تأليف


بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

المقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين.

انطلاقاً من قول مؤسس المذهب وإمامه، وراسي أسس الوحدة الإسلامية والتقريب، أعني إمام الإسلام، الإمام جعفر الصادق  عليه السلام  حيث أوصى شيعته الكرام بما يأتي:

(أوصيكم بتقوى الله  عجل الله فرجه الشريف ، ثم قال: عودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، واشهدوا لهم وعليهم، وصلوا معهم في مساجدهم)، وعنه  عليه السلام  (من صلى في الصف الأول كان كمن صلى خلف رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم في الصف الأول) إلى غير ذلك من الروايات عن أهل بيت العصمة الآمرة بالتعايش، والإتحاد، والمشاركة في الأمور العامة للمسلمين، حتى أن الإمام زين العابدين  عليه السلام  كان له دعاء لتحصين ثغور الإسلام وهو دعاء أهل الثغور، لأجل أن يكون العيش بطمأنينة ويحققوا العدل والرفاه وحكم الله في الأرض، ويتحملوا مسؤولية المصير الواحد المشترك.

ومن هذه الخارطة التي رسمها لنا الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم انطلق علماؤنا الأبرار بالعمل على هذا المشروع الصعب الذي طريقه مملوء بالأشواك من قبل المغرضين للإسلام، والذين يتربصون بالدين لأجل إضعافه، ولكن إصرار العلماء الصلحاء وصبرهم وعزيمتهم قد خط هذا الدرب على حساب سمعتهم ومكانتهم.

ولقد كانت هذه الأفكار في صميم أذهانهم، ولكن للظروف التي مر بها المذهب لم تخرج إلى أرض الواقع إلا على شكل مبادرات فردية أو أمور علمية من قبيل المناظرات، والكتب التي ألفت في الشريعة التي تسمى كتب الفقه المقارن، ولكن على أنه مشروع وخطاب عام لم يظهر إلى عصر الشيخ الآخوند الخراساني  قدس سره  (1911م) الذي نادى في بيان له بتوحيد الصفوف.

وبعد ذلك ظهر على لسان شيخ الشريعة الإصفهاني  قدس سره  ببيان له يحث المسلمين على الاتحاد لمواجهة الاستعمار.

وتبلور هذا الخطاب في زمان السيد هبة الدين الشهرستاني  قدس سره .

وأول من طبقه ووضع أسسسه الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء  قدس سره  والسيد شرف الدين العاملي  قدس سره ، ولكن الأول تبلور بخطبه وأعماله ومناظراته وسفره للمؤتمرات، وبعد ذلك خطا على خطاهم الشيخ الزنجاني  قدس سره ، والشيخ محمد جواد مغنية  قدس سره ، والشيخ المظفر  قدس سره .

ومن العلماء المتأخرين الذين سلكوا هذا الطريق في حوزة النجف الأشرف الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره ، بعد أن أجهد نفسه من بداية عمره إلى نهايته  قدس سره  لأجل ترسيخ الوحدة الإسلامية من الناحية النظرية والعملية حيث شارك في مؤتمر بحمدون، وأرسل بخطاب إلى مؤتمر باكستان، وألقى الخطب في المحافل العامة، وراسل العلماء من أهل السنة، وباحثهم في كثير من البحوث العلمية وشارك في المؤتمرات التي عقدها مجمع البحوث الإسلامية إلى غير ذلك من الأعمال.

وكان مبدؤه واعتقاده عدم التفريق بين المسلمين؛ حيث أجاب عن سؤال وجه له عقيب المؤتمر الإسلامي في بغداد (1969م)، وكان السؤال هو: ما عدد الشيعة في العراق؟ فأجاب: هذا الاحصاء لايهمنا في شي من الأشياء بل إنه يشق عصا المسلمين([1]).

وفي سؤال آخر هو: ما الذي تتمنونه لنشر الدعوة الإسلامية في العالم؟

أجاب عليه بقوله:

كنت أتمنى أن توجد جمعية تبشيرية للدين الإسلامي، وبالفعل تداولت مع الشيخ الجليل شيخ الأزهر في هذا الموضوع الذي طرح في وقته على مؤتمر القاهرة وحصل اتفاق على هذا.

وكان سماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  يعتقد بوجوب هذا الأمر حيث قال في إحدى خطبه:

(لو لم أشعر أن الواجب الديني يحتم عليّ الخوض في هذه الميادين المقدسة لما وقفت هذه الوقفة أمام جمعكم أناشدكم في هذا اليوم السعيد بالوحدة الإسلامية).

وكان رأيه أن التمسك بالإسلام هو وحده الذي يولّد الوحدة حيث قال:

(أيها المؤمنون هذا الإسلام بأنظمته المقدسة وآياته الكريمة وتعاليمه القيمة وإرشاداته الروحية قد جاء لجمع شمل المسلمين وتوحيد كلمتهم).

ونظراً إلى ما يمر به العالم الإسلامي من انشقاق واقتتال وتفرق وطمس للماضي الزاهر بسبب معاول الهدم التي بأيدي المأجورين ممن ينتمون لهذا الدين والدين منهم براء، ولا يخفى ضرر هؤلاء؛ لأنهم أقدر على إلحاق الضرر وأمهر في الدس والفتنة؛ فهم يعملون أضعاف ما يعمله العدو الظاهر.

نظراً لكل هذا أحببنا أن نسلط الضوء على جهاد العلماء الذين عَرفوا ووعوا دسائس هؤلاء المأجورين، فهبوا وقطعوا الطريق أمام كل من يريد الانشقاق والشقاق، فتواصلوا مع أخواننا من أهل السنة على مختلف الأصعدة إيماناً منهم بأن الصف الواحد والوحدة هي العز للشريعة الإسلامية، فقمنا بتسليط الضوء على أحدى هذه المحطات، ألا وهي علاقة النجف الأشرف بجامعة الأزهر واخترنا سماحة آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره   أنموذجاً، فهو قد بذل الغالي والنفيس لأجل لملمة الواقع الإسلامي والتواصل مع مختلف المذاهب ومراكز القرار كما أشرنا لذلك.

وسوف نعرض في هذا الكتاب التواصل ما بين الشيخ وعلماء الأزهر، وذلك بالوثائق التي حصلنا عليها وأثبتناها في نهاية الكتاب، مع الإشارة إليها بأرقام عند مناسبة الحديث عنها.

ولا يخفى أن هذه السلسة هي الحلقة الأولى من هذا التواصل، وإن شاء الله سوف نقوم بنشر مواقف العلماء الذين سلكوا هذا المسلك في العمل على توحيد صفوف المسلمين، باستعراض الوثائق الخاصة بذلك وما قام به كل عالم.

فنسأل من الله التوفيق للتلاحم والاتفاق فإنه نعم المولى ونعم النصير.

ولا ننسى أن ننوه أن كثيراً من المعلومات التي في هذا الكتاب قد استفدناها من كتابي السيد كاظم الكفائي  رحمه الله ؛ لأنه قام بتدوين رحلته مع الشيخ، وما دوّنه الشيخ نفسه في مذكراته الشخصية.

بالإضافة إلى الوثائق الكثيرة التي حصلتُ عليها من مؤسسة كاشف الغطاء العامة؛ فلهم الشكر أولاً لتهيئة الوثائق المرتبطة بهذا الموضوع، وثانياً لما قدّموه من استعدادٍ لنشر الكتاب.  

وسوف نستعرض في هذا الكتاب المراسلات التي جرت بين الشيخ والأزهر، بالإضافة إلى وقائع مؤتمر البحوث الإسلامية المنعقد برعاية الأزهر الشريف وبعض الوثائق الأخرى.

ولكن قبل البدء بالمقصود لا بأس بذكر مقدمة نذكر بها نبذة من حياة العالم الذي ألف لأجله الكتاب، وكذلك ارتباط هذا العالم بالموضوع المبحوث عنه والمسلط عليه الضوء.

سيرة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره

ولد الشيخ علي ابن الشيخ محمد رضا ابن الشيخ هادي كاشف الغطاء  قدس سره  في النجف الأشرف، ونشأ في بيت علمي ينحدر من أسرة علمية خدمت التشيع وتزعمت الطائفة الإمامية مدة قرنين من الزمن، ويرجع نسبها إلى مالك الأشتر رضوان الله تعالى عليه.

فتعلم القراءة والكتابة، ثم توجه نحو العلوم الشرعية، وعمره الشريف يقارب العاشرة فأتقنها ومهر بها. وحضر البحث الخارج على يد جهابذة العصر مثل الشيخ النائيني  قدس سره ، والشيخ العراقي  قدس سره  وكان عمدة حضوره على الشيخ كاظم الشيرازي فقد عُني به، ومنحه إجازة اجتهاد كما منحه السيد أبو الحسن الإصفهاني  قدس سره  إجازة اجتهاد وكان ينعته بالمجتهد الصغير.

وتصدى للمرجعية بعد وفاة الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء  قدس سره  بطلب من مُقَلِّدِي الشيخ وطبعت رسالته العملية.

له من التأليف كتاب (نظرات وتأملات) وهو يتضَمَّنُ نقداً لكتاب (العرب) للدكتور فيليب حتي، ونقداً للشيخ المراغي شيخ الأزهر وجواب المراغي عنها، وجواب الشيخ.

وألف كتابي (نهج الصواب لحل مشكلات الإعراب ونهج الهدى) وهو في الرابعة عشرة من عمره الشريف.

وألف كتاب (نقد الآراء المنطقية) وكتاب (نقد الآراء الفلسفية) عالج فيهما جميع الآراء المنطقية والفلسفية.

وكتاب (النور الساطع) الذي برع فيه وأسس نظرية ولاية الفقيه ودرسها بشكل موسع.

وكتاب (الأحكام في الأصول) بمنهجية جديدة لم تطرق في كتب الإمامية وهو في سِتَّةِ مجلدات.

و(مصادر الحكم الشرعي والقانون المدني) بمجلدين.

وله عدة شروح للكتب الدراسية في الحوزة العلمية.

تولى إمامة الجماعة في الصحن الشريف في النجف الأشرف وكربلاء المقدسة.

وله مواقف عديدة في خدمة الدين الحنيف والمتدينين، والجهاد عن شريعة سيد المرسلين.

منها: إقامته لجمعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سنة (1360هـ) أصدر على أثرها منشوراً كان له الأثر البليغ في الناس. وحورب من السلطة الحاكمة حينذاك فاضطر لمغادرة العراق إلى ايران.

ومنها: قيامه بدور خطير عند سفره إلى إيران لمحاربة الاستعمار فيها في عهد مصدق في كل من مدينة (كرمنشاه) و(هَمَدان) و(خراسان). وبعد أن عرف انحراف ميول مصدق عن الدين ترك إيران وعاد إلى وطنه.

ومنها: توسطه لدى حاكم البحرين لإعادة المبعدين سنة (1377هـ).

ومنها: دعوته لمؤتمر إسلامي مسيحي في بحمدون وقد ألقى هناك عدة خطب شرح فيها فوائد الدين شرحاً وافياً وذكر أحد عَشَرَ طريقاً لتركيز الدين في نفوس الناس.

ومنها: صلاته في عيد الأضحى في صحن أبي عبد الله  عليه السلام  وكان يلقي فيها الخطب لإصلاح الناس.

ومنها: فتواه بوجوب مساعدة مصر في تأميم السويس (1373هـ).

ومنها: طلبه من الحكومة السعودية إعادة بناء البقيع.

ومنها: موقفه من القضية الفلسطينية، فلا يجد مناسبة إلا ويذكر فلسطين، وأفتى بجواز إعطاء الأضاحي إلى المبعدين.

ومنها: إدانته لليهود عندما ضربوا المفاعل النووي العراقي.

ومنها: نداؤهُ للّبنانيّينَ حول الوحدة الوطنية.

ومنها: فتحه للمدارس لتركيز العقيدة الإسلامية في مختلف محافظات العراق.

ومنها: دعوته إلى عدم الاقتتال مع الأكراد عام (1965م).

ومنها: إدانة أفعال شاه إيران الطاغي (1965م).

ومنها: احتجاجه عند الأمم المتحدة عندما كان السكرتير العام (يوثانت) وعند جمعية حقوق الإنسان على الجريمة النكراء التي اقترفها الصهاينة في دفن العرب الأحياء.

ومنها: طلبه في مؤتمر البحوث الإسلامية الاستنكار على ألمانيا الغربية لاعترافها بالدولة اليهودية.

ومنها: إعطاء الهُويّة لعلماء الدين وطلبة الحوزة العلمية في سنة (1379هـ) بعد أن أخذت الشرطة والجيش يضغطان عليهم.

ومنها: إخراجه للعزاء الحسيني سنة (1379هـ) بعد أن منعت الحكومة من خروجه.

ومنها: إعادته فتح طريق الحج من النجف سنة (1380هـ) بعد أن منعت الحكومة من خروجه.

ومنها: دعوته سنة (1381هـ) حُجّاجَ بيت الله الحرام إلى مساعدة الجزائر ومصر والبلدان العربية.

ومنها: فتواه ضد فرنسا في عدوانها على الجزائر وبيروت والمغرب (21 صفر 1381هـ).

ومنها: توسطهُ بين الحكومة العراقية وحكومة الجمهورية الإسلامية لإيقاف الحرب.

ومنها: وأظنه أهمها توسّطُه لدى الحكومة العراقية لإخراج سجناء الشيعة وإخراج شيعة أهلِ البيت من الإعدام، وتوجد لدينا أسماء هؤلاء الأشخاص الذين توسط لهم وإرجاع الجنود الشيعة من الخط الأمامي إلى الخط الخلفي في الحرب العراقية الإيرانية، وكل هذا كان على حساب سمعته ولكن عمل بتكليفه.

أقول: لم يُنْصَف الشيخ من الناس ولم يسلم من ألسنتهم، ولكن الجزاء يوم الجزاء.

ومنها: حرصُهُ البالغُ واهتمامهُ المتواصل بالحفاظ على الحوزة النجفية وقدسيتها وحرمتها ومواصلة عطائها وترغيب الشباب في لبس العمامة لكي تبقى الحوزة النجفية ولا تندثر كما أراد النظام المباد فقدم الغالي والنفيس لأجل ذلك.

علاقة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  بجمهورية مصر وجامع الأزهر

إن محور البحث في هذا الكتاب هو علاقة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  بالمؤسسات الدينية وعلماء جمهورية مصر العربية من جهة شد الروابط الإسلامية وتوثيق العرى الإيمانية.

ولا يمكن معرفة هذا الأمر إلا باستعراض تأريخي مجمل للظروف والبيئة التي عاش بها هذا الرائد لهذه القضية.

فنقول: إن الظروف التي عاشت بها النجف الأشرف منذ انتقال كرسي التدريس من بغداد إلى النجف الأشرف عام (460هـ) أثر أثره البالغ وانعكس على نفسية العلماء اتجاه المذهب الآخر، وبما أن النجف الأشرف مدينة غير مختلطة المذاهب، فتراها قد اهتمت بشؤونها العلمية والتخصصية ولم تصطدم بالقضايا التي تجعلها تفكر في غير الجانب العلمي، وقد بقيت مركزاً علمياً قوياً ومتيناً ومصدراً للعلماء، ومستقطباً لطلب العلم.

ولا يخفى أن قوة الدولة العثمانية وتمثيلها للسنة، وقوة الدولة الصفوية وتمثيلها للشيعة غيّب أثر علماء النجف الأشرف، واتخذ الصراع بين الدولتين منحىً سياسياً مذهبياً، وبقيت النجف الأشرف بعيدة عن هذا الحراك حتى قيام الثورة الدستورية التي أدى فيها العلماء الأعلام دوراً فعالاً، وبالأخص الشيخ الآخوند محمد كاظم الخراساني  قدس سره  ومن تبعه في حوزة النجف الأشرف.

وأول ظهورٍ لدعوات الوحدة كان في هذا الزمان؛ فإن الشيخ الآخوند  قدس سره  بمجابهته السياسية ودخوله هذا المعترك لا بد له من حلفاء يدعمون مشروعه فاستعان بالسلطان العثماني محمد الخامس لأجل إقرار الدستور الإيراني، فكانت مراسلات وحوارات بين الآخوند الخراساني  قدس سره  والدولة العثمانية الممثل الرسمي للسنة، وفي هذا الوقت أيضاً بدأ غزو الاستعمار للبلاد الإسلامية التي كانت تحت سيطرة العثمانيين؛ فحلّ الخطر على الإسلام وبدأت بوادر التفكير بالاتحاد للحفاظ على الحدود الإسلامية والمجتمع الإسلامي، فقد أصدرت النجف الأشرف مجلة العلم التي أصدرها السيد هبة الدين الشهرستاني  قدس سره  تلميذ الآخوند الخراساني  قدس سره ، والتي لسانها لسان الإصلاح والوحدة، وقد وقعت في ذلك الزمان وثيقة لثمان علماء حول الفرق الخمس.

ولا يخفى أن السيد هبة الدين الشهرستاني  قدس سره  كانت له علائق مع علماء السنة، وكانت نزعته توحيدية، وله مراسلات مع محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار الذي نستطيع أن نعتبره رائد الوحدة عند أهل السنة، وكانت له علاقات طيبة وهموم مشتركة مع علماء الشيعة.

وفي تلك الفترة كانت الدوافع للتوحيد عدة أمور، من أهمها التبشير الذي قام به النصارى، واستفحاله في البلاد الإسلامية، ويشير إلى هذا ما عثرنا عليه من مراسلة للسيد هبة الدين الشهرستاني  قدس سره  لمحمد رشيد رضا صاحب المنار حيث عبر عنه:

(حضرة العلامة الكامل، شيخ المصلحين الأفاضل، سماحة الأستاذ السيد محمد رشيد أفندي رضا الأفخم مد ظله) وكانت هذه المراسلة حوالي (1911م).

ويذكر فيها انتظاره لزيارة العراق بعد أن أخبره السيد محمد رضا بأنه سوف يقوم برحلة ويمر فيها بالعراق، ويذكر السيد هبة الدين الشهرستاني  قدس سره  بأنه يمكن أن يسافر للبصرة لأجل الاستقبال، وبعد أن يتشكر منه لأجل نشره مقالة ضد التبشير يقول:

(أجل هذا هو المأمول من سيادتكم وأنتم أكبر مصلحي الإسلام وأقدم محاربي البدع والخرافات العصرية) ولكن يعترض سماحة السيد هبة الدين   قدس سره  على تعليق السيد محمد رضا على تلك المقالة باعتراض وبيان مقصوده الأصلي ويذكر بعد ذلك:

(وبالإجمال فإن تلك الفقرة في تعليقكم الزاهر مما يتخذه أعدائنا الخرافيون ممسكاً يتشدقون به، وإن كان صدورها عنكم لمجرد الاحتجاج على متعصبي كتّاب النصارى والاستشهاد بتسامح كتّاب المسلمين، فالانتقاد ليس على قصدكم؛ إذ هو مقدس عندي معلوم).

فنلاحظ كلمات السيد هبة الدين  قدس سره  كيف كانت مؤدبة ويحاول بها إرضاء الطرف المقابل ويشعره وينبهه على الغايات.

وأيضاً نرى من هذا النص أن من الروافد التي صبت لصالح الوحدة والغايات التي من أجلها انقدحت شرارة هذا الاتحاد ظهور البدع والخرافات وتصادم أمور كانت عند المتدين مع الأمور العلمية التي تزعزع الدين في أعين الناس بسبب هذا التصادم، فالسيد ينبه السيد محمد رشيد رضا على هذا الأمر، ويريد أن يفوّت الفرصة على الجانب المعارض لفكرة الإصلاح والاتحاد، وأيضاً نلاحظ أن الهم كان هو في القضية التبشيرية للنصارى.

وتوجد مراسلة ثانية من السيد هبة الدين  قدس سره  إلى السيد محمد رشيد رضا يذكر فيها نشاطاته الدينية والأمور الإصلاحية وألاعيب الدعاة والتبشيريين.

وبعد ملاحظة هذه النصوص نرى أن كلا الطرفين يأخذ الحيطة والحذر من الطرف الآخر؛ لأنه يخاف أن يفهم هذه اللفظة اللطيفة والمشروع الإصلاحي على أنها قضية تبشيرية مذهبية، فنلاحظ من حين لآخر تظهر بعض التصريحات أو الآراء من هنا وهناك تقلب كل ما بُني، والكلام طويل ليس هنا محله ولا يسع المقام ذكره.

وبعد هذه الفترة برزت حركة تقريبية على المستوى الفكري تمثلت بالسيد شرف الدين  قدس سره  الذي كان أيضاً تلميذاً للآخوند الخراساني  قدس سره  وكانت من القضايا المحورية التي تدور في ذهن هذا العلَم إقامة علاقات مع الإسلام السني حيث دعا في مقالة نشرت في مجلة العرفان ج1 العدد7 ص348 إلى اتحاد التشيع والتسنن لمقاومة الفساد المتفاقم، وزيارته لشيخ الأزهر سليم البشري مع خاله السيد محمد حسين الصدر كانت من الخطوات الأولى لحوزة النجف الأشرف في مد يد الوحدة لجامع الأزهر، من غير تأثير سياسي؛ لهذا اشتهر في الأوساط الشيعية والسنية، وبقي هذا المشروع على نطاق فردي ومبادرات جزئية ولم تتبلور باجتماعات ومناقشات تعم كلا المذهبين.

وأول خطوة ومبادرة لذلك حصلت بعد سقوط الدولة العثمانية ولكنها كانت سياسية، تمثلت بمؤتمر الخلافة الذي عقده الأزهر بدعوة من شيخه محمد أبو الفضل الجيزاوي عام (1926م).

فقد قام بإرسال دعوة إلى إيران وقم والنجف، والظاهر أن الاختيار وقع على السيد هبة الدين الشهرستاني  قدس سره  ولكن هذه الدعوة رفضت من قبل الحوزات، ولُبيت تلبية خجولة من إيران بمبعوث السفارة الإيرانية في القاهرة.

وقد اعتذر السيد الشهرستاني عن حضور المؤتمر، حيث ذكر الاعتذار في مجلة المرشد من سنتها الأولى، العدد السادس (1926م)، قال:

(وردت إلينا ورقة دعوة إلى حضور مؤتمر الخلافة من فضيلة رئيس المؤتمر شيخ الأزهر بمصر، وقد علمنا من مضامين الدعوة أن الغاية منها هي الاشتراك مع بقية الأعضاء الكرام في مداولة الرأي والشورى لإنهاء أمر الخلافة الإسلامية العظمى، وتعيين أحق الناس بتقلدها في عصرنا الحاضر، ونحن نشكر شيخ الأزهر ونقدر قبل كل شي هذا الشعور الإسلامي السامي المتظاهر من شعب حي كإخواننا المصريين وحسن اهتمامهم بمهمة حيوية.. ولكن نقدم اعتذارنا عن الحضور).

فنرى من هذا النص الشعور الكامن في النفس لأجل التوحيد لكن هناك تخوف من الجهة الراعية للمؤتمر؛ لأن الشيعة عاشت طوال الوقت مهمشة غير معترف بها من قبل الحكومات التي تسلطت على الوطن العربي، وكانت الحكومات الإيرانية هي الملجأ الوحيد إلى الشيعة العرب.

واستمرت الحوزة الشريفة بهذا الخط التقليدي بسبب عدم إعطائهم حريتهم في التفكير والتنقل والتبشير، وبسبب الضغوط الخارجية على المذهب. ولكن بعد الثلاثينات من القرن المنصرم وبسبب التحرك من قبل تلامذة الآخوند في الشؤون السياسية والانفتاح وانتشار الجرائد والمجلات، ودخولها للأواسط العلمية حصل في الحوزة العلمية النجفية اتجاه يدعو إلى الإصلاح والانفتاح على المسلمين، وتعزّز هذا الاتجاه وقوي بسبب الهجمة الاستعمارية اليهودية واغتصاب الأرض الفلسطينية، فبدأت بوادر الوحدة لأجل ضرب اليهود وإخراجهم من فلسطين، وأول من حمل هذا المشعل وخط طريقه سماحة الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء  قدس سره  حيث كان منذ أول أمره مهتماً بهذا الأمر؛ فقد سافر إلى الأزهر سنة (1912م) وبقى بها لحضور حوزتهم. وينقل أنه كان أكثر اختصاصه بشيخ الأزهر الشيخ سليم البشري، وأكثر ملازمته لمفتي الحقانية الشيخ محمد بخيت المطيعي، ينقل سماحة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء  قدس سره  في عقوده ص97:

(هبطت مصر ومكثت زهاء ثلاثة أشهر، وكان جل غايتي من النزوع إليها والوفود عليها، ملاقاة كبار رجالاتها وعيون علمائها، من علماء الأزهر وغيرهم).

فالتقى بالشيخ بخيت المطيعي واستانس بدرسه، ووصف درسه بأوصاف عالية، وقد أبنه بتأبين طويل فيه من المدح الجزيل حتى قال في آخره.

(قد خسر الإسلام ذلك الكنز الثمين، وانهد ذلك المعقل الحصين..).

فكانت روحية الشيخ روحية تدعو إلى الوحدة الدينية الإسلامية، وتعمل عليها، وكان هذا الشعور موجوداً عند العلماء في هذه الفترة، ولكن بسبب الجو المنغلق في الحوزة والنمط الموروث لا يستطيع أحد ان يكسر الحواجز، ويشهد على ما نقوله أنه عندما دعي الشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  لمؤتمر القدس الذي كان هو المحطة الأولى في هذا المشروع بالنسبة لحوزة النجف الأشرف كان الشيخ متردداً في الذهاب، ولكنه استشار بعض العلماء فحفزوه وأصروا عليه بالذهاب.

قال في العقود ص135:

(فاجتمعت أولاً بالمرحوم آية الله النائيني  قدس سره ، وأطلعته على الكتب وبعض الصحف الفلسطينية المتضمنة لشرح بعض شؤون ذلك المؤتمر المنوي تأليفه في القدس، وطلبت منه أن يمحضني النصيحة، ويعطيني لباب الرأي.

وبعد التأمل العميق وإمعان النظر في الكتب قال لي: إن هذه مهمة لا يقوم بها إلا أنت، وهي واجبة عليك، وهي خدمة للإسلام، وللشيعة خاصة).

يظهر من هذا النص أن هذه النزعة موجودة عند علماء الدين الإصلاحيين، ولكن الصادّ عنها أمور، وواحد من هذه الأمور أنه لم تكن هناك فرصة ومنفذ من الطرف المقابل لأجل إيصال وتوضيح المبادئ العامة والصورة الواضحة للشيعة.

وفي رحلته جال الشيخ في الأقطار الإسلامية ووضح لهم حقيقة التشيع ومد يديه من أجل النهوض بمشروعه.

والأمر المهم والحدث الذي يحدث أول مرة في الإسلام هو إئتمام كافة الطوائف  بالإمام كاشف الغطاء  قدس سره ، فكانت الصلاة الوحيدة الموحدة التي تنعقد بهذا الثقل خلف عالم شيعي نجفي.

وقد ركز الشيخ في جميع كلماته وجميع خطبه وفي مختلف الأماكن على الوحدة حتى صارت كأنّ القرى تتعايش في ما بينها بأمان كما ذكره في عقوده ص158.

قال: (وأشد لهجتنا في سفرنا هذا إن كان في حديث، أو مقالة، أو خطبة هو الدعوة إلى الوحدة الإسلامية واتفاق كلمة المسلمين، وتنظيم صفوفهم).

وقد اهتم الكُتّاب الأوربيون المعاصرون بهذا المؤتمر؛ لأنهم عدّوه أول مظهر يجسد روح تعاون جديدة.

وقد ذكر الشيخ عبد العزيز الثعالبي في كتابه (خلفيات المؤتمر الإسلامي بالقدس) ص357 في المقترحات.

(أن يؤم المسلمين في صلاة الجمعة بالمسجد الأقصى سماحة المجتهد الكبير الحجة العلامة محمد حسين آل كاشف الغطاء إمام الشيعة، وذلك تمكيناً للرابطة الإسلامية بين مذاهب الأمة، وقد تنفذ هذا القرار في يوم الجمعة الواقع في غرة شعبان سنة (1350هـ) وائتم بسماحته نحو عشرة آلاف من المسلمين بينهم السني والشيعي والأباضي ومندوبو مذاهب أخرى في المؤتمر، وقد قابل المسلمون تنفيذه بعظيم الابتهاج.

وطبع الخطاب وترجم من محمد إقبال للأُردو ونشر بالهند وتطوع عبد القهار افندي بترجمته إلى لغة الملايو ونشره في الجزائر).

من هذا النص نرى اهتمام كل المسلمين بهذا الحدث.

 وقد ذكرت الكاتبة راينر برانر في كتابها القيم (التقريب بين المذاهب) ص148:

(أطلق محمد حسين أول دعوة له إلى التقريب في القرن العشرين معبراً عن ذلك بكل وضوح، وعلى نقيض ممن سبقه، وكذلك ممن تلاه في الدعوة إلى التقريب، لم يحجم عن تسمية بعض نقاط الخلاف بين الطائفتين).

ونلاحظ من خطبة الشيخ أن الشيخ لم يستخدم لفظ التقريب بين السنة والشيعة الذي يوحي إلى دخول مذهب بآخر بسبب التنازل عن بعض المعتقدات، فاستخدم لفظ الوحدة وفسرها بالتجنب عن البغضاء والعداوة بين الأخوين.

ففي مراسلة للشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  إلى صاحب المنار يُظهر فيها ويبين طريق واعتقاد سماحة الشيخ في هذا المشروع وكانت عقيب مؤتمر القدس قال:

(ولكن ينبغي أن يكون من المقطوع به أن ليس المراد من التقريب بين المذاهب الإسلامية إزالة أصل الخلاف بينها، بل أقصى المراد وجُلّ الغرض هو إزالة أن يكون هذا الخلاف سبباً للعداء والبغضاء، الغرض تبديل التباعد والتضارب بالإخاء والتقارب..).

والكلام طويل في الجهود المبذولة من هذا العالم بشان هذا المشروع وملابساته ونستطيع أن نقول أن أول من حمل مشعل الوحدة وتحرك به عملياً هو الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء  قدس سره ، ولكن الواقع صعب التغيير.

وبعد هذه الجهود ظهر سماحة الشيخ الزنجاني  قدس سره  بعد أن عاش كل هذه المبادرات، واستفاد منها، فقد شرع عام (1936م) برحلة إلى الأزهر بعد أن تهيأت الأرضية الشيعية من قبل الأعلام الذين مر ذكرهم، واتضحت الخطوط والسياقات والخطابات، واستفاد من انتشار الصحف والإعلام في تلك الزيارة. وقام بزيارة بعض المنظمات الإسلامية السلفية مثل جمعية الهداية الإسلامية، وذهب إلى الجامعة المصرية وخطب بها خطاباً رناناً أعجب به أكابر الأدباء، وكان جل اهتمام الشيخ الزنجاني مع شيخ الأزهر.

وبسبب الخلاف على كرسي الأزهر بين المتشددين وعلى رأسهم الظواهري والإصلاحيين وعلى رأسهم المراغي الذي له اتصالات واسعة مع علماء الشيعة، ومع الإعلام الشيعي المتمثل بمجلة العرفان، وما يتمتع به الشيخ الزنجاني من ثقل أدبي يستطيع أن يخاطب به علماء السنة ساعدت كل هذه الأمور على استقبال الشيخ الزنجاني استقبالاً شبه رسمي في الحفل الذي أقامه المراغي شيخ الأزهر.

 وأكد الشيخ المراغي أن هذه الشهادة لم توجه إلى الزنجاني فحسب، بل تطال الشيعة جميعاً من حيث هي دعوة ترحيب صادقة من الأزهر السني، فكل ما زرعه الأعلام آتى أكله في زيارة الزنجاني.

واتفقا على قيام مجمع فقهي علمي يضم المذاهب الخمس بعد أن اتفقا على عدم مناقشة مسألة الإمامة وأن المجمع شأنه الفروع.

واستمر في حركته بهذا المجال، فقد أسس المجلس العلمي الأعلى في النجف كما جاء في جريدة البلاد (1356هـ) حيث ذكرت:

(وافق المجلس العلمي الأعلى لعلماء النجف الأشرف على مقرراتنا مع مشيخة الأزهر).

وعندما اعترض المنتدى وقدم استفتاء للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء  قدس سره  حول هذا الأمر أمتنع عن الجواب، وينقل الشيخ المظفر في أوراقه انه أظهر الميل للزنجاني بل كاد يظهر أنه يساعد الزنجاني إذا ماصدر شي ضده.

من هذا النص نرى تمسك علماء النجف الأشرف بهذا المشروع وكان نابع عن اعتقاد راسخ.

ولكن بعد ذلك فترت العلاقة مع المراغي بسبب ان الأخير اراد دعم علماء الشيعة لمسالة الخلافة وتكون مكانها في مصر.

واستمرت جهود الشيخ الزنجاني في لبنان وسوريا وشارك في مؤتمر علمائي سنة (1938م) وكان الممثل الوحيد من الشيعة، وكان القرار من المؤتمر (واجب على العلماء العمل نحو الوحدة الإسلامية) موضع ترحيب واهتمام.

كانت هذه محاولات لزعماء شيعة مع كيان جامعي أزهري فانحصار الحوار بين هؤلاء حصر هذا المشروع.

وفي أربعينات القرن الماضي أو نهاية الثلاثينات تغير الخطاب وصار الجميع ينظر إلى الجمعيات.

فأسست أول جمعية سلفية ينصب همها نحو هذا الهدف وهي جماعة الاخوة الإسلامية في القاهرة (1938م)، وكان الاستاذ عبد الوهاب عزام وراء تأسيس هذه الجمعية الذي كان مقبول من المذهبين بسبب مواقفه الجيدة، وظهرت جمعيات أخرى خارج الوطن العربي مثل جمعية خدام الدين في لاهور، وجمعية الوعظين الجعفرية، وجمعية الاسماعيلية في بومباي، وفي بغداد جمعية الوحدة الإسلامية (1949م).

وفي بيروت جمعية دار الانصاف التي اهتمت للتقارب الفقهي بين المذاهب.

وقد ايدت من قبل الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء  قدس سره .

وأسست في تلك الفترة جماعة التقريب (1947م).

وكان رئيسها محمد علي علوبة بدعوى من الشيخ محمد تقي القمي وقد استقطبت السلفيين.

وكانت تقريبا منافسة للأزهر وبعد هذا التأسيس لم ينحصر المفاوض الوحيد بالأزهر فأصبحت هذه الجمعية محور اهتمام الزعماء، وقد كان للسيد البروجردي مساهمة كبرى في هذه الجمعية، حيث التقى الباقري بالسيد البروجردي فكان أتفاق عملي بينهما.

وفي الخمسينات أي من الثورة المصرية اي حوالي بعد (1956م) إلى الستينات أصبح الامر بين مد وجزر بين جمال عبد الناصر والسعودية، وجماعة التقريب، والأزهر الشريف، والخطوة التي رحبت بها الأوساط الشيعية أي سنة (1959م إلى 1960م) وهي اصدار فتوى من الشيخ شلتوت بالاعتراف بالمذهب الجعفري.

وبعد هذه الفترة أي حوالي (1959م إلى 1963م) اصبح ركود في العلاقة ما بين الحوزة النجفية ومصر حتى عام (1963م) بدأت ترجع الأمور إلى نصابها بإسقاط عبد الكريم قاسم هذا بالنسبة إلى مصر.

ولكن النجف الأشرف شاركت بمؤتمر القرويين في المغرب عام (1960م)، وقد حضر كل من الشيخ المظفر والشيخ الشبيبي، ولكن الظاهر أنها سفرة رسمية أكثر منها كونها سفرة عمل وعلاقات، ومع ذلك فقد دعا الشيخ المظفر في كلمته (جامعة النجف الأشرف وجامعة القرويين) إلى الوحدة الإسلامية والعمل بمذهب التشيع، وكانت بادرة أولى وتغيير مسار ودخولاً للنجف الأشرف في بلدان المغرب العربي.

موقف الشيخ علي  كاشف الغطاء   قدس سره  من الوحدة الإسلامية

وبعد كل هذا السرد التأريخي لموقف الحوزة النجفية من مشروع الوحدة والتقريب نصل إلى محل البحث، وهو موقف آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  من هذا المشروع.

ولا بأس بذكر عوامل لها مدخلية في بيان الموقف، وهي:

1. إن الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  ينحدر من أسرة علمية قيادية، خرجت كثيراً من العلماء، فهذا الموروث يجعله قيادياً مهتماً بشؤون الإسلام.

2. إن هذه الأسرة تقريباً من الأسر القليلة العربية الشيعية العلمية، وكان منها مراجع للشيعة.

3. لهم مكتبة ضخمة تحتوي على مختلف العلوم، فهذا العامل يؤثر في انفتاح ذهن الذي يعيش بين هذه الكتب.

4. والده الشيخ محمد رضا كاشف الغطاء  قدس سره  الذي يعد من العلماء المنفتحين الذين يقرؤون المجلات والصحف في ذلك الوقت، وبطبيعة الحال تنعكس هذه الصفات على الولد.

5. لهم باع طويل في التعامل مع الحكومات الإسلامية والعربية، فتوجد عنده خلفية من العلاقات القوية التي تجعله ناجحاً في هذه المسيرة.

6. له باع طويل في التصدي للهجمات التبشيرية والاستعمارية.

7. كانوا من الدعاة الأوائل للوحدة والتقريب.

8. الظرف السياسي في تلك الفترة كان ظرفاً يتطلب توحيد الكلمة.

كل هذه الأمور كان لها مدخلية في تكوين شخصية الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  الداعية للوحدة، بالإضافة إلى ما يتميز به من مكانة مرموقة، سواء كانت على المستوى العلمي أو الشعبي، خصوصاً بعد وفاة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء  قدس سره ، وتميز أيضاً بما حباه الله من ملكة الخطابة التي قلّ وجودها عند المجتهدين، وبالثقة بالنفس حيث حضر أول مؤتمر أقيم للتقارب بين الأديان في بحمدون.

فهو في الجانب العلمي حافظ على الدقة الموجودة في الحوزة النجفية، ولكن في الجانب التبليغي والدعوة إلى الوحدة حاول أن يتحرر من التقاليد التي كانت سائدة في ذلك الوقت لما كان يعتقده من وجود خطر يهدد الإسلام بالكامل وليس التشيع وحده.

فعندما نستعرض مسيرته في الدعوة إلى الوحدة نجده يذكر سبب التأخر وسبب المصائب التي حلت على الإسلام والمسلمين، وهو التناحر الطائفي، حيث صرح في بيان له:

(إن الخصام المذهبي والتناحر الطائفي الذي لاكته بعض الألسن وسالت به الاقلام المستأجرة بعبارات شعرية وكلمات نثرية.. قد انفجر به بركان هائل يقذف المسلمين بحمم كأنها جمالة صفر يتطاير شررها من هنا وهناك.. أيها المسلمون: ايم الله قسما بارا لا تأويل فيه ولا تحريف، إن هذه الصيحة أغضبت ملائكة السماء وهذه التفرقة كدرت صفوة الحياة.. أيها المؤمنون هذا الإسلام بأنظمته المقدسة وآياته الكريمة وتعاليمه القيمة قد جاء لجمع شمل المسلمين وتوحيد كلمتهم وحدة متراصة..)([2]).

فقد بين ببيانه السبب والغرض والحل.

وعندما نستعرض نصاً ثانياً، وهو عندما دعي لمؤتمر باكستان (1951م) يصف العصر والظرف المحيط فيقول:

(خصوصاً في مثل هذه الأدوار الخطيرة والظروف العصيبة التي تقطعت بها الروابط وتصدعت بها الألفة وتبلبلت بها الآراء، فكم من حضارة كانت أثراً لجماعة وكم من مدنية كانت صنيعة لمؤتمر، وأمامكم بيعة الرضوان، فهي أول مؤتمر إسلامي نال به المسلمون الحظ الأوفى.. ونضحي بما عندنا من حول وطول في سبيل المبدأ السامي الإسلامي.. ولكن نحتاج في ذلك إلى الثبات والمثابرة دون أن نرجع إلى الوراء)([3]).

إن مشروع الشيخ الداعي إلى الوحدة قد عاش معه من نعومة أظفاره؛ بسبب ما ورثه من التسامح والانفتاح والتواصل مع العلماء من أهل المذاهب الأخرى مع مكانته العلمية.

فقد أرسل رأيه إلى لجنة تعديل اللغة العربية (1938م).

وتباحث مع شيخ الأزهر الشيخ مصطفى المراغي سنة (1940م) وهذا بحد ذاته نوع انفتاح من قبل الحوزة النجفية.

وخطابه المرسل لمؤتمر باكستان حول الوحدة الإسلامية عام (1951م).

وشارك بمؤتمر بحمدون، فقد مثل حوزة النجف الأشرف في مقابل تمثيل العلماء السنة لمذاهبهم (1954م).

وقد قمنا بتأليف كتاب يخص هذا المؤتمر ودور الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  به واحتوى على وثائق ومعلومات تنشر أول مرة.

وقد وقف بحزم مع أزمة السويس (1956م)، وأوصى القمة العربية بالاتحاد ببرقية قد تم تثبيتها عام (1964م)، وشارك بمؤتمر مجمع البحوث الإسلامية (1965م) عندما بعثت له دعوة، ودعوة أخرى لبعض المراجع في النجف الأشرف.

وفي السنة نفسها تقريباً نادى لعقد مؤتمر في بغداد يضم المذاهب، وعقد بحضور إمام الأزهر.

وفي (1968م) عقد مؤتمر مجمع البحوث وشارك به أيضاً، بالإضافة إلى خطبه في مختلف الأزمنة والأمكنة التي سوف نثبتها بالملحق.

فهو بحق حامل مشعل التقريب الذي ابتدأ بحملة سماحة الإمام الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء  قدس سره  ووصل إلى سماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  وإن شاء الله تبقى النجف الأشرف مع هذا المشعل إلى ظهور صاحب الأمر  عجل الله فرجه الشريف .

والحمد لله رب العالمين

 

 

 

 

 

الروابط بين الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره

وجمهورية مصر العربية وجامع الأزهر

قد تنوعت الروابط بين النجف الأشرف وجامع الأزهر، من روابط علمية ومناقشات في مختلف المسائل الإسلامية، وتبادل المراسلات والمواقف السياسية لكلا الطرفين، وحضور مؤتمرات وقرارات تخدم الأمة الإسلامية، فنحن في هذه العجالة نحاول أن نذكر نماذج لهذه المواقف وأول هذه النماذج:

مراسلة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  مع شيخ الأزهر المرحوم المراغي(1)

 ومن المراسلات العلمية التي وقعت بين الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  وبين شيخ الأزهر المرحوم المراغي ما يأتي:

ففي سنة (1359هـ) نشرت مجلة الأزهر الغراء في عددها الثاني من المجلد الحادي عشر لفضيلة شيخ الأزهر المرحوم المراغي محاضرة قيمة عن تفسير سورة الحجرات، وكانت هي الدرس الثاني الذي ألقاه في مسجد السيدة نفيسة في القاهرة.

وفي سنة (1359هـ - 1940م) نشرت مجلة الغري الغراء في النجف الأشرف السنة الأولى العدد 37 رسالة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء التي وجهها إلى شيخ الأزهر المراغي رداً على محاضرته وها هي كما يأتي:

سماحة الأستاذ الأكبر الشيخ محمد مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر بعد تقديم التحية والاحترام.

وقفت على العدد الثاني من المجلد الحادي عشر من مجلة الأزهر الغراء، وأول ما وقع نظري على محاضرتكم القيمة في سورة الحجرات أعجبني
دقة المعنى وحسن الأسلوب وقد عرضت لي عند تلاوتها بعض الملاحظات فأحببت أن ألفت نظركم إليها عسى أن تتلطفوا بالجواب لترفعوا حجب الشك وتحلوا معاقد الشبهة وتكونوا بذلك قد أتممتم الفائدة وإليكم أهم تلك الملاحظات:

الطائفة ليست بجمع لطائف

قولكم في الطائفة: (وهي جمع طائف، وقد يكنى بالجمع عن الواحد، فيراد بها الواحد).

كيف يصح أن نجعل الطائفة جمعاً لطائف والحال أن شرط الجمع لشيء أن يكون معنى ذلك الشيء ملحوظاً فيه؛ ولذا لم يجعلوا الذين جمعا للذي. والطائف معناه من يطوف ويدور وهذا المعنى غير مأخوذ في الطائفة بمعنى الجماعة، نعم لو أريد بالطائفة الذين يطوفون صح القول بكونها جمعاً لطائف، وعلى هذا تنزل عبارة الراغب في مفرداته.

الصلح والقتال واجبان على المسلمين وجوباً كفائياً

قولكم: (وعلى هذا فالصلح والقتال المطلوبان في الآية واجب الإمام؛ لأنه قائم مقام المسلمين ونائب عنهم وخليفتهم، فإذا وجد بلد لا يمتد إليه سلطان إمام المسلمين وجب على جماعة المسلمين ما هو واجب على الإمام).

والذي يوقفنا هنا هو أن الخطاب للمسلمين بعمل واحد غير متكرر، وما كان هذا شأنه فهو دال على الوجوب الكفائي، يسقط عند قيام أحدهم به سواء كان الإمام أو الرعية، فالآية لا تدل على أكثر من هذا. وأما ما ذكرتموه فلا تدل عليه الآية الشريفة لا منطوقاً ولا مفهوماً، فمن أين استفدتم ذلك منها؟ نعم يمكن أن يقال: إن هذا العمل المهم بحسب العادة حيث لا يمكن تحققه بدون قيام الإمام به كان واجباً تعيينياً عليه نظير انحصار الواجب الكفائي بحسب الأحوال والظروف في شخص معين، فيكون تعين الوجوب عليه بحكم العقل، وأما نفس التشريع المستفاد من الآية فليس فيه أدنى ترتيب بين الإمام والمسلمين. ودعوى أن الإمام نائب عن المسلمين لا توجب اختصاص الخطاب الإلهي به، وعدم توجهه لباقي المسلمين على البدل. ولا تغير نحو الخطاب وكيفيته. فحق الآية أن يقال: إنها دالة على الوجوب على سائر المسلمين ويتعين على الإمام المطاع حيث لا يقدر أحد سواه، لا أن يجعل الوجوب على الإمام، وحيث لا يكون فعلى المسلمين كما هو المفهوم من كلامكم.

معنى السخرية

قولكم: (السخرية احتقاره قولاً وفعلاً وبحضرته).

لم أجد في كتب اللغة تقييد السخرية بالاحتقار بحضرة المسخور منه، فمن أين استفدتموه؟

معنى التنابز بالألقاب

قولكم: (التنابز بالألقاب: التداعي بها).

بهذا التفسير يكون التنابز بالألقاب يشمل التلقيب بما هو مكروه وما هو حسن، مع أن المقصود من الآية النهي عن المكروه فالأولى تفسيره بما فسره به صاحب القاموس من التعابير. فإن هذا المعنى هو الذي استفاده القوم من هذه الآية الكريمة.

العلة في النهي عن السخرية

قولكم: (ثم بيّن الله تعالى العلة في النهي، وهي أن المسخور قد يكون خيراً من الساخر في الواقع).

لو كان هذا هو العلة لزم أن يكون الحكم دائراً مداره وجوداً وعدماً، والحال أن السخرية ثابت لها النهي في الواقع، سواء كان المسخور منه أفضل من الساخر واقعاً او مساوياً له أو أدنى منه، بل المذكور في الآية بيان جهة قبح السخرية لا علة النهي عنها، وإنما العلة هي حفظ التآخي بين المؤمنين والتآزر بينهم؛ فإن سخرية بعضهم من بعض موجبة لوقوع الشقاق بينهم والبغضاء فيهم.

حقيقة التوبة

قولكم: (حقيقة التوبة علم وندم وقصد).

لقد سبقكم إلى هذا القول الغزالي وغيره من علماء الأخلاق إلا أنه لا يخلو من الإشكال من وجهين:

الأول: أن العلم المذكور دخيل في حقيقة الذنب، بمعنى أن الذنب لا يكون ذنباً ما لم يعلم الشخص أن في ارتكابه الضرر ويستحق عليه العذاب الأليم، فهذا العلم دخيل في متعلق التوبة لا في حقيقتها.

الثاني: أن الندم والحزن على البقاء على الحالة السابقة من الأمور الوجدانية ليست تحت اختيار الإنسان نظير ما ذكرتموه في الظن، وإذا كان دخيلاً في التوبة غير المقدورة فلا يصح التكليف بها، بل حقيقة التوبة ليس إلا توطين النفس على ترك الذنب وعدم العود إليه أصلاً.

انتفاء التوبة لا يوجب انتفاء المعرفة

قولكم: (وغير خافٍ أن معرفة كون المعاصي مهلكات جزء من الإيمان، وعدم المبادرة إلى التوبة مفوّت لجزء من أجزاء الإيمان).

لست أعرف وجه هذا الأمر؛ فإنّا لو سلمنا جدلاً أن هذه المعرفة جزء من التوبة فعدم حصول التوبة لا يوجب عدم حصول هذا الجزء؛ لأن انتفاء الكل لا يوجب انتفاء الجزء فالشخص غير التائب يمكن أن تكون تلك المعرفة حاصلة عنده دون أن تحصل منه التوبة كما هو الحال في إبليس وأغلب الفساق، فإنهم عندهم المعرفة دون أن تحصل منهم التوبة، فلم يكن عدم المبادرة للتوبة فيهم مفوتاً لهذا الجزء من الإيمان. والحديث النبوي لو صحت روايته حمل فيه الإيمان على عدم الفسق الذي هو بمعنى ارتكاب الذنب.

استرسال المذنب في المعصية

قولكم: (وقد يسترسل المذنب في ذنبه حتى يصير طبعاً ويران على القلب، فلا تحله الندامة على الذنب).

إن أردتم أن العبد أصبح غير قادر على ترك الذنب، فارتكابه للذنب ليس بذنب، ولا فيه معصية؛ لعدم القدرة على الترك، وشرط التكليف القدرة، إلا إذا قلنا: إن ما بالاختيار لا يخرج عن الاختيار، وإن أردتم أنه قادر على الترك فيصح منه التوبة ويمكن تحقق الندم منه.

عدم الحرج ليس داخلاً في حقيقة الغيبة

قولكم في حقيقة الغيبة: (من غير أن يحرج).

هذا القيد غير داخل في مفهوم الغيبة، وإنما هو دخيل في حكمها، حيث أن الغيبة مع الحرج لا تكون محرمة، لا أنها تخرج عن كونها غيبة.

حرمة اتباع مطلق الظن عدم دلالة الآية على ارادة ظن السوء

قولكم: (ومن الظن ما يباح اتباعه كالظن في أمور المعاش وما أشبه
ذلك).

لقد سبقكم إلى مثل هذا الآلوسي في تفسيره، وهو لا يخلو من الإشكال في عدة وجوه:

1. أن الظن في أمور المعاش لو أبحنا اتباعه لزم الهرج والمرج في معايش العباد وتعدى بعضهم على بعض بدعوى وجود الظن فيها، هذا مع كثرة الآيات والروايات الناهية عن اتباع الظن، وإنما يرجع في أمور المعاش إلى القواعد التي قررها الشارع من الأمارات الظنية أو الأصول العلمية.

2. أنه لا دليل على وجوب اتباع مطلق الظن في الأحكام الشرعية إن لم نقل قامت الأدلة من الآيات الكريمة والأخبار الشريفة على حرمة اتباعه، وإنما يجب الرجوع إلى الطرق الخاصة التي قامت الأدلة على اعتبارها عند الشارع كخبر الواحد، وإذا لم توجد تلك الطرق فيرجع إلى الأصول العملية أو يحتاط في العمل حتى يحصل اليقين بامتثال التكليف.

3. أنه لا دلالة في الآية على إرادة ظن السوء، فما وجه حملها عليه؟ ولعل المراد بها الظن ببعض الأحكام الشرعية أو الظن بحسن الشيء؛ فإنه قد يوقع المسلم في هلكات عديدة، كما نهى الله عن اتباع قول الوليد بن عقبة في بني المصطلق.

هذه هي أهم الملاحظات التي عرضت لنا في هذه الكلمة القيمة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

جواب شيخ الأزهر المرحوم المراغي

حضرة السيد الأجل الأستاذ الشيخ علي كاشف الغطاء أدام الله به النفع. السلام عليكم ورحمة الله.

وبعد فقد تسلمت كتابكم، وشكرت لكم عنايتكم بقراءة تفسير سورة الحجرات، وقد أعددت ما رأيت عرضه عليكم جواباً عما تفضلتم بإرساله إلي من الملاحظات وتجدونه مع هذا.

وإنه يسرني أن أبعث إليكم ما هو مطبوع مما كتبته في بعض الموضوعات([4]) وتقبلوا تحياتي الخالصة.

11 مايو 1940م

محمد مصطفى المراغي

1. سألتم عن جمع طائف على طائفة وقلتم: (معناه وهو الطوفان والدوران لا يوجد في طائفة بمعنى جماعة).

فإن كنتم تريدون أن هذا المعنى لم يعد يلمح في الاستعمال فهذا صحيح، ولكنه ليس دليلاً على أنه لم يقصد في أصل الإطلاق قضاء لحق الاشتقاق؛
فإن المادة طوف تدل عليه، وهذا القدر كافٍ في صحة كون اللفظ جمعاً لطائف، وتحقيقه أن الجماعة التي يطلق عليها كلمة طائف والتي يجمعها شأن واحد فيها معنى التفاف بعضها حول بعض، وهذا موجود فيه قصد في الاستعمال الشائع ام لم يقصد شأن الألفاظ التي يأنس فيها المعنى الأصلي بالاشتقاق وهي كثيرة في اللغة.

2. سألتم عن قولنا: (وعلى هذا فالصلح والقتال المطلوبان في الآية واجب الإمام؛ لأنه قائم مقام المسلمين ونائب عنهم ..إلخ) - وقلتم - : إن الآية لا تدل على أكثر من الوجوب الكفائي على الأمة، والوجوب الكفائي يسقط عند قيام البعض به. سواء أ كان من الإمام أم كان من الرعية).

وليس في كلامنا ما يفهم منه أن الوجوب في موضوعنا ليس كفائياً، وإنما نريد أن الشأن في التكاليف العامة التي تتعلق بقمع الفتن واستتباب الأمن بين الرعية يجب أن يتولاها الإمام؛ لأنها إذا تركت للرعية قد لا يحسنون القيام بها، وقد يكون تحرك طائفة من المسلمين لقمع الفتن سبباً في ازديادها إذا كانت أحقاد العصبيات قائمة. أما إذا تولاها الإمام ـ وهو نائب الأمة ـ فالاستجابة إلى رأيه منتظرة والتفاف الأمة حوله مانع من تشعب الفتن؛ ولذلك نرى للمصلحة العامة أن نوجب على الإمام - أولاً- احتمال أعباء هذا، وعلى الرعية أن تتابعه. وفي هذه الحالة تكون المتابعة لتحقيق هذا الواجب كفاية على الأمة، فإذا لم يوجد الإمام بقي الوجوب على حاله بالنسبة للرعية، وكان على جماعة المسلمين أن يفعلوه.

ومن هذا قال الآلوسي: والخطاب فيها على ما في البحر لمن له الأمر، وروي ذلك عن ابن عباس، وليس في كلامنا ما يدل على اختصاص الخطاب الإلهي بالإمام وعدم توجيهه لباقي المسلمين، وقد جرت عادة القرآن بمخاطبة جماعة المؤمنين في الشؤون العامة لاعتبارهم وحدة متضامنة على تنفيذ الشريعة والعمل على أحكامها. وقد ينادي الرئيس ثم يخاطب الجماعة، فيأخذ كلٌّ نصيبه من الخطاب" يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص" "يا أيها النبي إذا طلقتم النساء".إلى سائر النظائر.

3. سألتم عن: (تخصيص السخرية بالاحتقار في حضرة المسخور منه).

وجوابه: أنه على تفسيرنا تأخذ كل كلمة من الكلمات الثلاثة
مركزها الخاص في الآية ومعنى مقصوداً في الإرشاد، فقد ذكرت السخرية والغيبة واللمز.

واللمز: التنبيه على المعايب في الحضرة قصد الاحتقار أم لا. والغيبة الذكر بما يكره في الغيبة. فلم يبق للسخرية إلا أن تكون قصد الاحتقار في الحضرة؛ ولذلك قال الآلوسي: وقال بعض هي ذكر الشخص بما يكره على وجه مضحك في حضرته، واختير أنها احتقاره قولاً أو فعلاً بحضرته على الوجه المذكور، وإني ألمح في مواد استعمال السخرية هذا المعنى.

4. سألتم عن قولنا: (التنابز بالألقاب التداعي بها).

وقلتم: إنه يشمل التلقيب بما هو مكروه وما هو حسن مع أن المقصود من الآية النهي عن المكروه، فالأولى تفسيره بما فسره صاحب القاموس بالتعاير؛ فإن هذا المعنى هو الذي استفاده القوم من هذه الآية. نعم المقصود هو النهي عن التعاير، لكن التنابز ـ وهو التداعي بالألقاب ـ يشمل ما هو حسن وما هو مكروه، وفي لسان العرب (والتنابز: التداعي بالألقاب وهو يكره فيما كان ذماً)، والنهي في الآية لا شك أنه نهي عن المكروه.

5. سألتم عن قولنا: (ثم بين الله العلة في النهي).

وكأنكم ذهبتم إلى أن المراد من كلمة (علة) المعنى الاصطلاحي فذهبتم ترتبون لزوم دوران الحكم مع العلة وجوداً وعدماً، وليس ذلك مراداً، والمقصود من كلمة (علة) في هذا المقام ونحوه ما يذكر في توجيهه الحكم وسبب النهي، فهي ترادف كلمة سبب وكلمة سر وكلمة توجيه وما إلى ذلك، على أن ما ذكر في صدد التوجيه يرجع إلى ظلم المسخور منه والسخرية في ذاتها ظلم للمسخور منه، فهو معنى لا يكاد يفارقها سواء أ كان المسخور منه أفضل أم مساوياً أم أدنى، وقد أشرنا إلى هذا المعنى بقولنا في السخرية ظلم بتحقير من هو في نفسه عظيم لا يستحق التحقير.

6. سألتم عن قولنا: (فحقيقة التوبة علم وندم وقصد).

وقلتم :(إن العلم المذكور دخيل في حقيقة الذنب، بمعنى أن الذنب لا يكون ذنباً ما لم يعلم الشخص أن في ارتكابه ضرراً عظيماً. فهذا العلم دخيل في متعلق التوبة لا في حقيقتها)، وطبعاً تريدون من كلمة (دخيل) كلمة (داخل).

والغزالي يفسر التوبة بالمراحل التي تكونها، وهي في الواقع خطوات عملية يحس (التائب) أنه قطعها، وأنه لم يصل إلى غايته من الطهر والتطهير إلا بعد ملابستها، فتمتلئ نفسه أولاً بالباعث، وهو الاحساس بأن المعاصي مهلكة مبعدة، فينبعث من هذا الاحساس الصادق ألم وحزن على ما فرط منه في جنب الله، وينبعث من هذا الألم طلب الخلاص منه إلى ما يوجب الفرح والمسرة من العمل بما يرضي والإقلاع عما يغضب، وعند الوصول إلى هذا تكون التوبة قد تحققت عند الشخص بعناصرها. وهذا معنى محس لا يحتمل الإنكار، وهو مأخوذ من قوله تعإلى[وَالَّذِينَ إذا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ].

فالآية تشرح التوبة وتبين أنها (ذكر الله) ويتضمن ذكر الله العلم بسوء عاقبة الذنب (والندم)، وهو الاستغفار للذنوب السافلة، و(الإقلاع عن الذنب) وهو تركه وعدم الإصرار عل فعله. وإزاء هذه العناصر المتلازمة والتي تكون منها التوبة فسرها الغزالي بجميعها فأوفى المقام حقه وجمع عناصرها كلها. وبعض العلماء نظر إلى المرحلة الأخيرة؛ لأنها الغاية ففسر التوبة بها كما أن بعضهم نظر إلى الندم؛ لأنه أثر لما قبله وسبب لما بعده، وهو العنصر الفعال، ففسر التوبة به، والذي يجمع العناصر ويساير دلالة القرآن أوفى وأوفق، وهو رأي الغزالي الذي اخترناه.

7. سألتم فقلتم: (إن الندم من الأمور الوجدانية لا يدخل تحت اختيارنا، وإذا كان داخلاً في التوبة كانت التوبة غير مقدورة).

كلنا نعلم أن الندم مقدور بسببه، وهو العلم بسوء العاقبة. ومطلق العلم إذا قيل فيه غير مقدور أيضاً فجوابه أنه مقدور أيضاً بسببه، وهو النظر أو التلقي، وقد عرض الغزالي نفسه إلى مثل هذه المناقشة، وأجاب عنها فيما أذكر بمثل ذلك.

8. سألتم عن قولنا: (وغير خافٍ أن معرفة كون المعاصي مهلكات جزء من الإيمان، وعدم المبادرة إلى التوبة مفوّت لجزء من أجزاء الإيمان - وقلتم : لست أعرف وجه هذا الأمر؟ فإنّا لو سلمنا جدلاً أن هذه المعرفة جزء من التوبة، فعدم حصول التوبة لا يوجب عدم حصولها؛ لأن انتفاء الكل لا يوجب انتفاء الجزء، فالشخص غير التائب يمكن أن تكون تلك المعرفة حاصلة عنده دون أن تحصل منه التوبة كما هو الحال في إبليس.. إلخ).

وهذه مناقشة تأخذ حكم سابقتها، فإن عناصر التوبة التي شرحناها (العلم. الندم. الترك) لاشك أنها إذا وجدت وأخذت مركزها من النفس كانت ملازمة يلزم ثانيها من أولها وثالثها من ثانيها؛ لأن المراد من المعرفة التصديق الذي يملك على الإنسان وجدانه ولا تجافيه جوارحه هي المعرفة المذكورة في مثل قوله تعإلى [وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ].

أما المعرفة التي تشير إليها فهي من نوع المعرفة المذكورة في قوله تعإلى [الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ]، وهي معرفة صورية لا حظ للقلب فيها، وذلك يجيء بعدها : [وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ]، ومثلها لا يريده الغزالي ولا غيره في هذا المقام، واذاً فالمعرفة الحقة لا توجد بدون التوبة.

9. سألتم عن قولنا في تعريف الغيبة: (من غير أن يحرج لذلك) والقيد ضروري ما دام الكلام في الغيبة المحرمة المنهي عنها [لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنْ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ]، وكثيراً ما يخرج اسم الحقيقة الشرعية عن عمومه اللغوي كالصلاة والزكاة والحج وما إليها.

10. سألتم عن قولنا: (وقد يسترسل المذنب في الذنب حتى يصير طبعاً، ويران على قلبه).

وقلتم: إن أردتم أن العبد اصبح غير قادر على الترك فلا يكون الذنب ذنباً، وإن أردتم أنه قادر عليه فتصح منه التوبة، ويمكن تحقق الندم منه).

والمقصود من هذا تصوير عاقبة الإدمان والانهماك فيها على وجه الاستمرار وعدم التنبه إلى سوء عاقبتها، وإن الشخص الذي يضع نفسه في هذا الموضوع من المعاصي لا يفكر في عاقبتها وظل بعيداً عن الندم، ولا تتحقق منه توبة، وهذا المعنى قد جاء في قوله تعإلى[كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ].

وجاء في قوله  صلى الله عليه واله وسلم لينتهين أقوام عن ردعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين.

وقوله  صلى الله عليه واله وسلم إن المؤمن إذا أذنب ذنباً كانت نكتة سوداء في قلبه، فإن تاب ونزع واستغفر صقل منها، وإن زاد زادت حتى يغلف قلبه.

فذلك الران الذي ذكره الله في كتابه [كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ]. وليس القصد من هذا كله أن الرجوع إلى الله والإقلاع عن الذنب أصبح غير مقدور له فلا يكلف به. كيف والله يقول في حق من ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون [كلا إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ].

وإنما القصد التنبيه على موضوع حرمانهم والسر في استمرارهم، وهو الغفلة عما للذنب من سوء العاقبة، فتتحرك نفوسهم نحو المعالجة بالنظر المولد للندم، والندم المولد للإقلاع والرجوع إلى الله.

والرين المذكور في هذا الموضوع كالختم والطبع والغشاوة والإقفال والغلف وما إليها من الألفاظ التي جاءت تسجل على المدمنين أنهم السبب في حرمانهم وبعدهم عن الله وعن التمتع بعطفه ورضاه [لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ].

11. سالتم عن قولنا: (من الظن ما يباح اتباعه ..إلخ) وقلتم فيه إشكال من وجوه:

أولا: إن الظن في أمور المعاش لو أبحنا اتباعه لزم الهرج والمرج في معايش الناس وتعدي بعضهم على بعض بدعوى وجود الظن فيه إلخ.

وبين أن المراد من إباحة الظن في أمور المعاش الأخذ به في وسائل
 الاستثمار التي يظن أنها نافعة ومفيدة، كالظن في طرق التجارة والزراعة والصناعة وغيرها مما لا يتصل بالفتئات على حق أحد. أما تعدي بعض الناس على بعض بدعوى الظن فهذا ليس من الظن في أمور المعاش ولا يفهم منه،
إنما هو من محاولة الافتئات على حقوق الناس أو ادعاء الحق فيما بأيديهم وسبيله القضاء.

ثانيا: قلتم: إنه لا دليل على وجوب اتباع الظن في الأحكام الشرعية إن لم نقل قامت الأدلة على حرمته.

والمعلوم أن الذي قامت الأدلة على حرمته هو اتباع الظن الذي لا يكون معتمداً على أمارات معتبرة، وهو الظن الذي يعارض به الحق [إن يتبعون إلا الظن]، [وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ]. أما الظن الذي قامت على صحته الشواهد ومنه الظن بأن حكم الله بالمسألة التي لا قاطع فيها هو كذا بعد أن يفرغ المجتهد جهده وبحثه، فهذا ظن واجب الاتباع، وقد نزله الشارع في وجوب العمل به منزلة المقطوع به. وقد بحث الأصوليون هذه المسألة وبينوا أثر ظنون المجتهد مما لا مزيد عليه، نعم أنكرت طائفة التعبد بالظن، وهم محجوجون في ذلك؛ لأن القرآن لم يذم الظن جميعه وإنما ذم البعض، ومن الظن محمود ومذموم: [إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا] (إذا كان أحدكم مادحاً أخاه لا محالة فليقل أحسبه كذا). وأكثر الأحكام الشرعية ظنية، وقد بين ذلك أيضاً بأدلته في علم الأصول.

ثالثاً: قلتم : لا دلالة في الآية على إرادة ظن السوء.. إلخ.

وقد جاء في الحديث أن الله حرم من المسلم دمه وعرضه وأن يظن به ظن السوء.

وجاء مرفوعاً عن عائشة: من أساء بأخيه الظن فقد أساء بربه الظن، إن الله يقول [اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ]. فالآية وهذه الأحاديث تدل على أن المراد من الظن المطلوب اجتنابه هو ظن السوء، ولا يدخل في الظن الحس، بل ولا يصح أن يدخل، كما لا يدخل الظن المعتبر في الشرعيات ولا يصح أن يدخل. أما الظن بالمرائي فإن كان معروف الرياء ومتيقناً عنده فإنه لا يكون من باب الظن وإنما هو من باب العلم، أما إذا لم يكن معروف الرياء ولا متيقناً فالواجب حمل حاله على الصلاح كما يقولون والبعد به عن ظن الرياء ما لم يتيقن منه الرياء.

محمد مصطفى المراغي

شيخ الأزهر

رد الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  على أجوبة فضيلة الشيخ المراغي

أتحفت بالمسرات أيها العلامة الجليل. ولا زال موردك العذب في سلامة من الأكدار.

هبطت علي رسالتكم الكريمة، فمثلت لي ذكرى محاسن الفضيلة، وطلعت علي هديتكم الجليلة، فأرتني سمو أخلاقكم النبيلة التي كنت ألمسها على البعد نحو شخصكم المحترم جماع الفضل ونسيج وحده. وقد أوحت لي الأفكار بعض الخواطر في أجوبتكم تجدون أهمها طي هذا الكتاب وبالختام استنجد لطف الله وعنايته لي ولكم.

علي كاشف الغطاء

30 جمادى الأولى 1359هـ

لقد كان الجواب عن السؤال الأول يشتمل على أمرين:

 الأول: أن الطائفة قصد في أصل إطلاقها الطوفان والدوران قضاء لحق الاشتقاق، وأن هذا القدر كافٍ في صحة كون اللفظ جمعاً لطائف وإن كان في الاستعمال الفعلي لطائفة لم يعد يلحظ هذا المعنى فيها. والذي يوقفنا في هذا الأمر أن الاشتقاق لا دليل عليه إلا ذكر اللغويين له في مادة واحدة، واللغويون إنما يعتبرون الاتحاد في المادة دون المعنى، وهو المعلوم من حالهم وتأليفهم. ولو سلمنا جدلاً أخذ معنى الدوران والطوفان في أصل إطلاقها فهو لا يثبت كونها جمعاً بالفعل؛ لأن الجمع في قوة تكرار الواحد بالعطف، وعلى هذا ففرض أن الطوفان ليس ملحوظاً فيها بالفعل يثبت عدم كونها جمعاً لطائف بالفعل، وظاهر كلامكم في صحيفة 65 من مجلة الأزهر الغراء أنها بالفعل لا بحسب الأصل.

الثاني: أن الجماعة التي يطلق عليها كلمة طائفة فيها معنى التفاف بعضها حول بعض سواء قصد في الاستعمال الشائع أم لا. وهذا الأمر لا يصحح دعوى كون الطائفة مأخوذ فيها الدوران والطوفان لأن الالتفاف المذكور ليس إلا عبارة عن انضمام بعض الجماعة إلى بعض، وهو غير الدوران والطوفان مع أن مجرد وجود معنى في معنى اللفظ مع عدم قصده منه لا يكون موجباً للدلالة عليه.

وأما السؤال الثاني فقد كان الجواب عنه يرجع إلى عدم دعواكم دلالة الآية الشريفة على عدم الوجوب الكفائي ولكن الظاهر من كلامكم في ص66 من المجلة المذكورة هو كون الآية دالة على الوجوب التعييني على الإمام حيث قلتم فيها عند شرحكم لهذه الآية الكريمة: أمر الله أئمة المسلمين أن يقضوا بينهم بالحق. ثم فرعتم عليها بقولكم: فالصلح والقتال المطلوبان في الآية واجب الإمام. ومن المعلوم أن تخصيصكم أئمة المسلمين بالوجوب المستفاد من الآية دون المسلمين يشعر بأن الوجوب على الإمام تعييني. ويرشد إلى ذلك قولكم بعد هذا: فإذا وجد بلد لا يمتد إليه سلطان إمام المسلمين وجب على جماعة المسلمين ما هو واجب على الإمام.

وأما السؤال الثالث فيرد على الجواب عنه بأن السخرية اعتبر فيها أن يكون الاحتقار على وجه يضحك منه، وهذا المعنى لم يكن يعتبر في الغيبة واللمز، قال الغزالي: ومعنى السخرية الاستهانة والتحقير والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يضحك منه، وقال النراقي: السخرية: الاستهزاء وهو محاكاة أقوال الناس وأفعالهم وصفاتهم وخلقهم قولاً أو فعلاً أو ايماء أو إشارة على وجه يضحك منه انتهى.

وعلى هذا تأخذ كل كلمة من هذه الكلمات الثلاث: (الغيبة واللمز والاستهزاء) مركزها الخاص في الآية الكريمة من دون حاجة إلى تخصيص السخرية بما هو غير داخل في معناها كما اعترفتم به.

وأما السؤال الرابع فقد كان الجواب عنه يرجع إلى الاعتراف بما تضمنه السؤال.

وأما السؤال الخامس فقد كان الجواب عنه يشتمل على أمرين:

 أحدهما: عدم استعمال العلة في معناها الاصطلاحي.

 والثاني: أن السخرية في ذاتها ظلم للمسخور منه لا يكاد يفارقها، والأول لا كلام لنا فيه؛ فإن المعنى تابع لإرادة المتكلم إلا أنه كان الواجب نصب القرينة على عدم إرادة هذا المعنى المتعارف من لفظ العلة، وأما الثاني فهو غير حاسم لمادة السؤال، ولم يكن فيه نفي لما أثبتناه، ولا إثبات لما نفيناه.

وأما السؤال السادس فقد كان الجواب عنه لا يحل عقد الشبهة ولا ينفي لزوم أن يعتبر في حقيقة التوبة ما هو داخل في متعلقها. وأما ما ذكره الغزالي لو التزمنا به لزم أن تكون التوبة من الأمور التكوينية التي ليست تحت اختيار الإنسان إيجادها، وهذا ينافي تكليف الشارع المقدس بها.

وأما السؤال السابع فقولكم في الجواب عنه أن العلم سبب للندم إن أردتم بأنه هو العلة التامة فهو غير صحيح؛ لأنه لو كان كذلك لندم إبليس على عمله ولندم أولئك الذين أخبر الله عنهم في كتابه المجيد بقوله [وجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ].

وإن أردتم به المقتضي فالقدرة على المقتضي لا توجب القدرة على المقتضى وإنما القدرة على العلة تستدعي القدرة على معلولها.

وأما السؤال الثامن فيتلخص الجواب عنه بأن المعرفة على قسمين: أحدهما المعرفة التي تملك على الإنسان وجدانه وتنقاد بها جوارحه. والثاني المعرفة التي لا تكون بهذه الصفة، وإن القسم الأول هو الداخل في حقيقة التوبة، وكأن فضيلة شيخ الأزهر سلك في هذا التقسيم مسلك العرفاء حيث قسموا المعرفة على ثلاثة أقسام:

الأول: هو معرفة الشيء بلوازمه وآثاره وسموها بعلم اليقين، وهي التي تكون مقتضية للعمل وتحصل للعاصي وغيره.

والثاني: هو مشاهدة المطلوب بعين البصيرة والباطن، وهو أقوى في الوضوح والجلاء من المشاهدة بالبصر، وهو المسمى بعين اليقين وتحصل بالرياضة النفسية والتصفية وحصول التجرد التام للنفس أو بالعناية الربانية واللطف الإلهي.

الثالث: هو أن يحصل وحدة معنوية وربط حقيقي بين العالم والمعلوم بحيث يندك أحدهما بالآخر وينفى فيه، وهو المسمى بحق اليقين، وبهذين القسمين تتفاوت درجات الأولياء والأنبياء والصديقين.

 ومن المعلوم أن المعرفة التي تملك على الإنسان وجدانه وتنقاد إليها نفسه هي المعرفة بالقسمين الآخيرين، وعلى هذا فلا يمكن اعتبارها في متعلق التوبة؛ لأنها غير مستطاعة لكل أحد، كيف وحصولها يكون إما بالمجاهدة التامة وتصقيل النفس وتصفيتها ليحصل لها التجرد التام حتى ترتسم بها الحقائق جلية وضاءة، وهذا أمر لا يكاد يتيسر لعامة الناس ولا تطيقه أغلب النفوس، وإما بالعناية الإلهية واللطف الرحماني فتنكشف لديه خفايا الأمور وتتجلى عنده حقائق الأشياء، وهذا أمر ليس تحت طاقة الإنسان وقدرته، وإنما يكون لمن شمله ذلك اللطف الإلهي وتوجهت إليه تلك العناية الربانية. نعم ماذكره الأستاذ إنما هو التوبة عند أهل العرفان والسلوك التي أشار اليها السيد الطباطبائي قدس الله نفسه الزكية بقوله:

مت قبل موت فهو الحياة
 

 

ما أهون الموت على من ماتوا
 

 

لا التوبة التي أمر الله بها عباده العاصين وجاءت بها شريعة سيد المرسلين، تلك الشريعة السهلة السمحة التي لا ضرر فيها ولا حرج.

وأما السؤال التاسع فكان الجواب عنه يرجع إلى أن اعتبار قيد (من غير تحرج) في تعريف الغيبة من جهة الاصطلاح الشرعي، ولو كان الأمر كذلك لكان أهل الشرع اعتبروا في تعريفها هذا القيد ولكان هذا القيد معتبراً في سائر الحقائق الشرعية؛ لأنه معتبر فيها على نحو اعتباره في الغيبة.

وأما السؤال العاشر فيظهر النظر في الجواب عنه مما قررناه سابقا.

وأما السؤال الحادي عشر فالملاحظة في الجواب عنه هي أنّا قد أخذنا اللفظ بظاهره، والظاهر هو الحجة المتبعة في فهم كلام المتكلم كما قرر في محله.

وأما السؤال الثاني عشر فكان الجواب عنه يرجع إلى حصر الظن المتبع بما قامت الأدلة على اعتباره، وهذا عين ما ذهبنا إليه في نفس السؤال.

وأما السؤال الثالث عشر فكان الجواب عنه يرجع إلى التمسك بالحديثين على إرادة ظن السوء من الظن في الآية الشريفة وبين أن الحديث الأول إنما يدل على حرمة ظن السوء لا على إرادته من الآية، والحديث الثاني مرفوع والمرفوع ليس بحجة لاحتمال أن في سلسلة السند من ليس بثقة على أن التحقيق أنه لا دليل على لزوم الأخذ بفهم من ليس بمعصوم عن الخطأ.

الشيخ علي كاشف الغطاء

مراسلة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  مع لجنة النظر في تيسير قواعد النحو والبلاغة في جمهورية مصر

قد بعثت إلى وزارة التربية العراقية ووزارة التربية المصرية، صورة التقرير عن تيسير قواعد النحو والصرف والبلاغة الذي نظمته اللجنة المؤلفة من أكابر أساتذة مصر وهم:

الدكتور طه حسين، والأستاذ أحمد أمين، والأستاذ علي الجارم، والأستاذ محمد أبو بكر إبراهيم، والأستاذ إبراهيم مصطفى، والأستاذ عبد المجيد الشافعي.

وإليك نص الاقتراحات:

تقرير لجنة النظر في تيسير قواعد النحو والبلاغة (2)

أصدر حضرة صاحب المعالي بهي الدين بركات باشا حين كان وزيراً للمعارف القرار الآتي:

بما أن الوزارة سبق لها أن عملت على تبسيط قواعد النحو، والصرف، والبلاغة فيما أخرجت من الكتب وكان لهذا العمل نتيجة مرضية.

إن هذه الخطوة التي خطتها الوزارة في الماضي لم تكن كافية، إذ لوحظ أن صعوبة قواعد النحو، والصرف، والبلاغة لا تزال قائمة وإن المعلمين والمتعلمين يبذلون جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً في تعليمها وتعلمها، ولا يصلون بعد هذا كله إلى نتائج تتفق مع ما يصرف من زمن وجهد.

وبما أننا نرى تشكيل لجنة مهمتها البحث في تيسير قواعد النحو، والصرف، والبلاغة، وتتقدم باقتراحاتها في هذا الشأن مبينة مشروع التبسيط الجيد، والأسس التي تشير بوضع قواعد النحو والصرف عليها، على ألا يمس ذلك أصلاً من أصول اللغة العربية، ولا شكلاً من أشكال الإعراب والتصريف.

وكذلك تبيّن اللجنة ما تراه من التغيير في طرق تدريس علوم البلاغة وتبويبها لذلك قرر:

أسماء المشاركين في اللجنة وعملهم

المادة الأولى: تؤلف لجنة على الوجه الآتي:

1. الدكتور طه حسين بك عميد كلية الآداب.

2. الأستاذ أحمد أمين الأستاذ بكلية الآداب.

3. الأستاذ علي الجارم بك مفتش أول اللغة العربية بالوزارة.

4. الأستاذ محمد أبو بكر إبراهيم مفتش بالوزارة.

5. الأستاذ إبراهيم مصطفى الأستاذ المساعد بكلية الآداب.

6. الأستاذ عبد المجيد الشافعي الأستاذ بدار العلوم.

للقيام بالمهمة المبينة في ديباجة هذا القرار.

المادة الثانية: تعرض اللجنة عملها في مدة لا تتجاوز الشهرين ويمنح أعضاؤها مكافأة عن هذا العمل.

المادة الثالثة: تنشر نتيجة أعمال اللجنة على الجمهور لتتبين الوزارة الآراء التي يبديها المثقفون في مصر وغيرها من البلاد العربية.

المادة الرابعة: على وكيل الوزارة تنفيذ هذا القرار. انتهى.

مخاطبة اللجنة للوزارة

وقد اتصلت اجتماعات اللجنة للنهوض بهذه المهمة التي وكلت إليها حتى انتهت إلى طائفة من الاقتراحات ترفعها الآن إلى الوزارة لا على أنها المثل الأعلى لما ينبغي الوصول إليه من تيسير النحو والبلاغة، بل على أنها خطوة معتدلة موفقة في سبيل هذا التيسير قد تتاح بعدها خطوات أدنى إلى التوفيق وأقرب إلى الكمال.

واللجنة سعيدة بأنْ تسجل في أول هذا التقرير ثناءها على حضرة صاحب المعالي الأستاذ بهي الدين بركات باشا، وشكرها له لتفكيره في تيسير علوم اللغة العربية وتقريبها إلى عقول المتعلمين، فذلك هو السبيل المعقول إلى إحياء اللغة الفصحى بين الناس على اختلاف طبقاتهم، وتصبح أداة يصطفونها لتأدية أغراضهم المختلفة في يسر، وهذا كله رهين بتيسير علومها، وتمكين الناس أن يأخذوها أخذًاً رقيقاً، لا يجدون فيها عنفاً ولا إرهاقاً.

واللجنة مع ذلك، حريصة على أن تثبت في هذا التقرير أن تيسير علوم اللغة العربية على جلال خطره وارتفاع شأنه وبعد أثره في إحياء اللغة ليس كل شيء، بل هناك أشياء لعلها ألا تكون أقل منه خطراً ولا أدنى شأناً. ومن الحق علينا أنْ نفكّر فيها، ونجدّ في تحقيقها حتى نبلغ في إحياء اللغة ما نريد.

الاقتراحات:

1- من المفيد أن يتعلم الشباب النحو والبلاغة، ذلك يثقف عقولهم، ويقوم ألسنتهم، ويرقي أذواقهم، ويصفي طباعهم، ولكن أهم من ذلك وأجدى أن يتعلم الشباب اللغة نفسها، واللغة لا تتعلم بدرس النحو أو درس البلاغة، وإنما تتعلم بالمراس، وكثرة الاستماع لها، والتحدث بها، واتخاذها أداة للفهم والإفهام، والفراغ لهذا كله وقتاً ما.

وقد نيسر النحو حتى نجعله من أيسر الأشياء وأهونها.

وقد نصلح علوم البلاغة حتى نجعلها من أشد الأشياء ملاءمة لحاجة الذوق الحديث.

ثم لا يبلغ بنا ذلك ما نريد من تعويد الشباب أن يتخذوا اللغة العربية الصحيحة وسيلة عملية يؤدون بها ما يؤدى من الأغراض في غيرها من اللغات الحية، لأنّ الشباب لا يتعلمون هذه اللغة، كما يتعلم الشباب في الأمم الأخرى لغتهم. فهم لا يسمعونها في البيت، ولا في البيئة التي تحيط بهم، ثم هم لا يسمعونها في المدرسة إلاَ أثناء دروس اللغة العربية ولعلهم أثناء هذه الدروس لا يسمعونها خالصة من كل شائبة، مبرأة من كل عيب، منزهة عن هذا الفساد الذي يصيبها من إهمال المعلمين، وإيثارهم للراحة، وتيسيرهم على أنفسهم وعلى تلاميذهم باستعمال اللغة العامية أحياناً.

فأما أثناء درس العلوم الأخرى التي يتلقونها في المدارس فهم إنما يسمعون اللغة العامية مشوبة بين حين وحين بشيء من محاولة الإعراب والإفصاح.

وما دامت اللغة العامية هي لغة التخاطب في البيت، وخارج البيت، وهي لغة التعليم في أكثر ما يلقى في المدرسة من الدروس، فستظل هذه اللغة العامية هي اللغة الحية الأساسية، وستظل اللغة العربية الصحيحة لوناً من ألوان الترف لا يأخذ الشاب به نفسه إلا حين يضطر إلى ذلك اضطرارَاً. وليس بغية أن يوفق إلى إجادته أو لا يوفق، ونحن نعلم أن لا سبيل الآن إلى جعل اللغة العربية الصحيحة لغة البيت أو لغة البيئة المصرية بوجه عام، ولكنا نعلم أن من الممكن بل من الواجب أن نجعل اللغة العربية الصحيحة لغة التعليم في المدارس.

وسبيل ذلك أن نفرض هذه اللغة على المعلمين فيما يلقون على التلاميذ من دروس، وفيما يسوقون إليهم من حديث، وأن يكون ذلك موضوعاً للتفتيش والمحاسبة، فلا يخلى بين المعلم وبين هذه اللغة العامية، يصطنعها مع التلميذ منذ يلقاه إلى أن يفارقه، ذلك أحرى أن ينفع المعلم نفسه فيصحح تفكيره، ويربي ذوقه، ويقوم لسانه، وهو من غير شك خليق أن ينشئ التلميذ على معرفة اللغة، وإتقانها، والقدرة على التصرف فيها.

وما نشك في أن أمام الوزارة في هذا السبيل أشياء تستطيع أن تحققها، فهي تستطيع أن لا تأذن بتوزيع الكتب الدراسية على الطلاب إلاَ إذا استيقنت أنها بريئة من الفساد اللغوي، بفرضها دقة التفتيش من هذه الناحية، وأن تمد هذا التفتيش بحيث لا يصبح مقصوراً على معلمي اللغة العربية، بل يتناول المعلمين جميعاً ما داموا يعملون بهذه اللغة، ونحن نعلم أن هذا قد يبدو غريباً، ولكن لابد مما ليس منه بد.

وما دام من المحقق أن المعلمين يهملون اللغة العربية في درسهم وحديثهم إلى التلاميذ طوعاً أو كرهاً فلا بد من صرفهم عن هذا الإهمال وتنبيههم إليه، ولومهم عليه إن وقعوا فيه، ويجب أن نلاحظ إن الشاب الإنكليزي أو الفرنسي إنما يحسن لغته ويتقن النطق بها والتصرف فيها؛ لأنه يسمعها صحيحة في البيت وخارجه، ويسمعها صحيحة في المدرسة بنوع خاص.

فقد تتأثر لغة البيت ولغة الشارع ببعض اللهجات العامية، وقد يكون لهذا تأثير في لغة التلميذ ولكن المحقق أن اللغة الصحيحة وحدها هي المسيطرة على التعليم الحديث داخل المدرسة.

والشاب الفرنسي أو الإنكليزي لا يسمع اللغة الصحيحة في درس اللغة الإنكليزية أو الفرنسية وآدابها فحسب، ولكنه يسمعها في درس التاريخ والجغرافية ودرس الطبيعة والكيمياء، وفي درس الرياضة أيضاً.

ونحن نعلم أن الوزارة ستجد في هذا مشقة إن حاولته، وإن المعلمين سيضيقون به وسيجدون فيه جهداً وحرجاً، ولكن من أراد الغاية سلك إليها سبلها وابتغى
إليها وسائلها.

ومن المحقق إن آمنت بهذه الفكرة فلن يعجزها الوصول إلى تحقيقها شيئاً فشيئاً، وهي منتهية من غير شك إلى تكوين المعلمين الذين يحسنون الأداء باللغة العربية الصحيحة، ولاسيما إذا فرضت إتقان اللغة العربية على كل من يتهيأ للتعليم، وجعلت هذا الإتقان شرطاً أساسياً لإسناد منصب المعلم إلى أي شاب مهما تكن المادة التي يتخصص فيها ويتهيأ لتعليمها.

2- وهناك أمر آخر لا ترى اللجنة بداً من الوقوف عنده، والإلحاح فيه، وقد دعا إليه غير واحد من المصلحين والمفكرين في شؤون التعليم.

وهو أن يمكن الصبية وقتاً من الفراغ للغتهم والانقطاع لها بحيث لا تزاحمها على عقولهم وأذواقهم وذاكرتهم لغة أجنبية.

ومعنى ذلك أن التعليم الابتدائي يجب أن يخلص للغة الوطنية، فلا يسمع الصبي في المدرسة الابتدائية غيرها، ولا يقرأ سواها، ولا يتعلم ولا يتكلم إلا بها.

وحسبه أن يبدأ تعلم اللغة الأجنبية حين يبدأ التعليم الثانوي، وهذا أحرى أن يبسط سلطان اللغة الوطنية على نفسه، ويخلص لها قلبه، ويتمكن من إتقانها إلى حد ما دون أن يضيع مقداراً عظيماً من الجهد في تعلم لغة أجنبية.

ومهما تكن الحاجة شديدة في مصر إلى معرفة اللغات الأجنبية فإنّ الحاجة إلى معرفة اللغة الوطنية أشد وأقوى، ونحن واثقون بأنّ من الأسباب القوية لضعف المصريين في اللغات الأجنبية نفسها، أنهم لا يحسنون لغتهم الوطنية.

وما من شك في أن إحسان لغة أجنبية يتأثر أشد التأثير بإحسان اللغة الوطنية، وتنظيم تفكير الشباب بها واستعماله لها.

ومهما تكن الحاجة إلى هذه اللغات الأجنبية فإن درسها في المدارس الثانوية، وفي كليات الجامعة، وفي المدارس الفنية الخاصة يجب أن يكفي وترد أعوام التعليم الابتدائي إلى اللغة العربية نفسها.

3- والقراءة الكثيرة المتنوعة من أشد المؤثرات في إتقان اللغة، وإحسان العلم بها، والتصرف فيها بشرط ألا يكره الصبي عليها إكراهاً ولا يؤخذ بها أخذاً، وإنما يقبل عليها إقبالاً، مصدره الرغبة والشوق إلى ما يقدم إليه الكتاب من لذة وإمتاع.

والتلاميذ والطلاب عندنا لا يقرؤون إلا ما تفرضه عليهم المدرسة فرضاً، وتحتمه البرامج والمناهج حتماً، فهم ينظرون إلى القراءة على أنها واجب يؤدى حيث لا يكون من أدائه بد، ويهمل حيث تتاح الفرصة لإهماله، لا على أنها لذة تبتغى، ومتعة يكون الشوق إليها والجد في تحصيلها، ومصدر هذا أن أدبنا الحديث فقير أشد الفقر إلى هذه الكتب التي تلائم طور الصبي وطور الشباب، وترضي حاجة الصبية والشباب إلى ما يمتع الخيال القوي، والمزاج الحاد، ويرضي العقل الناشئ، فإذا ألفت لهم الكتب فإنما تؤلف لهم كتب مدرسية أو كالمدرسية، يظهر فيها القصد إلى التعليم، أو يظهر فيها أخذهم بالواجب على حين يجب أن يختلس حبهم للقراءة اختلاساً، وألا يحملوا عليها حملاً وما لنا لا نسجل الحق وإن كان مؤلماً؟

فنقول: إن كتّابنا وأدباءنا المحدَثين لم يشرعوا إلى الآن بإنشاء الكتب الممتعة اليسيرة التي تلائم هذين الطورين من أطوار الحياة، أو هم لم يبلغوا بعد من البراعة الأدبية حظاً يمكّنهم من إنشاء هذه الكتب التي هي كثيرة متنوعة عظيمة الانتشار في البلاد الأخرى التي تفيد الصبية والشبان فائدة مضاعفة، فهي تثقفهم في كثير من فروع العلم والفن وألوان الحياة اليومية، وهي تعلمهم اللغة، وترقي ذوقهم، وتهيئهم تهيئة حسنة، لفقه الآثار الأدبية والفنية، وقد يكون من الخير أن تعمل الوزارة على اختيار طائفة من هذه الكتب التي تؤلف للصبية والشبان الناشئين، وتكلف من يترجمونها إلى لغة عربية، صحيحة سهلة، ذلك أحرى أنْ ينفع التلاميذ من جهة، ويثير في نفوس الكُتَاب والأدباء الرغبة في إنشاء مثلها، ولعله ينتهي إلى إحداث هذا الفن الجديد من فنون الأدب في لغتنا العربية.

4- وقد أطلنا في هذه الأشياء مع أنها ليست من جوهر المهمة التي كلفنا النهوض بها لنشير بما نرى أنه الخير من جهة، ولنسجل أننا على إكبارنا لخطر تيسير النحو والبلاغة، لا نغتر بأثر هذا التيسير، ولا نراه السبيل الوحيد إلى إحياء اللغة وإشاعتها، وتمكين التلاميذ من أن يمنحوها ما ينبغي أن تمنح اللغة الوطنية من الحب لها، والإقبال عليها.

وإنما هو سبيل من هذه السبل يجب أن نأخذ بأسبابه، ولكن يجب أن لا نكتفي به ولا نقصر جهدنا عليه.

وقد شرط علينا في القرار الوزاري، وشرطنا على أنفسنا أن لا ينتهي بنا حب التيسير إلى أن نمس من قريب أو بعيد أصلاً من أصول اللغة أو شكلاً من أشكالها، وإنما أخذنا أنفسنا بتيسير القواعد، والأصول، بحيث نقربها من العقل الحديث، ونلائم بين علوم اللغة العربية وبين ما بلغته العلوم الأخرى من التطور والرقي، فلن يكون من نتائج هذا التيسير أنْ يتغير وضع من أوضاع اللغة، أو يلغى أسلوب من أساليبها، أو يهمل استعمال من استعمالاتها، وإنما النتيجة التي طلبناها ونظن أننا وفقنا إليها نوعاً ما هي أنْ يكون النحو اليسير أقدر على تمكين التلميذ من فهم أوضاع اللغة وأساليبها واستعمالاتها، ومن التصرف فيها عن بصيرة وذوق لاعن تقليد ومحاكاة في الطبع.

بل حرصنا على أكثر من هذا بألا نعدل عن القديم لأنه قديم، ولا نغير
فيما اتفق عليه النحاة من القواعد والأصول، إلا بمقدار حين لا يكون من
هذا التغيير بد.

وقد اجتهدنا في أن نتلمس من مذاهب النحاة القدماء ما عسى أن يكون أقرب إلى العقل الحديث وأيسر على الناشئين. فنأخذ به ونضعه مكان المذهب المشهور الذي قد يجد المعلمون والمتعلمون فيه من الجهد والمشقة ما يمكن أنْ يتخفف منه دون أنْ ينشأ عن ذلك شر قليل أو كثير، وقد لاحظنا أن أهم ما يعسر النحو على المعلمين والمتعلمين ثلاثة أشياء:

1. فلسفة حملت القدماء على أن يفترضوا، ويعللوا، ويسرفوا في الافتراض، والتعليل.

2.  إسراف في القواعد نشأ عنه إسراف في الاصطلاحات.

3. إمعان في التعمّق العلمي باعد بين النحو وبين الأدب.

وقد حاولنا أن نخلص النحو من هذه العيوب الثلاثة.

فبرأناه من الفلسفة ما وسعنا ذلك، ومحونا منه الافتراض والتعليل اللذين لا حاجة إليهما.

وقاربنا بين أصوله وقواعده، فضممنا بعضها إلى بعض كلما وجدنا إلى ذلك سبيلاً، واكتفينا بالأمثلة في كثير من الأحيان، وأعرضنا عن تفسير العلل والإمعان في التأويل.

وهذا كله حملنا على أن نعدل عن تعليم الصرف من حيث هو علم فقد رأينا أنه بفقه اللغة أشبه، وأنّ دراسته المستقصاة أحرى بالذين يفرغون لتعمق اللغة العربية وعلومها، فأخذنا من أحكامه ما لم نجد منه بداً ويسرناه تيسيراً وأشعناه فيما يلائمه من أبواب النحو.

5- وأما البلاغة فأمرها أيسر من ذلك، فقد استطاع العرب أنْ يستغنوا عنها ويعيشوا بدونها عصراً طويلاً هو من أزهى عصور الحياة الأدبية وأروعها، وقد عدلت عنها الأمم الحديثة في تعليم لغاتها وآدابها عدولاً تاماً فلم يصبها من ذلك شرّ ما، ومع ذلك لم نعدل عنها ولم نطلب إلغاءها، وإنما رددناها إلى أصلها وجعلناها فصلاً من فصول الأدب، ووسيلة من وسائله، وألغينا منها ما لا صلة بينه وبين الحياة الأدبية، وأضفنا إليها أبواباً بحث عنها القدماء من النقاد في إجمال، ويبحث عنها المحدَثون في كثير من التفصيل.

وقد أهملت البلاغة في المكاتبات الرسمية العربية إهمالاً تاماً.

ونحن نرى أنّ درس هذه الفصول الأدبية التي نسميها البلاغة سيعين الطلاب على أن يتذوقوا الأدب ويفهموه على وجهه ويصلوا بين ما يقرؤون وما يجدون.

6- وبعدُ فإنّ اللجنة ترى أنّ الأناة أوجب شيء في كل ما يتصل بشؤون التعليم، ولاسيما فيما يتصل بالمناهج والبرامج، والمواد التي تعلم للشباب، فيحسن بل يجب أنْ لا ينالها التغيير إلا بعد البحث والاستقصاء، والتثبت والاستعداد للمستقبل، ومهما يكن ظننا حسناً بهذا الإصلاح الذي نقترحه، فإنّا نريد أن تتأنى الوزارة في الأخذ به، وأنْ تهيء لذلك أسبابه، وأيسر هذه الأسباب أن يتعوّده المعلمون، ولا يقبلوا على تعليمه للطلاب إلا بعد أن يثقفوه ويسيغوه ويتمثلوه، والسبيل إلى ذلك فيما نعتقد أن يؤلف كتاب لهم في هذا النحو الميسر، وكتاب في هذه البلاغة الجديدة على أن يكون كل من هذين الكتابين مفصلاً لا يحجم عن المناقشة والاستدلال فيما ذهب إليه من التيسير. فإذا أذيع هذان الكتابان في المعلمين وغيرهم من المثقفين وأثيرت حولهما المناقشات وثبتا لها وانتصرا عليها أمكن أن تقبل الوزارة على تعليم النحو والبلاغة على هذا النظام الجديد، وأن تغير المناهج والبرامج وأنْ تضع الكتب المدرسية طبقاً له.

اقتراحات اللجنة في النحو والصرف

]باب الإعراب[

الإعراب التقديري:

 ترى اللجنة وجوب الاستغناء عن الإعراب التقديري، والإعراب المحلي فإنّ مثل: ]الفتى[ يعرب بحركات مقدرة على أخره منع من ظهورها التعذر.

ومثل: ]القاضي[ تقدر فيه حركتا الرفع والجر، ويقال: منع من ظهورها الثقل، ومثل: ]غلامي[ تقدر فيها الحركات الثلاث ويقال منع من ظهورها حركة المناسبة.

وفي تقدير الحركات، وفي الإشارة إلى سبب التقدير مشقة يكلفها
التلميذ من غير فائدة يجنيها في ضبط كلمة أو في تصحيح إعراب، كذلك
الإعراب المحلي.

فمثل ]هذا، هدى[ هذا: مبني على السكون في محل رفع.

ومثل ]يا هذا[ هذا: مبني على ضم مقدر منع منه سكون البناء الأصلي في محل نصب.

وكذلك ]يا سيبويه[ مبني على ضم مقدر منع من ظهوره حركة البناء الأصلي في محل نصب.

وهذا عناء مضاعف وجهد بلا مبرر، واللجنة ترى أن يُستغنى عن الإعراب التقديري والمحلي في المفردات وفي الجمل، ويوفر على التلميذ والمعلم والعلم هذا العناء.

العلامات الأصلية للإعراب والعلامات الفرعية

جعلت بعض علامات الإعراب أصلية، وبعضها فرعية فتنوب الحروف عن الحركات، وتنوب الحركة عن الحركة في أبواب معدودة معروفة ويعرب ]الزيدان[ مرفوعاً بالألف نيابة عن الضمة و]مسلمات[ منصوباً بالكسرة نيابة عن الفتحة.

ولا ترى اللجنة هذا التمييز ولا تلك النيابة، بل تجعل كُلاً في موضعه أصلاً، وتقسم الاسم المعرب إلى الأقسام التالية:

1. اسم تظهر فيه الحركات الثلاث وهو أكثر الأسماء.

2. اسم تظهر فيه الحركات الثلاث مع مدها مثل الأسماء الخمسة.

3. اسم تظهر فيه حركتان، ضم وفتح وهو الممنوع من التنوين.

4. اسم تظهر فيه حركتان، ضم وكسر وهو الجمع بألف وتاء.

5. اسم تظهر فيه حركة واحدة وهي الفتح، وهو ما آخره ياء لينة ]المنقوص[.

6. اسم تظهر فيه ألف ونون أو ياء ونون- وهو المثنى.

7. اسم تظهر فيه واو ونون أو ياء ونون - وهو المجموع بهما. ويستغنى بهذا عن الإعراب التقديري وعن القول بنيابة علامة عن أخرى.

ألقاب الإعراب والبناء

جعل النحاة لحركات الإعراب ألقاباً ولحركات البناء ألقاباً، فحركات الإعراب: الرفع، والنصب، والجر، والجزم، وحركات البناء: الضم، والفتح، والكسر، والسكون، وعلى هذا ]فمحمد[ مرفوع، و]قبل[ مضموم، و]محمداً[ منصوب، و]الآن[ مفتوح.

وهذه التفرقة دعتهم إليها الدقة بل الإفراط في الدقة، والسخاء في الاصطلاحات، ومن النحويين من لم يلتزم هذه التفرقة، واستعمل ألقاب نوع في غيره. وترى اللجنة أنْ يكون لكل حركة لقب واحد في الإعراب، وفي البناء وأنْ يكتفى بألقاب البناء.

الجملة

تتألف الجملة من جزءين أساسيين، ومن تكملة تذكر حين يحتاج إليها، وقد يستغنى عنها تبعاً لغرض المتكلم، ولما يريد أنْ يعرب عنه. وعلى هذا التقسيم رتّبت اللجنة أبواب النحو.

تسمية الجزءين الأساسيين

كان أمام اللجنة أنْ تسمّيها بالأسماء الآتية:

أولاً: مسند إليه ومسند، كما اصطلح علماء البلاغة، وكما عبّر بعض علماء النحو قديماً منذ سيبويه.

ثانياً: -الموضوع والمحمول- كما اصطلح علماء المنطق.

ثالثاً: الأساس والبناء.

رابعاً: المحدَّث عنه والحديث. والأخيران اصطلاح جديد قد يكون أوضح في معناه. وقد عرضت اللجنة هذه الأسماء ثم فضلت اصطلاح المناطقة وهو:

 الموضوع والمحمول لأنه أوجز ولأنه لا يكلفنا اصطلاحاً جديداً.

أحكام إعرابهما

الموضوع: هو المحدَّث عنه في الجملة، وهو مضموم دائماً إلا أن يقع بعد إنّ أو إحدى أخواتها.

والمحمول: هو الحديث، وهو الركن الثاني من ركني الجملة.

(أ) ويكون اسماً فيضم، إلا إذا وقع مع كان، أو إحدى أخواتها فيفتح.

(ب) ويكون ظرفاً فيفتح.

(ج) ويكون فعلاً، أو مع حرف من حروف الإضافة، أو جملة ويكتفى في إعرابه ببيان أنّه محمول.

الترتيب بين الموضوع والمحمول

 الجملة العربية مرنة في الترتيب طيعة، فلا تلزم أحد الركنين موضعاً واحداً، وقد ساعدتها تلك المرونة على أداء معان خاصة دقيقة. وإنما يغلب أنْ يتأخر الموضوع فيما يأتي:

(أ) إذا كان المحمول فعلاً.

(ب) إذا كان الموضوع نكرة.

المطابقة بين الموضوع والمحمول

أولاً في النوع: إذا كان الموضوع مؤنثاً كان في المحمول علامة التأنيث.

ثانياً في العدد: إذا كان المحمول متأخراً لحقته علامة العدد التي توافق الموضوع، وإذا كان متقدماً لم تلحقه، فيقال: ]الرجال قاموا[ ]وقام الرجال[.

وعلامة العدد التي تلحق الفعل هي في الجمع الواو للذكور، والنون للإناث، وفي المثنى الألف لهما، وفي المفرد التاء للواحدة، وتأخذ اللجنة في ذلك برأي ]الإمام المازني[([5]) القائل إنها علامات لا ضمائر.

وبهذا النحو من تقسيم الجملة إلى موضوع، ومحمول، واعتبار إشارات العدد علامات، لا ضمائر يسّرت اللجنة الإعراب، وقللّت الاصطلاحات، وجمعت أبواب ]‎الفاعل[، ]‎والمبتدأ[ ]واسم كان‎[، ]‎واسم أن‎[، في باب الموضوع، وجمعت أبواب ]خبر المبتدأ‎] [‎‎وخبر كان[، ]وخبر أن‎[، في باب واحد هو المحمول، وخففت عن المعلمين، والمتعلمين بردّ ]باب ظن[ إلى الفعل المتعدي.

متعلق الظرف وحروف الإضافة

يقسم النحاة هذا المتعلق إلى قسمين:

الأول: متعلق عام كمتعلق ]زيد عندك أو في الدار[، ويقدرونه ]كائن أو استقر[، وهو عندهم واجب الحذف ويعربونه هنا خبراً.

الثاني: متعلق خاص، ولا يفهم الكلام إذا حذف، مثل ]أنا واثق بك[ والخبر هو المتعلق، والظرف فضلة. وترى اللجنة أنّ المتعلق العام لا يقدر، وأنّ المحمول في مثل: ]زيد عندك أو في الدار[ هو الظرف، أما النوع الثاني فهو كما قرر النحاة المتعلق هو المحمول، والظرف تكملة، ويجيء إعرابه فيما بعد.

باب الضمير

 من أصول اللجنة أن تلغي الضمير المستتر جوازاً، أو وجوباً فمثل: ]زيد قام[ الفعل هو المحمول، ولا ضمير فيه، وليس بجملة كما يعده النحاة، وهو كمثل: ]قام زيد[ ومثل: ]الرجال قاموا[ الفعل محمول، اتصلت به علامة العدد ولا يعد جملة ومثل: ]أقوم[، و]نقوم[ مما يقدر فيه الضمير مستتراً وجوباً الفعل محمول، والهمزة، أو النون إشارة إلى الموضوع أغنت عنه، وكفى ذلك في إعرابه.

الضمير المتصل البارز منه الدال على العدد، وقد أعد إشارة لا ضميراً، واتبع فيه مذهب المازني، وغير الدال على العدد مثل ]‎قمتَ[، أو ]‎قمتِ[، و]‎قمتم[، الضمير موضوع، والفعل قبله محمول، وإذا ذكر مع المتصل ضمير منفصل فهو تقوية له مثل ]قمت أنا[ أو ]أنا قمت[.

باب التكملة

كل ما يذكر في الجملة غير الموضوع، والمحمول فهو تكملة، وحكم التكملة أنها مفتوحة أبداً إلا إذا كانت مضافاً إليها، أو مسبوقة بحرف إضافة.

أغراض التكملة

وتجيء التكملة لبيان الزمان أو المكان، ولبيان العلة، ولتأكيد الفعل، أو
بيان نوعه، ولبيان المفعول، أو لبيان الحالة أو النوع، وبذلك جمعنا كثيراً من
الأبواب كالمفاعيل، والحال، والتمييز تحت اسم واحد، وهو التكملة دون أن نضيع غرضاً.

باب الأساليب

في العربية أنواع من العبارات تعب النحاة كثيراً في إعرابها، وفي تخريجها على قواعدهم، مثل ]التعجب[ فله صيغتان هما ]ما أجمل زيداً[ و]أجمِلْ بزيد[، والمعروف خلاف النحاة في إعرابها، وعناء المعلمين والمتعلمين في شرحها وفهمها.

وقد رأت اللجنة أن تدرس هذه على أنها أساليب يبين معناها واستعمالها، ويقاس عليها.

أما إعرابها فسهل ]ما أحسن[ صيغة تعجب، والاسم بعدها المتعجب منه مفتوح و]‎أحسن] صيغة تعجّب أيضاً، والإسم بعدها مكسور مع حرف الإضافة، ومثل هذا التحذير والإغراء كما في ]النار[ أو ]إياك النار[ أو [النار النار] هو أسلوب، والاسم فيه مفتوح، والاسمان مفتوحان أيضاً، وإنما توجه العناية في درس هذه الأساليب إلى طرق الاستعمال، لا بتحليل الصيغ، وفلسفة تخريجها، وقد جمعت أمثال تلك العبارات، لتدرس على هذا الوجه.

اقتراحات اللجنة في الصرف

أشارت اللجنة من قبل إلى ما ترى في علم الصرف، وأن أكثر مسائله من بحوث فقه اللغة التي لا يحتاجها البادي بل لا يصل إليها فهمه، كالإعلال، والإبدال، والقلب، وتنقل الكلمة في موازين مختلفة حتى تصل إلى هيأتها في النطق فرأوا في مثل ]قال[ إنه محوّل من ]قول[ و]خاف[ من ]خوف[ و]باع[ من ]بيع[.

وأمثلة هذا كثيرة غالبة على علم الصرف، وليس للبادي بها حاجة وإنما يحتاجها من يروم التفقه في تصريف اللغة وتكوينه.

وقد رأت اللجنة أن تخفف عن التلميذ عناء هذا كله، ويؤخر درسه إلى محله في معاهده المتخصصة للغة وفقهها وتاريخها، واقتصرت على الأبواب العربية من تصريف الفعل، وصوغ مشتقاته، وتثنية الاسم وجمعه، على أن يعلم التلميذ الصيغ المختارة بالأمثلة الكثيرة، ولا يكلف معرفة شيء مما يراه الصرفيون في أصول الكلمات وتقلبها في الهيآت المختلفة.

ونسرد فيما بعد أبواب النحو والصرف مجملة، كما رأت اللجنة درسها تحقيقاً لما أريد من التيسير.

أبواب النحو والصرف

]أحكام الكلمة[

تقسم الكلمة إلى اسم، وفعل، وحرف.

الاسم: تقسيمه إلى مذكر، ومؤنث، وعلامات التأنيث، وتقسيمه إلى ما آخره حرف صحيح، وما آخره حرف لين ألف، أو ياء، وتقسيمه إلى، مفرد، ومثنى، وجمع.

طريق التثنية ما آخره ألف تقلب ياء دائماً إلا في كلمات لا تتجاوز العشرين، المشهور منها: ]الجدا، الحجا، الحفا، الخنا، الرضا، العصا، الصبا، الفرا، القفا[.

وما آخره همزة قبلها ألف ]كبناء[ تبقى همزته إلا إذا كانت للتأنيث فتقلب
واواً.

طريقة جمع الاسم بالألف، والتاء، وبالواو، والنون، أو الياء، والنون - أمثلة من جمع التكسير.

تقسيم الاسم إلى منكر، ومعرف.

أنواع المعارف، الاسم المصغر ]الثلاثي، والرباعي فقط[ المنسوب إليه ]أكثر أحكام النسب دوراناً في الكلام[.

المعرب والمبني، أنواع الإعراب ]كما تقدّم بيانه[.

المبنيات: أسماء الإشارة، والموصولة، والاستفهام، والشرط.

الفعل: تقسيمه إلى ماضٍ، ومضارع، وأمر- تمرين في تصريف الأفعال - إشارة إلى الأفعال القليلة التي لا تصرف.

المجرد، والمزيد ]الحرف المزيد، والحرف الأصلي[ تقسيم الأفعال إلى صحيح، ومعتل ]تذكر أمثلة تبين أنواع المعتل، ولا تذكر الأسماء الاصطلاحية لكل نوع[ تمرين في اتصال الفعل على اختلاف أنواعه بالضمير.

المبني للمجهول،ومعناه وطريق صوغه. الناقص، والتام، واللازم، والمتعدي. المبني، والمعرب - ]إعراب المضارع[.

المشتقات

اسم الفاعل صوغه، واستعماله، قد يجيء على غير الأمثلة القياسية ليدل على المبالغة أو الصفة الثابتة، وبهذا تدمج الصفة المشبهة وصيغة المبالغة في باب اسم الفاعل.

اسم المفعول، أمثلته وطرق إستعماله، اسم الزمان والمكان والآلة.

المصدر

أمثلة من مصدر الثلاثي، وأخرى لغير الثلاثي، طرق استعمال المصدر.

أحكام الجملة

المحمول والموضوع، إعرابهما، الترتيب بينهما، المطابقة بينهما. الموضوع ظاهر وضمير بارز.

المحمول اسم، وفعل، وظرف، وجملة.

تكملة الجملة، إعرابها، أغراضها.

تكملة المفرد، التوابع، أحكام العدد.

الأساليب:

الاستفهام، النفي، التوكيد، القسم، التعجب، التفضيل، نعم وبئس، النداء، الاستثناء التخصيص، التحذير، والإغراء.

الجملتان:

الشرط وجوابه، أدوات الشرط ومعانيها، واستعمالها مع السكون وبدونه.

القسم وجوابه، تأكيد الفعل بالنون.

الجملة الفرعية:

قد تكون محمولاً، تكملة، نعتاً، صلة، ويجب أنْ يفرّق هنا بين الجملة، والفعل وحده؛ لأنه قد عد من المفرد.

أبواب البلاغة

(أ) معنى البلاغة، الغرض منها.

(ب) الأسلوب: معناه، اختلاف الأساليب، باختلاف الكتاب، والشعراء، نماذج من أساليب مختلفة كابن المقفع، والجاحظ، وبديع الزمان، وابن خلدون، وبعض المحدَثين من الكتاب. وكبشّار، وأبي تمام، وابن الرومي، وبعض المحدثين من الشعراء، الإيجاز، والإطناب، والمساواة، الفرق بين الأسلوب الأدبي، والأسلوب العلمي.

(ج) أهم الموضوعات الأدبية.

1. الوصف: شروط جودته، استعراض لوصف جيد، ووصف غير جيد وبيان أسباب ذلك.

2. المقالة: معناها، شروط جودتها، نماذج منها.

3. القصة: معناها، أنواعها، شروط جودتها، نماذج منها.

4. الخطابة: معناها، شروط جودتها، نماذج منها.

5. تراجم الأشخاص: شروط جودتها، نماذج منها.

(د) الشعر، والنثر، والفرق بينهما:

الشعر، شرح لمعنى البيت، والقصيدة والقافية، إلمامة بمعنى الوزن في الشعر، لغة الشعر، خياله، موضوعاته، أوصاف الشعر الجيد.

النثر، لغته، موضوعاته، أوصاف النثر الجيد.

(هـ) الكلمات: بم تفضل كلمة في الموضوع الواحد؟

دقة استعمال الكلمة، جمالها، ملاءمتها لموضوعها، دلالتها بالوضع، والالتزام ]‎يراد بالدلالة بالوضع معنى الكلمة كما تدل عليه المعاجم، وبالالتزام تأثر الكلمة بما حولها من معانٍ، وجو، ونحو ذلك[.

الجملة

تقسيمها إلى خبر، وإنشاء.

وأغراضهما البلاغية: التقديم، والتأخير، الفصل.

الفقرة معناها، علاقة الفقرة بالموضوع، علاقة الفقرة بعضها ببعض.

وحدة الموضوع، في الشعر، في المقالة، في الرواية.

التشبيه والاستعارة، معناهما، الفرق بينهما، متى يحسنان؟

الكناية معناها، متى تحسن؟

نماذج كثيرة من التشبيه، والاستعارة، والكناية، ونقدها.

المحسّنات البديعية، نماذج منها، متى تحسن؟ ومتى لا تحسن من ناحية الكم؟

طه حسين

أبو بكر إبراهيم

احمد أمين

إبراهيم مصطفى

علي الجارم

عبد المجيد الشافعي

 

وقد تم نقد هذه الاقتراحات من قبل علماء النجف الأشرف أمثال الشيخ محمد جواد الجزائري (3)، والشيخ محمد رضا كاشف الغطاء (4)، والأستاذ عبد الرزاق محي الدين، والأستاذ محمد صالح شمسة (5)، ومنهم سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء (6)، بعد أن بعثت اللجنة المذكورة تقريرها المتقدم إلى وزارة المعارف العراقية، وكان بعد نشره بخمسة عشر يوماً في صحيفة العراق ظهر على صفحات العراق المذكورة نقد سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء.

وإليكم ما جاء في الصحيفة المذكورة بتاريخ 29/ج1/1357
والموافق 28/7/1938م.

 ]لقد قامت اللجنة المصرية بمهمة إصلاح الدراسة العربية، وتيسير قواعدها، وهذا لاشك أنه صنعة تشكر عليها، إلا أنه لما كانت اقتراحاتها لا تخلو عن بعض الملاحظات أردنا التنبيه عليها كي لا تخفى الحقيقة على طلابها[.

تيسير قواعد النحو

إنّ ما سلكته اللجنة في تيسير القواعد النحوية لتسهيل دراستها لم يكن إلا تكثير اصطلاح، وزيادة تكلّف وعناء في هذه الدراسة حيث أنه يرجع إلى أمور ثلاثة:

  1. حذفُ بعض المطالب النحوية. كمبحث الإعراب التقديري، ونيابة بعض العلامات الإعرابية عن بعض، ومتعلق الظرف، واستتار الضمير، وسيجيء التعرض لهذه الأمور، وبيان الفائدة التي تعود للطالب من دراستها.
  2. اختصارهم لأبواب النحو بالتعبير بلفظ ]الموضوع[، بدل الفاعل، والمبتدأ، واسم كان، واسم إن، وأخواتهما، والتعبير بلفظ ]المحمول[ بدل خبر المبتدأ، وخبر إن، وكان، وأخواتهما، والتعبير بلفظ ]تكملة الجملة[ عن المفاعيل، والحال، والتمييز، وبلفظ ]تكملة المفرد[ عن التوابع، وجعلوا الأحكام مرتبة على هذه العناوين الثلاثة، وليس بخفي أنه بهذا الاختصار لا يستغنى عن البحث عن أبواب المواضيع المذكورة، لاختصاص كل منها بأحكام لا توجد في غيرها.

فما اصطلحت اللجنة على التعبير عنه بالموضوع، كالفاعل، والمبتدأ، واسم إن، واسم كان، يختصّ كل منها بأحكام لا يتضح للطالب ثبوتها لذلك الموضوع إلا بالتعبير عنه بلفظ يخصّه دون التعبير عنه بلفظ الموضوع، أو غيره من الألفاظ المشتركة بينه، وبين غيره، فالمبتدأ مثلاً يختص بوجوب مطابقة المسند إليه، سواء تقدم عليه أو تأخر بدخول لام الابتداء، والنواسخ عليه، وبتوسطها بينه وبين المسند إليه، وبوجوب حذف المسند إليه في بعض الموارد، وبعدم وقوعه نكرة محضة إلى غير ذلك من الأحكام المختصة بخلاف فاعل الفعل، فإنه ليس كذلك، وهكذا الحال في اسم ]لا[ النافية للجنس، فإنه يختص بأحكام منها اشتراط كونه نكرة، ومتصلاً بها دون ما عداه، وهكذا الحال في ]اسم إنّ[ أيضاً فإنه يختص بنصب المعطوف عليه، ورفعه دون المبتدأ.

ومن المعلوم أنّ بيان هذه الأحكام يحتاج إلى التعبير عن موضوعاتها بلفظ مختص بها، إما أن يكون اللفظ الذي وضعه النحاة، وإما غيره، ولا يكفي التعبير لتفهيم الطالب بالألفاظ العامة حيث يختلط عليه الحال، ويشكل عليه الأمر، وأما ما اصطلحت اللجنة على التعبير عنه بلفظ ]المحمول[ فالأمر فيه كذلك، حيث أن خبر كان يختص بجواز التوسط بين كان، واسمها مع بقائها على العمل، وتقدمه عليها خلافاً لخبر ]إن[، وكذا خبر ]ما[، و]لا[ ويشترط عدم اقترانه ]بإلا[ دون ما عداه، وهكذا خبر أفعال المقاربة يشترط فيه أن يكون جملة فعلية فعلها مضارع، ومسند إلى ضمير اسمها إلى غير ذلك مما اصطلحت اللجنة على تسميته محمولا.

فإنّ هذه الموارد لا بد لذهنية المتعلم من تركيزها فيها بلفظ يخصها حتى يسهل عليه إعمالها وقت الحاجة، ويستثمرها عند الإرادة.

وأما ما اصطلحت اللجنة على تسميته ]بالتكملة[ الحال فيه أيضاً كذلك؛ إذ أن المفعول المطلق يختص بكونه مبيناً للنوع، أو العدد، أو التأكيد، ويقوم مقامه بعض الأمور دون المفعول به، والمفعول لأجله يشترط أن يكون العامل به من غير لفظه وعلة لعامله، ويجوز جره بحرف التعليل في بعض الموارد، ويجب في بعض آخر دون المفعول المطلق، والمفعول فيه يحذف عامله وجوباً، وفي موارد لا يجب فيها حذف عامل غيره من المفاعيل، والتمييز يشترط فيه أنْ يكون مفرداً، بخلاف الحال إلى غير ذلك من الموارد التي اصطلحت اللجنة على تسميتها تكملة، فإنه لابدّ من التعبير عنها بلفظ يخصها في مقام بيانها، ولو صحّ الاختصار حتى مع إخلاله بالمقصود لصح لنا التعبير عن الجميع بلفظ الكلمة ونحوها، فليس هذه الاصطلاحات من النحاة، إلا لإيضاح الحال، وإزالة الإجمال.

  1.  إهمال إعراب بعض الأساليب العربية كالتعجب، والإغراء، والتحذير، وقد خفي على اللجنة أن البحث عن إعرابها إنما هو لأجل تفهيمها، كي لا يبقى الطالب حائراً في المراد من مفرداتها، ومركباتها، مع أنه في بيان إعرابها تترتب آثار نحوية، فإنه على تقدير إسمية ]أحسن[ في ((ما أحسنه)) يصح اتصاله بياء المتكلم، بدون نون الوقاية، وتصغيره بخلاف ما إذا كان فعلاً ماضياً، وكذا يصح التحذير بمثل ]إياك الأسد[ ونحوه من دون عطف الأسد ولا جره بمن على تقدير أن يكون العامل في ]إياك[ فعلاً متعدياً إلى اثنين، ولا يصح ذلك على تقدير أن يكون العامل فيها فعلاً متعدياً لواحد، هذا مع إهمال اللجنة لبعض أبواب النحو، والصرف مع ماله من الأهمية في اللغة العربية، كباب الحكاية، وباب الوقف، وباب الإدغام، وغير ذلك، وذكرهم لبعض الأبواب مع عدم التعرض لما يلزم دراسته فيها، وكان الأولى لهم أن يتعرضوا لما يجب دراسته من الأبواب النحوية، والصرفية، والترتيب في الدراسة بينها، ومقدار ما يلزم أن يدرس من القواعد في كل باب من تلك الأبواب، وجمع تلك القواعد في قاعدة واحدة مهما أمكن الجمع.

مقترحات اللجنة في النحو

وحيث قد اتضح لك أيها القارئ الكريم عدم الجدوى فيما سلكته اللجنة، لتسهيل تعلم النحو، أردنا أنْ نوقفك على بعض الأخطاء في مقترحاتها، تتميماً للفائدة، وإيضاحاً للحقيقة.

باب الإعراب:

من مقترحات اللجنة، وجوب الاستغناء عن الإعراب التقديري، والإعراب المحلي، لأن تعلّم ذلك يوجب مشقة على التلميذ من غير فائدة يجتبيها، ولكن المتأمل في أبواب النحو، يرى وجوب اطلاع التلميذ على هذا الأمر، حيث إنّ العطف، والنعت، وغير ذلك من التوابع لا تظهر عليها إلا حركة الإعراب التقديري، فيما إذا كانت تابعة لما قدر فيه الإعراب، كالمقصور، والمنقوص، ولا تظهر عليها إلا حركة الإعراب المحلي، فيما كانت تابعة للمبني، وتظهر عليها حركة البناء المقدر، فيما كانت تابعة للمنادى المفرد المعرفة، المقدر عليه حركة البناء، فلو أهمل مبحث الإعراب التقديري، أو المحلي لوقع المتعلم في هذه الموارد في هوة الغلط والاشتباه، وخبط خبط عشواء.

العلامات الأصلية للإعراب والعلامات الفرعية

ومن مقترحات اللجنة عدم نيابة بعض علامات الإعراب عن بعض، وإنّ كلاً منها في موضوعه أصلاً برأسه، وليس بخفي أنّ غرض النحاة بالنيابة هو تفهيم الطالب أنّ مثل الواو في جمع المذكر السالم تغني عن الضمة، ولا ينطق بالضمة معها، وليس مرادهم بالنيابة المعنى الحقيقي لها، كما صرحت به كتبهم المطولة، وأشارت إليه كتبهم المختصرة، ومن المعلوم أن هذا أمر يحتاج الطالب إلى معرفته، والاطلاع عليه سوى أنْ عبّر عنه بلفظ النيابة أو غيرها.

الجملة:

من مقترحات اللجنة تقسيم الجملة إلى جزأين أساسيين، وتكملة، وتسمية الجزأين الأساسيين بالموضوع، والمحمول، وتعريف الموضوع: بأنه المحدَّث عنه.

والمحمول: بالحديث، ومن المعلوم فساد هذا التعريف لعدم صدقه على جزأي الجملة الإنشائية؛ إذ ليس هناك حديث، ولا محدّث عنه، بل ولا يصدق على جزأي جملتي الشرط، فيكون هذا التعريف مخرجاً لأغلب أجزاء الجملة العربية.

ومن مقترحاتهم أن الموضوع مضموم دائماً، إلا أنْ يقع بعد ]إن، أو إحدى أخواتها[، ولا يخفى أنه قد سبق اللجنة في مثل هذا الاختصار بعض النحاة، فقال: كل عمدة مرفوعة، إلا أنهم لم يعتمدوا على هذا الاختصار، لعدم استفادة الطالب منه فائدة تغني عن البحث عن حكم كل باب من أبواب المرفوعات، إذ إنه بأيّ معنىً فسّر الموضوع أو العمدة فالحكم بالرفع غير شامل لأفراده، ألا ترى أنّ تفسير الموضوع بالمحدّث عنه لا يصح الحكم بالضم عليه في جميع الموارد، لأنّ من المحدّث عنه ما يكون مجروراً ]بمن[ قياساً مطرداً، كما في صورة ما إذا كان نكرة واقعة بعد نفي، أو نهي، أو استفهام نحو ]هل من خالق غير الله[، ونحو ]ما جاءنا من بشير[، ومنه ما يكون فاعلاً للمصدر، فيجيء بإضافة المصدر إليه، نحو ]ولولا دفع الله الناس[، ومنه ما يكون منصوباً كزيد في مثل ]ضربت وضربني زيداً[ فإنه محدّث عنه بأنه أوقع الضرب على المتكلم مع أنه ينصب، لئلا يلزم الإضمار قبل الذكر، بل وفي مثل ]زيداً ضربته[ لأنه محدّث عنه في المعنى، مع أنه منصوب بفعل محذوف.

ومن مقترحاتهم: أن المحمول إذا كان اسماً يضم، إلا إذا وقع مع ]كان، أو إحدى أخواتها[، ولا يخفى أن هذا الحكم بهذه الصورة يوجب تردد الطالب فيما إذا وقع المحمول حالاً ]كراكب[ في قولنا ]جاء زيدٌ راكباً أبوه فرساً[، أو وصفاً لمنصوب ]كضارب[ مثل: ]رأيت رجلاً ضارباً أبوه عمراً[، أو صفة لمجرور ]كقاتل[ في قولنا: ]نظرت إلى رجل قاتل أبوه عمراً[، أو مفعول به ]كضرب[ في قولنا ]أردت ضرباً زيد خالداً[، فإنه لا يدري الطالب في هذه الموارد أيضم المحمول، أو يجري فيه ما سيجيء من حكم التكملة، وكان عليهم رفع الاشتباه.

متعلق الظرف وحرف الإضافة:

ومن مقترحات اللجنة: أنّ متعلق الظرف، وحرف الإضافة إذا كان عامّاً لا يقدر، وإنّ المحمول في مثل ]زيدٌ عندك أو في الدار[ هو الظرف، وهنا الاقتراح، وإنْ كان قد سبقهم فيه أكثر المحققين من النحويين كالرضي، وغيره صحيح من وجهين.

الأول: إن المحمول حسب ما عرفته اللجنة، هو الحديث ]وعندك وفي الدار] في المثال المذكور لم يكن هو الحديث عن زيد بل الحديث عنه هو الكون عنده، والكون في الدار.

الثاني: إنّه ليس المراد بتقدير شيء إلا أنّ المعنى لا يتم بدونه بحيث لو فرض عدمه لما صحّ الكلام، وفيما نحن فيه الأمر كذلك فلا وجه لتفهيم التقدير.

الضمير:

من مقترحات اللجنة إلغاء الضمير المستتر جوازاً، ووجوباً، وجعل الفعل المستتر فيه الضمير محمولاً مفرداً لا جملة، وهذا الاقتراح لا يمكنهم الالتزام به في صيٍغة الأمر [كبع وقم[، وإلا لزم تركب الجملة من جزء واحد، وهو خلاف ما ذكروه سابقاً من أن الجملة مركبة من جزأين أساسيين الموضوع، والمحمول.

ومن مقترحات اللجنة اعتبار أنّ الهمزة في مثل ]أقوم[ والنون في مثل ]نقوم[ إشارة إلى الموضوع بدل جعل الضمير فيها مستتراً.

وما أدري أي تسهيل في هذا الاقتراح على الطالب، ولو رجعت إلى وجدانك أيها القارئ الكريم لرأيت أن تفهيم المتعلم أن الضمير مستتر فيها أسهل من تفهيمه أن الهمزة والنون إشارة إلى الموضوع.

ومن مقترحاتها: أنّ الضمير في ]قمت[ و]قمتم[ غير دال على العدد، وإنه موضوع، والفعل محمول، وهذا الاقتراح لم يكن فيه مخالفة للنحاة، إلا في أنّ الضمير في مثل ]قمت[ و]قمتم[ غير دال على العدد، والفهم العربي، ومعاجم اللغة تشهد بخلاف ذلك.

إذ لا ريب في دلالة التاء على الواحد في مثل ]قمت[ ولذا لا يحسن إستعماله في غيره، ودلالة التاء، والميم في مثل ]قمتم[ على الجماعة المخاطبين كدلالة الواو على جماعة الغائبين والحاضرين.

التكملة:

ومن مقترحاتهم أيضاً الاصطلاح على أنّ كل ما يذكر في الجملة غير الموضوع، والمحمول، فهو التكملة، وحكمها أبداً الفتح، إلا إذا كانت مضافاً إليها أو مسبوقة بحرف إضافة، وقد سبقهم لمثل هذا الاختصار بعض النحاة حيث قال: ]كل فضلة منصوبة[ إلا أنهم لم يعتمدوا على مثل هذا الاختصار، لعدم استفادة الطالب منه استفادة تغني عن البحث عن حكم النصب في كل باب من أبواب المنصوبات، لمثل ما ذكرناه في الموضوع، فإنه بأيّ معنى فسرت التكملة، والفضلة فالحكم بالنصب غير شامل له ألا ترى أنّ تفسير التكملة بكونها غير الموضوع والمحمول لا يصح الحكم عليها بالنصب دائماً أبداً في جميع الموارد، لأنه من التكملة بالمعنى المذكور تابعُ الاسم المرفوع، ومفعولا ]ظن وأخواتها[ حال تعليقها، والمفعول المطلق في بعض الصور كما في قولنا: ]له بكاء بكاء ذات عضلة[ ]وله ذكاء ذكاء الحكماء[ فإنّ هذه الموارد وغيرها من التكملة بالمعنى المذكور مع أنها مرفوعة، قياساً مطرداً.

تيسير قواعد الصرف

ليس فيما قررته اللجنة في تيسير الصرف إلا الاقتصار على بعض أبوابه من تصريف الفعل، وصوغ مشتقاته، وتثنية الاسم وجمعه، وحذف الأبواب الأخر، كالإعلال، والإبدال، والقلب، معللين ذلك بعدم احتياج المبتدئ إليها، وعدم وصول فهمه إليها، ولا يسع هذا المقام التعرض لفائدة أبواب الصرف بأجمعها، وما يعود إلى الطالب من دراستها مخافة أن يطول البحث، ويخرج عن الغرض المقصود، ولست مجازفاً إذا قلت: إنّ الفساد الذي دخل على ألفاظ اللغة العربية، يرجع أكثره إلى إهمال القواعد الصرفية، حيث إن أكثره ينشأ من تغيير هيأة الكلمة، أو تبديل حروفها، أو حذفها، أو الزيادة عليها، دون مراعاة للقواعد الصرفية، وإنما نتعرض إلى فائدة الأبواب التي نصت اللجنة على حذفها من الإعلال، والإبدال، والقلب، ونضرب لك مثلاً من قواعدها كي ترى عدم الصعوبة في دراستها، وتطلع على وجه الحاجة إليها:

كقاعدة إن الواو والياء إذا تحركتا وانفتح ما قبلهما تقلبان ألفاً، فإنّ الطالب يستفيد من هذه القاعدة إنّ مثل ]القول، والبيع، والرمي، والغزو، والخوف[، وما أشبه ذلك من المصادر، يكون ماضيها بالألف بدل الواو والياء؛ لأنه في ماضيها يتحرك الواو والياء لعدم سكون ثاني الماضي الثلاثي، ويفتح ما قبلها؛ لأنّ الفعل الماضي الثلاثي لابدّ من فتح أوّله فتقلبان ألفاً.

وكقاعدة إنّ الفعل الثلاثي إذا كان وسطه ألفاً قلبت ألفه همزة إذا صيغ منه اسم فاعل، على وزن فاعل فإنه يستفاد منها أن مثل: ]قال، وباع، وخاف[ إذا صيغ منه اسم فاعل على وزن فاعل، قيل: ]قائل، وبائع، وخائف[.

وكقاعدة إن معتل الوسط الثلاثي، إذا صيغ له جمع على وزن فعلان، أو فعال قلب وسطه ياء، فإنه يعرف الطالب من هذه القاعدة إن مثل: ]تاج وثوب[ يقال في جمعه كذلك ]تيجان، وثياب[.

إلى غير ذلك من قواعد القلب، والإعلال، والإبدال، التي لابد للطالب من الاطلاع عليها والإحاطة بها، نعم لا يُنكر أنّ هذه الأبواب، بل وغيرها من أبواب الصرف تحتاج إلى التنقيح، والتهذيب، والجمع، والتبويب بحيث يسهل على المتعلم دراستها، وعلى المعلم تدريسها.

البلاغة

ولكي نطلعك على حال ما تعرضت إليه اللجنة في هذا المقام سابقاً، وذكرته لاحقاً، لا بد وأن نشير إلى أهم الفوائد التي تعود للطالب من معرفة هذا العلم، وهي فائدتان:

الأولى: معرفة معاني التراكيب العربية وأسرارها، والاطلاع على دقائق اللغة، ومزاياها.

الثانية: القدرة على تأدية الكلام، وصوغه بصورة مقبولة، وفي معرض حسن تسيغه النفس، ويقبله الطبع.

وبهاتين الفائدتين يعرف وجه الحاجة إلى العلم المذكور، وضرورة الاطلاع عليه حيث إنّ البصيرة بالأولى منهما توجب الاحتراز عن الخطأ في تأدية المعنى المقصود، فلها من الأهمية ما للقواعد النحوية والصرفية من التحفظ بها عن الخطأ في مقام البيان والإفصاح.

والثانية منهما بها حياة اللغة العربية وجمالها، ومعها يستطيع المتكلم أن يفهم مراده بصيغة عربية سهلة المنال، لا يمجّها الطبع، ولا ينبو عنها السمع، ولولاها لكان الكلام برطانة الأعجمي أشبه، وبمجمجة السوقي ألصق.

وحيث اتضح لك ما لهذا العلم من الأهمية في عروبة البيان والإفصاح ظهر
لك أمران:

الأول: إن ما أشارت إليه اللجنة سابقاً من عدم الأهمية لهذا العلم مستندة في حكمها المذكور إلى استطاعة العرب الاستغناء عنه عصراً طويلاً وهو من أزهى عصور الحياة الأدبية غير صحيح، إذ أنا لو اعتمدنا على هذه المقايسة، والمقارنة في الاستغناء عن علم البلاغة لاقتضى ذلك الحكم بنفي الأهمية عن سائر العلوم العربية لاشتراكها فيها، فإنّ اللغة العربية مضى عليها هذا الزمن المذكور، ولم يدوّن لها علم من العلوم، ولا فن من الفنون.

الثاني: عدم صحة إهمال بعض الأبواب التي لها الصلة التامة بالحياة الأدبية، والأثر البليغ في حصول إحدى الفائدتين المذكورتين، كبحث إخراج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر، والإسناد المجازي، وطرق النحو وأغراضه، وما هو الأبلغ من طرق التأدية، وغيرها من المباحث المهمة التي هي من متممات العلم المذكور، ومن أقوى أسباب الظفر بغاياته، وبقيت أمور يؤخذ بها على تقرير اللجنة في هذا المقام.

1. إهمال لبعض الموضوعات الأدبية التي تساوي الموضوعات المذكورة في الأهمية، أو تزيد عليها كالرسائل، والمحادثات.

2. عقدهم فصلاً في الإيجاز، والإطناب، والمساواة، وعدم عقدهم فصلاً لموارد حسنها، كما صنعوا في الكناية، والتشبيه، والإستعارة.

3. أن ما ذكروه في الفصول من أوصاف النثر الجيد، والشعر الجيد، ودقة استعمال الكلمة، وجمالها، وغير ذلك، إن أرادوا بها أبواب البلاغة، وشروطها العامة، وأحوال الإسناد، والمسند إليه، وغيرها بحيث تتحد معها في نتيجة البحث، ولم يكن ذلك إلا لمجرد تبديل اصطلاح، واختصار في التسمية، فلا كلام لنا معهم، إلا أنه لم يكن لهذا التبديل فوائد في التيسير بل فيه إجمال، وغموض، وإنْ أرادوا بها غيرها، فقد عرفت ما لأبواب البلاغة من الأهمية، والفائدة، التي تستدعي وجوب دراستها، والاطلاع عليها، وهناك أمور أخر لا يسعُ المجال التعرض لها.

موقف الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  من العدوان الثلاثي على مصر (7)

قد أصدر الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  فتوى بشأن تأمين القناة والعدوان الثلاثي على مصر.

ففي مجلة الغري في عددها الأول لسنتها 19 بتأريخ أول جمادى الثانية لسنة (1378هـ) المصادف 12 كانون أول سنة (1958م)

(إن النجف الأشرف أول مدينة عراقية تستنكر العدوان الثلاثي على مصر وكان أول ما صدر منها تصريح سماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء في يوم الجمعة (2 صفر 1376هـ).

وقد أذاعته عدة من الإذاعات الخارجية في وقته، ونشرته عدة من الصحف.

وعلقت عليه جريدة العالم العربي التي تصدر في بوينس آيرس بعددها 1006 الصادر في 27 ج2 سنة (1376هـ) الموافق (28 كانون الثاني سنة 1957م) بقولها (وقد أعقب هذا التصريح كما يعلم الجميع هياج شعبي كبير).

ونحن ننقل نص عبارة جريدة اليقظة الغراء البغدادية لصاحبها السيد
سلمان الصفواني.

قالت في عددها 2594 (الأربعاء 6 صفر 1376هـ) تحت عنوان: (صدى صوت النجف المدوي)

صرح سماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء في محضر ديني في يوم الجمعة:

بأن صوت فتى مصر حين هب يناضل عن حقوقه وشعبه في أرجاء الدنيا المسلمة وغيرها كان يحمل بشرى عظيمة إلى أبناء الضاد بتسجيل خطوات إيجابية عملية في الطريق إلى الحرية، وقد ردد صداه في الآفاق رهط من المؤمنين، وفي طليعتهم علماء الدين الذين أخذ الله عليهم أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم، ومن يستطيع أن ينكر على أبناء القناة حقهم فيها مهما تلابست الأمور واختلفت الأهواء والأطماع، ومما يحز قلب الغيور أن تعمى عيون عن الحق فلا تبصره أو تطالب بالعدل فلا تعمل به، فإن الأمل القوي جداً في أمة محمد  صلى الله عليه واله وسلم في شرق الأرض وغربها أن تضحي بالغالي والرخيص في سبيل المحافظة على كرامة الشعب الذي برهن في مختلف ظروفه على أن تربته الخصبة لم تنبت غير البطل الندب الوفي لوطنه المؤمن بحقه بالحياة الحرة الشريفة، وإنا لمؤمنون بأن القضايا العربية قضية واحدة نجاح بعضها قوة للقضايا الأخرى.

ثم اتصل علماء بغداد ورجالاتها بسماحته للقيام بما تقتضيه مصلحة مصر، ومن ذلك الكتاب الذي أرسلته اللجنة العليا لجمع التبرعات لمصر الشقيقة لجنة الدعاية في بغداد وإليكم نصه (8):

سماحة الأستاذ الشيخ علي كاشف الغطاء المحترم بعد التحية:

(لا شك أن سماحتكم تعلمون بما أصاب مصر نتيجة عدوان الإنكليز والفرنسيين واليهود عليها وتعلمون كيف أنها صمدت لهذا العدوان الظالم فحفظت للمسلمين كرامتهم. وقد تحملت في هذا السبيل تضحيات جمة وخسائر، وسقط في ساحة الشرف منها ضحايا وشهداء كثيرون ولا ريب أن العرب والمسلمين مدعوّون لنجدتها بإغاثتها جزاءً لهذه التضحيات ووفاقاً لهذه الوقفة المشرفة في الذود عن حياض العرب وكرامة المسلمين.

ولا نرانا بحاجة إلى أن نستنهض همتكم لتذكير إخواننا وإخوانكم المسلمين بما يترتب عليهم من واجبات تجاه إخوانهم المصريين الذين نكبهم العدوان الآثم ويتّم الكثيرين من أطفالهم وأتلف أموالهم وهدّم مساكنهم.

ونأمل من سماحتكم أن تنتهزوا كل مناسبة لحث الناس على نجدة الشقيقة مصر بالمال في أحاديثكم وخطبكم وإرشاداتكم وبياناتكم.

وتكوين لجان فرعية لجمع المال وإرسال ما يتحقق لديكم إلى البنك العربي اللجنة العليا لجمع التبرعات لمصر الشقيقة.

والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه.

أمدَّ الله في حياتكم وقوّاكم وجعلكم ذخراً ثميناً للإسلام والمسلمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته).

رئيس اللجنة

عبد الرحمن البزاز

وحدث بعد ذلك أن عقد اجتماعاً بينه وبين جملة من رجالات العراق للمداولة في هذا الموضوع، وكانت نتيجة ذلك أن حصل هيجان شعبي فقد أضرب الشعب العراقي في اليوم الأول من تشرين الثاني انتصاراً لمصر وسار الطلاب في بغداد بمظاهرة صاخبة إلى السفارة المصرية ملبين نداء إخوانهم أبناء الكنانة، وقد دارت بينهم وبين الشرطة معركة دموية في شارع نوري السعيد واستمرت المظاهرات في بغداد حتى أعلنت الأحكام العرفية، وعطلت المدارس إلى أجل غير مسمى وقدّم المحامون مذكرة شديدة اللهجة للحكومة، وفي اليوم الحادي عشر منه توجه جماعة لسماحته للمداولة في القيام بالمساعدة لمصر.

قالت جريدة البلاد في عددها 4803 بتاريخ الثاني من ربيع (1376هـ) المصادف (12 تشرين الثاني 1956م) توجه لدار سماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء المرجع الديني نخبة صالحة وتداولوا معه في شأن مساعدة مصر واهتمام النجف بذلك فأرجأ الأمر إلى الاتصال بالهيأة القائمة بهذا المشروع القيّم بعد أن شجعهم عليه وقال: من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم.

ثم عقب (9) ذلك تجمع طلاب النجف في مدارسهم يوم (20 ربيع الثاني 1376هـ) الموافق (24 تشرين الثاني 1956م) مضربين عن الدرس يناشدون حرية بلادهم ويطلبون استقلالها ويهتفون بسقوط حكومة نوري السعيد وأذناب الاستعمار ومحتجين على العدوان الثلاثي على مصر.

وقد وجه عملاء الاستعمار وأذنابه قوة من الشرطة إلى المدارس التي أضرب فيها التلامذة عن الدرس وأمطروهم بوابل الرصاص بكل قسوة من دون أن يقابل الطلاب القوة المجرمة بشيء فسقط منهم على وجه الأرض بعض التلامذة الذين لهم القربى بسماحته صرعى بالنيران الحامية التي وجهها عملاء الاستعمار لهم.

وبمجرد أن سمع سماحته بهذا النبأ امتنع عن الصلاة احتجاجاً على ذلك وأرسل رسالة شفهية للعلماء يحملها جملة من رجال الدين وطلاب المدارس بأن يمتنعوا عن الصلاة والدرس حتى تتحقق المطالب الوطنية. وعلى أثرها أضرب علماء النجف جميعاً عن صلاة الجماعة احتجاجاً على هذا الحادث الأثيم كما أغلقت النجف أسواقها وعطلت أعمالها استنكاراً على هذه الأعمال البربرية.

وفي مساء يوم السابع والعشرين منه ليلاً توجه رجال من وجوه النجف الأشرف ولفيف كبير من بعض العشائر العراقية لدار سماحته، وقد عبّروا عن شعورهم نحوه وأظهروا له الطاعة وأنهم رهن إشارته، فخطب فيهم خطبة حماسية قال فيها:

(أيها المسلمون إن البلاد تعاني آلاماً ثقيلة مرهقة وإنكم لجديرون بأن تفتحوا آذانكم لأنينها المتواصل وحسراتها المؤلمة الصارخة وزفراتها المحرقة الدامية فيا لرهبة الموقف وسوء المنقلب. هذه النجف العاصمة الدينية الكبرى مربض أسد الله الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام  تقوم رجال الشرطة فيها بالهجوم الوحشي على أطفال عزل داخل معاهدهم الثقافية دون مبرر شرعي وترميهم بوابل من الرصاص حتى خر الكثيرون منهم وقد ضرجوا بدمائهم مما لم تشاهده هذه المدينة المقدسة التي لها اليد الطولى في بناء مسجد العراق الحديث والحاملة لمشعل الوطنية ضد المستعمر الغاشم وعملائه وها نحن نطالب المسؤولين بوضع النقاط على الحروف ومعالجة الحالة ليعود الحق إلى نصابه ولتهدأ روعة النفوس المتلهفة للحياة لا للرصاص رصاص الظلمة. وبالأخير أقول ما قاله سيد الموحدين علي عليه السلام  ولأن أمهل الله الظالم يوماً فلن يفوت أخذه وهو له بالمرصاد.

انتظروا أيها المسلمون فرج الله إن فرجه قريب، وسوف ينتقم لكم من هؤلاء عبيد الاستعمار وكلاب صيدهم إنا لله وإنا إليه راجعون.

ثم تلا سماحته هذه الآية:[وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ].

وقد سجل خطاب سماحته بعض الطلبة من الوطنيين وطبعوه في اليوم الثامن والعشرين بعنوان نداء عام لسماحة العلامة المصلح الشيخ علي كاشف الغطاء وقدموا أمام البيان مقدمة وهي:

يا أبناء شعبنا النبيل إن كل يوم يمر وحكومة السعيد السفاكة تتمادى في غيها وجرأتها فهي بالإضافة إلى إعلان عدائها الصريح للعرب ولحركتهم التحررية وبالإضافة إلى تآمرها مع الاستعماريين لإعادة ربط البلدان العربية المتحررة في فلك الدولاب الاستعماري، فإنها لا زالت تسير بصلافتها الوقحة في معاداة الشعب العربي العراقي، وتمنع حركته التحررية، إن شعبنا لا زال يرزح تحت نير عبودية حلف بغداد العدواني ومؤامرات السعيد الإجرامية، ومن ثمرات هذا الحلف الاستعماري ومؤامرات السعيد أن ذبحت شرطة نوري عدداً من أبناء النجف البواسل وفي أيديهم كتب العلم وفي دور العلم تنتهك بذلك أبسط القيم الأخلاقية وحقوق المواطنين. إن الجلادين هؤلاء وبأمر نوري السعيد روعوا النجف المدينة المقدسة وعاصمة العلم، إن مدينة الإمام علي بن أبي طالب  عليه السلام  يجب أن تصان قدسيتها وشرفها.

أيها الناس إن دماء الضحايا لا زالت تصبغ الكراسي والرحلات في مدارسهم وهي تستصرخكم وتهيب بكم لأجل الانتصار للقضية العظمى التي ناضلوا وقتلوا لأجلها من أجل إسقاط حكومة السفاك السعيد وإسقاط حلفه العدواني وتطهير أرضنا العربية من دنس الاستعماريين وعملائهم الخونة الذين باعوا ضمائرهم من أجل الدولارات. إن مظاهرات النجف الباسلة وإضرابها الشامل المستمر وامتناع العلماء من أداء فريضة صلاة الجمعة وأرواح الشهداء ودمائهم وتأييد الشعب العراقي الكريم وكفاحه المتواصل ستكون اللهب الذي يصلي الأعداء بأشد العقاب).

ولهذا قصد نخبة صالحة من أبناء النجف الكرام تمثل مختلف الطبقات دار سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء وسألوه عن رأيه وأحساسيه في الحوادث الدامية التي وقعت في النجف في يوم (20/ 4/ 1377هـ) المصادف (24/ 11/ 1956م) وما تبعها من الإضراب العام الشامل الذي استمر أسبوعاً ولا زال كنتيجة لرد الفعل الذي حصل به الاستياء العام فأدلى سماحته بالبيان الآتي لجميع المسلمين.

وبعد أن طبع البيان في يوم (28/ 11/ 1956م) من قبل الوطنيين كما ذكرنا ووزع على الألوف من الجماهير أحدث صدى عظيماً بين أبناء النجف وبين عشائر الفرات الأوسط القريبة من النجف الأشرف، وعند العصر تجمع الناس في الصحن الشريف حيث تلي عليهم نص البيان ثم انطلقت الجماهير في مظاهرة ضخمة اشترك فيها ما يقرب من عشرين ألف نسمة من الرجال والنساء.

ومن مواقف الشيخ علي  قدس سره  مع مصر إرساله خطاباً توجيهياً لمؤتمر القمة (10)

 فقد ناشد سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  ملوك ورؤساء العرب في مؤتمر القمة الثاني في القاهرة، السعي لتركيز الدين الحنيف في النفوس واحياء مآثر الإسلام.

وقد أذاعتها إذاعة العراق عدة مرات وإذاعات العالم العربي وغيرها ونشرتها صحف العراق بأجمعها بتأريخ الاثنين (7 ج1 سنة 1384هـ) المصادف ليوم (4 أيلول 1964م).

وإليكم نص ما قالته جريدة الجمهورية الغراء بالتاريخ المذكور في عدد 258 من سنتها الأولى تحت هذا العنوان:

الإمام كاشف الغطاء يهنئ الملوك والرؤساء على نجاح مؤتمر القمة العربي

بعث سماحة آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء ببرقية إلى
ملوك ورؤساء الدول العربية يهنئهم فيها على نجاح مؤتمرهم الثاني ويرجوهم السعي لتركيز الدين الحنيف في النفوس وإحياء مآثر الإسلام وفيما يأتي نص برقية سماحته:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

صاحب العزة الرئيس جمال عبد الناصر المحترم.

صاحب العزة الرئيس عبد السلام محمد عارف المحترم.

أصحاب العزة ملوك ورؤساء الدول العربية المحترمين.

قال الله تعإلى في محكم كتابه الكريم [وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ].

في الوقت الذي نبارك لكم فيه بنجاح مؤتمر القمة في خطواته القيمة ونهنئكم بالفوز المبين في أعمالكم الطيبة نرجو أن توجهوا المسعى نحو تركيز الدين الحنيف في نفوس الناشئة؛ فإن التجربة قد دلت على أن تركيز العقيدة الدينية في النفوس على الصعيد العربي قد رفع مستوى الإنسانية في عالمي العلم والعمل وأنال الأمة العربية أسمى مكانة وأعلى منزلة واستخرج لهم من فم الدهر مستقبلاً زاهياً زاخراً تطفح ضفتاه بالهناء والسعادة حتى خاطب أميرهم السحاب بقوله: أينما تمطر فأنت في ملكي. فاعتمدوا روحانية الإسلام وثقوا بالله العلي القدير فسيكون لا محالة أمامكم نصره المبين؛ لأن حزب الله هم الغالبون. وفي الختام أستنجد لطف الله تعإلى لي ولكم والسلام. (3 ج1 سنة 1384هـ).        

                                                                   

                                                                  الراجي عفو ربه

الشيخ علي كاشف الغطاء

 

ومن مواقف الشيخ علي كاشف الغطاء   قدس سره  إرساله برقية توجيهية للرؤساء الذين اجتمعوا في القاهرة في مؤتمر عدم الانحياز (11)

وإليكم ما جاء في جريدة الثورة العربية التي تصدر في بغداد بعددها 75 بتاريخ (الجمعة جمادى الآخرة 1384هـ) (9 تشرين الأول 1964م) بعد أن أذاعته الإذاعات العالمية عدة مرات.

ونشرته الصحف العراقية وأكثر الصحف العربية، قالت جريدة الثورة تحت العناوين الآتية:

برقية الإمام كاشف الغطاء إلى مؤتمر عدم الانحياز

انتصرت الإنسانية في مؤتمر الإسلام

الإمام يناشد أقطاب مؤتمر القاهرة (إنقاذ البشرية) من الحرب.

بعث سماحة آية الله العظمى والمرجع الديني الأكبر للمسلمين حجة الإسلام الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء دام ظله البرقية التالية إلى المؤتمر الثاني لأقطاب دول عدم الانحياز المنعقد حالياً في القاهرة.

بسم الله الرحمن الرحيم

وله المنة والحمد

القائد المحنك الرئيس جمال عبد الناصر المحترم.

القائد المحنك عبد السلام محمد عارف المحترم.

القادة المنحكون أقطاب مؤتمر عدم الانحياز المحترمون.

تحية من عند الله تعالى زاكية طيبة ودعاء مستجاب تستدر به الرحمة الإلهية وتستنزل به البركات الربانية.

إن الفوز الذي ظفر به مؤتمر عدم الانحياز فوز مبين اندكت به صروح البغي والعدوان، وانتصرت فيه الإنسانية على الوحش الهائل وعرف ذهنية المردة عجزها عن زج البشرية في مدلهمات الكوارث ودواهي المهالك، ان العلم اليوم في صراع مستمر، والأوضاع أصبحت محفوفة بالمخاوف والأخطار، والمسالك مشحونة إلى حواشيها بالإبر والأشواك والحرب الضروس ماثلة أمام الأبصار والبصائر وشبح الموت والفناء يرفرف على سطح الأرض في كل مكان وزمان، وما هذا وذاك إلا لضعف العقيدة الدينية في النفوس وعدم تمركز الإيمان بالحساب والمسؤولية فيما بعد الموت.

فجدير بكم أن تشمروا عن ساعدي الجد لإنقاذ البشرية من حرب ضروس يفنى فيها الكبير والصغير وإزالة الفتن الصماء التي يلتهب بنيرانها اليابس والأخضر حتى يتمتع العالم الإنساني بطمأنينة وسلام ويقطع مفاوز الحياة بأمن وإيمان، وتطوي ويلات الحروب سرادقها عن هذه الناشئة المبتسمة للحياة بكوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار، نور على نور. يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل الإسلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى سراط مستقيم.

                                                                 المفتقر إلى الله

 الشيخ علي كاشف الغطاء

 

من الروابط مبادلة التعازي والتواصل

 ومن الروابط أيضاً مبادلة التعازي والتواصل حيث أرسل الأزهر الشريف رسالة شكر لسماحة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  لتعازيه بوفاة الشيخ محمود شلتوت وإليك نصها (12)

الأزهر                                           

مكتب وكيل الأزهر

بسم الله الرحمن الرحيم

السيد الأستاذ كاشف الغطاء - نجف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فقد تلقت مشيخة الأزهر مع وافر الشكر والتقدير كريم مواساتكم في وفاة فقيد الإسلام المغفور له الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر مقدرة مشاعركم الصادقة في خسارة العالم الإسلامي بفقد إمام له في خدمة الشريعة الإسلامية قدم راسخة ورأي مقدور سائلين المولى  عجل الله فرجه الشريف  أن يعوض الإسلام والمسلمين بفقده خير العوض، وأن يجزل لكم المثوبة والأجر.

والسلام عليكم ورحمة الله..

9 من شعبان سنة 1383هـ

25 من ديسمبر سنة 1963م وكيل الأزهر (دكتور محمد عبد الله ماضي)

 

 

 

من الروابط حضور الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  
لمؤتمر مجمع البحوث الإسلامية

ومن الروابط المهمة التي من أجلها أُلِّفَ هذا الكتاب حضور الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  لمؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الذي انعقد في مصر وإليك مجمل الجلسات والمراسلات لهذه المؤتمرات (13).

دعوة الشيخ   قدس سره  إلى المؤتمر

النجف الأشرف         بغداد في (31/ 3/ 1965م)

السيد سماحة آية الله الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء.

السلام عليكم ورحمة الله، وبعد:

يتشرف سفير الجمهورية العربية المتحدة بدعوة سماحتكم لحضور المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف، والذي ينعقد بالقاهرة من يوم (الخميس 28 من ذي الحجة سنة 1384هـ) الموافق (29 من نيسان (أبريل) سنة 1965م) إلى يوم (السبت 8 من محرم سنة 1385هـ) الموافق (8 من أيار (مايو) سنة 1965م).

ويسرنا أن نتلقى موافقة سماحتكم على قبول هذه الدعوة.

وتقبلوا بقبول فائق الاحترام.

 السفير

أمين حامد هويدي

تأكيد على دعوة الشيخ للمؤتمر

سفارة الجمهورية العربية المتحدة. بغداد (14).

تحريراً في 6/ 4/ سنة 1965م سنة 1384هـ.

السيد سماحة آية الله الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إلحاقاً لكتاب السفارة المؤرخ (31/ 3/ 1965م) بدعوة سماحتكم لحضور المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف والذي ينعقد بالقاهرة ابتداء من (19 نيسان (أبريل) سنة 1956م).

أتشرف بالإحاطة إلى أنه قد تقرر تأجيل انعقاد المؤتمر السالف الذكر إلى يوم (13 آيار (مايو) سنة 1965م) وذلك بمناسبة موسم الحج.

ويسرنا أن نتلقى موافقة سماحتكم على قبول هذه الدعوة.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

السفير

أمين حامد هويدي

أخبار الصحف بسفر الشيخ علي كاشف الغطاء لمؤتمر مجمع البحوث الإسلامية

قد ذكرت الصحف العراقية الثلاثاء (9 محرم 1385هـ، 11 أيار 1965م)  سفر سماحة الشيخ  قدس سره  مع الوفد بقولها:

وفد من كبار علماء الدين يغادر اليوم إلى القاهرة

(يغادر بغداد مساء اليوم الثلاثاء إلى القاهرة وفد من كبار علماء الدين في العراق لحضور المؤتمر الثاني للبحوث الإسلامية الذي سيفتتح هناك يوم الخميس القادم ويستمر لمدة عشرة أيام).

وفي صباح([6]) يوم (الثلاثاء 9 محرم 1384هـ) (11 أيار 1965م) ازدحمت النجف الأشرف بالوفود الكرام من جميع أنحاء الجمهورية العراقية لتوديع سماحة الإمام كاشف الغطاء، ورفعت اللافتات تشير إلى سفر سمحاته الذي أذيع من راديو بغداد والقاهرة لحضور المؤتمر السالف الذكر ونشرت النبأ عدة صحف عربية، وكانت اللافتة التي في مدخل السوق الكبير في النجف الأشرف كما يأتي:

سيغادر العراق إلى المؤتمر الإسلامي في القاهرة

سماحة الإمام الفقيه الشيخ علي كاشف الغطاء

الصلاة جماعة خلف الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  في مطار بغداد

في الساعة الثانية بعد الظهر من يوم الثلاثاء (9 محرم سنة 1385هـ) تحرك رتل من السيارات، عن طريق الحلة بغداد، وفي الساعة السابعة وصل الموكب إلى مطار بغداد، وقد حل وقت فريضة المغرب والعشاء فأقيمت الصلاة جماعة في مطار بغداد مقتدين بسماحته.

 وصول الشيخ علي  قدس سره   لمطار القاهرة والمطارحات العلمية التي تخللت الجلسة

في تمام الساعة التاسعة مساءً هبطت الطائرة من الجمهورية العربية المتحدة في مطار بغداد، وتهيأ الوفد للرحيل، وفي تمام الساعة الحادية عشرة والنصف كانت الطائرة في سماء القاهرة، وكان في استقبال الشيخ في المطار الدكتور محمود حب الله الأمين العام لمؤتمر البحوث الإسلامية، وسكرتير مجمع البحوث التابعة للأزهر ممثلاً عن شيخ الأزهر الشيخ حسن المأمون مع بعض رجال
العلم الأزهريين.

وبعد الجلوس للاستراحة تخلل الجلسة بعض المطارحات العلمية.

فتعرض سماحة  الشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  للمشاكل التي يصطدم بها الإسلام عقيدة وحكماً وموضوعاً، وإليك مجمل ما جرى في هذه الجلسة:

فقال: أما العقيدة، فتصطدم بمسألة ربط الحادث بالقديم، ومسألة أن أرادة الله عين علمه بالمصلحة، وشبهة الآكل والمأكول، وغير ذلك.

ثم قال: قد أجبنا عن ذلك وشرحناه شرحاً وافياً في كتابنا نقد الآراء الفلسفية.

والمشكلة في الأحكام هو عدم قبول العصر الحاضر ووضعه الفردي والاجتماعي لمثل حرمة الغناء بنحو الإطلاق، أو حرمة حلق اللحية بنحو الإطلاق، أو مشكلة حجاب المرأة بنحو الإطلاق، وغير ذلك، وقد عالجنا هذه الموضوعات في كتابنا النور الساطع.

وأما الموضوعات فهناك موضوع طلوع الهلال، ويزداد الإشكال فيه في الأعياد الإسلامية التي تعتبر عيداً للدولة الإسلامية فإذا كانت مطالع الهلال تختلف في أقطار الأرض لزم منه أن يكون عيد الدولة يختلف باختلافها مضافاً لمنافيات ذلك لما ورد في الدعاء.

(اللهم إني أسألك بحق هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً).

وهناك موضوع آخر وهو تشخيص القبلة خصوصاً للبلاد النائية.

وهناك معاملات أخرى هي المعاملات الجديدة.

ثم انجر الحديث إلى اللغة العربية التي هي لغة الدين الإسلامي فذكر سماحته: إنه ينبغي أن يلغى الفرق بين الظاء والضاد.

ثم خاطب الشيخ بعض الحاضرين فقال له في مقام الاحتجاج على عدم الفرق:

إن (ولا الضالين) أقرأها بالظاء، وأقرأها بالضاد فلا يجد السامع فرقاً بينهما.

ثم قال الشيخ  قدس سره  وإن مشكلة حروف اللغة من أهم المواضيع التي ينبغي أن تعالج بأن تجعل صورة الحرف بالضم غير صورته بالفتح، وصورته بالفتح غير صورته بالكسر، وصورته بالكسر غير صورته بالسكون، وبهذا نستطيع أن نجعل اللغة العربية محفوظة عن التحريف في أوائلها وأواسطها، ولا سيما أن كثيراً من الكلمات العربية تختلف معنى بواسطة تغيير صورته حركة من أوائلها وأوسطها.

ثم انتقل الحديث إلى المشتركات اللفظية، وإلى انكار وجودها فقال بعض الحاضرين: من أنه يمكن تصور الاشتراك بأن تضع إحدى قبائل العرب اللفظ لمعنى، والأخرى تضع نفس اللفظ لمعنى آخر.

فقال  قدس سره : إن هذا لا يتم على تقدير أن يكون واضع اللغة واحداً، إذ لنا أن نخترع بعض الألفاظ ونضعها لمعانٍ لأننا أيضاً عرب.

خروج الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  من المطار واستقراره بالمكان المعد له

بعد هذه الأحاديث توجه الشيخ  قدس سره  وأعضاء الوفد مع السيد محمد محمد عباس الموظف بمجمع البحوث الإسلامية في القاهرة والمرافق الخاص للوفد إلى سيارات خصصت له ولمرافقيه تحمل إشارة المؤتمر.

للذهاب إلى فندق أطلس في الجناح الأعلى الرابع عشر.

الشخصيات التي زارت الشيخ  علي كاشف الغطاء  قدس سره  في مقر إقامته

لقد زار الشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  عدد من الشخصيات والعلماء في مقر اقامته فعند الصباح قام بزيارته الأستاذ رجب عبد المجيد سفير العراق في الجمهورية العربية المتحدة مرحّباً بسماحته ومرافقيه.

وزاره الأستاذ عبد الحسين الجمالي مستشار السفارة العراقية في القاهرة، كما زاره الأستاذ عصمت محمد عبد المطلب المرافق المقيم في الفندق الخاص للوفود.

(مقابلة الشيخ علي كاشف الغطاء  من قبل الإذاعة الرسمية في القاهرة) (15)

قد تمت مقابلة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  من قبل الإذاعة الرسمية في القاهرة وقام بالمقابلة الأستاذ بهاء الظواهري مندوب البرنامج العام لإذاعة القاهرة، حيث سأله عدة أسئلة منها:

الأسئلة التي وجهت للشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  من قبل الإذاعة الرسمية

سؤال 1: ما هو رأي سماحتكم في مؤتمرات البحوث الإسلامية وما انطباعات سماحتكم بالنسبة لهذه المؤتمرات؟

سؤال 2: هل هناك بحوث معينة يتقدم بها وفد العراق وما هي؟

سؤال 3: ما هو رأي سماحتكم بقضية فلسطين بصفة عامة والمؤتمر
بصفة خاصة؟

سؤال 4: ما هو رأي سماحتكم من الموقف الأخير من تصريحات الرئيس التونسي أبي رقيبة؟

سؤال 5: هل هذه أول زيارة يزور بها سماحتكم القاهرة وما هي أحاسيسكم بالنسبة لزيارة القاهرة؟

أجوبة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره

فأجاب الشيخ  قدس سره  ارتجالاً:

جواب 1: إن العقل ـ وهو الرائد المتبَع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وله السلطان النافذ على المدعي والمنكرـ يدعونا لعقد المؤتمرات الإسلامية لتنفيذ الخطط الإصلاحية الإنشائية البناءة التي ترفع مستوى الإسلام والمسلمين خصوصاً ونحن في مثل هذه الأدوار الخطيرة التي تقطعت بها الأواصر الإنسانية، وتبلبلت بها الأفكار، وطغت القوة المادية بسلطانها على الحق المبين.

فجدير بنا أن نشمر عن ساعدي الجد، فنعقد مثل هذه المؤتمرات.

فكم حضارة كانت أثراً لجماعة، وكم مدينة كانت صنيعة لمؤتمر وأمامكم بيعة الرضوان، وهو أول مؤتمر إسلامي نال به العالم الإنساني الحظ الأوفى والحضارة السامية.

جواب 2: أهم ما عندي من البحوث هو البحث عن الوسيلة الناجحة في تركيز العقيدة الدينية في نفوس الناشئة بحيث تلتهب العاطفة وتغور في أعماق القلوب.

كما إنه يهمني البحث عن فتح باب الاجتهاد؛ فإنه قد حدثت بهذا العصر بعض الأمور وبعض الظروف التي ألجأتنا إلى النظر في النصوص الدينية والاجتهاد في معرفة أحكامها منها.

وهناك موضوع ثالث وهو محاربة الاختلاف والانشقاق في صفوف المسلمين؛ فإنه من الضروري جمع شمل المسلمين واتفاق كلمتهم على صعيد واحد حيث إن في وحدتهم قوة يندحر بها الأعداء وتتلاشى بها الخطط العدوانية.

جواب 3: لقد جاهرنا في قضية فلسطين وأثبتنا رأينا بصورة صريحة
واضحة لا لبس فيها ولا غموض في أن مشكلتها يلزم حلها على ضوء الدين الإسلامي الحنيف.

وإني أرى من الضروري التعرض لقضية فلسطين في هذا المؤتمر وسائر المؤتمرات الإسلامية، فإنها أهم مشكلة يصطدم بها واقع الإسلام والمسلمين.

جواب 4: إن من غلط القول أن يقال إن الأمة تموت ويقضي عليها الزمن، ولكنها تنتحر بخذلان أبنائها لها في ساعاتها الحرجة، ومن إفك الحديث أن يعزى موت الأمة واندحارها إلى سوء الطالع أو سوء التوفيق، وإنما تموت إذا لم يمد أبناؤها البررة المساعدة لها عندما تقابل العدو وجهاً لوجه.

وأعتقد أن كل موقف سلبي من المسلمين في مشكلة فلسطين يعتبر مروقاً عن الدين.

جواب 5: هذه أول زيارة وإن شاء الله تكون فاتحة مستقبل مجيد تطفح ضفتاه بالهناء والخير والسعادة على الشعب الإسلامي عامة وعلى مصر والعراق خاصة.

أول نداء عزاء للمسلمين بمناسبة استشهاد الحسين  عليه السلام  يبث من إذاعة القاهرة

قد طلب([7]) سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  من مندوب الإذاعة أن يذيع هذا البيان الموجه إلى الشعوب الإسلامية عامة وإلى الشعب العراقي خاصة تعزية لهم بشهادة أبي الضيم أبي عبد الله الحسين بن علي  عليه السلام :

بسم الله الرحمن الرحيم

الله أكبر ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

في تلك الغمرة العالمية من الاضطراب، وفي ذاك الوقت الرهيب من القلق الذي ساد العالم الإسلامي، وفي ذلك الحين من التسابق بين الفئات التي لم يستحكم الإيمان في قلوبها لاكتساب القوة الحاكمة ونوال الخطوة لديها، كان يعز على أبي الضيم أبي الشهداء أن يقف مكتوف اليد ينظر إلى انهيار ما شيده جده رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم، وأبوه أمير المؤمنين  عليه السلام ، والصحابة المجاهدون بحشد جميع ما يملكونه من قوى مادية ومعنوية لإخراج الأمة الإسلامية في قالب بديع الوضع والنظام.

يعز على أبي الضيم أن تكون الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس بفضل التضحيات من سراة رجال الدين الحنيف أن تصبح تسودها اللامبالاة واللامسؤولية، تتخبط في بحر من الشلل والفساد وترزح تحت كابوس الاستعباد من أهل الاستبداد بعبئه الثقيل يخبت أنفاسها ويشل قواها، ويقعدها عن النمو والتقدم نحو مغانم المجد والسؤدد.

وهذا ما حدا بأبي الضيم أبي عبد الله الحسين أن ينتفض فيشمر عن ساعدي الجد ليتدارك الأمر، ويتلافى سوء المغبة مع المخلصين من أبناء أمته في عملية الإنقاذ والصلاح.

فوقف  عليه السلام  في تلك الغمرة عالماً بالمغبة عارفاً بالمصير، بقلب راسخ الإيمان كالطود الأشم وصرح بقوله  عليه السلام :

إن كان دين محمد لم يستقم
 

 

إلا بقتلي فيا سيوف خذيني
 

 

وقف  عليه السلام  ووراءه جيش من خيرة ما اظلت الخضراء وأقلت الغبراء قد علموا أن لهم الشمس التي تشرق بنورها الأيام والكهف الذي يحيى به الإسلام.

فزحف لإعادة دور الحياة الحرة لأمته من جديد، وللقضاء على الفوضى والتشويش في جميع الميادين وبعثها ثورة زعزعت بناء المعتدين، وزلزلت حصون العابثين.

يستهدف  عليه السلام  بذلك بناء مجتمع سليم من المساوئ والآفات نزيه من الأباطيل والعاهات، متجرعاً من الغصص والمحن ما لا تبرك الإبل على مثله، مضحياً بنفسه ونفيسه في سبيل إعلاء كلمة الله والدعوة لدينه الحنيف، تضحية هزت العالم الإسلامي ومجدت التاريخ، تلمس في جوانبها وأطرافها مجداً وشرفاً وهداية للحق وبداية للسعادة تجد فيها الدين والعقيدة، ترى فيها التضحية والفناء في حب الخير تدرك فيها القيم الإنسانية بمثلها العليا، تضحية جعلت العدو يفقد رشده وصوابه حتى أصبح يتخبط في دم سيد الشهداء، ويغرق في بحر من دماء السادة الصلحاء، ويستبيح المدينة المنورة ويحاصر البيت الحرام ويقذف الكعبة بحجارة المنجنيق.

هذه صفحة من ثورة أبي عبد لله  عليه السلام ، تقرأ فيها الخطط التي يجب أن يتخذها القادة والخطوات التي يلزم أن يتبعها السادة لنيل الأهداف الجليلة والغايات النبيلة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته([8]).

قد لخص سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء   قدس سره الحديث لمندوب الإذاعة حيث قال له:

إن الغرض الأساسي من هذا المؤتمر هو تنفيذ الخطط الإسلامية التي ترفع مستوى الإسلام والمسلمين.

وأضاف قائلاً: إن وفد العراق سيقدم بحثاً إلى المؤتمر يهدف إلى محاربة الاختلاف والانشقاق في صفوف المسلمين؛ لأنه من الضروري جمع شمل المسلمين واتفاق كلمتهم على صعيد واحد؛ لأن في وحدتهم قوة أمام الأعداء.

وعن القضية الفلسطينية قال: إنني أرى أن مشكلة فلسطين يجب أن نتعرض لها في هذا المؤتمر وفي سائر المؤتمرات الإسلامية؛ لأنها تعتبر أهم مشكلة يواجهها واقع المسلمين:

وأضاف قائلاً: أعتقد أن الموقف السلبي الذي اتخذه الحبيب بو رقيبة من قضية فلسطين يعتبر خروجاً عن الدين.

زيارة مرقد رأس الحسين  عليه السلام ([9])

عند المساء عصراً في العاشر من محرم الحرام أقلته سيارات المؤتمر
المختصة وتوجهت به إلى مسجد رأس الحسين بن علي  عليه السلام  وتشرف بالزيارة، وقد شاهد ازدحام الناس على لثم أعتابه، والتبرك بالضريح الذي فيه
رأس الحسين عليه السلام .وشاهد أيضاً طلبة جامع الأزهر في هذا المرقد يراجعون دروسهم الدينية لقرب الجامع من المسجد، وشاهد حلقات واسعة كثيرة
لتلاوة القرآن الكريم يجلسون يرتلون كتاب الله وآياته والقرائين بحجم كبير جداً.

وبعد أداء مراسم الزيارة فتحت له الخزانة الشريفة من قبل فضيلة الشيخ حلمي عرفة المشرف على إدارة المسجد وقد كتب على بابها:

(إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها)

وكان في الخزانة:

1. قطعة من القميص الذي كان يرتديه رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم.

2. شعرات من كريمته  صلى الله عليه واله وسلم.

3. المكحلة والمرود التي كان يكتحل بها  صلى الله عليه واله وسلم.

4. قطعة من العصا التي كان يتكئ عليها  صلى الله عليه واله وسلم.

5. قطعة من المصحف الشريف ينسب لخط الإمام علي  عليه السلام  بجلد
الغزال، وكانت تشبه القطعة الموجودة في خزانة الحرم الحيدري في النجف الأشرف.

6. مصحف كامل كبير جداً ينسب لخط عثمان بجلد الغزال.

وبعد الانتهاء من النظر والتبرك قام الشيخ بالتبرع بمبلغ من المال يوزع على الجميع من خدمة الروضة المقدسة الطاهرة (16).

تكريم أعضاء المؤتمر

في صباح يوم (الخميس 12 محرم 1385هـ) (31 مايو 1965م) عقد جلسة في قاعة الاحتفالات للتعارف بمحافظة القاهرة كورنيش النيل حضره السيد المهندس أحمد عبده الشرباصي نائب رئيس الوزراء للأوقاف وشؤون الأزهر، والأمين العام للجامعة العربية السيد عبد الخالق حسونة، والأستاذ السيد يوسف وزير التربية والتعليم، والدكتور محمد عبد الله ماضي وكيل الأزهر(17).

افتتاح المؤتمر

بسم الله الرحمن الرحيم

في الساعة الخامسة والنصف عصر يوم (الخميس 12 محرم 1385هـ) (13 مايو 1965م) في قاعة الاجتماعات بمحافظة القاهرة انعقدت الجلسة الأولى لأعضاء المؤتمر من أربعين دولة، وكانت كلمة الافتتاح لسماحة الشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  ارتجلها، وهو في مجلسه حث فيها إلى عقد مثل هذه المؤتمرات، وناشدهم إلى توحيد كلمة المسلمين وكان لها أبلغ الأثر في جو المؤتمر.

نص ما ذكره المؤتمر في الجلسة الاولى(18)

بسم الله الرحمن الرحيم

محضر الجلسة الأولى

12 من محرم 1385هـ - 13 مايو سنة 1965م.

عقدت الجلسة الأولى للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم (الخميس 12 من محرم 1385هـ) الموافق (13 من مايو سنة 1965م) بقاعة الجلسات بمحافظة القاهرة.

برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر وأمانة فضيلة الدكتور محمود حب الله الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية.

وحضور السادة أعضاء المجمع والمدعوين.

افتتح الجلسة فضيلة الإمام الأكبر، وأعلن أن هذه الجلسة مخصصة للاستماع لكلمات الوفود، وقدم سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء من علماء
الشيعة بالعراق.

وألقى سماحة الشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  كلمة حيى فيها المؤتمر، ونوه برسالته، وناشد ضمائر العلماء أن يحيوا الرسالة التي حملوها ليساهموا في رفع مستوى المسلمين، ودعم الإسلام في هذا العصر الذي تقطعت فيه الأواصر وأصبح مشحوناً بالأشواك وما ذاك إلا لضعف العقيدة الدينية في النفوس.

وإنه جدير بنا ونحن الدعاة إلى الحق أن ندرس في هذه المؤتمرات المشاكل والقضايا الإسلامية الراهنة، ومن أهمها مشكلة فلسطين التي نرجو أن نتضافر لحلها وإنقاذ الوطن السليب من غاصبيه.

وختم كلمته بالتحية والتقدير والشكر للجمهورية العربية المتحدة
والأزهر.

إشادات الصحف العربية بكلمة سماحة كاشف الغطاء الافتتاحية

وقد أشادت بهذه الكلمة عدة صحف عربية كالإهرام وغيرها بتاريخ
(14/ 5/ 1965م).

وقالت جريدة الثورة العراقية في عددها 24/ 5/ 65 مقتطفة بعض مضامينها بعد أن نشرت صورة سماحته مع أعضاء الوفد وصورته الأخرى التي يستقبله فيها وزير التربية.

قالت: يقول الشيخ آية الله كاشف الغطاء..

(لابد من الدعوة إلى إقامة روابط إسلامية بين العرب والمسلمين يمكن بها محاربة الصهيونية التي أوجدها الاستعمار في فلسطين العربية، وذلك لن يكون إلا عن طريق مثل هذه المؤتمرات الإسلامية فإذا كانت.. الصهيونية بألاعيبها تستطيع أحياناً أن توجد الفرقة بين الصفوف العربية فما بالك إذا أرادت أن توجد الفرقة بين صفوف الإسلام).

نص محضر الجلسة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

محضر الجلسة الثانية

 14 من المحرم 1385هـ- 15 من مايو 1965م.

عقدت الجلسة الثانية للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في الساعة العاشرة من صباح السبت (14 من المحرم 1385هـ) (15 من مايو 1965م) بقاعة الجلسات بمبنى محافظة القاهرة.

افتتح فضيلة الإمام الأكبر الجلسة وأعلن أنها مخصصة لعرض بحث التأمين في الإسلام المقدم من فضيلة الشيخ علي الخفيف عضو المجمع.

وذلك بعد أن ابتدر الكلام سماحة آية الله كاشف الغطاء مشيراً إلى حادث اعتراف ألمانيا الغربية بإسرائيل ووجوب مبادرة المؤتمر إلى مواجهة هذا العمل العدائي. فشكره فضيلة الإمام الأكبر واعداً بالنظر في هذا الاقتراح بعين الاعتبار.

طلب الشيخ علي كاشف الغطاء قراراً يدين ألمانيا الغربية

قد سلط الضوء على هذه المداخلة، وأخذت اهتماماً كبيراً في الصحف؛ فقد جاء في جريدة الأهرام بتأريخ 17/5/1965 (19).

(إن السيد آية الله كاشف الغطاء من علماء الشيعة في العراق طلب
من المؤتمر اتخاذ قرار عاجل يسبق الجلسة الخاصة بفلسطين احتجاجاً
على موقف ألمانيا الغربية لاعترافها بإسرائيل وإمدادها بالمال والسلاح لقتال العرب والمسلمين.

وتعقيباً على ذلك أعلن السيد محمد سالم عبد الودود رئيس وفد
موريتانيا الغربية نيابة عن وفود الدول التي تتعامل مع ألمانيا الغربية للآن
بأنهم يشتركون في هذا الاحتجاج، وأن تعامل بلادهم مع ألمانيا لا يؤثر على آرائهم.

ووافق المؤتمر على اتخاذ القرار الآتي بصفة عاجلة.

(مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الثاني المنعقد في رحاب الأزهر الشريف والذي يمثل خمساً وثلاثين دولة من دول آسيا واإفريقيا وأوربا نعلن باسم المسلمين جميعاً استنكاره لموقف حكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية من قضية فلسطين واعترافها بحكومة إسرائيل، ويعرب عن تأييده الكامل للدول العربية في قطعها للعلاقات مع حكومة المانيا الاتحادية ويدعو سائر الدول الإسلامية إلى أن تقف من قضية فلسطين الموقف الذي يحتمه الدين عليها وأن تؤيد الدول العربية في قرارها بقطع العلاقات مع ألمانيا الاتحادية).

وقالت صحيفة الأخبار المصرية 17/ 5/ 65.

(تحت عنوان مؤتمر علماء المسلمين يقرر بالإجماع استنكار موقف ألمانيا الغربية وتأييد الدول العربية ودعوة تأييد الدول الإسلامية للقيام بما يحتمه الدين لنصرة فلسطين.

قالت تحت هذا العنوان: قدم مشروع القرار إلى المؤتمر في جلسة أمس
الشيخ آية الله كاشف الغطاء من العراق وعرضه على المؤتمر الإمام الأكبر
الشيخ حسن مأمون ثم أعده في صيغته النهائية الدكتور سليمان مدير جامعة أسيوط والشيخ نديم الجسر مفتي طرابلس بلبنان ثم وافق عليه المؤتمر بالإجماع).

وقالت جريدة الثورة 16/ 5/ 65، تحت عنوان (سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء يطرح على مجمع البحوث الإسلامية اقتراحاً باستنكار الموقف الأثيم لحكومة بون).

قالت: اقترح سماحة آية الله العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء عند افتتاح الجلسة الثانية لمجمع البحوث الإسلامية في الساعة العاشرة من صباح أمس في القاهرة إصدار قرار من المجمع باستنكار الموقف الأثيم الذي اتخذته ألمانيا الغربية من العرب والمسلمين باعترافها بدولة العصابات الصهيونية بفلسطين. وطالب باتخاذ إجراءات حازمة وعاجلة ضد ألمانيا الغربية من قبل كافة المسلمين في العالم، ولقد كان اقتراح سماحة العلامة الشيخ علي كاشف الغطاء موضع استحسان جميع الوفود الإسلامية التي حضرت المجمع والتي تمثل 40 دولة إسلامية في آسيا وإفريقيا وأوربا وفي مقدمة من أعلن تأييده لذلك فضيلة الأستاذ الأكبر حسن مأمون شيخ الأزهر.

كلمات أعضاء المؤتمر في موضوع التأمين

بعد هذه المداخلة أعطيت الكلمة لفضيلة الشيخ علي الخفيف صاحب البحث عن التأمين، فتكلم عن التأمين وبيّن أنه من المعاملات المستحدثة التي لا يعرف حكمها إلا بالنظر والاجتهاد، وقسّم أنواع التأمين إلى ثلاثة أقسام معرفاً بكلٍّ منها بانياً وجهة نظره على فكرة التأمين في ذاتها بعد تجريدها من الشروط التي قد تصاحبها فتكون فيها كما تكون في غيرها.

وبعد انتهائه من كلمته تقدم فضيلة الأستاذ الشيخ محمد أبو زهرة عضو المجمع للتعقيب، وتكلم عن رأيه في أنواع التأمين الثلاثة ووافق على حِل التأمين الذي تقوم به الجمعيات التعاونية، والتأمين الذي تقوم به الحكومة للعاملين بها.

ثم وقف عند التأمين الذي تقوم به الشركات.

وختم تعقيبه بالنسبة لهذين النوعين بأنهما - على الأقل - يدخلان تحت الشبهات التي نهى عنها الرسول  صلى الله عليه واله وسلم، أما التأمين على الحياة فهو في نظره حرام قطعاً.

ثم طلب الكلمة الأستاذ الدكتور إبراهيم عبد المجيد اللبّان عضو المجمع، فعقّب على ما ذكره فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة.

نص محضر الجلسة الثالثة

بسم الله الرحمن الرحيم

محضر الجلسة الثالثة

14 من محرم سنة 1385هـ - 15 من مايو سنة 1965م.

عقدت الجلسة الثالثة للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في الساعة الخامسة والنصف من مساء يوم (السبت 14 من محرم سنة 1385هـ) الموافق (15 مايو سنة 1965م) بقاعة الجلسات بمحافظة القاهرة.

افتتح الجلسة فضيلة الإمام الأكبر، فرحب بوفد اليمن برئاسة السيد وزير العدل، وحيى فضيلته وفد إمامة عمان.

وقد خصصت هذه الجلسة لاستكمال مناقشة بحث التأمين المقدم من فضيلة الشيخ علي الخفيف عضو المجمع.

وكان أول المتحدثين الدكتور عبد الحليم محمود عضو المجمع.

وبعد هذا اعطيت الكلمة لفضيلة الشيخ عبد الحميد السايح القاضي بمحكمة الاستئناف الشرعية بالقدس.

وتحدث بعد ذلك الدكتور عثمان عضو المجمع.

ثم تحدث الأستاذ إدريس الكتاني الأستاذ بمعهد العلوم السياسية بالمغرب.

وعقب فضيلة الشيخ محمد مهدي الخالصي من علماء الشيعة في العراق فدعا إلى النظر في موضوع التأمين لا على أنه موضوع منفصل بذاته، ولكن من خلال تطبيق الإسلام بجميع مجالاته التربوية والتشريعية والدستورية.

وتكلم السيد محمد سالم عبد الودود الأستاذ بالمعهد الإسلامي في موريتانيا.

كلمة الشيخ علي كاشف الغطاء في بحث التأمين وتناول الصحف المصرية لها

وأعطيت الكلمة لسماحة الشيخ آية الله كاشف الغطاء من علماء الشيعة بالعراق، وقد أشارت الصحف إلى ما تضمنته الكلمة المذكورة فقالت: جريدة الأهرام بتاريخ 18/ 5/ 65 (20).

(إنه قد أعلن الشيخ كاشف الغطاء من علماء الشيعة في العراق أنه يرى إباحة التأمين باعتباره من قبيل الشركة وأرباحه من نوع الصلح المباح ووافقه الشيخ محمد سالم عبد الودود).

ولقد طبعت كلمة الإمام كاشف الغطاء ووزعت على جميع أعضاء المؤتمر، وهذه صورتها:

كلمة الشيخ علي كاشف الغطاء في التعقيب على بحث (التأمين)

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه الطيبين الطاهرين، أيها الإخوة في الإسلام.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يؤسفني جداً أني لم أطلع حتى مغادرتي للعراق على هذه المواضيع التي أخذ المؤتمر على عاتقه البحث عنها.

وقد أعددت في هذه السويعات ما رأيت عرضه عليكم حول موضوع التأمين.

إن عملية التأمين لم تكن بهذا العنوان في التشريع الإسلامي، ولابد أن يكون البحث المطلوب في هذا الموضوع من ناحيتين:

أولاً: البحث في شرح حقيقته وبيان حاجة المجتمع الإنساني إليه؛ إذ مع عدم المعرفة للموضوع وعدم تشخيصه لا يمكن لنا معرفة حكمه الشرعي، ومع عدم حاجة المجتمع البشري له لا فائدة في إتعاب النفس في معرفة الحكم الشرعي، ويكون البحث عنه كالبحث في الصلاة في المريخ إذا لم يمكن الصعود إليه!

ثانياً: إمكان تطبيقه على المعاملات الشرعية كالضمان أو الهبة أو الصلح، ومع عدم التسليم لذلك وجعله معاملة مستقلة هل يمكن شمول القواعد العامة له شمولاً يجعله سائغاً شرعياً؟ ومع العجز أو عدم التسليم هل يمكن أن تكون الأصول العملية التي هي الوظائف الشرعية للشاك عند عجزه عن تحصيل الدليل على ما هو محل ابتلائه تقتضي صحته أم لا؟

أما البحث عن حقيقة التأمين وحاجة المجتمع إليه فالمتجه أن يقال:

إن عناصر الحياة ثلاثة: النفس، والمال، والعرض، والإنسان بصرف طبيعته يطلب المحافظة عليها بكل ما يتمكن، ولما كان التأمين من جملة الوسائل الموجبة للمحافظة عليها من أنواع التلف كالحرق والسرقة والموت والغرق ونحو ذلك، ولو ببدلها المطلوب كان التأمين من الأمور المطلوبة لطبيعة الإنسان.

وقد عرّف التأمين بأنه اتفاق بين المؤمّن –كالشركة- وبين المستأمن - وهو طالب التأمين كان شخصاً واحداً أو أشخاصاً كثيرين ـ على التعهد بدفع الطرف الأول مبلغاً معيناً من المال بمجرد وقوع حادث معين يذكر في وثيقة العقد في مقابل تعهد الطرف الثاني له بدفع مبلغ معين يتفق عليه الطرفان يسمى بقسط التأمين.

ولا يهمني أن أشرح تاريخ وجود عملية التأمين، هل كانت قبل الإسلام أو بعده؟ بعد عدم وجود نص صريح فيها من الشرع الإسلامي، كما أنه لا أرى جدوى في البحث عن أقسامه بعدما كانت النصوص الشرعية بالنسبة للتأمين على حد سواء.

ويمكن أن يقال:

إن تاريخ هذا الموضوع موجود من القديم؛ فإن الجزية التي كان يأخذها المسلمون من الكفار هي نوع من أنواع التأمين على حياتهم ولون من ألوانه.

وإن ولاء ضامن الجريرة قد قام الإجماع عندنا على أنه من العقود المعتبرة شرعاً التي يعتبر فيها الإيجاب والقبول، وصورته أن يقول: عاقدتك على أن تنصرني وتدفع عني وتعقل عني وترثني، فيقبل الآخر. وهو لون من ألوان التأمين ولا زال متعارفاً عند القبائل العربية أن يكاتبهم الشخص فيشترك معهم في دفع ما يترتب عليهم من دية القتل ونحو ذلك بإزاء المحافظة عليه وهو من التأمين في أدواره الأولى.

ويروي لنا بعض أساتذة التاريخ بأن لفكرة التأمين وجوداً في العهد الإغريقي حيث كان أرباب العبيد يدفعون للجمعيات التي أنشئت لضمان العبيد أقساطاً معينة في مقابل أن تدفع لهم ثمن العبد فيما لو هرب ولم يتمكنوا من إعادته له.

ويقال: إن أقدم عقد للتأمين هو العقد الإيطالي سنة (1347م).

وأقدم عقد للتأمين البحري هو العقد سنة (1361م).

وأول شركة للتأمين من الحريق هي شركة لندن سنة (1666م).

وإن تأمين الحوادث كان سنة (1845م).

 ونرجع للبحث فنقول: إن المهم بيان أركانه من قبل القائمين به، وهي ترجع إلى أولها: الإيجاب من قبل المستأمن بعد أن تقدم له الشركة استمارة تحتوي على بيان النوع الذي يؤمن الشخص عليه مالاً أو نفساً أو نحو ذلك.

وعلى بيان المبلغ الذي يدفعه طالب التأمين وعلى بيان المبلغ الذي تدفعه الشركة عند وقوع الحادث المؤمَّن عليه، إضافة إلى بقية الشروط المتفق عليها، ويكون توقيع هذه الاستمارة من قبل طالب التأمين عبارة عن إنشاء الإيجاب منه بهذه المعاملة نظير إعطاء المال في بيع المعاطاة.

ثانيها: القبول ويكون بعملية تصدير الوثيقة لطالب التأمين من الشركة، وبهذا تتم عملية التأمين إيجاباً وقبولاً، وهذه الوثيقة تعتبر رصيداً لصحابها وصك ضمان المستقبل له فيما أمن عليه.

ثالثها: بيان المؤمن عليه من حياة شخص أو حفظ مال منقول أو غير منقول وبيان الخطر المؤمن منه.

ولا ريب أنه لا تحقق عملية التأمين بدون ذلك؛ إذ على أي شيء يدفع الطالب للتأمين المال، وعلى أي تقدير تدفع الشركة له ذلك.

رابعها: بيان مبلغ التأمين من طرف الطالب له ومن طرف الشركة المطلوبة منها ذلك، ويختلف الحال بالنسبة للشركة المؤمنة من حيث دفع المال لها دفعة واحدة أو أقساطاً متعددة.

خامسها: بيان مدة التأمين، وهل إنها تبقى نافذة المفعول إلى الأخير أو إلى وقت معين.

(ثاني البحثين) هو البحث عن حكم التأمين الشرعي من حيث إنه نافذ المفعول عند الشارع، أو إنه معاملة فاسدة لا تقتضيها الموازين الشرعية.

لاريب أن الفقيه في مثل ذلك يعرض الموضوع المطلوب معرفة حكمه الشرعي على ما يحتمل تطبيقه عليه من الشرع، ومع عدم الظفر يرجع للقواعد العامة الشرعية ومع عدم شمولها له يرجع للأصول العملية الشرعية العامة فيفتي بما تقتضيه.

وعليه ففيما نحن فيه- وهو معاملة التأمين المحتمل فيها أن تكون من قبيل المعاملة الضمانية أو من قبيل الهبة المشروطة بتحمل الخسارة أو من قبيل الصلح المشروط بتحمل الخسارة- إذا عرضنا التأمين على معاملة الضمان نرى أن التأمين يشبه معاملة الضمان، وبتمامية ذلك يكون حكم التأمين حكم الضمان ومن صغرياته؛ فإن الضمان هو إدخال المضمون في عهدة الضامن والقيام بكافة ما يترتب على هذا الإدخال، إلا أن الضمان منه ما يتوقف على فعل خارجي كضمان اليد والتلف، ومنه ما كان محتاجاً في حصوله على الإنشاء كضمان الديون، وهو لا إشكال في صحته، ولكن التأمين إنما يدخل في ضمان النفوس الحرة والأعيان التي بأيدي أصحابها من دون أن تكون أمانة عندهم أو مغصوبة منهم أو مقبوضة منهم بالعقد الفاسد، فلا مانع من شمول عمومات الضمان له، نعم إنما يقع الإشكال من جهتين:

أحداهما: أن التأمين قد يعلق على بعض الشروط، والتعليق في المعاملة يوجب بطلانها عند بعض المسلمين.

ولكن لنا دفعه حتى على هذا المبنى بأن نقول: إن الاشتراط في التأمين من قبيل الالتزام في ضمن الالتزام، كما هو الشأن في الشروط المأخوذة في المعاملة الواقعة بين الطرفين.

ثانيهما: أن الضمان يحتاج إلى لفظ ينشأ به الإيجاب وإلى لفظ مخصوص ينشأ به القبول، وفي التأمين لا يوجد إلا التوقيع والتصدير دون أي لفظ في البين، ولكن لنا أيضاً دفعه بأن الإيجاب والقبول من الأمور الانتزاعية توجد بأسبابها الموجبة لانتزاعها، فقد تنتزع من اللفظ وقد تنتزع من الفعل، ألا ترى أن توقيع الصك ينتزع قبوله له، وكثير من الفقهاء من اعتبر سكوت البنت البكر في مقام العقد عليها قبولاً منها، ولا ريب أن توقيع الوثيقة ينتزع منه الإيجاب لإنشاء الضمان كما أن تصديرها من الشركة ينتزع منه القبول.

وإن لم يسلم أنه داخل في الضمان فيمكن إدخاله في الهبة المشروطة بتحمل الخسارة لا الهبة المشروطة بالضمان وإلا جاء الكلام السابق، ويتصور هذا الوجه بأن يهب المستأمن ماله للشركة بشرط أن تتحمل الشركة الخسارة إن حدث حادث بالنفس أو المال، وليس هذا شرطاً من الشروط المخالفة لتبطل الهبة أو أنها تقع الهبة، ولكنها تقع غير مشروطة بل هو شرط جائز لا مانع فيه.

وعليه التأمين من صغريات هذه المعاملة.

وإن لم يسلم أنه داخل في الهبة المشروطة فيمكن إدخاله في الصلح المشروط حيث في التأمين يتصالح الطرفان على أن يتحمل أحدهما ـ وهو الشركة ـ مقداراً من المال عندما يقع الحادث المعين بشرط أن يدفع الطرف الآخر مقداراً معيناً من المال.

وإن لم يسلم ذلك كله واعتبر التأمين معاملة مستقلة فلنا أن نقول: إن القواعد العامة قاضية بصحتها كقوله تعإلى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ].

وكقوله تعإلى [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ].

فإن مقتضى عموم العقد ومقتضى إطلاق التجارة، وأن الشارع في مقام البيان لا الإهمال ولا الإجمال هو صحة معاملة التأمين، فإنه عقد من العقود، وتجارة من التجارات.

وإذا لم يتم ذلك كله فلا بد من الرجوع للأصول العملية، وهي تقتضي فساد التأمين؛ لأن الأصل عدم ترتب الأثر المطلوب عليه.

إلا أنه لم تصل النوبة إلى الأصول العملية.

فالحق صحة التأمين ونفوذ مفعوله شرعاً بمقتضى ما قدمناه.

نعم هناك نوع من التأمين غير صحيح، وهو الذي يشتمل على الفائدة الربوية، وهو أن تدفع الشركة المبلغ الذي دفعه طالب التأمين مع فوائده التي تجمعت عليه، لأنه يكون إذ ذاك دفع المال للشركة من قبيل القرض لها، ويكون دفع أصل المال مع الفوائد لوصي طالب التأمين أو لوارثه من قبيل إعادة المال مع الفائدة، وهو الربا في القرض بعينه.

وأما احتمال كون التأمين من نوع المقامرة فهو بعيد جداً؛ لأن المقامرة مأخوذة في صميم حقيقتها الملاعبة من الطرفين بقصد الغلبة.

وأما الغرر والجهالة فلا يمكن جعلهما مستنداً لبطلان المعاملة؛ إذ الجهالة المبطلة للمعاملة الجهالة من جميع الوجوه، والغرر المبطل للمعاملة الذي لا يرتضيه العقلاء، وتعد المعاملة معه أشبه بالسفه.

وأما كونه من المعاملة الربوية فإني أراه بعيداً عنها؛ إذ لم يكن فيه بدلية المال بالمال، وإنما المال يجعل عوض المحافظة عليه، والخسارة إنما هي تنفيذ للشرط المأخوذ في هذه المعاملة.

وإن حكومة العقل في المسائل الشرعية إنما تصح إذا لم يصطدم بالدليل النقلي الشرعي الصريح في دلالته، وإنما يرجع له عند خلو الواقعة عن أي نص شرعي.

وهذا لا مجال لإنكاره؛ لأن الإطاعة والعصيان منوطة بالعقل حتى
في الأوامر العرفية، ولقد صدر من الصحابة رضي الله عنهم ما يدل على
ذلك.

والخلاصة أن إبطال التأمين معناه إبطال لتلك المعاملات التي طبقناها عليه.

قد بعث إمام الأزهر الشريف برسالة إلى الشيخ علي كاشف الغطاء يطلب إبداء رأيه في موضوع (التأمين) (21)

بسم الله الرحمن الرحيم

سفارة

الجمهورية العربية المتحدة                                     التاريخ 29/8/1967م

بغداد

آية الله فضيلة الأستاذ الشيخ علي كاشف الغطاء.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أتشرف بأن أرفق - مع هذا - الرسالة التي بعث بها مجمع
البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف للتعرف على رأي سيادتكم في الحكم الشرعي لأنواع التأمين الخاص الذي تقوم به الشركات تمهيداً لإصدار حكم في هذا الموضوع.

وقد قام المجمع بإرسال رسائل مماثلة إلى علماء المسلمين في جميع الأقطار الإسلامية للتعاون في هذه المهمة الإسلامية الجليلة.

ونأمل أن يصلنا الرد في أقرب وقت مستطاع، ليتسنّى إبلاغه إلى مجمع البحوث الإسلامية كطلبة.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المخلص لطفي متولي

سفير الجمهورية العربية المتحدة في بغداد

بسم الله الرحمن الرحيم

الأزهر

مجمع البحوث الإسلامية

 السكرتارية الفنية

السيد/الإمام آية الله علي كاشف الغطاء.

إمام الشيعة الاثني عشرية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن التأمين الذي تقوم به الشركات التجارية نشأ بين الأمم الأوربية من زمن بعيد؛ وظهرت بعض أنواع منه في بعض الأقطار الإسلامية في أواخر النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري، ثم تكاثرت أنواعه وانتشرت شركاته في الأقطار الإسلامية.

والتأمين الذي تقوم به الشركات هو الذي يطلق عليه رجال القانون ورجال الاقتصاد اسم التأمين الخاص في مقابلة التأمين التعاوني والاجتماعي، وأنواع التأمين الخاص كثيرة جداً.

ونظراً لكثرة أنواعه واختلاف المخاطر التي يواجهها كالموت والشيخوخة والعجز والحوادث الجسمية والمادية والحريق والاختلاس والسرقة وغيرها وقع اختلاف في تعريفه. فرجال القانون يقولون إنه عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المستأمن، أو إلى المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغاً من المال، أو إيراداً مرتباً أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد؛ وذلك في نظير قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المستأمن للمؤمن.

ورغبة من رجال الاقتصاد في بيان أن المخاطرة فيه ليست ذات شأن ارتضوا القول بأنه عملية يحصل بها المستأمن على تعهد لصالحه أو لصالح غيره، بأن يدفع له المؤمن عوضاً مالياً في حالة تحقق خطر معين، وذلك في مقابل مالي هو القسط، وتبنى هذه العملية على تحمل المؤمن تبعة مجموعة من المخاطر بإجراء المقاصد بينها وفقاً لقوانين الإحصاء.

والجميع يقسمون هذا التأمين الخاص إلى الأقسام الآتية:

أولاً: التأمين على الأشخاص

والتأمين على الأشخاص عقد يتعلق بشخص المستأمن، هدفه منه
تأمين نفسه، أو تأمين المستفيد من نتائج الأخطار التي تهدد حياته أو
سلامة جسمه أو صحته أو قدرته على العمل، وهو تأمين لا يقوم على تعويض الضرر. بل يستولي المستأمن أو المستفيد على مقدار التأمين المتفق عليه بأكمله إذا تحقق الخطر الذي كان التأمين من أجله من غير نظر إلى قيمة الضرر الذي أصابه ولا إلى حصول ضرر أو عدم حصوله، وهو تامين من الإصابات، وتأمين على الحياة.

أ- التأمين من الإصابات

هو تأمين مما يصيب الإنسان لسبب خارجي مفاجئ فيودي بحياته أو
يصيبه في جسمه، كأن يموت في حادث مفاجئ أو يصاب بما يسبب عجزه
عن العمل، ويستحق المستفيد أو المستأمن مبلغ التأمين متى تحقق هذا
الخطر.

ب- التأمين على الحياة

عقد يلتزم به المؤمن - مقابل أقساط - بأن يدفع للمستأمن أو لشخص ثالث مقداراً من المال إذا مات المستأمن، أو إذا بقى حياً بعد مضي مدة معينة، والتأمين قد يكون مقداراً من المال يدفع لمستحقه دفعة واحدة، وقد يكون إيراداً مرتباً مدى حياة المستحق، طبقاً لما يقع عليه الاتفاق.

 وإذا كان التأمين على الحياة موقتاً بمدة معينة، ولم يمت المستأمن خلال هذه المدة برئت ذمة المؤمن وضاعت على المستأمن الأقساط التي أداها إليه. وإذا كان التأمين على الحياة غير مؤقت بمدة، وكان لمصلحة ثالث، ومات هذا المستفيد قبل المستأمن برئت ذمة المؤمن وضاع على المستأمن ما دفعه من الأقساط، غير أنه لا يطالب بشيء من الأقساط الباقية إن وجدت، وإذا كان التأمين وارداً على أن يدفع مقداره في وقت معين وبقى حياً إلى هذا الوقت استحق المستفيد مقدار هذا التأمين، وإذا مات قبل هذا الوقت انتهى عقد التأمين وبرئت ذمة المؤمن وضاعت الأقساط، وللتأمين على الحياة صور أخرى يمكن الوقوف عليها من المؤلفات القانونية والمؤلفات الاقتصادية.

ثانياً: التأمين على الأشياء

التأمين على الأشياء هدفه تأمين المستأمن من ضرر يصيب ماله بطريق مباشر، وقد يكون محل التأمين عيناً معينة بذاتها، وقد تكون العين نوع محل التأمين لا ذاته، كالتأمين على البضاعة أو أي أمتعة توجد في مكان بعينه، وكالتأمين من السرقة أو الضياع على ما يحصل عليه الصيارفة من النقود.

وعقد التأمين على الأشياء لا يظهر فيه سوى شخصين، هما المؤمن والمستأمن، وهو في هذا كالتأمين على الأشخاص، وفي هذا العقد يعين عادة حد أقصى من النقود يقع عليه التأمين.

وهذا العقد ليس مصدراً لإثراء المستأمن، ويقتصر أثره على تعويضه في حدود الضرر الذي لحقه، وهو لا يستحق إلا أقل القيمتين، مبلغ التأمين، وقيمة الضرر، حتى لو فرض أنه تعدد منه التأمين على هذه الأشياء لدى جهات تأمين مختلفة. وهذا التأمين قد يكون تأميناً من السرقة، أو التبديد، أو الخيانة، وقد يكون تأميناً لكفالة الوفاء بدين المستأمن على غيره، أو لوقايته من إعسار مدينه، وقد يكون تأميناً من تلف المزروعات أو هلاك الماشية، وقد يكون تأميناً من الحريق، وهو أهم أنواع التأمين على الأشياء، وله أحكامه الكثيرة المفصلة في المؤلفات والموجزة في عقود التأمين، وهي في العادة تسري في سائر أنواع التأمين على الأشياء.

ثالثاً: التأمين من المسؤولية

هو عقد يلتزم به المؤمن للمستأمن بتحمل الضرر الذي يلحقه من جراء رجوع الغير عليه بالمسؤولية المالية، فهو عقد يظهر ثلاثة أشخاص، هم المؤمن والمستأمن وصاحب المسؤولية، ولهذا التأمين صفة الضرر كالتأمين على الأشياء، والتأمين من المسؤولية قد يكون تأميناً من خطر معين، وهو تأمين على قيمة مقدرة أو قابلة للتقدير، ويكون ذلك في التأمين من المسؤولية عن شيء معين في يد غير مالكه الذي يكون مسؤولاً أمام مالكه عن قيمته، كمسؤولية المستأجر عن حريق العين المستأجرة، ومسؤولية أمين النقل عن البضائع التي ينقلها.

وقد يكون تأميناً من خطر غير معين، كمسؤولية حوادث العمل، وحوادث النقل، وحوادث السيارات.

 وإذا كان التأمين قد حدد بمبلغ معين لا يكون المؤمن ضامناً للمسؤولية إلا في حدود هذا المبلغ، وإذا كان غير محدد بمبلغ معين يكون المؤمن ضامناً للمسؤولية أياً كان مقدارها.

هذه هي أهم أنواع التأمين الخاص الذي تقوم به الشركات التجارية، وهذه هي طبيعتها التي تكفي لإبداء وجهة النظر الإسلامية فيها. ومن أراد التوسع والوقوف على التفصيلات أمكنه الرجوع إلى ما ألف في موضوع التأمين باللغة العربية وغيرها.

ومنذ أن ظهر التأمين في الأقطار الإسلامية تناوله بعض المؤلفين ورجال الفقه الإسلامي، وكلما ازداد انتشار شركاته واتسعت الدعاية له كثر الخوض فيه فتناوله العلماء وغيرهم فرادى وفي بعض الهيآت، واختلفت آراؤهم فيه اختلافاً بيناً.

فمنهم من لم يجزه أصلاً محاولة لتطبيق أحكام العقود المعروفة في الفقه الإسلامي، ومنهم من أجاز التأمين بجميع أنواعه، ومنهم من أجاز بعض أنواعه دون البعض الآخر.

وقد أثيرت في بحوث الباحثين على اختلافهم المسائل الفقهية الآتية:

جواز إحداث عقود غير معروفة في صدر الإسلام أو عدم جوازه.

تطبيق أحكام الضمان والكفالة على التأمين أو عدم تطبيقها.

أحكام الجهالة والغرر والقمار والمراهنة.

هل في التأمين أكل لأموال الناس بالباطل أو لا؟

هل في بعض أنواعها رباً أو شبهة الربا أو هو خلو من ذلك؟

هل يمكن أن يطبق على التأمين أحكام عقد الصرف أو لا؟

هل فيه إعانة للشركات على الاستغلال المحرم أو لا؟ وإذا كانت فيه هذه الإعانة هل تبطله شرعاً أو لا؟ هل فيه غبن مبطل أو لا؟

هل في إباحته للمسلمين إبطال لمقوماتهم وخصائصهم الدينية بدون حاجة إليه أو ليس فيها شيء من ذلك؟ هل يصح الاستناد في إباحته إلى العرف والضرورة الاجتماعية أو لا يصح؟ إلى غير ذلك من المسائل الفقهية التي دعا إليها التوسع في البحث.

وقد عرض بحث في موضوع التأمين بجميع أنواعه في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، فقرر المؤتمر الاستمرار في دراسة أنواع التأمين الخاص الذي تقوم به الشركات بواسطة لجنة جامعة لعلماء الشريعة الإسلامية والخبراء الاقتصاديين والقانونين والاجتماعيين.

والأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر إذ تبلغكم هذه
الخلاصة لمسائل التأمين الخاص الذي تقوم به الشركات، ترجو موافاتها برأيكم - في أقرب فرصة ممكنة - في المشكلات التي يثيرها هذا النوع من التأمين،
وفي الحكم الشرعي الخاص بها. وذلك تنفيذاً منها لقرار مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الذي يقضي بالوقوف على آراء علماء المسلمين في
جميع الأقطار الإسلامية بالقدر المستطاع قبل إصدار الحكم في هذا النوع من التأمين.

والله الموفق.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

1967م

الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية

دكتور محمود حب الله

جواب الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  لاستفسار علماء الأزهر حول التأمين

بسم الله الرحمن الرحيم

العلامة الجليل الدكتور محمود حب الله الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية المحترم، السلام عليكم والدعاء لكم بخير الدنيا والآخرة.

إشارة لكتابكم المتضمن للاستفتاء عن الحكم الشرعي للتأمين الذي تقوم به الشركات بأنواعه نعلمكم أن البحث عن حكم التأمين الشرعي من حيث أنه نافذ المفعول عند الشارع، أو أنه معاملة فاسدة لا تقتضيها الموازين الشرعية يتطلب عرض الفقيه له على ما يحتمل تطبيقه عليه من المعاملات الشرعية، ومع عدم الظفر لا بد له من الرجوع للقواعد العامة الشرعية، ومع عدم شمولها له يرجع للأصول العملية الشرعية العامة فيحكم بما تقتضيه.

وعليه لا بد أن نستقرئ المعاملات الشرعية فنرى أياً منها يحتمل تطبيقها عليه.

والذي نحتمل أنه منها هو الضمان، أو الهبة المشروطة بتحمل الخسارة، أو الصلح المشروط بتحمل الخسارة.

فإنه له تمام الشبه بمعاملة الضمان، بل إنه من صغرياتها؛ فإن الضمان هو إدخال المضمون في عهدة الضامن والقيام بكافة ما يترتب على هذا الإدخال ولا مانع من شمول عمومات الضمان له.

نعم إنما يقع الإشكال من جهتين:

إحداهما: أن التأمين قد يعلق على بعض الشروط والتعليق في المعاملة يوجب بطلانها عند بعض المسلمين.

ولكن لنا دفعهُ حتى على هذا المبنى بأن نقول: إن الاشتراط في التأمين من قبيل الالتزام في ضمن الالتزام كما هو الشأن في كثير من المعاملات.

ثانيهما: أن الضمان يحتاج إلى لفظ ينشأ به الإيجاب وإلى لفظ مخصوص
ينشأ به القبول، وفي التأمين لا يوجد إلا التوقيع والتصدير دون أي لفظ في
البين.

ولكن لنا أيضاً دفعهُ بأن الإيجاب والقبول من الأمور الانتزاعية توجد بأسبابها الموجبة لانتزاعها، فقد تنتزع من اللفظ، وقد تنتزع من الفعل، ألا ترى أن توقيع الصك ينتزع منه قبوله له وكثير من الفقهاء من اعتبر سكوت البنت البكر في مقام العقد عليها قبولاً، ولا ريب أن توقيع الوثيقة ينتزع منه الإيجاب لإنشاء الضمان كما أن تصديرها من الشركة ينتزع منه القبول.

وإن لم يسلم أنه داخل في الضمان فيمكن إدخاله في الهبة المشروطة بتحمل الخسارة لا الهبة المشروطة بالضمان وإلا جاء الكلام السابق.

ويتصور هذا الوجه بأن يهب المستأمن ماله للشركة بشرط أن تتحمل الشركة الخسارة إن حدث حادث بالنفس أو المال، وليس هذا شرطاً من الشروط المخالفة لتبطل به الهبة أو أنها تقع الهبة، ولكنها تقع غير مشروطة بل هو شرط جائز لا مانع فيه.

وعليه يكون التأمين من صغريات هذه المعاملة.

وإن لم يسلم أنه داخل في الهبة المشروطة فيمكن إدخاله في الصلح
المشروط حيث أن في التأمين يتصالح الطرفان على أن يتحمل أحدهما ـ وهو الشركة ـ مقداراً من المال عندما يقع الحادث المعين، بشرط أن يدفع الطرف الآخر مقداراً معيناً من المال، وإن لم يسلم ذلك كله فلا بد أن نعتبر التأمين معاملة مستقلة.

ولنا أن نقول: إن القواعد العامة قاضية بصحتها لقوله تعإلى: [يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ] وقوله تعالى :[يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا] فإن مقتضى عموم العقد ومقتضى إطلاق التجارة ـ وأن الشارع في مقام البيان لا الإهمال ولا الإجمال ـ هو صحة معاملة التأمين؛ فإنه عقد من العقود وتجارة من التجارات وقعت عن تراضٍ.

 فالحق صحة التأمين ونفوذ مفعوله شرعاً بمقتضى ما قدمناه. نعم هناك
نوع من التأمين غير صحيح وهو الذي يشتمل على الفائدة الربوية، وهو أن تأخذ الشركة المال بعنوان الدين والقرض ثم تدفع المبلغ الذي دفعه طالب التأمين بعنوان الوفاء للدين مع الفوائد التي تجمعت عليه؛ لأنه يكون إذ ذاك دفع المال للشركة من قبيل القرض لها ويكون دفع أصل المال مع الفوائد لوصي طالب التأمين أو لوارثه من قبيل إعادة المال مع الفائدة، وهو الربا في القرض بعينه.

وأما ما جعله بعضهم موجباً لفساده من الغرر والجهالة الموجودين فيه
فهو غير صحيح؛ لأن الجهالة المبطلة للمعاملة الجهالة من جميع الوجوه،
والغرر المبطل للمعاملة هو الذي لا يرتضيه العقلاء، وتعد المعاملة معه أشبه بالسفه.

وأما دعوى كونه من المعاملة الربوية فهي فاسدة إذ لم يكن فيه بدلية المال بالمال، وإنما المال يجعل عوض المحافظة عليه والخسارة فيه، والفرق بينهما واضح. وأما دعوى حكومة العقل بعدم صحته فهي دعوى خالية عن البرهان فلا يسمعها ذو الفهم والوجدان..

الشيخ علي آل كاشف الغطاء

نص محضر الجلسة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم

محضر الجلسة الرابعة

15 من المحرم سنة 1385هـ - 16 من مايو سنة 1965م.

عقدت الجلسة الرابعة للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في الساعة العاشرة والربع من صباح يوم (الأحد الخامس عشر من شهر المحرم سنة 1385هـ) الموافق (السادس عشر من شهر مايو سنة 1965م) بقاعة الجلسات بمبنى محافظة القاهرة.

وافتتح فضيلة الإمام الأكبر الجلسة.

وأعطيت الكلمة للأستاذ وفيق القصار عضو المجمع لعرض بحثه في (المعاملات المصرفية) فنوه سيادته بأهمية الدور الذي تقوم به المصارف في الحياة الاقتصادية في العصر الحديث، وأشار إلى نشأتها وطريقة تكوينها، وبين أقسامها وأهداف كل قسم منها، وذكر أنواع المعاملات المصرفية المختلفة، وبين مواردها الذاتية والخارجية.

ثم تساءل عن حكم الربح المعروف بالفائدة؟

وانتهى إلى أنه يرى أن الفائدة المحرمة هي ما ينصرف إلى ربا الجاهلية الذي كان المرابون يرهقون به ذوي الحاجة، وليست هي التي تؤخذ عن ودائع المصارف بغرض صيانتها واستثمارها.  

نص محضر الجلسة الخامسة

بسم الله الرحمن الرحيم

محضر الجلسة الخامسة

15 من المحرم 1385هـ - 16 من مايو 1965م

عقدت الجلسة الخامسة للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في الساعة الخامسة والربع من مساء يوم (الأحد 15 من المحرم 1385هـ) - الموافق (16 من مايو 1965م) بقاعة الجلسات بمبنى محافظة القاهرة.

في بداية الجلسة أعطيت الكلمة للسيد الدكتور محمد عبد الله العربي عضو المجمع فألقى ملخصاً لبحثه في المعاملات المصرفية المعاصرة ورأي الإسلام فيها.

وبعد الانتهاء من عرض البحث أعطيت الكلمة لفضيلة الشيخ نديم الجسر عضو المجمع فاستعرض آيات الربا، وأشار إلى أنه كان موجوداً عند اليونان والرومان للقروض الإنتاجية والقروض الاستهلاكية، وأنه كان مثاراً للنقد والشكوى من الجميع، كما كان موجوداً عند العرب بنفس الصورتين، فلا ريب عنده في أن التحريم ينصب عليها.

وتحدث فضيلة الشيخ محمد أبو زهرة عضو المجمع فأكد سيادته أنه يجب إخضاع الاقتصاد لأحكام الدين.

 وأعطيت الكلمة لفضيلة الشيخ محمد مهدي الخالصي من علماء العراق فنبه إلى خطورة الربا بجميع صوره.

ثم تكلم السيد نعيم النعيمي من الجزائر، فحذر من تغليب المصلحة إلى الحد الذي يكاد يخالف النص، حتى المصالح المرسلة لا ينبغي الأخذ بها إلا عند انعدام النص أو الإجماع أو القياس.

وتكلم الدكتور عبد الحليم محمود عضو المجمع، فذكر أن مسألة الربا مسألة مقررة ومنتهى منها، فلا مجال فيها لرأي جديد، وما خالف ذلك فهو انحراف.

ثم أعطيت الكلمة للسيد وفيق القصار عضو المجمع، فدافع عن بحثه، وأكد أنه لم يخرج عن الحكم الإسلامي، وإنما هو يريد أن تساير الأحكام تطورات الزمن، ويجب أن تنطبق النصوص في جوهرها وروحها على أحوال المسلمين.

ورفعت الجلسة في الساعة الثامنة مساءاً على أن تستأنف صباح غد في الساعة التاسعة والنصف.

نص محضر الجلسة السادسة

بسم الله الرحمن الرحيم

محضر الجلسة السادسة للمؤتمر الثاني

لمجمع البحوث الإسلامية

"الفترة الأولى"

16 من محرم سنة 1385هـ - 17 من مايو سنة 1965م

عقدت الجلسة السادسة للفترة الأولى للمؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية في الساعة العاشرة من صباح يوم (الإثنين 16 من المحرم 1385هـ) الموافق (17 من مايو 1965م) بقاعة الجلسات بمحافظة القاهرة.

افتتح الإمام الأكبر الجلسة وأعطى الكلمة لفضيلة الشيخ عبد الرحمن القلهود عضو المجمع "ليبيا".

فعلق على بحث "المعاملات المصرفية" للأستاذ وفيق القصار، وأشار إلى التعقيبات السابقة في هذا الموضوع مكتفياً بالكثير منها مؤيداً موقف المخالفين من هذا البحث.

كلمة الشيخ علي كاشف الغطاء في المعاملات المصرفية

ثم قدمت كلمة سماحة آية الله كاشف الغطاء

وهي أنه ليس أحد من المسلمين يمكن أن يماري في حرمة الربا؛ لأنه إنكار للضروري، ثم تساءل عن المعاملات المصرفية أهي رباً أم لا؟

وذكر أنها مسألة خلافية وأن ما يمكن أن يسلك في صحة هذه المعاملات ينحصر في الآتي:

1. القول بضرورتها، فتكون في حكم ما يباح للضرورة، ويرجع في ذلك إلى شعور المتعامل، ويستمر الحكم كذلك حتى يوجد البديل الإسلامي.

2. إدخالها في باب المضاربة، وهذا لا يمكن أن ينطبق على جميع أنواع هذه المعاملات.

3. أن يدَّعى أن أدلة الربا المحرمة له تنصرف عن الربا بهذا النحو، وهذه الكيفية وعهدة هذه الدعوى على مدعيها.

4. المسلك الأخير، وقدم له بأن مالية الأوراق النقدية "جعلية" وتحتاج إلى تغطية من الدولة بطرق مختلفة.

وحيث أن الربا لا يكون في الأوراق النقدية إلا بنحو القرض، فإنه يمكن للبنوك أن تحول معاملاتها في الأوراق النقدية إلى الصورة البيعية لا القرضية وبذلك تبعد عن الربا.

وبيّن وسيلة التحليل في بعض أعمال البنوك المختلفة: وهي الأمانات، والتوفير والتحويل من شخص لآخر، والفوائد التي قد تصاحب الحسابات الجارية.

وذكر في بعضها الآخر خروجها عن نطاق الربا، كالتحويل من بنك إلى آخر، وخطاب الاعتماد وتحصيل الأوراق التجارية، وبيع وشراء الأسهم والسندات، والخصم على الكمبيالات.

نص بحث الشيخ علي كاشف الغطاء في المعاملات المصرفية والبنوك

قد طبعت كلمة سماحته في المعاملات المصرفية والبنوك ووزعت على جميع أعضاء المؤتمر، وهذه صورتها (22).

البحث للإمام كاشف الغطاءأحد مراجع الشيعة في الفتوى والتقليد

قال بعد الحمد والبسملة:

قبل الخوض في الموضوع أرغب أن ألفت نظر إخواني الأعزاء أنه ليس أحد من المسلمين فضلاً عن علمائهم الربانيين من يناقش في كون الربا محرماً عند الشارع، فإن صدور ذلك من مسلم قد تربى في الأوساط الإسلامية، ونهل من معين القرآن الكريم يكون من إنكار الضروري الذي لا يقوى عليه من كان له أدنى مسكة دينية، وإنما الكلام في أن معاملات البنوك والمصارف هل هي من الربا المحرم عند الشارع أم لا؟

وقد وقع نظير ذلك بين الفقهاء في مواضيع كثيرة لا تعد ولا تحصى، فهو نزاع في صغرى المسألة لا في كبراها، وفي مصداق موضوعها لا في نفس حكمها، وإلا فلا يعقل أن ينكر أحد حكماً شرعياً ضرورياً كان أشهر من نار على
علم، والذي يمكن أن يسلك في صحة مسألة معاملات البنوك والمصارف وجوه أربعة.

الوجه الأول:

وهو الذي أعتقد أنه أراده القائلون بالصحة من المتقدمين وأمضاه بعض المتأخرين، من أن أدلة الربا مقيدة بصورة عدم الاضطرار إليه وعدم لزوم الحرج في تركه، شأن سائر الأحكام الشرعية؛ فإنها مقيدة وجوبها بالبلوغ والعقل والقدرة وعدم الحرج الشديد، والمعاملات المذكورة بحكم الوضع الاجتماعي يكون مضطراً إليها التاجر ونحوه.

بل الآن نوع العملة المتداولة هي من البنوك والمصارف، فلو حرمنا ذلك- ونحن بهذا الحال والوضع- لزم الحرج الشديد بل اختلال النظام.

وعلى هذا الوجه لو رفع الله لواء الإسلام واستغنى أرباب الصناعة والبضاعة عن معاملات البنوك والمصارف يكون ارتكابها حراماً، حيث إذ ذاك لا نضطر إليها.

ولا يقال: على هذا الوجه أن المحرم لو كان هو الربا غير المضطر إليه لقيد الله تعالى كلامه بذلك، مع أن كلامه تعالى مطلق غير مقيد، فقد قال تعالى [وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا] ولم يقل عز اسمه: وحرم الربا غير المضطر إليه وغير الحرجي.

فإن لصاحب الوجه المتقدم أن يجيب عن ذلك بأن تقييد حكم الربا بذلك يستفاد من الأدلة الشرعية المتظافرة من القرآن الشريف والسنة الدالة على اعتبار عدم الضرورة والحرج في الأحكام الشرعية الإسلامية بأسرها، فيكون هذا القيد شأن سائر القيود للأحكام الشرعية المستفادة من دليل منفصل.

نعم هذا الوجه تابع لشعور المتعامل معها؛ فإن شعر بالضرورة الملحة على المعاملة معها صح له ذلك وإلا فلا.

الوجه الثاني:

أن تكون المعاملة مع البنوك والمصارف من باب المضاربة، ولكن هذا الوجه لو سلمنا تمامه فإنما يتم في بعض معاملات البنوك والمصارف، وهي التي يدفع فيها الإنسان المال للبنك ليعمل فيه بحصة معينة في ربحه دون صورة الأخذ منها لبناء دار أو عقار أو نحو ذلك أو في فتح دفاتر الاعتماد أو الحوالات أو في الأمانات المودعة عندها ونحو ذلك.

الوجه الثالث:

أن يدّعى أن أدلة حرمة الربا منصرفة عن الربا بهذا النحو.

وهذه الكيفية نظير ما قالوه في الراديو من دعوى انصراف اللهو إلى غيره، ونظير ما قالوا في السبيرتو من انصراف أدلة نجاسة المسكر إلى غيره، ونظير ما قالوه من انصراف الأدلة المتضمنة لحكم العلماء إلى علماء الدين لا العلوم الأخرى، ونحو ذلك مما يجده المتتبع في الكتب الاستدلالية الفقهية، وحرره علماء الأصول.

وكيف كان فدعوى الانصراف عهدتها على مدعيها.

الوجه الرابع:

و قبل الخوض فيه لا بد لنا من ذكر مقدمة تفيض على بيان الحكم الشرعي الإلهي لهذه المسألة معرفة وبصيرة:

وهي أن مالية الشيء إنما تقوم بتوفر جهة في الشيء توجب رغبة العقلاء فيه، وهذا يكون على نحوين أحدهما: ما كانت ماليته ذاتية، وهو ما إذا كان للشيء منافع وخواص ذاتية، فيرغب فيه العقلاء لتلك المنافع والخواص الموجودة فيه كالمأكولات والمشروبات والملبوسات وسائر وسائل الحياة.

ثانيهما: ما كانت ماليته جعلية، وهو ما إذا لم يكن للشيء أي مزية
ذاتية وإنما اكتسب المالية بواسطة الجعل له من قبل من له الجعل كالدولة، والبنك، والمصرف، وأظهر أمثلته الطوابع البريدية والمالية وتذاكر القطار وبطاقات اليانصيب.

والمهم أن نشرح مالية الأوراق النقدية؛ لأنها هي التي ترتبط بموضوعنا، وبشرح ماليتها عسى أن نوفق للحكم الشرعي الإلهي المتعلق بها في مقام المعاملات مع البنوك والمصارف، ولقد ظهر لكم أن ماليتها كانت من قبيل القسم الثاني، أعني من المالية المجعولة حيث كانت ماليتها منحصرة بالجهة التي يمنحها الاعتبار.

وحيث كان اعتبارها تابعاً لتغطيتها، فمن الجدير أن نبحث عن حقيقة هذه التغطية المعبر عنها "بغطاء العملة" لاختلاف الحكم الشرعي باختلافها والتغطية تقع على وجوه ثلاثة:

الوجه الأول:

أن تكون الدولة قد أودعت في الخزينة سبائك ذهبية أو فضية في مقابل الورق الذي يتعامل به على نحو تكون تلك الأوراق النقدية تتعهد الدولة بتسليم ما يقابلها مما ادخرت من الذهب والفضة، ويكون دفع دينار منها تحويلاً على المقدار من الذهب والفضة الموجود في المقابلة.

الوجه الثاني:

 أن يكون في مقابل الأوراق النقدية مقادير معينة من المال في ذمة من منحها ذلك الاعتبار كالدولة أو البنك، ويكون على هذا من دفع ديناراً منها يكون قد حوله على الدينار الذي بذمة المتعهد، نظير من يقرض شخصاً مالاً ثم يحول عليه، ويرجع ذلك إلى أن التعامل يكون على ما في ذمة الحكومة والأوراق النقدية إسناد بيد الشعب.

الوجه الثالث:

للتغطية أن تكون مالية الأوراق النقدية متقومة بالجهة الاعتبارية المحضة بأن تعتبر الدولة بأن كل ورقة مطبوع عليها الشعار الخاص، فهي بهذا المقدار من المال ويدعم ذلك بالتعهد من قبل الدولة بأن تقرر على نفسها أن تدفع ما يقابله من المال لو طولب من قبل الدولة الأخرى أو الشركات الأجنبية، وقد يكون هذا غير كافٍ، فتضطر الدولة إلى دعم ذلك فتودع المقادير اللازمة من الذهب والفضة في إحدى البنوك العالمية أو تدعم بما عندها من الثروات كالنفط ونحوه.

والظاهر أن الأوراق النقدية في هذا اليوم من الجنيه والدينار والليرة والدولار والروبيل والتومان ونحوها كلها حائزة على المالية المذكورة بهذا النحو نظراً إلى أن القيمة المالية المعينة لها الناشئة من جعل حكومتها لها يدعم ما اعتمدت عليه دولها من الاحتياط المدخر لديها.

وعلى هذا الوجه الثالث يظهر أنه لا يتحقق فيها الربا في المعاملة البيعية بالأوراق النقدية؛ لأننا قد حققنا في كتابنا النور الساطع في الفقه النافع أن الربا المحرم شرعاً في المعاملة البيعية إنما يكون إذا اتحد جنس العوضين وكانا من المكيل أو الموزون كما لو بيع صاع من الحنطة بصاعين، أما إذا كانا من غيرهما فلا يتحقق الربا بالبيع وإن كانا من جنس واحد مع الزيادة.

نعم إنما يتحقق في الأوراق النقدية في الربا في القرض فقط حيث لم يشترط شرعاً فيه ذلك فقد بيّنا هناك أنه لو باع الإنسان مالاً معدوداً كعشرين بيضة بخمسين بيضة إلى مدة أربعة أشهر كانت المعاملة صحيحة لعدم وقوع المعاملة النفعية على المكيل والموزون، بخلاف ما لو أقرضه عشرين بيضة بخمسين بيضة إلى مدة أربعة اشهر فإن المعاملة النفعية تكون باطلة شرعاً، فالنتيجة في الحالتين واحدة إلا أن العنوان مختلف، فإن كان قرضاً فهو رباً، وإن كان بيعاً فليس برباً، وعلى هذا المبنى لو باع شخص خمسة جنيهات بستة جنيهات لمدة ثلاثة أشهر مثلاً وقبل الآخر ذلك صحت المعاملة، وتكون نظير ما لو باعه داراً أو عقاراً على أن يدفع ثمنه بعد ثلاثة أشهر فإن المعاملة صحيحة نافذة المفعول شرعاً، بخلاف ما لو قرضه خمسة جنيهات بستة جنيهات لمدة ثلاثة أشهر، فإن المعاملة النفعية تكون باطلة؛ لأنها وقعت بنحو القرض لا البيع.

ويتلخص الحديث في أنّا نرجو من البنوك أن تجعل معاملاتها النفعية بالأوراق من المعاملة البيعية لا القرضية حيث تلزم شرعاً في الأول دون الثاني.

ولا بأس بالإشارة إلى حكم جملة من باقي أعمال البنوك والمصارف تتميماً للفائدة.

من أعمال البنوك الأمانات:

وهي الأموال التي يودعها أربابها في البنوك والمصارف حفظاً لها من التلف،  وبإزاء هذا الإيداع يعطي البنك فائدة للمودع تختلف بحسب المدة التي يكون فيها المال مودعاً، والكلام في ذلك في جهات في نفس الإيداع، وهو لا مانع منه شرعاً، وتصرف البنك والمصرف في المال المودع، وهو جائز شرعاً؛ لأن المودع بذلك بنحو إباحة تملك المال للبنك، وإلا فمجرد الإباحة في التصرف لا تصحح تملك البنك للأرباح وللمنافع الحاصلة بذلك المال المودع عنده، وحيث إن تملك المال بنحو المجانية، وبلا عوض للبنك لم تتحقق من صاحب المال، وإلا لكان صاحب المال لا يستحق شيئاً على البنك بعد ذلك، مع أن صاحب المال لا تسمح له نفسه بذلك، فلا بد أن يكون تمليكه إياه تمليكاً ضمانياً لا مجانياً، بمعنى أن صاحب المال يملك المال مضموناً على البنك بفائدة كذا، إلا أن هذا لا يخرج عن القرض بالفائدة؛ لأن القرض عبارة عن تمليك المال للغير مضموناً عليه، فإذا كان مع الفائدة صار من الربا في القرض.

نعم يمكن تصحيح المعاملة وصحة أخذ الفائدة شرعاً بأن يقصد صاحب المال البيع بينه وبين البنك فيبيع ما عنده من المال القليل على البنك بمال أكثر، كأن يبيع ألف جنيه على البنك بألفين إلى مدة معينة بناء على ما ذكرناه من عدم جريان الربا في الأوراق النقدية بنحو البيع.

ولا يقال: إن ذلك من قبيل بيع الصرف فيشترط فيه التقابض في المجلس؛ لأن بيع الصرف المعتبر فيه ذلك هو بيع النقدين، وقد عرفت أن الأوراق ليست منها.

ومن أعمال البنوك التوفير:

التوفير هو يشبه الأمانات إلا أن الأمانات ليس لصاحبها استرجاعها قبل المدة، ولكن في التوفير له ذلك في أي وقت شاء، وتحسب له الفائدة بحسب مدة بقاء المال عند البريد والبنك، ولابد من تصحيح المعاملة البيعية فيه بالنحو المذكور بجعل البيع الواقع فيه مشروطاً بأنّ له خيار الفسخ لنفسه في أي وقت كان، على أن يدفع البنك الفرق بحسب المدة التي يبقى فيها المال فيكون من قبيل الاشتراط في ضمن الاشتراط.

ومن أعمال البنوك التحويل:

وهو على صورتين، إحداهما أن يدفع الإنسان للبنك مالاً ليأخذه من بنك آخر، ويعطي صاحب المال للبنك مقداراً من المال، وهذا الإشكال فيه سواء جرت المعاملة حتى على نحو القرض؛ لأن الربا إنما يكون في صورة الزيادة التي يأخذها الدائن من المديون لا الزيادة التي يأخذها المديون من الدائن.

ثانيها: أن يدفع الشخص المال المعين لشخص آخر، ويأخذ منه تحويلاً على البنك بنحو الزيادة، وهو لا يصح على المبنى الذي قدمناه إلا بنحو البيع، بأن يبيع المبلغ القليل بالكثير، والشيك والصك لا يخرج عن كونه ورقة تحويل، فهو يجري فيه ما يجري في التحويل.

ومن أعمال البنوك خطاب الاعتماد:

وهو أن يزود البنك الشخص بخطاب يخول فيه البنوك والمصارف تزويد حامل الخطاب بما يحتاجه من المال إلى حد معين والغاية من ذلك هو التسهيل على المسافر من حمل النقود معه إلى البلاد المسافر إليها وحفظاً من تلفها وضياعها، وعليه أن يدفع المبلغ بكامله للبنك مع الزيادة وهو جائز شرعاً لما ذكرناه في التحويل؛ لأن الزيادة إنما كانت في طرف الدائن.

ومن أعمال البنوك تحصيل الأوراق التجارية:

وهو أن يقوم البنك بمطالبة المدين بالمال المستحق عليه لصالح الدائن وبإزاء ذلك يأخذ البنك مقداراً من المال من الدائن نظراً لما قام به من العمل في تحصيل الدين، ولا إشكال في ذلك شرعاً؛ فإن البنك يكون وكيلاً عن الدائن في المطالبة، ويكون ما أخذه من قبيل الجعالة أو الأجرة.

ومن أعمال البنوك بيع وشراء الأسهم والسندات:

كثيراً ما يتفق أن تكلف إحدى الشركات البنك ببيع الأسهم والسندات التي تملكها فيأخذ البنك فائدة على بيعها، ولا إشكال من ناحية الشرع الشريف في ذلك، لأن أخذه للفائدة كان أجرة لعمله أو جعالة له.

ومن معاملات البنوك خصم الأوراق التجارية "الكمبيالات":

وهو أن يدفع البنك للمقترض قبل الموعد المحدود قيمة الكمبيالة مقابل أخذ مقدار معين منه يسمى بمصاريف القطع والكمبيالات، ومن الواضح عدم تحقق الربا في ذلك؛ لأنه من نوع بيع الدين بأقل منه مع أن الدين لم يكن من المكيل والموزون؛ لأنه من الأوراق النقدية.

ومن أعمال البنوك الحسابات الجارية:

إن من له رصيد في البنك له أنْ يسحبه كله أو بعضه، ولكن قد يسمح له البنك بسحب مبلغ زائد على رصيده يعين البنك مقداره تبعاً لوجود الثقة، ويسمى ذلك بالسحب المكشوف على أن تجعل الفائدة على المبالغ المسحوبة التي تزيد على رصيده وهذا كما تقدم بنحو القرض يكون رباً وبنحو البيع لا مانع منه.

انتهى كلامه، رفع مقامه.

ذكر الصحف لكلمة الشيخ علي كاشف الغطاء في المعاملات المصرفية

قالت صحيفة الأهرام بتاريخ 18/ 5/ 1965م ما نصه:

(تداولت المناقشات بين الشيخ كاشف الغطاء من علماء العراق والشيخ عبد الرحمن وزير العدل السابق في ليبيا والدكتور عثمان خليل والحاج أبو بكر جولي والحاج محمد الأول اوجسنو (النيجر) والسيد محمد عبد الودود (موريتانيا) والسيد أحمد عمر (غينيا) والشيخ عبد الحميد السائح (القدس) والسيد مفتي باكستان. والشيخ علي عبد اللطيف الجسار (الكويت) ومحمد طه يحيى (اندنوسيا) وأبو إسحاق إبراهيم (عمان) ومنصور عبد العزيز (وزير عدل اليمن) وضياء الدين بابا خانوف (مفتي روسيا) والشيخ علي عبد الرحمن (السودان) والدكتور عبد الله العربي والدكتور وفيق القصار ووافق المؤتمر على تشكيل لجنة علمية تضم عدداً من علماء المسلمين وخبراء القانون والاقتصاد والشؤون المالية والإدارية لوضع مشروع قانون بإنشاء أول بنك إسلامي يتولى جميع المعاملات الحالية بالبنوك على أساس تجاري غير ربوي وعلى قواعد الشريعة الإسلامية، بحيث يبدأ بإنشائه في إحدى الدول الإسلامية ثم يعمم نظامه بعد ذلك في بقية الدول الإسلامية).

ويذكر أن الحكم والقرار الذي اتخذ بالمجمع كان مطابقاً لرأي سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره .

فقد جاء في مجلة نور اليقين بعددها 9 لسنتها الثالثة بتاريخ (ربيع الأول سنة 1385هـ يوليو 1965م) في القرار الخامس للمؤتمر المذكور قالت:

(اعتبار الفائدة على أنواع القروض كلها رباً محرم مع اعتبار أعمال البنوك من الحسابات الجارية وصرف الشيكات وخطابات الاعتماد والكمبيالات الداخلية من المعاملات المصرفية الجائزة).

وجاء في صحيفة الأخبار المصرية 18/ 5/ 65.

(آية الله كاشف الغطاء (العراق) قدم بحثاً يتضمن السؤال التالي: هل معاملات البنوك من الربا شرعية ام لا؟ وتضمن البحث أن الفائدة التي تعطيها البنوك للمودعين ليست من الربا.. وضرب أمثلة على عدم وجود الربا في الحالات التي منها أن يدفع مالاً لبنك يأخذه من بنك آخر ويأخذ منه تحويلاً بالزيادة، ومنها أعمال البنوك الخاصة بخطاب الاعتماد وغرضها التيسير على المسافر لقضاء مصلحته، وهذا جائز شرعاً؛ لأن الزيادة من طرف الدائن، ومنها بيع وشراء الأسهم، ومنها الحسابات الجارية بالسحب على المكشوف بقصد القرض جائزة شرعاً).

كلمة  الشيخ علي كاشف الغطاء عند ختام المؤتمر

وفي ختام المؤتمر كانت كلمة ختامية للشيخ كاشف الغطاء  قدس سره .

قد ذكرتها صحيفة الجمهورية والثورة العربية (23/ 5/ 1965م) تحت عنوان كاشف الغطاء يدعو لاتفاق كلمة المسلمين.

قالت:

(طالب فضيلة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء في الجلسة الختامية التي عقدها يوم أمس في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بإصدار توصية موجهة إلى العالم الإسلامي لإزالة الخصومات التي فرقت شمل المسلمين وأتاحت لأعدائهم الفرص لتحقيق مآربهم).

وتحدثت صحيفة الأهرام (23/ 5/ 1965م) عن هذه الكلمة فقالت:

(تحدث الإمام آية الله كاشف الغطاء عن تيارات الإلحاد المنتشرة في الثقافات الوافدة على العالم الإسلامي، وهناك صحف عربية أخرى قد أشادت وأشارت لهذه الكلمة) (23).

وقد أشارت مجلة الأزهر إلى ذلك في عددها الخاص بالمؤتمر في الجزء الأول السنة السابعة والثلاثين محرم سنة (1385هـ مايو 1965م) صفحة 113.

زيارة الشيخ علي كاشف الغطاء لمرقد الحوراء زينب بنت علي والزهراء  عليهم السلام  

قد تشرف سماحة الشيخ  قدس سره  بزيارة مرقد زينب بنت علي  عليهما السلام  والمسجد المتصل بالمرقد في القاهرة (24).

 وكان سادن الروضة الشيخ محمد عمارة وباقي خدم الروضة يشرحون ويذكرون المعلومات الوافية عن هذه البقعة الطاهرة، وعن كرامات السيدة زينب، وكان مكتوب في مدخل المرقد:

نسل طه المصطفى بنت المرتضى

وفي الباب الأول التاريخ شعراً:

باب الشفاعة عند قبة زينب
مِن يُمنِ توفيق العزيز مؤرخ

 

 

يلقاه غاد للمقام ورائح
نور على باب الشفاعة لائح

 

 

وفي الباب الثاني:

[قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى]

قف توسل بباب بنت علي
تحضَ بالعز والقبول وأرخ

 

 

في خضوع وسل إله السماء
باب أخت الحسين باب العلاء

 

 

وفي الداخل والخارج من الحرم تكرار هذه الأبيات:

أدم الصلاة على النبي وآله
أعمالنا بين القبول وردها

 

 

فقبولها حتم بدون تردد
إلا الصلاة على الرسول محمد

 

 

وعلى الضريح الطاهر:

يا سيدة زينب يا بنت فاطمة
 

 

الزهراء بنت رسول الله
 

 

وداخل الضريح:

[إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا].

[قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى].

وعلى جدران المسجد المقدس سورة هل أتى بكاملها.

وعرض علينا([10]) سادن الروضة الشيخ محمد عمارة كسوة الضريح
الشريف، فإذا الآيات والأحاديث مطرزة بالذهب، وكلها في أهل البيت
 عليهم السلام :

منها: قوله تعالى: [رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البيت].

[إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا].

[قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا].

[أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ].

 وكان تاريخ الكسوة الجديدة (1385هـ) وكلفتها ألفا دينار.

زيارة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  لمرقد السيدة سكينة

ثم توجه سماحة الشيخ  قدس سره  إلى مرقد السيدة سكينة  عليها السلام ، ويبعد مرقدها كثيراً عن مرقد الحوراء زينب  عليها السلام .

ومرقد السيدة نفيسة لا يبعد كثيراً عن مرقد السيدة سكينة بنت الحسين عليه السلام  والسيدة نفيسة هي بنت الحسن الأنور بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام  كتب على الضريح. ما يأتي:

 مقصورة أتقنت لله صنعتها
 تذيع همسة منشيها مؤرخة
يا من أتى متوسلاً بنفيسة

 

 

تستوجب الشكر عند الله والناس
من بعض أطيب حسان بعباس
 أبشر بنيل القصد والإسعاد

 

 

زيارة الشيخ علي كاشف الغطاء   قدس سره  لجامع الأزهر

 وقد زار الشيخ بعد ذلك جامع الأزهر، والأزهر جامعة إسلامية أسست على عهد الدولة الفاطمية، وسمي بالأزهر نسبة للزهراء  عليها السلام . بناه القائد
الذي فتح مصر، وهو جوهر الصقلي بأمر المعز لدين الله الفاطمي، وقد
دون تاريخ البناء 972، وفيه 360 أسطوانة، وقسم داخلي للطلاب وأروقة للتدريس كما يأتي:

رواق للعراق، ورواق للأتراك، ورواق السادة المغاربة، ليبيا تونس الجزائر مراكش، ورواق السلطان جوهر القنقبائي، قام ببناء المدرسة وقبره في محل مكتبته في المدرسة قرب جامع الأزهر، وهو من المماليك وفي عهد الدولة الفاطمية.

ثم تبرع الإمام كاشف الغطاء  قدس سره  للأزهر الشريف بملغ 145 ديناراً عراقياً لطلبة العلم في الجامع الأزهر.

ونشرت جريدة الأهرام وغيرها في القاهرة هذه المبرة الخيرية من سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  لطلاب العلم، وشكره على ذلك الإمام شيخ الأزهر الشيخ حسن مأمون، وقدم لسماحته قرآناً ثميناً.

زيارة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  لمكتبة الأزهر

 ثم زار الشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  مكتبة الأزهر الشريف، فتقدم فضيلة الشيخ أبي الوفا المراغي مدير مكتبة الأزهر، ورحب بسماحة الشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  أجمل ترحيب واطلع على الكتب المهمة الخطية، ففيها مائة وثلاثون ألف مجلد في مختلف العلوم، ومرتبة على حسب العلوم، وهناك المصاحف الشريفة الكبيرة القديمة بالخط الواسع الجميل المذهب، وفيها مصحفان صغيران كل واحد منهما موضوع في صندوق أثري ثمين، وهما مذهبان أثريان، ويوجد مصحف شريف بالخط الكوفي يرجع تاريخه إلى أوائل القرن الرابع الهجري، وهو على رق غزال، كما يوجد مصحف شريف بخط أبي المحاسن بن أبي النجيب (528هـ).

دعوة مشيخة الأزهر للشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  بتناول العشاء (25)

بسم الله الرحمن الرحيم

بمناسبة انعقاد المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية يسر الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر دعوة سماحة آية الله العظمى الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء لحضور مأدبة العشاء التي تقام تكريماً لأعضاء المؤتمر في الساعة التاسعة من مساء يوم (الجمعة 13 من المحرم سنة 1385هـ) الموافق (14 من مايو سنة 1965م) بفندق سمير أميس.

دعوة جامعة الأزهر للشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره

بسم الله الرحمن الرحيم

يتشرف أحمد حسن الباقوري مدير جامعة الأزهر

بدعوة السيد المفضال الأستاذ آية الله العظمى الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء إلى تناول العشاء احتفاء بالأخوة الإسلامية ممثلة في وفد العالم الإسلامي إلى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية.

وذلك في تمام التاسعة مساء يوم الأحد خامس عشر المحرم سنة
خمس وثمانين وثلاث مئة وألف الموافق (16/ 5/ 1965م) بمبنى جامعة
الأزهر.

دعوة جمعية الشبان المسلمين للشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  (26)

المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين

12 شارع رمسيس بالقاهرة

آية الله العظمى الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء، العراق.

يسر اللواء محمد صالح حرب الرئيس العام لجمعيات الشبان المسلمين دعوة سيادتكم لتناول العشاء مع السادة العلماء الأجلاء أعضاء المؤتمر الإسلامي لمجمع البحوث الإسلامية ولمشاركة المركز العام الاحتفاء بحضراتهم.

وذلك في الساعة الثامنة والنصف من مساء يوم (الإثنين 16 من المحرم 1385هـ) الموافق (17 من مايو 1965م) بدار المركز العام.

دعوة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية للشيخ علي  كاشف الغطاء  قدس سره   (27)

بسم الله الرحمن الرحيم

الجمهورية العربية المتحدة

المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية

يتشرف محمد توفيق عويضة سكرتير عام المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية.

بدعوة السيد آية الله العظمى الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء لحضور حفل العشاء الذي يقيمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية تكريماً لوفود العالم الإسلامي إلى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية.

وذلك في تمام التاسعة مساء الثلاثاء سابع عشر المحرم سنة خمس
وثمانين وثلاثمائة وألف الموافق (18/ 5/ 1965م) بمدينة ناصر للبحوث الإسلامية.

دعوة نقابة المهن التعليمية للشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره

بسم الله الرحمن الرحيم

نقابة المهن التعليمية

يسعد السيد محمد يوسف نقيب المعلمين دعوة سماحة السيد آية الله العظمى الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء لحضور حفل العشاء الساعة التاسعة مساء يوم (19/ 5/ 1965م) بنادي المعلمين بالجزيرة بالقاهرة.

بمناسبة تكريم السادة أعضاء وفود المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية.

دعوة الرئيس عبد السلام عارف  للشيخ علي كاشف الغطاء  بقصر عابدين (28)

يتشرف المشير الركن عبد السلام محمد عارف رئيس الجمهورية العراقية، بدعوة سماحة آية الله العظمى الإمام الشيخ علي كاشف إلى مأدبة العشاء التي ستقام بقصر عابدين تكريماً للسيد الرئيس جمال عبد الناصر.

يوم الجمعة 21 مايس (مايو) سنة 1965 الساعة 9 مساءاً.

زيارات الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره

زيارة غزة

سافر الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  إلى غزة (19 محرم 20 مايو) الساعة 4 بعد الظهر، وكان منهج الزيارة كما ورد مطبوعاً، ما يأتي:

إدارة الحاكم العام لقطاع غزة.

إدارة الشؤون العامة.

التاريخ 19/5/1965

برنامج زيارة وفد المؤتمر الإسلامي لقطاع غزة

 الخميس (20/ 5/ 1965م) الساعة حوالي 1700 الوصول إلى أول غزة وزيارة الأماكن الآتية:

1. خط الهدنة عند بيت حانون.

2.  زيارة معسكر جباليا للعائدين الجمعة (21/ 5/ 1965م) الساعة 900.

3. التوجه إلى المركز الثقافي العربي لسماع محاضرة عن القضية الفلسطينية يلقيها السيد هارون رشيد عن منظمة التحرير الفلسطينية.

4. صلاة الجمعة بالمسجد العمري الكبير.

5. تناول الغداء بدعوة من السيد الحاكم العام بالمقر الرسمي.

6. العودة إلى العريش بسلامة الله تعالى.

والله أكبر والنصر للعرب وإننا لعائدون.

المقدم مدير الشؤون العامة

محمود حمدي سليط

وقد كان يصحب الشيخ شيخ الأزهر، واعضاء.

 وقد زار سماحة الشيخ الإمام السد العالي وبور سعيد.

جاء في صحيفة الجمهورية المصرية (28 مايو 1965م) ما يأتي تحت
عنوان:

رئيس علماء الشيعة بالعراق

زار مدينة الإسماعيلية أمس السيد آية الله كاشف الغطاء رئيس علماء الشيعة بالعراق حيث شاهد ورش هيأة القناة واطلع على سير الملاحة بقناة السويس (29).

وزار معمل معرفة الماء والهواء والتربة والمد والجزر.

وزار الجامع المطل على القناة.

وذهب سماحة الشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  لقراءة الفاتحة على أرواح شهداء بور سعيد، وكانت ترافقه الهيآت الرسمية يحملون إكليل الزهور كتب عليه ما يأتي:

(من وفد علماء الشيعة بالعراق للنصب التذكاري لشهداء بور سعيد في العدوان الثلاثي) (30).

جاء في جريدة الأهرام (29 /5 /65) ما يأتي:

(سماحة الإمام آية الله العظمى كاشف الغطاء رئيس علماء الشيعة بالعراق يقرأ الفاتحة على أرواح شهداء معركة بور سعيد عند زيارته لبور سعيد أمس وإلى جانبه اللواء حسن رشدي المحافظ بالنيابة).

وقد كتب سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  في سجل الزوار

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

لقد شاهدت في هذه البقعة التي تشرفت بدماء الشهداء الذين أثبتوا للعالم الإنساني أن أمتهم هي الجديرة بالحياة، شاهدت معاركهم الدامية وتفانيهم في حب الوطن الذي كان نتيجة أن يخوضوا في بحر من الدماء البريئة ويبوء أعداؤهم بالخزي والعار والعاقبة للمتقين المجاهدين في سبيل الله.

(25 محرم الحرام 1385هـ)           المفتقر إلى الله الشيخ علي كاشف الغطاء

وقدم محافظ بور سعيد مدالية ذهبية لسماحة الشيخ.

وعند زيارتة لمعمل الغزل والنسيج كتب في سجل الزوار ما يأتي (31):

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

لقد رأيت بعيني عجاباً عندما زرت شركة النصر للغزل والنسيج ببور سعيد، صانها الله  عجل الله فرجه الشريف  من كل عتيد مريد، رأيت سواعد مفتولة وإنتاجاً عظيماً بروح مشبعة بالإخلاص والحب للأمة العربية، وآمنت من هذا وذاك بأن الشعب المصري جدير بالحياة.

وأسأله تعالى أن يأخذ بيده في جميع مجالات الحياة، ويحل به عقد المكاره عن هذه الأمة، ويزيل به عنها مبرحات الشدائد، فإنه أحسن من دعي وأفضل من أجاب.

25 محرم الحرام المفتقر إلى الله

الشيخ علي كاشف الغطاء

زيارة الاسكندرية

برنامج زيارة أعضاء المؤتمر الثاني

لمجمع البحوث الإسلامية من علماء الشيعة بالعراق

يومي السبت والأحد 29 - 30 مايو 65

السبت 29/5 / 65.

الساعة 9 ونصف زيارة المتحف اليوناني الروماني.

الساعة 11 زيارة معهد الأحياء المائية.

الساعة 11:30 زيارة قصر رأس التين.

الساعة 12 زيارة محطة الركاب البحرية.

بعد الظهر جولة حرة في المدينة وزيارة مسجد أبي العباس ثم تناول الشاي في نادي الصيد، مطل عل البحر.

ليلاً تناول طعام العشاء في مدينة أبي قير في مطعم زفيرون، مطل على البحر.

الأحد 30/ 5/ 965.

الساعة 9 زيارة حديقة وقصر المتنزه وشركة صناعة إطارات السيارات.

الساعة 10 زيارة شاطئ المعمورة.

الساعة 10:30 التوجه إلى كفر الدوار لزيارة مصانع شركة مصر للغزل والنسيج وشركة صباغي البيضة.

العودة إلى القاهرة.

السكرتير العام المساعد

عبد المنعم عبد ربه

مقابلة مجلة روز اليوسف للشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  (32)

العدد 1929 - السنة الأربعون (الإثنين 31 مايو 1965م) ص40 قالت:

(الإمام آية الله علي كاشف الغطاء يتكلم العدد القادم)

وفي العدد القادم 1930 - السنة الأربعون، (الإثنين 8 يونيو 1965م) ص42 قالت - تحت العناوين الآتية:

(الإمام آية الله علي كاشف الغطاء يقول:

الدين الإسلامي يساير الحضارة التي توفر السعادة للإنسان.

زواج المتعة يجب أن يطبق في كل أنحاء العالم.

تحديد النسل جائز لمجرد أن الزوجة غير قادرة على تربية الأولاد).

التقيت بأحد زعماء الشيعة بالعراق:

قال لي: إنه سيعقد مؤتمر في العراق للتقريب بين المذهب الشيعي والمذهب السني حتى لا يترك للاستعمار وأعداء وحدة الكلمة أن يغذوا الخلافات الطائفية.

تحدث عن زواج المتعة وشرح كيف يمكن للرجل أن يتزوج امرأة لمدة محددة شهراً أو شهرين أو ربما أقل بلا عقد مكتوب وبلا شهود مجرد موافقة شفوية بين الاثنين فقط.

وتحدث عن الأزياء وعن الموضات وعن السينما والتمثيل والاختلاط قال: إنه لا يرى مانعاً في أن تحدد المرأة نسلها، لكنه يعارض الإجهاض.

وإمام الشيعة جاء إلى القاهرة على رأس وفد من علماء الشيعة لأول مرة.. واسمه الإمام آية الله علي كاشف الغطاء.. إنه واحد من عائلة كاشف الغطاء التي تتزعم الشيعة في العراق منذ أكثر من ثلاثة قرون.. ومقره مدينة النجف..

والإمام علي كاشف الغطاء هو أحد زعماء الشيعة في العراق، عمره اثنان وخمسون عاماً.. ولد في مدينة النجف، وتخرج في مدرستها، وهي أشبه بالأزهر الشريف.

وأعد قائمة طويلة من الكتب.. أخذ يعددها لي بعضها من أربعين مجلداً.. كتب تتضمن دراسات فلسفية ودينية وروحية ومناظرات.. وأبحاثا عديدة في اللغة والنحو والأرواح والشياطين والجن والنفس.

لم يترك مجالاً دون أن يكون له فيها دراسات ورأي، ومن أبرز آرائه التي قالها بمجرد أن جلست معه: إننا نعيش الآن في عصر الصناعة، كانت الحياة زمان ليس فيها شيء، وأصبح فيها كل شيء.. حتى الطعام كان زمان صنفاً أو ربما صنفين، وتطور كل شيء حتى أنواع الطعام، وإن واجب علماء الدين أن يلاحقوا هذا التطور الهائل، ولا يقفوا جامدين مكانهم فالإسلام لا يمكن أن يصطدم بالحضارة الصحيحة التي تتجسم فيها سعادة الإنسان.. بل إن الإسلام يوجب هذه الحضارة.

وهذه هي المرة الأولى التي يزور فيها الجمهورية العربية المتحدة ليحضر مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية.. ومن المهم أن وفداً من علماء الشيعة جاؤوا إلى المؤتمر وجاء وفد آخر من علماء السنة من العراق أيضاً وجلسوا في قاعة واحدة.. تبادلوا فيها الرأي فيما يهم المسلمين، ويرى الإمام ضرورة التقريب بين المذاهب الإسلامية وتوحيد كلمة المسلمين، فالفرقة لا يستفيد منها إلا المستعمر وليس هنك خلافات جوهرية في العقيدة بين المذاهب الإسلامية المختلفة.

ولزعيم الشيعة موقف مشرف أثناء تأميم قناة السويس، فقد أصدر فتوى أيد فيها تأميم القناة، ودعا فيها إلى مساندة الشعب المصري في معركته.

ولقد التقيت بالإمام في فندق أطلس بالقاهرة، وكان محدداً لي أن أمضي معه نصف ساعة، فأمضيت معه أربع ساعات، لم أملّ خلالها من حديثه، وفتح لي الرجل قلبه.. وأجاب على كل سؤال.

ومن الطبيعي أن أول سؤال كان لي عن أوجه الخلافات بين المذهب السني والمذهب الشيعي.

وقال: الخلافات ليست جوهرية، وأنا أعجب أن المسيحية رغم ما بينها من اختلافات في العقائد، فهي متفقة.. ونحن والحمد لله نتفق في العقيدة، وإنما نختلف في الفروع.. والانشقاق الطائفي تحول إلى ترنيمة عذبة يرقص عليها الاستعمار والطامعون، ونحن جميعاً نؤمن أن الإسلام جاء لسعادة البشرية، ومما لا شك فيه أن الانشقاق الطائفي والمذهبي ضد السعادة، والشيء الثاني إننا نقول أن كل شخص يتمسك بدينه الإسلامي ليعيش عيشة راضية في الآخرة، وتختلف الأساليب لذلك، وفي الحياة تجد اختلافاً في طرق المعيشة، ولا يوجد تناحر، فمن باب الأولى أنه لا يجب التطاحن على المعيشة الأخروية، وإني أعتقد أنه لو خرج محمد  صلى الله عليه واله وسلم للوجود لما رضي بهذا الانشقاق وبهذه الاختلافات التي سلطت علينا الأعداء.

سؤال: هل هناك محاولات للتقريب بين المذهبين؟

جواب: نعم.. هناك محاولات عظيمة، ولعل مجمع البحوث الإسلامية يكون أحد الأسباب القوية في التقريب بين مذهب التسنن والتشيع.. وإني لأرجو له التوفيق في هذه الأعمال التي ترفع مستوى الإسلام والمسلمين في هذا العصر الذي تبلبلت فيه الأفكار.. وانعدمت فيه المثل العليا..

سؤال: هل بذلت هذه المحاولات فعلاً؟

جواب: لقد ظهرت بوادرها في المؤتمر الأخير لمجمع البحوث الإسلامية، وأهمها ما كنا نلمسه من أعضائه من فتح لباب الاجتهاد، فهي خطوة موفقة للتقريب بين المذهبين.

سؤال: على مستوى الجمهورية العراقية هل بذلت هذه المحاولات؟

جواب: الجمهورية العراقية جادة بكل قواها لجمع الصف ووحدة الكلمة، وإن ما تقوم به من الأعمال الدينية تبشر بالخير لإزالة الفرقة وتوحيد الكلمة.

وعندما أعود إلى العراق فسوف أعقد مؤتمراً إسلامياً في العراق لنعرض فيه مشاكل المسلمين والحوادث التي تمر عليهم وسنلتقي فيه برجالات السنة وعلمائهم.. ونأمل أن نوفق في هذا المؤتمر إلى توحيد كلمة المسلمين والقضاء على الطائفية.

سؤال: الحقيقة أن هناك بعض الأحكام في المذهب الشيعي تتطلب فهماً.. أنا مثلاً لا أفهم حكاية زواج المتعة؟؟!

جواب: قبل أن أشرح لك زواج المتعة أقول: إنه لا حل لمشكلة الزواج بين الرجل والمرأة إلا بزواج المتعة، وسيجيء يوم على العالم يكون الزواج فيه نوعاً من هذا القبيل.. وزواج المتعة زواج مؤقت بعقد محدود الأجل، كأن يتزوج الإنسان لمدة شهر أو شهرين أو سنة وعند انتهاء مدة العقد تنتهي آثاره، ويستطيع الرجل أن ينهيه في أي وقت.. والعقد هنا غير مكتوب.

سؤال: هناك شهود؟

جواب: نحن لا نحتاج إلى شهود في الزواج عموماً، ولكن في الطلاق لا بد من شهود، على أن الأولاد الذين ينتجون من هذا الزواج يلحقون بالرجل.. وإذا انتهى العقد وكانت المرأة حاملاً لا تتزوج حتى تضع وليدها، فإذا لم تكن حاملاً فإنها تمضي العدة.

سؤال: هل يمكن أن يكون هذا الزواج لمدة يوم أو أسبوع؟

جواب: يمكن، ولكن هذا لا يحدث عادة.

سؤال: وما الحكمة من وجوده بجوار الزواج الدائم ؟

جواب: هو في صالح المرأة والأسرة؛ فإن فيه حلاً لمشاكل الطلاق، ويجعل المرأة تعيش في حرص على أن يستمر هذا الزواج ويتجدد.. ولقد جربنا ما يقع من نتائج للعقد المؤقت للزواج، فوجدنا أن نتيجته الدوام.

سؤال: ولكن ذلك يجعل المرأة تعيش قلقة طوال حياتها؟

جواب: تعيش المرأة حياتها تحرص على جو التفاهم بينها وبين زوجها، وأنا أعتقد أن مشاكل الزواج لن تحل إلا بالعقد المنقطع، وسيأتي يوم ـ كما قلت ـ لا يكون الزواج إلا بالعقد المؤقت، هذا فضلاً عن أن هذا الزواج يعصم من الانحراف.

سؤال: هل يدفع الرجل نفقة للزوجة بعد ذلك؟

جواب: لا، إلا إذا اشترطت ذلك.. ولكنه لابد أن يدفع مهراً.

سؤال:  هل له إذا كان متزوجاً بأربعة أن يتزوج زواج المتعة أيضاً إلى جانب ذلك؟

جواب: يمكن، ولكن أي رجل يستطيع ذلك.. لابد أن تعرف أن الإنسان أحيانا يمر بلحظات ضعف، فيكون الموقف إما زنىً.. أو عقد زواج متعة.. والأفضل هو عقد المتعة.

سؤال: والطلاق.. إن الأصوات ترتفع عندنا تطالب بتحديده؟

جواب: نعم.. لا بد أن يحدد، وعندنا هناك عوائق كثيرة ضد الطلاق، فالطلاق المعلق لا يقع.. والطلاق في حالات الغضب لا يقع، وأثناء الحيض لا يقع، وفي طهر واقعها فيه لا يقع.. ولا بد أن يكون أمام شاهدين من الشهود العدول.. بالاختصار لا بد من وضع قيود على الطلاق وألا يكون لغواً..

سؤال: هناك أصوات أخرى تطالب بمنع تعدد الزوجات؟

جواب: هذا يسبب من الخسارة أكثر ما يسبب من النفع.. وأنا لا أوافق على ذلك.

سؤال: يثور أيضاً حديث حول أزياء المرأة وخروجها على المألوف، فما رأيكم في ذلك؟

جواب: الإسلام جاء لرفع مستوى المرأة، وهو يمنع من تبرجها، وأعتقد أن الصالح يقضي بذلك أيضاً حتى لا تتدخل في شؤون الرجل، فاشتراكها في شؤون الحياة تكلفها العناء والجمع بين موجبات البيت وموجبات العمل للرزق، والثانية مهمة يصلح لها الرجل، كما أن تبرجها ضرر عليها، فالرجل عندما يرى المرأة الأجنبية بهذا الشكل والهندام يصبح في صراع نفسي بالنسبة لزوجته وقد يزهد عنها.. كما أن المتبرجة التي تظهر بهذا المظهر الخلاب لا تبقى على هذا المظهر داخل البيت، ويخرج زوجها فيرى متبرجات.

سؤال: أ ليس للمرأة إذن أن تعمل؟

جواب: الدين لا يمنع من عملها ضمن الحدود الدينية، ولكن هذا يكلفها فوق طاقتها.

سؤال: تحديد النسل قضية مثارة الآن في بعض البلاد الإسلامية، فما هو رأيكم فيها؟

جواب: أولاً: لا يجوز إسقاط الجنين في كل مراحل تكوينه.. وبعد ذلك فإن للمراة أن تستعمل ما يمنعها من الحمل.. أما استعمالها لذلك فهو يختلف باختلاف الظروف والأحوال. بل باختلاف استعداد نفسها للتربية، فإذا كانت لا تستطيع أن تربي أولادها فلا مانع من من منع الحمل أساساً.

سؤال: بعض رجال الدين يحرمون السينما، فما رأيكم؟

جواب: السينما التي هي منافية للأخلاق فالدين لا يقبلها، أما التي تبعث في النفوس المثل العليا فهذه لا بأس بها ونقول بجوازها.

سؤال: والتمثيل في حد ذاته؟

جواب: التمثيل إذا كان فيه خلاعة أو تشجيع على الرذيلة، فهذا لا نرضى به، وهو محرم ولا تقبله الحضارة الصحيحة.

سؤال: والغناء؟

جواب: الصوت الحسن لا مانع من استماعه بشرط أن لا يخرج الإنسان عن حدوده.

سؤال: والموسيقى؟

جواب: لم أسمعها حتى الآن لكي يمكن أن أصدر حكماً عليها.

سؤال: والاختلاط بين الجنسين؟

جواب: لا مانع منه مع غض الأبصار وترك ما حرمه الله بينهم.

وفي المشاهد الدينية ترى أن النساء تختلط بالرجال، ولكن لا يحدث ما حرمه الله بينهم.

سؤال: إن هذه أول مرة تزورون فيها الجمهورية العربية المتحدة، فما هو انطباعكم؟

جواب: إن أبرز ما لاحظته هو إخلاص الشعب لحكومته، وإخلاص الحكومة لشعبها، ولقد لمست من الشعب الأخلاق الكريمة، ولمست فيهم من الأعمال الطيبة ما لم أسمع بعضه في الخارج. والله لقد شاهد بصري واطلعت بصيرتي على هذا وذاك أضعاف ما سمعت.

وجاء في العدد 1931 - السنة الأربعون (الإثنين 14 يونيو 1965م) في الصفحة الثانية من مجلة روز اليوسف ما يأتي:

عزيزي المحرر

أنا ضد زواج المتعة

قلقت جداً وأنا أقرأ شيخ المذهب الشيعي العراقي عن زواج المتعة في حديثه لروز اليوسف.. فظاهر الفكرة قد يبدو مغرياً لبعض الناس في بلدنا، وإنه نظام منسوب للشريعة الإسلامية، وصحيح أن الإسلام قد عرف زواج المتعة في عهد الرسول، لكنه عرفه كضرورة أوجدتها ظروف الحرب وانتهى بانتهائها. فلقد كان مقصوداً به حماية المسلم من الفتنة، وهو في بلاد الغربة، ولذلك فهو يتجاوز عن العقد المكتوب والشهود والسؤال بعد ذلك هو: ما الذي يدعو إلى زواج مؤقت ما دام الزواج الدائم متيسراً للناس.

إن الحالة الوحيدة التي تبرر هذا الزواج هو تغرب شبابنا في بلاد أجنبية لطلب العلم حماية لأخلاقهم.

مفيدة عبد الرحمن

المحامية وعضو مجلس الأمة

وجاء في نفس العدد ص61 تحت عنوان همسات الناس:

أما صادق فيطالب عبد الله إمام بالمزيد من تحقيقاته عن تقاليد وشعائر وعادات أشقائنا العرب في أنحاء الوطن العربي الكبير.. ويقول: إن حديث عبد الله إمام مع الإمام آية الله علي كاشف الغطاء. قد أتاحت لنا الفرصة لفهم الكثير من معتقدات الشيعة.. التي لها ما يبررها من ظروفهم وبيئتهم.

وجاء في العدد 1932 - السنة الأربعون – (الإثنين 21 يونيو 1965م) ص38 من مجلة روز اليوسف تحقيق تكتبه سعاد زهير تحت عنوان:

بدلاً من الحرام زواج المتعة

اكتشاف مزعج عشناه في روز اليوسف هذا الأسبوع، إن التطور الذي أخرج المرأة في بلادنا من خلف قضبان مشربيات الحريم ودفع بها إلى جانب الرجال في جميع مجالات الحياة العامة.. لم ينجح بعد في حل رموز لغز العلاقة الإنسانية بين الرجل والمرأة داخل عقول شباب جيلنا.

أما المناسبة.. فكانت سيلاً غريباً من استفسارات القراء، رجالاً ونساءً انهالت علينا حول موضوع زواج المتعة. وهو النظام الذي دافع عنه أحد أئمة المذهب الشيعي في العراق.. على صفحات روز اليوسف منذ عددين.. تعليقات بعضها غاضب يعترض على الفكرة، والبعض الآخر يسأل في لهفة إذا كان يجوز الأخذ بهذا النوع من الزواج في بلدنا ما دام أنه نظام إسلامي يوفر للزوجين فرصة استرداد حريتهما عند انقضاء الأجل المتفق عليه بينهما، قبل أن يدفعهما الملل إلى ما هو أسوأ من الانفصال، الحرام.

ولم يعد في الإمكان أن ندع الفرصة تمر بلا مناقشة، فقد وضعنا ذلك الاهتمام الغريب بالفكرة.. أمام شبح ظاهرة اجتماعية تتعرض لها جميع المجتمعات في مرحلة الانتقال والتطور.

ظاهرة تمرد الفرد على القوالب الاجتماعية التي تسجن حريته الذاتية كرد فعل سريع للتغير الذي طرأ على علاقات المجتمع.

في روسيا لم تكد الثورة الاشتراكية تنجح.. حتى تعالت أصوات المتطرفين تنادي بسقوط الزواج باعتباره نظاماً عبودياً. وتطالب بإباحة الحرية. لكن لينين تصدى للدعوة الخطيرة في حزم معلناً أن الجسد الانساني أعظم من أن يكون كوب ماء تلغ فيه الأفواه العطشى.

وفي أوربا أسفرت الثورة الصناعية في نهاية القرن الماضي عن أكبر ظاهرة تمرد ضد الزواج باعتباره علاقة تفترض أبدية الارتباط، تمرد أخذ عدداً من الأشكال، منها الصور المباشرة مثل الدعوة التي نادى بها بعض المفكرين الغربيين لاستبدال نظام الزواج الدائم.. بنظام زواج التجربة ودعوة آخرين إلى اعتبار سهولة الطلاق ضماناً لاستمرار الحياة الزوجية.

ومنها صور غير مباشرة، مثل إضراب الشبان عن الزواج وارتفاع نسبة الطلاق ارتفاعاً جنونياً.. وانتشار الخيانة الزوجية إلى الدرجة التي جعلت من صديق الزوجة. وصديقة الزوج فرداً معترفاً به في الأسرة الأوربية. فإذا كانت كل هذه الشواهد تؤكد اكتشاف الإنسان العصري للتناقض القائم عليه الزواج كنظام يهدف به الإنسان إلى الاستقرار الاجتماعي، في نفس الوقت الذي يتعارض الاستقرار فيه مع أهم نوازع الطبيعة البشرية، وهي الرغبة في التغيير الدائم. إذا كانت الشواهد تؤكد ذلك فإن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال هو:

هل كان المجتمع الإسلامي أبعد نظراً عندما أخذ بنظام الزواج المؤقت أو زواج المتعة كما يعرف في الشريعة الإسلامية؟

من هذه النقطة، بدأت الحديث.

الأستاذ الشيخ أحمد الشرباصي، أحد علماء الأزهر الشريف ثار في وجهي عندما سألته رأيه في زواج المتعة، وكان ذكياً فحاول أن يكسبني إلى صفه بتركيز اعتراضه على الأضرار التي تلحق بالمرأة نتيجة هذا الزواج.

فقد راح يؤكد بشدة اجماع أئمة المسلمين على أن زواج المتعة حرام في الشريعة، وأنه من النظم التي لا يقبلها الدين ولا العقل، فهو من جانب خطر على استقرار الأسرة.. ومن جانب آخر خطر على وثاقة العلاقة الزوجية.. ومن جهة ثالثة خطر على حقوق المرأة خصوصاً عندما تتحقق المساواة الكاملة بينها وبين الرجل في المستقبل فتخرج الأنوثة من نطاق الطلب إلى نطاق العرض.. عندها يصبح الزمن ضد المرأة.

 اما تاريخ نظام المتعة فيرجع إلى مرحلة تدرج المجتمع الإسلامي من تقاليد الجاهلية.. حيث كانت علاقات الجاهلية بين الرجل والمرأة باقية ببعض آثارها في جوانب المجتمع العربي. فكان لا بد من تدرج التشريع حتى يستوفي أركانه.. وعند ذلك.. حرم زواج المتعة كأحد آثار التخلف الإنساني في المجتمع الجاهلي..

أما الشيعة.. فقد كانوا الوحيدين بين المذاهب الإسلامية الذين تمسكوا بنظام زواج المتعة ملتزمين في ذلك بإباحة الإمام ابن عباس له وإن كان قد عاد هو نفسه وأنكر إباحته له قائلاً: إنه عندما كان زواج المتعة مباحاً كان أشبه بالميتة ولحم الخنزير والخمر لمن يتعرض للهلاك.

ويعود الشيخ الشرباصي إلى استعراض نتائج زواج المتعة على المرأة التي تدفع وحدتها ثمن استمتاع الرجل.. حيث يصعب عليها إثبات الزواج لعدم ثبوته بعقد وشهود، وكذلك بالنسبة لثبوت نسب الأطفال الذي يترك لتقدير الرجل كما يحرم عليها زوجها إذا مات.. الأمر الذي لا يفرق بينها وبين الخلية.. فالزواج بهذه الصورة لا يخرج عن استمتاع للرجل.. تدفع إليه الضرورة الجنسية ولا تراعي فيه المرأة.. ولذلك سمي زواج المتعة، والمتعة تأتي في الدرجة الثانية من حكمة الزواج حيث يعد استقرار الأسرة وصالحها في المرتبة الأولى من الأهمية.

وأعود أسأل الشيخ الشرباصي- إذا استبعدنا أضرار زواج المتعة فهل يعد تبادل رجل وامرأة صيغة الرضا والقبول بلا عقد ولا شهود.. زواجاً شرعياً؟؟

ولكنه يعود فيؤكد.. لا.. إنه زنىً مقنع إذا قيد بوقت محدد..

إن تفسير علم الاجتماع يوسع دائرة المناقشة.

الدكتور حسن الساعاتي أستاذ علم الاجتماع وعميد كلية آداب عين شمس يقول:

إن فكرة الزواج المؤقت.. خرجت من بلاد العرب منذ صدر الإسلام.. لكن مفكري أوربا لطشوها في بداية القرن العشرين..

ونسبوها إلى أنفسهم عندما خرج القاضي الأمريكي ليس من دينفر في العشرينات الأولى من القرن بالعودة إلى الزواج التجريبي.. بين الرجل والمرأة قبل الارتباط الرسمي.. بشرط عدم إنجاب أطفال في فترة التجربة.. فإما أن تنتهي العلاقة بالزواج الدائم في حالة نجاح التجربة أو بالانفصال قبل التورط بالعلاقة الزوجية الأبدية.. ثم جاء الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل فتبنى الفكرة ودافع عنها في كتابه المشهور الزواج والأخلاق على أساس العقد المؤقت لتحقيق فرصة الاختبار والتعارف بين الزوجين.

أما الفكرة وراء هذه الدعوة فترجع إلى انتشار الاهتمام بنظرية فرويد عن الجنس في فترة ما بين الحربين، وهو اهتمام انعكس في الأعمال الفنية والأدبية بشكل مبالغ فيه وغير دقيق يدعو للإنطلاق الجنسي كرد فعل لتزمت أخلاقيات القرن التاسع عشر.

وهكذا انبثقت فكرة التجريب في الدعوة الأوربية على أساس البحث عن التوافق الجنسي بين الزوجين مستفيدة في ذلك بموانع الحمل التي كانت حديثة الظهور. ثم تلاشت الفكرة بانهيار أخلاقيات القرن الماضي وانتشار الحرية التي أصبحت تسمح بالاختلاط والعلاقات بين الجنسين إلى مدى يغني عن وضع شروط لفترة الاختبار.

أما بالنسبة للفكرة وراء زواج المتعة الذي أخذ به المجتمع العربي في وقت مبكر من الإسلام فهي الغريزة الجنسية عند الرجل تحت ضغط ظروف استثنائية، مثل الحرب أو السفر للتجارة، وهو هدف يعد غير إنساني بالنسبة للمجتمعات العربية الحديثة التي اعترفت بالكيان الإنساني والإرادة الإنسانية للمرأة فارتفعت بها من مجرد جسد للإمتاع.

ومن جانب آخر فهو نظام يتعارض مع طبيعة الحياة الاجتماعية للإنسان الذي يحتاج دائماً إلى الارتباط بنوع من العلاقة الحميمية داخل مجتمعه.

وأسأل الدكتور الساعاتي - هل معنى هذا.. أن الزواج بشكله الدائم لا يتضمن أي نوع من التناقضات تدعو لمحاولة تطويره؟؟

ويعترف الدكتور بوجود التناقض، لكن وجود التناقض في رأيه لا يعالج بتوقيت العلاقة الزوجية؛ لأن فكرة التوقيت تعني اليأس مقدماً من قدرة الزوجين على محاولة كسب المعركة والوصول إلى التفاهم. وفي رأيه إن العلاج يأتي بتوفير فرصة الاختيار السليم عند الزواج لا توفير فرص فض الشركة الزوجية.

الدكتورة عائشة عبد الرحمن:

تشرح الأساس الفقهي لفكرة زواج المتعة التي تطلق عليه اسم نكاح المتعة شرحاً مختلفاً عن الشرح الذي قاله فضيلة الشيخ الشرباصي، فهو في رأيها موضوع أدق من أن يفصل فيه بكلمات، فالخلاف فيه بين الفقهاء قديم وواسع، والأدلة فيه متداخلة يرد بعضها بعض.

ونظام نكاح المتعة يبيح استمتاع الرجل بالمرأة بأجر معين لأجل معين يحدد باليوم أو الشهر أو السنة، فإذا ولدت المرأة لحق الولد بأبيه ما لم ينكره، ولا يتوارث الزوجان إذا نص في العقد على ذلك. أما إذا كان أمر التوارث بينهما مسكوتاً عنه فيجوز أن يتوارثا في أقوال بعض الفقهاء ولا يجوز في أقوال آخرين.

والمعروف أن ابن عباس هو الذي قال بنكاح المتعة، وتبعه على ذلك جماعة من أصحاب مذهبه من أهل اليمن ومكة، وأخذت به الشيعة وفصلت أركانه وأحكامه بتوسع في كتب الفقه الخاصة بها، ومنها كتاب المختصر النافع في فقه الإمامية للشيخ أبي القاسم نجم الدين، وفيه جاء أنه يجوز أن يستمتع الرجل ببنت أخ أو بنت أخت زوجته إذا أذنت له بها.

ويستند أصحاب المذهب في إباحة هذا الزواج إلى الآية رقم 15 من سورة النساء.

[فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً]

وفي قراءة ابن عباس وغيره لهذه الآية قوله:

"فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن فريضة"

ويفتون أن نكاح المتعة كان مباحاً أيام الرسول وأبي بكر ثم كان عمر هو الذي نهى عنه اجتهاداً، وعاقب عليه، وفي ذلك روى الطبرسي وهو مفسر شيعي في مجمع البيان في تقسيم القراءة قول ابن عباس:

لولا أن عمر نهى عن المتعة لما زنى إلا شقي.

وخلفه في ذلك جمهور المسلمين، واحتكم بعضهم في عدم جواز المتعة إلى الآية التي تقول:

[وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ].

مما تقدم نرى أن:

هذا الزواج المؤقت كان زواج ضرورة انتهى عندما زالت الضرورة، فما هي الضرورة التي تدفعنا الآن للتفكير في استعادته؟؟

والدكتورة نوال السعداوي تناقش الموضوع من زاوية أخرى:

إنها ترى أن هذه فرصة لإعادة طرح مشكلة كبرى، هي مشكلة العلاقة بين الرجل والمرأة في صورة الزواج.

بحيث يتم بحثها وتطويرها للتمشي مع المفاهيم الإنسانية الجديدة لمجتمعنا، فالزواج بصورته الحالية في رأيها يبدأ بعقد رسمي بحضور شاهدين، وترى في ذلك أنه يبدأ بعدم الثقة والاختيار فيه للرجل الذي يملك سلطة عقد الزواج وسلطة فسخه، فهو نظام غير عادل؛ إذ يبقي المرأة مؤيدة أو مطرودة بإرادة الرجل وحده، رغم أنها هي التي تتحمل آثار الزواج ونتائجه، وتتحمل مسؤليات الأطفال الذين تلدهم بحكم أمومتها وعاطفتها.

والزواج بطريقته الحالية ينمي في الإنسان الأنانية والرغبة في الملكية، فالرجل يمتلك المرأة ويمتلك الأطفال.. واجب الانفاق عليهم يخول له سلطة امتلاكهم وحرية التصرف فيهم.

هذا النظام يقوي في الإنسان الرغبة في الخنوع والهدوء وعدم التغيير من أجل حياة أفضل، وذلك لما يسببه من مسؤوليات اجتماعية ومادية تجعل الشخص عاجزاً أمامها حتى عن الدفاع عن كرامته أو عن الصدق في أفكاره أو عواطفه.

والرأي هو أن مفهوم الزواج يجب أن يتغير، فليس هو عقد شراء وامتلاك، وليس هو الإنفاق على الأطفال، وليس هو يافطة اجتماعية يعلقها الرجل أو المرأة، ولكن الزواج يجب أن يبدأ بثقة متبادلة واختيار كامل بين كل من الرجل والمرأة، فيخرج من صورة العقد التجاري إلى صورة اتفاق عاطفي إنساني أولاً.

وإن استمرار هذا الزواج في يد كل من الرجل والمرأة على السواء، فضلاً عن أن الذي يتولى الإنفاق على تعليم الأطفال وإعدادهم هو المجتمع أو الدولة في نظامنا الاشتراكي.

إن تحرر الشخص من هذه المسؤوليات والأعباء المالية تجعله أكثر حرية وأكثر اختياراً، فيكون زواجه أكثر صدقاً، وبالتالي أكثر نفعاً.

من هذا الشكل الجديد للزواج يمكن أن نقضي على مشاكل الزواج الحالية كالإكراه والكراهية والكذب والخيانة وتشرد الأطفال والضعف والخنوع والانحلال الخلقي، ويمكن أن نوفر للإنسان في ظل الزواج حرية ومقدرة على الاختيار الدائم وفرصة للتجديد والتطور وبالتالي للتقدم، ويمكن أن نحقق للإنسان الرغبتين المتناقضتين فيه وهما :

الرغبة في الاستقرار الاجتماعي، والرغبة في التغيير والتجديد.

قال تكملة للبحث في الكلم الطيب

وقد وجدنا في مذكرات الشيخ وكلماته ما يصلح أن يكون تعليقاً على ما كتبه

بسم الله الرحمن الرحيم

إن موضوع زواج المتعة (تارة) نبحث عنه من ناحية التشريع الإسلامي وأن الإسلام بما هو دين قد أباح المتعة أو حرمها، (وأخرى) من ناحية متطلبات الظروف ومقتضيات الأحوال ومسايرتها حلية المتعة للصالح العام.

أما من ناحية التشريع الإسلامي فإنه لا ريب في أن المتعة قد شرعت في الصدر الأول من الإسلام، وقد نقل الاتفاق والإجماع على ذلك جل أساطين العلم كالرازي، ولقد أنزل الله تعالى في تحليلها قوله تعالى في سورة النساء في الآية 25 [فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً].

وقد ذكر الإمام فخر الدين الرازي في الجزء الثالث من تفسيره الكبير نقلاً عن عمران بن حصين الصحابي المشهور قال: أنزل الله في المتعة آية وما نسخها بآية أخرى وأمرنا رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم بالمتعة وما نهانا عنها.

ثم قال: رجل برأيه ما شاء، قال الرازي يريد به (عمر بن الخطاب).

ونظيره ما في صحيح البخاري، ومسند أحمد بن حنبل، وفي كتاب بداية المجتهد لابن رشد أنه قد اشتهر عن ابن عباس تحليلها وتبع ابن عباس على القول بها أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن ورووا أن ابن عباس كان يحتج بقوله تعالى [فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ] وفي حرف عنه إلى أجل مسمى أي بزيادة هذه الجملة في بعض القراءات.

]وفي صحيح الترمذي[ أن رجلاً من أهل الشام سأل ابن عمر عن متعة النساء فقال هي حلال، فقال: إن أباك قد نهى عنها، فقال ابن عمر: أ رأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم أ نترك السنة ونتبع قول أبي؟

وفي (صحيح مسلم) عن عطاء قال: قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم على أشياء ثم ذكروا المتعة فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم وأبي بكر وعمر الحديث.

وذكر ابن حزم الأندلسي في كتابه المحلى أسماء الأشخاص الذين أصروا على تحليل نكاح المتعة بعد وفاة رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم وهم من الصحابة: جابر وابن منصور بن عبد الله، وابن عباس، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمر بن حريث، وأبو سعيد الخدري، وسلمة، ومعبد أبناء أمية بن خلف. قال: ورواه جابر بن عبد الله عن جميع الصحابة مدة حياة رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ومدة خلافة أبي بكر وعمر إلى آخر خلافة عمر، قال: وأباحها من التابعين طاووس، وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة أعزها الله تعالى.

وفي كتاب السرائر أنه قال بإباحة المتعة جماعة من الصحابة والتابعين
 علي بن أبي طالب، وابن عباس، وعبد الله بن مسعود، ومجاهد، وعطاء، وجابر الأنصاري، وسلمة بن الأكوع، وابن سعيد الخدري، والمغيرة بن
شعبة، وابن جريج، وحكي عن كتاب المحبَّر لمحمد بن حبيب أنه قال فيه: إن
من جملة الصحابة الذين أباحوا المتعة خالد بن عبد الله الأنصاري وزيد بن ثابت وعمران بن الحصين وسلمة بن الأكوع وعبد الله بن العباس بن
عبد المطلب، وعن الشيخ المفيد أن الإمام علياً  عليه السلام  تزوج بامرأة من بني
نهشل في الكوفة بالمتعة.

وهناك روايات تؤكد صحة الأقوال والأخبار الدالة على تحليل المتعة بالآية الشريفة المتقدمة الذكر.

(بقي شيء) وهو ما ذكر عن عمر بن الخطاب أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما كما في تفسير الرازي، والبيان والتبيين للجاحظ، وأحكام القرآن للجصاص وتفسير القرطبي، والمبسوط للسرخسي، وزاد المعاد لابن القيم، وكنز العمال، وتاريخ ابن خلكان، وغيرها.

وهذا الحديث صريح في أن متعة النكاح كانت موجودة ومشرع جوازها في صدر الإسلام، وأن الإسلام لم يحرمها أبداً، ولم تنسخ أصلاً، وإنما حرمها عمر لظروف خاصة يقتضيها الزمن، فهو نظير ما يحرم رب البيت على أهل البيت ما أجازه الشارع لهم، كأن يقول لهم: إني أحرم عليكم الخروج ليلاً أو يقول الولي للمولى عليه: إني أحرم عليك الذهاب للمحل الفلاني، وكما يقول الطبيب للمريض: أحرم عليك أكل الشيء الفلاني أو شرب الشيء الفلاني، فهو تحريم يؤكد الإباحة، ويثبت أن جواز المتعة لم ينسخ وإلا لقال (والله قد حرمها) لا أن ينسب التحريم إلى نفسه، وإذا ثبت حليتها في صدر الإسلام فعلى الذي يحرمها إقامة الحجة والبرهان وقد ذكر لذلك وجوه:

(الأول) بالإجماع على الحرمة، وهو لا وجه له؛ لما عرفت من كثرة المخالفين في ذلك كما نقلناه عن ابن حزم الأندلسي مع وضوح مخالفة الشيعة.

(الثاني) أن الشارع ينسخ الحلية بالحرمة، وأنت خبير بأن النسخ للحكم الثابت بالضرورة في الإسلام لا ينسخ إلا بقطعي مثله، ولا قطع لنا بالنسخ لعدم وجود دليل قطعي على النسخ، مضافاً إلى ما تقدم من الروايات على أن الحكم كان موجوداً لزمان عمر، والنسخ لا يكون عند انقطاع الوحي؛ فإن روايتي الصحيحين والخبر المشهور عن عمر (متعتان كانتا) وغيرها ظاهرات في عدم النسخ فتكون معارضة لما دل على النسخ لو سلمنا أن ما دل على النسخ تام الحجية في نفسه، وعليه فيتساقطان فتكون حلية المتعة موجودة بلا ناسخ، وحكي عن تفسير الثعلبي أنه سئل علي بن أبي طالب  عليه السلام  عن نسخ آية (فما استمتعتم) فقال: لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي، والحاصل أن الحلية للمتعة دراية والنسخ رواية غير تامة الحجية، ولا تطرح الدراية بالرواية.

(الثالث) تقييد حلية المتعة بالضرورة، فهو من الأحكام الاضطرارية نظير التيمم، وأنت خبير بعدم تقييد أدلتها بالضرورة، والأصل عدم التقييد.

(الرابع) أنها ليست بزوجة؛ لأنها لو كانت زوجة لثبت لها النفقة والإرث، ولا يخفى ما فيه؛ فإن الزوجية لا تلازم النفقة والميراث كما في صورة النشوز والقتل والرق والكفر. قال الزمخشري في كشافه: إن المنكوحة بالمتعة من جملة الأزواج إذا صح النكاح. قال سماحته: وأما الكلام في حلية المتعة من الناحية الثانية، أعني ناحية متطلبات الظروف ومقتضيات الأحوال ومسايرتها للصالح العام، فإن المتعة تشبه تماماً النكاح الدائم الذي يعقبه الطلاق بعد مدة خاصة، فإذا كان النكاح المذكور لا مانع من تحققه من الناحية المذكورة فأي جهة فرق بينه وبين المتعة المحددة بالوقت المذكور؟ بل لعل المتعة أولى وأحسن حيث تجعل المرأة والرجل على مستوى واحد في إبقاء علقة الزوجية بتجديد العقد مرة أخرى أو انفصامها، بخلاف الطلاق فإنه يجعل المرأة مقيدة بإرادة الرجل وتحت رحمته، وطالما كان النكاح الدائم الذي يمازجه الشعور بعبودية المرأة لزوجها في هذه العلاقة وحرية الرجل في تقرير مصيرها يحدث حرباً شعواء بين الطرفين تنجر إلى تكدر المعيشة وسوء الخلق من الجانبين، ولعل شعور الرجل لسلطنته على المرأة في هذه العلاقة يجره إلى عدم مبالاته بالزوجة في تعدد الزوجات؛ فإنه لو رأى أن للمرأة حق الانفصال عنه وأنه يأتي يوم باستطاعتها أن تتركه وأولاده لما جرأ على ذلك.

 هذا مع كثرة ابتلاءات الرجل بأمراض وبأسفار وبشيخوخة أو سوء خلق تجعل الزوجة الدائمة المحافظة في منقطع عن تلبية شهوتها وحرمانها مع مجتمعها من نسلها، بل هناك سر آخر يدركه المتزوج، فإن الكثيرين من المتزوجين من ترك الفراش مع زوجته إلى الزنى ونحوه مع أفضيلة زوجته ومكانها ممن اتصل بها جنسياً، فإن ذلك نتيجة لشعوره بالمنع من الثاني وعدم قدرته على النكاح الدائم معه والإباحة للأول، فلو أزلنا المنع بإباحة المتعة ذهب عنه هذا الحصر على الزنى بالغير، وصار عنده على مستوى واحد، زوجته وغيرها ممن يباح له التمتع بها، وإني لأرى أن المنصف يرى ضرورة الأخذ بزواج المتعة بالنحو الذي شرعه الإسلام لما فيه من سعادة ولما فيه من حق الاختيار في البقاء والانفصال في العلاقة الزوجية للطرفين، ففي الأدوار الأولى تقلل المدة، فإن أنس أحدهما بالآخر مددها وإلا ودع أحدهما الآخر بعد انقضائها بسلام، مضافاً إلى ذلك أن الوضع الحاضر يتطلب ضرورة الأخذ بنظام زواج المتعة وأن الشباب في هذه الأيام لا يتيسر له الزواج الدائم إلا بعد إكمال الدراسة وتهيئة البيت والحصول بمن تضمن له هناء المعيشة، وهكذا حال المرأة في أدوارها الأولى، فلو منعنا ذلك الزواج وقع كل منهما في كبت جنسي لا يطيقه إلا الأوحدي من الناس أو وقع في الزنى أو اللواط أو جلد أم عميرة وأمها مع ضياع النسل، ولو أبحنا المتعة بالنحو الذي سوغه الشرع لم نقع في تلك المحاذير وحفظنا الكرامة والخلق القيم، وأما ما يقال من صعوبة إثبات الزواج لعدم ثبوته بعقد وشهود فهو بعيد عن الصواب؛ لأن نكاح المتعة عند من أثبته يلتزم فيه بوجوب العقد، ولا بد من ذكر الثمن والمدة فيه، وأما الشهود فالإمامية حيث لا يعتبرون الشهود في صحة العقد الدائم بخلاف الطلاق، فهم لا يعتبرون في صحة عقد المتعة الشهود أيضاً.

نعم لكل من الرجل والمرأة إذا لم يحصل له الوثوق بالمقارن له أن يطلب في العقد الشهود والكتابة والتسجيل بالمحكمة ونحو ذلك شأن سائر المعاملات الواقعة معه بين الطرفين، وأما عدم ثبوت نسب الأولاد، فهذا قد يكون حتى في النكاح الدائم والأمر يتبع لقناعة أحدهما بالآخر ومقدار وثوق أحدهما بالآخر، ومع عدم ذلك لكل منهما أن يحصل القناعة بالآخر في ثبوت النسب والإنفاق على الأولاد وإرثهم من الرجل والمرأة بالشهود والكتابة أو نحو ذلك ولو بالكفالة([11]).

رجوع الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  إلى العراق (33)

جاء في جريدة الأخبار المصرية عدد 4030 السنة الثالثة عشرة (أول صفر 1385هـ - 1 حزيران 1965م) ما يأتي:

وفد العراق في مجمع البحوث الإسلامية

يغادر القاهرة إلى بغداد اليوم وفد علماء العراق في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية يضم الوفد أربع أعضاء برئاسة الإمام الأكبر الشيخ علي كاشف الغطاء.

نشرت الصحف البغدادية بأجمعها (الإربعاء 2 صفر 1385هـ - 2حزيران 1965م) المنار- الفجر الجديد - الجمهورية وغيرها تحت عنوان سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء يعود إلى بغداد ويتحدث عن مؤتمر رؤساء الحكومات العربية.

قالت: وصل بغداد أمس سماحة الإمام الأكبر الشيخ علي كاشف الغطاء رئيس وفد علماء العراق في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية، وأشاد سماحته بقرارت مؤتمر رؤساء الحكومات العربية الذي أنهى اجتماعاته بالقاهرة قبل ثلاثة أيام، وقال إنها تدعو إلى التفاؤل بالنسبة لمستقبل الشعب العربي المكافح الذي يؤمن بنضاله وبالوحدة حياة ومصيراً، وأضاف الشيخ علي كاشف الغطاء لوكالة أنباء الشرق الأوسط بمناسبة سفره والوفد المرافق له الذي وصل أمس إلى بغداد إن عقد اجتماع القيادة السياسية العربية الموحدة بالقاهرة حدث ضخم وخطير يوجب التوقف أمامه قليلاً لإعطاء المقاييس والأبعاد التي يجب وضعها في مثل هذه الظروف الحرجة التي يجتازها العرب، وأكد أن الشعب العراقي يتابع بكل سرور الخطوات الموفقة البناءة للقيادة السياسية الموحدة بين الشقيقتين الجمهورية العربية المتحدة والعراق في سبيل تحقيق الوحدة الإسلامية الشاملة، وندد الإمام كاشف الغطاء بالمؤامرات العدوانية التي توجه في الوقت الحاضر إلى القضية الفلسطينية بهدف تصفيتها، وأشاد رئيس وفد علماء العراق بالتقدم الزراعي والصناعي والفكري والعسكري الذي حققته الجمهورية العربية المتحدة خلال سنوات الثورة، وقال: إن ذلك يبرهن على أن الشعب العربي جدير بالحياة مهما تلابست الأحوال واختلفت الظروف، وأكد الإمام في ختام حديثه أن الشعب العربي سيواصل كفاحه ونضاله من أجل تحرير كل شبر من الأرض العربية من الاستعمار.

وأدلى سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  بتصريح لوكالة الأنباء العراقية

أعلن فيه أن المؤتمر قام بدور مهم في سبيل توحيد صفوف المسلمين وجمع شملهم وإزالة الفوارق الطائفية.

وأضاف أن المؤتمر قد أظهر نشاطاً كبيراً في بحث مشاكل الإسلام والمسلمين وفي طليعتها قضية فلسطين.

واستطرد الشيخ كاشف الغطاء قائلاً: إننا قد أكدنا ضرورة بذل
المسلمين قصارى الجهد في الدفاع عن أرض فلسطين لإرجاعها إلى
أهلها الشرعيين، وقال: إني لأعتقد أن من غلط الزمن أن يعزو موت الأمة للظروف والمقادير، وإنما تنتحر الأمة أو تموت لخذلان أبنائها لها في ساعاتها الحرجة.

ورداً على سؤال للوكالة حول الاتصالات التي أجراها سماحته هناك مع رجال الدين المسلمين، قال: إنه قد أجرى مباحثات تناولت القضايا التي من شأنها توحيد صف المسلمين وإزالة الفوارق الطائفية.

(مؤتمر بغداد للوحدة الإسلامية) دعوة الشيخ علي  كاشف الغطاء  قدس سره  لعقد مؤتمر تقريبي إسلامي في بغداد (34)

دعا سماحة آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  عند رجوعه من مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية إلى عقد مؤتمر في بغداد تحضره جميع الطوائف والمذاهب والقوميات فاستجابت الحكومة لذلك (35).

واليك أيها القارئ ما كتبه الدكتور حسنين عبد القادر أستاذ الصحافة المساعد في جامعة القاهرة في الصحف المصرية حول المؤتمر والمقابلات التي أجريت فيه (36).

 قال: في غرة شهر ربيع الأول الحالي (الموافق 30 يونيو - حزيران) انعقد في مدينة بغداد لمدة أربعة أيام أول مؤتمر إسلامي عراقي.. وكان يضم أكثر من 500 عالم عراقي من مختلف المذاهب الإسلامية، ويمثل أيضاً العناصر القومية من عرب وأكراد وتركمان..

وقد حضر المؤتمر الأستاذ الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخ الجامع الأزهر، ومفتي الأردن، ومفتي سوريا، ومفتي طرطوس، مشاركة من الأقطار العربية الشقيقة الثلاثة.

وقد علمت أن المؤتمر وجه الدعوة أيضاً إلى علماء إيران، ولكنه لم يحضر أحد منهم.

انعقاد المؤتمر يصادف ذكريين عزيزتين:

وقد صادف انعقاد المؤتمر ذكرى ثورة حزيران الوطنية في العراق عام (1920م) ضد الإنجليز والاحتلال البريطاني.. وهي ذكرى عزيزه على الشعب العراقي والعلماء العراقيين الذين أسهموا في إذكائها بنصيب كبير، واتحدت فيها كلمتهم، حتى أنه انعقد بالفعل في كربلاء (حيث ضريح الإمام الحسين رضي الله عنه) مؤتمر من العلماء يؤيد الثورة.

كما صادف انعقاد المؤتمر أيضاً في الشهر الذي ولد فيه الرسول الكريم  صلى الله عليه واله وسلم.

وعندما افتتح المؤتمر في حديقة قاعة الشعب في وسط مدينة بغداد بتلاوة الآيات الكريمة [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ 6 وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ..].

كان هلال ربيع الأول يبدو في سماء صافية من ناحية الغرب، يطل عل الحاضرين، وإلى يساره بقليل كوكب الزهرة يتلألأ.. إيذاناً ببدء مرحلة جديدة وحاسمة في حياة شعب العراق الشقيق.. وهي مرحلة الأخوة والوفاق والاتحاد بين علماء العراق على مختلف مذاهبهم، والقضاء على الحزازات المذهبية، والأحقاد الطائفية والعنصرية، والمطامع الشخصية..

فالذي لا شك فيه أن العراق ظل طويلاً يعاني من الفرقة الطائفية بين السنة والشيعة.. ويعاني أيضاً من الفرقة العنصرية بين العرب والأكراد.. وقد اشتدت هذه الفرقة بعد تغلغل الاستعمار الأجنبي في الشرق.

وقد آن الأوان لوضع حد لهذه المهزلة التي كان الاستعمار بطلها الأول.. إذ إنه من مصلحة الاستعمار أن يظل الشعب العراقي منشقاً على نفسه، وأن يتشاحن ويتطاحن أبناؤه، ولا تتحد لهم كلمة.. لأن اليوم الذي تتحد فيه كلمة الشعب بكل فئاته وعناصره هو الذي سيقضى فيه نهائياً على المصالح الاستعمارية في الوطن العراقي وإذا كان بعض ضعاف النفوس – وهم قلة والحمد لله – لم يسايروا المؤتمر.. ولم يلبوا دعوته لأسباب شخصية، ومطامع فردية.. فإن الزمن كفيل بردهم إلى صوابهم.

أهم قرارات المؤتمر

لقد كان المؤتمر رائعاً حقاً، وظهرت فيه بجلاء روح الأخوة الإسلامية بين صفوة رجال الدين في العراق.. وبالرغم من أن النقاش كان يتصف بالحدة أحياناً في لجان المؤتمر الرئيسية الثلاث : وهي اللجنة الثقافية، لجنة الشؤون الإسلامية، ولجنة الإرشاد والدعوة – إلا أن الجميع كانوا في نهاية الأمر يتفقون على رأي واحد.. وهو الرأي الذي يضمن مصالح الإسلام والمسلمين في العراق، ومصلحة الوطن.

ومن أهم القرارات التي اتخذها المؤتمر وأيدها كلا الفريقين من علماء السنة وعلماء الشيعة مايأتي:

1. مناشدة المتحاربين في شمال العراق وقف القتال وقبول وساطة علماء الدين في تسوية النزاع القائم بين البرزانيين والحكومة العراقية.

2. تأليف مجلس إسلامي أعلى لرعاية البحوث الإسلامية في العراق.

3. تأسيس دار للافتاء.

4. إصدار مجلة دينية على مستوى رفيع.

5. رفع مستوى التعليم الديني في العراق.

6. إنشاء معاهد دينية بالألوية (المحافظات).

7. المطالبة بتحرير فلسطين واستهجان موقف حكومة بون وبورقيبة من قضية فلسطين.

8. مؤازرة الكفاح الوطني في عدن وعمان.

9. العمل على إيقاظ مسلمي القارة الإفريقية على خطر التغلغل الصهيوني في حياتهم الدينية والاجتماعية والإقتصادية.

رأي شيخ الأزهر في المؤتمر

وفي الصالون الكبير بفندق بغداد - حيث كان يقيم فضيلة الأستاذ الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخ الجامع الأزهر- وجهت إلى فضيلته السؤال الآتي:

ماهي انطباعات فضيلتكم بالنسبة لجو المؤتمر؟

فأجاب: وجدت في جو المؤتمر روح التآلف والمحبة، والرغبة في توحيد كلمة المسلمين، وتصفية الخلافات الدينية والمذهبية، مما يبشر بنتائج طيبة لهذا المؤتمر، تعيد للعراق وحدة صافية من كل خلاف، حتى يقوم بواجبه كعضو نافع في جسم الأمة الإسلامية.

وسألت فضيلة الأستاذ الأكبر: هل تشعرون فضيلتكم بأن المؤتمر يستطيع تصفية الخلافات بين علماء السنة والشيعة في العراق؟

فقال: إن التقاء علماء السنة والشيعة في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة في نظري وتقديري مقدمة طيبة تبشر بخير النتائج في تصفية الخلافات المذهبية بين علماء السنة والشيعة.

ثم ابتهل فضيلته بهذا الدعاء:

أسال الله لجميع المذاهب الإسلامية الالتقاء على كلمة الله، وسنة رسوله  صلى الله عليه واله وسلم ، وبالله التوفيق.

رأي سماحة مفتي سوريا الشيخ أحمد دفتارو

وفي نفس القاعة - بفندق بغداد - تحدثت مع سماحة مفتي سوريا الشيخ أحمد دفتارو الذي حضر المؤتمر، وسألته:

هل المسلمون الآن يتقدمون أم يتاخرون في رأي سماحتكم؟

فأجاب - بعد مقدمة طويلة عن تاريخ المسلمين المجيد في العصور الغابرة - بقوله:

لئن عاد المسلمون إلى الإسلام الحي المصفى، أعتقد جازماً ومتيقناً بأن تقدمهم ورقيهم واسترجاعهم لسيادتهم العالمية مؤكدة وحتمية لا شك فيها ولا ريب.. والمنفذ الوحيد إلى تحقيق هذه الغاية وجود علماء كبار مخلصين يكونون على مستوى فهم الإسلام الحي، والتجارب معه نفسياً وعملياً، يؤازرهم في تحقيق القواعد الإسلامية ووضعها للتنفيذ والعمل رجال الدولة، ومن بيدهم السلطة التنفيذية والإعلامية والتعليمية وما إلى ذلك.

ثم سألت سماحة مفتي سوريا: هل التقريب بين المذاهب الإسلامية ممكن من الناحية العملية؟ وهل تستطيع المؤتمرات تحقيق هذا الهدف؟

فأجاب: إني أعتقد بوجوب التقريب بين المذاهب الإسلامية، ولئن فكر
الذين يتحملون هذه المسؤولية من علماء المذاهب الإسلامية في تحقيق
هذا الهدف، فأعتقد أن الأمر سهل وقريب؛ لأن التقريب الذي من ثمراته التعاون والتناصر يكون فيه النفع العميم والعظيم لكل فئات المسلمين، في دينهم ودنياهم وآخرتهم.

وسألت سماحته: ما هي أمثل السبل العملية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية في نظر سماحتكم؟

فقال: أمثل طريقة أن تكون هناك فكرة وعقيدة صادقة عند رجال السلطة في العالم الإسلامي، يتفرع من هذه العقيدة من رجال الحكومة والسياسة انتقاء كبار رجالات العلم الناضجين في التشريع الإسلامي، فيعملون على وضع مؤتمرات للقائهم، وتقديم كل التسهيلات والوسائل التي يتطلبونها لتحقيق هذا التقارب، والتعاون الإسلامي.. لأن الإسلام بجوهره وعقائده الجوهرية بحمد الله لم يختلف فيها المسلمون على اختلاف مذاهبهم.. إنما الاختلاف في أمور جزئية واجتهادية لا توجب تفرقاً ولا تباعداً.

رأي مفتي طرطوس فضيلة الأستاذ عبد الستار السيد

التقيت أيضاً بنفس القاعة الكبرى بفندق بغداد بفضيلة الأستاذ الشيخ عبد الستار السيد مفتي طرطوس (بسوريا) الذي حضر إلى المؤتمر في آخر لحظة وسألته عن رأيه في الاشتراكية فأجاب: كل ما يحقق العدالة الاجتماعية بين الناس هو من صميم الإسلام، وقواعده التي وضعها كفيلة بتحقيق هذه العدالة الاجتماعية.

حديث هام مع قطب من أقطاب الشيعة في العراق

آية الله العظمى الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء

رأيته لأول مرة في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر، وهو يرتدي ملابسه الهفهافة البيضاء، وعمامته الكبيرة البيضاء، ويفيض شباباً وحيوية رغم أنه تجاوز الخمسين من عمره..

وكان سماحة الإمام آية الله العظمى الحجة الشيخ علي كاشف الغطاء - الزعيم الديني الشيعي - يتصدر المنصة الرئيسية التي يجلس عليها عدد قليل من كبار علماء السنة والشيعة العراقيين. وكان يجلس إلى يساره فضيلة الشيخ نجم الدين الواعظ أكبر علماء السنة ورئيس المؤتمر.. ولاحظت أن سماحة الإمام علي كاشف الغطاء كان الوحيد من بين الذين ألقوا كلماتهم بالمؤتمر من رؤساء وفود العلماء بالأولوية المختلفة - ولم يقرأ من ورقة مكتوبة، بل ألقى - وهو جالس - خطاباً حماسياً، يفيض بقوة الإيمان بوحدة المسلمين على اختلاف مذاهبهم، وبالوحدة القومية في العراق بين العرب والأكراد، والعناصر الأخرى المستوطنة للعراق كالإيرانيين وغيرهم، وكذلك إيمانه بالوحدة العربية بين العراق وشقيقته مصر.. وبالوحدة العربية الكبرى.

وقد ذكر سماحة الإمام الحاضرين في نهاية خطابة بالاختلافات الدينية بين اليهود وبأن المسيحيين لهم أناجيل عدة (إنجيل حنا، وإنجيل متى إلخ).. أما المسلمون فلهم كتاب واحد وهو القرآن الكريم، وهذا أدعى إلى الوحدة بين المسلمين جميعاً وعدم تفرقهم!

ولم أكتف بما سمعت في هذا الخطاب الحماسي، بل جلست إلى سماحته ساعة أحدثه في شؤون الدين والدنيا، ورأيه في المسائل الهامة التي تشغل بال المسلمين في هذه الأيام.

ورغم مرضه وملازمته الفراش بغرفته بفندق بغداد بالطابق الثالث فإن سماحته تفضل فأذن لي بالمقابلة.

وعندما دخلت غرفة نومه كان يحيط به عدد قليل من أهله ومريديه للاستفسار عن صحته الغالية.. فرحب بي وقال:

لقد زرنا الشقيقة مصر، ورأينا السد العالي الذي بهرنا.. ولكن العلم الذي رأيناه هناك، والعقول النيرة والوجوه المشرقة التي قامت بهذا المشروع العظيم وغيره من المشروعات الكبرى. كانت في نظرنا أقوى من السد العالي..

وطوال حديثنا كان سماحة الإمام علي كاشف الغطاء - رغم ما يعانيه من آلام المرض - هاش الوجه باسماً، يفيض وجهه إشراقاً ونوراً.. ولا يفتأ يردد بيتاً من الشعر - مرحباً ومتودداً - كلما قدم زائر أو استأذن في الانصراف أحد زواره ومريديه.. وكان الرجل - كما سمعته يخطب في حديقة قاعة الشعب - مخلصاً في دعوته إلى وحدة المسلمين في العراق، وإلى ضرورة إزالة الخلافات المذهبية.. واعتبر الجهاد في سبيل ذلك فرضاً على كل مسلم صادق، وذكر الحديث الشريف (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم)..

وقد خرجت من هذا اللقاء بحقيقة هامة وهي أن سماحة الإمام علي كاشف الغطاء ليس مجرد زعيم ديني كبير، وقطب من أقطاب الشيعة في العالم الإسلامي (حيث أن لعائلة كاشف الغطاء أتباعاً منذ زمن بعيد في إيران وباكستان والهند وغيرها) - وإنما هو فوق ذلك كله - مصلح اجتماعي، ورجل مجدد واسع الأفق، يعيش في عصره، ويحسن في الوقت نفسه أساليب رجال السياسة (الرد عن الأسئلة الدقيقة) !!

كان أول سؤال وجهته إلى سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء:

ما عدد الشيعة في العراق؟

فأجاب: إن هذا المؤتمر فاتحة لحياة جديدة إن شاء الله، موفورة بالسعادة والهناء، وجمع الكلمة، فقراراته تنفع الإسلام بصورة عامة، والعراق بصفة خاصة.

ثم سألت: ماهي طبيعة الأحوال الشعبية بين الطائفتين من أهل السنة والشيعة في العراق؟

فقال: الأحوال الشعبية بين الطائفتين الذين يتحررون من الروح الاستعمارية بينهم اتفاق تماماً واتحاد، ويغار بعضهم على بعض في سائر مجالات الحياة..

لكن توجد نفوس ملوثة بروح استعمارية أو روح أخرى.. هؤلاء تكون حركاتهم ضد المصلحة الوطنية التي تتجسد في وحدة الكلمة. فهؤلاء براعم يغذون بماء خاص وأعتقد أنهم سيموتون بمنع الماء عنهم..

وقد كانوا كثيرين ثم أخذ عددهم يقل شيئاً فشيئاً.. وبعد مدة قصيرة لا يبقى منهم إلا النزر القليل.

وسألت سماحته: ما رأيكم في ذلك الفريق من العلماء الذين لم يلبوا دعوة المؤتمر أو يشاركوا في أعماله؟

فأجاب: أرى أنه من الواجب على كل مسلم يستطيع أن يخدم الإسلام والمسلمين في شؤونهم التي ترفع مستواهم أن يقوم بها.. ثم ردد الحديث النبوي الشريف (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم).

وكان آخر سؤال وجهته لسماحته: ما الذي تتمنونه لنشر الدعوة الإسلامية في العالم؟

فأجاب بقوله: كنت أتمنى أن توجد جمعية تبشيرية للدين الإسلامي، وبالفعل تداولت مع الشيخ الجليل شيخ الأزهر في هذا الموضوع الذي طرح في وقته على مؤتمر القاهرة. واتفقنا على هذا.

وتعقيباً على هذه الإجابة أضيف أني سمعت من فضيلة الأستاذ الأكبر في حديث له مع بعض زواره بالفندق أنه تقرر إنشاء مكاتب للدعوة الإسلامية في مختلف أنحاء العالم يشرف عليها الأزهر الشريف، وستمول بصفة خاصة من زكاة مال المسلمين، ويشارك في نشاطها الفني العلماء المسلمون من مختلف الأقطار الإسلامية.

مع اثنين من العلماء الأكراد:

في قاعة الشعب- حيث كانت تنعقد جلسات اللجان الفرعية - التقيت باثنين من علماء الأكراد أحدهما شاب، وهو الشيخ محمد القرداغي مدرس وخطيب جامع السليمانية، وهو أكبر جامع في شمال العراق.. والثاني من الشيوخ، وهو الشيخ أسعد شيخ خالد المحوى إمام ومدرس تكية المحوى بلواء السليمانية أيضاً..

وقد بادرت الشيخ القرداغي بالسؤال الآتي:

هل تخلف أحد من العلماء الأكراد ممن وجهت إليهم الدعوة عن حضور المؤتمر؟

فأجاب: أبداً.. لقد حضروا جميعاً.. وأكبر وفد حضر من السليمانية، ويضم 85 عالماً، وهذا يدل على تمسك الأكراد التام بالدين الإسلامي الحنيف.. وكان الناس هناك يودعون الوفد بالبكاء من شدة الفرح بهذا اللقاء.

وسألته: ماهي انطباعاتك عن المؤتمر؟

فقال: المؤتمر فرصة عظيمة من فرص الحياة قلما يجود الدهر بمثلها.. وإنني أتوقع الرحمة من الله من جراء اجتماعنا مع بقية الوفود، حيث يتحقق فينا قوله  صلى الله عليه واله وسلم (الجماعة رحمة).

وسألته: ما الذي كنت ترجوه من المؤتمر عدا القرارات التي اتخذها؟

فقال: بصراحة كنت أتمنى أن يطلب المؤتمر من الحكومة مساعدة ميزانية الأوقاف من بيت المال لكي تتمكن الوزارة من القيام بواجبها العظيم؛ لأن مواردها محدودة، ولا تفي بالمطالب الضرورية.

وسألته: ما رأيك في الحركة البرزانية؟

لا أعلم سريات الحركة، ولا من هو على حق ولا من هو على باطل.

فسألته: كيف تحل مشكلة الشمال في رأيك؟

فقال: أعتقد أنه لو قامت جماعة من أهل الحل والعقد لإجراء الصلح بين الطرفين لتم ذلك إن شاء الله.

وكان آخر سؤال وجهته له: هل زرت مصر؟

فقال: زرتها في أواخر عام (1958م) وأنا في طريقي لزيارة للاتحاد السوفيتي للاطلاع على أحوال المسلمين هناك.

فقلت: وماذا أعجبك في مصر؟

فقال: أعجبتني كثرة الآثار التاريخية ورخص الأسعار!!

فسألته: وماذا عن أحوال المسلمين في الاتحاد السوفيتي كما رأيتها؟

فقال: لقد زرت المسلمين في أوزبكستان واآذربيجان وتاجكستان وتركمانستان وخطبت باللغة العربية.. ومع أنهم لا يفقهون هذه اللغة، فقد كانوا يبكون من شدة التأثر.. وفي رأيي أن هؤلاء المسلمين يحتاجون إلى وفود عديدة للاتصال بهم..

كلمة أخيرة:

بقى أن نذكر أن من أسباب نجاح المؤتمر مشاركة الأستاذ الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخ الجامع الأزهر في حضور اجتماعاته، وإلقاؤه كلمة الجلسة الافتتاحية تعبر عن موقف الأزهر الشريف والجمهورية العربية المتحدة في المؤتمر وأهدافه السامية واتحاد المسلمين والتوفيق بين السنة والشيعة في العراق (37).

 

مشاركة وفد من قبل الشيخ علي كاشف الغطاء

في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الثالث

دعوة الشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  لمؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الثالث (38)

وبسبب الظروف التي ألمت به لم يستطع الحضور، ولكن أرسل وفداً لأجل أن لا ينقطع هذا المشروع الذي يراه واجباً.

بسم الله الرحمن الرحيم

الأزهر

مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية

السكرتارية الفنية

الإمام السيد/ فضيلة الشيخ علي كاشف الغطاء.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبعون الله تعإلى ومشيئته سينعقد المؤتمر الثالث لمجمع البحوث الإسلامية
في يوم (الجمعة 15 جمادى الآخرة سنة 1386هـ الموافق 30 سبتمبر 1966م)
لمدة خمسة عشر يوماً، وسيكون السادة المدعوون ضيوفاً على الأزهر
أثناء انعقاد المؤتمر كما سيتحمل الأزهر نفقات سفرهم في الحضور
والعودة. ويسرنا أن ندعوكم باسم الأزهر لحضور هذا المؤتمر والمشاركة في أعماله.

وإنه لمن الاستجابة لداعي الله أن تلبوا دعوة الأزهر للمشاركة في هذا
المؤتمر الإسلامي الكبير. وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه مجد الإسلام وعزة
المسلمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(17 من صفر سنة 1386هـ)

(6 من يونيو سنة 1966م)

شيخ الأزهر

حسن مأمون

ارسال طلب الى الشيخ لكتابة مقالة حول العدوان على مصر

وقبل الدعوة إلى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الرابع أرسل للشيخ كاشف الغطاء  قدس سره  رسالة تطلب منه مقالة حول العدوان الثلاثي على مصر وإليك نصها(39)

بسم الله الرحمن الرحيم

سفارة

الجمهورية العربية المتحدة

بغداد

رقم القيد 146/ 12

التاريخ 17/ 2/ 1968م

السيد الأستاذ/ سماحة الإمام علي كاشف الغطاء - إمام الاثني عشرية.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مرفق- مع هذا - خطاب موضح به الموضوعات التي اختارها مجلس مجمع البحوث الإسلامية حول العدوان الإسرائيلي من النواحي الدينية والتاريخية والإنسانية.

ويسر السفارة أن تتلقى الكتابة في هذه الموضوعات من سيادتكم لما لكم من مكانة بين علماء المسلمين، وذلك حتى يتسنى إرسالها للمجلس المذكور.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

القائم بالأعمال بالنيابة

علاء الدين خيرت

وإليكم نص كتاب الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية (40)

بسم الله الرحمن الرحيم

الأزهر

مجمع البحوث الإسلامية

 السكرتارية الفنية

السيد/ علي كاشف الغطاء - إمام الاثني عشرية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الأمانة العامة لمجمع البحوث الإسلامية تعمل على جمع رسائل مركزة حول الموضوعات المتصلة بالعدوان الإسرائيلي وقضية فلسطين من النواحي الدينية والتاريخية والإنسانية، وتجدون مع هذا قائمة بالموضوعات التي يمكنكم أن تختاروا من بينها ما تشاؤون للكتابة فيه.

ونرجو أن تفيدونا باختياركم في أقرب وقت ممكن على أن توافونا بالبحث الذي تكتبونه في موعد لا يتجاوز الأسبوع الأول من مارس القادم. ولكم وافر الشكر.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

     22 من شوال 1387                                                    الأمين العام

22 من يناير 1968                                              لمجمع البحوث السلامية

                                                                      الدكتور محمود حب الله

 

 

 

الشيخ علي كاشف الغطاء في مؤتمر مجمع البحوث الاسلامية الرابع

الدعوة لمؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الرابع

سفارة

الجمهورية العربية المتحدة                                     تحريراً 24/ 8/ 1968م

بغداد

رقم القيد - 65/ 5

عدد المرفقات - 2

السيد الأستاذ سماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء إمام الاثني عشرية

النجف الأشرف

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

يسرني أن أنقل لسيادتكم رغبة مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في توجيه الدعوة المرفقة لسيادتكم للاشتراك في المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية الذي تقرر عقده بمشيئة الله ابتداءً من يوم (الجمعة 5 من رجب سنة 1388هـ الموافق 27 من سبتمبر سنة 1968م).

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

القائم بالأعمال بالنيابة

علاء الدين خيرت



وهذا نص الدعوة المرسلة من الشيخ الجليل العلامة الكبير شيخ الأزهر حسن مأمون (41)

بسم الله الرحمن الرحيم

الأزهر

مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية

السكرتارية الفنية

السيد/ الأستاذ صاحب السماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء

  السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فبعون الله تعالى ومشيئته سينعقد المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية في (الجمعة 5 من رجب سنة 1388هـ الموافق 27 من سبتمبر 1968م) لمدة عشرة أيام وسيكون السادة المدعوون ضيوفاً على الأزهر أثناء انعقاد المؤتمر كما سيتحمل الأزهر نفقات سفرهم في الحضور والعودة.

ويسرنا أن ندعوكم باسم الأزهر لحضور هذا المؤتمر والمشاركة في أعماله.

وإنه لمن الاستجابة لداعي الله أن تلبوا دعوة الأزهر للمشاركة في هذا المؤتمر الإسلامي الكبير.

وفقنا الله وإياكم إلى ما فيه مجد الإسلام وعزة المسلمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته         

 

14 من جمادى الأولى سنة 1388هـ                                  شيخ الأزهر

8 من أغسطس سنة 1968م                                            حسن مأمون

 


وهذا بيان الموضوعات

بسم الله الرحمن الرحيم

الأزهر

مجمع البحوث الإسلامية

السكرتارية الفنية

بيان بموضوعات بحوث المؤتمر الرابع (1388هـ - 1968م) التي اقترحها مجلس مجمع البحوث الإسلامية في جلسته بتأريخ 16/ 1/ 1968م.

1. موقف اليهود من الإسلام والمسلمين في العصر الأول.

2. موقف اليهود من الإسلام والمسلمين في العصر الأوسط.

3. موقف اليهود والصهيونية من الإسلام والمسلمين في العصر الحديث.

4. الإسرائيليات في التفسير والحديث.

5. حقوق العرب في فلسطين.

6. المسلمون ومشكلة فلسطين.

7. بعض كتابات الغرب عن العرب وإسرائيل.

8. الجهاد في الإسلام.

9. حكم المتخلفين عن الجهاد في الإسلام.

10. مكانة بيت المقدس في الإسلام.

11. اللاجئون.

 

 

 

سفر الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره إلى مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الرابع

قالت صحيفة التآخي الغراء بعددها الاثنين 30/ 9/ 1968م

الإمام كاشف الغطاء يغادر إلى القاهرة

بناء على الظروف الحالية التي تجتازها الأمة العربية والأمة الإسلامية وخطورة الأوضاع المحيطة ببعض الدول العربية الأمر الذي يستوجب جمع الكلمة وتوحيد الصف وتعبئة الرأي العام لمواجهة كافة الاحتمالات؛ لذلك قرر سماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء الاستجابة للدعوة التي تلقاها سماحته لحضور مؤتمر البحوث الإسلامية المنعقد حالياً في القاهرة، وسوف يغادر سماحته على رأس وفد من علماء الدين الأفاضل، وذلك بعد أداء صلاة الجماعة في حرم الكاظمين المقدس، وفي الساعة الرابعة من بعد ظهر يوم الثلاثاء المصادف (1/ 10/ 1968م) يغادر سماحته العراق متوجهاً إلى القاهرة على طائرات الخطوط الجوية العربية.

وقالت صحيفة الجمهورية بعددها 241 الاثنين 16/9/1968 تحت عنوان بارز.

الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء يتلقى دعوة من شيخ الأزهر

يستعد سماحة العلامة الإمام علي كاشف الغطاء للتوجه إلى القاهرة لحضور مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية المنعقد في القاهرة بعد أن تلقى سماحته الدعوة الرسمية من سماحة شيخ الأزهر حسن مأمون، واطلعنا على أن سيكون بمعيته نخبة صالحة من رجال الدين الأفاضل، ومن المعلوم أن المؤتمر سينعقد في ظروف حرجة تمر بها الأمة العربية، وستطرح فيه المسائل التي تتعلق بالقضية العربية وموقف الإسلام من الصهيونية.

وذكرت مجلة العدل الغراء في جزئها الحادي عشر والثاني عشر لسنتها الثالثة ص 483 نبأ السفر.

المنشور الذي وزع في الكاظمية بعد ظهر الثلاثاء قبل سفر سماحة آية الله الشيخ علي كاشف الغطاء بساعات

بسم الله الرحمن الرحيم

سيغادر العراق لحضور مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية المنعقد في
القاهرة سماحة آية الله العظمى مرجع الطائفة الإمام المجاهد الشيخ علي
كاشف الغطاء والوفد المرافق له الذي يضم نخبة من رجال الدين
الأفاضل، وسيجري له توديع حافل في المطار المدني عصر يوم الثلاثاء
(1/ 10/ 1968م) الساعة الثالثة على الخطوط الجوية للجمهورية العربية المتحدة، فالهيئة العلمية في النجف الأشرف تودعه بقلوب مشفوعة بالحب والولاء، ونسأله تعالى أن يجعله سفراً ميموناً مباركاً وعودة طيبة لوطنه العزيز إنه سميع مجيب.

الهيأة العلمية الدينية

في النجف الأشرف

خطاب الشيخ علي  كاشف الغطاء  قدس سره  الارتجالي في قاعة المؤتمر

في عصر يوم (الأربعاء 10 رجب سنة 1388هـ 2/ 10/ 1968م)
افتتح سماحة آية الله الشيخ علي كاشف الغطاء الجلسة بكلمة ارتجالية هز
فيها المشاعر وألهبها تحمساً تجاه قضايا المسلمين لا سيما قضية فلسطين
وإليك نص ما ذكرته السكرتارية الفنية لمجمع البحوث الإسلامية عن هذا الموقف.

الجلسة الثامنة الجلسة المسائية (42)

10 من رجب سنة 1388هـ

2 من أكتوبر سنة 1968م

انعقدت الجلسة في الساعة السادسة من مساء يوم (الأربعاء 10 رجب سنة 1388هـ الموافق 2 أكتوبر سنة 1968م) بقاعة الاجتماعات بمبنى مجلس محافظة القاهرة بميدان الجمهورية برئاسة فضيلة الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر ورئيس المؤتمر، وحضور فضيلة الدكتور محمد عبد الله ماضي وكيل الأزهر، وأمانة فضيلة الدكتور محمود حب الله الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، وحضور السادة أعضاء المجمع من داخل الجمهورية العربية المتحدة وخارجها، والسادة المدعوين من مختلف أنحاء العالم.

وقد افتتح الجلسة فضيلة الإمام الأكبر باسم الله والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أعطى الكلمة للسيد سماحة علي كاشف الغطاء إمام الشيعة الاثني عشرية بالعراق([12]).

فحمد الله وأثنى عليه إذ جمعه في هذا المكان مع أهل العلم والدين، وذكر أن العالم الإسلامي اليوم يمر بأخطر مرحلة في تأريخه، وطالب بأخذ العدة للقيام بمعركة حاسمة تحقق الأمل، وذكر أن الأمم تهلك بخذلان أبنائها، وبين أن من الخطأ القول أن يعزى موت الأمة إلى الظروف والزمن، وإنما مرد حياتها أو موتها إلى جهود أبنائها، فنصوص القرآن صريحة في أخذ العدة لمجابهة الأعداء وأن الجهاد باب من أبواب الجنة، من تركه مني بالخزي والخسران، وتلا الآية الكريمة [إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ] وختم كلمته ببيان أن سبب تأخره عن الحضور إلى اليوم يعود لأسباب خارجة عن إرادته وأنه نظراً لظروفه الخاصة لا يستطيع الإطالة في كلمته أكثر من هذا، ثم سأل الله التوفيق للمؤتمر.

وأعطيت الكلمة بعد ذلك للسيد مصطفى سيس ممثل الاتحاد الوطني للجمعيات الثقافية الإسلامية بالسنغال.

وفي الجلسة التاسعة المنعقدة في الساعة 10 صباح (الخميس 11رجب سنة 1388هـ 3/ 10/ 1968م) أعلن وكيل الأزهر الأستاذ الألمعي فضيلة الدكتور محمد عبد الله ماضي عن كلمة سماحة آية الله الشيخ علي كاشف الغطاء في الجهاد بأنها ستلقى في عصر هذا اليوم في الجلسة العاشرة.

وإليك نصها:

 الجهاد وبواعثه(1)

عوامل الجهاد في الإسلام ثلاثة: الجهاد لاعتناق الإسلام ونشر الدعوة الإسلامية وهو محاربة الكفار في عقر دارهم لرفع مستواهم في عالمي العلم والعمل، والظاهر أن الآيات والروايات التي أخذ فيها القتال في سبيل الله ناظرة لهذا النوع من الجهاد؛ لأن الحرب إنما تكون في سبيل الله إذا كان المقصود منها رفع مستوى المحارب دون النفع الشخصي للمحارب، وإلا لكانت الحرب في سبيل النفع الذاتي لا في سبيل الله تعالى، ويدل على وجوب هذا النوع من الجهاد على المسلمين، الآيات الكريمة المتضافرة وقد جمعتها جمعاً مستوفياً كتب آيات الأحكام للجزائري والجصاص والأردبيلي والفاضل المقداد وغيرهم، كما يدل عليه الأحاديث الشريفة المتعاضدة، وقد ذكرها العلماء الأعلام في كتبهم الفقهية الاستدلالية وفي كتب الحديث والرواية، وهي تدل بمنطوقها على وجوب جهاد اليهود حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية وهم صاغرون.

وقد يمنع من هذا النوع من الجهاد من ناحية الشرع، وأخرى من ناحية العقل.

أما المنع منه من ناحية الشرع فمن جهة الأدلة الدالة على حرمة إلقاء النفس في التهلكة ولأدلة (لا ضرر ولا ضرار).

والجواب عن ذلك من حيث الصناعة واضح؛ فإن هذه الأدلة عامة، وأدلة الجهاد أخص منها والخاص مقدم على العام، ومن حيث منطق الواقع بأن الضرر والتهلكة في سبيل تحقق الصالح العام لا يمنع منه الإسلام، فالحدود قد شرعها الإسلام مع ما فيها من التهلكة والضرر لما فيها من المصلحة العامة من حفظ النفوس ومحاربة الجرائم.

وأما المنع من الجهاد المذكور من ناحية العقل فقد ذكر بعض منتقدي الإسلام أن هذا الجهاد يتركز على جعل السلطة والسطوة على الغير وحرمانهم من أهم حقوقهم الطبيعية، فإنه يمنع من حرية الرأي في العقيدة الدينية والتصرف في مقدراتهم الحيوية.

ولكن الذي ينظر في مشروعية هذا النوع من الجهاد وشرائطه والأهداف منه يرى أن هذا الادعاء لا مساس له بواقع الحال فقد جاء الإسلام وفاجأ شعوباً خشنة الطباع لا يلمها نظام ولا تثقفها آداب، غصت بالمنازعات الشخصية متنافرة بالفوارق الاعتبارية، فيها مصطلحات استأثرها شكل اجتماعها الفردي اجتماع لا يقدم المرء فيه إلا قواه ومميزاته الخاصة به، فجاء الإسلام واستعمل جميع طاقاته فهدم تقاليد الإلحاد واستأصل العادات القبيحة ونشر الآداب الحسنة وأراح تلك الشعوب من الاستبداد والاستعباد الذي أرهق العالم صعوداً وجشمه كؤوداً وخلصه من تقاليد لا يطاق حملها وجرده من عقائد تشبه الألغاز والأحاجي في إبهامها وغموضها وهيأ الشعوب بجهاده المتواصل للدخول في أدوار جديدة لحياة سعيدة موفرة بالحرية والأمان بعد أن غلب عليها الشقاء وألبسها الحضارة بعد أن كانت بعيدة عن مفاهيم الناس بعد الأرض عن السماء، ولولا الجهاد الذي قام به الأبطال الأشاوس والدماء التي أرخصت في سبيل الله لما ظفر العالم الإنساني بهذه الحضارة؛ فإن التاريخ يشهد أن الحضارة صارت بالإسلام وانتقلت للغرب من المسلمين، وإني لأرى أن الموجه للنقد المذكور على الإسلام والمسلمين الذين جاهدوا في سبيل الله نظير من يوجه النقد على مربي الطفل ومعلم العلم للجاهل.

العامل الثاني: للجهاد هو حفظ بيضة الإسلام من تعدي الكفار عليهم ودفع الأعداء عنهم.

والواجب في هذا المقام إن حصل ما به الكفاية في رد المعتدين سقط الوجوب عن الباقين وإلا وجب على المسلمين كافة ممن له القدرة على الدفاع كما هو واقع الحال في فلسطين، وهذا النوع مما حكم بوجوبه الشرع والعقل، أما الشرع فلقوله تعالى: [وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ] وقوله تعإلى: [فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ].

وأما العقل فلأنه حاكم بوجوب حفظ النفس ودفع الضرر عنها.

ولا ريب أن عبث الأعداء بالمسلمين وتعديهم عليهم فيه أعظم الضرر والشر على نفوسهم، كيف وبه يحفظ استقلال الأمة وتحفظ كرامتها وتؤمن حريتها.

وإنما كان الوجوب على سبيل الكفاية؛ لأن الغرض منه هو دفع الشر، فإذا اندفع الشر بالبعض حصل الغرض وبحصوله يسقط الضرر.

ولعل الواجبات التوصلية النوعية كلها من هذا القبيل.

وهذا النوع من الجهاد من مصاديقه البينة قضية فلسطين.

العامل الثالث: الجهاد لدفع الأعداء عن بلاد المسلمين وإخراجهم منها بعد التسلط منهم عليها وإصلاح بيضة الإسلام بعد كسرها وثلمها والسعي في نجاة المسلمين من أيدي الطغاة المعتدين.

وهذا النوع من الجهاد من أبرز مظاهر أفراده قضية فلسطين، فقد فتكت اليهودية بالمسلمين في بلاد الإسلام فتك الطاغية المستبد، وعانوا آلاماً ثقيلة وخلعوا عليهم أسمال الجدب، وظهرت بهم كلمة الباطل وانهار صرح الإيمان وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بك يا الله.

وقد أفتى جدنا الأعلى (الشيخ جعفر كاشف الغطاء  رحمه الله ) بأن هذا الجهاد أفضل أنواع الجهاد وأعظم وسائل القرب لرب العباد.

ويدل على وجوبه ما دل على وجوب النوع الثاني من الجهاد وفي هذه الأنواع الثلاثة، كما يجب على المسلمين يجب على أولياء أمورهم أن يجندوا الجنود ويهيئوا ما به الكفاية من العتاد والسلاح لضرب الأعداء ولو بالأخذ من أموال المسلمين بقدر ما به الحاجة لفحوى قوله تعالى : [وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ] وعلى المسلمين وولاتهم إذا لم يكونوا فقهاء أن يراجعوا فقهاء المسلمين في هذه الأنواع الثلاثة للجهاد حتى لا يكون عملهم وحكمهم على خلاف حكم الله  عجل الله فرجه الشريف  فقد دلت الآيات الشريفة على كفر من يحكم بخلاف ما نزل الله تعالى، وبهذا يتجلى لنا أن على كل مسلم في شرق الأرض أو غربها وجوب الجهاد عليه في هذه الكارثة العظمى والطامة الكبرى التي أصابت المسلمين في فلسطين لتوفر عوامل وجوب الجهاد الثلاثة فيها.

نعم فرق فقهاؤنا في أحكام هذه الأنواع من جهات عديدة.

إحداها: أنهم اشترطوا في النوع الأول من الجهاد حضور النبي  صلى الله عليه واله وسلم أو من يقوم مقامه وأخذ الإذن منه بذلك بخلاف النوع الثاني والثالث فأوجبوا الجهاد فيهما على كل من له القابلية على تدبير الحرب وجمع الجيش وأوجبوا على المسلمين طاعته.

ثانيها: أنه في النوع الأول يشترط في المكلف بالجهاد أن لا يكون مريضاً مرضاً ضاراً كالعمى والعرج ولا عبداً، لأنه لا يملك نفسه - وقد روي أن
النبي  صلى الله عليه واله وسلم كان يبايع الحر على الإسلام والجهاد ويبايع العبد على الإسلام دون الجهاد - ولا فقيراً عاجزاً عن النفقة مع عدم الباذل لقوله تعالى: [وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ] ولا خنثى ولا مسوخاً ولا عليه واجب يعارض عملية الجهاد كالدين المطالب به فعلاً وكالنفقة الواجبة وكالحج الواجب وكطاعة الوالدين، ولا يشترط في النوعين الآخرين ذلك؛ فإن الجهاد واجب فيهما على كل قادر على النصرة من قريب أو بعيد وجوباً كفائياً لا يسقط إلا إذا قام من به الكفاية على دفع الأعداء.

ثالثها: أنه لا يجوز التخلف عن الهدنة والأمان والصلح والعهد ولا الاحتيال بالكذب والتزوير في النوع الأول، ويجوز في النوعين الآخرين إذا قوي الكفار وخيف الضرر.

رابعها: أنه يشترط في النوع الأول عدم زيادة الكفار على الضعف أو على عشرة أمثالهم، وليس في النوعين الآخرين تحديد إلا بالقدرة وعدمها.

خامسها: أنه لا يجوز النوع الأول في الأشهر الحرم بخلاف النوعين الآخيرين حيث تكون الحرب مع من لا يرى حرمتها.

سادسها: يختص الوجوب في النوع الأول بمرة واحدة في السنة بخلاف النوعين الأخيرين.

سابعها: لزم الدعاء للإسلام قبل محاربتهم في النوع الأول، فإن أبوا وامتنعوا حوربوا، ولا يلزم ذلك في باقي الأنواع.

ثامنها: ليس لولي الأمر أن يأخذ من أموال المسلمين قهراً للتوصل بها إلى الغرض المطلوب في النوع الأول، وله في النوعين الأخيرين أن يتناول من الأموال إذا لم يكن عنده ما يقوم بكفاية ما يحتاجه الجيش من المؤنة في صد العدو، بل ويجوز صرف الصدقات كزكاة المال وزكاة الفطرة وما به رد المظالم. وعلى ضوء ما ذكرنا جميعاً يتجلى لكم أن الجهاد بالنفس والنفيس محتم على كل مسلم في شرق الأرض وغربها من دون فرق بين العربي وغيره في قضية فلسطين لتوفر النوعين الأخيرين فيها موضعاً وشرطاً.

وإني لآمل من مؤتمر البحوث الذي أخذ على عاتقه أن يعالج القضايا الإسلامية أن يتخذ خطوة إيجابية تعتبر أولى في هذا الموقف على ضوء ما ذكرناه من فتوى العلماء الأعلام فيوجب على كل مسلم ذكراً كان أو أنثى دفع مقدار من المال لا يقل عن جنيه واحد مرة في كل سنة(1).

ويطلب على سبيل التحتيم من رؤساء المسلمين وملوكهم إلزام رعيتهم بذلك ويدعم هذا الطلب بالحكم على كل مسلم رئيساً كان أو مرؤوساً لا ينفذ هذا الطلب بمقاطعة المسلمين له بأقصى أنواع المقاطعة، فلا يسلم عليه ولا يتعامل معه ولا يزوج ولا يشيع إلى غير ذلك، وإني لمستعد أن أنفذ هذا القرار فأدفع عني وعن أهل بيتي، وإني لأعتقد أن هذا الطريق هو أقرب الطرق وأنجحها في جمع المال للجهاد لتمكن كل مسلم منه. ثم بعد هذا يعين المؤتمر من يرى فيه الأهلية والقابلية والكفاءة لقيادة الجيش اللجب الذي تقر به عيوننا وتنعش به ضمائرنا وفي عقيدتي أنه سيلبي الطلب سائر المسلمين الذين تتركز فيهم العقيدة الدينية في كافة أقطار العالم؛ فإنهم على أتم استعداد لتلبية دعوة الجهاد.

ثم إن هناك أنواعاً أخر من القتال السائغ أو الواجب بحسب الشرع يطلق عليها اسم الدفاع، ولا تندرج على سبيل الحقيقة تحت اسم الجهاد، وهي أقسام:

أحدها: محاربة البغاة بالمعنى الأعم، وهم فئة من المسلمين خرجت عن طاعة ولي أمر المسلمين سواء كانوا قطاع طريق أو مكفرين للمسلمين لشبهة لديهم ومستحلين منهم ما يستحل المسلمون من الكفار المحاربين أو خارجين للاستقلال بالحكم دون التفكير أو كانوا معتدين على قوم من المسلمين، ولم يقبلوا بالصلح معهم فإنه يجب قتال المعتدين، وقد يخص اسم الخوارج بالقسم الثاني والبغاة بالقسم الثالث والرابع. وأما قطاع الطريق فحكمهم معلوم.

وكيف كان فالأصل في ذلك هو قوله تعالى: [وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ].

ثانيها: محاربة المهاجم الذي يريد التعدي على النفس أو العرض أو المال؛ فإنه يجوز للمعتدى عليه القتال معه لدفعه عن نفسه أو ماله أو عرضه، ولا يلزم الاستئذان من ولي الأمر.

الجيش

 إذا عين ولي الأمر شخصاً للجهاد وجب عليه طاعته وحرم عليه التخلف عنه وإذا لم يعين لم يجب عليه إلا على الكفاية، فإذا كان من به الكفاية سقط الوجوب عنه، وإذا دهم المسلمين عدو يخشى منه على النفس أو العرض أو المال فيجب الجهاد على كل قادر عليه، ولا يجوز لأحد التخلف إلا مع الحاجة إليه كحفظ المكان أو العرض أو المال، وإذا احتيج إلى إخراج النساء للمداواة ونحوها من المصالح جاز، فقد أخرج رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم في حروبه من نساء الأنصار، ويجوز الاستعانة بأهل الذمة بل وبالمشركين إذا أمن منهم؛ فإن رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم استعان بصفوان بن أمية على حرب هوازن قبل إسلامه. وأما قوله تعالى: [وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا] فهو إنما يقتضي عدم الاستعانة بالمضلين وفرض الكلام في من هو مأمون منه فلا يكون مضلاً، ونسب للشافعي جواز الاستعانة بهم ولو مع عدم الأمان منهم بشرط كثرة المسلمين، بحيث لو خان المستعان بهم وانضموا إلى الكفار تمكن المسلمون من مقاومتهم جميعاً، كما ينسب لابن المنذر المنع من الاستعانة بالمشركين مطلقاً، وعن أحمد بن حنبل روايتان: وعليه فيصح لنا الاستعانة بالنصارى ونحوهم في محاربة هذه الفئة المعتدية من أبناء صهيون.

وعلى آمر الجيش أن يتحرز أشد التحرز ممن يخذل الجيش ويثبطهم عن الجهاد أو يعلم التجسس عليهم أو يحدث الفتن بينهم. وإخراج النبي  صلى الله عليه واله وسلم عبد الله بن أبي معه مع ظهور التخذيل منه إنما كان للتحرز من شره لو بقي. ولاطلاع النبي  صلى الله عليه واله وسلم بالوحي على أفعاله فلا يتضرر بكيده.

الرباط

ويلحق بالجهاد الرباط وهو الإقامة عند الثغر للتحفظ من العدو، وعلى المرابطين أن يمنعوا الأعداء من الدخول إلى دار الإسلام ويعلموا المسلمين بأحوالهم، فإن قاتلهم الأعداء جاز لهم مقاتلتهم لدفعهم عنهم وعن بيضة الإسلام.

ما يتعلق بالحرب وأطوارها

لما كانت الحرب من الأعمال الجليلة ذات الأهمية الكبرى التي تتركز
عليها سعادة الأمة وشقاؤها كان اللازم وجود الرئيس المحنك فيها الذي
يحسن الإدارة للجيش وله البصيرة والخبرة بطرق النجاح فيها وله من المسكة والعصمة ما يمنعه من الإغراء بفواتن الحياة ومباهج الملذات الصارفة له
عن تدبير شؤون الفوز والظفر.

وعلى المقاتلين أن يسمعوا قوله ويطيعوا أمره ولا يدخلوا في الحرب إلا بعد أن يجيزهم ولا يضعوا أوزارها إلا بعد أن يأذن لهم، ولا يجوز لهم الفرار إذا التقى الصفان وتقابل الجمعان إلا لمصلحة هناك لا يشوبها الضرر. وتجوز الخدعة في الحرب فقد روي عن النبي  صلى الله عليه واله وسلم أن الحرب خدعة. وقد أفتى جدنا الأعلى كاشف الغطاء  قدس سره  بجواز استعمال آلة اللهو واللعب والغناء وسائر الأمور المشجعة للناس إذا توقف عليها تنظيم الجيش وقطع دابر الأعداء. وأفتى بكفاية التكبيرة الواحدة عن الركعة وقت القتال إذا لم يتمكن المقاتل من أداء الصلاة بأجزائها وشرائطها، وأفتى بجواز لبس ما يحرم لبسه في الصلاة من حرير وذهب حيث يتوقف الجهاد على اللبس، وأفتى بوجوب إعانة العلماء لرئيس الجيش بالوعظ ونحوه ولو قصروا عزروا.

أسباب الاعتصام

الأول: هو بذل الجزية لولي المسلمين بمقدار ما يعينه ولي المسلمين
لحفظ نفوسهم وأعراضهم وأموالهم، وهي واجبة على كل كتابي يقيم في دار الإسلام في كل عام لقوله تعالى: [حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ] ولا جزية على الأطفال والنساء والمجانين ولا تقبل إلا من أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى والمجوس دون غيرهم من الكفار كالملحدين وكعبدة الأوثان والنيران خلافاً لأبي حنيفة فقد قال بقبولها من جميع الكفار إلا العرب، وقال أحمد: تقبل من جميع الكفار إلا عبدة الأوثان من العرب، وقال مالك: تقبل من جميع الكفار
إلا مشركي قريش، وقال الأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز: إنها تقبل من
جميع الكفار، ويشترط في لزومها الانقياد لقضاء الشرع وعدم التجاهر بالمحرمات.

الثاني: الإقرار بالشهادتين، فإنه يحقن به الدم والمال والعرض قبل الاستيلاء، وبعده يحقن بها الدم فقط، ولكنه يدخل في الملك هو وماله.

الثالث: الأمان، وهو ترك القتال إجابة لسؤال الكفار بالإمهال، وهو إنما يصح مع اعتبار المصلحة للمسلمين، وقد يجب إذا ترتب على تركه الفساد.

الرابع: الصلح بأن يقع الصلح بين المسلمين وبين الكفار فيما كان المصلحة في ذلك، ولا يقع الصلح من غير الرئيس إذ ليس حكمه حكم الأمان.

الخامس: المهادنة، وهي البناء على ترك الحرب والجدال والمبارزة إلى مدة معلومة بعوض أو بغير عوض، وهي إنما تصح إذا كانت في مصلحة المسلمين.

وتفصيل ذلك وتنقيحه يطلب من كتب الفقه.

قالت جريدة المؤتمر الرابع لمجمع البحوث بعددها المؤرخ 3/10/1968 ص5 تحت عنوان:

(الجهاد وبواعثه)

ثم استؤنفت الجلسة في السادسة وعشر دقائق مساء، وكان أول المتكلمين في جلسة المساء السيد كاظم الكفائي، فألقى بحث سماحة الإمام علي كاشف الغطاء (عن الجهاد وبواعثه الخطوة الأولى للمؤتمر).

وقد شمل البحث:

عوامل الجهاد في الإسلام، ومن بينها عامل الجهاد لدفع الأعداء عن بلاد المسلمين وإخراجهم منها بعد التسلط عليها.

الجهاد بالنفس والنفيس محتم على كل مسلم في شرق الأرض وغربها دون فرق بين العربي وغيره في قضية فلسطين.

وفي ختام البحث اقترح على المؤتمر:

أن يأخذ على عاتقه معالجة قضايا المسلمين، ويوجب على كل مسلم ذكراً أو أنثى دفع مقدار من المال لا يقل عن جنيه مرة في كل سنة.

أن يطلب المؤتمر من رؤساء المسلمين وملوكهم إلزام رعيتهم بذلك؛ لأن هذا الطريق أقرب الطرق وأنجحها لجمع المال للجهاد.

أبدى استعداده لتنفيذ هذا الاقتراح عليه وعلى أهل بيته.

أقوال الصحف في دعوة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  للجهاد ضد إسرائيل

قالت جريدة الجمهورية المصرية 6/ 10/ 1968م

وقال الشيخ علي كاشف الغطاء رئيس وفد الشيعة العراقي بأن الجهاد
هو الوسيلة الوحيدة لحفظ هيبة الإسلام من التعدي عليه ودفع الأعداء عن بلاده.

واقترح أن يتخذ المؤتمر خطوة إيجابية في هذا الموقف، فتصدر فتوى تلزم
كل مسلم بدفع مقدار من المال لا يقل عن جنيه أو ما يعادله مرة في
السنة، وتوصية أخرى يصدرها المؤتمر للرؤساء بإلزام رعاياهم بدفع هذا
المبلغ.

 جاء في جريدة الجمهورية المصرية بعددها الصادر بتأريخ 11 اكتوبر سنة 1968م تحت عنوان:

(جنيه من كل أسرة لصندوق الجهاد)

 زعيم الشيعة في العراق طالب بأن تدفع كل أسرة مسلمة في العالم
مبلغ جنيه واحد على الأقل لصندوق الجهاد والدعوة الإسلامية، وأن كل من يتخلف عن هذا الواجب يقاطعه المسلمون في كل مكان ولا يتعاملون معه ولا يخاطبونه.

عرض هذا الاقتراح على علماء المسلمين (43).

طلب الشيخ علي كاشف الغطاء إنشاء جامعة إسلامية في مقابل الجامعة العربية

الجلسة الختامية للمؤتمر (44)

وفي الجلسة الختامية للمؤتمر ألقيت مطالبات سماحة آية الله العظمى الإمام كاشف الغطاء، التي طالب فيها إنشاء جامعة إسلامية إلى جانب الجامعة العربية؛ لأن القضايا التي تهم الأمة العربية قسم منها لا بد وأن يعالج على الصعيد الديني الإسلامي كمسألة الأهلة والمعاملات المستحدثة، والذبائح، والحج، ونحو ذلك، وقسم منها يعالج على الصعيد العربي كالمشاكل التي تحدث بين الأقطار العربية ونحوها.

كما أن الأمر قد يستلزم معالجة بعض القضايا على الصعيدين الإسلامي والعربي حيث أنها تكون ملتقى الخطين كقضية فلسطين ونحوها، وقد نالت هذه الكلمة استحسان الجميع.

كلمة في إثبات ظهور الحجة المهدي   عجل الله فرجه الشريف

وفي جلسة يوم السبت صباحاً ألقى محمود يونس عضو وفد إندونيسيا
بحثاً عن الإسرائيليات في التفسير والحديث، وتناول في حديثه ظهور الحجة
وانجر حديثه إلى إنكار ذلك. وقد رد عليه فضيلة شيخ الأزهر والشيخ مصطفى الزرقا والشيخ السايح ورده سماحة آية الله الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  حيث قال:

إن هذا الموضوع لا مجال للعقل فيه بعد أن جاءت الأخبار من الطرفين
 ما تجاوزت حد التواتر على ثبوته، وألفت في إثبات هذا الموضوع كتباً كثيرة مطبوعة ومخطوطة لا تخلو منها مكتبة من مكاتب العالم حتى أصبح التشكيك فيه تشكيكاً في الواضحات، والأديان الثلاثة الإسلام والنصرانية واليهودية كلها مجمعة على أن في آخر الزمان يخرج من يصلح العالم بعد أن يكون قد ملئ بالفساد.

الجلسة الختامية

لقد كانت الجلسة الختامية لمؤتمر البحوث الإسلامية الرابع مساء الأحد13 رجب سنة1388 هـ الموافق6/10/1968 م.

قد أعلنت فيها مقررات المؤتمر بعد أن استمع الأعضاء لكلمة الشيخ الإمام كاشف الغطاء  قدس سره ، وجرت مناقشاتهم للقيام بمهمتهم السياسية لهذا العام
وهي تعبئة جميع الشعوب والحكومات الإسلامية بكل الوسائل وراء راية الجهاد المقدس لتحرير الأراضي المقدسة الإسلامية والعربية من الاغتصاب والاحتلال (45).

دعوة شيخ الأزهر للشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره

بسم الله الرحمن الرحيم

يسر الإمام الأكبر الشيخ حسن مأمون شيخ الأزهر دعوة السيد صاحب السماحة الإمام علي كاشف الغطاء لحضور حفل العشاء الذي يقام بمشيئة الله تعالى تكريماً للسادة أعضاء المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية، وذلك في الساعة الثامنة من مساء يوم (الأحد 13 من رجب سنة 1388هـ الموافق 6 من أكتوبر سنة 1968م) بفندق كليوباترا بميدان التحرير.

(كلمة ودعوة)

للفريق عبد الرحمن محمد رئيس مجلس إدارة مسجد سيدنا الحسين  عليه السلام

بعد أن انتهى العشاء ألقى الفريق عبد الرحمن محمد رئيس مجلس إدارة مسجد الإمام الحسين  عليه السلام ، كلمة في ذكرى الإمام الحسين، وبعد الانتهاء من الكلمة دعا سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  لزيارة المراقد المطهرة.

وإليك نص الكلمة:

(ذكرى سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي  عليه السلام )

الحمد لله الذي أكرم بمحبته أولياءه، وأنعم عليهم بالحسنى وزيادة، والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته.

أما بعد: فإننا نعيش في ذكرى من أعطر الذكريات، ذكرى مولانا الإمام أبي عبد الله الحسين الريحانة العطرة لرسول الله  صلى الله عليه واله وسلم وثمرة بضعته الزهراء البتول وسيد الشباب التقي النقي، ذكراه روضة من رياض الجنة، تستنشق عبيرها فترد إلى النفوس إيمانها وليس كذكرى الصالحين حافز للهمم (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) وحب آل البيت وصحابة رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم وتابعيهم بإحسان وأولياء الله الصالحين من أجل صفات المؤمنين ووسيلة من وسائل القربى من الله ونيل مرضاته؛ لأنه حب للمثل العليا مجسمة في شخص هؤلاء الذين قاموا به خير قيام.

إن محبة الشيء تتولد من تعظيمه ومعرفة أحواله. وتلك المعرفة تتوقف على دراسة سيرته، فحبذا لو عرف كل محب للصالحين حياتهم وسيرتهم وطالع فيها أسباب المجد والعزة والكرامة، وإن محبة آل البيت سر الفلاح. قال علي كرم الله وجهه: فينا آية من القرآن لا يحفظ مودتنا إلا مؤمن ثم تلا قول الله: [قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى].

ولما نزلت هذه الآية قالوا: يا رسول الله من قرابتك الذين وجبت مودتهم؟ قال: علي وفاطمة وولداها.

وأخرج الحاكم وابن جرير عن أم سلمة زوج النبي  صلى الله عليه واله وسلم قالت: في بيتي نزلت هذه الآية: [إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا].

وكان في البيت علي وفاطمة والحسن والحسين فوضع رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم كساءه عليهم ثم أخرج يده ودعا فقال:

(اللهم هؤلاء أهل بيتي وخاصتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً) أعادها ثلاث مرات ثم قال: (اللهم اجعل صلواتك وبركاتك على آل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد).

والإمام أبو عبد الله الحسين قطعة من جده رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم قالت أم الفضل بنت الحارث زوجة العباس بن عبد المطلب:

(رأيت فيما يرى النائم أن عضواً من أعضاء النبي  صلى الله عليه واله وسلم سقط في بيتي فقصصتها على رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم فقال: خيراً رأيت تلد فاطمة غلاماً فترضعينه بلبنك).فولدت فاطمة ولداً فسماه الرسول  صلى الله عليه واله وسلم ودفعه إلى أم الفضل فأرضعته بلبن ابنها.

ولقد أنبته الله نباتاً حسناً، فإنه لما ولد  رضي الله عنه  في العام الرابع الهجري كناه أبوه حرباً، فغيره النبي  صلى الله عليه واله وسلم إلى الحسين ثم حنكه بريقه وأذن في أذنه اليمنى وتفل في فمه ودعا له. وفي اليوم السابع لمولده ختنه وعق عنه كبشاً بعد أن حلق شعر رأسه وتصدق بزنته ذهباً فنشأ مباركاً أينما كان.

قالت فاطمة لأبيها في مرضه الذي توفي فيه: يا رسول الله هذان ابناك الحسن والحسين فورثهما شيئاً قال: أما الحسن فإن له هيبتي وسؤددي، وأما الحسين فإن له جرأتي وجودي.

ولقد أجمع السلف والخلف على حب الإمام الحسين، فلقد كان عبد الله بن عمر يجلس ذات يوم في ظل الكعبة فدخل الإمام الحسين المسجد الحرام، فقال ابن عمر لمن حضر وهو يشير إلى الحسين: هذا أحب أهل الأرض اليوم إلى أهل السماء.

لقد بلغ الحسين سبط الرسول  صلى الله عليه واله وسلم من قلوب الصحابة وتابعيهم بإحسان المنزلة التي كانوا يؤثرونه بها على أنفسهم وأولادهم وأهليهم، وذلك لقرابته من سيد الخلق وما طبعه الله عليه من عظيم الأخلاق الموروثة من جده  صلى الله عليه واله وسلم حتى لقد أقسم أبو بكر  رضي الله عنه  للزهراء أم الحسين أنه يوقرها هي وبنيها أعظم من توقيره لكل ذويه فيقول: يا حبيبة رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم، والله إن قرابة رسول الله أحب إلي من قرابتي، وإنك أحب إلي من عائشة ابنتي ولوددت يوم مات أبوك  صلى الله عليه واله وسلم أني مت قبله فداء له. يا فاطمة والله إني لأعرفك وأعرف فضلك وشرفك.

وتحلف بالله السيدة أم سلمة زوجة رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم أنها سمعت الجن تنوح على الحسين يوم أن استشهد  رضي الله عنه  وكانت تقول: أعطاني  صلى الله عليه واله وسلم قبضة من تراب وقال: احتفظي بها لديك، فإن رأيتها تحولت دماً فهو يوم قتل الحسين. وكثيرا ما كانت تنظر إليها وتقول: إن يوماً تصيرين فيه دماً لهو يوم عظيم.

وهذه المحبة من الأمة الإسلامية لمولانا الإمام الحسين تجلت يوم أن سعى الوزير الفاطمي ابن رزيك لنقل رأس الإمام الحسين إلى مصر.

فما أن أحس الناس بنقل الرأس من العراق إلى مصر حتى تلقوه عراة الرؤوس حفاة الأقدام من غزة إلى أن استقر في القاهرة.

ولقد بلغ من حب الفاطميين للإمام الحسين أنهم كانوا يحتفلون بذكراه
في ربيع الثاني بعد احتفالهم بذكرى جده  عليه السلام  في ربيع الأول، ولم يبالوا
بتحري الزمان لأن الثابت أن مولده كان في شهر شعبان ولكن هدفهم المودة لآل البيت.

وهذا الإجماع من السلف والخلف على محبة الإمام الشهيد مولانا الإمام الحسين يدل على ما بلغه من رفعة شأن وعلو زلفى لدى الله والناس، ولا غرو فقد ورث خلال الخير من آباء كرام، ففيه تتلاقى أعز ما عرفت قريش والعرب من كريم الأصول ونقي السلالات، فاجتمع فيه المجد الموروث مع المجد المكتسب (نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء).

فأمه الزهراء سيدة نساء أهل الجنة وأحب بنات رسول الله إليه، وأبوه علي بن أبي طالب أول من آمن من الصبيان وفتى قريش والفدائي الذي بات على فراش رسول الله ليلة الهجرة وجده لأمه رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم وكفى.

وجده لأبيه أبو طالب الذي لم يتخلى لحظة عن رسول الله، وكان يقول له: اذهب وقل ما أحببت فو الله لا أسلمك لشيء أبداً.

وجدة الحسين لأبيه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف
أسلمت وحسن إسلامها ولما توفيت صلى عليها رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم ونزل في
لحدها وألبسها قميصه، ولما سئل عن ذلك قال: إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها، إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة ونزلت في قبرها ليهون عليها.

تلك هي أصول الإمام الحسين من جهة أبيه وجهة أمه، إنه فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

لم يقف الإمام الحسين عند هذا النسب العريق ولم يعتمد عليه في تحقيق المجد بل علم أن آيات الله والحكمة والنور خرجت من بيته رآها وسمعها ووعاها وطبقها على نفسه في حياته الخاصة والعامة، فخرج إلى معترك الحياة لا يلوي على شيء سوى ما قدم من خير بيده، فكان  رضي الله عنه  كثير العبادة والخشية لله والتواضع للناس غنيهم وفقيرهم دائم الصوم طويل التهجد بالليل حج خمساً وعشرين مرة ماشياً على قدميه وإبله تقاد بين يديه متبتلاً خاشعاً، وكان سخياً يفعل الخير بلا تكلف ويبذل المعروف بلا مَنّ ولا أذى.

هذه صفات مشرقة، مستلهمة من ضياء الذكرى الخالدة العطرة لأشرف عترة نبوية كريمة، ابن بنت رسول الله  صلى الله عليه واله وسلم، يتفيأ ظلالها كل من تدبر معناها، وحذا حذو صاحب الذكرى الكريمة سيد الشهداء وريحانة أهله الإمام التقي الورع.

ونحن إذ نحتفل بذكراه إنما نقدم للأمة العربية مثلاً صادقاً في الجهاد لنصرة الحق.

في ذكرى سيد الشباب الإمام الشهيد الحسين بن علي  رضي الله عنه  - وقد توفي إلى رحمة الله وهو ابن سبعٍ وخمسين سنة.

فريق

عبد الرحمن محمد أمين

رئيس مجلس إدارة

مسجد سيدنا الحسين

زيارة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  للمراقد

وبعد ذلك زار سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  المراقد المقدسة من مرقد رأس الحسين  عليه السلام ، ومرقد زينب  عليها السلام ، وباقي المراقد المقدسة، وتبرع للقائمين بشؤونها.

وإليك نص ما قالته جريدة الأهرام بعددها المؤرخ 12/ 10/ 1968م تحت عنوان:

(زيارة سماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء للمراقد المقدسة بالقاهرة)

استقبل سماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء أثناء زيارته للمراقد المقدسة بمسجد سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة وسكينة ورقية  رضي الله عنهم  استقبالاً بحفاوة بالغة.

وأعجب سماحته بروعة مبانيها ومظاهر عظمة الشعائر الدينية الإسلامية.

المقابلة مع جريدة المساء المصرية

قالت جريدة المساء المصرية في عددها 4339 في يوم (الإثنين 21 رجب سنة 1388هـ الموافق 14/ 10/ 1968م) تحت عنوان:

(حوار حول الأسرة العربية مع إمام الشيعة في العراق)

سؤال: ربما أصبح قديماً، ولكن لا يزال يشغل البعض، هل توافق على اشتغال المرأة.

أجاب: المرأة في هذه الآونة كلفت نفسها فوق طاقتها، فبالإضافة إلى عملها في المنزل هي تعمل في الخارج.. وبتعبير أدق هي تعمل في وظيفتين كلتاهما شاقة ومجهدة، فكان عملها أكثر من الرجل، المدنية الحديثة في نظرنا أساءت إلى المرأة، حيث أضافت لها تبعات فوق طاقتها.. وكانت في غير صالحها؛ لأنها تتنافى مع سعادتها.

وربما كانت كثرة التبعات التي ألقتها عليها الحضارة الفعلية هي السبب في خروجها للعمل.

وهذا بالطبع ينقص من سعادتها، فلو كان الرجل يتقاضى أجراً مجزياً يكفي حاجته وحاجة أولاده لتفرغت المرأة للحياة البيتية المنزلية.. في صالحها وصالح بيتها وأولادها.

إذن.. ما رأيكم في التعليم الديني بالنسبة للمرأة.

إن تعليم المرأة واجب مقدس.. والتعليم الديني مهم جداً.. فهو يساعدها على تربية أولادها تربية صحيحة، والدين الإسلامي يعلمها كيف تقضي حوائج زوجها ويبعدها عن المشاكل العائلية.. التربية الدينية الصحيحة منهاج للبيت السعيد، وأنا اعتقد أن من واجب المرأة المتدينة أن تدرس نفسية زوجها وتخفف عنه الآلام النفسية من جراء شقاء عمله خارج منزله؛ فإن ذلك من جمال النفس، وهو فوق جمال الجسم، أما إذا عاملت زوجها بعنف أو استهانت فقد يصل الأمر إلى الفراق وتصبح المرأة عدوة لبيتها..

فما النصيحة التي توجهونها إلى المرأة..

أن تكون مخلصة لزوجها وبيتها، وتوفر عامل الثقة مهم جداً في بناء الكيان الأسرى الصحيح.. وما يعانيه الغرب الآن من التفكك والانهيار الأسري مرده إلى عدم ثقة الزوج بزوجته وإلى عدم التصاق الأم بأبنائها وعدم شعور أفراد الأسرة الواحدة بكيان واحد، فكل منهم يلهو في الجو الذي يطيب له.. وهكذا يصبحون غرباء في بيوتهم.

وقد يقول البعض إن دور الحضانة يمكن أن يحل محل الأم في تربية
أطفالها.

ولكن فات هذا القائل بأن ذلك يوجب زوال المشاعر الصادقة والحنان الكبير الذي يربط بين الأم وأطفالها والأسرة وأفرادها، هل تستطيع المشرفة
أو المربية أن تعطي هذا الحنان والحب لكل أطفال دار الحضانة.. والجواب بالطبع لا.

ومن هنا لا بد من أن تتولى الأم بنفسها تربية أولادها وتساعدها الدولة على ذلك.

                    عزيزة العشماوي

عزم الشيخ علي كاشف الغطاء على الرجوع إلى العراق وأقوال الصحف في ذلك

قالت صحيفة الجمهورية المصرية بعددها الصادر يوم الإثنين الموافق (14/10/1968م) تحت عنوان:

(من كل مكان خبر)

الإمام علي كاشف الغطاء شيخ الشيعة بالعراق يسافر مساء اليوم إلى العراق بعد أن حضر مؤتمر العلماء المسلمين.

وقالت صحيفة الثورة العراقية بعددها 51 في (14/ 10/ 1968م) تحت عنوان:

(الإمام كاشف الغطاء يعود اليوم)

يعود مساء اليوم من القاهرة سماحة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء والوفد المرافق لسماحته على متن إحدى طائرات الخطوط الجوية العراقية بعد اختتام أعمال مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الذي أنهى أعماله مؤخراً، واتخذ قرارات هامة كان لها صدى بعيد المدى في كافة الأوساط العربية والإسلامية.

وقالت صحيفة (الجمهورية) العراقية بعددها 265 الصادر يوم الإثنين الموافق (14/ 10/ 1968م) تحت عنوان:

(عودة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء من القاهرة)

يعود سماحة الشيخ علي آل كاشف الغطاء والوفد المرافق لسماحته من القاهرة على متن الخطوط الجوية العراقية مساء يوم الإثنين (14/ 10/ 1968م) وذلك بعد اختتام أعمال مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الذي أنهى أعماله مؤخراً.

واتخذ قرارات هامة كان لها صدى بعيد المدى من كافة الأوساط العربية والإسلامية.

وقالت جريدة التآخي العراقية بعددها الصادر يوم الأحد الموافق13/10/68 تحت عنوان:

(موعد وصول الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء)

الوفد المرافق لسماحة كاشف الغطاء في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية المنعقد في القاهرة يغادر القاهرة يوم (السبت 12/ 10/ 1968م) وقد تأخر سماحته لأسباب خاصة عن الوقت المذكور لذا نلفت نظر الجماهير المستقبلة لسماحته، وسيصل مساء يوم الإثنين الساعة العاشرة.

وقالت جريدة الثورة العراقية بعددها 68 الصادر يوم (الاحد3 تشرين الثاني سنة1968م الموافق 12 شعبان 1388هـ).

عاد إلى النجف الأشرف من القاهرة الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء بعد أن حضر اجتماعات مؤتمر البحوث الإسلامية التي انعقدت هناك مؤخراً، وأبرزت فيه قضية فلسطين وكانت الصحف المصرية نشرت عدة تحقيقات ومقابلات مع الإمام كاشف الغطاء ذكر فيها أن حرب التحرير الشعبية هي المخرج الأساسي لاستعادة الأرض السليبة.

وقالت جريدة (الحرية) العراقية بعددها 1942 الصادر يوم (الأربعاء 6 تشرين الثاني 1968م الموافق 15 شعبان سنة 1388هـ) تحت عنوان:

(سماحة الإمام علي كاشف الغطاء يعود من القاهرة)

القصائد الشعرية في التهنئة بالعودة

لقد ألقيت قصائد كثيرة عند عودة سماحة آية الله العظمى الإمام الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره .

قصيدة العلامة الحجة الشيخ عبد الحسين القرملي  رحمه الله

عج للعلي أبي الرضا في قاعة
واحمل معي غرر التهاني حيثما
وانشر بحافات الندي بهاءها

 

 

النجف الأغر بحيث مثوى الأنزع
نور الفضيلة ساطع فانزل معي
فهناك نادي الألمعي الأروع

 

 

ومن قصيدة للعلامة السيد بدر الدين العاملي  رحمه الله  بعنوان:

(مرحى بنورك)

مرحى بنورك للمشارق يلثم
تجثو المحاسن في ركابك دائماً
كذب الفتى إذ قال أنت معظم
ما زلت فينا للهداية مشعلاً
سيظل نورك في الكتابة ساطعاً
 حسنت فعالك في رعاية أمة
لله درك من صفات جمة
لكم المآثر في العراق وطالما
يا ابن الذي كشف الغطاء وحسبه
علم من الأعلام بات مقدساً
خسئت قرود أن تقاوم ضيغماً
لا الموت يرهبه ولا كيد العدا
فلأنت ضيغمنا القوي ألا ترى
ولأنت راعٍ للديانة دائماً
فاغدق علينا من رشادك إنما
عفواً فإني عن بلوغك قاصر

 

 

صغرت أسود في قبالك صرم
وبك التكامل لائذ يستعصم
بل أنت من ذاك المعظم أعظم
علمت أجيالاً مضت وتعلم
وصقيل نقدك للمعايب يخذم
وسمت خصالك نعم أنت المسلم
حمدت وإن في اللؤم غار الأرقم
علمت جموع من أبيك وتعلم
كشف الغطاء فضيلة تتكلم
سجدت له طيب العلا والأنعم
وبمن تلوذ إذا استجد الضغيم
رعباً يموت لموت إذ يتقدم
أن ابن يعرب صامد لا يرغم
ولأنت سيف للإله محكم
أنت الجواد اليعربي الأكرم
والعفو من عند الكرام تكرم

 

 

من قصيدة للشاعر السيد علي الهندي  رحمه الله :

تحية الإمام المصلح سماحة الإمام الشيخ علي آل كاشف الغطاء

حي رمز العلم وضاء الصفات
 

 

من له كشف الغطا في الكربات
 

من هنا يا طالب العلم السبيل
 

 

من هنا تظفر بالعلم الأصيل
 

من إمام ما له فينا مثيل
 

 

 من سليل المعشر الغر الأباة
 

يا علي الشأن حياك العلى

 

 

فبك الهم عن الدين انجلى
 

أنت مثلت الإمام الأمثلا
 

 

في مساعيك إلى جمع الشتات
 

يا أبا أيمن يا يمن الصلاح

 

 

يا هزبراً باسلاً يوم الكفاح
 

أنت في التحليق للتقوى جناح
 

 

واللسان الحر في المؤتمرات
 

أنت للدين وللدنيا الرجاء
 

 

في الملمات على حد سواء
 

أنت تدعو لاعتدال لا التواء
 

 

وتنادي لتراث لا ترات
 

في زمان فيه توحيد الصفوف
 

 

واجب القادة في هذي الظروف
 

فالتآخي فيه صرف للصروف
 

 

وهو تحطيم المبادي الوافدات
 

إن توحيد صفوف المسلمين
 

 

له أسمى واجبات المصلحين
 

هل ترى تفريقهم يخدم دين؟
 

 

أم تراه لأعاديهم أداة؟
 

أنت راعٍ أنت مسؤول مطاع
 

 

في هجوم أو حياد أو دفاع
 

أنت في عين وقول وسماع
 

 

مالئ أسمى مقامات الهداة
 

عشت للدين الحنيف الأمثل
 

 

فهو أدركني ينادي يا علي
 

أنت فيه في الرعيل الأول
 

 

يا أباه، وقريب كل آت
 

 


من قصيدة السيد قاسم
 رحمه الله :

(علامة العصر)

يا مصلح الشرق بل يا نخبة العرب
 

 

من سار خلفك منه الظن لم يخب
 

والمبتدي العلم الفرد الذي خضعت
 

 

له الملوك لدى الأهوال والنوب
 

ذو مرة ومراس لم يهن أبداً
 

 

 كشاف طخيتنا في الروع والرهب
 

إن نافسوه فما في الأمر من عجب

 

 

لأنه زاحم المريخ في الرتب

 

قد رام شانيه أن يخفي فضائله
 

 

وهل يعفى شعاع الشمس بالسحب
 

وإن الخطوب تفاقمت أزماتها

 

 

يلقى الصعاب بوجه غير مكتئب
 

كم أبحر خاضها بالعلم طافحة
 

 

ما مثله مر في الأزمان والحقب
 

سمي علياً وباب العلم حيث له
 

 

بالمرتضى عليه السلام  صلة بالإسم والسبب
 

هذا علي وجل الناس تعرفه
 

 

كنز الفقير وتاج الأفوه الذرب
 

ما فيه يا سعد للأعداء مغمزة
 

 

أعظم به طاهر القمصان والأهب
 

زعامة الدين فيه إن هي اكتملت
 

 

لأنها حبوة الإنجاب للنجب
 

منه عليه دليل الفضل نلمسه
 

 

والحسن في التبر غير الحسن في الترب
 

هذا الذي تعرف الدنيا مواقفه
 

 

إرشاده شاده في الوعظ والخطب
 

عنّى الحداة به في كل قافلة
 

 

من زهر النيل حتى منتهى حلب
 

يقظان ما خالطت أجفانه سنة
 

 

يرعى الأنام بلحظ الوالد الحدب
 

خير المكاسب فيه والكفاية في
 

 

آرائه وله الآيات في الكتب
 

لولا علي بهذا العصر لاندرست
 

 

جل العلوم فلا فقه لمكتسب
 

نويت كشف الغطا عن كل معضلة
 

 

ليرتوي منك ظمآن الحشا السغب
 

يهنيك يهنيك ما قد حزت من سعة
 

 

في العقل والعقل نور غير محتجب
 

أعطاكه الله قبل الحلم واتسعت
 

 

آفاقه فيك بل في لفظك العذب
 

أخلصت لله لم تعرف مساومة
 

 

تخشى لقاك العدى في الحلم والغضب
 

جردت سيفك في وجه الظلال لكي
 

 

تقضي على الشرك والإلحاد والريب
 

صفاك ربك من صلصال قدرته
 

 

وللعلوم اصطفاك الله عن كثب
 

فأنت قطب الرحى في كل معترك
 

 

وما تدور الرحى إلا على قطب
 

ما زلت تجمع شمل المسلمين بما
 

 

قد خصك الله في علم وفي أدب
 

يا واحد الدهر يا غوث الأنام إذا
 

 

دارت رحى الحرب لم تنكـص على العقب

العلم بحر ولم يسبر مداه سوى
 

 

كف بها تعرف الأوزان للنسب
 

سلالة من قديم الدهر نعرفها
 

 

إذ ما لها غير نشر العدل من أرب
 

فآل كشف الغطا من قبل قادتنا
 

 

فيهم لعمري بلغنا أرفع الرتب
 

منهم علي الرضا مأوى الوفود له
 

 

شد الرحال لكشف الغامض اللجب
 

علامة العصر بل وهو الحكيم به
 

 

إتمام نعمتنا في عصرنا الذهبي
 

لا يطلب العلم إلا من فرائده
 

 

فبحره زاخر باللؤلؤ الرطب
 

وهو الرضي صدوق النسك ما ولدت
 

 

أم الفخار له نداً أخا حسب
 

في البر والخير وفر المال ينفقه
 

 

وكفه وكفها كالغيث منكسب
 

 

من قصيدة السيد عبد الأمير جمال الدين سلمه الله:

بعد الصلاة والسلام على النبي العربي الأمين وعلى آله الطاهرين وصحبه المخلصين.

حضرة سماحة العلامة الجليل الإمام الفاضل الشيخ علي كاشف الغطاء حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله..

يسرني كثيراً أن أقدم بين أياديكم الكريمة هذه الأبيات الشعرية البسيطة راجياً أن تنال استحسانكم، فهي عنوان حب وإخلاص واحترام يكنه لكم ولدكم المخلص.

(تحية المجد)

طاولي بالحد عزماً واكتسابا
وخذي الحكمة من أصحابها
وإذا ما شاقك الدرب فلا
إنما الدنيا صراع خلقت
وسلاح المرء إيمان به
هذه مدرسة قد فتحت
خصها الباري على من دونها
زمر الباطل مهما اشعلت
فهو إن رمت فقيه بارع
نهل العلم على آبائه..
سل بحمدون إذا ما زرتها
واسألن بغداد من أطلقها
واسأل الأزهر إن شاهدته
إن هذا الشيخ أعيا مقولي
أوضح الشيعة في منطقه
أنا ان خاطبتهم يا اخوتي
وعلوم الدين مهما عظمت
خلق المرء كفيل وحده
فهو عنوان نفوس كرمت
أنا مهما صغت شعري عاطراً
بورك الموكب في عليائه

 

 

وافتحي للنصر باباً ثم بابا
واسرعي العدو ولا تخشي صعابا
يكن الوهن على الدرب حرابا!
لم ينل فيها سوى الشهم الغلابا
يصرع البغي ويرميها رقابا
وعليها لبس الحق ثيابا..!
بإمام عربي لن يهابا..
فتناً أن تجعل الأرض يبابا
وهو إن شئت أديب لن يحابا
واستقى من أعذب الورد شرابا
يا ترى من جعل الشيخ شبابا
صرخة لله قد لاحت شهابا!
فهو يعطيك جواباً فجوابا
فهو كالماء إذا انساب انسيابا
وأبان الحق صدقاً وصوابا
فلقد خاطبت من عز وطابا
زانت المرء وزادته مهابا
أن يغذي الروح ما لذ وطابا
وجلت عن درن النفس الحجابا
خلته ناء وما زاد اقترابا
يقع الأرض سهولاً وهضابا

 

 

هذا ما استطعنا جمعه

ولا يخفى أن الغاية من عرض هذه الرحلة هو استذكار الأمة جهاد علمائها وتقديمهم الغالي والنفيس من أجل إعلاء كلمة الإسلام وراية النجف الأشرف وحوزتها العلمية عسى أن يكون هذا الكتاب مقتضياً أو معداً لقدح شرارة هذه الروح الإسلامية الوطنية لمن يحمل راية الإسلام.

وألحقنا بهذا الكتاب بعض الوثائق التي محورها الوحدة الإسلامية التي صدرت من سماحة الشيخ علي كاشف الغطاء  قدس سره  حتى تتم الفائدة وتكون للباحث عوناً وللكاتب مصدراً.

ونعتذر عن النقيصة في دراسة أحد جوانب هذه الشخصية التي كانت مشعلاً للدين الإسلامي بسبب قلة البضاعة وسوء الصحة وله الحمد.

 

 

 

 

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD