَ الأُنثوية للأنثى عورةٌ سواء كانَ الخنثى ذكراً أو أنثى.

المسألة الثالثة عشر([341]): لو اضْطَرّ إلى النَّظَرِ إلى عَوْرَةِ الغيرِ جاز.

إذ ما مِنْ شيءٍ حَرَّمَهُ اللهُ إلاّ أحَلَّهُ لمن اضطُرّ إليه، وهل يُعْتَبَرُ رفعُ الاضطرارِ بالنظّر في المرآةِ المقابِلَةِ لها أمْ لا يُعتبر فيجوزُ وإنْ ارتفعَ الاضطرارُ بذلك؟، صَريحُ المتن أنّ الأحوطَ تَرْكُ النّظِرِ إنْ أمْكَنَ رَفْعُ الاضطرارِ بالنّظر إلى المرآة، وأظُنُّ هذا الاحتياطَ مُنافياً لما مَرَّ من الجزمِ بحُرْمَةِ النّظرِ مِنْ وراءِ الشّيشَةِ والمرآةِ؛ لأنَّ الجَزْمَ بالفتوى هناك يَقْتَضي الجَزْمَ بالحُرْمَةِ هنا؛ لعَدَمِ الفَرْقِ في المَقَامِ، والاحتياط هناك يقتضى الاحتياط هنا.

ودعوى أنّهما معاً حرامٌ، إلاّ أنَّ حُرْمَةَ النَّظَرِ بلا واسطةٍ أشَدُّ من حُرْمَتِهِ فلا مانِعَ من الجَزْمِ بالحُرْمَةِ، والاحتياطُ في تقديمِ النَّظَرِ في المرآةِ، وتَرْكُ النَّظرِ بلا وَاسِطَةٍ نَظيرُ البولِ إلى القبلة والاستدبارِ لها، فإنَّهُما مُحرَّمَانِ ولكن مَعَ الدَّوَرَانِ يُحْتَاطُ في المتنِ بتقديمِ الاستدبار.

مدفوعةٌ بأنَّهُ لا وَجْهَ لاحتمالِ الأشدّيّة هنا مع استفادَةِ أنّ المناط الاستطلاع.

بل قد يقال: إنَّ مناط حُرْمَةِ الاستطلاع، الذي هو يتبع الشدّة في النّظر هو في المرآة أقوى، مضافاً إلى أنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ استحبابَ الاحتياط، كما في مسألةِ الدَّوَرَانِ بين الاستقبال والاستدبار لا وجوبه.

المسألة الرابعة عشر: يحرُمُ في حالِ التخلّي استقبال القبلة واستدبارها بمقاديم البدن...([342])

كما هو ظاهرُ الاستقبالِ بالشّيء والاستدبارِ بهِ، فإنّ العُرْفَ يَفْهَمُ مِنهُما الاستقبالُ والاستدبارُ بذلك، وعليه فلا مَعنى في رَفْعِ الحُرْمَةِ إمَالَةَ العَوْرَةِ عنها حين البول، كما لا يَحْرُمُ على غيرِ المستقبِلِ إمالة العَوْرَةِ إليها حينَ البول، بما عَرَفْتَ من أنَّ الظَّاهِرَ من الاستقبالِ والاستدبارِ هو ما كانا بالمقاديم.

إنْ قلتَ: العَوْرَةُ من المقاديم أيضاً، فيكفي في رَفْعِ الحُرْمَةِ الانحرافُ بها بإمالتها عنها.

قلتُ: العَوْرَةُ من المقاديم بمنزلة اليد، بل الإصبع، فلا يَضُرُّ في الصِّدق انحرافه مع المواجَهَةِ بالمقاديم من نَحْو الصَّدْرِ، وما يُعَدُّ من البَدَنِ، بل لا يكفي في رَفْعِ الحُرْمَةِ الانحرافُ بالوَجْهِ والرّأسِ أيضا.

ومن ذلكَ يَظْهَرُ لكَ أنَّه لا يَحْسُنُ التعبير بالاستقبالِ والاستدبار بمقاديمِ البَدَنِ على نحو ما يُعَبّرونَ عنه في مَسْألَةِ استقبالِ الصَّلاة.

إنْ قُلْتَ: ما ذَكَرْتَ مِنْ أنَّ المناطَ الاستقبالُ بمقاديم البَدَنِ حَسَنٌ لو كانَ المناطُ في الاستدلالِ مثلُ قوله: (إذا دَخَلْتُم الغائطَ فتجنَّبوا القِبْلَةَ)([343])، وقوله: (إذا دَخَلْتَ المَخْرَجَ فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها)([344])، وقوله: في الجواب عن السّؤال عن حَدّ الغائط: (لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولا تستقبل الرّيحَ ولا تستدبرها)([345]).

وأمّا لو كانَ مثل قوله  عليه السلام : (لا تستقبل القبلة بغائطٍ ولا بولٍ)([346])، وقوله: (نَهَى رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وال وسلم  عن استقبالِ القِبْلَةِ ببولٍ أو غائط)([347])، فظاهِرُهَا الاستقبالُ بالبولِ، وليسَ الاستقبالُ بالبولِ إلاّ خُروجُه قِبالَها أو دبرها.

قُلْتُ: لا تَنَافيَ بينَ الرّوايات، ولا مُنافَاةٍ بينَ حُرْمَةِ الاستقبالِ حينَ البَوْلِ والاستقبالِ بالبَولِ، فَلْيَكُنْ المحرّم كِلَيْهِما، ولَعَلَّ الوَجْهَ في احتياطِ المتنِ بَعْدَ أنْ أفتى بحُرْمَةِ الاستقبال بمقاديم البدن بقوله: (والأحوط تَرْكُ الاستقبال والاستدبار بعَوْرَتِهِ فقط وإنْ لَمْ يَكُنْ بمقاديم بدنه).

نَعَمْ يُمْكن أنْ يقال: إنَّ الطائفتين من الأخبار ليست من قبيلِ العَامَينِ مِنْ وَجْهٍ، بل من قبيلِ المُجْمَلِ والمبيَّن؛ لأنَّ قوله: (تجنَّبوا القبلة) (ولا تستقبل القبلة) (إذا دخلتَ المخرج) مُجْمَلٌ من حيثُ المتعلَّق، من حيثُ أنَّ المرادَ: تَجَنَّبوا القبلةَ، بأنْ تبولوا لها أو تكونوا مُستقبلينَ لها عند البولِ، أو أنَّ المرادُ: لا تستقبل القبلة ببولك أو بتبوّلك؛ إذ لا أولوّية لحذفِ حالِ البول عن حذف ببولكَ، وحِينئذٍ يكونُ الطّائفَةُ الأُخرى مُبيّنة لها وموضّحة؛ لأنَّ المرادَ لا تستقبلها ببولك، فلو أفتى بحرمة الاستقبال والاستدبار بالبول، وجعل الاحتياط في الاستقبالِ حَالَه وإنْ أمَالَ إحليله لكانَ أولى.

ثمَّ، إنَّهُ لا يُتَوَهَّمُ أنَّ اقترانَ بَعْضِ الأخبارِ ببعضِ المستحبّات والمكروهات يُوجبُ صرف النَّوَاهي عَنْ ظُهورِها في الحُرْمَةِ، إذ يبقى العاري منها أوّلاً، وعَدَمُ صَلاحيّة السّوقِ برَفْعِ ظُهورِ النَّواهي ثانيا.

ولا فَرْقَ في الحُرْمَةِ بَينَ الأبنية والصّحاري، على المشهور؛ للإطلاقِ؛ وظُهورِ قوله: (إذا دخلتَ المخرجَ) (وإذا دَخلت الغائط) في البناءِ، فالتّفصيلُ بحُرْمَةِ الثانية وكَرَاهَةِ الأولى وإباحته ضعيفٌ.

وما يُروى في الصحيحةِ من أنّه قال: دَخَلْتُ على أبي الحسن الرّضا  عليه السلام  وفي منزلِهِ كنيفٌ مُستقبل القبلة سَمِعْتُهُ يقول: (مَنْ بالَ حِذاءَ القبلة ثُمَّ ذَكَرَ فانحرَفَ عنها إجلالاً للقبلةِ وتعظيماً لها لَمْ يَقُمْ من مقعده حتّى يغفر له)([348]).

لا يَدُلُّ على شيءٍ، ولا ينافي ما عليه المشهور من الحرمة بوجهٍ.

والوَعْدُ بالمَغْفرَةِ على مَنْ انحرف، أيضاً لا يُنافي حُرْمَةَ الانحرافِ على وجهٍ يُوجبُ ظُهَورَ النَّواهي، والقبلةُ المنسوخَةُ كبيتِ المقدس لا يَلْحَقُها الحُكْمُ؛ لِعَدَمِ الدَّليل؛ ولا المناط المنقّح الذي يُوجِبُ التَّعدّي، ودعوى الإطلاقُ ممنوعةٌ.

واحتمالُ صِدْقِ النبويّ وهو (إذا دَخَلْتَ المخرج فلا تستقبل القبلة ولا تستدبرها) قَبل تحريف القبلة مدفوعٌ بالأصل، مع أنّه ممّا لو كان لأبانوا([349]).

والأقوى عَدَمُ حُرْمَتِهِما في حالِ الاستبراءِ والاستنجاء لو لم يَعْلَمْ بخروجِ البَولِ، ولا بأسَ بخروجِ البَلَلِ المشتَبَهِ، وتنزيلُهُ منزلَةَ البولِ في غيرِ النَّجَاسَة والنّاقضيّة غيرُ معلوم.

وقوله: (كما يقعد للتخلّي)([350]) في جواب مَنْ سَألَ عن كيفيّة قعودِ المستنجي لا دلالةَ لَهُ على شيءٍ؛ اذ لم يُعْلَمْ من التّشبيهِ ما يَعَمُّ ذلك، مع ما في بَعْضِ الأخبارِ من الدّلالة على خِلافِهِ، بل المرتكز في الأوهام اعتبارُ الجُلُوسِ للتنقيةِ والاستنجاء والاستبراء على نحوٍ مُؤثّرٍ في التسلُّط على الاستنجاء، فيُمْكِنُ أنْ يكونَ السُّؤالُ من جهةِ ذلك المرتكز، والجوابُ ناظرٌ إلى ذلك أيضاً، ولا يَبْعُدُ أنْ يكونَ الاحتياطُ بالترك حالَها ناظراً إلى احتمالِ الإطلاق، كما عن بعضٍ.

ودعوى عمومِ تنزيلِ البَلَلِ المشتَبَهِ الخارجِ حينَ الاستبراءِ، بل أجزاءِ الغائطِ التّي قَدْ تَخْرَجَ حينَ الاستنجاء ولا بَأسَ بهِ، ولو اضطّر إلى أحدِ الأمرين تخيَّر.

 

فَصْلُ

في الاستنجاء

قوله: يجبُ غَسْلُ مَخْرَجِ البَولِ بالماء مَرّتَين والأفضل ثلاث.

لعلَّهُ اعتمَدَ في إيجابِ الغَسْل مَرَّتين إلى صحيحةِ البَزَنْطي المرويّة عن مستطرفات السّرائر عن نوادِرِهِ قال: (سألتُهُ عن البولِ يُصيبُ الجسدَ، قال: صُبَّ عليه الماء مَرّتين فإنّما هو ماء)([351])، بزعمِ عُمومِ مَوردِها للاستنجاءِ على بُعْدٍ؛ لظُهورِها في إصَابَةِ الجَسَدِ من الخارج، أو استفادَةِ العُموم من التعليل المشعر بتخفيف الأمر في البول، بالنّظر إلى أنّه ماء فيتعَدّى من مَوردِهِ إلى كُلِّ بولٍ.

وفيهِ أيضاً: إنّ التعليلَ ناظرٌ إلى كفاية مُجَرَّدِ الصَّبِّ من غيرِ حَاجَةٍ إلى الدّلكِ كما في غيره من النَّجاسات.

ولا يُنافيه ظُهورُها في كونِ التّعليلِ تعليلاً للمَجْموعِ؛ لأنَّ كفاية الصَّبّ مَرّتين أيضاً مُستندَةٌ إلى كونِ البولِ ماء غيرُ مُشْتَمِلٍ على جسمٍ مُحْتَاجٍ إلى الدَّلك.

ويؤيّدُ ما ذَكَرْنا ما سيحكى عن مرسلة الكابلي: (إنّه ماء ليس بوسخ)([352])

نعم بناءً على مَا ذَكَرْنا من كونِهِ عِلّةً للاكتفاءِ بالصَّبّ مَرّتين يَنْبَغي اعتبارَ مَرَّتين في مُطْلَقِ النَّجَاسَات وإنّما ما يَمتازُ البَولُ من بَينها بالاكتفاءِ بالصَّبّ فيهِ مِنْ حَيثُ كونِهِ ماءً، ولذا استفادَ بَعْضُهُم حُكْمَ التَّعَدُّدِ في النَّجَاسَاتِ منها بعُمومِ التّعليل أو بالأولويّة([353]).

وكيف كان فلا يُستَفَادُ حُكْمُ الاستنجاءِ منه مع اختصاصِ بابِ الاستنجاء بما يَشْهَدُ بسهولةِ الأمر فيه.

وقد يُستَفَادُ التَعَدُّدُ من الجَمْعِ بَينَ رِوايَتي نشيط بن صَالح عن أبي عبد الله  عليه السلام  قال: (سألتُه كم يجزي من الماء في الاستنجاء من البول؟ قال  عليه السلام : (مِثْلا ما على الحَشَفَةِ من البَلَلِ)([354])، وفي روايةٍ أخرى عنه قال: (يجزي من البول أنْ تَغْسِلَهُ بمثلِهِ)([355]).

فإنَّ الظاهِرَ من كُلٍّ منهما أنَّ ذلكَ أقل ما يُجزِي، فيُجْمَعُ بينهما بأنْ تكونَ الأوْلى في مقامٍ أقل ما يجزي في الاستنجاءِ الواجبِ من البول، كما هو الظّاهِرُ من السّؤال، والثانية في مقامِ بيانِ ما يجزى في كُلّ غسل، فإذا كانَ المجزي في غُسلِهِ مثل ما على الحَشَفَةِ، وكان أقل ما يكفي في الاستنجاء مثلاه كانَ اللاّزمُ تَعَدُّدَ الغسل، وإلاّ لَمْ يَكُنْ أقل ما يَكفي مِثلاه.

وفيه: ما يَظْهَرُ لَكَ بَعْدَ شَرْحِ مَفَادِ الرّوايتين، فنقول: قد عَرَفْتَ أنَّ السّؤالَ في الأولى عن أقل ما يَكفي في الاستنجاءِ من الماءِ، والجواب (بأنّه مِثْلا ما على الحشَفَة)، وأنَتَ خبيرٌ بأنَّ المرادَ مثلُ ما على الحَشَفَةِ عند الاستنجاءِ لا عند الفراغ من البول.

ومن المعلوم أنَّ ما يَبْقى على الحَشَفَةِ بعد البولِ وعند الاستنجاء بل بعد الاستبراءِ والتنحنح الذي هو وَقْتُ الاستنجاء ليسَ إلاّ مِقْدَارُ الرّطوبَةِ المتخلّفَةِ من البَلَل لو كانَ، وليس هو على تقديرِ خُروجِهِ إلاّ مقدارَ نِصْفِ القَطْرة، فيكونُ مثلاه قطرة.

وأنتَ أدرى أنَّ مقدارَ قَطْرَةٍ من الماء هو أقل ما يَحْصَلُ به مُسمَّى غَسْلِ مَحَلِّ البَوْلِ من الإحليل بحيثُ إذا سَأَلْتَ أنتَ عن مِقدارِ ما يَحْصَلُ بهِ المسمَّى غَسْلُ المحلّ المزبورِ لمَا أجبت بأقلِّ مِنْ ذلك.

ومن الجمع بين ظهورِ السّؤال والجواب يُستفاد كفايةُ مُسمَّى الغَسْلِ في الاستنجاء الواجب، فما أدري من أينَ استفادَ القائلُ بالتعدُّدِ التّعَدُّدِ، فكأنَّهُ فَرَضَ الموجودَ على المحلّ قطرةً فكانَ مِثلاهُ قَطْرَتانِ، فإذا كانَ أقل ما يُجزي في الاستنجاء الواجب قطرتان وَجَبَ التعدُّد، وإلاّ لم يَكُنْ مقدارُ مُسمَّى غسلتين أقل ما يجري، وقد عرفتَ ما فيه.

وأمّا الرّوايةُ الأخرى فالظّاهِرُ أنّ مَرْجِعَ الضّمير في (مِثْلِهِ) هُو البَولُ، يعني: يُجزي في البول الغسل بمثلِهِ يُريدُ منهُ الماءُ، يعني: لا يُجزي الاستجمارُ والخِرَقْ.

سلَّمنا، لكنّ مَرْجِعَ الضَّميرَ مُجْمَلٌ، فلا يُعَارِضُ المبيَّن.

سَلَّمنا لكنَّ التعبيرَ عن مِثلَيْ ما على الحَشَفَةِ بمثلِهِ مُسَامَحَة.

ومما يُمْكِنُ رَفْعَ إجمالِ الضَّميرِ بهِ نَقْلُ الكُليني أنّه: (روي أنّه يُجزي أنْ يغسله بمثله من الماءِ إذا كانَ على رَأسِ الحَشَفَةِ وغيره)([356]).

كما أنُّه يُؤيِّدُ ما استظهرنا كفايَتَهُ مِنْ تَحقُّقِ مُسَمَّى الغَسْل، بل يَدُلُّ عليه الموثّقة: قُلتُ لأبي عبد الله  عليه السلام : (الوضوءُ الذي افترضَهُ اللهُ على العِبادِ لمنْ جاءَ من الغائط أو بال، قال: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ويَذْهَبُ الغائطُ ثُمَّ يَتَوضَّأ مرّتين مَرَّتين)([357])، فإنَّ الظّاهر السّؤالُ عن تمامِ ما يَجبُ، فلو كان التَعَدُّدُ من الواجب لأبان به كما أبَانَ عن التَعَدُّدِ المستَحَبِّ في الوضوء.

وأمّا كونُ الثّلاثةِ أفضل؛ للمَرْويّ عن حريز عن زُرارةَ قال: كان يَستنجي من البولِ ثلاثَ مرّات ومن الغائط بالمَدَرِ والخِرَق([358]).

و قَدْ ظَهَرَ ممّا ذَكْرَنا أنّه ليس لما يَتَحَقَّقُ بهِ الغَسْلُ حَدٌّ، سِوى صِدْقُ الغَسْلِ، وهذا هُو المرادُ بقولِهِ: (بما يُسَمَّى غُسْلاً).

كما ظَهَرَ أنَّهُ لا يُجزي في البولِ غَيرُ الماءِ، من غير فَرْقٍ في ذلك كُلِّه بين الذكر والأنثى والخنثى، كما لا فرق بين المَخْرَجِ الطبيعيّ وغيرِهِ، من المعتاد وغيره.

وليس [في] قوله: (مِثْلا ما على الحشفة) دلالةٌ على الاختصاص مَعَ إطلاقِ السّؤال، وكونُ التَّعبيرِ بذلِكَ بلحَاظِ حالِ الرّاوي، ولا اعتبار بالانصراف إلى المعتادِ لَتَشَخُّص أو خصوص الطبيعي، وإلاّ لَجَرَى في غَالِبَ الأحكامِ، وقد مَرَّ ما يُوضِّحُهُ في غيرِ هذا المقام.

قوله: (وفي مَخْرَجِ الغَائِطِ مُخَيَّرٌ بينَ الماءِ والمسح بالأحجار) بالإجماعِ، بل الضَّرورةِ، وتظافُرِ الأخبار، بل تواتُرِها على الاجتزاءِ بالأحْجَارِ والكُرْسُف، بل في بَعْضٍ أنَّ السُّنَّةَ جَرَتْ بذلك، بل في صحيح زُرَارَةَ: أنَّ الحُسين بنَ عليٍّ  قدس سره  كانَ يَسْتنجي بالكُرْسُفِ ولا يَغْسِلُ بالماء([359])، لكنّ ذلكَ إذا لم يَتَعَدَّ عَنْ المَخْرَج على وَجْهٍ لا يَصْدُقُ عليهِ الاستنجاءُ وإلاّ تَعَيَّنَ، بل ظاهِرُ المشهورِ عَدَمُ الاكتفاءِ بكُلِّ ما كانَ مِصْدَاقاً للاستنجاء؛ لِتَقْييدِهِمْ ذلك بما إذا لم يَتَعَدّ المخرجَ، يعني: مَخْرَجَ النَّجْو، ومن الواضح أخَصّيّته عن المعتاد، فضلاً عن كفايةِ صِدْقِ الاستنجاء.

ودعوى قيام الإجماع على الأخصّ بعيدَة.

والاعتمادُ في التقييد على النَّبَويّ: (يَكْفي أحَدَكُمْ ثلاثةُ أحجارٍ إذا لم يَتَجَاوَزْ مَحَلَّ العَادَة)([360]) لا يَقْتَضي التقيُّدَ على الوَجْهِ الأخَصّ، بل اختلاف المستفادِ من المشهور مع النَّبَويّ يُوجِبُ عَدَمَ التَقَيُّدَ بالمعتادِ أيضاً؛ لعَدَمِ الجابر حينئذٍ له على وَجْهٍ يُقيِّدُ به الإطلاقاتُ، ولذا اكتفى في المتن.

فتلَخَّصَ أنَّ محتملاتِ المسألة ثلاثة:

أحدها: التقيُّدُ بعَدَمِ التَعَدّي عن المَخْرَج سواء فُسِّرَ بحَلَقَةِ الدُّبرِ على وَجْهٍ لا يشمل الشَّرْجَ أو على وَجْهٍ يَشْمَلُه.

ثانيها: التقيُّدُ بما جَرَتْ عليه العَادَةُ النّوعيّة.

ثالثها: كفايةُ صِدْقِ الاستنجاء.

والدّليلُ للأوّل ظهورُ كلماتِ القُدَمَاء، وللثّاني النبويُّ والانصراف، وللثّالث عَدَمُ انجبارِ النّبويّ بفَتْوىَ المشهورِ؛ لما عرفت من الاختلاف بينهما فيسقط عن الحجية، والمنعُ من الانصراف وإلا لجرى في مسألة طَهارَةِ ماءِ الاستنجاء أيضاً، وعدم بلوغ فتوى المشهور مَبْلَغَ الحُجّية، نعم إنْ رَجِعَ تَعبيرُ المشهورِ إلى التقيُّد بالعَادَةِ أجبر به سَنَدُ النّبَويّ، وجازَ تقيُّد المطلَقَاتِ به، وقُيِّدَتْ بالعَادَةِ، ومنهُ يَظْهَرُ الفَرْقُ بين مَسْألَتِنا ومسألةِ طهارة ماء الاستنجاء.

قوله: وإذا تَعَدَّى على وَجْهِ الانفصالِ، يعني: لا يُوجِبُ هذا القِسْمُ من التَّعَدّي تَعَيُّنَ الماءِ بالنّسبة إلى غيرِ المتعدّي، فيتخيّرُ في المَخْرَجِ مَعَهُ بينَ الأمْرَينِ، بخلافِ ما إذا تَعَدَّى مُتَّصلاً، فإنّه لا يجوزُ غَسْلُ المتعدّي بالماءِ، وإذهابُ المقدارِ المعتادِ منه بالأحجار وإنْ كانَ لجَوازِهِ وَجْهٌ إنْ أزالَ الزّائد بوجهٍ لا يَتَّصِلُ بالباقي رُطوبَةٌ خارجيّة.

وكيف كانَ فالغَسْلُ أفْضَلُ من المَسْحِ بالأحجار لما وَرَدَ في سَبَبِ نُزول الآية:[إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ]([361])، وقوله: (ثمّ أحْدَثَ الوُضوءَ وهُوَ خُلُقٌ كريم)([362])، والجَمْعُ أفضل؛ لقوله  عليه السلام : (فأتبعوا الماءَ بالأحجار)([363])، ولأنَّ الأنصاريّ الذي نزلت في حقّه الآية جَمَعَ بينَ الأمرين([364]).

ولا يُعْتَبَرُ في الغَسْلِ تَعَدُّدٌ بل الحَدُّ فيهِ النَّقَاء؛ لقوله: بعد السؤالِ عَنْ أنّه هل للاستنجاء حَدٌّ قال: (حتَّى يَنْقى ما ثمّةَ أو لا ينقى ما ثمّة) أو المرادُ بالنّقاءِ زَوَال الأثَرِ مَعَ زوالِ العين، والمرادُ بالأثر في كَلِمَاتِ القَوْمِ ما يُقابلُ الباقي بعد الاستجمار، فإنّ مِصْداقَ النّقاءِ بالماء يُغَايرُ مِصْدَاقَه عِنْدَ الاستجمارِ، كما في طَهَارَةِ الرِّجْلِ بالماء أو بالمشي.

قوله: (وفي المَسْحِ لابُدَّ من ثلاث وإنْ حَصَلَ النَّقَاءُ بالأقل)؛ للمستفيضة.

منها: المرويّ عن سَلْمَان: (نهانا رَسولُ اللهِ صل الله عليه وال وسلم  أنْ يستنجي بأقلّ من ثلاثةِ أحجار)([365]).

ومثلُهُ خَبَرَانِ عَامّيان: أحدُهُما: (لا يَكفي أحدُكُم دونَ ثلاثةِ أحْجَارٍ)([366]) والآخر: (لا يستنجي أحَدُكُم بدونِ ثلاثةِ أحجار)([367]).

و]رابعها[: (إذا جلس أحدُكُم لحاجة فليَمْسَحْ ثلاثَ مَسَحات)([368]).

و]خامسها[: (واستَطِبْ ثلاثة أحجار أو ثلاثةَ أعوادٍ أو ثلاثة حثيّاتٍ من تراب)([369]).

وصحيحةُ زُرَارَةْ: (ويجزيكَ من الاستنجاءِ ثلاثةُ أحجارٍ بذلكَ جَرَتْ السُّنَّةُ من رَسولِ اللهِ صل الله عليه وال وسلم )([370]) وظاهرُهُ كونُ الثّلاثة أقل ما يُجزي، وفي أخرى: (جَرَتْ السُّنّةُ في أثرِ الغائِطِ بثلاثةِ أحجار أنْ تَمْسَحَ العِجَانَ ولا تَغْسِلْهُ)([371]).

وفي رواية العجلي: (يجزي من الغائط المسحُ بالأحجار)([372])، وظاهره إرادَةُ المتكرِّرِ مِنَ الجَمْعِ وأقلُّهُ ثلاثةٌ دونَ الجنس.

وفي قبالِ ما عرفتَ تحديدُهُ بالنّقاء، وفي حَسَنَةِ ابن المغيرة فإنّه قال: (قلتُ هل للاستنجاءِ حَدٌّ، قال: لا، حتّى يَنْقَى ما ثمّةَ)([373])، والموثَّقةُ في: (الوضوء الذي افتَرَضَهُ اللهُ على العِبادِ لِمَنْ جَاءَ من الغائطِ أو بَالَ قَالَ: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ويَذْهَبُ الغائط)([374]).

وفي تَعَيُّنِ الأخذِ بالطّائِفَةِ الأولى، وحَمْلِ المُطْلَقِ على الغالِبِ مِنْ عَدَمِ الإذهابِ بدُونِ الثّلاثة أو حَمْلِهِ على الاستنجاءِ بالماء.

أو الأخذِ بالأخيرةِ، وحَمْلِ الأدلّةِ على الغَالِبِ حَيْثُ أنّه لا يَنْقى بدون الثلاثة.

وجهان، أوْجَهُهما الأوّل؛ لأنَّ ظُهَورَ المصدَرِ في التقييد أقوى من ظهورِ المطلق في الإطلاق، مُضافاً إلى أنَّ الغالبَ وإنْ كانَ عَدَمُ النّقاءِ بأقلّ من ثلاثةٍ، إلاّ أنّه لا يَنْقَى بالثّلاثة، والنّافِعُ في الحَمْلِ على الغَالِب هو الأخير.

وأمّا دَعْوَى ظُهورُ الحَسَنَةِ في خُصوصِ الاستنجاءِ بالماءِ فلا وجه لها، للمَنْعِ من انصرافِ الاستنجاءِ إليه حتَّى المستنِدِ إلى نُدْرَةِ الوُجودِ، فضلاً عن نُدْرَةِ الاستعمال.

وقوله: (ينقى ما ثمّةُ ويَبْقَى الرّيح) لا دلالة فيه على كونِ مَوْرِدِ السُّؤالِ خُصوصَ الاستنجاءِ بالماء، لو لَمْ يَكُنْ فيهِ شَهَادَةٌ على خِلافِهِ؛ لبقاءِ الرّيحِ غالباً بعد الاستجمار دُونَ الغَسْلِ.

وأمّا دعوى أنّ المرادَ إنْ كانَ زوالُ العَينِ لا يَصِحُّ تَحديدُ الاستنجاءِ بالماءِ بهِ وإنْ كانَ ما يَعُمّهُ، وزَوَالُ الأثرِ لا يَصِحُّ تحديدُ الاستجمارِ به، وقد عَرَفْتَ مَنْعَهَا سابقاً، وإنَّ النَّقاءَ مَفْهومٌ واحِدٌ وإنْ اخْتَلَفَ مُحقّقه ومصاديقه بحسب ما يَنْقَى به، ولا يُنافي ذلك إرادَةُ النّظافَةِ العُرْفية؛ إذ النّظافَةُ العُرْفيّة أيضاً يَخْتَلِفُ حُصُولها بسَببِ الماءِ والحَجَر، فإطلاقُ الاستنجاءِ يَدُلُّ على إرادَةِ المعْنَى الأعمّ من النَّقَاءِ كُلٌّ بحَسَبِهِ.

ونَظيرُ ذلكَ في التَّحديدِ بالإذهاب والنَّقَاءِ مُوثَّقَةُ يُونس (قلتُ: لأبي عبد الله عليه السلام  عن الوضوء الذي افترضَهُ اللهُ لمن جاءَ من الغائط أو بَالَ قال: يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ويذهب الغائط ويتوضّأ مرتين مرتين)([375]).

وقد يُقَالُ: إنَّ المسؤولَ عَنْهُ (الوضوء الذي افترضه الله) وهُو لا يَشْمَلُ الاستجمار، والإنصافُ أنّه أيضاً في غيرِ مَحَلِّهِ؛ لأنَّ المرادَ مِنَ الوُضوءِ فيهِ ما يَعُمُّ التّنظيفَ الشّرعيّ والعُرفيّ، وهو يَشْمَلُ الاستجمار، بل الإنصافُ أنَّ رَفْعَ اليَدِ عَنْ إطلاقِ الموثَّقة والحَسَنَةِ مَعَ وُقوعِهِما في مقام التّحديد بَعيدٌ جداً، فبَعْدَ الدَّورانِ بَيْنَهُ وبَيْنَ حَمْلِ الأمرِ بالثّلاثِ على الاستحبابِ نقدِّمُ الثّاني.

قوله: (ويجزى ذو الجهاتِ الثلاث من الحَجَر)؛ لاستبعادِ مَدْخَليّةِ الثلاث بما هُوَ كذلك، بل في بعضِ الأخبارِ إطلاقُ ثلاثِ مَسَحَات.

نَعَمْ قوله: (بثلاثةِ أحْجَارٍ) غيرُ شَامِلٍ للواحِدِ ذي الجِهَاتِ، ويمكنُ إرادَةُ تثليثِ المَسَحَاتِ منه أيضاً، وإنّما عبّر (بثلاثة أحجار)؛ لكَوْنِهِ الفَرْدُ الغَالِبُ من اختيارِ تثليث المسحات.

ومنه يَظْهَرُ الكلامُ في وُجوبِ تثليثِ الخِرقِ ووَحْدَتِها وإنَّ الأَحْوَطَ ثلاثةٌ مُنفصلاتٌ لاستصحَابِ النَّجَاسَةِ بدُونِها، ودعوى الاستبعادِ لا مَجَالَ لها، وإطلاقُ تثليثِ المَسْحِ في بَعْضِ الأخبارِ قابلٌ للتقيّد بقوله: (ثلاثةُ أحجار).

فالإنصافُ أنَّهُ لا يَنْبَغي تَرْكُ الاحتياطِ باختيارِ المُنْفَصِلِ من الخِرَقِ والأَحْجَارِ.

قوله: وَيَكْفي كُلُّ قالع، يَعني: للنَّجَاسَةِ، مِنْ دُونِ خُصوصيّةٍ للأحْجَارِ والعُودِ والتّرابِ الخَشِنِ، كما في الرّواية، بل وفي تَعْليلِ المنعِ عن الاستنجاءِ بالرّوثِ والرّمّةِ بأنَّهُ طَعَامُ الجِنِّ([376]) إشعارٌ إلى وُجودِ المقتضى فيهما، بل في كُلِّ شيءٍ سِوى ما يَكُونُ هُناكَ مانعٌ، وعليه فلا فَرْقَ بين الأصابع وغيره، كانت الأصابعُ منه أو من جاريته وزوجته.

نعم يعتبر فيه الطهارة؛ للانصرافِ؛ واستبعادِ كونِ الملاقاةِ المقتَضِيَةِ للتّنجيس مطهّراً، بل واستفادَةِ ذلكِ من اشتراطِ البَكارة.

بل التّحقيقُ أنّه لو استنجى بالنَّجِسِ لا يكفي بَعْدَهُ إلاّ الماء لتَنَجُّسِ المحلّ بغيرِ نَجَاسَةِ الاستنجاء.

ولا يُشْتَرَطُ البَكَارَةُ وإنْ صَرَّحَ بها في بعض الأخبار([377])، لكنّكَ عَرَفْتَ أنّ إرادَةَ الطّاهِرِ منها مُحْتَمَلٌ بَلْ مَظْنُون، وعليه فيكفي المتنجّس بالاستنجاءِ أو بغير الاستنجاء بَعْدَ غَسْلِهِ وتَطْهيرِهِ، بل لو أخَذْنا بظَاهِرِ البَكَارة اقْتَضَى ذلكَ عَدَمَ جَوَازِ استجمارِ الغَيْرِ بهِ أيضاً، فضلاً عن استعمالِهِ ثانياً في الاستجمار الآخر، ولَعَلَّ بَعْضَ ذلك مُخالِفٌ للإجماع.

وَيَجِبُ في الغَسْل بالماءِ إزالَةُ العَين والأثر، بِمعنى: الأجزاءِ الصِّغارِ التّي لا تُرى؛ لما عَرَفْتَ أنَّ النَّقَاءَ بالماءِ عُرْفاً كذلك، بل لا يُطْلَق على أقل مِنْ ذَلِكَ النَّقاءِ وإنْ صَدَقَ عليهِ عند الاستجمار، نَعَمْ لا يُعْتَبَرُ زَوَالُ اللّونِ والرّيح؛ لِعَدَمِ الدَّليلِ مَعَ صِدْقِ النَّقَاءِ عرفاً وشرعا.

وفي المَسْحِ يَكْفي إزالَةُ العَينِ ولا يَضُّرُّ بَقَاءُ الأثرِ بمعنَى الأجزاءِ الصِّغار غير المرئية؛ لما عَرَفْتَ من صِدْقِ النّقاءِ والإذهاب.

المسألَةُ الأولى: لا يجوزُ الاستنجاءُ بالمحترمات...([378])

التي ثَبَتَ احترامُها مِنَ الشَّرْعِ تَكْليفاً، وهل تَقْتَضي طُهْرَ المَحَلِّ إنْ لم يُوجِب استعمَالُهُ ارتِدَادَ المستنجي، الأظْهَر نعم.

وأمّا الاستنجاءُ بالعَظْمِ والرَّوْثِ فلو مَنَعْنَا عَنْهُ لَمْ يَطْهُرْ المَحَلُّ؛ لاستصحاب نَجَاسَتِهِ؛ وظهورِ الأخبارِ المانعةِ في الوضع، نعم لِدَعْوَى حَمْلِها على الكَرَاهَةِ بقرينَةِ التَّعليل بأنّهُ طَعَامُ الجنّ بضَمِيمَةِ أنَّ التَّحديدَ بالإذهابِ والنَّقَاءِ تحديدٌ لجميعِ جِهَاتِ الاستنجاءِ، لا خُصوص حَدّ الإزالة، كما هُو الظّاهِرُ مِنَ الموثَّقَةِ والحَسَنَةِ يَتّجهُ جِدَّا.

المسألةُ الثّانيَةُ: في الاستنجاءِ بالمَسَحَاتِ إذا بَقيَتْ الرُّطوبةُ في المحلّ يُشْكِلُ الحُكْمُ بالطَّهَارَةِ...([379])

بل المنقولُ عن الشافعيّ وأبي حنيفَةَ عَدَمُ طَهَارَةِ المحلّ بالاستجمار وإنْ ثَبَتَ العَفْوُ في الشَّريعَةِ، لكنَّهُ خِلافُ ظاهِرِ إطلاقِ الأصحاب، بل والأخبار، بل كادَ يكونُ قولُهُ في صحيحة زُرَارَة (لا صَلاةَ إلاّ بطَهُور) (ويجزيكَ من الاستنجاءِ ثلاثةُ أحْجَار) نَصَّاً في ذلك، مُضافاً إلى النبويّ: (لا تَسْتَنجوا بالعَظْمِ والرَّوْثِ) فإنهما لا يُطّهران وإنْ كانَ مِنَ المُحْتَمَلِ بل المظنون إرادَةُ النَّقاءِ من التَّطهير فيه، ولذا حَمَلْنا النَبَوِيَّ على الكراهة في ما مَضَى.

وكيفَ كانَ فَظَاهِرُ الأخْبَارِ طَهَارَةُ المَحَلّ بالاستجمار، بَلْ ظَاهِرُها الطَّهَارَةُ بمُجَرَّدِ النَّقاءِ وذهاب الغائط وإنْ بقيَتْ الرّطوبَةُ في المَحَلّ، فيكونُ حالُ الرُّطوبَةِ حَالَ الأجزاء الصِّغار غير المرئية.

بل يمكن أنْ يكون المرادُ من الأثر الذي لا يَجِبُ إزالَتُهُ في الاستجمار ما يَعُمّ الرّطوبة المزبورة، وعَدَمُ وُجوبِ إزالَتِها ظاهرٌ في طهارَتِها، وليس بملاكِ التَعَبُّدِ إلاّ أنْ يُدَّعَى أنَّ الغَالِبَ عِنْدَ عَدَمِ تَلَيُّنِ البَطْنِ عَدَمُ بَقَاءِ شَيءٍ من الرُّطوبَةِ في المَحَلِّ بَعْدَ الاستجمار، واليهِ يُشيرُ قولُ عليٍّ  عليه السلام : (كُنْتُمْ تَبْعَرُونَ بعراً واليوم تثلطون ثلطاً فأتبِعوا الماءَ الأحجار)([380])، وإنّما أمَرَ بالماءِ؛ لإزالَةِ الرّطوبةِ، ثُمَّ على تقدير نَجَاسَةِ الرّطوبَةِ فهل يُعْتَبَرُ [في] طهارَةِ المحلّ إزَالَتُها بالاستجمار، أو يكفي جَفَافُها بنفسها لِكُلِّ وَجْهٍ، والأحوط الأوّل، كما أنَّ الأحْوَطَ عَدَمُ البَقَاءِ على طَهَارَةِ الرَّطوبة وإنْ كانَ الظَّاهِرُ كِفَايَةُ جَفَافِها ولو بنَفْسِها في طُهْرِ المحلّ؛ لإطلاقِ أدِلَّةِ الاستجمار.

المسألة الثالثة: في الاستنجاء بالمسحات يُعْتَبَرُ أن لا يكونَ في ما يُمسح به رطوبة مسرية...([381])

وإلاّ لتَنَجَّسَتْ تِلكَ الرُّطُوبَةُ فيَكونُ ما يُسْتَنْجَى بهِ نَجِسَاً، وقَدْ عَرَفْتَ اعتبارَ طَهَارَتِهِ، مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَن الاستنجاءِ، أو دَعْوَى أنَّ هَذِهِ النَّجَاسَةَ أيْضاً مَعْلُولةٌ عن الاستنجاءِ مرفوعةٌ بأنّها زائدةٌ عن النَّجَاسَةِ اللّازِمة له.

المسأَلَةُ الرَّابِعَـةُ: إذا خَـرَجَ مع الغائـطِ نجاسةٌ أخرى كالدّمِ...يَتَعَيَّنُ الماءُ...([382])

لأنَّ الثابت زوالُهُ بالاستجمارِ هُو خُصوصُ نجاسَةِ النّجو دُونَ غيره.

نَعَمْ خُروجُ النَّجَاسَةِ على وَجْهٍ لا يُلاقي المَحَلّ، ولا المُلاقي له على وَجْهٍ مُؤثّرٍ في اكْتِسَابِ المُلاقَى (بالفتح) النَّجاسَةَ الزّائدة لا يَضُرُّ في طُهْرِ المَحَلِّ بالاستجمار.

نَعَمْ مَعَ الشَّكّ في ذلك يُبْنَى على العَدَمِ، على إشكالٍ في سُقوطِ استصحابِ النَّجَاسَةِ بذلك؛ لما قُرِّر([383]) في مَحَلِّهِ مِنْ أنَّ نفيَ الفَرْدِ الطَّويلِ بالاستصحاب لا يَتَرَتَّبُ عليهِ قَطْعُ استصحابِ النَّجَاسَةِ، إلاّ أنْ يُقال: إنّه لو شَكَّ في تأثيرِ الاستِجْمَارِ مِنْ جِهَةِ وُجودِ مانعٍ، والأصْلُ عَدَمَهُ، فليس الشَّكُّ ناشئاً عن اختلافِ نَوْعِ النَّجَاسَة، بل لو كانَ الشَّكُّ في خُروجِ النَّجَاسَةِ الخارِجَةِ مُتّأخِرٌ عَنْ نَجَاسَةِ المَحَلِّ بالنَّجوِ أمْكَنَ استِصْحَابُ بَقَاءِ خُصوصِ النَّجَاسةِ النّجو دُونَ غيرها، هذا.

ولكِنَّ الإنصافَ عَدَمَ خُلوِّ المسألَةِ عَنْ الإشكالِ خُصوصاً إذا كانَ الشَّكُّ في خُروجِ النَّجَاسَةِ الأُخرى مَعَهُ على النّحو المؤثّر في النّجو.

ودَعْوَى استصحابِ بقاءِ مَرْتَبَةِ النَّجَاسَةِ النّجويّة، وعَدَمِ تأثيرها بغيرها.

حَسَنَةٌ في ما إذا لم يُحْتَمَلُ تكوّنُهُما مَعَاً مِنْ أوّلِ حُدُوثِها.

المسألة الخامسة: إذا خرجَ من بيت الخلاء ثمّ شكَ في أنه استنجى أم لا بنى على عدمه؛... للاستصحاب([384]).

ودعوى كون الشكّ من قبيل الشكّ بَعْدَ تجاوُزِ المحلّ.

مدفوعةٌ بأنّها مبنيّةٌ على تَعميم المحل للمحلّ([385]) العادي نوعاً أو شخصاً، وهُوَ مَحَلُّ إشكالٍ أو مَنْعٍ، ومنه يَظْهَرُ أنَّه لا فرقَ بَيْنَ جَرَيانِ عادَتِهِ على ذَلكَ أو عَدَمِهِ.

نَعَمْ لو كانَ ذَلِكَ منهُ بَعْدَ الدّخولِ في الصَّلاة قَوِيَ البناءُ على الاستنجاءِ بالنّسبة إلى ما مَضَى من أفعالِ الصَّلاةِ، وحينئذٍ فلو تَمَكّنَ من الاستنجاءِ في أثناء الصَّلاةِ منْ غَيرِ حُصولِ مُنَافٍ بنى عليها، وإلاّ قَطَعَ الصَّلاةَ واستَنْجَى، ومنهُ يَظْهَرُ قوّةُ البناءِ على الصّحّةِ، لو كانَ ذلكَ منهُ بَعْدَ الصّلاة، كما أنّه ممّا ذَكَرْنا ظَهَرَ أنَّ البناءَ على الاستنجاءِ مُطْلَقاً لو كانَ مُعْتَادُهُ ذلك كما في المتن بَعيدٌ.

المسألةُ السّادِسّة: لا يَجِبُ الدَّلْكُ باليَدِ عند الاستنجاءِ من البول وإنْ شَكَّ في خُروجِ مِثْلِ المذيّ والودي فإنّه يَبني على عَدَمِهِ...([386])

ودَعْوى أنّه مُثْبتٌ بالنّسْبَةِ إلى حُصولِ الغَسْلِ.

مدفوعةٌ بجريانِ السّيرةِ على إجراء هذا الأصلِ في موارِدِ الغُسْل، والغُسْلُ بالضّمِّ والفتح.

ودعوى أنَّ المَرْجِعَ في مثلِ استصحابِ النَّجَاسَةِ.

مدفوعَةٌ بإمكانِ المَنْعِ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ قَبيلِ الشَّكِّ في سنخ النَّجَاسَةِ الموجودة، بَلْ هُوَ مِنْ قَبيلِ الشّكّ في تَحقيقِ مُطَهِّرِ النَّجَاسَةِ الشَّخصية.

المسأَلَةُ السَّابِعَةُ: إذا مَسَحَ مَخْرَجَ الغَائِطِ بالأرضِ ثلاثَ مَرَّاتٍ، كَفَىَ مَعَ فَرْضِ زوال العين بها.

وهكذا بحاشِيَةِ الجِدَارِ ثلاث مرّات؛ لما عَرَفْتَ مِنْ أنَّ المَنَاطَ المسْحُ بكُلِّ قالعٍ، بَلْ عَرَفْتَ أنَّ المناطَ النّقاءُ فيَطْهُرُ المَحَلُّ بتحَقُّقِهِ بكُلِّ وَجْهٍ.

المسألة الثامنة: يَجوزُ الاستنجاءُ بما يُشَكُّ في كونِهِ عَظْماً أو رَوْثاً أو من المحتَرَمَاتِ...([387]).

أمّا أصْلُ الجَوَازِ التكليفيّ؛ فلأصَالَةِ البراءة، وأمّا تحقّق الطّهارة بالمسح بهِ فيَشْكُُلُ في غيرِ الأخير، لو قُلنا باشتراطِ عَدَمِ كَوْنِ ما يُسْتَنْجَى بهِ عَظْمَاً أو رَوْثاً؛ لأنَّ التَمَسُّكَ بالعُموماتِ من قَبيلِ التَمَسُّكِ في الشُّبْهَةِ المصداقيّة.

نعم للمصنّفِ كلامٌ في المقام، وبظاهره إجراءُ أصَالَةِ عَدَمِ المانعِ إنْ أحْرَزَ من العُمومِ المقتضي ومن المخَصِّص كونُهُ من قبيلِ المانع، ولعلَّ بناءه على الطّهّارَةِ في المقامِ ناشئٌ من ذلك الأصْلُ، وبه يُفَرَّقُ بينَ الشَّكّ في كونِ ما غَسَلَ بهِ المحلَّ مُطلقاً أو مُضَافاً، وبين ما نحنُ فيهِ، وقد أوْضَحْنا الكَلامَ عليهِ في غيرِ المقام من الكتاب.

 

فصلٌ

في الاستبراء

قوله: والأوْلَى في كيفيّاتِهِ: أنْ يَصْبرَ حتَّى تَنْقَطِعَ دَريرَةُ البول...([388])

في الوسائلِ عَنْ أبي عبدِ اللهِ  عليه السلام  في الرَّجُلِ يَبولُ ثُمَّ يستنجي ثم يجد بعد ذلك بللاً قال: (إذا بال فخرط ما بَيْنَ المقْعَدَةِ والأنثيين ثلاثَ مَرَّاتٍ، وغَمَزَ ما بينهما ثمّ استنجى، فإنْ سَالَ حَتَّى يَبْلُغَ السَّوق فلا يُبالي)([389]).

وهكذا باقي الأخبار المذكورة في الوسائل، فإنّها ليس فيها اعتبارُ انقطاعِ دَريرَة البول.

وأمّا قولُهُ في الصحيحةِ: (إذا انَقَطَعَتْ دِرَّةُ البَولِ فَصُبَّ الماء)([390]).

وقولُ روح بن عبد الرحيم: (بالَ أبو عبدِ اللهِ وأنَا قائمٌ على رَأسِهِ فَلَمَّا انْقَطَعَ شَخْبُ البَوْلِ قال بيده هكذا إليَّ فناوَلْتُهُ فتوَضَّأ مكانَهُ)([391]).

فلا يَدُلاّنِ على كونِ ذَلِكَ مِنْ آدابِ الاستبراء.

نعم يُمْكِنُ أنْ يُقال: إنَّ مَحَلَّ الاستبراءِ لمَّا كَانَ عَقيبَ البَوْلِ يُعْتَبَرُ تحقُّقه بتمَامِهِ، ولا يَتَحَقَّقُ الفَرَاغُ من البَول إلاّ بَعْدَ قَطْعِ دَريرَةَ البَوْلِ مَعَ أنَّ اعتبارَ الاستبراءَ لمَّا كانَ لاستظهارِ تَنْقِيَةِ المَجْرَى عمَّا يبقى فيه بَعْدَ البَوْلِ وَجَبَ أنْ يَتَحَقَّقَ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهُ لكي يُسْتَظْهَرُ النَّقاءُ، فإنَّ الوَاقِعَ من أفعالِهِ في أثناء وقَبْلَ الفَرَاغ، كالوَاقِعِ مِنْهُ قَبْلَهُ لا دَخْلَ له في تنقيةِ الَمْجَرى بَعْدَ الفراغ.

وأمّا الابتداءُ بمَخْرَجِ الغائِطِ قَبْلَ الاستبراءِ، كما في موثّقةِ عَمَّار: (سَأَلْتُهُ عَنْ الرَّجُل إذا أرادَ أنْ يَسْتَنجي بأيَّما يبدأ بالمَقْعَدَةِ أو بالإحليلِ فقالَ بالمَقْعَدَةِ، ثمَّ بالإحليل)([392]).

ولَعَلَّ الوَجْهَ فيه: أنّه لمَّا كانَ المعتَبَرُ في الاستبراءِ عِنْدَهُم المسحَ من عندِ المقعدة كانَ المناسبُ أنْ يَقَعَ ذلكَ بعد الاستنجاءِ من الغائطِ، وإلاّ لَتَنَجَّسَ اليَدُ، وسَرَتْ النَّجَاسَةُ إلى ما بَينَ المَقْعَدَةِ وأصلِ الذّكَر ومنهُ إلى رَأسِهِ، فنَاسَبَ أنْ يَكُونَ الاستبراءُ بَعْدَ الاستنجاءِ من الغائط، كما أنّه يُنَاسِبَ أيضاً أنْ يَكُونَ الاستنجاءُ من الغائطِ بَعْدَ صَبِّ الماءِ على مَحَلِّ البولِ فيَسْتَنْجي من البول ابتداءً، ثمَّ من الغائط، ثُمَّ يَسْتَبْرء، فإنْ خَرَجَ شيءٌ يستنجي من البول ثانيا.

ثمَّ إنَّ الطَّريقَ المسطور في الكتاب للاستبراءِ في عَدَدِ المسحاتِ وكيفيّتها لا ينطبقُ على شيءٍ من أخبارِ الباب.

نعم يُمْكِنُ أنْ يُسْتَظَهَرَ أولويّةُ إعمالِ اليُسرى بما دَلَّ على كَرَاهَةِ الاستنجاءِ باليَمين، وأنّهُ من الجَفَاءِ، إلاّ إذا كانَ هُنَاكَ عُذْرٌ بناءً على أنْ يَكُونَ الاستبراءُ من شؤونِ الاستنجاءِ، وإنْ مَنَعْتَ عَنْ ذَلِكَ فيَكْفِي في ما ذَكَرَهُ مَا دَلَّ على المنعِ من مَسِّ الذَّكَرِ باليمين، فإنّ المرويَّ في الوَسَائلِ عن أبي جَعْفَر  عليه السلام : (إذا بَالَ الرَّجُلُ فلا يمسّ ذَكَرَهُ بيمينِهِ)([393]).

كما يُمْكِنُ استِظْهَارُ استحبابِ استِعْمَالِ الوُسْطَى من نوادِرِ الرّاوَنْديّ عن النبيّ صل الله عليه وال وسلم  أنّه قال: (مَنْ بالَ فليَضَعْ إصبعه الوُسطى في أصلِ العِجَانِ ثمَّ ليَسُلّها ثلاثاً)([394])، ولعلَّ لِضَعْفِ سَنَدِهِ لم يَعْتَبرُوهُ وُجوبا.

وكيف كان فَمَنْ استَبْرَءَ على الوجهِ المزبور في الكتابِ عمل بتَمَامِ ما وَرَدَ في الأخبارِ، بل قولُهُ في الرّوايَةِ الأولى (مسح ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث مرات وغَمَزَ ما بَيْنَهُما) إنْ حُمِلَ ما بَيْنَهُما على ما بَينَ أصلِ الذَّكَرِ مِنْ عندِ الأنثيينِ ورأسه اشتَمَلَ على المسحات التّسع بعد إرادَةِ التثليثِ من الغَمْزِ بقرينَةِ ما قَبْلَهُ، وعلى ذَلِكَ يُمْكِنُ استظهارُ المسحَاتِ التّسعْ من الرّوايَةِ الأخيرة أيضا.

وأمّا تَعَيُّنُ إعمَالِ السّبّابَةِ فليسَ في شيءٍ ممّا عَثَرْتُ عليهِ من الأخبارِ، نعم هو أقوى في التنقيَةِ والاستظهارِ إذا وَقَعَ بهَذِهِ الكيّفيّة.

وكيف كان ففائدَتُهُ الحُكْمُ بطَهَارَةِ الرُّطُوبَةِ المشتَبَهة، وعدمِ ناقضيَّتها، كما هو المصَرَّحُ بهِ في الأخبار الثّلاثة السابقة، مُضَافاً إلى مَنْقولِ الإجماعِ عليهِ في كلماتِ جَمَاعَةٍ، وظاهرُهُم كظاهرِ الأخبارِ الحُكْمُ بكونِ الخَارِجَ بَولاً إنْ كانَ ذَلِكَ قَبْلَ الاستبراءِ، وهو كذلك، كما هُوَ مُقتضى تفريعِ عَدَمِ البأسِ على الاستبراءِ في الأخبارِ المزبورة، بل تَصْريحُ بَعْضِ ما وَرَدَ في من بال، ثمّ اغتَسَلَ بأنَّهُ يَجِبُ عليهِ الوُضوءُ ولا يَنْقُضُ غسله.

وهل يُلْحَقُ بالاستبراءِ في الفائدَةِ المزبورَةِ طُولُ المدّةِ على وَجْهٍ يُقْطَعُ بعَدَمِ بقاءِ شيءٍ في المجرى، فإن احتَمَلَ كونُهُ بَوْلاً كانَ ذَلِكَ مِنْ أجلِ احتمالِ خُروجِهِ من الأعلى أم لا؟ وجهانِ، أوّلُهُما: مُختارُ المتن نَظَراً إلى حُصولِ الفَرْضِ من الاستبراءِ ومن تنقيةِ المجرى وعدمِ بَقَاءِ شيءٍ من البَوْلِ فيهِ، وهُو حَسَنٌ لو علَم أنّ العِلّةَ في الاستبراءِ ذلك.

ويُمْكِنُ التّشكيكُ فيهِ باحتمالِ أنْ يكونَ ذلِكَ مؤثّراً في خُروجِ ما كانَ في مَعْرِضِ الخُروجِ من البول مِنْ مَحَلَّهِ.

وكونُ الحِكْمَةِ أو العِلّةِ في البول بَعْد المنيّ ذلكَ - كما يَظْهَرُ من الرّوايَةِ - لا أثرَ له في ما نَحْنُ فيهِ، فالاحتياطُ لا يَنْبَغي أنْ يُتْرَك.

وعلى أيِّ حالٍ فلا يَكْفِي الظَنُّ بالنَّقاءِ وعَدَمِ البقاءِ؛ لِعَدَمِ الدّليل على حُجّيّةِ هذا الظنّ، فلا يَتَرَتَّبُ عليهِ ما يَتَرَتَّبُ على العِلْمِ بنَقَاءِ المَجْرَى، وعَدَمُ بقاءِ شيءٍ فيه وعَدَمُ كونِ الخَارِجِ منهُ، ولا يَضُرُّ احتمالُ البَقَاءِ، وكونُ الخارجِ مِنَ البَوْلِ بَعْدَ الاستبراءِ للدّليلِ، بل هَذا هُوَ الفائدة في الاستبراء، وإلاّ فهُوَ لا يُوجِبُ القَطْعُ بالنَّقَاءِ.

وليسَ على المرأةِ استبراء؛ لاختصاص دَليلِهِ بالرّجالِ عَلَى وَجْهٍ لا يَمْكُنُ إجْرَاءه فيها.

ودَعَوى أنّها تستبرءُ عُرْضاً أو أنّها تصبر قليلاً وتتنحنحَ وتَعْصِرُ فَرْجُهَا عُرْضَاً لا دليل عليها.

وعلى أيِّ حالٍ فَعَلَتْ ذلك أو لَمْ تَفْعَلْها فالرُّطُوبَةُ الخَارِجَةُ مِنْها مَحْكُومَةٌ بالطَّهَارَةِ، وعَدَمُ النّاقِضيّةِ؛ للاستصحاب؛ وأصالة عَدَمِ خُروجِ البَول.

المسأَلُة الأولى: مَنْ قُطِعَ ذَكَرُهُ يَصْنَعُ ما ذُكِرَ في ما بقي.

فلا يُتْرَكُ الميسورُ من أعْمَالِهِ بالميسورِ؛ إذْ ليسَ الحُكْمُ تَعَبُّديّاً مَحْضَاً حتّى لا يُفْهَمُ حُكْمُ مثلُ هذِهِ الفُروض من أدلّتِهِ، كذا قيل، وهُو حَسَنٌ لو عَلِمَ بنَقَاءِ المَجْرَى بذلِكَ، وعَدَمُ وُجودِ شيءٍ فيه، وعلم أنَّ المناطَ والعلّة في الاستبراءِ رَفْعُ احتمالِ كَونِ الخَارِجِ مِنَ البَولِ الباقي في المجرى، وفي كلا المقدّمتين، تأمُّلٌ في الرُّجوعِ إلى مَا دَلَّ على نَقْضِ الوُضوءِ بالبَلَلِ الخَارِجِ قَبْلَ الاستبراءِ هُو الأولى إلاّ أنْ يُدَّعى انصِرَافُها إلى مَنْ أمْكَنَ في حَقِّهِ ذلِكَ، فيكونُ المقطوعُ الذّكَرُ في حُكْمِ الأُنثى.

المسألةُ الثانية: مَعَ تَرْكِ الاستبراءِ يُحْكَمُ على الرُّطُوبَةِ المشْتَبَهَةِ بالنَّجاسة والنّاقِضيّة...([395])

لما مَرَّ من عَدَمِ الخلافِ وظُهورِ الإناطَة في أخبار الاستبراء وإطلاقِ الأمرِ بالوُضوءِ؛ لما يَخْرُجُ ممّنْ بال قبل الغسل بَعْدَ تقيُّدها بأخبارِ الاستبراءِ، ومِنْ ذلكَ عَرَفْتَ أنَّه لا فَرْقَ في ذلك بين أنْ يكونَ عَدَمُ الاستبراءِ اختياراً أو اضطراراً، بل عَرَفْتَ شمولَ الإطلاقِ لمقطوعِ الحشفة أو الذَّكَر أيضاً في وجهٍ.

المسألة الثالثة([396]):

لا يُعْتَبَرُ المباشَرَةُ في الاستبراء، بل لا يبعدُ اعتبارُ كونِهِ باليد، فيَحْصُلُ بكلِّ ما يُؤدّي ذلك، يعني: الغمز والنتر، لوضوحِ أنَّ المقصودَ مِنْهُ تَنْقِيَةُ المَجْرَى وإخراجُ بقيّةِ البَلَلِ، وهُو حَسَنٌ إنْ اتَّضَحَتِ العِلَّةُ، بل مُطلقاً؛ لأنّ المَتَبَادَرَ من الأوامِرِ في مِثْلِ هذهِ الموارِد مَطلوبيّةُ وُجودِ مُتَعَلَّقِها ولو بفعلِ الغير من دونِ مُبَاشَرَةٍ، ولا يُلْتَفَتُ إلى الظُّهورِ النّوعيّ في المباشرة فتأمّل.

المسألة الرابعة: إذا خَرَجَتْ رُطُوبَةٌ من شَخْصٍ وشَكَّ شَخْصٌ آخرُ في كونها بولاً أو غيره...([397])

يلحقه الحكم، يعني: يحكم ببوليّتها إنْ كانَ خُروجُها قَبلَ الاستبراءِ، وبطهارَتها إنْ كانَ بَعْدَهُ، وإنْ كان نفس الشّخْصِ غافِلاً وغيرَ شَاكٍّ في الرُّطوبة، كأنْ كانَ نائماً، وكذا إذا خَرَجَتْ من الطّفلِ أو المجنون، وشَكَّ وَليُّهُ، بل غَيْرُهُ مُطْلقاً في كونِ الخَارِجِ بَوْلاً، أو غَيْرَهُ، وذَلِكَ لظهورِ الأخبار في كونِ الاستبراءِ سَبَبَاً للحُكْمِ بطَهَارَةِ الخارِجِ، ومَعَهُ لا فَرْقَ بين أنْ يَكونَ الشّاكُّ نَفْسُ مَنْ خَرَجَتْ منهُ الرُّطوبَةُ، كما هو مَورِدُ الأخبارِ أو غيره.

المسألة الخامسة: إذا شَكَّ في الاستبراء بَنى على عدمه...([398])

للاستصْحابِ؛ وعَدَمِ جَرَيَانِ قاعِدَةِ التّجَاوُزِ فيه؛ إذ لم يتقرَّر له مَحَلُّ حتّى يكونَ فيه مَحَلاًّ للتقسيم بين التَّجَاوُزِ وعَدَمِهِ.

نعم إنْ فَرَضْنَا أنَّهُ كانَ مِنْ عَادَتِهِ الاستبراءُ وَقْتَ الاستنجاءِ أو الكونِ في الخلاء، وعَمَّمنا المَحَلَّ في أخبارِ التَّجَاوز إلى المَحَلِّ العَادِي، واتَّفَقَ شَكُّهُ بَعْدَ تَجَاوُزِ المَحَلّ لَمْ يَبْعُدْ جَرَيَانُ القاعدة.

نعم لو عَلِمَ أنَّهُ استَبْرَءَ وشَكَّ في صِحّتِهِ وفَسَادِهِ جَرَىَ أصَالَةُ الصِّحَّةِ والفراغ.

المسأَلَةُ السّادِسَةُ: إذا شَكَّ مَنْ لم يستبرء في خُروجِ الرُّطوبَةِ بنى على العدم...([399])

للاستصحابِ، وإنْ ظَنَّ الخروج؛ لعَدَمِ اختصاصِ حُجّيّةِ الاستصحابِ بغَيْرِ مَوْرِدِ الظّنّ بالخلاف.

المسألَةُ السَّابِعَةُ: إذا عُلِمَ أنَّ الخَارِجَ مَذيّ، لكنْ شَكَّ في أنَّهُ خَرَجَ معه بولٌ أم لا...([400])

لا يَلْحَقُهُ حُكْمُ الرّطُوبَةِ المشتَبَهَة، إلاّ أنْ يَرْجِعَ الشّكُّ إلى أنَّ بَعْضَ الخارجِ بَوْلٌ أو مذي، فمَنْ عَلِمَ أنَّهُ خَرَجَ مِنْهُ مِقْدَارٌ من المذي، وشَكَّ في خُروجِ أزيدِ منه، وإنْ كانَ يَعْلَمُ أنَّهُ لو كانَ أزيدَ كانَ الزّائد بولاً يبنى على الطَّهَارَة، ومَنْ عَلِمَ أنَّ الخَارِجَ ما عدا القَطْرَةِ الأولى مثلاً مَذي، وشَكَّ في أنّ القَطْرَة الأولى مَذي أو بول يَلْحَقُهُ الحُكْمُ، بل في المتن أنَّ الصّورة الأولى أيضاً إنْ رَجِعَتْ إلى الشّكّ في أنَّ هذا الموجودَ بتَمامِهِ مَذي أو مُرَكّبٌ من المذي والبَوْلِ لحَِقَهُ الحُكْمُ، وفيه تأمُّلٌ، إنْ لم يَرْجِعْ إلى ما ذكرنا.

المسألة الثامنة: إذا بَالَ ولَمْ يستبرء، ثُمَّ خَرَجَتْ منهُ رُطُوبَةٌ مُشْتَبَهَةٌ بين البَوْلِ والمنيّ يُحْكَمُ عليها بأنَّهَا بَوْلٌ...([401])

لإطلاقِ الأخبارِ، ومعاقِدِ الإجماعاتِ الحاكِمَةِ على أنَّ الرُّطُوبَةَ المشتبهة قبل الاستبراء بَوْلٌ، ولكن في الإطلاقَ إشكالٌ؛ لظهورِ سياقِها في بيانِ الحُكْمِ المشتَبَه بَينَ البَولِ وغيرِهِ من الحبائل، دونَ المنيّ، وحينئذٍ فإنْ كانَ خارِجاً من المتطهّرِ بَعْدَ البولِ بالوُضوءِ جَمَعَ بينَ الطَّهَارَتين؛ لاستصحابِ الحَدَثِ، بَعْدَ فِعْلِ أحَدِهِما وإنْ كانَ خَارِجَاً قَبْلَهُ أمْكَنَ استصحابُ الحَدَثِ الأصغرِ، ومن آثارِهِ جَوَازُ الدُّخولِ في الصَّلاةِ بالوُضوءِ، فيكونُ حَاكِماً على استصحابِ الحَدَثِ الكُلّي.

فتَلَخَّصَ أنَّ المشتَبَهَ بينَ البَولِ والمنيّ لا فَرْقَ في خُروجِهِ قَبْلَ الاستبراءِ أو بَعْدَهُ مِنَ المتطَهِّرِ في وُجوبِ الجَمْعِ بينَ الطَّهَارَتينِ عَمَلاً بالعِلْمِ الإجماليّ؛ لما عَرَفْتَ من انصرافِ الإطلاقاتِ، وإنّما نَكْتَفِي بالوضوءِ لو خَرَجَ من المحدِثِ؛ لاستصحابِ الحَدَثِ الأصْغَرِ وعَدَمِ تَبَدُّلِهِ إلى الأكبر.

 

 [فصلٌ]

في مُسْتَحَبَّاتِ التَخَلّي ومَكْرُوهاتِهِ

قال: أمّا الأوّلْ فأنْ يَطْلُبَ خَلْوَةً أو يَبْعُدُ حَتَّى لا يُرَى شَخْصُهُ أو يلِجَ حَفِيرةً؛ تأسّياً بالنّبيّ صل الله عليه وال وسلم ، فإنّه لم يُرَ على غائطٍ قَطُّ، وقال  عليه السلام : (مَنْ أتى الغائِط فليتسَتَّر)([402]) وعنه: (تطهر).

 

فصلٌ

في غاياتِ الوُضوءَاتِ الواجبة

قوله: فإنَّ الوُضوءَ، إمّا شَرْطٌ في صِحّةِ فِعْلٍ كالصَّلاةِ والطّوَافِ، مُطلقاً فريضَةً ونافلةً؛ لقولِهِ: (لا صَلاةَ إلا بَطَهُورٍ)([403])، وقوله: (الصلاةُ ثلاثةُ أثلاثٍ ثلثٌ طهور)([404]) الحديث، بَلْ ظَاهِرُ بَعْض الأخبارِ المفتي به عند جَمْعٍ تحريمُ الدّخولِ في الصَّلاةِ بغيرِ طَهَارَةٍ ولو حال التقيّة.

وأمّا الطّوافُ تنزيلاً لقوله: (الطّوافُ بالبَيتِ صلاةٌ)([405]).

وعن معاويةَ بن عَمَّار: (لا بأسَ أنْ تَقْضي المناسِكَ كُلَّها على غيرِ وضوءٍ إلاّ الطّوّافَ بالبيت فإنَّ فيه صلاةً والوُضوءُ أفضل)([406])، يعني: في غيرِ الطّوافِ من المَنَاسِك.

وظاهرُهُ كصريحِ مَا يأتي من المتن أنّه ليس شَرْطاً لِصِحّةِ الطّوافِ المندوب، وإنْ كانَ شَرْطاً لِصِحّةِ صَلاتِهِ.

وقوله: (وأمّا شَرْطٌ في كَمَالِهِ كقِرَاءَةِ القُرآن؛ لقوله  عليه السلام  بَعْدَ السُّؤالِ عَنْ قِرَاءَةِ القُرآنِ بَعْدَ البَوْلِ والاستنجاء: (لا حتّى تتوضأ)([407])) وقوله: (لا يَقْرَأُ العَبْدُ القُرآنَ على غَيرِ طَهُورٍ حَتَّى يَتَطَهَّر)([408])، بل عن عُدّةَ الدّاعي: (إنَّ القراءَة مُتَطَهّراً خمسٌ وعشرون وغيرُ مُتَطَهِّرٍ عَشْرُ حَسَنَات)([409]).

وقوله: (وإمّا شرطٌ في جَوَازِهِ كمَسِّ كتابةِ القرآن)؛ لقولِهِ: (لا تمسّ الكتاب)([410])، بعد السّؤالِ عن قراءته القرآنَ وهو على غير وضوء.

وفي رواية عبد الحميد: (المصْحَفُ لا تمسّه على غيرِ طُهْرٍ ولا جُنُباً ولا تمسّ خَطَّهُ ولا تعلّقه)([411]).

ولا يَضُرُّ اشتمالُها على غيرِ المحرَّمِ لغيرِ المتطهّر.

قوله: (أو رافع لكراهته كالأكل)، فإنَّ الجُنُبَ إذا أرادَ أنْ يَأكُلَ ويَشْرَبَ غَسَلَ يَدَهُ وتمضمضَ وغَسَلَ وَجْهَهُ وأكَلَ وشَرِبَ.

وفي دِلالَةِ مِثْلِهِ على استحبابِ التوضّي بالوُضوء نظرٌ ومَنْعٌ.

ولَعَلَّ مُطْلَقاتِ الأمرِ بالوُضوءِ أيضاً قابلُ الحَمْلِ على ذلك وإنْ كانَ يُمْكِنُ حَمْلُها على الصّلاتيّ على ما ينصرف إليه من الوضوء الصَّلاتيّ، ولا يُنافيهِ استحبابُ المضمضة وغسل أيضاً، فيُحْمَلُ على التخيير، كما تدُلُّ عليهِ صحيحة الحلبي قال: (قلتُ للصَّادِقِ  عليه السلام  أيأكُلُ الجُنُبُ قَبْلَ أنْ يَتَوَضَّأ، قال: إنّا لَنَكْسَل ولكِنْ يَغْسِلْ يَدَهُ أو يَتَوَضّأ والوُضوءُ أفضل)([412]).

وعن الوافي: (إنَّهُ يَشْبَهُ أنْ يَكُونَ ممّا صُحِّفَ وكان: إنّا لَنَغْتَسِلْ)([413]).

ويمكن أنْ يكونَ على أصلِهِ، ويرادُ من ضَمير المتكلّم مع الغير جميعَ النّاسِ، يعني: نحنُ مَعَاشِرَ النّاسِ نَكْسَلُ عَن العِبَادَةِ، فعبَّرَ بذلك وأرادَ غَيْرَ نفسه.

قوله: (أو شرط في تحقُّقِ أمرِهِ، كالوُضوءِ للكونَ على الطّهارة).

واستدلّ لَهُ في الحَدَائق: (بالمَرويّ عن الدّيلَميّ: (مَنْ أَحْدَثَ ولم يَتَوَضّأ فَقَدْ جَفَاني)([414]) الحديث، وقوله: (كان أصحابُ رَسولِ اللهِ إذا بالوا تَوَضَّؤا أو تيمَّموا مَخَافَةَ أنْ تُدْرِكَهُمُ السَّاعَةِ)([415]) الحديث)([416]).

ويُمْكِنُ الاستدلالُ له أيضاً بقوله: (يا أَنَس أكثِرْ من الطَّهُورِ يُزِدْ اللهَ في عُمْرِكَ وإنْ استطعتَ أنْ يكونَ باللّيلِ والنَّهارِ على طَهَارَةٍ فافعل)([417]).

بل وبكلِّ ما دَلَّ على استحبابِ الطّهور، كقوله تعالى: [وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ]([418]).

ولكن سيجيء إن شاء اللهُ أنّه قد يُستَدَلُّ بها لكونِ الوضوءِ مُسْتَحَبّاً نفسياً؛ لأنّهُ المرادُ من الطَّهُورِ المأمورِ به.

والإنصافُ أنّ لِكُلٍّ من المعْنَيَينِ وَجْهاً، فمِثْلُ هذه الأخبار وغيرها المشتَمِلَةِ على الأمرِ بالطَّهورِ، وبعضِ ما اشْتَمَلَ على الأمرِ بالوُضوء يمكنُ أنْ يكون أمراً نفسياً بنفس الوضوء وإنْ كانت الطَّهَارَةُ من آثاره، بل ويُمْكِنُ أنْ لا تَكونَ الطَّهَارَةُ المأمورُ بها إلاّ نَفْسُ الغَسَلاتِ والمَسْحَات، فالتعبيرُ عنها بالطّهور نظيرُ التّعبير عن التورية في الأخبار، ويمكن أنْ يكونَ أمراً غَيْريّاً مُقَدَّميّاً لِتَحْصيلِ الطَّهَارَةِ النَّفْسانيّة.

قوله: (والوضوءُ المستحبُّ نَفْساً إنْ قُلنا به).

قد عَرَفْتَ أنَّ مَبنى استحبابِ الوضوءِ استحبابُ الغَسْلات والمَسْحَاتِ دونَ استحبابِ تَحصيل الطّهارة، فإنَّ الوضوءَ عليهِ يكونُ مُسْتَحَبّاً غيريّا.

فمَنْ يَزْعُمُ أنّهُ مُسْتَحَبٌّ نَفْسَاً يقولُ إنَّ رَفْعَ الحَدَثِ من آثارِهِ المرتّبَةِ عليه شَرْعاً مُطلقاً، أو عندَ قَصْدِ ذلك عند التوضّي.

ومَنْ مَنَعَ استحبابَهُ الشّرعيّ يقول: إنّ الثّابتَ استحبابُ رَفْعِ الحَدَثِ، وتحصيلِ الطَّهَارَةِ فلا يَكُونُ الوُضوءُ إلاّ مُقدّمةً، لا نَدْبَ إليه شَرْعاً، ولم يَثْبُتْ منه الأمرُ بنفسِ الغَسْلاتِ نَدْباً، وعلى ذلك فيَشْكُلُ الاستحبابُ النّفسيّ لَهْ؛ إذ لَيْسَ لَهُمْ إلاّ قَوْله تعالى: [إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ]([419])، وقوله صل الله عليه وال وسلم : (أكثِرْ من الطّهورِ يَزِدْ اللهُ في عُمرِك وإنِ استطعتَ أنْ تكونَ باللّيل والنَّهارِ على طَهَارَةٍ فافعل)([420]).

ومن المعلوم أنّ من المُحْتَمَلِ قريباً أنْ يكونَ مُتَعَلَّقِ الأمرِ فيهما ما يَتَولَّدُ من الوضوءِ، يعني: الطّهارَةَ ورَفْعَ الحَدَثِ، بل ولا دِلالَةَ في مثل ما عَنْ نَوادِرِ الرَّاوَندي: (كان أصحَابُ رَسولِ اللهِ صل الله عليه وال وسلم  إذا بالوا توضّؤا مَخَافَةَ أنْ تُدْرِكَهُمُ السَّاعَةَ)([421]) يعني: الموتَ، فإنَّ من المحْتَمَلِ بل المظنونِ أنَّهُمْ كانوا يَتَوَضَّؤونَ لِتَحْصيلِ الطَّهَارِة ولو بملاحَظَةِ الرّواية السّابقة.

نعم ما يُنْقَلُ عَنْ الحديثِ القُدْسيّ: (مَنْ أحَدَثَ ولم يَتَوَضّأ فَقَدْ جَفَاني ومَنْ تَوَضَّأ ولم يُصَلِّ رَكْعَتَينِ فَقَدْ جَفَاني)([422]) إلى آخره، ظاهرهُ استحباب نفس الوضوء.

والإنصافُ...([423])

 

 

 

 

 

 

 

 

فهرس الآيات

الآية

السورة ورقم الآية

الصفحة

[إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ]

[فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ]

[مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء]

 

البقرة: 222

النساء: 43

البقرة: 282

273، 295، 296

133

64

 

 

 

فهرس الأحاديث

الحديث

القائل

الصفحة

إذا انَقَطَعَتْ دِرَّةُ البَولِ فَصُبَّ الماء

إذا بَالَ الرَّجُلُ فلا يمسّ ذَكَرَهُ بيمينِهِ

إذا بال فخرط ما بَيْنَ المقْعَدَةِ والأنثيين..

إذا بَلَغَ الماءُ كُرَّاً لم يحمل خبثاً

إذا بَلَغَ الماءُ قدرَ كُرٍّ لم ينجسه شيء

 

 

إذا جلس أحدُكُم لحاجة فليَمْسَحْ...

إذا دَخَلْتَ المَخْرَجَ فلا تستقبل القبلة...

إذا دَخَلْتُم الغائطَ فتجنَّبوا القِبْلَةَ

إذا شهد عندك المسلمون فصَدِّقْهم

إذا كان ظاهره ظاهراً مأموناً جازت...

أكثِرْ من الطّهورِ يَزِدْ اللهُ في عُمُرْك...

الصلاةُ ثلاثةُ أثلاثٍ ثلثٌ طهور...

الطّوافُ بالبَيتِ صلاةٌ

الماء الجاري لا ينجسه شيء

الماءُ الذي يُغْسَلُ بهِ الثّوبُ أو يُغْسَلُ بهِ...

المصْحَفُ لا تمسّه على غيرِ طُهْرٍ ولا جُنُباً...

إنَّ القراءَة مُتَطَهّراً خمسٌ وعشرون...

إنْ كانَ من بولٍ أو قَذَرٍ فيغسِلُ ثوبَهَ...

إنّا لَنَكْسَل ولكِنْ يَغْسِلْ يَدَهُ أو يَتَوَضّأ...

بالمَقْعَدَةِ، ثمَّ بالإحليل

بأنْ يعرفوه بالسَّتر والعَفْافِ وكفّ البطن...

ثمّ أحْدَثَ الوُضوءَ وهُوَ خُلُقٌ كريم

حتَّى يَنْقى ما ثمّةَ أو لا ينقى ما ثمّة

خلق اللهُ الماءَ طهوراً لا يُنجِّسه شيء

 

سبحانَ الله كيف يطهر من غير ماء

صُبَّ عليه الماء مَرّتين فإنّما هو ماء

عليكم أنْ تسألوا عنه إذا رأيتُم المشركين...

فأتبعوا الماءَ بالأحجار

كان بنو اسرائيل إذا أصاب أحدهم...

كما يقعد للتخلّي

كُنْتُمْ تَبْعَرُونَ بعراً واليوم تثلطون ثلطاً...

لا بأس

لا تستقبل القبلة بغائطٍ ولا بولٍ

لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها، ولا...

لا تَسْتَنجوا بالعَظْمِ والرَّوْثِ

لا تُصَلِّ إلاّ خَلْفَ مَنْ تثِقُ بدينِهِ وأمانته

لا تمسّ الكتاب

لا حتّى تتوضأ

لا صَلاةَ إلاّ بطَهُور

لا يجب غسل رجليك من هذا...

لا يستنجي أحَدُكُم بدونِ ثلاثةِ أحجار

لا يَقْرَأُ العَبْدُ القُرآنَ على غَيرِ طَهُورٍ...

لا يَكفي أحدُكُم دونَ ثلاثةِ أحْجَارٍ

لا، حتّى يَنْقَى ما ثمّةَ

لأنّ الماء أكثر من القذر

ماء الحمام بمنزلة الجاري

ماء الحمَّام كماءِ النّهرِ يُطَهِّرُ بَعْضُهُ بعضاً

مِثْلا ما على الحشفة...

مسح ما بين المقعدة والأنثيين ثلاث...

مَنْ أتى الغائِط فليتسَتَّر

مَنْ أَحْدَثَ ولم يَتَوَضّأ فَقَدْ جَفَاني

مَنْ بالَ فليَضَعْ إصبعه الوُسطى...

مَنْ صَلى الخَمْسَ في جماعةٍ فظُنُّوا بهِ...

مَنْ عَامَلَ الناس فلم يظلمهم وحَدّثهم...

نَهَى رَسُولُ اللهِ صل الله عليه وال وسلم  عن استقبالِ القِبْلَةِ...

هو حينَ يتوضَّأ أذْكَرُ منهُ حينَ يَشُكُّ

واستَطِبْ ثلاثة أحجار أو ثلاثةَ أعوادٍ...

والأشياء كلُّها على هذا حتّى يستبين...

والدلالة على ذلكَ كلَّهِ أنْ يكونَ ساتراً...

وإنْ كان ذائباً فأرِقْهُ

ولا يَحِلُّ مالُ امرئٍ إلاّ بإذنه

ويجزيكَ من الاستنجاءِ ثلاثةُ أحْجَار

يجزي من البول أنْ تَغْسِلَهُ بمثلِهِ

يجزي من الغائط المسحُ بالأحجار

يغسل ثلاث مرات يصبّ فيه الماء...

يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ويَذْهَبُ الغائطُ ثُمَّ...

يَكْفي أحَدَكُمْ ثلاثةُ أحجارٍ إذا لم...

ينقى ما ثمّةُ ويَبْقَى الرّيح

يهرِقُهُما ويتيمَّم

الإمام الصادق الإمام الباقر

الإمام الصادق

النبي محمد

النبي محمد

 

 

النبي محمد

النبي محمد

النبي محمد

الإمام الصادق

الإمام الصادق

النبي محمد

النبي محمد

النبي محمد

الإمام علي

الإمام الصادق

الإمام الكاظم

الإمام الصادق

...

الإمام الصادق


الإمام الصادق

الإمام الصادق

الإمام الصادق

الإمام الكاظم

النبي محمد

 

...

الإمام الصادق

الإمام الرضا

الإمام علي

الإمام الصادق

الإمام الصادق

الإمام علي

الإمام الصادق

النبي محمد

الإمام الحسن

النبي محمد

الإمام الباقر

الإمام الصادق

الإمام الكاظم

الإمام الباقر

الإمام الباقر

النبي محمد

الإمام علي

النبي محمد

الإمام الكاظم

الإمام الصادق

الإمام الصادق

الإمام الصادق

الإمام الصادق

الإمام الصادق

النبي محمد

النبي محمد

النبي محمد

الإمام الباقر

النبي محمد

النبي محمد

الإمام الصادق

النبي محمد

الإمام الصادق

الإمام الصادق

...

...

النبي محمد

الإمام الصادق

الإمام الباقر

الإمام الصادق

الإمام الصادق

النبي محمد

الإمام الكاظم

الإمام الصادق

  284

285

284

154، 156، 201

134، 172، 177، 192، 197، 201، 202

274

265، 267

265

54

63

295، 296

293

293

163

233

294

294

234

294


285

59

273

274

145، 166،172، 188

133

268

223

273

133

267

279

231

265

265

279

64

294

293

279

219

274

294

274

275

172

163

163

269، 271

286

292

295

286

63

63

265

261

274

54

63

134

260

279

269

275

234

271، 276

272

276

258

 

 

فهرس الاعلام

 

 

رَسولُ اللهِ صل الله عليه وال وسلم : 265، 274، 275، 295، 296

الإمام عليٍّ  عليه السلام : 279

الإمام الحُسين بنَ عليٍّ  قدس سره : 271

الإمام الباقر  عليه السلام : 219، 285

الإمام الصَّادِقِ  عليه السلام : 269، 271، 276، 284، 294

الإمام الحسن العسكري  عليه السلام : 58،89

ابنَ أبي عمير: 175

ابن أبي يَعفور: 59، 64

ابنِ بَزيع: 186، 218

الأحول: 231

البَزَنْطي: 268

الدّيلَميّ: 295

العجلي: 275

العَيْصِ بن القاسم: 224،234،235

الكابلي: 268

الكُليني: 270

حريز: 271

حَسَن بن صالح الثوري: 178

حَسَنَةِ ابن المغيرة: 275

روح بن عبد الرحيم: 284

زُرَارَةْ: 224، 271، 275،279

سَلْمَان الفارسي: 274

عبد الحميد: 294

عَبْدِ اللهِ بنِ سِنان: 229،230،232، 235، 246

عَمَّار الساباطي: 234، 235،285

محمّد بن مسلم: 175

محمّد بن نعمان: 231

معاويةَ بن عَمَّار: 293

نشيط بن صَالح: 269

يُونس: 276

 

المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

1. أجوبة المسائل المهنائية، العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر، قدم له الشيخ محي الدين المامقاني، مطبعة الخيام، قم المقدسة، (1401هـ).

2. الاحتجاج، احمد بن علي بن ابي طالب الطبرسي، تعليقات السيد محمد باقر الخرسان، مطبعة النعمان، النجف الاشرف، (1966م).

3. ارشاد القلوب، الحسن بن محمد الديلمي، انتشارات الشريف الرضي، قم المقدسة، ط2، (1415هـ).

4. الاستبصار في ما اختلف من الاخبار، شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، طهران، (1390هـ).

5. الأمالي، الشيخ المفيد محمد بن محمد العكبري، تحقيق الحسين استادولي وعلي اكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين، قم المقدسة، طبعة بالاوفسيت، دار المفيد، بيروت، ط3، (1414هـ).

6. الانتصار، السيد الشريف المرتضى على بن الحسين الموسوي، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، (1415هـ).

7. بصائر الدرجات الكبرى في فضائل آل محمد، للثقة الجليل محمد بن الحسن بن فروخ الصفار، تصحيح وتحقيق ميرزا محسن كوجه باغي، منشورات الأعلمي، طهران، (1404هـ).

8. البيان، الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، تحقيق الشيخ محمد الحسون، محقق، ط1، (1412هـ).

9. تحرير الاحكام الشرعية على مذهب الامامية، العلامة الحلي الحسن بن يوسف، تحقيق إبراهيم البهادري، مؤسسة الامام الصادق، قم المقدسة، ط1، (1420هـ).

10. تحف العقول عن آل الرسول، الشيخ الثقه الحسن بن علي بن الحسين شعبة الحراني، صححه علي اكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي، قم المقدسة، ط2، (1404هـ).

11. تخريج الاحاديث والاثار، جمال الدين الذيلعي، تحقيق عبد الله بن عبد الرحمن السعد، دار ابن خزيمة، الرياض، ط1، (1414هـ).

12. تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن المطهر، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  لإحياء التراث، قم المقدسة، ط1، (1414هـ).

13. التفسير المنسوب إلى الامام العسكري، تحقيق مدرسة الامام المهدي، قم المقدسة، ط1، (1409هـ).

14. تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الفقيه المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي، مؤسسة آل البيت لأحياء التراث، قم المقدسة، ط2، (1414هـ).

15. تمهيد القواعد، زين الدين بن علي العاملي الشهيد الثاني، تحقيق مكتب الاعلام الاسلامي فرع خراسان، مكتبة الاعلام الإسلامي، قم المقدسة، ط1، (1416هـ).

16. التنقيح في شرح العروة الوثقى، تقرير بحث السيد الخوئي كتبه الشهيد الشيخ علي الغروي، مؤسسة احياء آثار الامام الخوئي، قم المقدسة، ط2، (1326هـ).

17. تهذيب الاحكام، شيخ الطائفة ابي جعفر محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق الحجة السيد حسن الموسوي الخرسان، دار الكتب الإسلامية، طهران، (1390هـ).

18. جامع المقاصد في شرح القواعد، الشيخ علي بن الحسين الكركي، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت  عليهم السلام  لأحياء التراث، قم المقدسة، ط1، (1408هـ).

19. جواهر الكلام، الشيخ محمد حسن النجفي، تحقيق الشيخ عباس القوجاني، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط2، (1365ش).

20. حاشية المكاسب، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، اوفسيت مؤسسة إسماعيليان للطباعة، قم المقدسة، الطبعة الحجرية، (1378هـ).

21. الحدائق الناضرة في احكام العترة الطاهرة، الشيخ يوسف البحراني، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة.

22. الخصال، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، صححه علي اكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين، قم المقدسة، ط1، (1403هـ).

23. الخلاف، شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق ونشر مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، (1407هـ).

24. الدروس الشرعية في فقه الامامية، الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، ط2، (1417هـ).

25. دعائم الإسلام، أبو حنيفة النعمان بن محمد بن منصور التميمي المغربي، تحقيق آصف بن علي اصغر فيضي، دار المعارف، مصر، (1383هـ).

26. ذكرى الشيعة في احكام الشريعة، الشهيد الأول محمد بن مكي العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث الإسلامي، قم المقدسة، ط1، (1419هـ).

27. الرسائل التسع، المحقق الحلي جعفر بن الحسن، تحقيق رضا الاستادي، مكتبة المرعشي، قم المقدسة، ط1، (1413هـ).

28. رسائل فقهية، الشيخ الأعظم مرتضى الانصاري، لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الانصاري، قم المقدسة، ط1، (1413هـ).

29. رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، ط1، (1412هـ).

30. سنن الدار قطني، الحافظ علي بن عمر، حققه مجدي بن منصور بن سيد الشورى، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، (1417هـ).

31. السنن الكبرى، احمد بن الحسين بن علي البيهقي، دار الفكر، بيروت.

32. سنن النسائي، احمد بن شعيب بن علي، اوفسيت دار الفكر، بيروت، ط1، (1348هـ).

33. شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار احياء الكتب العربية، مصر، ط1، (1959م).

34. صحيح البخاري، محمد بن إسماعيل بن المغيرة، دار الفكر للطباعة، بيروت، طبعة بالاوفسيت عن طبعة دار الطباعة العامرة باستانبول، (1401هـ).

35. صحيح مسلم (الجامع الصحيح)، مسلم بن الحجاج النسيابوري، مقابلة على عدة نسخة، دار الفكر بيروت، اوفست طبعة العامرة باستانبول.

36. عدة الداعي والنجاح المساعي، احمد بن فهد الحلي، صححه احمد بن فهد الحلي، صححه احمد الموحدي القمي، مكتبة وجداني، قم المقدسة.

37. العروة الوثقى، السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، عليها تعليقة السيد ابي القاسم الخوئي، النجف الاشرف، مطبعة الاداب، (1401هـ).

38. علل الشرائع، الشيخ الصدوق محمد بن علي، تقديم السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية، النجف الاشرف، (1385هـ).

39. عوالي اللئالي العزيزية، محمد بن علي بن إبراهيم الاحسائي ابن ابي جمهور، تحقيق اقا مجتبي العراقي، مطبعة سيد الشهداء، قم المقدسة، ط1، (1403هـ).

40. غاية المراد في شرح نكت الارشاد، محمد بن مكي العاملي الشهيد الأول، تحقيق رضا المختاري وآخرين، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، قم المقدسة، ط1، (1414هـ).

41. الغيبة، شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، تحقيق عباد الله الطهراني والشيخ علي احمد ناصح، مؤسسة المعارف الإسلامية، قم المقدسة، ط1، (1411هـ).

42. فرائد الأصول، الشيخ الأعظم مرتضى الانصاري، مجمع الفكر الإسلامي، (1419هـ).

43. قواعد الاحكام، الحسن بن يوسف بن المطهر العلامة الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة، ط1، (1413هـ).

44. الكافي، ثقة الإسلام محمد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، صححه وعلق عليه علي اكبر الغفاري، دار الكتب الإسلامية، طهران، ط3، (1388هـ).

45. كتاب السرائر، الشيخ محمد بن منصور بن احمد بن ادريس الحلي، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، ط2، (1410هـ).

46. كتاب الطهارة، الشيخ الأعظم مرتضى الانصاري، تحقيق لجنة تراث الشيخ الأعظم، مجمع الفكر الإسلامي، قم المقدسة، ط3، (1428هـ).

47. كتاب المكاسب، الشيخ الأعظم مرتضى الانصاري، لجنة تحقيق تراث الشيخ الأعظم، مجمع الفكر الإسلامي، قم المقدسة، ط3، (1420هـ).

48. كفاية الأصول، الآخوند محمد كاظم الخراساني، تحقيق مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط1، (1409هـ).

49. كمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين القمي، صححه وعلق عليه علي اكبر الغفاري، مؤسسه النشر الإسلامي، جماعة المدرسين، ط1، (1405هـ).

50. لسان العرب، جمال الدين بن منظور الافريقي، نشرة بالاوفسيت ادب الحوزة، قم المقدسة، الطبعة المصرية، (1405هـ).

51. المبسوط في فقه الامامية، شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي، صححه السيد محمد تقي الكشفي، المكتبة المرتضوية لإحياء آثار الجعفرية، (1387هـ).

52. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الحافظ على بن ابي بكر الهيثمي، دار الكتب العلمية، بيروت، (1408هـ).

53. المحلى، علي بن احمد بن سعيد بن حزم، دار الفكر، بيروت.

54. مختلف الشيعة، العلامة الحلي الحسن بن يوسف، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، قم المقدسة، ط1، (1412هـ).

55. مستند الشيعة في احكام الشريعة، المولى احمد بن محمد مهدي النراقي، تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، قم المقدسة، ط1، (1415هـ).

56. مسند احمد، احمد بن حنبل، دار صادر، بيروت، بهامشه منتخب كنز العمال.

57. مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني، طبعة حجرية، مصورة بالاوفسيت انتشارات مكتبة النجاح، طهران.

58. المصنف، محمد بن ابي شيبة بن إبراهيم الكوفي العبسي، ضبطه الأستاذ سعيد اللحام، مكتب الدراسات والبحوث في دار الفكر، بيروت، ط1، (1409هـ).

59. معاني الاخبار، للشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق، تصحيح علي اكبر الغفاري، جماعة المدرسين، قم المقدسة، (1379هـ).

60. المعتبر في شرح المختصر، المحقق الحلي جعفر بن الحسن، حققه عدة من الافاضل، مؤسسة سيد الشهداء، قم ايران، (1364هـ ش).

61. المعجم الكبير، سليمان بن احمد الطبراني، حققه حمدي عبد المجيد السلفي، دار احياء التراث العربي، بيروت، ط2.

62. المغني، محمد بن عبد الله بن احمد بن قدامة، بعناية جماعة من العلماء، بالاوفست دار الكتاب العربي، بيروت.

63. المقنع، الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين القمي، التحقيق، لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الامام الهادي، قم المقدسة، (1415هـ).

64. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الجليل محمد بن علي بن الحسين القمي الصدوق، صححه وعلق عليه علي اكبر الغفاري، منشورات جماعة المدرسين، قم المقدسة، ط2.

65. منتهى المطلب في تحقيق المذهب، العلامة الحلي الحسن بن يوسف بن علي، مجمع البحوث الإسلامية، مشهد، ايران، ط1، (1412هـ).

66. موسوعة ابن ادريس الحلي، تحقيق السيد محمد مهدي السيد حسن الموسوي الخرسان، العتبة العلوية المقدسة، النجف الاشرف، ط1، (1429هـ).

67. الناصريات، السيد الشريف المرتضى على بن الحسين الموسوي، تحقيق مركز البحوث والدراسات العلمية، رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية مديرية الترجمة والنشر، طهران، (1417هـ).

68. نهاية الاحكام في معرفة الاحكام، العلامة الحلي الحسن بن يوسف، تحقيق السيد مهدي الرجائي، مؤسسة اسماعيليان، قم المقدسة، ط2، (1410هـ).

69. النوادر، السيد فضل الله بن علي الحسني الراوندي، تحقيق سعيد رضا علي عسكري، دار الحديث، قم المقدسة، ط1، (1377هـ).

70. النور الساطع في الفقه النافع، الشيخ علي بن محمد رضا كاشف الغطاء، منشورات طليعة نور، قم المقدسة، ط1، (1430هـ).

71. الوافي، محمد محسن الفيض الكاشاني، تحقيق ضياء الدين الحسيني الاصفهاني، مكتبة الامام امير المؤمنين العامة باصفهان، ط1، (1406هـ).

 

محتويات الكتاب

كلمة الناشر. 5

مقدمة التحقيق. 6

نسخة المخطوط. 7

عملنا في التحقيق. 8

شكر وتقدير.............................................................. 8

ترجمة المصنف.. 9

اشهر تلامذته 9

مؤلفاته 11

وفاته 11

ترجمة الشارح. 12

اساتذته 13

تلامذته 13

مؤلفاته 14

ترجمة المقرّر. 16

نسبه 16

ولادته ونشأته 16

أساتذته 17

تلامذته 17

دوره الديني والعلمي. 18

إجازته في الرواية 19

آثاره العلمية 20

وفاتُهُ 22

أحكام التقليد والاجتهاد. 25

فصلٌ في الميـــاه 131

فصلٌ في الماء الجاري.. 162

فَصْلٌ في الماءِ الرّاكد. 172

فصلٌ ماء المطر. 205

فصلٌ ماءُ الحَمّام. 213

فصلٌ ماء البئر النّابع. 217

فصلٌ الماء المستعمل في الوضوء. 229

فصلٌ في الماء المشكوك. 249

فصلٌ في أحكامِ التَخَلّي. 263

فَصْلُ في الاستنجاء. 268

فصلٌ في الاستبراء. 284

فصلٌ في مُسْتَحَبَّاتِ التَخَلّي ومَكْرُوهاتِهِ. 292

فصلٌ في غاياتِ الوُضوءَاتِ الواجبة. 293

الفهارس الفنية. 299

فهرس الآيات.. 301

فهرس الأحاديث.. 302

فهرس الاعلام. 305

المصادر والمراجع. 306

محتويات الكتاب.. 314

 

 

 

([423]) هذا كُلّ ما عثرنا عليه .

([422]) إرشاد القلوب، الديلمي، ج1، ص60.

([421]) النوادر، فضل الله الراوندي، ص189.

([420]) الأمالي، الشيخ المفيد، ص60، المجلس السابع، ح4.

([419]) سورة البقرة، الآية 222.

([418]) سورة البقرة، الآية 222.

([417]) الأمالي، الشيخ المفيد، ص60، المجلس السابع، ح4.

([416]) الحدائق الناضرة، البحراني، ج2، ص141.

([415]) النوادر، فضل الله الراوندي، ص189.

([414]) إرشاد القلوب، الديلمي، ج1، ص60.

([413]) الوافي، الفيض الكاشاني، ج6، ص422.

([412]) المصدر السابق، ص372، (أبواب الزيادات في أبواب الطهارة، باب الأغسال وكيفية الغسل من الجنابة)، ح30.

([411]) المصدر السابق، ح35.

([410]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص127، (باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها)، ح33.

([409]) عُدّةُ الداعي، ابن فهد الحلّي، ص269.

([408]) الوسائل، الحر العاملي، (أبواب قراءَة القرآن)، باب 13، ح2.

([407]) الوسائل، الحر العاملي، (أبواب قراءَة القرآن)، باب 13، ح1.

([406]) الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج2، ص241، (أبوابُ السعي، باب السعي بغير وضوء)، ح5.

([405]) سنن النسائي، ج5، ص222، (إباحةُ الكلام في الطواف)، ح2922. عوالي اللئالي، ابن ابي الجمهور، ج1، ص214، (أحاديث تتضمن شيئاً من أبواب الفقه)، ح70.

([404]) الكافي، الكليني، ج3، ص273، (باب المواقيت أوّلُها وآخرها وأفضلها)، ح8.

([403]) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص58، (باب في مَنْ تَرَكَ الوضوء أو بعضه أو شكّ فيه)، ح129.

([402]) وسائل الشيعة، الحر العاملي، (أبواب أحكام الخلوة)، باب 4، ح4.

([401]) نصُّ المسألة: (إذا بَالَ ولَمْ يَستبرء، ثُمَّ خَرَجَتْ منهُ رُطُوبَةٌ مُشْتَبَهَةٌ بين البَوْلِ والمنيّ يُحْكَمُ عليها بأنَّهَا بَوْلٌ، فلا يَجِبُ عليهِ الغُسْلُ، بخلافِ ما إذا خَرَجَتْ منهُ بعد الاستبراءِ، فإنّهُ يَجبُ عليهِ الاحتياطُ بالجَمْعِ بينَ الوُضوءِ والغُسْلِ عَمَلاً بالعِلْمِ الإجماليّ، هذا إذا كانَ ذلكَ بَعْدَ أنْ تَوَضَّأ، وأمّا إذا خَرَجَتْ منهُ قَبْلَ أنْ يَتَوَضَّأ فلا يَبْعُدُ جَوَازُ الاكتفاءِ بالوُضوءِ؛ لأنَّ الحَدَثَ الأصْغَرَ مَعْلومٌ، ووُجودُ مُوجِبِ الغُسْلِ غيرُ مَعْلومٍ، فمُقْتَضَى الاستصحابِ وُجوبَ الوُضوءِ وعَدَمَ وجوبِ الغُسل).

([400]) نصُّ المسألة: (إذا عُلِمَ أنَّ الخَارِجَ مِنْهُ مَذيّ لكنْ شَكَّ في أنَّهُ هَلْ خَرَجَ مَعَهُ بَوْلٌ أمْ لا، لا يُحْكَمُ عَلَيهِ بالنَّجَاسَةِ، إلاَّ أنْ يَصدُقَ عليهِ الرّطوبَةَ المشتَبَهَة بأنْ يكونَ الشّكّ في أنَّ هذا الموجود هل هُو بتمَامَهِ مَذي أو مركّبٌ مِنْهُ ومن البول).

([399]) نصُّ المسألة: (إذا شَكَّ مَنْ لم يَسْتَبرءْ في خُروجِ الرُّطوبَةِ وعَدَمِهِ بنَى على عَدَمِهِ، ولو كانَ ظَانّاً بالخُروجِ، كما إذا رَأى في ثَوْبِهِ رُطُوبَةٌ وشَكَّ في أنَّها خَرَجَتْ مِنهُ أو وَقَعَتْ عليهِ من الخَارِج).

([398]) نصُّ المسألة: (إذا شَكَّ في الاستبراءِ يَبْني على عَدَمِهِ، ولو مَضَتْ مُدَّةً، بل ولو كانَ مِنْ عَادَتِهِ، نَعَمْ لو عَلِمَ أنَّهُ استبرءَ وشَكَّ بَعْدَ ذَلِكَ في أنَّهُ كانَ على الوَجْهِ الصحيح أمْ لا، بَنى على الصّحّة).

([397]) نصُّ المسألة: (إذا خَرَجَتْ رُطُوبَةٌ من شَخْصٍ وشَكَّ شَخْصٌ آخر في كونها بولاً أو غيره، فالظّاهرُ لُحُوقْ الحُكْمِ أيضاً، من الطّهَارَةِ إنْ كانَ بَعْدَ استبرائه، والنَّجَاسَةُ إنْ كانَ قَبْلَهُ، وإنْ كانَ نَفْسُه غافلاً، بأنْ كانَ نائماً مثلاً، فلا يَلْزَمُ أنْ يكونَ مَنْ خَرَجَتْ مِنْهُ هُو الشّاكّ، وكذا إذا خَرَجَتْ من الطِّفْل وشَكَّ وَليُّهُ في كونِها بوّلاً، فمَعَ عَدَمِ استبرائه يُحْكَمُ عليها بالنَّجاسَة).

([396]) نصّ المسألة: (لا يَلْزَمُ المُبَاشَرَةُ في الاستبراءِ، فيكفي في تَرَتُّبِ الفائِدَةِ إنْ باشَرَهُ غيرُهُ كزوجته أو مملوكته).

([395]) تتمة المسألة: (وإنْ كانَ تَرْكُهُ من الاضطِرِارِ بعَدَمِ التَّمَكُّنِ منه).

([394]) النوادر، الراوندي، ص189.

([393]) الوسائل، الحر العاملي، (أبواب أحكام الخلوة)، باب 12، ح6.

([392]) المصدر السابق، ص17، (باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج...)، ح4.

([391]) المصدر السابق، ص21، (باب الاستبراء من البول وغسله ومن لم يجد...)، ح8.

([390]) الكافي، الكليني، ج3، ص17، (الطهارة، بابُ القول عند دخول الخلاء وعند الخروج...)، ح8.

([389]) وسائلُ الشيعة، الحر العاملي، (أبواب نواقض الوضوء)، باب13، ح2.

([388]) تمام النصّ: (ثمّ يَبْدَأ بمَخْرَجِ الغائطِ، فيُطَهِّرُهُ، ثمَّ يَضَعُ إصبَعَهُ الوُسطى من اليدِ اليُسْرَى على مَخْرَجِ الغَائطِ ويَمْسَحُ إلى أصلِ الذَّكَرِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَضَعُ سَبَّابَتَهُ فَوْقَ الذَّكَرِ، وإبهامِهِ تَحْتَهُ ويَمْسَحُ بقوّةٍ إلى رَأسِهِ ثلاثَ مَرَّاتٍ، ثمَّ يَعْصِرُ رأسَهُ ثلاثَ مَرَّاتٍ).

([387]) نصّ المسألة: (يَجوزُ الاستنجاءُ بما يُشَكُّ في كونِهِ عَظْماً أو رَوْثاً أو من المحتَرَمَاتِ ويَطْهُرُ المَحَلُّ، وأمّا إذا شُكَّ في كَوْنِ مائعٍ ماءاً مُطْلَقاً أو مُضَافاً لم يَكْفِ في الطَّهَارَةِ، بل لا بُدَّ من العِلْمِ بكونِهِ ماءاً).

([386]) نصّ المسألة: (لا يَجِبُ الدَّلْكُ باليَدِ في مَخْرَجِ البَوْلِ عند الاستنجاءِ وإنْ شُكَّ في خُروجِ مِثْلِ المذيّ بَنَى على عَدَمِهِ، لكنَّ الأحوطَ الدَّلْكُ في هذه الصُّورة).

([385]) (إذْ ليسَ للاستنجاء مَحَلٌّ شَرْعيّ؛ لجوازِ تأخيرِهِ شَرْعاً إلى وقتٍ آخر فهَوَ نظيرُ من التَزَمَ بالصَّلاةِ أوّلَ الوَقْت، ثُمَّ شَكَّ في أثناء الوَقْتِ بأدائها)، الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره .

([384]) نصّ المسألة: (إذا خرج من بيت الخلاء ثم شك في أنه استنجى أم لا بنى على عدمه، على الأحوط وإنْ كان من عادته، بل كذا لو دخل في الصّلاة، ثمَّ شك، نعم لو شكَّ في ذلك بعد تمام الصَّلاة صحَّت، ولكن عليه الاستنجاء للصَّلاة الآتية، لكن لا يَبْعُدُ جريانُ قاعدة التجاوز في صورة الاعتياد).

([383]) (نظيرُ الشّكّ في أنّه مُحْدِثٌ بالأكبر أو الأصغر)، الشيخ علي  قدس سره .

([382]) نصُّ المسألة: (إذا خرج مع الغائط نجاسة أخرى كالدّمِ أو وَصَلَ إلى المَحَلِّ نَجَاسَةٌ مِنْ خَارِجٍ يَتَعَيَّنُ الماءُ، ولو شَكَّ في ذَلِكَ يَبْني على العَدَمْ فيتخيّر).

([381]) نصُّ المسألة: (في الاستنجاءِ بالمَسَحَاتِ يُعْتَبَرُ أنْ لا يكونَ في ما يَمْسَحُ بهِ رُطوبَةُ مُسْرية، فلا يُجزئ مثلُ الطِّين والوُصْلَةِ المرّطوبة، نَعَمْ لا تَضُرُّ النَّداوَة التي لا تَسْري).

([380]) المصنّف، ابن أبي شيبة، ج1، ص179.

([379]) تتمة المسألة (فليس حالُها حال الأجزاء الصغار).

([378]) نصُّ المسألة: (لا يَجوزُ الاستنجاءُ بالمحتَرَمَاتِ ولا بالعَظْمِ والرَّوْثِ، ولو استَنْجَى بها عَصَى، لكِنْ يَطْهُرُ المَحَلُّ على الأقوى).

([377]) تهذيب الأحكام، ج1، ص46، ح69.

([376]) تهذيب الأحكام، ج1، ص354، ح16.

([375]) تهذيب الأحكام، ج1، ص47، ح73.

([374]) المصدر السابق، ص47، ح73.

([373]) المصدر السابق، ص29، ح14.

([372]) المصدر السابق، ص50، (باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة)، ح86.

([371]) المصدر السابق، ص46، (باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة)، ح68، وفيه: (يمسح)، و(لا يغسله)، بدل (تمسح) و(لا تغسله).

([370]) تهذيب الأحكام، ج1، ص209، (باب صفة التيمّم وأحكام المحدثين منه...)، ح8.

([369]) سنن الدار قطني، ج1، ص55، (باب الاستنجاء)، ح153. البيهقي في السنن الكبرى، ج1، ص111. وقريبٌ منه ما أخرجه الشيخ الطوسي في الخلاف، ج1، ص106.

([368]) لم أعثر عليه في كتب العامّة بهذا اللفظ، وإنْ كان عندهم ما يقارب لفظه كما في مسند أحمد، ج3، ص336: (إذا تغوّط أحدُكُم فليمسَح ثلاث مرّات)، وانظره في مجمع الزوائد، ج1، ص211. وكذلك لم أجده في كتبنا الحديثية، بل نقله الفقهاء في بطون الكتب تارة ينسبوه للعامة وتارة يستدلون به بلا سندٍ، فانظر تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج1، ص129. نهاية الإحكام، العلامة الحلي، ج1، ص90. جامع المقاصد، المحقق الكركي، ج1، ص97.

([367]) أخرجه مسلم، ج1، ص154، (باب الاستطابة)، وقد استدلّ به في المعتبر، المحقق الحلي، ج1، ص129.

([366]) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، ج6، ص234، وقد استدل به المحقق الحلي في المعتبر، ج1، ص129.

([365]) أخرجه مسلم في صحيحه، ج1، ص154، (باب الاستطابة)، واستدلّ بالحديث كثير من الامامية دون ذكر سندٍ له من طرقنا، كالذكرى، ج1، ص170.

([364]) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص30، ح59.

([363]) المصنّف لابن أبي شيبة، ج1، ص179، أخرجه عن عليّ ولفظه: (فأتبعوا الحجارة الماء). وأخرجه ابن ابي جمهور في عوالي اللئالي، ج2، ص181 - 182.

([362]) الكافي، الكليني، ج3، ص18، (باب القول عند دخول الخلاء وعند الخروج...)، ح13.

([361]) سورة البقرة، الآية 222.

([360]) نقله المحقق الحلي في المعتبر، ج1، ص128، عن الجمهور، ولا أثر له في كتبنا، وانظره في مسند أحمد، ج5، ص215، في حديث خزيمة بن ثابت، والبيهقي في السنن الكبرى، ج1، ص114، والطبراني في المعجم الكبير، ج4، ص86، ج6، ص121، وفي كل هذه الكتب لا يوجد هذا الذيل (إذا لم يتجاوز محلّ العادة)، ويبدو لي أنه من كلام المحقق الحلي نقله من المغني لابن قدامة، ج1، ص151، فقد قال نصّاً: (وقوله B: (يكفي أحدَكم ثلاثةُ أحجار) أرادَ ما لم يتجاوز محلَّ العادة...)، ولا أدري كيف خفيَ ذلك على الكثير من المحققين فجعلوه جزءاً من الحديث.

([359]) المصدر السابق، ص354، (باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة)، ح18.

([358]) المصدر السابق، ص209، (بابُ صفة التيمُّم وأحكام المحدثين)، ح9.

([357]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص47، (باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة)، ح73.

([356]) الكافي، الكليني، ج3، ص20، (باب الاستبراء من البول)، ح7.

([355]) المصدر السابق، ص49 - 50، باب29، ح2.

([354]) الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص49، باب29، ح1.

([353]) هنا كتب الناسخ حرف (م) مفرد فوقه خط ربما يعني به مفهوم الموافقة، ويكون تفسيراً للأولوية، وهذا رأي المحقق الكركي في جامع المقاصد، ج1، ص173، فانظر كتاب الطهارة، الأنصاري، ج1، ص444.

([352]) الكافي، الكليني، ج3، ص30، (باب الاستبراء من البول وغسله)، ح7، في ذيل الحديث المذكور قال ثقة الاسلام الكليني: (وروي: أنه ماء ليس بوسخ فيحتاج أن يُدْلَك)، وقد بحثت طويلاً ولم أعثر على ذكرٍ لأبي خالد الكابلي في سند المرسلة، فربما كان ناسخ المخطوط يريد أنْ يكتب (مرسلة الكليني) وتسرّع وكتب (الكابلي) لتقاربهما في اللفظ.

([351]) مستطرفات السرائر، ابن ادريس (ط جماعة المدرسين)، ص557 . الكافي، الكليني، ج3، ص30، (باب الاستبراء من البول وغسله ومن لم يجد الماء)، ح7، ج3، ص55، (باب البول يصيب الثوب أو الجسد)، ح1.

([350]) كذا في المخطوط، وهذا نقل للرواية بالمعنى، ونصُّها: (عَنْ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّه B قَالَ قُلْتُ لَه: الرَّجُلُ يُرِيدُ أَنْ يَسْتَنْجِيَ كَيْفَ يَقْعُدُ؟ قَالَ: كَمَا يَقْعُدُ لِلْغَائِطِ ...)، الكافي، الكليني، ج3، ص18، (الطهارة، باب القول عند دخول الخلاء)، ح11.

([349]) هنا كتب الشيخ علي  قدس سره  في هامش المخطوط: (والأولى أنْ يقال: إنَّ أدلّة نسخِ القبلة حاكمةٌ على الإطلاق).

([348]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص352، (باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة)، ح6.

([347]) وسائل الشيعة، الحر العاملي، (أبواب أحكام الخلوة)، باب2، ح4.

([346]) الكافي، الكليني، ج3، ص16، (باب الموضع الذي يكره أن يتغوّط فيه)، ح5.

([345]) المصدر السابق، ص26، ح4.

([344]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص25، (باب آداب الأحداث الموجبة للطهارة)، ح3.

([343]) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج4، ص4، (باب ذكر جُمَلٍ من مناهي النبيّ)، ح4968.

([342]) نصُّ المسألة: (يَحْرُمُ في حالِ التّخَلّي استقبالُ القبلةِ واستدبارُها بمَقَادِمِ بدنه وإنْ أمَالَ عَوْرَتَهُ إلى غيرهما، والأحْوَطُ تَرْكُ الاستقبال والاستدبار بعورتِهِ فقط إنْ لَمْ يَكُنْ مقادِيمُ بَدَنِهِ اليهما. ولا فَرْقَ في الحُرْمَةِ بَينَ الأبنيَةِ والصَّحاري، والقولُ بعَدَمِ الحُرْمَةِ في الأوّلِ ضَعيفٌ، والقِبْلَةُ المنسوخَةُ كبيتِ المقدس لا يَلْحَقُها الحكمُ. والأقوى عَدَمُ حُرْمَتِهما في حال الاستبراء والاستنجاء، وإنْ كانَ التَّرْكُ أَحوط، ولو اضطرّ إلى أحدِ الأمرينِ تخيّر، وإنْ كانَ الأحوطُ الاستدبَارُ، ولو دَارَ أمْرُهُ بينَ أحَدِهِما وتَرْكُ السَّترِ مَعَ وُجودِ النَّاظِرِ وَجَبَ السَّتْرُ، ولو اشتبهتِ القبلةُ لا يَبْعُدُ العَمَلُ بالظَنّ، ولو تَرَدَّدَتْ بينَ جِهَتَينِ مُتقابلَتين اختارَ الأُخريين، ولو تَرَدَّدَ بينَ المتّصلَتين فكالتّرديدِ بين الأربعِ التّكليفُ ساقِطٌ، فيتخَيَّرُ بينَ الجهات).

([341]) نصُّ المسألة: (لو اضْطَرّ إلى النَّظَرِ إلى عَوْرَةِ الغيرِ، كما في مقامِ المُعَالَجَةِ فالأَحْوَطُ أنْ يَكُونَ في المرآةِ المقابِلَةِ لها إنْ انْدَفَعَ الاضطِرَارُ بذلكَ، وإلاّ فلا بأس).

([340]) نصُّ المسألة: (لا يَجوزُ للرَّجُل والأنثى النّظَرُ إلى دُبْرِ الخنثى وأمّا قُبُلَها فيُمْكِنْ أنْ يُقالَ: بتجويزِهِ لِكُلٍّ منهما للشَكِّ في كونِهِ عَوْرَةً لكنَّ الأحوطَ التَّرْكُ، بل الأقوى وُجوبَهُ؛ لأنّه عَوْرَة على كُلِّ حالٍ).

(1) هذا ما عثرنا عليه، وهو يبدأ من المسألة 12.

(1) تتمة المسألة: (إلا بعد تبيُّن أنَّ المستعمل هو المغصوب).

([337]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص101، (باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه)، ح114.

([336]) نصّ المسألة: (إذا كانَ هُناكَ ماءان تَوَضَّأَ بأحدِهِما أو اغتسلَ، وبَعْدَ الفراغِ حَصَلَ لَهُ العِلْمُ بأنَّ أحَدَهُما كانَ نَجساً ولا يَدْري أنّه هو الذي تَوَضَّأ به أو غيره، ففي صِحّةِ وضوئه أو غُسْلِهِ إشكالٌ، إذْ جريانُ قاعِدَةِ الفَرَاغِ هُنا مَحَلُّ إشكال، وأمّا إذا عَلِمَ بنَجَاسَةِ أحدِهِما المعيّن، وطَهَارَةُ الآخر فتَوَضَّأ، وبَعْدَ الفراغِ شَكَّ في أنّه توضَّأ من الطّاهِرِ، أو من النَّجسِ فالظّاهِرُ صِحَّةُ وُضوئِهِ؛ لقاعدة الفراغ. نَعَمْ لو عَلِمَ أنّه كانَ حينَ التوضُّؤ غافلاً من نجاسةِ أحَدِهِما يَشْكُلُ جريانها).

([335]) نصُّ المسألة: (في الماءيْنِ المشتَبَهَين إذا تَوَضَّأ بأحَدِهِما أو اغْتَسَلَ وغَسَلَ بَدَنَهُ من الآخر، ثُمَّ تَوَضَّأ به أو اغتسل، صَحَّ وضوؤه أو غُسْلُهُ على الأقوى، لكنَّ الأحوطَ تَرْكُ هذا النَّحْوِ مع وِجْدانِ ماءٍ مَعْلومِ الطَّهَارة، ومَعَ الانحصارِ الأحوطُ ضَمُّ التيَمُّم أيضا).

([334]) لم نقف على رواية بهذا النص، نعم رواه مرسلاً العلامة الحلي في التذكرة، وكذلك ابن أبي جمهور الاحسائي في عوالي اللآلئ ولكن بلفظ: (لا يحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفس منه). تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي، ج5، ص442. عوالي اللآلئ، ابن أبي جمهور، ج3، ص473.

([333]) نصُّ المسألة التاسعة: (إذا كانَ هُناكَ إناءٌ لا يُعْلَم أنّه لزيدٍ أو لعمرو، والمفروضُ أنّه مأذونٌ من قِبَلِ زَيْدٍ فَقَطْ في التَصّرفِ في ماله، لا يجوزُ له استعمالُه، وكذا إذا عَلِمَ أنّه لزيدٍ - مثلاً - لكنْ لا يَعْلَمُ أنّه مأذونٌ مِنْ قِبَلِهِ أو مِنْ قِبَلِ عَمْرو).

([332]) نصُّ المسألة: (إذا كانَ إناءانِ أحدُهُما المعيّن نجسٌ، والآخر طاهرٌ، فأُريقَ أحدُهُما، ولم يَعْلَمْ أنّه أيُّهما، فالبَاقي محكومٌ بالطَّهارة بخلافِ ما لو كانَا مشتَبَهَين وأريقَ أحَدُهُما، فإنّه يَجبُ الاجتنابُ عن الباقي، والفَرْقُ أنَّ الشُّبْهَةَ في هذه الصُّورِةِ بالنّسبةِ إلى الباقي بدوية، بخلافِ الصُّورَةِ الثّانية فإنَّ الماءَ الباقي كانَ طَرَفاً للشُّبهة من الأوّل، وقد حُكِمَ عليهِ بوجوب الاجتناب).

([331]) الكافي، الكليني، ج3، ص10، (الطهارة باب الوضوء من سؤر الدوابّ والسباع...)، ح6.

([330]) نصُّ المسألة: (إذا انحَصَرَ الماءُ في المشتَبَهَين تَعيَّنَ التيمُّم، وهَلْ يَجبُ إراقَتُهُما أو لا؟ الأحوطُ ذلك، وإنْ كانَ الأقوى العَدَم).

([329]) نصّ المسألة: (مُلاقي الشُّبْهَةِ المحصورةِ لا يُحْكَمُ عليهِ بالنَّجَاسَةِ لكِنَّ الأحوطَ الاجتناب).

([328]) نصُّ المسألة: (لو أُريقَ أحَدُ الإناءين المُشْتَبَهَين مِنْ حَيْثُ النَّجَاسَة والغَصبية لا يَجوزُ التوضُّؤ بالآخر وإنْ زَاَلَ العِلْمُ الإجماليّ، ولو أُريقَ أحَدُ المشَتَبَهَين مِنْ حيثُ الإضافة لا يَكْفي الوُضوءُ بالآخر، بلْ الأحوطُ الجَمْعُ بينَهُ وبَينَ التيمُّمِ).

([327]) نصّ المسألة: (إذا عُلِمَ إجمالاً أنَّ هذا الماء إمّا نَجِسٌ أو مُضافٌ يجوزُ شِرْبُه، ولكن لا يَجوزُ التوضُّؤ به، وكذا إذا عُلِمَ أنّه إمّا مضافٌ أو مغصوب. وإذا عُلِمَ أنّه إمّا نَجسٌ أو مغصوب، فلا يجوزُ شِرْبه أيضاً، كما لا يجوزُ التوضُّؤ به والقولُ بأنّه يجوزُ التوضُّؤ به ضعيفٌ جداً).

([326]) نصُّ المسألة: (إذا لم يَكُنْ عندَهُ إلاّ ماءٌ مشكوكٌ إطلاقُهُ وإضَافَتُه، ولم يتيقَّن أنّه كانَ في السَّابق مُطلقاً، يتيمَّم للصّلاة ونحوها، والأولى الجَمْعُ بينَ التيمُّم والوضوءِ به).

([325]) نصّ المسألة: (لو اشتبه مضافٌ في محصورٍ يجوز أنْ يكرّر الوضوء أو الغسل إلى عَدَدٍ يعلمُ استعمال مطلقٍ في ضِمْنِهِ. فإذا كانا اثنين يتوضّأ بهما، وإنْ كانت ثلاثةً أو أزيد يكفي التوضّؤ باثنين إذا كانَ المضافُ واحداً، وإنْ كانَ المضاف اثنين في الثلاثة يَجبُ استعمالُ الكُلّ، وإنْ كانَ اثنينِ في أربَعَةٍ تكفي الثلاثة، والمعيارُ أنْ يُزَادُ على عَدَدِ المُضَافِ المعلومِ بواحِدٍ، وإنْ اشتبه في غيرِ المحصور جازَ استعمالُ كُلٍّ منها، كما إذا كان المضافُ واحداً في ألفٍ، والمعيار أنْ لا يُعَدّ العلم الإجمالي عِلماً، ويجعل المضاف المشتبه بحكم العدم، فلا يَجْري عليهِ حُكْمُ الشُّبْهَةِ البَدويّة أيضاً، ولكنَّ الاحتياطَ أولى).

(1) بياض في الأصل بمقدار كلمة.

([323]) نصُّ المسألة: (إذا اشَتَبَهَ نَجِسٌ أو مغصوبٌ في محصورٍ -كإناءٍ في عشرة- يَجبُ الاجتِنابُ عن الجميع، وإنْ اشتَبَهَ في غيرِ المحصورِ -كواحِدٍ في ألفٍ مثلاً- لا يَجِبُ الاجتنابُ عن شيءٍ منه).

(1) تتمة المسألة: (وإن كان أحوط).

([321]) نصّ المسألة الثالثة عشر: (لو أجرى الماءَ على المحلّ النجس زائداً على مقدارٍ يكفي في طهارته، فالمقدار الزائد بعد حصول الطهارة طاهر، وإنْ عُدّ تمامه غسله واحدة ولو كان بمقدار ساعة، ولكن مراعاة الاحتياط أولى).

([320]) نصّ المسألة الثانية عشر: (تطهرُ اليدُ تبعاً بعد التطهير، فلا حاجة إلى غسلها، وكذا الظرف الذي يغسل فيه الثوبُ ونحوه).

([319]) نصّ المسألة الحادية عشرة: (المتخلِّفُ في الثّوبِ بَعْدَ العَصْرِ من الماءِ طاهرٌ فلو أخْرَجَ بَعْدَ ذَلِكَ لا يَلْحَقُهُ حُكْمُ الغُسَالَةِ، وكذا ما يبقى في الإناءِ بَعْدَ إهراقِ ماءِ غُسَالَتِه).

([318]) نصُّ المسألة العاشرة: (سَلْبُ الطّهَارَةِ أو الطّهوريّةِ عن الماء المستعمل في رَفْعِ الحَدَثِ الأكبر أو الخبث استنجاءً أو غيره إنّما يَجْري في الماءِ القَليلِ دُونَ الكُرِّ فما زادَ، كخِزَانَةِ الحمَّامِ ونحوهما).

([317]) (غَرَضُهُ أنّه لو شَكَّ أنّ مَاءَ الاستنجاءِ كانَ ملاقي لنجاسةٍ كانت جزءً من الغائط أو من الخارج)، الشيخ علي  قدس سره .

([316]) تتمة المسألة السابعة: (وإن كان الأحوط الاجتناب).

([315]) تتمة المسألة السادسة: (سائر النجاسات في وجوب الاحتياط من غُسالته).

([314]) تتمة المسألة الرابعة: (إلا إذا عادَ بَعْدَ مُدّةٍ يَنتفي مَعَهَا صِدْقُ التنجُّسِ بالاستنجاء، فينتفي حينئذٍ حكمه).

([313]) (لَعَلّ الوَجْه أنَّ اليَدَ لو سبقت كانت النجاسة عليها وهي غير موضع النجو وحينئذ فينجس ماء الاستنجاء بها)، الشيخ علي  قدس سره .

([312]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص250، (تطهير الثياب وغيرها من النجاسات)، ح4.

([311]) المبسوط، الشيخ الطوسي، ج1، ص92. الخلاف، الشيخ الطوسي، ج1، ص494، وليس الحديث في كتبنا وإن اعتمده الشيخ بل هو في البخاري، ج1، ص62، (الوضوء، باب يهريق الماء على البول).

([310]) (أي: يؤثّرُ الطهارةَ في المحلّ فإنّها تضادُّ مقتضى الماء النّجس)، كذا في هامش المخطوط، ولم يكتب الشيخ علي اسمه بعده، فربما يكون التوضيح من الشيخ الشيرازي .

([309]) (توضيحُهُ: إنَّ قاعدَة تنجّس المتنجّس بالملاقاة قطعاً مخصّصة هنا وغير محفوظة في المورد؛ لأنّه على تقدير طهارة الغسالة لم يَكُنْ المتنجّسُ قد نَجَّسَ الماءَ بالملاقاةِ، وعلى تقديرِ نَجَاسَةِ الغُسَالة لم تَكُنْ الغُسَالَةُ قد نَجَّسَتْ المحلّ بالملاقاة؛ لفرضِ طهارةِ المحلّ، فنقطعُ إجمالاً بعدم شمولِ قاعِدَةِ تنجُّسِ الملاقي بالملاقاةِ لما نَحْنُ فيه إجمالاً، فلا تصلحُ للتمسُّكِ بها في المقام، ونَرْجِعُ إلى قَاعِدَةِ الطَّهَارَة). الشيخ علي  قدس سره .

([308]) (بالملاقاة أو بالورود)، الشيخ علي  قدس سره .

([307]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص221، (باب المياه وأحكامها...)، ح13، وفيه: (يغسل به الثوب)، لا (منه) كما في المخطوط.

([306]) (اذ لو قلنا بأن الغسالة الطاهرة مزيلة لما احتجنا إلى تكرر صبّ الماء)، الشيخ علي  قدس سره .

([305]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص284، (باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات)، ح119.

([304]) هذا الخبر انفرد الشيخ الطوسي بنقله في الخلاف 1/ 180 مقطوعاً عن أيّ سند، ونصّه: (روى العيصُ بن القاسم قال: سألته عن الرجل أصابه قطرة من طست فيه ماء وضوء، فقال: إن كان الوضوء من بولٍ أو قذرٍ، فليغسل ما أصابه، وإنْ كان وضوؤه للصّلاة فلا يضرّه)، ونقله المحقق الحلي في المعتبر، ج1، ص90، متصرِّفاً بألفاظه، وأسقط الفقرة الأخيرة منه (وإن كان وضوؤه للصلاة فلا يضرّه). كذلك نقله الشهيد في الذكرى، ج1، ص84، ولم ينقل الفقرة الأخيرة، وقال عن الخبر بأنه مقطوع. وكذا العلاّمة الحلي في منتهى المطلب، ج1، ص142، ولم ينقل الفقرة الأخيرة، والغريب من مثل صاحب الوسائل أنه نقل الخبر عن الذكرى والمعتبر ولم ينقله من الخلاف فانظر ابواب الماء المضاف باب9، ح14. ثمّ إنّ الشيخ الصدوق أفتى في المقنع ص18 بنصّ الرواية بتمامها حتّى الفقرة الأخيرة مع تغيير طفيف عليها، فلا عذر بعد ذلك لمن أهمل الفقرة الأخيرة.

([303]) الجواهر، محمد حسن النجفي، ج1، ص105. التحرير، المحقق الحلي، ج1، ص6. ومنتهى المطلب، العلامة الحلي، ج1، ص137.

([302]) منتهى المطلب، العلامة الحلي، ج1، ص143. الشهيد في الذكرى، ج1، ص83. البيان، ص102.

([301]) هو ابن إدريس، انظر السرائر، ج1، ص97 - 98، ص184.

([300]) الكافي، الكليني، ج3، ص13، (الطهارة، باب اختلاط ماء المطر بالبول...)، ح5.

([299]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص86، (باب صفة الوضوء والفرض منه والسنّة والفضيلة فيه)، ح76.

([298]) كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري، ج1، ص350 - 351، وقد نقل بعض كلماته متصرّفاً فيها.

([297]) تهذيبُ الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص373، (باب دخول الحمّام وآدابه وسننه)، ح1.

([296]) مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج1، ص233، في هذه المسألة خلاف طويل فراجع.

([295]) كذا في المخطوط، والصواب: ممن.

([294]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص221، (باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهّر به...)، ح13.

([293]) هنا بياض في المخطوط بمقدار كلمة.

([292]) نصّ المسألة: (يحرم شربُ الماء النّجس إلا في الضَّرورة، ويجوزُ سَقيهُ للحيوانات، بل وللأطفال أيضاً ويجوزُ بيعه مع الإعلام).

([291]) نصّ المسألة: (الكُرّيّةُ تَثْبُتُ بالعلم، وبالبينة، وفي ثبوتها بقولِ صَاحِبِ اليَدِ وَجْهٌ وإنْ كان لا يخلو عن إشكالٍ، كما أنَّ في إخبارِ العَدْلِ الواحِدِ أيضاً إشكالا).

([290]) نصّ المسألة: (إذا شَهِدَ اثنانِ بأحدِ الأمرينِ وشَهدَ أربَعَةٌ بالآخر يمكن - بل لا يبعد - تساقُطُ الاثنين بالاثنين، ويبقى الآخرين).

([289]) نصّ المسألة: (إذا أخبرَ ذو اليد بنجاسته وقامتِ البيّنة على الطّهارة قُدِّمَتْ البينّةُ وإذا تعارض البيّنتان تساقطتا إذا كانَتْ البيّنَةُ على الطّهَارَةِ مستندةً إلى العلم، وإنْ كانت مستندةً إلى الأصل تُقَدّمُ بينّة النّجاسة).

([288]) وسائل الشيعة، الحر العاملي، (أبواب الأسئار)، باب8.

([287]) المصدر السابق، ج2، ص219، (باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان...)، ح70.

([286]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص422، (أبواب الزيادات في أبواب الطهارة، باب تطهير البدن والثياب من النجاسات)، ح8.

([285]) وسائل الشيعة، الحر العاملي، (التجارة، أبواب ما يكتسب به)، باب6، ح3، 4، 5. (الأطعمة، أبواب الأطعمة المحرّمة)، باب43، ح1.

([284]) الكافي، الكليني، ج3، ص404، (الصلاة، باب الرجل يصلّي في الثوب وهو غير طاهر عالماً أو جاهلاً)، ح1.

([283]) الجواهر، محمد حسن النجفي، ج6، ص177.

([282]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج2، ص371، (أبواب الزيادات، باب ما يجوز الصلاة فيه من اللباس والمكان)، ح76. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص258، (باب أحكام لباس المصلي)، ح792، وفيه: (رأيتموهم يصلّون).

([281]) الجواهر، محمد حسن النجفي، ج6، ص176 بتصّرف.    

([280]) الكافي، الكليني، ج5، ص314، (المعيشة، باب النوادر)، ح40. والنصّ فيه: (والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك أو تقوم به البيّنّة).

([279]) نصّ المسألة: (تثبتُ نجاسَةُ الماء - كغيرِهِ - بالعِلْمِ، وبالبيّنة، وبالعدل الواحِدِ على إشكالٍ لا يُتْرَكُ فيهِ الاحتياط، وبقول ذي اليدِ وإنْ لم يَكُنْ عادلاً، ولا تَثْبُتُ بالظنّ المطلق على الأقوى).

([278]) نصُّ المسألة: (الماءُ المتغيّر إذا ألقيَ عليه الكُرُّ فزالَ تغيّرهُ بهِ يَطْهُرُ، ولا حَاجَةَ إلى إلقاء كُرٍّ آخر بَعْدَ زوالِهِ، لكنْ بشَرْطِ أنْ يَبْقى الكُرُّ المُلْقَى على حَالِهِ مِنْ اتّصالِ أجزائِهِ، وعَدَمِ تغيُّرِهِ، فلو تَغَيَّرَ بَعْضُهُ قَبْلَ زَوَالِ تغيُّرِ النّجِسِ، أو تفرَّقَ بحيثُ لم يَبْقَ مِقْدَارُ الكُرّ متّصلاً باقياً على حالِهِ، تنجَّسَ، ولم يكفِ في التّطهير، والأولى إزالَةُ التغيُّر أوّلاً، ثمّ إلقاءُ الكُرِّ أو وَصلِهِ به).

([277]) (ويتوجَّهُ على من قال بالامتزاج بالماء المتنجس الكثير جداً؛ إذا مزج بالكرّ الطاهر، فإنه يطهرُ مع أنَّهُ لا يعقل حصول المزج به؛ لأن الأقلَّ لا يمتزج بجميع أجزاء الأكثر)، الشيخ علي  قدس سره .

([276]) نصُّ المسألة: (لا فَرقَ بين أنحاء الاتّصال في حُصولِ التّطهير فيَطْهُرُ بمجرَّدِهِ وإنْ كانَ الكرُّ المطهِّر
-مثلاً- أعلى والنّجسُ أسفل، وعلى هذا فإذا ألقيَ الكُرُّ لا يَلْزَمُ نزولُ جميعِهِ، فلو اتّصل ثمّ انقطع كفى. نعم إذا كان الكرُّ الطاهرُ أسفل والماءُ النّجسُ يَجري عليه من فوق لا يَطْهُرُ الفوقانيّ بهذا الاتّصال).

([275]) الرسائل التسع، المحقق الحلي، ص219، والرواية مرسلة والمحقق الحلّي أول من نقلها عن ابن أبي عقيل.

والرواية في مختلف الشيعة، العلامة الحلي، ج1، ص178، وليست في منتهى المطلب، ونصُّها كما في المختلف: (وذكر بعض علماء الشيعة: إنه كان بالمدينة رجلٌ يدخل إلى أبي جعفر محمد بن علي B، وكان في طريقه ماء فيه العَذَرة والجيف، كان يأمر الغلام يحمل كوزاً من ماء يغسل رجله إذا أصابه، فأبصره يوماً أبو جعفر B فقال: إنَّ هذا لا يصيبُ شيئاً إلا طهّره فلا تُعِدْ منه غُسلا).

([274]) نصُّ المسألة: (الماءُ الراكد النجس كُرّاً كانَ أو قليلاً يَطْهُرُ بالاتّصال بكُرٍّ طاهرٍ، أو بالجاري، أو النّابع الغير الجاري، وإنْ لم يَحْصَل الامتزاج على الاقوى؛ وكذا بنزول المطر).

([273]) نصُّ المسألة: (ماءُ البئر المتصّل بالمادّة اذا تنجَّسَ بالتغيرّ فطُهْرُهُ بزوالِهِ ولو من قبل نفسه، فَضْلاً عن نُزولِ المطرِ عليهِ أو نَزْحِهِ حتَّى يزول؛ ولا يعتَبَرُ خُروجُ ماءٍ من المادّة في ذلك).

([272]) الكافي، الكليني، ج3، ص5، (الطهارة، باب البئر وما يقع فيها)، ح1. والوسائل، الحر العاملي، (كتاب الطهارة أبواب الماء المطلق)، باب 14، ح21.

([271]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص234، (باب تطهير المياه من النجاسات)، ح7.

([270]) المُزَمَّلة: جرَّة أو خابية خضراء اللون في وسطها أنبوب من الفضة أو النحاس يثبت في وسط قاعدتها ويخرج من فم الجرَّة يستعمل لشرب الماء، وهذا اللفظ كان شائعاً في العراق، وهو يطلق في عصر المصنّف وحتى قبل أيامنا بقليل على حنفية الماء التي تكون في رأس الأنبوب.

([269]) (لكنَّ الحمَّام غير معلوم المراد منه؛ إذ لا نعلم كيفية الحمّامات في ذلك الوقت، أعني: وقت ورود الأخبار)، الشيخ علي  قدس سره  أدرج هذه الجملة بين الأسطر، ولم يعيّن موضعها، فأدرجناها في الهامش حذراً من زجّها في غير موضعها من المتن.

([268]) المصدر السابق، ص365 - 366، ليس في المعتبر تصريح بعدم سقوط التعدّد بل استشكل على قول الشيخ في المبسوط بالسقوط، فانظر المعتبر، المحقق الحلي، ج1، ص460.

([267]) كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري، ج5، ص365.

([266]) يعني مرسلة الكاهلي: (كل شئ يراه ماء المطر فقد طهُرَ). الكافي، الكليني، ج3، ص13، (باب اختلاط ماء المطر بالبول...)، ح3.

([265]) يعني صحيحة الفضل أبي العباس في التهذيب، الشيخ الطوسي، ج1، ص225، (باب المياه وأحكامها...)، ح29.

([264]) نصّ المسألة الثامنة: (إذا تقاطر من السّقف النّجس يكون طاهراً إذا كان التقاطر حالَ نزولِهِ من السّماءِ، سواء كان السَّطحُ أيضاً نجساً أم طاهرا).

([263]) بقي من نصّ المسألة السابعة فقرة لم يذكرها المصنّف وهي: (لكن بشرط أنْ يكونَ ذلك حال تقاطره من السماء، وأمّا إذا انقطعَ ثمّ تقاطر من السقف مع فرض مروره على عين النّجس فيكون نجساً، وكذا الحالُ إذا جَرَىَ من الميزاب بعدَ وقوعِهِ على السَّطح).

([262]) نصّ المسألة: (إذا تقاطَرَ من السّقفِ لا يكون مُطهِّراً، بل وكذا إذا وَقَعَ على وَرَقِ الشَّجر، ثمَّ وَقَعَ على الأرض. نعم لو لاقى في الهواءِ شَيئاً - كوَرَقِ الشَّجرِ ونحوِهِ - حالَ نزولِهِ لا يَضُرُّ، إذا لم يقع عليه ثُمَّ منهُ على الأرض، فمجرَّدُ المرورِ على الشّيء لا يضر).

([261]) نصُّ المسألة: (الحوض النجس تحت السماء يطهّر بالمطر، وكذا إذا كان تحت السقف وكان هناك ثقبة ينزل منها على الحوض، بل وكذا لو أطارته الريح حال تقاطره فوقع في الحوض، وكذا إذا جرى من ميزابٍ فوقع فيه).

([260]) نصُّ المسألة: (الأرضُ النّجسَةُ تطهر بوصولِ المطر إليها بشرطِ أنْ يكونَ من السّماء ولو بإعانةِ الرّيح، وأمّا لو وَصَلَ إليها بَعْدَ الوقوعِ على مَحَلٍّ آخر، كما إذا تَرَشَّحَ بَعْدَ الوقوعِ على مكانٍ فوَصَلَ مكاناً آخر لا يُطهِّرُ، نعم لو جَرَىَ على وَجْهِ الأرضِ فوَصَلَ إلى مكانٍ مُسَقَّفٍ بالجَرَيَانِ إليه طهّر).

([259]) نصّ المسألة كما في العروة الوثقى: (الإناءُ المتروسُ بماءٍ نجسٍ - كالحِبِّ والشَّرْبَة ونحوهما - إذا تقاطَرَ عليه طَهُرَ ماؤه وإناؤه بالمقدار الذي فيه ماء، وكذا ظهرُهُ وأطرافه إنْ وَصَلَ إليه المطر حال التقاطر، ولا يُعْتَبَرُ فيه الامتزاج، بل ولا وصوله إلى تمام سطحه الظاهر، وإنْ كانَ الأحوط ذلك).

([258]) نصُّ المسألة الأولى: (الثَّوبُ أو الفراشُ النَّجسُ اذا تقاطَرَ عليه المطر، ونَفَذَ في جميعِهِ طَهُرَ، ولا يَحْتَاجُ إلى العَصْرِ أو التعدُّد، وإذا وَصَلَ إلى بعضِهِ دونَ بعضٍ طَهُرَ ما وصل إليه، هذا إذا لم يَكُنْ فيهِ عَينُ النَّجاسَة وإلاّ فلا يَطْهُرُ الا إذا تقاطَرَ عليه بَعْدَ زوالِ عَيْنها).

([257]) الكافي، الكليني، ج3، ص13، (الطّهارة، باب اختلاط ماء المطر بالبول...)، ح4.

([256]) الحسن بن صالح بن حيّ الهمداني الكوفي (100 - 168هـ)، فقيه، زيدي، مات متخفياً بعد وفاة عيسى بن زيد بشهرين. ولقوله في المسألة انظر المحلّى، ابن حزم، ج2، ص42.

([255]) هذا معنى ما في المعتبر، المحقق الحلي، ج1، ص53 - 54.

([254]) السرائر، ابن ادريس، ج1، ص63 - 64.

([253]) وسائل الشيعة، الحر العاملي، (أبواب النجاسات والأواني والجلود)، باب29، ح7، وليس فيه قوله: (سبحان الله).

([252]) كتاب الطهارة، الشيخ الانصاري، ج1، ص156.

([251]) كتاب الطهارة، الشيخ الانصاري، ج1، ص156.

([250]) تقدم تخريج هذا الحديث في المسألة الثامنة عشرة من فصل المياه.

([249]) الوافي، الفيض الكاشاني، ج6، ص32، وردّ عليه في الحدائق الناظرة، يوسف البحراني، ج1، ص321.

([248]) كتاب الطهارة، الشيخ الانصاري، ج1، ص155.

(1) كتاب الطهارة، الشيخ الانصاري، ج1، ص153 - 154.

([246]) نصٌّ المسألة: (إذا كانَ كُرٌّ لم يُعْلَمْ أنّه مُطْلَقٌ أو مُضافٌ فوقَعَتْ فيهِ نَجَاسَةٌ لم يُحْكَمْ بنجاسته، وإذا كانَ كُرّان أحدهما مطلقٌ والآخر مضاف، وعُلِمَ وقوعُ النَّجاسَةِ في أحدِهِما، ولم يُعْلَم على التّعيين، يُحْكَم بطهارتهما).

([245]) نصٌّ المسألة: (إذا كانَ هَناكَ مَاءان أحدُهُما كُرٌّ والآخرُ قليلٌ، ولم يعلم أنّ أيُّهُما كُرٌّ، فوَقَعَتْ نجاسَةٌ في أحدهما مُعَيَّناً أو غيرَ مُعيَّن لم يُحْكَمْ بالنّجاسة وإنْ كان الأحوطُ في صورة التعيينِ الاجتناب).

([244]) نصٌّ المسألة: (إذا حَدَثَتْ الكرّيّةُ والملاقاة في آنٍ واحدٍ حُكِمَ بطهارَتِهِ وإنْ كان الأحوطُ الاجتناب).

([243]) نصٌّ المسألة: (الكُرُّ المسبوقُ بالقلّة إذا علم ملاقاته للنجاسة ولم يُعلم السّابقُ من الملاقاةِ والكُرّيّةِ إنْ جُهِلَ تاريخهما، أو عُلِمَ تاريخُ الكُرّيّة، حُكِمَ بطهارَتِهِ وإنْ كانَ الأحوطُ التجنُّبُ، وإنْ عُلِمَ تاريخُ الملاقاةِ حُكِمَ بنجاسته، وأمَّا القليلُ المسبوقِ بالكُرّيّة الملاقي لها، فإنْ جُهِلَ التّاريخان أو عُلِمَ تاريخُ الملاقاة حُكِمَ فيهِ بالطّهارة، مع الاحتياط المذكور، وإنْ عُلِمَ تاريخُ القِلّة حُكِمَ بنجاسَتِهِ).

([242]) العدمُ بعدم الموصوف: أي: العدم المُسبَّبُ عن عدم وجود الموصوف أصلاً، أي: عدمُ كرّية الماء سببه عدم وجود الماء. وعدمُ وجود الماء انقطع؛ لأنَّ الماء قد وُجد.

([241]) أي: كتابنا هذا، فإنه في المسألة الأولى من كتاب الطهارة نقل عن الشيخ الأنصاري في كتابه، ج1، ص300 فراجع.

([240]) هذا نصّ كلام الشيخ الأنصاري  قدس سره  مع تغيير طفيف فانظر كتاب الطهارة، ج1، ص161- 162.

([239]) الكافي، الكليني، ج3، ص2، (باب الماء الذي لا ينجسه شيء)، ح1، 2، 4، 7.

([238]) المصدر السابق، ج1، ص412، (باب المياه واحكامها)، ح6.

([237]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص234، (باب تطهير المياه من النجاسات)، ح7.

([236]) نص المسألة: (الماءُ المشكوك كُرّيَّتُهُ مع عَدَمِ العِلْم بحالَتِهِ السَّابقَةِ في حكم القليل على الأحوط وإنْ كانَ الأقوى عَدَمَ تنجُّسِهِ بالملاقاة، نعم لا يجري عليه حُكْمُ الكُرّ، فلا يَطْهُرُ ما يَحْتَاجُ تَطْهيرُهُ إلى إلقاء الكُرِّ عليه، ولا يُحْكَمُ بطهارةِ متنجّس غُسِلَ فيه وإنْ علم حالته السابقة يجري عليه حُكْمُ تلكَ الحالة).

([235]) كذا في المخطوط والصحيح: الجامد.

([234]) نصّ المسألة: (إذا جمد بعضُ ماءِ الحوض والباقي لا يبلُغُ كُرّاً ينجُسُ بالملاقاةِ ولا يعصمه ما جمد، بل إذا ذاب شيئاً فشيئاً ينجس أيضاً، وكذا إذا كان هناك ثلج كثير فذاب منه أقل من الكرّ فإنّه ينجس بالملاقاة، ولا يعتصم بما بقي من الثلج).

([233]) نصٌّ المسألة: (إذا لم يتساوَ سطوحُ القليل ينجُسُ العالي بملاقاة السّافل كالعكس. نعم لو كان جارياً من الأعلى إلى الأسفل لا يَنجُسُ العالي بملاقاة السافل، من غير فرق بين العلوّ التسنيميّ والتّسريحيّ).

([232]) أسقط المصنف المسألة الثالثة من هذا الفصل؛ لأنه تقدّم توضيحها في ذيل المسألة السابقة، ونصٌّ المسألة الثالثة: (الكرُّ بحقّة الإسلامبول المتعارف أخيراً في العراق - وهي مائتان وثمانون مثقالاً - مائتا حقة واثنان وتسعون حقة ونصف حقة).

([231]) كذا في المخطوط، وهو خطأ حتماً، لأنَّ حجم المكعب= مساحة المربع× الارتفاع، ومساحة المربع= طول الضلع× نفسه، معناه: 3,5 × 3,5 = 12,25 × 3,5 = 42,875 اثنان وأربعون شبراً وسبعة أثمان الشبر.

([230]) الكافي، الكليني، ج1، ص68، (كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث)، ح10.

([229]) هذا نصُّ ما ذكره الشيخ محمد حسن النجفي في الجواهر، ج1، ص179، وفيه: إنه عَدَّ الذراع قدمين وهو صحيح، وعدَّ القَدمَ شبراً، ولم أتبيّن وجهه، وفيه أيضاً: إنه عَدَّ نسبة القطر إلى محيط الدائرة الثلث، مع أنه ثلث وسبع، فلذلك كانت نتيجته 27 شبراً حجم الكرّ، ونقله منه جماعة كثيرون، ونتيجة الحساب الصحيح إن مكسرّ الكرّ بالأشبار طبقاً لرواية إسماعيل 28,285، أي: ثمانية وعشرين شبراً وثمني شبر وأكثر من ربع الثمن بقليل.

([228]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص41، (باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات)، ح53.

([227]) المصدر السابق، ح7، ونصّها: (عن اسماعيل بن جابر قال سألتُ أبا عبد الله  Bعن الماء الذي لا يُنجسه شيء، قال: كرّ، قلت: وما الكرّ؟ قال ثلاثة أشبار في ثلاثة أشبار).

([226]) الكافي، الكليني، ج3، ص3، (الطهارة، باب الماء الذي لا ينجسه شيء)، ح5.

([225]) كذا في المخطوط، وهو خطأ، لأنّ حساب حجم الاسطوانة يتمّ باستخراج مساحة الدائرة، ثم نضربها بعمقها، ولحساب مساحة الدائرة خمس طرق، هذه إحداها، ضرب نصف القطر في نصف المحيط، والمحيط = القطر × النسبة الثابتة، وهي نسبة القطر إلى المحيط وهي ثلاثة وسبع أي: 22/7 أو 3,1428، فالمحيط = 3,5 × 3,142 = 11 شبراً تقريباُ، ومساحة الدائرة= نصف القطر× نصف المحيط، 1,75 × 5,5 = 9,625، أي: تسعة أشبار وخمسة أثمان الشبر، فحجم الكرّ= مساحة الدائرة في عمقها، 9,625 × 3,5 = 33,6875، أي ثلاثة وثلاثين شبراً وخمسة أثمان الشبر ونصف ثمن شبر، وقول المصنف: (خمسة أثمان الشبر ونصف الشبر) خطأ حتماً، فإنّ ثمن الشبر 0,125، فالأثمان الخمسة ومعها نصف الشبر= 1,125 أي: شبر وثمن، ونضيفها على 33 شبراً، فالناتج 34,125 أربعة وثلاثين شبراً وثمن شبر، وهو منافٍ لصدر كلامه فقد قال: (ثلاثة وثلاثين شبراً) فكيف تصير أربعة وثلاثين. لكن الصحيح ثلاثة وثلاثين شبراً وخمسة أثمان الشبر ونصف ثمن شبر أي: 33 + 0,625 + 0,0625 = 33,6875، ويحتمل سقوط كلمة (ثمن) من عبارته، أعني قوله: (ثلاثة وثلاثين شبراً وخمسة أثمان شبر ونصف - ثمن - شبر).

([224]) نصُّ الرواية: (عن الحسن بن صالح الثوّري عن أبي عبد الله B قال: إذا كان الماءُ في الرّكي كرّاً لم يُنجسْهُ شيءٍ، قلت: وكم الكرّ، قال: ثلاثةُ أشبار ونصف عمقها في ثلاثة أشبار ونصف عرضها). الكافي، الكليني، ج3، ص2، (الطهارة، باب الماء الذي لا ينجسه شيء)، ح4.

([223]) الوسائل، الحر العاملي، (الطهارة، أبواب الماء المطلق)، باب8، ح13، وباب9، ح4، ونصُّه: (عليُّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر B قال سألته عن الدجاجة والحمامة وأشباههما تطأ العذرة ثمَّ تدخلُ الماءَ يُتوضّأ منه للصّلاة؟ قال لا، إلاّ أن يكون الماء كثيراً قدر كرّ من ماء).

([222]) الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص20.

([221]) الكافي، الكليني، ج4، ص172، (الصيام، باب الفطرة)، ح9.

([220]) كتاب الطهارة، الشيخ الأنصاري، ج1، ص183 - 184.

([219]) الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص11، (الطهارة، أبواب المياه، باب كميّة الكرّ)، ح6.

([218]) أظنّه يعني خبر الكلبي النَّسّابة في الكافي، الكليني، ج1، ص350، (الحجة، باب ما يفصل به بين دعوى المحقّ والمبطل في أمر الإمامة)، ح6، ونقله مختصراً في ج6، ص416، (الأشربة، أبواب الأنبذة، باب النبيذ)، ح3.

([217]) الكر ألف ومائتا رطل، واختلف العلماء في تحديده فإنه مقياس للوزن، وفي تلك الأزمة كانت الموازين مختلفة عندهم، فمفهوم الرطل واسمه متداول، ولكن رطل المدينة يختلف عن رطل العراق والرطل المكي يخالفهما، فلذلك فسّر الشيخ المفيد في المقنعة الرطل في هذه الرواية بالعراقي وتبعه الشيخ الطوسي، وخالف السيد المرتضى والصدوق في الفقيه وجعلاه رطلاً مدنياً، التهذيب، الشيخ الطوسي، ج1، ص217. الناصريات، السيد الشريف، ص68. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص6، ذيل الحديث الثاني (باب المياه وطهرها). وانظر ما في الوسائل في ذيلِ الحديث الثالث من الباب 11 من أبواب الماء المطلق.

([216]) نصٌّ المسالة: (الكرُّ بحسب الوزنِ ألفٌ ومائتا رَطْلٍ بالعراقيّ، وبالمساحة ثلاثة واربعون شبراً إلا ثمن شبر، فبالمنّ الشاهي - وهو ألف ومائتان وثمانون مثقالاً - يصير أربعة وستّين مَنَّاً إلاّ عشرين مثقالا).

([215]) الكافي، الكليني، ج3، ص74، (الطهارة، باب النّوادر)، ح16، ونصُّهُ: (إن لم يكن شئٌ يستبين في الماء فلا بأس).

([214]) علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج1، ص287، باب207.

([213]) نص المسألة: (إذا تَغَيَّرَ بعْضُ الجاري دونَ بَعْضِهِ الآخر فالطرفُ المتّصِلُ بالمادّة لا يَنجُسُ بالملاقاةِ وإنْ كان قليلاً، والطرفُ الآخرُ حكمُهُ حكمُ الرّاكِدِ إنْ تَغير تمام قطر ذلك البعض المتغيّر، وإلاّ فالمتنجّسُ هو المقدار المتغيِّرُ فقط، لاتصالِ ما عَدَاهُ بالمادّة).

([212]) نصٌّ المسألة: (الرَّاكدُ المتصل بالجاري كالجاري، فالحوضُ المتّصل بالنهر بساقية يلحقه حكمه، وكذا أطراف النهر وإنْ كان ماؤها واقفا).

([211]) نصٌّ المسألة: (لو انقطع الاتصالُ بالمادة، كما لو اجتمعَ الطينُ فمنع من النبع كان حكمه حكم الراكد، فإنْ أزيل الطينُ لحقه حكمُ الجاري وإنْ لم يخرج من المادة شيء، فاللازم مجرد الاتصال).

([210]) كذا في المخطوط، والصواب: لصدق ماله مادة أو لصدق أنّ له مادّة.

([209]) كذا في المخطوط.

([208]) نصٌّ المسألة: (يعتَبَرُ في عَدَمِ تنجُّس الجاري اتّصالُهُ بالمادّة فلو كانت المادة من فوق تترشَّحُ وتتقاطر، فإنْ كانَ دونَ الكرّ ينجُسُ، نَعَمْ إذا لاقى مَحَلَّ الرَّشْحِ للنَّجَاسَةِ لا يَنْجُس).

([207]) كتاب الطهارة، الشيخ الانصاري، ج1، ص79.

([206]) نصٌّ المسألة: (الجاري على الأرضِ من غيرِ مادّةٍ نابعةٍ أو راشحةٍ إذا لم يَكُنْ كُرّاً ينجُسُ بالملاقاة، نعم إذا كانَ جارياً من الأعلى إلى الأسفل لا ينجس أعلاه بملاقاةِ الأسفل للنّجاسة وإنْ كانَ قليلا).

([205]) رواه في الوسائل عن المعتبر، ثم قال: ورواه ابن ادريس مرسلا في أول (السرائر). ونقل أنه متفق على روايته. الوسائل ج 1 ص 135 كتاب الطهارة / باب 1، الحديث 9.

([204]) لم أعثر عليه بهذا اللفظ، وهو معنى صحيحة داود بن سرحان، (قلت لأبي عبد اللهB:ما تقولُ في ماء الحمّام؟ قال: هو بمنزلة الماء الجاري). التهذيب، الشيخ الطوسي، ج1، ص378، (باب دخول الحمّام وآدابه)، ح28.

([203]) الكافي، الكليني، ج3، ص14، (الطهارة، باب ماء الحمّام والماء الذي تسخّنه الشمس)، ح1.

([202]) دعائم الاسلام، القاضي نعمان، ج1، ص111.

([201]) النوادر، الراوندي، ص188.

([200]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص234، (باب تطهير الماء من النجاسات)، ح7.

([199]) أظنه المحدّث الأسترايادي في حاشيته على المدارك كما يظهر من نقل صاحب الحدائق عنه في ج1، ص240، ص332.

([198]) يعني كون الجاري هو السائل عن مادّةٍ لا مطلقاً.

([197]) (إنّه يمكنُ التمسُّكُ لعدم اعتبار المزج بعدمِ وجودِ عَينٍ ولا أثرٍ له في الأخبار، خصوصاً مع عدمِ التفاتِ نوع الناس له، على أنّـه أمرٌ لا يمكنُ حلّه وحصره ومقداره)، الشيخ علي قدس سره .

([196]) (أقول: وبعبارةٍ أخرى: إنَّ الموضوع الذي أخذ في باب المطهّرية هو (ما)، وهو صادقٌ على الجامد والمائع، والحكم يكون لهما على حدٍّ سواء، بخلاف الموضوع في باب النجاسة هو الماء)، الشيخ علي  قدس سره .

([195]) (أقولُ: هذا يكونُ من قبيل التمسُّك بإطلاق المسبَّب على إطلاق السّبب، نظيرُ (أُحِلَّ البيعُ) يُتَمَسَّكُ بهِ على إطلاق أسبابه، إذا قلنا إنّه اسمٌ للمسبَّب)، الشيخ علي  قدس سره .

([194]) تقّدم تخريجه في هامش المسألة السادسة.

([193]) لم أعثر عليه بهذا اللفظ، وربّما هي مرسلة الكاهلي في الكافي: ج3، ص13، باب اختلاط ماء المطر بالبول، ونصّها: (كل شئ يراهُ ماءُ المطر فقد طهُرَ).

([192]) الكافي، الكليني، ج3، ص1، (الطهارة، باب طهور الماء)، ح1.

([191]) الكافي، الكليني، ج3، ص14، (باب الحمّام والماء الذي تسخنه الشمس)، ح1.

([190]) لعلّه يكون الشكّ فيه من قبيل الشك في بقاء حكم المخصّص. (الشيخ علي كاشف الغطاء).

([189]) كتب في المخطوط فوق كلمة (حتى): (الى أن).

([188]) التهذيب، الشيخ الطوسي، ج1، ص234، باب تطهير المياه من النجاسات، ح7. الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص33، (باب البئر يقع فيها ما يغيّر أحد أوصاف الماء)، ح8، ولفظ الحديث: (ويطيبُ طعمه).

([187]) التهذيب، الشيخ الطوسي، ج1، ص216، (باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهر به وما لا يجوز)، ح7. الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص12، (أبواب المياه)، باب 3، ح1.

([186]) التهذيب، الشيخ الطوسي، ج1، ص415، (باب المياه وأحكامها)، ح30. والاستبصار، الشيخ الطوسي، ج1، ص22، (باب الماء القليل يحصل فيه نجاسة)، ح8.

([185]) الكافي، الكليني، ج3، ص4، (الطهارة، باب الماء الذي فيه قِلّة والماء الذي فيه الجيف...)، ح3.

([184]) أرسله الشيخ الطوسي في الخلاف، ج1، ص174، ولفظه: (إذا بلغ الماء كرّاً لم يحمل خبثاً) ونسبه الشيخ للأئمة G، ولم يذكره في أيّ من كتبه الأخرى، ونسبه السيد الشريف في الانتصار، ص85، والناصريات، ص70 للعامّة، وقد نقله بعض قدماء فقهائنا اعتماداً على الشيخ الطوسي، وعبرّ عنه ابن ادريس في السرائر، ج1، ص63، بأنه (مجمع عليه عند المخالف والمؤالف)، قال المحقّق الحلي في الرسائل التسع، ص68، (بأنَّ الشيخ ارسله، ولا يقول بتواتره إلا غبي)، وقال عنه في المعتبر، ج1، ص52 (احتجّ به بعض المتأخرين... وما رأيت أعجب ممن ادّعى إجماع المخالف والمؤالف في ما لا يوجد إلا نادراً...). ولم أعثر عليه في كتب العامَّة أبداً، نعم في كتبهم: (إذا بلغ قلّتين لم يحمل خبثاً) وفي بعضها: (أربعين قلّة)، وفي بعضها: (لم يحمل نجساً) و(لم يحمل نجاسة).

([183]) كتاب الطّهارة، الشيخ الانصاري، ج1، ص178.

([182]) نصُّ المسألة: (الماءُ المتغيّر إذا زالَ تغيُّرُهُ بنفسهِ من غير اتّصاله بالكُرّ أو الجاري لم يَطْهُرْ، نعم الجاري والنّابع إذا زالَ تغيُّرُهُ بنفسه طَهُرَ لاتصّالِهِ بالمادّة، وكذا البَعْضُ من الحوض إذا كان الباقي بقدر الكرّ كما مرّ).

([181]) نصُّ المسألة: (إذا شُكَ في التغيُّر وعَدَمِهِ، أو في كونِهِ للمجاورة أو بالملاقاة، أو كونه بالنّجاسة أو بطاهر، لم يحُكم بالنجاسة).

([180]) نصٌّ المسألة: (لو تغيّر طرف من الحوض مثلاً تنجَّس، فإنْ كانَ الباقي أقل من الكرّ تنجّسَ الجميعُ، وإنْ كانَ بقدر الكرّ بقيَ على الطّهارة، وإذا زال تغيَّر ذلك البعضُ طَهُرَ الجميعُ ولو لم يحصل الامتزاج على الأقوى).

([179]) نص المسألة: (لا فرقَ بينَ زوال الوصف الأصليّ للماء أو العرضي، فلو كانَ الماءُ أحمرَ أو أسود لعارضٍ، فوَقَعَ فيه البولُ حتّى صارَ أبيض تنجّسَ، وكذا إذا زالَ طعْمُهُ العرضيّ، أو ريحُهُ العرضيّ).

([178]) نصٌّ المسألة: (لا يعتبر في تنجُّسه أنْ يكونَ التغيُّر بوصفِ النّجس بعينه، فلو حَدَثَ فيه لونٌ أو طعمٌ أو ريحٌ غيرُ ما بالنّجس - كما لو اصفرَّ الماءُ مثلاً بوقوعِ الدَّمِ - تَنَجَّسَ. وكذا لو حدث فيه بوقوع البول أو العَذرة رائحةٌ أخرى غيرُ رائحتهما، فالمناطُ تغيُّرُ أحدِ الأوصافِ المذكورة بسبب النَّجَاسة وإنْ كان من غير سنخ وصف النجس).

([177]) قال التستري في مقابس الأنوار، ص51: (فلا عبرة بما عداها من الأوصاف كالحرارة والرقّة وخفة الوزن، وغيرها، وهو موضوع وفاق، كما يظهر منهم، وقد حكى الاجماع عليه صريحاً في الدلائل وشرح المفاتيح، وظاهراً في الناصريات والغنية والتنقيح والذخيرة وغيرها، والظاهر اتفاق المخالفين أيضاً على ذلك...).

([176]) كذا في المخطوط، والصواب: تُناطان به. أي: لا يناط حكم الطهارة والنجاسة بغلبة النجاسة كمَّاً.

([175]) البقَّمُ: فارسيٌ معرّب، وبالعربية: يسمّى العندم، وهو خشب شجرٍ يشبه الدفلى، ورقه مثل ورق اللوّز ولونه أصفر، وساقه أحمر، ينبت في المناطق الاستوائية، ويجلبه العرب من سريلانكا، وثمره مستدير إلى خضرةٍ ثم حمرة، فإذا نضَجَ اسودَّ وحلا، ويؤكل كالعنب، يطبخ خشبه بطريقةٍ فيخرج منه الصبغ الأحمر، أمّا ثمره فبعد اسوداده ينقع ليلتين أو ثلاث فيصير الماء المنقوع أفضل أنواع الحبر الأسود.

([174]) كتاب الطهارة، الشيخ الطوسي، ج1، ص82.

([173]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص216 - 217، باب10، (باب المياه وأحكامها)، ح8.

([172]) كتاب الطهارة، الشيخ الانصاري، ج1، ص81.

([171]) الوسائل، الحر العاملي، (الطهارة، أبواب الماء المطلق)، باب1، ح9، وليس في الحديث (إلا أن يغيّر ريحه)، ونصٌّه: (إلا ما غيّر لونه أو طعمه أو ريحه) وهو مروي عن النبيّ صل الله عليه وال وسلم  في كتبنا وفي كتبهم، انظر تخريج الأحاديث والآثار، الزيلعي، ج2، ص463.

([170]) كما في رواية العلاء بن الفضيل المروية في زيادات التهذيب، ج1، ص415، باب21، ح30، قال: (عنه - محمد بن علي بن محبوب - عن محمد بن عبد الجبار عن محمد بن سنان عن العلاء بن الفضيل قال: سألتُ أبا عبد الله B عن الحياض يُبالُ فيها؟ قال: لا بأس إذا غلَبَ لونُ الماءِ لونَ البول). ولو ناقشتَ في سند هذه، فإنّ رواية الصفار عن شهاب بن عبد ربّه صحّحها كثيرون منهم السيد الخوئي في التنقيح، ج2، ص59، وفي ذيلها: (جئتَ لتسألَ عن الماء الراكد من البئر، قال فما لم يكن فيه تغيير أو ريحٌ غالبة، قلت: فما التغيير؟ قال الصّفرة، فتوضأ منه...) بصائر الدرجات، الصفار، ص259، باب10، (إن الائمة يعرفون الإضمار وحديث النفس)، ح13.

([169]) الوسائل، الحر العاملي، (الطهارة، أبواب الماء المطلق)، باب3.

([168]) مستند الشيعة، النراقي، ج1، ص11. رياض المسائل، السيد علي الطباطبائي، ج1، ص133. جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، ج1، ص75.

([167]) نصُّ المسألة: (الماءُ المطلَقُ بأقسامه - حتّى الجاري منه - ينجُسُ إذا تغيَّرَ بالنجاسَةِ في أحدِ أوصافِهِ الثّلاثة من الطّعْم، والرّائحة، واللّونِ، بشرط أنْ يكونَ بملاقاةِ النَّجَاسَةِ، فلا يتنجُسُ إذا كانَ بالمجاوَرَةِ، كما إذا وقَعَتَ ميتة قريباً من الماء فصار جائفاً، وأنْ يكون التغيّر بأوصافِ النّجَاسَةِ دون أوصاف المتنجّس فلو وقع فيه دبسٌ نجسٌ فصار أحمر، أو أصفر، لا ينجس إلاّ إذا صَيَّره مُضافاً، نَعَمْ لا يُعْتَبَرُ أنْ يكونَ بوقوعِ عَيْنِ النّجس فيه، بل لو وقع فيه متنجّسٌ حاملٌ لأوصافِ النجس فغيَّرَهُ بوصفِ النّجس تنجَّسَ أيضاً، وأنْ يكونَ التغيرُّ حِسّياً، فالتقديريُّ لا يَضُرُّ، فلو كانَ لونُ الماءِ أحمر أو أصفر، فوقَعَ فيه مقدارٌ من الدّم كانَ يغيِّرُهُ لو لم يكنُ كذلك لم ينجُس، وكذا إذا صُبَّ فيه بَولٌ كثيرٌ لا لون له، بحيث لو كان له لونٌ غَيَّرَهُ، وكذا لو كان جائفاً فوقَعَ فيه ميتة كانت تُغيَّرهُ لو لم يكن جائفاً، وهكذا، ففي هذه الصُّور ما لم يَخْرُجْ عن صِدْقِ الإطلاقِ محكومٌ بالطّهارةِ، على الأقوى).

([166]) نصُّ المسألة: (إذا انحصر الماءُ في مُضافٍ مخلوطٍ بالطّين، ففي سَعَةِ الوقتِ يجبُ عليه أنْ يصبرَ حَتَّى يصفو ويَصيرُ الطّينُ إلى الأسفل، ثُمَّ يتوَضَّأ على الأحوط وفي ضيقِ الوقت يتيمَّم، لصدقِ الوجدانِ مع السَّعَةِ دونَ الضّيق).

([165]) نصُّ المسألة: (إذا ألقيَ المضافُ النّجس في الكرّ، فخرج عن الإطلاق إلى الإضافة، تنجّسَ إنْ صارَ مُضافاً قبل الاستهلاك، وإنْ حَصَلَ الاستهلاك والإضافة دفعةً لا يخلو الحكم بعدم تنجسه عن وجهٍ، لكنّه مشكل).

([164]) هذا الحديث أوّل من نقله في ما رأيتُ المحقق الحلّي في الرسائل التسع، ص219، عن ابن أبي عقيل قال: (وذكَرَ - يعني: ابن أبي عقيل - إنّ بعض الشيعة كان في طريقه ماء فيه العذرة والجيف، وكان يأمر غلامه أنْ يحمل معه كوزاً يغسل رجليه، قال: فأبصرني أبو جعفر B فقال: هذا لا يصيبُ شيئاً إلا طهّره فلا تُعِدْ منه غسلا). وهو مرسل كما ترى، ونقله العلاّمة في المختلف، ج1، ص178.

([163]) الكافي، الكليني، ج3، ص13، (الطهارة، باب اختلاط ماء المطر بالبول...)، ح3، ولفظه:(كُلُّ شئٍ يراهُ ماءُ المطر فقد طهر)، والحديث مرسل.

([162]) الكافي، الكليني، ج3، ص1، (الطهارة، باب طهور الماء)، ح1. من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص5، (باب المياه وطهرها)، ح2.

([161]) نصّ المسألة: (إذا شُكَّ في مائعٍ إنّه مضافٌ أو مطلق، فإنْ علِمَ حالته السابقة أخذ بها. وإلاّ فلا يحكم عليه بالإطلاق ولا بالإضافة، لكن لا يرفع الحدث والخبث، وينجس بملاقاة النجاسة إنْ كان قليلاً، وإنْ كان بقدر الكرّ لا ينجس؛ لاحتمال كونه مطلقاً، والأصل الطهارة).

([160]) انظر تفاصيل مسألة استحالة الخنزير ملحاً في كتاب الطهارة، الشيخ الانصاري، ج5، ص305 وما بعدها.

([159]) تتمة المسألة: (لاستحالته بخاراً ثمّ ماءً).

([158]) التصعيد: الإذابة، ومنه قيل: خَلٌّ مُصَعَّد وشرابٌ مصعَّد، وإذا عولج بالنّار حتّى يحوّلُ عمّا هو عليه طعماً ولوناً. اللسان، ابن منظور، ج3، ص255، مادة (صعد).

([157]) كتاب الطهارة، الشيخ الانصاري، ج1، ص301.

([156]) عقد الكليني في الكافي، ج3، ص2، باباً بعنوان (باب الماء الذي لا ينجسه شيء) ذكر فيه ثمانية أحاديث.

([155]) يبدو لي أنه عنى الشيخ الأنصاري، فقد قال  قدس سره  في كتاب الطهارة، ج1، ص300: (ثمّ إنّ مورد أكثر هذه الأخبار وإنْ كان ظاهراً في القليل إلاّ أنّ المستفاد منها: أن العلّة في الانفعال هي الملاقاة للمائع ولو كان كثيراً، بل يستفاد من أدلّة اعتصام الكثير المطلق أنّ كرّيّة الماء عاصمة، وإلاّ فالمقتضي للانفعال في الكثير أيضاً موجود، كما يشهد بذلك استناد عدم الانفعال إلى الكرّية فهي مانعة، وإذا استند عدم الشيء إلى وجود مانعه دلّ على وجود المقتضي له).

([154]) لم أعثر عليه بهذا اللفظ ولكنه في الكافي، الكليني، ج6، ص261، (الأطعمة، باب الفأرة تموت في الطعام)، ح1، لفظه: (إن كان ذائباً فلا تأكله).

([153]) الكافي، الكليني، (الطهارة، باب النوادر)، ح12: (علي بن محمد عن سهل بن زياد عن محمد بن عيسى عن يونس عن أبي الحسن B قال قلتُ له: الرجل يغتسلُ بماء الورد ويتوضأ به للصلاة؟ قال: لا بأس بذلك). والذي أفتى بجوازه الشيخ الصدوق في الهداية، ص65 - 66، ولا أعرف من أفتى بالجواز غيره، وقد حكم الشيخ الطوسي في التهذيب، ج 1، ص218 - 219، بشذوذ هذا الخبر وردّه بالضعف، تم وجّهه بتوجيهات. فانظره.

([152]) سورة النساء، الآية 43.

([151]) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص10، (باب المياه وطهرها ونجاستها)، ح13.

([150]) الوسائل، الحر العاملي، (الطهارة، أبواب النجاسات)، باب29، ح7، وليس فيه قوله: (سبحان الله).

([149]) نصُّ المسألة: (الماء المضاف مع عدم ملاقاته للنجاسة طاهر لكنّه غير مُطَهِّر، لا من الحدث ولا من الخبث ولو في حال الاضطرار، وإنْ لاقى نجاسةً تنجَّس وإنْ كان كثيراً بل وإنْ كانَ مقدار ألف كرّ، فإنّه ينجُسُ بمجرد ملاقاة النجاسة ولو بمقدار رأسِ ابرةٍ في أحد أطرافه فينجس كلّه، نعم إذا كان جارياً من العالي إلى السّافل ولاقى سافله النجاسة لا ينجس العالي منه، كما إذا صُبَّ الجلاب من إبريق على يدِ كافرٍ، فلا ينجُسُ ما في الإبريق وإنْ كان متّصلاً بما في يده). والجُلاّب: ماء الورد، فارسيٌ معرّب.

([148]) نصّ المسألة: (الظنُّ بكون فتوى المجتهد كذا لا يكفي في جواز العمل، إلاّ إذا كان حاصلاً من ظاهرِ لفظِهِ شفِاهاً، أو لفظِ الناقل، أو من ألفاظه في رسالته، والحاصل: إنَّ الظنّ ليس حجّة إلا إذا كان حاصلاً من ظواهر الألفاظ منه أو من الناقل).

([147]) نصّ المسألة: (المجتهد غير العادل أو مجهول الحال لا يجوزُ تقليدُهُ وإنْ كانَ موثوقاً به في فتواه، ولكنَّ فتاواه معتبرة لعمل نفسه، وكذا لا ينفَذُ حُكْمُهُ ولا تصرَّفاتِهِ في الأمور العامّة، ولا ولاية له في الأوقاف والوَصَايا وأموالِ القُصَّر والغُيَّب).

([146]) نصُّ المسألة: (لا يجوزُ للمقلِّد إجراء أصالةِ البراءة، أو الطَّهَارة، أو الاستصحاب في الشّبهات الحكمية، وأمّا في الشبهات الموضوعية فيجوزُ بعد أنْ قلَّد مجتهده في حُجيّتها - مثلاً - إذا شكّ في أنّ عرَقَ الجُنُب من الحرام نَجسٌ أمْ لا؟ ليسَ له إجراءُ أصل الطهارة، لكن في أنَّ هذا الماء أو غيره لاقته النَّجاسة أم لا؟ يجوزُ له إجراؤها بعدَ أنْ قلَّدَ المجتهد في جواز الإجراء).

([145]) نصّ المسألـة: (إذا تبدل رأي المجتهد هل يجب عليه اعلام المقلّدين أم لا؟ فيه تفصيلٌ، فإنْ كانت الفتوى السابقة موافقة للاحتـياط، فالظـاهر عدم الوجوب، وإنْ كانت مخالفة فالأحوط الإعلام بل لا يخلو عن قوة).

([144]) تحف العقول عن آل الرسول، ابن شعبة الحرّاني، ص238: (ذلك بأنّ مجاري الأمور والأحكام على أيدي العلماء بالله الأمناء على حلاله وحرامه...).

([143]) كمال الدين، الشيخ الصدوق، ص484 باب 45. الغيبة، الشيخ الطوسي، ص291. وسائل الشيعة، الحر العاملي، (القضاء، أبواب صفات القاضي)، باب11، ح9، وفي جميع الروايات (رواة حديثنا).

([142]) نصُّ المسألة: (لا يعتبرُ الأعلميةُ في ما أمُرُه راجعٌ إلى المجتهد إلاّ في التقليد، وأمّا الولاية على الأيتام والمجانين والأوقاف التي لا متولّي لها والوصايا التي لا وصيَّ لها ونحو ذلك فلا يُعَتَبرُ فيها الأعلمية، نعم الأحوطُ في القاضي أنْ يكونَ أعلم مَنْ في ذلك البلد أو غيره ممّا لا حَرَجَ في التّرافُعِ اليه).

([141]) نصُّ المسألة: (محلُّ التقليد ومورده هو الأحكامُ الفرعية العملية، فلا يجري في أصول الدّين ولا في مسائل أصولِ الفقه، ولا في مَبادئ الاستنباط من النّحو والصّرف ونحوهما ولا في الموضوعات المستنبطة العرفية أو اللغوية ولا في الموضوعات الصرفة، فلو شكَّ المقلِّدُ في مائعٍ أنـّه خمر أو خَلّ - مثلاً - وقال المجتهد أنـّه خمرٌ لا يجوز له تقليده.

نعم من حيث إنه مخبرٌ عادلُ يقبَلُ قولُهُ كما في أخبار العاميّ العادل وهكذا، وأمّا الموضوعاتُ المستنبطة الشرعية كالصّلاة والصّوم ونحوهما، فيجري التقليُد فيها كالأحكام العملية).

([140]) نصُّ المسألة: (لا يخفى أنَّ تشخيصَ موارِدِ الاحتياطِ عَسِرٌ على العاميّ؛ إذْ لا بُدَّ فيه من الاطّلاعِ التامّ، ومع ذلكَ قد يَتَعارَضُ الاحتياطانِ، فلا بُدَّ من التّرجيح، وقد لا يلتَفِتُ إلى إشكالِ المسألة حتى يحتاط، وقد يكونُ الاحتياطُ في ترك الاحتياط، مثلاً الأحوطُ تركُ الوضوء بالماءِ المستعملِ في رَفْعِ الحدثِ الأكبر، لكنْ إذا فُرِضَ انحصارُ الماءِ فيه الأحوطُ التوضؤ به، بل يجب ذلك بناءً على كونِ احتياط الترك استحبابياً، والأحوط الجمعُ بين التوضؤ به والتيمُّم، وايضاً الأحوط التثليثُ في التسبيحات الأربع، لكنْ إذا كانَ في ضيقِ الوقتِ، ويَلْزَمُ من التثليثِ وقوعُ بَعْضِ الصَّلاة خارجَ الوقتِ، فالأحوطُ تَرْكُ هذا الاحتياط، أو يلزم تركه، وكذا التيمُّم بالجصّ خلافُ الاحتياط، لكن إذا لم يَكُنْ مَعَهُ إلاّ هذا فالأحوَطُ التيمُّمُ به، وإنْ كانَ عنده الطين ـ مثلاً ـ فالأحوط الجمع وهكذا).

([139]) نصُّ المسألة: (في صورة تساوي المجتهدين يتخيُّر بينَ تقليد أيِّهما شاء، كما يجوزُ له التبعيضُ حتّى في أحكام العمل الواحد، حتَّى أنـّه لو كان مثلاً فَتوى أحدهما وجوب جلسة الاستراحة واستحباب التثليث في التسبيحات الاربع، وفتوى الآخر بالعكس، يجوزُ ان يُقلِّد الأوّلَ في استحباب التثليث، والثاني في استحباب الجلسة).

([138]) نص المسألة: (الاحتياط المذكور في الرسالة: إما استحبابي، وهو ما إذا كان مسبوقاً أو ملحوقاً بالفتوى، وإمّا وجوبيٌ، وهو ما لم يكن مَعَهُ فتوى، ويسمّى (بالاحتياط المطلق)، وفيه يتخيّر المقلّد بين العَمَلِ به والرُّجُوع إلى مُجْتهِدٍ آخر، وأمّا القسم الأوّل فلا يجبُ العملُ به، ولا يجوزُ الرُّجوعُ إلى الغير، بل يتخيّر بين العَمَل بمقتضى الفتوى، وبين العمل به).

([137]) كذا في المخطوط.

([136]) نصُّ المسألة: (إذا عَرَضَتْ مسألةٌ لا يعلم حكمها ولم يكُنْ الاعلم حاضراً فإنْ أمكنَ تأخيُر الواقعة إلى السؤال يجب ذلك وإلاّ فإنْ أمْكَنْ الاحتياط تَعَيَّنَ، وإنْ لمْ يُمْكِنْ يجوزُ الرُّجوعُ إلى مجتهدٍ آخر الأعلم فالأعلم وان لم يُكُنْ هناك مجتهدٌ آخر ولا رسالته يجوزُ العمل بقولِ المشهورِ بين العلماء إذا كانَ هُناكَ مَنْ يقدرُ على تعيينِ قولِ المشهور، وإذا عَمِلَ بقولِ المشهور ثُمَّ تبيَّنَ له بَعْدَ ذلك مخالفته لفتوى مجتهدِهِ فعليه الإعادة أو القضاء، وإذا لم يقدر على تعيين قولِ المشهور يرجعُ إلى أوثق الأموات وإنْ لم يمكنْ ذلك أيضاً يَعْمَلُ بظنّهِ وإنْ لم يكُنْ لَهُ ظَنٌّ بأحدِ الطرفين يبني على أحدهما، وعلى التقادير بعد الاطّلاع على فتوى المجتهد إنْ كان عَمَلُهُ مخالفاً لفتواه فعليهِ الاعادَة أو القضاء).

([135]) الوسائل، الحر العاملي، (أبواب صفات القاضي)، باب9.

([134]) نصّ المسألة: (إذا تَعارَضَ النّاقلان في نقل الفتوى تساقطا، وكذا البيّنتان، وإذا تعارض النَّقْلُ مع السّماع من المجتهد شفاهاً قُدِّمَ السّماعُ، وكذا إذا تعارَضَ ما في الرسالة مع السماع، وفي تعارض النقل مع ما في الرسالة قُدِّم ما في الرسالة مع الأمن من الغلط).

([133]) نصُّ المسألة: (إذا نقلَ ناقلٌ فتوى المجتهد لغيره، ثمَّ تبدّلَ رأيُ المجتهد في تلك المسألة، لا يجبُ على الناقل إعلام من سمع منه الفتوى الأولى وإن كان أحوط، بخلاف ما إذا تبيّن له خطؤه في النقل، فإنّه يجبُ عليه الإعلام).

([132]) كذا، والصواب: يمنع، أي: إن الرجوع إلى الأعلم ... يمنع من جواز الرجوع لغيره ...

([131]) كذا، والصواب: الأخذ بمتيقن الطريقية.

([130]) حاشية المكاسب، السيد اليزدي، ج1، ص93، ط حجر.

([129]) كتاب المكاسب، الشيخ مرتضى الأنصاري، ج3، ص178 - 179.

(1) نص المسألة: (إذا كان البائع مقلداً لمن يقول بصحة المعاطاة مثلاً أو العقد بالفارسي، والمشتري مقلداً لمن يقول بالبطلان، لا يصحُّ البيع بالنسبة إلى البائع ايضاً لأنّه متقوّم بطرفين، فاللاّزمُ أنْ يكونَ صحيحاً من الطَّرَفين، وكذا في كُلِّ عقدٍ كان مذهب أحد الطرفين بطلانه، ومذهب الاخر صحته).

([127]) كذا في المخطوط، والصواب: لأنه المكلّف بالعمل به.

([126]) نصّ المسألة: (الوكيلُ في عَمَلِ عن الغير - كإجراءِ عَقْدٍ أو إيقاع أو إعطاء خمس أو زكاة أو كفّارة أو نحو ذلك - يجب أنْ يعملَ بمقتضى تقليد الموكّل لا تقليد نفسه إذا كانا مختلفين، وكذلك الوصيّ في مثلِ ما لو كان وَصياً في استيجار الصَّلاةِ عنه يجب أن يكون على وفق فتوى مجتهد الميت).

([125]) حديث (لا تعاد الصلاة إلا من خمسة...) أخرجه في من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج1، ص279، ص339. تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج2، ص152. الخصال، الشيخ الصدوق، ص284.

([124]) تمهيد القواعد، الشهيد الثاني، ص322. النور الساطع، علي كاشف الغطاء، ج1، ص263.

([123]) هذا ليس نصّ المسألة بل بعض عباراتها، ونصُّها: (إذا قَلَّدَ مَنْ يكتفي بالمرّة مثلاً في التسبيحات الأربع واكتفى بها، أو قلَّد من يكتفي في التيمم بضربة واحدة، ثم مات ذلك المجتهد فقلد من يقول بوجوب التعدد، لا يجب عليه إعادة الأعمال السابقة وكذا لو أوقع عقداً أو إيقاعاً بتقليد مجتهد يحكم بالصّحة ثمّ ماتَ وقَلَّدَ من يقول بالبطلان يجوز له البناء على الصحة، نعم فيما سيأتي يجب عليه العمل بمقتضى فتوى المجتهد الثاني، وأما إذا قَلَّدَ من يقول بطهارة شيء -كالغسالة- ثمَّ ماتَ وقَلَّدَ من يقولُ بنجاسته فالصّلوات والأعمال السابقة محكومة بالصحة وإن كانت مع استعمال ذلكَ الشّيء، وأمّا نفسُ ذلكَ الشّيء إذا كان باقياً فلا يحكم بعد ذلك بطهارته، وكذا في الحلّية والحرمة، فإذا أفتى المجتهدُ الأوّل بجوازِ الذّبح بغير الحديد مثلاً فذَبَحَ حيواناً كذلك فماتَ المجتهدُ، وقلَّد مَنْ يقولُ بحرمته، فإنْ باعه أو أكَلهُ حكم بصحّةِ البيع وإباحة الأكل، وأمّا إذا كان الحيوانُ المذبوح موجوداً فلا يجوزُ بيعُهُ ولا أكله وهكذا).

([122]) جواهر الكلام، محمد حسن النجفي، ج40، ص50 - 51.

([121]) لم أعثر عليه بهذا اللفظ وفي الكافي، الكليني، ج5، ص55، في كتاب الجهاد (بابٌ) ح2:(عونُكَ الضعيفَ من أفضل الصدقة). تحف العقول، ابن شعبة الحّراني، ص414.

([120]) الكافي، الكليني، ج4، ص26، (الزكاة، أبواب الصدقة، باب فضل المعروف)، ح1، 2.

([119]) نصّ المسألة: (المأذون والوكيل عن المجتهد في التصرُّف في الأوقاف أو في أموال القُصّر ينعزل بموت المجتهد، بخلافِ المنصوبِ من قِبَلِهِ كما إذا نصبه متولياً للوقف أو قيّماً على القُصّر فإنّه لا تبطل توليته وقيمومته على الأظهر).

([118]) هذه الفقرة بين القوسين موجودة في هامش المخطوط، وفي ذيلها كلمتان أو ثلاث مطموسة غير واضحة.

([117]) (يمكنُ القولُ بأنَّ أصالة عدم المانع غيرُ جاريةٍ في زمانِ الفحص عن المانع، إلاّ أنْ يقال: بعدم وجوب الفحص أصلاً)، الشيخ علي  قدس سره .

([116]) فرائد الاصول، الشيخ الأنصاري، ج2، ص152 - 153، التنبيه الثاني من تنبيهات الشبهة الوجوبية.

([115]) كذا في المخطوط، والصواب (أو).

(1) نصّ المسألة: (إذا اتفق في أثناء الصلاة مسألة لا يعلم حكمها يجوز له أن يبني على أحد الطرفين بقصد أنْ يسأل عن الحكم بعد الصلاة وأنه إذا كان ما أتى به خلاف الواقع يعيد صلاته، فلو فعل ذلك، وكان ما فعله مطابقا للواقع لا يجب عليه الإعادة).

([113]) كذا في المخطوط، والصواب (التي).

(1) نصّ المسألة: (فالقدر المتيقن للعامي تقليد الأعلم في الفرعيات).

([111]) كذا في المخطوط و(من) هذه زائدة.

(1) هنا كتب الناسخ كلمة غير واضحة الرسم، ربما تكون (مباينه) أو (فما فيه).

([109]) الكافي، الكليني، ج 7، ص 412، (القضاء، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور)، ح5، وتمام الحديث: (مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى عَنْ صَفْوَانَ عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ عُمَرَ بْنِ حَنْظَلَةَ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه ع عَنْ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِنَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مُنَازَعَةٌ فِي دَيْنٍ أو مِيرَاثٍ فَتَحَاكَمَا إلى السُّلْطَانِ أو إلى الْقُضَاةِ أيَحِلُّ ذَلِكَ فَقَالَ مَنْ تَحَاكَمَ إلى الطَّاغُوتِ فَحَكَمَ لَه فَإِنَّمَا يَأْخُذُ سُحْتاً وإِنْ كَانَ حَقُّه ثَابِتاً لأَنَّه أَخَذَ بِحُكْمِ الطَّاغُوتِ وقَدْ أَمَرَ اللَّه أَنْ يُكْفَرَ بِه قُلْتُ كَيْفَ يَصْنَعَانِ قَالَ انْظُرُوا إلى مَنْ كَانَ مِنْكُمْ قَدْ رَوَى حَدِيثَنَا ونَظَرَ فِي حَلَالِنَا وحَرَامِنَا وعَرَفَ أَحْكَامَنَا فَارْضَوْا بِه حَكَماً فَإِنِّي قَدْ جَعَلْتُه عَلَيْكُمْ حَاكِماً فَإِذَا حَكَمَ بِحُكْمِنَا فَلَمْ يَقْبَلْه مِنْه فَإِنَّمَا بِحُكْمِ اللَّه قَدِ اسْتَخَفَّ وعَلَيْنَا رَدَّ والرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّه وهُوَ عَلَى حَدِّ الشِّرْكِ بِاللَّه).

([108]) للمارّة أن يأكلوا من البساتين مع عدم الحمل والإفساد. الكافي، الكليني، ج3، ص569 (الزكاة، باب نادر)، ح1.

([107]) الكافي، الكليني، ج7، ص 411، (القضاء، باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور)، ح2،3، 5.

([106]) بياض في الأصل بمقدار كلمة.

([105]) المكاسب، الشيخ الانصاري، ص74 - 75. أجوبة المسائل المهنائية، العلامة الحلي، ص48، المسألة 52.

([104]) يعني: الشيخ الانصاري، في مكاسبه.

([103]) المكاسب، الشيخ الأنصاري، ج1، ص73 - 74. بتصرف.

([102]) الوسائل، الحر العاملي، (أبواب صلاة الجماعة)، باب36، ح6.

([101]) شرح نهج البلاغة، ابن ابي الحديد، ج6، ص71، وصية الامام أمير المؤمنين لمحمد بن أبي بكر.

([100]) تحف العقول، ابن شعبة الحراني، ص179، وصية الامام أمير المؤمنين لمحمد بن أبي بكر.

([99]) المصدر السابق، (ابواب صفات القاضي)، باب10، ح20.

([98]) الوسائل، الحر العاملي ، (الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة)، باب43، ح1.

([97]) الوسائل، الحر العاملي، (القضاء، أبواب صفات القاضي)، باب10، ح20.

(1) نصّ المسألة: (من ليس اهلاً للفتوى يحرم عليه الافتاء، وكذا من ليس أهلاً للقضاء يحرم عليه القضاء بين الناس وحكمه ليس بنافذ، ولا يجوز الترافع إليه، ولا الشهادة عنده والمال الذي يؤخذ بحكمه حرام وإن كان الاخذ محقا إلا إذا انحصر استنقاذ حقه بالترافع عنده).

([95]) المصدر السابق، ح114، ونصُّ الحديث: (هو حين...) لا (إنه حين...).

([94]) التهذيب، الشيخ الطوسي، ج1، ص101، (باب صفة الوضوء والفرض منه...)، ح111.

([93]) يعني: الشيخ آغا رضا الهمداني في مصباح الفقيه، ج2، ق2، ص621، ط حجر.

([92]) فرائد الاصول، الشيخ الانصاري، ج1، ص416.

(1) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج1، ص101، (باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة). الوسائل، الحر العاملي، (أبواب الوضوء)، باب 42، ح7. والنص فيهما: (هو حين يتوضأ...).

([90]) نصّ المسألة: (ولَمْ يَعْلَم مقدارَه، فإن عَلِمَ بكيفيّتها وموافَقتِها للواقع أو لِفَتوى المجتَهِدِ الذّي يكونُ مُكَلَّفاً بالرُّجوع إليه فهو، والا فيقضي المقدارَ الذي يعلمُ مَعَهُ بالبراءةِ على الأحوط وإنْ كان لا يَبْعُدُ جوازُ الاكتفاءِ بالقَدْرِ المتيقّن).

([89]) نقله عنه في النور الساطع، ج2، ص64، الطبعة الأولى من غير نسبة لأحد.

(1) نصّ المسألة: (إذا شك في موت المجتهد أو في تبدّل رأيه أو عروض ما يوجب عدم جواز تقليده يجوز له البقاء إلى أن يتبدل الحال).

([87]) نصّ المسألة: (إن كان الأعلم منحصراً في شخصين ولم يمكن التعيين، فإن أمكن الإحتياط بين القولين فهو الأحوط وإلا كان مخيرا).

(1) نصّ المسألة: (إذا قلَّد من ليس له أهليّة الفتوى ثم التفتَ وجبَ عليه العدولُ وحال الأعمال السابقة حال عمل الجاهل الغير المقلد، وكذا إذا قلَّد غير الأعلم وجبَ على الأحوط العدول إلى الأعلم، وإذا قلد الأعلم ثم صار بعد ذلك غيره أعلم وجب العدول إلى الثاني على الأحوط).

(3) نصّ المسألة: (فتوى المجتهد تُعْلَمُ بأحد أمورٍ: الأوّل: أنْ يسمع منه شفاهاً، الثاني: أن يخبر بها عدلان، الثالث: إخبار عدل واحد، بل إخبار شخص موثوق يوجب قوله الاطمئنان وإن لم يكن عادلا، الرابع: الوجدان في رسالته، ولا بد أن تكون مأمونة من الغلط).

([84]) أقول: لا يخفى أنَّ المسألة مبنيّةٌ على تفسير التقليد، (الشيخ علي  قدس سره ).

(1) نصّ المسألة: (إذا قلد شخصاً بتخيل أنه زيد فبان عمراً، فإن كانا متساويين في الفضيلة ولم يكن على وجهِ التقييد صَحّ، وإلاّ فمُشْكِل).

([82]) تتمة المسألة: (فالأحوط العدول إلى ذلك الأعلم وإنْ قال الأوَّلُ بعدَمِ جوازه).

([81]) نهاية الإحكام، ج2، ص154. الدروس، ج2، ص67. الذكرى، ج1، ص43.

([80]) ما اثبتناه الصواب، وفي المخطوط: المسألة الثانية عشر.

([79]) هذه الدعوى أخرجها الشيخ علي في النور الساطع، ج2، ص186، الطبعة الأولى على شكل افتراض من غير نسبة لشخص معيّن.

([78]) أقول: (يُمكنُ أنْ يقال بالفَسَاد ويقوّى الثاني؛ لأنَّ كلاًّ من المجتهدين إنّما يُفتى بالأجزاء التي أتى بها المقلِّد في ضِمْنِ المركّب الموجودِ مع أحدِهِما، لا الخالي منهما.

وبعبارةٍ أوضح إن في كيفيّةِ العَمَلِ يَجبُ أنْ يقِّلد لأنَّ الفرض إنّه عامّي والكيفية التي أتى بها لم تكن موافقة للمجتهد اصلاً)، الشيخ علي  قدس سره .

(1) نص المسألة: (إذا كانَ هُناكَ مجتهدان متساويان في العلم كانَ للمقلِّدِ تقليد أيّهما شاءَ ويجوز التبعيض في المسائل، واذا كان أحدهما أرجح من الآخر في العدالة أو الورع أو نحو ذلك، فالأولى بل الأحوط اختياره).

(2) نص المسألة: (إذا عَدَلَ المجتهدُ عن الفتوى إلى التوقُّف والتردُّد يَجبُ على المقلِّد الاحتياطُ أو العُدولُ إلى الأعلم بَعْدَ ذلك المجتهد).

([75]) نص المسألة: (إذا علم أنَّ الفعلَ الفُلانيّ ليسَ حَرَاماً ولم يَعْلَمْ أنَّه واجبٌ أو مباحٌ أو مستحبٌّ أو مكروه يجوزُ له أنْ يأتيَ بهِ لاحتمالِ كونِهِ مَطلوباً، وبرَجَاءِ الثواب، وإذا عَلِمَ أنّه ليس بواجبٍ ولم يَعْلَمْ أنّه حرامٌ أو مكروهٌ أو مباحٌ له أنْ يتُركَهُ لاحتمالِ كونِهِ مَبْغوضا).

(1) نص المسألة: (كما يَجبُ التّقليدُ في الواجباتِ والمحرَّماتِ يَجبُ في المستحّبات والمكروهات والمباحات، بل يَجبُ تعلُّمُ حُكْمِ كُلِّ فِعْلٍ يَصْدُرُ منهُ سواء كانَ من العباداتِ أو المعاملات أو العاديات).

([73]) لأنه: أي: لأنّ وجوب التعلّم.

([72]) نصّ المسألة: (يجب تعلُّم مسائل الشك والسّهو بالمقدار الذي هو محل ابتلائه غالباً نَعَمْ لو اطْمَئَنَّ من نفسهِ أنّه لا يَبتلي بالشكّ والسّهو صَحَّ عَمَلُه وإنْ لم يَحْصَلْ العِلمُ بأحكامِها).

([71]) أي: بدون العلم بأجزاء العبادات.

([70]) نص المسألة: (يجبُ على المكّلفِ العلمُ بأجزاءِ العبادات وشرائطها وموانعها ومقدّماتها، ولو لم يَعْلَمْها لكن عَلِمَ إجمالاً أنَّ عَمَلَهُ واجدٌ لجميع الأجزاءِ والشّرائط، وفاقدٌ للموانع صَحَّ وإنْ لم يَعلمْها تفصيلاً).

([69]) نص المسألة: (إذا قَلَّدَ مَنْ يُحِّرمُ البقاءَ على تقليدِ الميّت فمَاتَ وَقَّلدَ مَنْ يُجِّوز البقاء، لهُ أنْ يَبقى على تقليدِ الأوّل في جميعِ المسائل إلاّ مَسألة حُرْمَة البقاء).

(1) نص المسألة: (إذا قَلَّدَ مَنْ لم يَكُنْ جامعاً ومَضَى عليه برهةٌ من الزّمان كان كمَنْ لم يُقِّلد أصلاً فحالهُ حالُ الجاهلِ القاصِر أو المقصِّر).

([67]) عن يونس بن عبد الرحمن عن بعض رجاله عن أبي عبد الله B قال: (سألتهُ عن البينّة إذا أُقيمَتْ على الحقّ أيَحلُّ للقاضي أنْ يقضيَ بقولِ البيّنة إذا لم يعرفهم من غير مسألةٍ، قال فقال: خمسةُ أشياء يجبُ على الناسِ أن يأخذوا بها ظاهرَ الحكم: الولاياتُ والتناكح والمواريثُ والذبائحُ والشهاداتُ فإذا كان ظاهُرهُ ظاهراً مأموناً جازتْ شهادتُهُ ولا يسُأل عن باطِنِهِ). الكافي، الكليني، ج7، ص431. الاستبصار، الشيخ الطوسي، ج3، ص13. (بظاهر الحال).

([66]) وَتْثبتُ أيضاً، أي: تثبتُ العدالة.

([65]) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج3، ص266، (أبواب الزيادات في الجزء الثاني من الصلاة، باب فضل المساجد والصلاة فيها...)، ح75.