تحقيق

العراق ـ النجف الأشرف

1435هـ ـ 2014م

 

منشورات

مؤسسة كاشف الغطاء العامة

7801006730 ــ 00964  /  info@kashifalgetaa.com  /  www.kashifalgetaa.com

مقدمة ناشر الطبعة الأولى

الحمد لله ربّ العالمين, والصلاة والسلام على نبينا محمد أشرف الخلق أجمعين, وعلى آله الأطهار الميامين أئمة الهدى, وحماة الدين, ووسيلة المستضعفين, وغاية منتهى الراجين, وعلى صحبه المنتجبين.

أما بعد:

فقد كتب العلاّمة آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء  قدس سره  رسالتين:

الرسالة الأولى: ردّ فيها على المسائل التي وجهها موسى جار الله إلى علماء النجف الأشرف.

الرسالة الثانية: في اللعن وفضل العلويين.

وهما في الحقيقة تعبران عن مسألة مهمة وقضية كبرى شغلت العالم الإسلامي منذ قرون طويلة, وما زالت تَبِعاتُها إلى هذا اليوم تنخر في جسد الأمة الإسلامية, وتقوّض من دعائم المجتمع الإسلامي, وقد استفاد منها أعداؤنا كثيراً واتخذوها سلاحاً فتّاكاً للتفرقة بين المسلمين, وكسر شوكتهم, وتشتيت جمعهم؛ لصرف أنظارهم عن الأخطار الخارجية التي تهدد وجودهم وكيانهم وعن الأوضاع المأساوية التي يعيش في كنفها الإنسان العربي المسلم.

إن الخلاف بين السنة والشيعة هي القضية الكبرى التي ألقت بظلالها على واقعنا القديم والمعاصر وما تبعها من صراع مذهبي منذ عصر صدر الإسلام إلى هذا اليوم, وما حَمَل في طيّاته من تبعاتٍ خطيرة, وما تركه من إرث ثقيل بالمشاكل والخصومات بين أبناء الأمة الإسلامية.

لقد تصدّى العلامة الشيخ هادي كاشف الغطاء  قدس سره  لهذا الأمر بكل حزم وقوة, وبكل ما أوتي من أدب وبيان, وبما عرف عنه من قوة الاستدلال وسطوع البرهان, ومقارعة الخصوم في النقاش والجدال بأسلوب علمي ومنطقي يستند إلى الحقائق والوقائع بعيداً عن الأهواء الشخصية والآراء الذاتية.

وكان همّه الوحيد في ذلك كشف القناع عن الحقيقة, وإزاحة الستار عن الشبهات, كما أنّ الشيخ كان يسعى إلى توحيد صفوف المسلمين ويدعو إلى تناسي أحقادهم ونبذ خلافاتهم ورائهم ظهرياً, لأن هذه الأمور لم تعدْ على المسلمين بأيّ فائدة, ولا طائل من ورائها.

فيقول الشيخ  قدس سره : ((فإنّ طرح مثل هذه الموضوعات في ميدان البحث والمناظرة والرد والنقد مما لا فائدة فيه ولا عائدة ولا رقي ولا عرفان منفعة, كمسألة خلق القرآن – مسألة قدمه وحدوثه –, وغيرها من المسائل البائدة التي لا وقع لبعثها, ولا نفع لنشرها, فليس فيها – فضلاً عن إضاعة الوقت, وإتلاف الحبر والورق والاشتغال بما لا يعني – غير مس العواطف وإثارة الإحن والتفرقة بين المسلمين, ومناوأة الحق, والتعصب للباطل, وقيل وقال, ومراء وجدال, وتعصب وتحزب)).

ثم يقول الشيخ هادي كاشف الغطاء  قدس سره  بكلّ أسف ومرارة: ((إنّ الغربيين يناولون الشهرة والسمعة, ويكون لهم الصوت والصيت بما يبتكرونه من الأعمال وما يخترعونه من الصنائع التي تنفع عموم البشر, وإنّ بعض الجهلة من الشرقيين ممن صبغ نفسه بصبغة الإسلام يعٍمَدُ إلى أمور خرافية منسية بائدة كاسدة فيروّجُها, ويتعصب لها, ويجعلها أساطير تتلى وزبراً على منصة القدر تجلى؛ لينالَ بذلك شُهرة وسمعة بين أهل عصره ليقال من ذا قالها؟ وإنّا لنعجب ممن ينشر مثل هذه الأمور, ولمن يقرؤها ويضعها موضع النظر والنقد)).

إنّ الرسالة الأولى جاءت رداً على المسائل التي وجهها موسى جار الله والتي طلب فيها جواباً من علماء الشيعة في النجف الأشرف وهي مسائل تضمّنت أموراً كثيرة منها: تكفيرُ الصَّحَابة ولعنهم, والقول بتحريف القرآن, وموقفُ الشيعة من حكوماتِ الدّول الإسلامية, وتكفير الفرق الإسلامية, والجهاد والشهادة، وإنكار كتب الشيعة لأحاديث أئمة العامة, وفي تأويل الآيات وتنزيلها, وفي التقية, وفي الأخبار الواردة في كتب الشيعة, وفي مسألة العول, وفي المتعة, وفي الخلاف بين علي  عليه السلام  والصحابة, وفي ولاية الإمام, وفي النسيء, وفي حج النبي  صلى الله عليه وآله وسلم , وفي حفظ الشيعة للقرآن الكريم واختلافهم في المصاحف.

وفي رَدِّهِ على تلكَ المسائل أوضحَ الشيخ  قدس سره  ما وَقَعَ فيه موسى جار الله من أغلاطٍ وأوهام وزلل لا يخفى على ذي عقل وبصيرة, وإنّ هذا الرَّجُل ما أراد إلّا الإساءَةَ إلى الشّيعةِ وعقائدهم مُنتحِلاً الكذب والادّعاء على الشيعة بما لا تقول فيه ولا تؤمن به.

وقد انبرى الشيخ  قدس سره  مُنافحاً عن عقيدة أهل البيت وتراث آل محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  مسقطاً الحجج الواهية والأدلة الفانية التي جاء بها موسى جار الله.

أمّا الرسالة الثانية فقد جاءت جواباً عن سؤال مفاده: ((ما هو الحكم الشرعي في لعن يزيد هل هو جائز مشروع أم لا))؟ وقد أجاب الشيخ  قدس سره  عن هذا السؤال في مقامين وخاتمة: أما المقام الأول فقد ذكر فيه حجج المانعين من لعنه, وفي المقام الثاني تناول حُجَجَ المجوّزين في لعنه. أمّا الخاتمة فقد جعلها في فضل العلويين من بني هاشم.

وفي ذكره لجميع الأدلة والبراهين اعتمد على مصادر السنة كي تكون الحجّة أبلغ والدليل أوضح.

وقد مَنَّ اللهُ علينا بإظهار هاتين الرّسالتين وإخراجهما إلى الوجود لكي يطلع عليهما القراء ويفيدوا منها ما شاؤا.

وما عملنا هذا إلّا في سبيل خدمة الإسلام والمسلمين جميعاً.

ومن الله التوفيق إنه نعم المولى ونعم النصير.

                                                                                 

 

 

 

مقدمة التحقيق

وصلّى الله على رسوله الامين وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين.

ابتليت الامّة الاسلامية بالصراع في أدوارها الاولى, وهي أصعب مرحلة تمرَّ بها الاَمة أيّ أمّة يريد لها أبناؤها أنْ تستمر وتشيد صرح العمران والحضارة؛ لتملأ الأرضَ بعبق عطرها.

فليس الصراع في الادوار الاولى جعل ابناء الامّة الى قسمين مع العترة وضدّها فلي هناك وسط في هذه المسألة, التي بقيت الى يومنا هنا, فإمّا معهم وامّا عليهم, هذه معاناة أمتنا المستديمة منذ قرون فانتفاء الحدّ الاوسط جعل الامّة تدور في دوّامة محاولات الجمع والتقريب بين الفريقين, فمرّة يعلو صوتُ المصلحين, ومرَات عديدة تعلو أصوات وصياح المتصارعين فيغيب عن المشهد الحوار الهادئ في مواضيع مضت عليها قرون, لكنّها ماتزال حتى اليوم كالبراكين الخامدة نارها قريبٌ من السطح.

تنتشر في أيامنا في كل بلاد المسلمين تقريباً مشتقاتُ الفعل (ضَرَب), وعندما تصل النّوبة الى صيغة المبالغة (ضرَّاب) يبدأ الحدّ الأدنى من مشتقات الفعل (قَتَلَ), ثمّ يزداد وصولاً الى صيغة المبالغة (قتّال) التي نراها اليوم بأدقّ تفاصيلها عندنا في العراق, فلا بيتَ إلاّ وفيه من يإنُّ حسرة ولوعة وحزناً, بسبب تغييب الحدّ الأوسط, وهو جعل هذه المواضيع المذهبية التاريخية الفقهية العقدية الدقيقة محصورة في أضيق نطاقٍ ممكن, وهو نطاق العلماء المتخصصين في مجالاتهم جّداً.. لكنّ فتح هذه المواضيع على الفضائيات وصفحات التواصل الاجتماعي وهي أكثر وأوسع انتشاراً من الكتب كان سبباً رئيساً في زيادة التشتت الطائفي بل الحرب الطائفية التي حطّت رحالها في بلدان المسلمين.

لا أدري هل تعلمون بأنّ موسى جار الله دَخَلَ النجف وبقي في كربلاء فترة وفي الكاظمية, وعلماؤها يعرفون الرجل جيّداً, ويعرفون آراءه فيهم, ولم يتعرّض لإهانته أحد أو التجاوز عليه بشق كلمة.

وكذلك الدكتور أحمد أمين الذي كتب ما كتب في مؤلفاته عن الشيعة زار النجف فانبهر بحسن الاستقبال والضيافة وكأنه لم يكتب شيئاً عنهم, أو كأنهم لا يعرفون بكتابته عنهم.

فإنّ للبحث العلمي مكان وللضيافة والاخوّة والمودّة أماكن, ولكن كيف يتم إيصال هذا المعنى للناس مع تسلّط الطائفيين على الإعلام المسموع والمرئي في ايّامنا.

هذه الاسئلة الشهيرة التي كتبها موسى جار الله الداعية الاسلامي الروسي التركماني حشاها ناراً, وسجّر عباراتها بمختلف موارد الإثارة, وكأنه كان يكتب اسئلة انفجارية الغرض منها اثارة زوبعة في المجتمع الاسلامي الذي لم يكن يخرج من تسلط الظَلَمَة المستبدين بعد.

فطارت الاسئلة في الأيدي في البلدان, وترجمت الى الفارسية والتركية, فصار لزاماً على علماء الشيعة الردّ عليها.

ولأنّا في هذه الايّام نمرّ بظروف أكثر شدة وتطرّفاً مما كان يمرّ به أجدادنا في العشرينات من غزوات فيصل الدويش وأمثاله من الإخوان الوهابيين النجديين,  وإحياءً لذكرى علمائنا العظام الذين تصدّوا للردّ على السيف بالقلم قمنا بإعادة تحقيق هذه الاجوبة وطبعها.

الردّ على مسائل موسى جار الله :

كتبه الشيخ هادي قدس سره على عجالة على ما يبدو, فلم يتسَنَ لأحَدٍ مراجعةَ بعض كتب الحديث الموجودة عنده في مكتبته, ذكر ذلك بنفسه في ردّه المسألة السابعة عشرة .

واضح من كلامه انه قدس سره كان متبرّماً من الخوض في هذه المواضيع؛ لعدم الفائدة, بل الضرر المترتب على الخوض فيها, لكن الاخر (موسى جار الله) سبّب إرباكاً في العالم الاسلامي برمّتِهِ بنشر هذه المسائل, فاقتضت المصلحة الردّ عليها, حذراً من تفسير السكوت عنها بالعجز أو بالاعتراف.

استعان الشيخ قدس سره في ردّه بالقرآن الكريمُ وبالحديث الشريف, ومن امهات المصادر الإسلامية, وكذلك استعان بالردّ الجَدَلي في أحيان قليلة, وحاول توضيحَ الإيرادات والشبهات بهدوء وبساطة, وبدون الخوض طويلاً في مسائل تزيد من حالة التفكّك التي تعيشها الأمة.

لكنّه قدس سره رغم كلّ هذه الصعوبات التي تحول دون بسط الكلام ظهر منافحاً بقلمه الشريف عن مذهب آل البيت ذابّاً عنهم أشدّ الذبِّ ومُدافعاً ممانعاً لهجوم جار الله على المذهب, ولو كان جارُ الله جاراً لله لما رَمَى بيوتَ أهل بيت رسول الله بالحجارة.

 

كتاب مسائل موسى جار الله :

مجموعة مسائل هي عشرون مسألة معظمها في العقائد, والتأريخ, والحديث والفقه.

نَسَجَها السائلُ بطريقةٍ جُمَلٍ مقتضبة عن موضوع معيّن, استقى أفكارها في غالبها من آراء المتشددين من أهل السنة, كابن تيمية وتلاميذه ابن القيم والذهبي وابن كثير, فليست إلاّ دعاوى لا تثبت أمام التحقيق, وأوهام, وأخطاء في فهمٍ, نقلها قدماء المؤرخين في الملل والنحل, ونقول بلا تمحيص, وتخرّصات واكاذيب سببها الصراعات الصراعات المذهبية في تأريخ المسلمين المشحون بالخلافات.

وقد حاول جار الله ان يسند بعض آرائه ومدعياته بأحاديث ينقلها من كتب الامامية دون بل هي اسقاطات معتقداته في كتب السنة على كتب الشيعة فمثلاً هم يعتقدون أنْ البخاري ومسلم أصحّ الكتب بعد كتاب الله, فيظنون أنّ الشيعة تقول بنفس المقالة في كتبها, فأخذ ينقل الأحاديث من الكافي متبجحاً كأنه عثر على الدرّة وسط الفحم, فجلى عنها السواد وبان تلألؤها, ولم يلتفت الى ان الشيعة تعامل كل كتبها على مستوى واحد, من عرضها على كتاب الله وعلى مباحث الجرح والتعديل في علم الرجال, فبعد حجة السند ينظرون في الروايات, هل يمكن قبول متونها , وانها لا تخالف كتاب الله, وليس لها معارض او مُخصِّصٌ أو مقيّد لسعة مداليلها.

ولهذه الأسباب تعرّض جمعٌ من العلماء لردّ هذه المسائل ونقضها, منهم: السّيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي, والسيد محسن الامين العاملي, والشيخ عبد الحسين الرشتي, والشيخ مهدي الحجار, والشيخ هادي كاشف الغطاء, وهذا كتابه في الردّ بين يديك . وكذلك عرّض بصاحب المسائل جماعة كبيرة من العلماء الشيعة لعلّ أهمّهم الشيخ عبد الحسين الأميني صاحب الغدير.

 

 

 

 

 

 

 

ترجمة المؤلف

هو الشيخ هادي ابن الشيخ عباس ابن الشيخ علي ابن الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء ابن الشيخ خضر بن يحيى الجناجي المالكي...

اختلف في سنة ولادته بين 1287هـ و 1289هـ و 1290هـ والراجح الاخير لأنه ذكر في ترجمته التي دوّنها ولده الشيخ محمد رضا... أنه ولد يوم 17 ربيع الاول 1290هـ.

نشأته:

نشأ في ظلال أسرته الوارفه, ولا تحتاج أسرة كاشف الغطاء الى تعريف, بل بها يُعرَفُ طلبة العلم والأدب, شبَّ قدس سره شاعراً مفلقاً أديباً, شارك في معارك النجف الأدبية الى جانب أقرانه الذين عرفوا بالنباهة والذكاء والفضيلة والعلم, أمثال السيد جعفر الحلي, والشيخ جواد الشبيبي, والشيخ عبد الحسين الجواهري.

دروسه:

قرأ مقدمات العلم الشيخ صادق آل حاج مسعود, والشيخ عبد الهادي البغدادي, والسيد علي ابن السيد محمود الامين العاملي, قرأ رسائل الشيخ الأنصاري على شيخ الشريعة الأصفهاني, وحَضَرَ الفقه والأصولَ عند والده الشيخ عباس, وحضر درس الشيخ الاخوند محمد كاظم الخراساني أكثر من عشر سنين, وحضر درس السيد اليزدي صاحب العروة, وحَضَرَ درس الشيخ اغا رضا الهمداني صاحب (مصباح الفقيه).

مؤلفاته:

ترك قدس سره آثاراً عديدة بعضها مطبوع. منها: الاجوبة النجفية عن الفتاوى الوهابية, البرهان المبين في من يجب أتباعه من المرسلين, بلغة النحاة في شرح الفائقة, الرد على مسائل موسى جار الله, رسالة في اللعن وفضل العلويين, رسالة في فن التجويد, مدارك نهج البلاغة, مستدرك نهج البلاغة, هدى المتقين, وهذه كلها مطبوعة.

أمّا المخطوطة: منظومة في النحو سماها نظم الزهر من نثر القطر, منظومة في أحوال السيدة الزهراء عليها السلام, منظومة في أحوال الامام الحسن عليه السلام, شرح على كتاب الشرائع, شرح على تبصرة المتعلمين, قاموس المحرمات, شرح على منظومة السيد بحر العلوم.

وفاته:

توفي الشيخ قدس سره في النجف ليلة الأربعاء التاسع من محرم سنة 1361هـ, وشيّع تشيعاً مهيباً شارك فيه كبار العلماء والوجوه والاعيان وجماهير الناس وشيوخ القبائل, دفن في مقبرتهم الشهيرة الى جانب ابيه وأجداده.

ترجمة السائل:

موسى جار الله الشهير بابن فاطمة, التركستاني القازاني التاتاري, ولد في (رستوف دون) في روسيا 1295هـ, 1878م, درس في بلاده مبادئ العربية والفقه وتبحر فيه, صار إماماً للجامع الكبير في ((بتروغراد)) التي سميت ((لينينغراد)), كان كثير السفر, فإنّه أثناء حجّهِ أقامٍ بمكّة ثلاث سنين, صار شيخاً للإسلام في روسيا قبيل الثورة البلشفية 1917, أصدر كتباً عن علاقة المسلمين بالثورة, فصودرت مطبعته, فرحل 1930م, ووصف رحلته في صدر كتابه (الوشيعة), وإنّه قد ساح في البلاد الإسلامية عندما كان طالباً, واستمرّت سياحته ستة سنوات, زار العراق ومدنه المهمة بغداد والبصرة والنجف وكربلاء.

وقد نشر مسائله هذه التي هي ملخّصٌ لكتاب الوشيعة, وأرسلها الى علماء الإمامية في إيران والعراق وطَرَقَ كلَّ الأبواب من أجل الردّ عليها.

قال الزركلي في الأعلام ج7, ص321 في ضمن ترجمته: "واضطربت عقيدته في أعوامه الاخيرة, ومرض في مصر فدخل ملجأ العجزة بالقاهرة وتوفي به عام 1949م".

هذه العبارة لم افهم معهناها ! كيف لرجل يكونُ بهذه الأهمية عندهم ويهتفون باسمه حتى اليوم يموتُ في ((ملجأ العجزة)), ولم يمنح داراً ليسكنها في غربته, وهو يعيشُ في مصر ردحاً طويلاً قارب 15 عاماً ثم إنّ الدعاة السلفيين في مصر امتدحوه مثل محبّ الدين الخطيب مع كون هؤلاء متنفذين جداً في مصر إبّانَ الحكم الملكي المصري.

ثمّة جملة نقلها الزركلي لم أجدها عند غيره ((واضطربت عقيدته في أعوامه الأخيرة)) ما معنى ذلك هل تعني إنه بدّل عقيدته من الأشعرية الى السلفيّة الوهابية المتشددة, فلماذا تركه السلفيون المتنفذون بهذا الحال الذي يُرثى له بحيث يلقي في ملجأ العجزة ليموت فيه؟

أو ربما يكون الرجل قد تشيّع أوْ كاد! فلذلك تُرك وحيداً يعاني آلامه وأيّامه الاخيرة؟! وعلى اقلّ التقارير أعرض عن آرائه في ذمّ السقيفة فأعرض عند من امتدحوه طويلاً.

نسخ المخطوطات:

عثرنا في خزانة كتب الشيخ قدس سره على:

  1. ابراز الآيات القرآنية الكريمة ووضعها بخط مميّز, مع استعمال الاقواس المزهرة .

     2 - وضع الأحاديث النبوية الشريفة بين قوسين عاديين ((    )).

     3 -وضع نصوص كلام العلماء المنقول من كتبهم بين قوسين عاديين ( ).

عملنا في التحقيق:

 

 

                           

 

أجوبة سماحة الشيخ هادي كاشف الغطاء  قدس سره

الحمدُ للهِ والصّلاةُ والسلام على محمد وآل محمد الطاهرين وبعد:

فقد وقفتُ على جُملةِ مَسَائل صَدَرَتْ مِنْ بَعْضِ أهل السُّنّةِ والجماعَة, وجّهها إلى علماءِ الشيعة الإمامية, وهي في الحقيقة انتقادٌ لمذهب الإمامية, وطعنٌ في كتبهم وديانتهم وعقائدهم, وقد طلب مني بعض طلبة العلم من أهل النجف الأشرف أنْ أكتُبَ ما يسنحُ لي من الجواب عنها على سبيل الإيجاز والله الموفق.

قال السائل: أمّا الأمورُ التي أعدّها منكرةً لا تتحمّلُها الأمة ولن ترتضيها الأئمة وتنافي أهم مصالح الأمة فهي مسائل عديدة منها:

المسألة الأولى: (تكفيرُ عامّةِ الصّحَابة كافّة, لم ينجُ منهم سوى قليل منهم لا تزيد عِدّتُهم على سبعة).    

الجواب:

إنّ ما يوجد في بعض الأخبار المودعة المنسوبة إلى الشيعة لا يصحُّ جعلُه من عقائد الشيعة, فإنّه يوجد في الأخبار أمور كثيرة يُوردونها إيراداً لا تديناً واعتقاداً, وإنّما التعويلُ في ذلك على كتبهم الاعتقادية التي صَنّفَها أئمةُ المذهب وعلماء الدين, كالمفيد والصدوق من المتقدمين, والشيخ المجلسي صاحب البحار من المتأخرين.

ثم إنّ في جوامع أهل السنة والجماعة ما ينطقُ بكفر عامّةِ الصَّحَابَةِ بعد وفاة صاحب الرسالة  صلى الله عليه وآله وسلم .

ففي صحيح البخاري في أول كتاب الفتن بإسناده عنه  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: (أنا على حوضي انتظر مَنْ يَردُ عليَّ فيؤخذ بناسٍ من دوني فأقولُ أمّتي فيقول لا تدري مشوا على القهقرى)([1]). وروي بعده: (فأقول أي ربي أصحابي يقول لا تدري ما أحدثوا بعدك)([2]), (فأقول سحقاً سحقاً لمن بدّل بعدي)([3]) ولو فتشنا جوامعهم الأخر وكتب أحاديثهم لوجدنا فيها أمثال ذلك.

ومما هو من هذا القبيل ما روي في الصحيح المذكور في باب (إذا التقى المسلمان بسيفهما) قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  (إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فكلاهما من أهل النار)([4]), وهذا يوجب تكفير أو تفسيق عامة أهل الجمل وأهل صفين كما لا يخفى.

وعلى أيِّ حالٍ فنحن لا نمنع من تجويز كفر عامّةِ الصّحابة إلاّ القليل.

ولكنّ المراد من الكفر الكفر الإيماني لا الكفر الإسلامي, ويتحقق الكفر الإيماني بإنكار إمامة الامام من أهل البيت G قولاً أو فعلاً أو اعتقاداً.

وإنْ أبيت عن ذلك فلا مانع من حمل الكفر على معناه اللغوي وهو الستر, فإنّ عامّة الصحابة ستروا الحق وأخفوه, وبهذا المعنى سُمّي الليلُ كافراً والزارع كافراً, وعامة الصحابة بايعوا أبا بكر وجعلوه خليفة رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم :

كأنْ لم يكُنْ بينَ الحجونِ إلى الصَّفَا

 

أنيسٌ ولمْ يَسْمُرْ بمكَّةَ سَامِرُ([5])
 

 

والحاصل إنّ في كتب الأخبار سواء كانت للشيعة أو لأهل السنة أخبارٌ تحتاج إلى النقد والتحليل, ولا يصح لمن اطّلَع عليها أنْ يَنْسِبَ إلى مذهب أهل التشيع أو إلى مذهب أهل السنة ما اشتمل عليه ذلك الحديث, فلا يصحُّ أنْ تقول: إنّ مذهب أهل التسنّن تكفيرَ أهل صِفّين والجَمَلَ من الصَّحَابة والتّابعين لأجل الخبر الذي أورده البخاري في صحيحه الذي تقدَّمّت إليه الإشارة؛ لأنّ الصحيح المذكور مما يعتمد أهل السنة عليه وترجع في مذاهبها إليه.

المسألة الثانية: قال (وللشيعة في تكفير الأول والثاني صراحة شديدة ثم استدل على ذلك بأنّ في كتب الشيعة عن الباقر والصادق…) إلى آخر ما كتبه في هذه المسألة التي لا فائدة في نشرها – بعد أن انطوت عليها قرون عديدة حتى صارت نسياً منسيا – غير تفريق الكلمة وقدح زناد الخلاف.

الجواب:

إنّ فرق الشيعة كثيرة ولا أُبْعدُ عن بعضها القول بتكفير الشيخين الكفر الإيماني أو الإسلامي, فلا وجه لنسبة ذلك إلى جميع الشيعة, كما أنَّ في فِرَقِ أهلِ السُّنّة مَن يَتديّنُ بعداوة أمير المؤمنين  عليه السلام  وهم النواصب, فلا وجه لنسبة النَّصْبِ إلى جميع أهل السنة.

وفي المسلمين مَن يُكَفّر الصّهرين, وفيهم فرقٌ كثيرة من الخوارج وغيرهم لهم آراء فاسدة واعتقادات باطلة.

والذي عليه الشيعة الإمامية  من العقائد التي يتدينون بها ويجعلونها أصلاً من أصول ديانتهم, هي ولاية علي أمير المؤمنين  عليه السلام  وأبنائه المعصومين, وعداوة أعدائهم, والبراءة ممن يعاديهم ويناوئهم, ويريد السوء بهم, والخلاف عليهم, ويعبّرون عن ذلك بالتّوَلّي والتَبرّي, ويقول شاعرهم:

إذا لَمْ تَبْرَ مِنْ أعدا عَليٍّ
 

 

فمَا لَكَ في مَحبَّتِهِ ثَوَابُ([6])
 

 

فمَنْ وافق على ذلك من فرق المسلمين فقد اهتدى, ومَن أبى فله عمله.

والظاهر أنّ أهل السنة يظهرون حب أهل البيت ويبرؤن من أعدائهم, ولكنهم يرون أنّ فلاناً وفلاناً وغيرهما ليسوا من أعدائهم, وأنّهم من مُحبيهم, وإنّه لا خلاف بينهم ولا عداء, وإذا كان الأمر كذلك فلا نزاع بين الشيعة والسنة في هذا الشأن, فإنّ الشيعة مثلاً يُبغضون زَيداً المعادي لأهل البيت, ويبرؤن منه, وأهل السنة يوالون زيداً المحب لأهل البيت فقد اختلف الموضوع وارتفع النزاع, فإنّ الموضوعات تختلف باختلاف الحيثيات.

وعلى أيّ حالٍ فهذه كسابقتها مما ينبغي, أنْ لا يُعَرِّج عليها في مثل هذه الأعصر الحرجة التي يفتقر المسلمون فيها إلى التكاتف والاتحاد. وقد نّبهناكَ على أنّ ما يوجد في كتب الأخبار لا يجعل عقيدة لمن تنسب إليه تلك الكتب فَتُذْكَر.

المسألة الثالثة: (في اللعن) وقد نسب فيها السائل إلى عموم الشيعة لعن جماعة من الصحابة الكرام ولعن الأمة من أهل العصر الأول, إلى آخر ما أطال فيه.

الجواب:

ينبغي التعرض في هذه المسألة لأمور:

الأول: لا ينبغي الإشكال في مشروعية اللعن وجوازه على مستحقه, وقد اشتمل الكتابَ الشَّريف, والسُّنّة المقدسة عليه, وقد استعمله الصحابة والمسلمون, فلا شبهة ولا إشكال في جواز لعن الظالمين والكافرين والفاسقين, بل لا يبعد استحبابه شرعاً.

وهل اللعن إلاّ دعاءٌ على مستحقه؟ فكما يجوز الدعاء على الظالم بالهلاك والبَوَار, يجوز الدُّعاء عليه بالإبعاد عن رحمة الله والطرد عنها وهو معنى اللعن ومفهومه.

الثاني: إنّ ما يستعمله الشيعة من اللعن والموجود في أدعيتهم وزياراتهم هو لعن الظالمين والفاسقين, ولعن أعداء أهل البيت, ولعن مَنْ قَتَلَهُم وأراق دماءهم ظلماً وحرصاً على حطام الدنيا وزخرفها, وهؤلاء لا ينبغي لمسلم أنْ يتوقف في لعنهم.

ثم إنّ اللعن ليس من قوام التشيع ولا من أصوله.

وقد يوجد في بعض فرق الشيعة كما يوجد في بعض فرق أهل السُّنّة مَنْ يَتَعدّى الحدّ فيلعَنْ بعض الصحابة أو التابعين, كما أنّه قد يوجد في بعض كتب أهل المذهب غير كتب العقائد ما لا يكون عقيدة لجميع أهل المذهب ولا أصلاً من أصول تدينه.

والحاصل إنّ الذي عليه الشيعة الإماميّة هو جواز, بل استحباب لعن الظّالمين والفاسقين والكافرين وأعداء أهل البيت كائناً من كان.

وما نقلَهُ السَّائلُ عن أصول الكافي من أنّ اللعن حرام إلى آخره فإنما هو لعن غير المستحق من أهل الإيمان, وهذه المسألة مسألة طويلةُ الذَّيل ذات فروع وشُعَبِ والوَقْتِ لا يَتَّسعُ لبسطِ الكلام عليها.

الثالث: قال السائل في آخر كلامه:

(وأيُّ فائدةٍ حَصَلَتْ من اللعن إلى اليوم؟ وأيُّ مَصْلَحَةٍ تحدث من اللعن بعد اليوم؟) ولا يَخفى أنّ اللَّعْنَ عند مُجوّزه ومستعمله كذكرٍ من الأذكار فلا يصحُّ أنْ يُقال له: أيّ فائدة مثلاً حصلت من التسبيح إلى اليوم؟ وأيُّ مصلحة تَحْدُثُ منه بعد اليوم؟ وقوله: ((إنّ اللعنَ لا يزيدُ اللاعنَ إلاّ مرضاً)) إلى آخره, فهو ممنوع, فإنّ لعن الفاسق مثلاً يَزيدُ اللاعنَ إيماناً كما لا يخفى.

الرابع: ذكر السائل (أنّ أمّي المؤمنين عائشة وحفصة وهما بنص القرآن أهل البيت) ولا شك في أنّ أزواج النبي  صلى الله عليه وآله وسلم   أمّهات المؤمنين وإنّ الاتصال به  صلى الله عليه وآله وسلم  بنسب أو سبب موجب للتشريف ومقتضٍ للاحترام والتبجيل ولكنّ ذلك مع تقوى الله وإطاعة أوامره واتّباع سننه, وأمّا مع ارتكاب المعاصي وإسخاط الله ورسوله فقد يكون ذلك موجباً لشدة العذاب وتغليظ العقاب, وهذا أمر واضح يحكم به العقل وينطق به الكتاب والسنة.

وأما قوله: (وهُما بنصِّ القرآنِ أهل البيت). فهو كلامُ مَنْ لا يُفرِّقُ بين النَّصِّ والظّاهر, فإنّ النَّصَّ ما لا يحتمل الخلاف, والظهور في محل الشك والتوقف, وقد احتملوا في أن المراد من البيت أهل مكة أو أهل المسجد الحرام, ولكنّ المشهور أنّ المراد من أهل البيت هم أهل بيت رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم , وقد اتفقت الشِّيعَةُ على أنّ المرادَ بهم أهل آية المباهلة, وذكر النيسابوري في تفسيره: (أنّ أهلَ البيت نَصْبٌ على النداء أو على المدح وقال: وقد مرّ في آية المباهلة أنهم أهل العباء, النبيُّ  صلى الله عليه وآله وسلم  لأنه أصلٌ وفاطمةُ لأنها فرعٌ والحسن والحسين بالاتفاق, والصحيح أنّ عليا منهم)(1) إلى أنْ قال: (وورود الآية في شأن أزواج النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  يغلِبُ على الظَّنّ دخولهن فيهن )(2) انتهى.

ولا يخفى أنّ في آي القرآن ما يكون صدرها في شأن وآخرها في أمر آخر, ومن عادة الفصحاء أنْ يذهبوا من خطابٍ إلى غيره, وفي كلام العرب شيء من ذلك كثير, فلا يقينَ بدخول مطلق الأزواج, في ذلك لا سيما الأزواج اللاتي لم يعقبن منه, وما الزَّوْجَة في البيت إلا كالجارية التي يفترشها, والخادم والخادمة. أتُرَى أنَّ مُجرَّدَ زَوّجْتُ وقَبِلْتُ تَجْعَلُ المرأة من أهل بيتِ الرَّجُل ومن آله؟ وهي تنفصل عنه تمام الانفصال بقوله: ((الحقي بأهلك)) أو ((أنت طالق)).

وقد ورد في أهل البيت أنّهم سفينة النجاة, وأنّه يجب التمسك بهم, وأنهم أحد الثقلين, وأنهم عترته, ولا يصلح أزواجه  صلى الله عليه وآله وسلم  بشيء من ذلك قطعاً, مضافاً إلى أنّ هذه الآية من أقوى الأدلّةِ على العِصْمَة, وليس في الأزواج مَنْ ادُّعِيَ لها العصمة.

وأما الأدلّة من طُرق الشيعة على أنّ المراد خصوص الخمسة   فهي كثيرة, ورَوَى الزَّمَخْشَري في كشّافه في تفسير آية المباهلة عن عائشة: (أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  خَرَجَ وعليه مرط مُرحَّل مِنْ شَعَرٍ أسود, فجاءَ الحَسَنُ فأدخله ثمَّ جاء الحسين فأدخله ثمّ فاطمة ثم علي ثم قال: إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيتِ)(1).

المسألة الرابعة: (القول بتحريف القرآن):

الجواب:

لا يخفى أنّ جَمَاعَةً من أكابر عُلماء الشيعة أنكروا وقوعَ التحريف في القرآن الشريف, وأوّلوا ما صَحَّ من الأخبار الواردة في ذلك وهي كثيرة, وأكثرها لم تَجْمَعْ شرائط الصحة والاعتبار, ولسنا نَرَى صِحَّةَ جميع ما رواه أصحابُنا الإمامية في كتبهم ولا الاعتقاد بها إلا بعد نقدها, وفهم المراد منها وفتوى علمائنا بمضمونها وغير ذلك مما ذُكر في محله.

قال العلاّمة الطبرسي وهو من أكابر علمائنا المتقدمين في تفسيره (مجمع البيان): (إنّ الزيادة في القرآن مُجْمَعٌ على بُطلانِها, وأمّا النُّقْصَانُ فَقْدَ رَوَى جَمَاعَةٌ من أصحابنا وقومٌ مِنْ حِشوَّيةِ العامّة إنّ في القرآن تغييراً أو نقصاناً, والصَّحيحُ من مَذْهَبِ أصحابنا خِلافُه وهو الذي نَصَرَه المرتضى  قدس سره )([7]) إلى آخر ما كتبه واستدلّ به على حفظه وحمايته من التغيير والتبديل.

وقال من أكابر علمائنا المتأخرين كاشف الغطاء في كشفه: (إنّ القرآن  لا زيادةَ فيه من سورة ولا آية من بسملة وغيرها, ولا كلمة ولا حرف, وجميع ما بين الدفتين مما يُتلى كلامُ الله بالضّرورة من المذهب بل الدين وإجماع المسلمين)([8]).

وأما نقصه: (فلا ريب في أنّه محفوظ من النقصان بحفظ الملك الدّيّان كما دَلَّ عليه صريحُ القرآن وإجماع العلماء في جميع الأزمان ولا عبرة بالنادر, وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العمل بظاهرها)([9]), إلى أن قال بعد أن شَدَّدَ النّكير على القول بالنُّقصانِ ((فلابدّ من تأويلها بأحدِ وجوهٍ)) ثم ذكر الوجوه هناك ([10]).

أقول أولاً وأقول ثانياً: إنّ التحريف في القرآن لا دليلَ على استحالته عقلاً ولا عادةً ولا يَستلزِمُ أمراً باطلاً.

أما إمكانُهُ عَقلاً فهو واضح, وأمّا عادةً فإنّ جَمْعَهُ من السُّطور والصُّدُورِ مع أنَّ القَتْلَ قد استحَرَّ بالقُرّاءِ يَومَ اليَمَامَةِ والإنسانُ مُعرَّضٌ للسَّهو والنِّسيان لا يسلم عادةً من زيادة أو نقصان, واختلاف المصاحِفِ التي جُمِعَتْ في صدر الإسلام يَقْضي بذلك, ومَنْ يقرأ من كتاب الإتقان للسيوطي النوع الثامن عشر في جمع القرآن وترتيبه, وما يليه مما كتبه في ذلك يتّضحُ له الأمر, وينكشف له أنّ القولَ بتحريفِ القرآن معنىً ظاهر واضح مما ذكره ورواه عن العلماء والمحدِّثينَ منهم, ولولا التَّحريفُ في المصاحف لما أحرق عثمانُ بقيَّةَ المَصَاحِفْ([11]), فهذا منه فِعْلٌ يَدُلُّ على وقوعِ التَّحريفِ فيها.

والحاصل أنّ العادة قاضية بأنَّ ما يُجمع من الألواح والدّفاف والعُسُبِ واللِّخاف ومِنْ صُدور الرّجال لا يَسْلَمُ غَالباً من التغيير والتبديل.

المسألة الخامسة: (في حكوماتِ الدّول الإسلامية وقضاتها وكل علمائها طواغيت) إلى آخره.

الجواب:

اعلم أنه لا حكومة ولا سلطنة ولا ولاية لأحد من المخلوقين على أمثاله في بدن أو مال, بل سلطنة له على نفسه أو ماله, وإنّما الولاية والسلطنة لله تعالى أو لمن أعاره السلطنة وجعلها له بمقدار ما منحه منها وفوّضه إليه من أمرها؛ لأنه المالك الحقيقي, والناس متساوون في العبودية, فلو تَغَلَّبَ على أمرِ الأًمَّةِ مُتَغلِّبٌ أو تَسلَّطَ عليها قاهِرٌ لم تجب طاعته, ولم تنفذ أحكامه, وحَرُمَتْ إعانته, ولم يَجُزْ التَّحَاكُمُ والتَّرَافُعُ إليه, ولا الأخذ بما يحكم به.

ومما اتفق عليه المسلمون أنّ الظالم والفاسق والمتغلب لا ولاية له ولا  حكومة, فراجع كلمات أئمة التفسير في تفسير قوله تعالى: [ َ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ](1), وإنّها الولاية لمن تضمّنَه نَصُّ[إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ](2), فقد (جعلت الولاية لله على طريق الأصالة وللرسول والمؤمنين على سبيل التبع)(3).

قال الزمخشري: (إنّها نزلت في عليًّ كرّم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنّه كانَ مَرِجاً في خنصره, فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته)(4).

وقال في تفسير قوله تعالى: [ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ]: (أي مَنْ كان ظالماً من ذريتك لا يناله استخلافي وعهدي إليه بالإمامة, وإنما ينال من كان عادلاً بريئاً من الظلم, وقالوا في هذا دليل على أنّ الفاسق لا يصلح للإمامة, وكيف يَصْلُحُ لها من لا يجوز حكمه وشهادته, ولا تجب طاعته, ولا يقبل خبره, ولا يُقدَّمُ للصلاة؟

وكان أبو حنيفة يفتي سراً بوجوب نصرة زيد بن علي رضوان الله عليهما وحمل المال إليه والخروج معه على اللصِّ المتغلِّب المتسمي بالإمام والخليفة كالدوانيقي وأشباهه, وقالت له امرأة: أشرتَ على ابني بالخروج مع إبراهيم ومحمد ابني عبد الله بن الحسن حتى قتل, فقال: ليتني مكان ابنكِ.

وكان يقول في المنصور وأشياعه لو أرادوا بناء مسجد وأرادوني عدّ أجره لما فعلت.

وعن ابن عيينة: لا يكون الظالم إماماً قط, وكيف يجوز نصب الظالم للإمامة, والإمام إنّما هو لكَفِّ الظَّلَمَة, فإذا نُصب مَنْ كان ظالماً في نفسه فقد جاز المثل السائر: من استرعى الذئب ظلم)(1).

وقال الرازي في تفسيره: (إنّه ثَبَتَ بدلالة الآيةِ بُطلانُ إمامة الفاسق, وإنّ الفاسق لا يكونُ حاكماً, وأنّ أحكامه لا تنفذ إذا ولي الحكم)(2) إلى أنْ قال: (ولم يُفرِّق أبو حنيفة بين الخليفة والحاكم في أنّ شَرْطَ كُلَّ واحِدٍ منهما العدالة)(3), ثم قال: (وقد أكرهَهُ ابنُ هُبيرة في أيّامِ بَني أميَّةَ على القضاء وضَرَبَهُ فامتَنَع عن ذلك فحُبسَ, فلَجَّ ابنُ هبيرة, وجعل يضربه كل يوم أسواطاً, فلمّا خيف عليه قال له الفقهاء: تولّ له شيئاً من عمله أيَّ شيء كان حتّى يزول عنك الضرب, فتولّى له عَدّ أحَمَالِ التبّن التي تدخل, فخَلاّه, ثم دعاه المنصورُ إلى مثل ذلك حتى عدّ له اللبن الذي كان يُضرب لسور مدينة المنصور, وقصّتُهُ في أمر زيدِ بن عليٍ مَشهورةٌ وفي حَمْلِهِ المالَ إليه)(4) إلى آخر ما كتبه.

ومن هذا يُعلم أنّ مُلوكيّة بني أمية وبني العباس وخلافتهم وخلافة غيرهم ممّنْ جَرَى على مِنوالِهِم باطِلَةٌ غيرُ مَشْرُوعَةٍ, ولا يجوزُ إطاعتُهُم إلاّ بمقدارِ الضَّرورةِِ, وبمقدار ما يَنْتَظِمُ به أمرُ الأمن العام, وحفظ بيضة الإسلام.

المسألة السادسة: يقول: (صرَّحَتْ كتُبُ الشِيعة إنّ الفرق الإسلامية كلها كافرة ملعونة خالدة في النار, والمخالف شِرُّ من الكفّار, وإنَّ دَمَ النَّاصِبِ ومالِهُ حَلالٌ, والنّاصِبٌ مَنْ يُقدِّمُ الأوَّلَ والثّاني) إلى آخره.

الجواب:

لا يَخفى أنّ الشيعَة فِرَقٌ كثيرة مُشتَّتة كثيرة, وفيها الغَثُّ والسَّمينُ, والحقُّ والباطل, وأمّا الفرقة المحِقّة من فرقها فليس كُلّ ما يُورَدُ في كتب الأخبار والجوامع المنسوبة إليها مما يُعوَّلُ عليهِ وتتدين به وتعتمد عليه وتفتي بمضمونه, ولا يقبل الحديث المروّي فيها ولا يعمل به إلاّ بعد استكماله شروطاً مُقدَّرَةً في محلّها.

وهذه كتب الشيعة الإمامية كتب العقائد وكتب الفتوىَ ليس فيها لذلك عينٌ ولا أثر.

ثمّ إنّ الكُفْرَ له مَعَانٍ كثيرة وَرَدَ استعمالُها في الكتاب والسُّنّةِ, وليس كل ما أطلق يُرادُ به ما قَابَلَ الإسلام ورَادَفَ الشّرك, ولو سَلَّمنَا تصريح كتب الشيعة بكفر الفرق الإسلامية ما عداها, فذلك مضمون الخبر الذي رواه الفريقان عنه  صلى الله عليه وآله وسلم  أنه قال: (إنّ أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة)([12]), فعلى هذا تكون كل الفرق الإسلامية ما عدا واحدة ضالة هالكة تستحق العذاب في النار, ولا فرق بين أنْ نقول ذلك أو نقول: إنها كافرة ملعونة كما لا يخفى على المنصف, فهذه المقالة التي نسبها إلى الشيعة كوصمة وانتقاد كُلُّ فرقَةٍ من فرق الإسلام تقولُ بها, ولا ترى النجاة إلا بها دون غيرها.

وأما الناصب فعلى ما يظهر من القاموس أنه: (المتدين ببغض عليّ أمير المؤمنين  عليه السلام )([13]) ووجوبُ مودته من أحكام دين الإسلام الضرورية, فمَنْ أنكَرَ وجوبها أنكر ضرورياً دينياً, وهو مُوجِبٌ للخروج من الإسلام، وقد رَوَى الزمخشري في الكشَّاف فِي تفسير آية: [قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى]([14]) حديثاً طويلاً عن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  منه قوله: (ألا مَنْ مات على بُغضِ آل محمَّدٍ ماتَ كافراً)([15]).

ولا شبهة في أنَّ دَمُ الكافر الذي من أفراده الناصب بالمعنى المذكور حلالٌ, وماله حلال, وأمّا الناصب بغير هذا المعنى فلم يُفَسِّرْهُ أكابرُ فقهائنا.

نعم لا يبعد أنه يوجد في بعض الأخبار التي لا معوّل عليها عند علماء الإمامية تفسير الناصب بما ذكره السائل.

وقوله: (إنّ الله قد نَصَبَ علياً عَلَمَاً بينَهُ وبَيَنَ خلقِهِ) فهو ما تقوله الشيعة ولا تنكره؛ لأنَّها ترى الإمامة كالنبوة لا تكون إلا بالنص ولا تكون بغيره).

وقوله: (إنّ من أنكره كان كافراً, وإنّ المخالف في الإمامة لا إيمان له) فمرادهم بالكفر ما قابل الإيمان, وأصول الإيمان عندهم خمسة: العدل والإمامة مع أصول الإسلام الثلاثة, فمن لم يعتقدها فلا إيمانَ له وإنْ كان مسلماً.

وأما قوله: (إن المخالِفَ في حُكْمِ المشرك والكافر) فهو أمرٌ لا تقولُ بهِ الشّيعَةُ, بل ترى أنَّ المخالِفَ, وهو مَنْ لا يقول بإمامةِ أميرِ المؤمنين  عليه السلام  بعد النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  بلا فصلٍ, لا تجري عليه أحكامِ الكُفَّار مِن حِلّيّةِ الدم والمال ونجاسة البدن.

ثم إنَّ هذا السائل يقول بملئ فمه: ويقول الإمام كذا ويقول الإمام من أئمة المذاهب كذا, كأنْ قد سَمِعَ ذلك من الإمام أو ثَبَتَ لديه بتواترٍ أو قَطْعٍ ومثلُ ذَلِكَ لا يُسْنَدُ إلى الإمام بمجرَّدِ وجودِ رِوايةٍ ضَعْيفَةٍ أو خبر شاذ لا مُعوّل عليه, فإسناد ذلك إلى الإمام والحالة هذه من أكبر المحرّمات, ولا نعلم مَنْ أراد بهذا الإمام من الأئمة([16]).

المسألة السابعة: اشتملت على مسائل ثلاث ذكرها السائل ونسبها إلى الشيعة:

الأولى: (إنّ جهاد الملل الإسلامية اليوم غير مشروع حتّى لو أوصى أحد في سبيلِ اللهِ, وسَبيل الله في عقيدته هو الجهاد جاز العدول عنه إلى فقراء الشيعة).

الثانية: (الجهاد مع غير الإمام المفترضة طاعته حرام).

الثالثة: (الشيعيُّ شهيدٌ ولو ماتَ على فراشه حَتْفَ أنفِهْ).

ثم ذكر ما يترتب على هذه المسائل من المفاسد.

والجواب:

عن المسألةِ الأولى إنّ الجهادَ قد يكونُ ببذلِ المال لإعلاء كلمة الإسلام, وقد يكونُ ببذل النَّفْسِ, وتعريضُها للعطب والهلاك والقتل والقتال, وهو بهذا المعنى على أقسام خمسة ذكرها الشيخ الفقيه في كتابه المعروف بكشف الغطاء, وذكرها غيره من فقهاء الإمامية, نذكرها على سبيل الإجمال:

 أحدها: الجهاد لحفظ بيضَةِ الإسلام, إذا أرادَ الكُفَّارُ الهجومَ على أراضي المسلمين إلى آخره.

ثانيها: الجهاد لدفع الكفار من التسلُّط على دماء المسلمين وأعراضهم.

ثالثها: الجهادُ لدفعهم عن طائفةٍ من المسلمين التقت مع طائفة من الكفار إلى آخره.

رابعها: الجهاد لدفعهم عن بلدان المسلمين وقُراهُم وأراضيهم وإخراجهم منها بعد التسلط عليها إلى آخره.

خامسها: جهاد الكفر والتوجه إلى محالّهم لجلبهم إلى الإسلام, والإذعان بما أتى به النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  (1).

والجهاد بهذا المعنى وهو القسم الخامس يُشتَرَطُ فيه حضور الإمام أو نائبه الخاص دون العام, ولا يشترط في الأقسام الأربعة ذلك, فمع عدم حضور الإمام ونائبه الخاص وعجز النائب العام يَجبُ على كل من له قابلية السياسة وتدبير الحرب وجمع العساكر القيام به, وتجبُ على المسلمينَ إطاعته, ويجبُ في الأقسام الأربعة على كلِّ قادرٍ على النُّصرة مِنْ قَريبٍ وبعيدٍ الحُضورُ في عَسْكَرِ المسلمينَ وجوباً كفائياً إلى آخره([17]).

وقد ذَكَرَ فَضْلَ الجهادِ ووجوبهِ ورَغَّبَ فيهَ, وحَثّ عليه وذكر من الآيات الشريفة والأحاديث شيئاً كثيراً([18]) ثم ذكر فضل المرابطة والإقامة في الثغور([19]). ولست ترى كتابا من كتب الشيعة إلاّ ويذكر فيه الجهاد وفضله والحثّ عليه, وإنه سبيلُ اللهِ, وإنّه مِنْ مَصَارِف الزكاة.

قال العلامة في التبصرة وهي من كتب الفتوى التي عليها العمل: ((سبيلُ اللهِ كُلّ مَصْلَحَةٍ وقُرْبةٍ كالجهادِ والحجّ وبناء القناطر والمساجد))([20]).

فقول السائل: ((إنّ جهادَ الملل اليوم غيرُ مشروع)) على إطلاقه خلافُ الحقيقة, ومسألةُ الوصيّة التي ذكرها لا صحّة لها. نعم مال الزكاة الذي يجوز صرفه في الجهاد يجوزُ العدول عن صرفه فيه إلى صرفه على الفقراء أو غيرهم من الأصناف الثمانية.

وأمّا المسألة الثانية, فالجهاد بمعنى التوجّه إلى بلاد الكفّار لجلبهم إلى الإسلام والتديّن بهِ فلا يجوز إلا مع الإمام أو مأذونه الخاص. وأما أقسام الجهاد الباقية فلا تتوقف على ذلك.

وأمّا المسألة الثالثة فلم نقف عليها في كتب الشيعة الفقهية. نعم رُبّما يوجد ذلك في بعض الأخبار, وعلى فرض وجودِهِ فلا ضير من القول به, ففي الكشاف في تفسير آيةِ المودّة قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  : (مَنْ مات على حُبِّ آلِ محمَّدٍ ماتَ شهيداً)(1) ولا شكَّ في أنَّ الشيعي إذا ماتَ على فِراشِهِ حَتْفَ أنفِهِ يموت على حُبِّ آلِ محمّدٍ, والمراد أنَّ لَهُ أجرُ الشَّهادة, وقد ورد إطلاق الشهيد على أفراد كثيرة من المسلمين.

المسألة الثامنة: (ادَّعَتْ كُتُبُ الشيعة أنّ الأئمة كانت تنكر كل حديث يرويه إمام من أئمة العامّة والأخذ بنقيض ما أخذت به الأئمة أسهل طريق في الإصابة, فكلُّ خَبَرٍ وَافَقَ العامَّةَ باطِلٌ, وما خالف العامة ففيه الرشاد) إلى آخر ما رسمه في هذا المقام.

والجواب:

إنّ كثيراً من الأحاديث النبوية التي ترويها أئمة العامة وثقاة رواتها تأخذ بها الشيعة وتحتجُّ بها في كتبها الفقهية, كما لا يخفى على من راجع كتبها الاستدلالية, وكثيراً من الأخبار التي ترويها الشيعة في جوامعها وتعمل بها موافقة لأخبار العامة وفتاواهم, وكثيرا ما تعتمد على الثقاة من رواتهم.

وأقرب الطرق عندهم إلى معرفة الأحكام الشرعية الكتاب العزيز, ثمَّ السُّنَّةُ النبوية من طريق أهل البيت , فإنّ أهل البيت أدرى بما فيه, ثم ما أجمعت عليه الأمة, وما رواه الثقاة الأثبات.

ولم تجعل كتبُ الشيعة خلافَ العامة أصلاً من أصول الفقه على كل حال. نعم عند تعارض الأخبار كما يرجح الفريق الموافق لكتاب الله على غير الموافق له, كذلك يُرجَّحُ المخالف للعامّة على غيرهِ, ولا غرابة ولا بداعة في ذلك, فإنّ ذلك من الطرق التي يسلكها كافة ذوي العقول عند الحيرة والتردد, فإنّها تأخذ بما تراه موافقاً لمن يرونه من أهل الحقّ والصواب, وترى الرُّشْدَ في خِلافِ الفريق الذي تَعْتَقِدُ فيه أنّهُ مِنْ أهل الغَيِّ والضلال.

وقد ذكر مثله أهل الأصول من العامة, فقد ذَكَر ابنُ الحاجِب في مختصره والعَضُدي في شرح: ((إنّ الترجيحَ بحَسَبِ الخارج)): ((من وجوهٍ, منها: تقديم الموافق لأهل المدينة أو للخلفاء والموافق لعمل الأئمة الأربعة على غيره))([21]), ولا معنى لهذا إلا أنّهم يرون الرُشْدَ في خلافِ غير أهل المدينة, وغير الموافق لعمل الأئمة الأربعة.

وعلى أيّ حالٍ فهذه المسائل ونحوها صحيحةً كانت أو باطلة لا دخل لها بحقيّة المذهب وعدم حقيته, فإنّ أهل المذهب قد تصدر منهم آراء و أقاويل في أصول الفقه وفروعه غير صحيحة.

وقد ظهر مما ذكر أنّ قوله: ((وهي في بابها بديعة لم تكن لدينٍ من الأديان, ولم تكن مسلكاً لعلمٍ من العلوم, ولم يجعل مدركاً للحق ودليلاً للإصابة قبل وضع الشيعة)) في غاية الوَهَن والسقوط, وإنّ قائله جاهل بأصولِ أهلِ مذهبه, فضلاً عن غيرهم.

وأما قوله: (إنّ أفضل قرون الإسلام قرن رسالته وقرن خلافته الراشدة) إلى آخر ما سَطّر فهذا الحديث – بعد غَضِّ النظر عن الطعن في صحته, وعمّا وقع في تلك القرون من المعاصي والكبائر التي لم يتفق وقوع نظيرها في القرون المتأخرة مما يوجب الريب في صحته – لا يُرادُ منه إلا أنّ في أهل ذلك القرن من هو أفضل ممن يكون في أهل القرن الذي يليه, ولا شبهة في ذلكَّ فإنّ في قرنِ رسالته أهلُ البيت وشيعتَهم, وهم خيرٌ ممن يكون في القرن الثاني, وفي القرن الثاني أولادُهُم أئمّةُ المسلمين, وأبنائهم الأبرار, وليس المراد إثباتُ الأفضلية لعامَّةِ أهلِ ذلك القرن, فإنّ فيهم الصالح والطالح والمؤمن والمنافق ومن يُبطِنُ الكفر ويظهر الإسلام.

المسألة التاسعة: (في كتب الشيعة أبوابٌ في آياتٍ نزلت في الأئمة والشيعة, وآياتٌ نزلت في كفر أبي بكر وعمر وكفر من اتّبعهما والآيات تزيد على مائة) إلى آخره.

الجواب:

إنّ الكتب المنسوبة إلى الشيعة كثيرة, وفيها ما لا يعول عليه ولا يعتمد على ما فيه, والمعتبر منها قد يوجد فيه ما لا تقول به الشيعة ولا تتدين به, وإنّما المدار على كتب العقائد وكتب التفسير المعتمدة, كمَجْمَع البيان, والتّبيان, ونحوهما, وعلى ما يذكر في الرسائل الدينية العملية, ولا شكَّ في أنَّ القرآنَ الشريف فيه آياتٌ كثيرة نزلت في الأئمة الطاهرين, وقد رواها الفريقان, وليس في تأويل الآيات تعجيزٌ ولا تجهيل ولا طعن على الآداب, كما لا يخفى على ذوي الألباب.

المسألة العاشرة: قال (ولكتب الشيعة في حيلة التقية غرام قد شغفها حباً) إلى آخر ما كتبه.

الجواب:

وأقول: التقيّةُ مما دَلّ على مَشْروعيّتها العقلُ والنقل, كتاباً وسنةً, بل والإجماع في الجملة من جميع المسلمين مُضافاً إلى أدلة نفي العسر والحرج في الدين والنهي عن إلقاء النفس في التهلكة.

والآيات الدالّة على شرعّيتها كثيرة كقولهٍ تعالى: [إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً]([22]) وقوله تعالى: [ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ]([23]) فقد ورد عن أهل البيت أنّ التي هي أحسن التقية([24]), وإنّ الحسنة في قوله تعالى: [وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ]([25]) هي التقية والسيئة الإذاعة([26]). وقوله تعالى: [إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ]([27]) وغير ذلك من الآيات([28]).

وقد اعترف أكثرُ المفسرين من العامة بدلالة بعض الآيات على مشروعية التقية, وعرّفها الآلوسي في روح المعاني بأنها: (محافظة النفس أو العرض أو المال من شر الأعداء)([29]) وذكر جملة من الأخبار الواردة من الطرق المعتبرة عندهم الدالة على وجوب مدارة الناس, وأنه  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: (إنّ الله تعالى أمرني بمداراة الناس)([30]), (وإنَّ مَنْ عاشَ مُدارياً مات شهيداً)([31]), إلى آخر ما ذكره مما يطول المقام بذكره.

وأمّا الأخبار الواردة عن أهل البيت والأئمة المعصومين في أنَّ التقية دينُهُم ودينُ آبائهم, وإنّ ((من لا تقية له لا دين له)) فلا تكاد تحصى, والذي يظهر منها أنّ التقية عزيمة لا رخصة, وأنّها واجبة على كلّ مكلّف, إلا في موارد مخصوصة خرجت بالدليل, وليس هذا مقام ذكرها, ولا مقام ذكر تفصيل أحكام التقية, وإنه هل يعتبر فيها عدم المندوحة أولا؟ وإنّما الغرضُ إثبات شرعيتها وجوازها لكلّ مكلف في أمور الدين وأمور الدنيا, وفي العبادات والمعاملات, والأقوال والأفعال, وأنّها من الدين ومن الشريعة الحنيفة السّمحاء.

وقد اعترف بها هذا السائل في آخر كلامه كما اعترف بها غيره من أهل الخلاف فإنه قال: (نعم إنّ التقية في سبيل حفظ حياته وشرفه وفي حفظ ماله وفي حماية حقٍّ من حقوقه واجبةٌ على كلِّ أحدٍ إماماً كان أو غيره), فهذا الكلام كما تراه اعتراف من قائله بما تذهب إليه الإمامية من وجوب التقية على كل أحد.

وأمّا قوله: (أمّا التقيّة بالعبادة بأنْ تعمَلَ عَمَلاً لم يُْقْصَدْ بهِ وَجْهُ اللهِ) إلى آخره فبطلانه ظاهر؛ لأنّ المكلّف إذا كان الواجب عليه مِن اللهِ تعالى أنْ يَتّقي في عبادةٍ أو معاملة أو غيرهما كان عمله مقصوداً به وجه الله ومتقرباً به إليه.

والحاصل: إنّ كلام هذا السائل في هذا المقام متناقض الجمل, ينقض بعضه بعضاً, وهو غير خفيٍّ على مَن لاحظه وتأمل فيه.

المسألة الحادية عشرة: (في كُتُبِ الشيعة إنّ عليًّا‚  طَلَّقَ عائشة فخَرَجَتْ عن كونها أمّ المؤمنين) إلى آخر ما كتبه من أمور قد توجد في بعض الكتب المنسوبة إلى الشيعة.

الجواب:

قد تقدَّمَ مِنّا مِراراً أنَّ كثيراً مما يُوجد في بعض الكتب مما لا تُعوِّلُ عليه الشيعة ولا تعتقده ولا تتخذه ديناً, ولو فتشنا كتب كل فرقة من فرق الإسلام لوجدنا فيها أموراً مُنكَرَة لا يقولون بها ولا يعوِّلونَ عليها.

المسألة الثانية عشرة: (أعجبني دينُ الشيعة في تحريم كل شراب) إلى آخره.

الجواب:

أقولُ: إنّ هذا السائل ذكر أموراً:

الأول: أنه نسب إلى دين الشيعة تحريم المسكر حتى على المضطر, وليس الأمر كذلك, فإنّ المسكر مع الاضطرار إليه غيرُ محرّم عندهم, فمَن خاف على نفسه الهلاك من العطش ولم يك معه إلا مائع مسكر يجوز له أن يتناول منه أقل ما تندفع به الضرورة, وكذا لو توقف عليه علاجه وبرؤه من مرضه.

الثاني: (استحسن كل الاستحسان مذهب الشيعة الإمامية في مسائل الطلاق) إلى آخره.

ولا يخفى أنّ الأحكام الشرعية إنْ قام عليها دليل من كتاب أو سنة وجب قبولها والالتزام بها وإلا فلا يُعبأ به استحسنها أم لم يستحسنها, أعجبته أو لم تعجبه والاستحسان والإعجاب لا أثر له في التدين.

الثالث: أنه (وجد كتب الشيعة مقصَّرة في بيان مسائل الربا) ولم يذكر الكتب التي رماها بالتقصير, كما أنّه لم يُبيّن أنّها قَصَّرَتْ في أيَّ شيء, وما ذلك إلا من القصور, فإنّ للشيعة كتباَ كثيرة في الفروع تعرضت لهذا الموضوع وشرحتها بما لا مزيد عليه.

الرابع: تعرَّضَ هنا لمسألةِ (العول) الذي لا يكون إلا بدخول الزوج أو الزوجة, وهي من أهمّ مسائل المواريث التي وقع فيها الخلاف بين الشيعة الإمامية وبين أهل السنة من العامة من قديم الزمان, بل وقع فيها الخلاف في صدر الإسلام في زمن الخلفاء.

والشيعة الإمامية ينكرون العَوْل أشدَّ الإنكار, لأنه يستلزم الجهل أو التكليف بما لا يطاق تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً, وعلى إنكاره ونفي ثبوته إجماعُ أهل البيت وأخبارهم به متظافرة.

وهذا السائل لم يفهم مذهب الإمامية في هذه المسألة, ولم يُعْطِ حقَّه من النظرِ, فأخذ يخبط خبط عشواء, وينسب إلى أئمة المذهب ما لا يليق, وأنا ألخّصه لك لتقف على حقيقته فيتضح لك ما في كلام هذا السائل من الوهن والخطأ.

وحاصل ذلك: أنّهم يمنعون من اجتماع سهام لا يفي بها المال, ولو اجتمعت بحسب الذكر والاسم فهي غيرُ مجتمعةٍ بحسب الغرض والحكم, لأنّ لبعض أهل السهام في مثل تلك الصورة كالأختين فيما لو ماتت امرأة عن زوج وأختين مثلاٍ مَا بقي من المال, وهو تخصيصٌ للدّليل الدالّ على أنّ للأختين الثلثين أو تقييد لإطلاقه بالسُّنّةِ المتواترةِ عن أهل البيت وأئمة الهدى, ولا ريب في تخصيص عمومات الكتاب وتقييد إطلاقاته بالسنة.

فلم تجتمع في المسألة سهامٌ لم يف بها المال؛ ليلزم النقص على الجميع, كما يذهب إليه أهلُ السنة, ولا على البعض كما يُعبِّر بذلك بعضُ فقهاءِ الإماميّة تسامحاً ومجاراةً لهم في الجملة؛ إذ لا عَوْلَ عندَ الإماميّة أصلاً لا على الكلّ ولا على البعض حتى يقال: إنّ عَوْلَ الأُمّةِ عولٌ عادل, وعَولَ الشيعة عَولٌ جائر, ومقادير السهام يتبع الدليل, ولا تصل العقول إلى الأسباب التي اقتضت أن يكون لهذا كذا ولذاك كذا, وإنّ للذكر والأنثى من الأبوين مع الولد على السواء, وإنّ الذكر والأنثى من الأولاد مختلفان.

ولا معنى لقول الخصم: ((إنّ إدخال النقص على البعض دون البعض ترجيح بلا مرجح)) بعد دلالة الدليل على ذلك, وإنّ الله تعالى لا يجور في الحكم, ولا ريب في أنّ التخصيص في البعض أولى من التخصيص في الجميع, وأقرب إلى العمل بكتاب الله, بل يلزم عليه عدم العمل بالكتاب أصلاً, مع أنّ إدخال النقص على الأختين مُجمَعٌ عليه دونَ إدخالِهِ على الجميع.

ولا غرابة في ما ذهبت إليه الإمامية فقد وقع في الشريعة نظيره, وذلك فيما إذا تعلّقت حقوقٌ بمالٍ لا يفي بها, فقد ذكروا أنه يقدّمُ منها ما كان أقوى, كالتجهيز والدَّين والوصية والميراث, وكذا لو اجتمعت وصايا متعددة لا يعلم فيها الترتيب ولا يسعها الثلث.

قال السيد الشريف الجرجاني في شرح الفرائض السراجية: (لا شك أنّ من ينقل من فرض مقدر إلى فرض آخر مقدر يكون صاحب فرض من كل وجه, فيكون أقوى ممن ينقل من فرض مقدر إلى فرض آخر غير مقدر؛ لأنه صاحب فرض من وجه وعَصَبةٍ من وجه آخر, فإدخال النقص أو الحرمان عليه أولى؛ لأن ذوي الفروض مقدّمون على العصبات)(1) انتهى.

وهذا منه ظنٌّ وتخمين, فإنّه تعالى أعلم بالوجه والعلة في ذلك.

وقيل: إن من له الغنم فعليه الغرم, وقال زرارة: إنّ مَنْ له الزيادة يكون عليه النقصان(2).

فإنّه في الصورة المتقدمة لو مات زوج عن امرأة وأختين كان للمرأة الربع والباقي لهما.

وجَعْلُ ذوي السِّهام التي يَضيقُ عنها المال كالغُرماء في التركة التي تَقْصُرُ عن الوفاء قياسٌ لا نقول به, ومع الفارق, فإنّ أصحابَ الدُّيونَ مستوون في استيفاء أموالهم من تركة الميت, وليس لأحدهم على الآخر مزيّة, فإذا ضاق المال تساهموه, وليس كذلك مسائل العول؛ لأنَّ بَعْضَ الوَرَثةِ أولى بالنّقص من بعض, وأيضاً السِّهامُ في العَوْلِ مُتعلّقةٌ بأجزاءٍ مُسمّاة لا يُمكنُ أنْ تُستَوْفى مِنْ مالٍ واحدٍ وإنْ كَثُر, والدُّيونُ إذا كَثُرَ المالُ أمكن استيفاؤها منه, فافترق الأمران.

والحاصلُ: إنّ الأختينِ ونحوهما عندنا في مثل هذه الصورة إنّما يرثان بالقرابة دون الفرض؛ لأنّ الدليل الذي دّلَّ على أنَّ فرضهما الثلثان قَيَّدَتْ إطلاقَهُ السنةُ المتواترة بما إذا لم يكن معهما زوج, بل يكون لهما الباقي وذلك بالقرابة, وعلى هذا يَزولُ الإشكالُ من أصله, وتعلم أنَّ كلام السائل لا وقع له, وإنّه كلامُ مَنْ لم يقف على معنى العول عند الشيعة, ولم يتأمَّلْ فيهِ, والقائلون بالعَوْل اجتهدوا وعملوا بالقياس, ولم يصل إليهم المخصِّص أو المقيِّد, ولكنّ ابن عباس لم يحتجَّ عليهم بالمخصِّص النقلي الذي وَقَفَ عليهِ وأخذَهُ مِنْ أهل الذكر, والحُجج على العباد, بعد أنْ حكموا بالعول, وأفتوا به لأمورٍ لا تخفى, ولكنّه احتجّ عليهم بالمخصِّص العقلي, فإنّ العموماتِ والمطلقات, كما يُخصّصّها النقل يُخصِّصها العقل, فإنّ الذي أحصى رمل عالج لا يُعقل أنْ يَجْعَلَ في مالٍ واحدٍ نصفاً وثلثين, فلا يشمل إطلاق الدليل وعمومه هذا المورد قطعاً.

والعول فرعُ شمولِ العموم المستلزم لإلغاء المخصِّص العقليّ, بل للدليل نفسه, فإنّ كلَّ ذي فرضٍ على تقدير العول لم يأخذ فرضه, ولم يعمل بكتاب الله ولا في سهم واحد, وهذا هو الذي يُسمّيه السائل بالعول العادل, فإذا كان مثل هذا العدل الذي يتخيله الإنسان في بادئ النظر مُسوِّغاً لعدم العمل بكتاب الله, فليقسم المال بين الذكر والأنثى من الأولاد على السَّواء قياساً على الذكر والأنثى من الأبوين مع الولد, فإنّ لكلِّ واحدٍ منهما السُّدُس؛ لأنّه قسمةٌ عادلةٌ, وتلك قسمة جائرة.

إنّ دينَ اللهِ لا يُصابُ بالعُقول ولا ينبغي أن يُعرِّج على ما في كلام هذا السائل من الفضول.

المسألة الثالثة عشرة: يقول السائلLكتب الشيعة إذا تعصَّبت على المسألة فهي تُجازف في الكلام) إلى أن يقول: (وأنا أرى أنّ المتعة كانت من بقايا الأنكحة الجاهلية)، ثم يقولLولا كلام لنا اليوم في رَدَّها وإنما كلامي الآن في أنَّ المتعة هل تثبت بالقرآن أولا؟ كتب الشيعة تدّعي أنَّ المتعة نزل فيها قوله تعالى: [فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً](1) وأرى أنَّ أدب البيان يأبى, وعربيّة هذه الجملة المعجزة تأبى أنْ تكون هذه الجملة الكريمة قد نزلت فيها؛ لأنَّ تركيب هذه الجملة يفسد ونظم هذه الآية الكريمة تختلُّ لو قلنا: إنّها نزلت في متعة النكاح).

الجواب:

وأقول: إنّ هذا السائل يقول: أرى وأرى وللمُجيب أنْ يقول: وأنا أرى وأرى, وكان عليه أنْ يذكر المصدر الذي اعتمد عليه وأخَذَ منه ما رآه من أنَّ المتعة من بقايا الأنكحة الجاهلية, فإنّا لم نقف على كتابٍ يُذكر فيه ذلك, والذي نعلمه أنها إحدى المتعتين اللتين كانتا على عهد رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  وعهد خليفته الأول وشطر من أيام خليفته الثاني.

وعلى فرض كونها من بقايا أنكحة الجاهلية, وإنه كان لهم زوجان دائم ومؤقت فلا مانع من أن يُحلِّلها الإسلام ويجيزها, كما أمضى جملة من معاملات الجاهلية وأجازها, فإنّ الإسلام لم يُبطل كُلّ ما كان عند الجاهلية من العقود والمعاملات والأحكام كما لا يخفى.

قال السويدي في سبائكه في الباب الذي ذكر فيه ديانات العرب قبل الإسلام ما لفظه: (وكان لهم أحكام يتديّنون بها جاءت الشريعة الإسلامية بإبقاء بعضها وإبطال بعض)([32]), ثُمّ ذَكَرَ أموراً أبقتها الشّريعة وأموراً أبطلتها, ولم يتعرّض لهذا النّكاح بنفيٍ ولا إثبات.

وكان على هذا السائل أيضاً أنْ يُبيّنَ لنا الوجه فيما رآه ثانياً, فإنّا لا نعلم أنه لماذا (يأبى أدب البيان وعربيّةُ هذه الجملة أن تكون قد نزلت فيها؟ ولماذا يفسد تركيب هذه الجملة ويختل النظم على هذا التقدير.

إنّ تركيبَ الجمل ونظمها إنما يختلُّ بالتصرف في موادّ ألفاظها أو هيئاتها أو بالزيادة فيها أو النقصان منها, وأمّا نفس المورد فلا تأثير له على النظم والتركيب بحالٍ من الأحوال, ولقد افترى على أدب البيان, وافترى على العربية, حيثُ نَسَبَ إليهما أمراً يبرآن منه براءةَ الذئب من دم يوسف، ولم يأت على ما افتراه عليهما حتّى ولا بدمٍ كذب, وكيف يختلُّ النظم ويفسُدُ التركيب وتمنع العربية وأدب البيان من كونها نزلت في المتعة؟

ونرى عدم ذلك كله مع التصريح بالمورد،(فقد كانَ أُبيّ بن كعب يقرأLفما استمتعتم بهِ منهنّ إلى أجلٍ مُسمَّىً فآتوهن أجورهن) وبه قرأ ابن عباس أيضاً, والصَّحابة ما أنكروا هذه القراءة)([33]) إلى آخره.

وعن تفسير الطبري: أن ابن عباس قرأ كما قرأ أبي بن كعب([34]) فلو كان الأمر كما ذكره السائل لأنكر هذه القراءة من سمعها من أهل ذلك الذين هم أعرف العرب بفصاحة الكلام وبلاغته, وأعلمهم بآداب البيان وعربية الجمل وللزموها بالضعف والشذوذ.

ولا حاجة إلى بسط الكلام في هذه المسألة فإنها مسألة قديمة العهد, وقد تكلّم فيها الفريقان, وتعرَّضَ لها الشيعةُ في تفاسيرهم وكتبهم الفقهية, وفي رسائل مستقلة, بما فيه غنى وكفاية لمن طلب الحق, فليرجع إليها من شاء.

المسألة الرابعة عشرة: (ذَكَرَ السّائلُ حديثَ عَرْضِ النّبيِّ  صلى الله عليه وآله وسلم  إرثه لعِّمهِ العباس وابن عمّهِ عليّ  عليه السلام  في الوافي عن الكافي)إلى آخره.

الجواب: وأقول: لا يتسع الوقت الآن لمراجعة الحديث الذي نقله عن الوافي([35]) وملاحظة سنده, وإنّه من أيّ أقسام الحديث؟ فإنّ فيه المقبول والمردود والصحيح وغيره. وعلى أيّ حال فليس فيه ما ينافي الأصول الشرعية المقررة، وليس فيه قلب لأصول الإرث.

فإن المراد منه على تقدير صحتّه واعتباره أنّ النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  أراد أن يملّك أحد الشخصين في حال حياته جميع ما يُخلِّفه بعد موته على شروط معينة معلومة بطريق الصلح الشرعي, ولا شكَّ أنّ لكلِّ أحدٍ أن يتصرَّفَ في أمواله على النحو المشروع، فإنّ الناس مسلطون على أموالهم بالطرق الشرعية, وعليه يتضح لك أنّ كلام هذا السائل لا واقع له، وإنه نشأ من قلة التدبر وعدم الروية، وما تكلم به أخيراً أشبه شيء بالهذيان فلا ينبغي أن يعرج عليه.

وقوله: (ولا إرثً لعَصَبَةٍ عند الشيعة) إلى آخره, فإنَّ مسألة التعصيب من المسائل المهمة التي وقع الخلافُ فيها بينَ الإمامية, وبين أهل السنة, وذلك فيما لو زاد المال على السهام, فإنّ الردَّ على ذوي الفُروض عند الإمامية, والعَصَبَةُ بفيها التراب, وعند أهل السنة أنَّ الرّدَّ على العَصَبة .

فلو اجتمع عَمٌّ وابِنُ عَمٍّ وبنت, كان المال كلُّه للبنتِ بالفرض والرّد, وليس للعمّ وابن العم شيءٌ, ولو اجتمع عمٌّ وابنُ عمِّ فالإرث للأقرب إلاَّ أنْ يكون ابنُ عمٍّ لأبوين مع عمٍّ لأب فإنَّ الإرث لابنِ العَمّ. وهذه المسألة ذكرها الفريقان في زبرهم الفقهية فليرجع إليها من شاء وذِكْرُ هذا السائل لها هنا في غير محله.

وقوله: (وسيدنا العباس كان غنياً) إلى آخره.

غرضه من هذا الكلام توهين الحديث بذكر أمور اعتبارية تنافي صحته.

 منها: أنّ العباس كان غنياً, ولا يخفى أنّ كونه غنياً مشغولاً بإصلاح أمواله يقضي بأنْ لا يقبل ما عرضه عليه  صلى الله عليه وآله وسلم  ؛لأنّ ذلك قد يفضيّ إلى التهاون بما يكلف به, فإنّ كثرة المال وكثرة العيال من أكبر الشواغل عن المبادرة إلى القيام بالتكاليف.

ومنها: إنه كان أعقل وأرفع من أنْ يَرُدَّ عرض النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  بخلاً أو غفلة عن عظيم الشرف, ولا يخفى أنَّ رَدَّ العباس لم يكن بخلاً بنفسه ولا غفلة عن عظيم الشرف, وإنما رَدَّ ذلك بعد أنْ لم يكن بنحو الإلزام حُباً للنبي  صلى الله عليه وآله وسلم  وشفقةً عليه؛ لأنّ كبر سِنِّهِ وكثرة أمواله وعياله لا تدعه يقوم بما أريد منه كما يريد, وابنُ أخيه أقوى منه بدناً وأقْدَرُ منه على السَّعي في إنجاز ما يريده  صلى الله عليه وآله وسلم , والشَّرَفُ الذي يكون لابن أخيه لم يَفُتْ منه, ولعلّه كان يعلم بميل رسول لله  صلى الله عليه وآله وسلم  إلى قيام ابن أخيه بالأمر, وإنّما عَرَضَ ذلك عليه؛ لئلا يقال: إنه أعرض عنه ولم يعبأ به.

ومنها: أنه كان أطوع أقربيه إليه, ولا يخفى أنّ عَدَمَ قبوله لما عرضه عليه لأعذار مقبولةٍ لا ينافي إطاعته له فيما يأمره به ويطلبه منه.

وقوله: (وكلام كتب الشيعة في أمِّ العَبّاسِ فيهِ شيء لا أرتضيه) إلى آخره.

ولا يخفى أنّ هذهِ مَسألة تاريخية تذكرُها كتبُ التّاريخ, وكتب التاريخ أكثرها لأهل السنة ولعل كتب الشيعة ترويها عن كتبهم, ولم نقف على الكلام المشار إليه, ولا حاجة إلى تتبع مظانّه فإنّها مَسألةٌ لا أهمية لها.

المسألة الخامسة عشرة: هذه المسألة قد اشتملت على أقوالٍ وَدَعاوى للسائل, قوله: (كلُّنا يَعْلَمُ أنَّ البيوت الأموية والهاشمية والعباسية كان بينها تراتٍ وثارات وعدوات قديمة وحديثة ولم تكن إلا خصائص بدوية عربية) إلى آخر كلامه.

الجواب:

كان قبل الإسلام بين البيت الهاشمي والبيت الأموي تباغض ومقابلات, وبعد الإسلام وقعت أولاً بين البيت الهاشمي والبيت الأموي محاربات وخصومات كانت للدين وفي الدين حقيقةً من البيت الهاشمي, وصورةً وتمويهاً من البيت الأموي, ثمّ بعد ذلك وَقَعَتْ المحاربة والعداء بين البيت العباسي والبيت الأموي, وكانت سياسة ملكية, وإنْ كان عليها طِلاءٌ ديني إسلامي فلم تكن خصائص بدوية عربية.

قوله: (وليس فيها إثم ولا أثر لأهل الإسلام ولا لأهل السنة, ليس الإثم إلّا لأهليها وهم البيتُ الأموي والبيتُ العَبَّاسي).

إنّ الحروبَ التي وقعت في الإسلام منها حرب الجمل وحرب صفين وحرب كربلاء وغيرها. أترى أنّ مسلماً يقول: إنه لا إثم فيها لأهل الإسلام ولا لأهل السنة؟ ومن أهل السنة إلا الفريقان المتحاربان, وعامة المسلمين في ذلك العصر بين قسمين, قسمٌ مع البيت الأموي, وقسم البيت مع البيت العباسي, وما يلحق المبتدع من الإثم يلحق التابع. نعم هناك أفراد قليلون اعتزلوا الفريقين ولم يتداخلوا معهما في خير ولا شر.

قوله: (ولم يقع بين الصَّدِّيق والفاروق وبين عليٍّ  عليه السلام  خلافٌ في الخلافة, ولم يقع عِداء أبداً أصلاً).

هذا منه تجاهل؛ لأنَّ مَنْ له أدنى إلمام بالتاريخ واطِّلاعٌ على مجريات الصَّدر الأول يعلم ما جرى من الخلاف في الخلافة بين المهاجرين والأنصار أولاً, وبين المهاجرين ثانياً, ويعلم بتخلّف من تخلَّف عن بيعة أبي بكر من بني هاشم وأتباعهم, وإنَّ أمير المؤمنين  عليه السلام  ممن تخلَّف عن بيعَتهٍ مدّة من الزمان حتّى قهر واضطر إلى بيعته بلا رضا منه ولا اختيار ولم يزل ساخطاً على مَنْ تقدم عليه ناقماً منه, ولا يرى أنَّ الحقَّ إلاَّ له, فإنّه الأولى بالخلافة, وخُطبَهُ تشهد بذلك, وأهل بيته ومواليه وأتباعه يعلمون بذلك.

وهو  عليه السلام  في مدة خلافة مَنْ تقدَّمَ عليه لم يُباشر عَمَلاً من أعمالهم, ولم يشهد حرباً من حروبهم, ولو كان يَرَى أنَّ من سبفه أحقّ بالخلافة لكان له كما كان لرسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم .

ثم لم يزل الخلاف في الخلافة مستمراً ولم ينلها مَنْ نالها إلاّ بالقهر والغلبة واستعمال الوَسَائل غير المشروعة, وهذا أمرٌ لا غبار عليه ولا يخفى على أدنى مَنْ له خبرة وإحاطة.

قوله: (وكلّ آية نزلت في الثناء على الأمة فهم أوّلُ داخل فيها).

أقول: كلُّ مسلم أظهر الإسلام ولو بلسانه فهو داخل في الآية, وأفرادُ العام متساوية في الدخول تحت العام, ولا ترتيب في دخولها, ولكن خرج من تحت هذا العام أفراد كثيرة من المسلمين بما ارتكبوه من الأفعال والأقوال.

قوله: (وكل ما في كتب الشيعة من أخبار العداء).

هذه دعوى منه بلا برهان, على أنّ كثيراً من أخبار العداء توجد في كتب أهل السنة والجماعة أيضاً, وكثير ما تكون مصادر ما ترويه الشيعة من ذلك كما لا يخفى على من راجعها.

قوله: (إذ لا يوجد مؤمن يعادي أهل البيت).نعم لا يوجد مؤمن ظاهراً وباطناً, ولكن يوجد في هذا العصر وفي الأعصر السابقة ممن يتصفون بالإيمان, ويتسمون بالإسلام من يعادي أهل البيت وينصب لهم العداء, ويستبيح سفك دمائهم, وكثيراً من أهل السنة الذين يظهرون حُبّ أهل البيت يعادون محبي أهل البيت وعدوّ المحب عدو.

قوله: (وإنّما الشأنُ كل الشأن فيمن يحبهم أهل البيت) إلى آخره.

أهل البيت يحبّون من أطاع الله ورسوله ووالى أولياء الله وعادى أعداءه ويبغضون من عصى الله ورسوله وعادى أولياءه ووالى أعداءه, والشيعة قاطبة يُحبِّونَ من أحبَّ أهل البيت ويبغضون مَنْ يبغض أهل البيت.

وقوله: (أنْ ليس اليوم من فائدة للشيعة) إلى آخره.

الشيعة لا يطعنون إلاّ بمن خالف أهل البيت وعاداهم, ولا يطعنون بالصحابة الموالين لأهل البيت, والفائدة من الطعن بمن خالف أهل البيت الردع عن الاقتداء بهم, والاتباع لهم في الأحكام الدينية ليهلك من هلك عن بينة ولتتم عليه الحجة, وأيّ فائدة أعظم من حفظ المؤمنين من الوقوع في المهالك والسقوط في المهاوي والمعاطب.

قوله: (وهما يَعني: عائشة وحفصه أهل البيت بنصّ الكتاب) إلى آخره.

أهل البيت في هذه الآية هم محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  وعلي وفاطمة والحسن والحسين كما جاءت به الرواية من الفريقين, وهم الذي أدخلهم رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  تحت الكساء وقال: ((اللهم إنّ هؤلاء أهل بيتي))([36]) وإيراد الأحاديث الدالة على التخصيص بمن ذكرناه يحتاج إلى بسط في المقام .

ثم إنّ الانتقال في آية التطهير إلى ضمير الخطاب المذكّر من المضمر المؤنث, ثمّ الانتقال منه إلى الضمير المؤنث صريحٌ في عدم دخول النساء في أهل البيت, كما لا يخفى.

المسألة السادسة عشرة: قال: (يقول الباقر: إنّ الله قال: لأُعذِبَنَّ كُلَّ رَعِيَّةٍ في الإسلامِ دَانَتْ بَولايَةِ إمامٍ جائر)([37]) إلى آخره.

الجواب:

إنّ هذا السائل أسند هذا القول إلى الباقر  عليه السلام  ,ولا نعلم من أين نقله؟ وفي أيّ كتابٍ وَجَدَه؟ لنعلم أنّ ذلك الكتاب من الكتب المعتبرة عند الشيعة أو الكتب التي لا تعتمد عليها.

وما اشتمل عليه هذا الحديث من أنَّ مَنْ دان بولاية الإمام الجائر فهو معذّب فمما لا شك فيه؛ لأنّه شريكُ الجائر في جوره وظلمه؛ لأنه راضٍ بعمله فيكون مستحقّاً للعذاب, وكيف يكون بَرّاً تقياً حقيقة([38]).!!!

وقوله في الحديث ((وإنْ كانت برة تقية)) بحسب الظاهر، وأمّا العفو عَمَّنْ دان بولاية الإمام العادل فهو غير بعيد؛ لأنّ رحمة الله وسعت كل شيء.

وأما قوله  : (في أيِّ كتابٍ يقول الله)إلى آخره. إذا صحَّ النقلُ يكون ذلك من الأحاديث القدسية التي تروى عن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  .

المسألةُ السّابعةُ عشرة: قال: (ما النّسيءُ الذي هو زيادة في الكفر) إلى آخره.

اشتَمَلَ هذا السؤالُ على مسائل منها ما هو معلوم ذكرهُ المفسرون واللُّغويّونَ, ومنها: ما لا يتعلَّقُ لنا غَرَضٌ في البحث عنه.

وأما

اعتراضه على الأئمة في اتخاذهم حساب الروم وشهورهم مع أنّ حساب العرب كان عربياً فلم يتسع لنا الوقت لمراجعة الوافي([39]), ولعلّهم G كانوا يعتبرونها بحسب الفصول ولبعض الأمور, وإلا فجميع ما وَرَدَ عنهم من التوقيت فهو بحسب الشهور العربية, كما لا يخفى.

المسألة الثامنة عشرة والمسألة التاسعة عشرة تعرض فيها السائل: (لحج النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم  ولحجّ أمير المؤمنين  عليه السلام  وحجّ أبي بكر ونقل عن الصادق  عليه السلام  أنّ النبي حَجَّ مع قومه).

الجواب:

و إذا صحّ النقلُ فلا مانعَ مِنْ أنّ حَجَّ النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم  معهم ظاهراً ثمّ يؤدي فرض الحج في وقته مستتراً.

المسألة العشرون: يقول السائل: (لم أرَ بينَ علماء الشيعة ولا بين أولاد الشيعة لا في العراق ولا في إيران من يحفظ القرآن ولا من يقيمه تمام الإقامة بلسانه) إلى آخره.

الجواب:

إنّ هذا السائل لا وقوفَ له على أحوالِ عُلماءِ الشيعة وعوامّهِمْ المتديّنين, ولا اطّلاع له على أوقات عباداتهم, وإنّما يرى ويعاشر أهلَ المقاهي والهمج الرعاع, والناشئة التي لا نصيب لها من الدين إلا الاسم, ولكنّهم على اختلاف طبقاتهم مجمعون على احترام القرآنِ الشَّريفِ وتقديسِهِ, وجُلُ خيارهم يتلونه حقَّ تلاوته آناء الليل وأطراف النهار, ويفضلون القراءة في نفس المصحف الشريف على القراءة على ظهر القلب؛ لروايةٍ يروونها عن أئمتهم أهل البيت([40])؛ ولأنّ النظر إليه عبادة ثانية, ولا يتجاهرون بالتلاوة في الشوارع والطرقات والمقاهي حذراً من الرياء, ويتلونه باللغة العربية, ويقيمونه بألسنتهم تمام الإقامة.

 وأمّا الشيعي غير العربي الذي لا يستطيع أن ينطق ببعض الأحرف الهجائية فيقرأ منه ما تيسر, و{ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} على أنّ جملة من غير العرب اليوم يعدّون من أرقى المجودين. نعم يتجنبون قراءته بألحان الغناء وطرائقه وألحان أهل الملاهي والفجور لحرمة الغناء في مذهبهم.

قوله: (ما السَّبَبُ في ذلك؟ هل هذا أثر عقيدة الشيعة في القرآن) إلى آخره. لعله أشارَ بقوله (هل هذا) إلى عدم حفظهم القرآن على ظهر القلب, وليس الأمر كذلك, وإنّما هو أثر عقيدةِ أنّ القراءة في نفس المصحف أفضل منها على ظهر القلب, والمقصد المهم من حفظهَ والله العالمَ هو العمل به, وامتثال أوامره ونواهيه, والشيعة الإمامية من أكثر المسلمين عَمَلاً بالقرآن واتّباعاً له, حتّى جعل من شرائط الاجتهاد العلم بآيات الأحكام, فلا يكون الرجل فقيهاً ذا رأي متّبع حتّى يعرف الآيات التي تذكر فيها الأحكام الدينية كما لا يخفى.

قوله: (يقرأه الناس كما أنزله الله وكما جمعه أمير المؤمنين  عليه السلام ) إلى آخره.

لو فرضنا اعتقاد الشيعة لهذا الأمر, وإنَّ القائم لا الذي وقع الاتفاق عليه بين أهل البيت والأديان, وإنّه يظهر مصلح في آخر الزمان يقرأه كما أنزله وكما جمعه أمير المؤمنين, وذلك من حيثُ كيفية القراءة وتفسير ما وقع الخطأ فيه بين المفسرين, وبيانُ الصَّحيح مّما اختلفوا فيه, ولا صَرَاحَةَ في ذلك على ثبوتِ النُّقصان في القرآن الذي بأيدي الناس, ولا تقصير من النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  في التبليغ ولا ينافي ذلك نصّ: [ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ](1) فإنّه محفوظ من التلف ومن التغيير والتبديل والزيادة والنقص.

هَذَا آخِرُ ما خَطَّهُ قَلَمُهُ الشَّريفُ والحَمْدُ للهِ أوّلاً وآخِراً

 

 

مسائل موسى جار الله

أمّا بعد:

فإنّ الأمور التي أَعدُّها منكرة لا تتحملها الأمة, ولن يرتضيها الأئمة, وتنافي مصالح الأمة فهي مسائل عديدة منها:

المسألة الأولى: تكفيرُ الصحابة

تكفيرُ عامَّة الصحابة كافَّة, لم يَنجُ سِوى قليل منهم لا تزيد عدّتهم على سبعة.

المسألة الثانية: تكفير الخليفة الأول والثاني

وللشيعة في تكفير الأول والثاني صراحة شديدة ومجازفة طاغية, وفي كتب الشيعة عن الباقر والصادق: ثلاثة لا يكلّمهم اللهُ يومُ القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم:

من ادّعى إمامةً ليست له, مَنْ جحد إماماً من عند الله, ومَنْ زعم أنَّ أبا بكر وعمر لهما نصيب في الإسلام (في المجلد الثاني من كتاب الوافي صفحة 44), وبعدها كلماتٌ لا يقبلها الأدب والدين.

والأول والثاني رجسان ملعونان وهما الجبت والطاغوت, وهما فرعونُ هذه الأمة وهامانُها, وهما من أشدّ أهل النفاق نفاقاً وعداءً للنبي  صلى الله عليه وآله وسلم  وضَرَراً للإسلام, وإنّ أبا بكر أبا كُلِّ الشّرورِ, ولم يُسَمَّ صديقاً إلّا بعدَ أنْ رأى في الغار مُعجزاتٍ أدهشته, وحيّرته, فأضمَرَ في قلبه: الآن صَدَّقتُ إنّك ساحرٌ عظيم!

المسألة الثالثة: في اللعنات

اللعنات على أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة وعلى العامة بعبارات ثقيلة شنيعة, وللشيعة في اللعن على الصحابة وعلى الأمة أدعية مأثورة. وفي الوافي في كتابه الثامن صفحة (246) كلام طويل ثقيل يدل على أنّ دأب الشيعة في الكلام والمجالس الانبساط في اللعنات, ولم يدع الصادق أحداً ممن يجب أن يُلعن إلا لعنه وسمّاه, فأوّل من بدأ بأبي بكر وعمر وعثمان, ثم مرّ على الجماعة ولعن الكل.

وللباقر والصادق على حسب ما ترويه كتب الشيعة دبر كل صلاة مكتوبة لعنات على أربعة من الرجال, منهم الأول والثاني, وعلى أربع من النساء منها عائشة وحفصة.

وفي التهذيب والكافي أدعية مأثورة عند زيارة قبر علي أمير المؤمنين وقبور الأئمة صلوات الله عليهم في اللعن على كل الأمة وعلى العصر الأول.

ولله وراء هذا العالم عوالم, سبعون ألف عالم, في كل عالم سبعون ألف أمة, أكثرها من الجن والإنس, ولا هَمَّ لهم إلا اللعن على أبي بكر وعمر وعثمان, كل هذه في كتب الشيعة.

وأيّ فائدة حَصَلَتْ من اللعن إلى اليوم، وأيُّ مصلحة تحدث من اللعن بعد اليوم.

وفي أصول الكافي أن اللعن والطعن على أحد حرام يعود على صاحبه، فكيف طعن الشيعة ولعن الشيعة على الأول والثاني والثالث وعلى أكثر الصحابة وأمَّي المؤمنين عائشة وحفصة, وهما بنص القرآن أهل البيت.

ولا شك أنّ اللعن على العصر الأول لا يزيد في قلب اللاعن إلّا مرضاً على مرض، واللاعن في قلبه على المؤمنين مرض كلما لعن زاد اللعن مرضا على مرض لا دواءَ له ولا زوال.

المسألة الرابعة: في القول بتحريف القرآن

بإسقاط كلمات وآيات وتغيير ترتيب الكلمات.

وأخبارُ التَّحريفِ مثل أخبار الإمامة متواترة([41]),وللأئمّة مثل الباقر والصادق في كتب الشيعة في تحريف الكتاب أيمان مؤكدة بالغة, ولهم في تكذيب ما ثبت في القرآن والمصاحف على التواتر كلمات شديدة, والأحرف السَّبعة والوجوه العديدة قد أتت في القرآن متواترة, وقد قال فيها الصادق: (كذبوا على الله أعداء الله لكنَّ القرآن نزل على حرف واحد من عند الله الواحد)([42]),يروى الكافي عن الصادق  عليه السلام  أن القرآن الذي نزل به جبرائيل على مُحمَّد سبعة آلاف آية, والتي بأيدينا من هذه (6263)([43]) فقط, والبواقي مخزون عند أهل البيت فيما جمعه علي. ويروي الكافي: أنّ القائم يخرج المصحف الذي كتبه علي, وإنّ المصحف غاب بغيبة القائم.

هذه أمور أربعة لا تتحملها الأمة, وعلى عقيدتي لا يرتضيها ولن يرتضيها الأئمة(احدى الكُبر) لو ثبتت هذه الأمور الأربعة أو لو ثبتت إحداها لبطل القرآن ولبطل الدين من أصله, كما لو ثبت ما أسند إلى علي أمير المؤمنين في التيمي والعدوي لبطل القرآن ولبطل دين الإسلام من أصله في المجلد الثاني من الوافي, ج2, ص13([44]).

المسألة الخامسة: في حكومات الدول الإسلامية وقضاتها

وكل علمائها طواغيت, ومَنْ تحاكم إلى الطاغوت فحكم له الطاغوت, فإنْ أخذه فإنما أخَذَهُ سُحتاً, وإنْ كان حقه في الواقع ثابتاً له؛ لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به. ويحرم على الشيعة أن تتحاكم إلى الطاغوت, وكل راية ترفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يعبد من دون الله. هذه هي كتب الشيعة, فكيف يكون أساس الدول الإسلامية على وجه الأرض من أول الإسلام إلى يوم القيامة إنْ كانتْ عقيدة شعوبها ورعاياها هذه العقيدة.

المسألة السادسة: تكفير الفرق الإسلامية

صرحت كتب الشيعة إنّ كل الفرق الإسلامية كلها كافرة ملعونة خالدة في النار, والمخالف شرٌّ من الكفار, وإنَّ دَمَ الناصب وماله حلال. والناصب من يقدم الأول والثاني على عليّ أمير المؤمنين ومن يعتقد إمامتهما الأول والثاني, وإن الله قد نَصَبَ علياً علماً بينه وبين خلقه من أنكره كان كافراً, ومن أشرك معه آخر كان مشركاً, وإنّ المخالفَ في الإمامة لا إيمان له هو للنار وإلى النار.

 المخالف في حكم المشرك والكافر في جميع الأحكام, لكن أجرى الله زمن الهدنةِ حُكْمَ المسلمين عليهم رحمة للشيعة, وإذا ظهر قائم آل محمد أجرى على المخالف حكم المشرك والكافر في جميع الأحكام, كل هذه في كتب الشيعة.

ويقول الإمام: لولا أنّا نخاف عليكم أنْ يُقتَلَ رجل منكم برجل منهم, والرجل منكم خير من مائة ألف رجل منهم لأمرناكم بقتلهم كلهم.

ويقول الإمام في أئمة المذاهب الأربعة من هذه الأمة لا تأتهم ولا تسمع منهم لعنهم الله ولعن الله مللهم المشركة.

المسألة السابعة: في الجهاد والشهادة

جهاد الملل الإسلامية اليوم غير مشروع حتّى لو أوصى أحد في سبيل الله, وسبيل الله في عقيدته هو الجهاد جاز العدول عنه إلى فقراء الشيعة, والجهاد مع غير الإمام المفترض طاعته حرام, مثل حرمة الميتة وحرمة الخنزير, ولا شهيد إلا الشيعة, والشيعي شهيد ولو مات على فراشِهِ حتف أنفه.

هذه مسائل ثلاث, عقيدة الشيعة منها يقين, فهل يبقى في توحيد الكلمة حكمة للمسلمين في عالم الإسلام من أمل؟ وهل يبقى بعد هذه المسائل لكلمة التوحيد في قلوب أهليها من أثر؟ وهل يمكن أنْ يكون للأمم الإسلامية في سبيل غلبة الإسلام في مستقبل الأيام من سعي؟

المسألة الثامنة: إنكار كتب الشيعة أحاديث أئمة العامة

إدعتْ كتبُ الشيعة أنّ الأئمة كانَتْ تُنكِرُ كلَّ حديث يرويه إمام من أئمة العامة, والأخذُ بنقيض ما أخذته الأمة أسهل طريق في الإصابة فكُلُّ خَبَرٍ وافق العامّة باطل, وما خالف العامَّةَ ففيه الرَّشاد, وإنْ وافق الكل يجب الوقوف. وكان الصادق يأمر بما فيه خلاف أهل السنة والجماعة, ويقول: إنَّ علياً لم يكن يدين بدين إلا خالفته الأمة إلى غيره إبطالاً لأمر علي.

هذه دعوى الشيعة, وهذا أصل عظيم سهل من أصول الفقه عند الشيعة, وهي في بابها بديعة لم تكن لدين من الأديان ولم تكن مسلكاً لعلم من العلوم, ولم تُجعل مدركاً للحق ودليلاً للإصابة قبل وضع الشيعة.

والعامة أو الأمة إنْ علمت علم اليقين إنَّ أفضل قرون الإسلام قرن رسالته وقرن خلافته الراشدة فلم تكن لتخطئ, فما روته أئمة الأمة عن سنن قرني الرسالة والخلافة الراشدة كان أرشد وأهدى وأقرب من الحق في الدين رشداً, فكونُ الوفاقِ سمة البطلان وكونُ الخلافِ دليلُ الإصابة غريبٌ بديع([45]).

المسألة التاسعة: في تأويل الآيات وتنزيلها

في كتب الشيعة أبواب في آيات نزلت في الأئمة والشيعة, وآيات نزلت في كفر أبي بكر وعمر وكفر من اتبعهما والآيات تزيد على مائة.

ما رأيكم اليوم في تنزيل هذه الآيات وفي تأويلاتها على حسب ما في كتب الشيعة, وفي تنزيلاتها وتأويلاتها تعجيز لله, وتجهيل للنبي وآله وأعظم طعن على دين الأئمة وأدب آل محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  وكيف تنجو هذه التأويلات من أن تكون ألعوبة يلعب بها من يستخف بالكتاب والدين؟.

المسألة العاشرة: في التقية

ولكتب الشيعة في حيلة التقية غرام قد شغفها حباً حلية التقية, فكلما روى إمام حديثاً يوافق ما عليه الأمة أو عمل إمام عملاً يشبه عمل الأمة, فإنّ الشيعة تردُّها على أنَّها حيلة وعلى أنَّها تقية.

نحن نجلّ الأئمة, ومن عزة الإمام وأعظم شرفه أن يكون من الذين يُبلِّغونَ رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله, ومن الذين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم.

نعم التقية في سبيل حفظ حياته وشرفه وفي حفظ ماله في حماية حقٍّ من حقوقه واجبة على كل أحد إماماً كان أو غيره. أمَّا التقية بالعبادة بأنْ يعمل الإمام عملا لم يقصد به وجه الله وإنّما أتاه خوفاً من سلطان جائر. والتقية بالتبليغ بأن يسند الإمام إلى الشارع حكماً لم يكن من الشارع, فإنَّ مثل هذه التقية لا تقع أبداً أصلاً من إمام له دين, ويمتنع صدورها من إمام معصوم, وحمل رواية الإمام وعبادة الإمام على التقية طعن على عصمته وطعنٌ على دينه, وكل رواية يرويها عَدْلٌ فهي أداء أمانة وهي تبليغ, وحملها على التقية قولٌ بأنَّ العَدْلَ قد افتراها على الله وعلى الشّارع, وكادَ بها الأمة وكل سامع.

وكلّ يعلم أنَّ خلاف الرواية السكوت, والساكت آمن من كل شيء, ولم يقع قطُّ أنّ جائراً عاقَبَ السّاكِتَ, فحَمْلُ الرواية على التقية تسفيهٌ للراوي وتبليه.

وعلي أمير المؤمنين  عليه السلام  كان يحافظ على الصلوات, ويراعي الأوقات، ويحضر الجماعات, ويصلّي المكتوبات، ويصلّي صلاَة الجمعة مقتدياً خلف الأول والثاني والثالث وخَلْفَ غيرهم. كان يقصد بها وجه الله فقط, ولم يَكُنْ يُصلّي صلاةً إلّا تقرُّباً وتقوى وأداء, ولم يكن ينبغي لمثله أنْ يتَّقي بجميع عباداته أحداً غير الله, لم يكن يصلي صلاة إلاّ قربة وتقوى, وحَمْلُها على التقية طَعْنٌ في دينه وطَعْنٌ على عظيمِ فضلِهِ, وكلُّ إمامٍ بَعْدَهُ اقتدى بأبيهِ وَجَدِّهِ في الأمّة والأئمة, ولم يقع من إمامٍ إلاّ تقوى ودين لم يقع حيلة وتقية.

المسألة الحادية عشر: في الأخبار الواردة في كتب الشيعة

في كتب الشيعة :

أن علياً أمير المؤمنين طَلَّقَ عائشة فخرجت من كونها أم المؤمنين.

وإنّ القائم إذا قام يُقيمُ الحَدَّ على عائشة انتقاماً لأمِّهِ ابنة النبيّ فاطمة الزهراء عليها وعلى ابنيها وأولادها الصلاة والسلام.

وإنّ القائم إذا ظهر يهدم مساجد الإسلام منها مسجد المدينة, ويهدِمُ حُجرة النبي، وينبش قبر صاحبيه ويخرجهما حيّين, وهما طَريّان ويصلبهما على خشبة ويحرقهما؛ لأنَّ جميع ما ارتكبه البشر من المظالم والجنايات والآثام من آدم إلى القيامة منهما, فأوزارها عليهما.

كلٌ يعلم إنّ الدين والأدب براءٌ من أمثال هذه الأوهام, وليس من حاجة إلى رَدّها وإنما ينكر وجودها في صحائف كتب الشيعة. وأستبعدُ تمام الاستبعاد أنَّ عالماً كبيراً شيعياً يكتبها في كتابٍ, ولا يَجدُ من دينه وأدبه وعقله وإيمانه وازعاً يَزِعُهُ من أمثالِ هذه الأباطيل, والكتب متداولة تتلوها الشيعة من غير إنكار, ويلقيها الخطيب في المحافل, والجماعة تستمعها استماع الأذكار, فإنْ كان بين الشرور شرُّ يستعاذ بالله منه فأعظمُ شرِّ هو شَرُّ التَّعَصُبِ المذهبي, وشيطان التعصب المذهبي رأس الشياطين.

 

المسألة الثانية عشرة: في تحريم المسكر والربا والعول

أعجبني دين الشيعة في تحريم كل شراب يسكر كثيره قليله حرام, حتى أنَّ المضطر لا يشرب الخمر ساعة إلا اضطراراً لأنها قاتلة, واستحسنت كل الاستحسان مذهب الشيعة الإمامية في مسائل الطلاق, وبعض ما تراه الشيعة في أصول المواريث, ولم يعجبني فتاواهم في جزئيات مسائل الربا, ووجدت في ما طالعته في كتب الشيعة مقصّرة في بيان مسائل الربا.

وكتب الشيعة وإنْ رَدَّتْ القول بالعول وأنكرت على الأمة إعالة الفرائض إلا أنها لم تنجُ من إشكال ابن عباس والإمام الباقر.

إنّ الذي أحصى رمل عالج لم يجعل في مالٍ نصفاً وثلثين ولا نصفاً ونصفاً وثلثاً مثلاً, فإنَّ إدخال النقص في المؤخر أخذ بقسم كبير من العول ولا يدفع أصل الإشكال, فإنَّ التسمية في الكتاب باقية كما كانت في زوج وأم وأختين مثلاً, فالزوج فرضه بتسمية القرآن النصف, والأختان لهما بتسمية القرآن الثلثان, والأم لها في حكم القرآن الثلث أو السدس. والسهام في تسمية القرآن الكريم زائدة. والنقص في جميع السهام وهو العول العادل, أو في سهم المؤخر فقط, وهو العول الجائر ضروري اقتسمته الأمة والشيعة. والذي قسم المال وسمّى السهام هو الذي أحصى رمل عالج, بل جميع ذرات جميع الكائنات, ويغلب على ظني أنّ القول بأنْ لا عَوْلَ عند الشيعة قولٌ ظاهري, قيل ببادئ الرأي عند بيان الاختلاف ردّاً لمذهب الأمة, فإنَّ العول هو النقص، فإنْ كان النقص في جميع السهام بنسبةٍ متناسبة فهو العول العادل أخذت به الأمة, وقد حافظت على نصوص الكتاب. وإنْ كان النقص في أسهم المؤخر فقط فهو العول الجائر أخذت به الشيعة, وخالفت به نصوص الكتاب, والإشكال الذي تحيّر فيه ابن عباس وانتحله الإمام الباقر ثابت رأس.

ولا أريد اليوم كما أراد ابن عباس في يومه أن ابتهل أو أباهل في المسألة أحداً وإنّما أريد أنْ تعلّموني مما عُلِّمتم في إزالة الإشكال رُشداً. فما قول مجتهدي النجف الأشرف في أصل الإشكال وفي دفعه؟

المسألة الثالثة عشرة: في المتعة

إنّ كتب الشيعة إذا تعصَّبَتْ على المسألة فهي تُجازف في الكلام وتتجاوز الحدود في التشدُّد مثل ما رُويت في البداء والمتعة والبراءة وتحريم المسح على الخفّين. وكان الباقر والصادق يبالغان في المتعة ويقولان: مَن لم يستحلّ متعتنا ولمْ يقل برجعتنا فليس منّا. ويجعلها علماء الشيعة شارة أهل البيت وشعار الأئمة, وللأمة في المتعة كلام.

وأنا أرى أنّ المتعة كانت من بقايا الأنكحة الجاهلية, ويمكن أنها وقعت من بعض الناس في صدر الإسلام, ويمكن أنَّ الشارع قد أقرَّها في بعض الأحوال من باب ما نزل فيها ((إلاّ ما قد سلف)) كانت أمراً تاريخيا لا حكماً شرعياً بإذن من الشارع وإنْ  ادّعى مُدَّعٍ أنَّ المتعة كانت حلالاً بإذن الشارع فلتكن.

نقول لا بأس فيها ولا كلام لنا اليوم في ردّها, وإنّما كلامي الآن في أنّ المتعة هل تثبت بالقرآن أوْلا؟ كتب الشيعة تَدَّعي أنّ المتعة نزل فيها قول الله جَلَّ جلاله: [فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً](1).

وأرى أنّ أدبَ البيان يأبى, وعربيةُ هذه الجملة المعجزة تأبى أنْ تكون هذه الجملة الكريمة قد نزلت فيها؛ لأنَّ تركيب هذه الجملة يفسد, ونظم هذه الآية الكريمة يختل لو قلنا إنّها نزلت في متعة النكاح.

أريد أنْ أستمع وأنْ أقرأ إفادات مجتهدي النجف الأشرف فما قولكم أيها السادة في تنزيل هذه الجملة الكريمة المعجزة المباركة؟.

المسألة الرابعة عشرة: في عرض النبي إرثه

في حديثٍ: عرض النبيُّ صلى الله على محمد وآل محمد وعلى صحب محمد وسلم إرثه لعمِّهِ سيدنا العباس وابن عمه علي أمير المؤمنين في الوافي عن الكافي, ج2, ص133 دعا النّبي  صلى الله عليه وآله وسلم  عمَّهُ العبَّاسُ وعلياً قبيل وفاته, فقال لعمه العباس: أتأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ فردَّ العباس عليه وقال: شيخ كثير العيال قليل المال, ثم قال النبي عليه الصلاة والسلام سأعطيها من يأخذها بحقها, وقال: يا علي أتنجز عداة محمد وتقضي دينه وتقبض تراثه؟ حديث مهم جليل لم أره في غير كتب الشيعة, عددته إذ رأيته كنزاً غنياً يستخرج منه أصول في أبواب الفقه.

حديث عرض الإرث إن صحَّ لكان له شأن جليل, فإنَّ ذلك يقلب أصول الإرث في الإسلام قلباً يمكن أنْ يكون فيه صلاح وحكمة اجتماعية, فإنَّ الإرث عند الفقهاء خلافه في الملك, فالحقوق ليس فيها لا للمورث ولا للوارث اختيار الوارث يكون خليفة في ملك الميت وحقوقه, عَرَضَ المورث أوْلا شاء الوارث أو أبى.

والإرثُ نقلٌ يتوقف على إرادة المورّث انتقالاً لا يكون إلا بقبول الوارث, فيه لأهل العلم وعلماء الحقوق أقوال وأنظار, ولأجل ذلك أعدَّ حديث عرض الإرث كنزاً فيه علوم وأصول لو صحَّ لكان له شأنُ جليل, إلا أنّ راويه قد فسده إفساداً بحديث عفير([46]) عن أبيه عن جده عن نوح صاحب السفينة التي استوت على الجودي.

ولا إرث للعصبة عند الشيعة, أمّا عند فقهاء الأمة, فإنّ ابن العم لا يرث عند وجود العم, وحَرْمُ الوارث ليس في اختيار المُورِّث.

ما قولكم أيُّها الأساتذة السادة في حديث العرض؟ وفي أصل الإرث؟ وكيف يكون قول الشيعة في التعصْيب, وسيدنا العباس كان غنياً, وكان أعقل وأرفع من أنْ يَرُدَّ عَرْضَ النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  بخلاً أو غفلة عن عظيم الشرف.

وسيّدُنا العّباسُ كانَ أشرف قريشٍ وأنفذَهم نظراً, والنبيّ كان يكرم العباس إكرام أبيه, وكان العباس للنبي أطوع أقربيه.

نعم كان العباس عمّه لأبيه, وكان سيدنا أبو طالب عمُّه لأبيه وأمه, ولنا أن نقدّم أولاد سيدنا أبي طالب على عمّ النبي لا بأس فيه, بل هو الغالب, لأنّ سيدنا أبا طالب قد قام مقام عبد الله بعد عبد المطلب, فأولاده أخوة للنبي. هذا صحيح وهذا كاف.

وكلام كتب الشيعة في أمِّ العَّباسِ فيه شيءٌ لا أرتضيه, وهذه قد عادَتْ لها عادَةٌ([47]).

المسألة الخامسة عشرة: في الخلاف بين علي والصحابة 

كل يعلم وكلنا يعلم أنّ البيوتَ الأموية والهاشمية والعباسية كانَ بينها ترات وثارات وعداوات قديمة وحديثة, ولم تكن إلاّ خصائص بدوية عربية, قد كانت, وضرّت الإسلام, ثم زالت بزوال أهليها, ووقعت بها فقط في تاريخ الإسلام أمور منكرة لم تقع في غيره, وليس فيها إثم ولا أثر لأهل الإسلام ولا لأهل السنة.

ليس الإثم إلا لأهليها, وهم البيتُ الأمويُّ والبيتُ العبّاسي, والله يفصل بينهم يوم القيامة, ولم يقع بين الصدّيق والفاروق وبين عليّ خلافٌ في الخلافة, ولم يقع بين هؤلاء الصحابة الكرام الأئمة الأجلة عداء أبداً أصلاً.

نَزَعَ اللهُ من صدورهم غلاً كان فيها، وكلّ آية نزلت في الثناء على الأمة فهم أول داخل فيها, وكل في ما كتب الشيعة من أخبار العداء بين هؤلاء الأئمة فكلها موضوع بلسان الدعاة, لو ثبت لكان فيها نقص كبير للإمام أمير المؤمنين علي ولأهل البيت كافة. وعامة الأمة هم أولى الناس بأهل البيت والأئمة.

والولاية الصادقة بالمعنى الصحيح الذي يرتضيه أهل البيت لا توجد اليوم إلا عند أهل السنة والجماعة, وهم عامة الأمة.

وليس الشأن كل الشأن في ولايتنا وحبنا لأهل البيت, إذ لا يوجد مؤمن يعادي أهل البيت, وإنما الشأن كل الشأن فيمن يحبهم أهل البيت.

ولا أرى أنّ علياً وأولاده الأئمة وأهل البيت يحبون من يعادي الصديق والفاروق, أو يحبون من يعادي العصر الأول ويلعن العصر الأول.

وأرى أنْ ليس اليوم من فائدةٍ للشيعة ولا لأهل الإسلام في تكفير عامة الصحابة, وفي الطعن على الصّدّيق والفاروق, واللعن والطعن على عائشة وحفصة, وهما أهل البيت بنصّ الكتاب, وهذا هو الطريق الوحيد لتوحيد كلمة الإسلام اليوم, فما قولكم أيها الأساتذة السادة؟.

المسألة السادسة عشرة: في ولاية الإمام

يقول الباقر: ((إن الله قال: لأعذبَنَّ كُلَّ رَعيّةٍ في الإسلام دانت بولايةِ إمامٍ جائر ولا أستحي وإن كانت الرَّعيَّةُ في كلِّ أعمالها برَّة تقية, ولأعفوَنَّ عن كلّ رَعيّةٍ في الإسلام دانت بولاية إمام عادل من الله ولا أستحي وإن كانت الرعية ظالمة مسيئة)).

يقول الباقر: إنّ الأمَّةَ وإنْ كانت لها أمانة وصدق ووفاء لا تكون مؤمنة لإنكارها الولاية, وإنَّ الشيعة وإنْ لم يكن عندها شيءٌ من الدين لا عتب عليها لأنّها تدين بولاية إمام عادل.

ما الفائدة من أمثال هذه الكلمات؟ وفي أيِّ كتابٍ يقولُ الله هذه الكلمات؟.

 

المسألة السابعة عشرة: في النسيء

ما النسيء الذي هو زيادة في الكفر؟ وهل كان له عند العرب قبل الإسلام نظامٌ يدورُ عليه حساب السنين؟ وسنوّ عمر النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  عُدّت على وفق نظام النسيء. أو كان للعرب تقويمٌ خالٍ عن النسيء به كان يُعَدُّ عمر الإنسان؟

قد ذكر الوافي في الكتاب الخامس في صفحة (45) إنَّ حساب الشهور عند الأئمة كان رومياً. ما وجه اتّخاذِ الأئمة حِسَابَ الرُّومِ وشهورِهِم وسنيَّهم وحساب العرب وتاريخ الهجرة كانَ عَربياً؟.

المسألة الثامنة عشرة: في حج النبي  صلى الله عليه وآله وسلم

حَجَّ النبيُّ  صلى الله عليه وآله وسلم  بعد الهجرة حَجَّةً واحدة؛ ويقول الإمام الباقر والإمام الصادق: قد حجَّ النبيُّ بمكَّةَ مع قومه حجّات عشرين حجة كلها مستترة لأجل النسيء. وهل كان يحضر في مواسم الحج مع الناس؟.

المسألة التاسعة عشرة: في حج السنة التاسعة

حَجَّ أبو بكر وعليّ أمير المؤمنين مع الناس في السنة التاسعة, وتقول كتب الشيعة: إنّ حج التاسعة كان في ذي القعدة في دور النسيء, وكيف يصحُّ ذلك والكتابُ سمَّاهُ بيومِ الحَجِّ الأكبر([48]).

المسألة العشرون: في حفظ الشيعة للقرآن والاختلاف في المصاحف

لم أر بين علماء الشيعة ولا بين أولاد الشيعة لا في العراق ولا في إيران من يحفظ القرآن ولا من يقيمه تمام الإقامة بلسانه, ولا من يعرف وجوه القرآن اللغوية والأدائية.

ما السَّبَبُ في ذلك؟ هل هذا أثر عقيدة الشيعة في القرآن أو أثر انتظار الشيعة مصحف علي الذي غاب بيد قائم آل محمد بغيبته؟

وأخفّ ما رأيته للشيعة في القرآن الكريم إنّ جميع ما بين الدفتين كلام الله إلا بعض ما نزل, وإذا قام القائم يقرأه الناس كما أنزله الله, وكما جمعه علي أمير المؤمنين.

وأخفّ ما في هذا الكلام من المفاسد:

أولاً: نسبة التقصير إلى النبي في التبليغ, فقد بلغه إلى علي فقط, فغاب, ولو بلّغه إلى الأمة لما غاب.

ثانياً: إتهام الله بخلاف وعده: [إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ]([49]), فإنَّ الله ما استحفظ أحداً ولكنه بوعده هو يحفظ.

ثالثاً: الطعن على العصر الأول بأنّه ردَّ بعض ما نزل وهو كثير, ورَدُّ البعض ولو كان حرفاً كفرٌ في عقيدة الأمة.

والتاريخ يعلم أنَّ الصَّحَابة نسخت المصاحف مرّتين: مرّةً زمن الصدّيق, ومرّة زمن عثمان, وعلي أمير المؤمنين رأسُ الكَتَبَةِ زَمَنَ النُّسْخَتين.

ولم يقع لا بين كبار الصّحابة ولا بين صحابي وصحابي اختلاف وخلاف في أمر المصاحف أصلاً.

لم يكن إلا اختلاف في وجوه الأداء وفي الوجوه اللغوية والنحوية([50]).

ومن كمال اهتمامهم في الحفظ كان قد يقع بينهم الكلام إذا رأوا الاختلاف في الوجوه الأدائية واللغوية.

والإمام أمير المؤمنين علي مثل كثير من سائر الصحابة كان يكتب لنفسه كل آية ساعة نزولها.

وبهذا ومن هذا اجتمعت عند ستة أو سبعة من الصحابة سور وآيات على ترتيب نزولها, وكان هذا من الاهتمام  لا من الاختلاف.

وما الذي كان يكتبه كَتَبَةُ الوحي للنبي  صلى الله عليه وآله وسلم  بأمر النبي وتعليم النبي كان سوره وكلُّ آياته مترتبة على هذا الترتيب الذي نراه اليوم في المصاحف بأيدينا, وعلى هذا المصحف بهذا الترتيب نزل أعظم قسم في القرآن الكريم: [فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لاَ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ](2).

فتفضّلوا أيُّها الأساتذة السادة بالإفادة حتى يتّحِدَ الإسلامُ وتجتمع كلمة المسلمين حول كتاب الله المبين.

أقدِّمُ هذه المسائل لأساتذة النجف الأشرف بيد الاحترام, بأمل الاستفادة بقلب سليم رغبةً في تأليف عالمي الإسلام: عالم أهل السنة والجماعة, وعالم الشيعة الطائفة المحقة الشيعة الإمامية. 

كتبها بالنجف الأشرف في 23 من ذي القعدة سنة 1353هـ, يوم الاربعاء 27 فبراير سنة 1935م موسى جار الله.         

 

 

رسالة في لعن يزيد بن معاوية

الحمْدُ للهِ الذي مَنّ علينا بموالاة أوليائه, ومعاداة أعدائه, والصلاة والسلام على أشرف أنبيائه وآله حفظة الشرع وأمنائه, ولعنة الله على أعداء الله وأعداء أصفيائه, اللهم العن الظالمين والفاسقين في مستتر السر وظاهر العلانية أما بعد:–

فقد ورد علينا سؤال حاصله ومآله: (ما قولكم أيُّها العلماءُ الرّبّانيون في لعن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية هل هو جائز مشروع أم لا؟ وما الدليل على جوازه؟ وما الذي يحتج به المانع منه؟ أفتونا بجميع ذلك مفصلاً؟ ونأمل أن تكون أدلة الجواز جارية على أصول أهل السنة والجماعة وقواعدهم لا على أصول الإمامية, ولكم الأجر والثواب إن شاء الله تعالى).

الجواب: اعلم أولاً – أرشد اللهُ أمرك, وأصلح سرَّك وجهرك, ووفقك وجميع المسلمين للرقي وللسداد والفوز والنجاح – إنّه بالعزيز علينا, وعلى الرُّغم منا أنْ تشتغلَ ناشئةُ العصر, وشبّانُ العلم وكهولُ المعارف بمثل هذه الأباطيل والسفاسف.

فإنّ طرح مثل هذه الموضوعات في ميدان البحث والمناظرة والردّ والنقد مما لا فائدة فيه, ولا عائدة, ولا رُقيّ, ولا عرفان منفعة, كمسألةِ خلق القرآن –مسألة قدمه وحدوثه – , وغيرها من المسائل البائدة, والتي لا وقع لبعثها, ولا نفع لنشرها, فليس فيها – فضلاً عن إضاعة الوقت, وإتلاف الحبر والورق, والاشتغال بما لا يعني – غير مسّ العواطف, وإثارة الإحن والتفرقة بين المسلمين, ومناوأة الحق والتعصب للباطل, وقيل وقال ومراء وجدال وتعصب وتحزب.

ولو وصَمْتُ مَنْ نشر أمثال هذه الخرافات – للناشئة العزيزة, والنجم الغض, والزهر المكمّم – بالجهل والسَّفَهِ, بل الجنون والماليخوليا لما كنت ملوماً, ولكان ذاك بذلك جديراً حقيقياً, ولكنّي أقول مع الأسف:

إنّ الغربيين ينالون الشهرة والسمعة, ويكون لهم الصوت والصيت بما يبتكرونه من الأعمال, وما يخترعونه من الصنائع التي تنفع عموم البشر, وإنّ بعض الجهلة من الشرقيين ممن صبغ نفسه بصبغة الإسلام يعمد إلى أمور خرافية منسية بائدة كاسدة فيروِّجها ويتعصَّبُ لها, ويجعلُها أساطير تتلى, وزبراً على منصّة التدريس تجلى, لينال بذلك شهرة وسمعة بين أهل عصره؛ ليقال من ذا قالها؟

وإنا لنعجب ممن ينشر مثل هذه الأمور, ولمن يقرؤها ويضعها في موضع النظر والنقد.

ولولا سؤالك أيها العزيز عن هذا الموضوع بعنوان الاستفتاء وطلب معرفة الحكم الشرعي لا من حيث الوجهة التاريخية ومعرفة نسب ذلك الفاسق الملحد وحسبه لَما أجبناك عن ذلك, فلذا نعلمك على سبيل الإيجاز حجج المانعين وأدلة المجوزين وبعد الإحاطة بذلك يتضح لك كمال الاتضاح مشروعية لعنه واستحبابه فضلاً عن جوازه وإباحته.

وقد التزمنا بإيراد ما نورده على أصول أهل السنة والجماعة, ولا نورد على ذلك دليلاً من الأدلة التي انفردتْ بها الشيعة الإمامية, وأجمعت على صحتها وثبوتها.

كما لا حاجة إلى أن نعلمك بما يذهبون إليه ويعتقدونه فيه من أنّه كافر مرتّد, وفاسق زنديق, وإنّ لعنَهُ وسَبهُ وشتمهُ والبراءة منه وممن نصره ووازره ودافع عنه ورضي بفعله عادة يتقربون بها إلى الله, وإنه من المخلدين في النار لا تناله شفاعة ولا عفو ولا رحمة ولا مغفرة لا لقصورٍ في سَعَة الرَّحْمَة, بل لعدم قابلية المحل لها.

وحينئذٍ  نقول:

إنّ الكلام على هذه المسألة يقعُ في مقامين وخاتمة.

المقام الأول: في حجج المانعين.

والمقام الثاني: في حجج المجوزين.

والخاتمة في فضل العلويين من بني هاشم.

أما المقام الأول فيقع الكلام فيه في فصلين:

 

 

الفصل الأول: رأي الغزالي في منع لعن يزيد

 

وحاصلُ حُجَّتِهِ على ذلك أنّه لم يثبت أنَّهُ قاتلُ الحسين, أو أنَّه آمر بقتله, فلا تجوزُ نسبةُ ذلك إليه فضلاً عن لعنه؛ لأنّه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق ([51])؛ ولأنّ النَّبيَّ  صلى الله عليه وآله وسلم  نَهَى عن سبِّ الأموات, قال وقال  عليه السلام : (أيُّها الناس احفظوني في أصحابي وإخواني وأصهاري ولا تسبّوهم أيها الناس, إذا مات الميت فاذكروا منه خيرا)([52]).

ثم إنه مَنَع من أنْ يقال: قاتل الحسين لعنه الله على الإطلاق, وإنما الجائز أنْ يقال: قاتلُ الحُسين إنْ ماتَ قبل التوبَةِ لَعَنَهُ الله([53]), ثم ذكر وحشياً قاتل حمزة, وإنه لتوبته لا يجوز لعنه, ثُمَّ قال: فإذا لم يُقيَّد بالتوبة كان فيه خطر وليس في السّكوتِ خَطَر فهو أولى([54]).

قالَ: (ولا ينبغي أنْ يُطلِقَ اللسان باللعنة إلاّ على مَنْ ماتَ على الكفر أو على الأجناسِ المعروفينَ بأوصافهم دونَ الأشخاص المعينين، فالاشتغال بذكر الله أولى, فإن لم يكن ففي السكوت سلامة)([55]) إلى آخره.

هذا جميع ما ذكره مما يمكن أنْ يُحتَجَّ به للمنع من لعن يزيد وهو كما ترى, تارة ينكر الضروريات والمتواترات, فإنَّ كتب السِّيَر والتواريخ قد اتفقت على أنَّ قتل الحسين إنّما هو بأمره وبسلطانه وسيفه, ولم نرَ ولم نسمع بمن نسب قتل الحسين إلى غيره.

وقد خرج من المدينة خائفاً من عامله على نفسه, مستجيراً بحرم الله تعالى ملتجئاً إليه, ولّما لم يأمن على نفسِهِ وهو في مكة خرج منها متوجّهاً إلى العراق.

ولا مجال لأنْ يُقال: إنّ يزيد لم يقتل الحسين ولم يأمر بقتله, والحال أنّ قتله كان في أيّام دولته وسلطانه, والمباشرون لقتله عساكره وجنوده وأمراؤه, وكانت الكتب والرسل بينه وبين آمره على الكوفة عبيد الله متواصلة متواترة متصلة, وكان يكتب له بالأخبار اليومية مع بريده, وكيف يُقْدم عبيد الله على هذا الأمر العظيم بدون أمرٍ ورضاً من ولي نعمته وحكم من سلطانه.

وليسَ يَصِحُّ في الأفهامِ شَيءٌ
 

 

إذا احتاجَ النَّهارُ إلى دليلِ
 

 

وأمّا النّهي عن السَّبِّ واللعن للأحياء والأموات فذلك فيمن لم يُعْلَمْ فسقه, ولم يُعْلم ظلمه فضلاً عن كفرِهِ وارتداده.

وأما وحشي قاتل حمزة فقد أسلم والإسلام يَجبّ ما قبله, ولم يُعلَم أنْ يزيد تاب, فيُستصحبُ ما ثَبَتَ وتَحقَّقَ من ظلمه وفسقه وفجوره إلى حين موته, فهو ممَنْ ماتَ على الظلم والفسق, ولا شبهة في جواز لعن مَنْ ماتَ عليهما, أو مات على الكفر, مع أنَّ قبول توبته غير معلوم؛ لِما سيأتي من ثبوتِ كفره وارتداده.

وليس في السكوت عن لعن الفسقة والظلمة وأعداء الله تعالى سلامة, بل فيه خُسر وندامة, بل لا يبعد أنّ في ذلك نوع من الموالاة لأعداء الله واحترام لنا على المعاصي والمنكرات, فإنّ لعن مثل هؤلاء من أنحاء الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكر, كما لا يخفى عن مّنْ أبْصَرَ وتدبر.

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني: رأيُ ابن تيمية في منع لعن يزيد

قال ابنُ تيمية في كتابه الذي سمّاه منهاج السنة: (فيقال غاية يزيد وأمثاله من الملوك أن يكونوا فسّاقاً, فلعنة الفاسق المعيّن ليست مأموراً بها إنما جاءت السنة بلعن الأنواع)(1).

ثم ذكر نزاع الناس في لعن الفاسق المعيَّن فقيل: (إنه جائز كما قال ذلك طائفة من أصحاب أحمد وغيره، وقيل: إنه لا يجوز كما قال ذلك طائفة أخرى من أصحاب أحمد وغيرهم, والمعروف عن أحمد كراهة لعن المعيّن كالحَجَّاجِ وأمثاله)(2).

ثم استدل على عدم جواز لعن المعيّن بما في صحيح البخاري: (أنّ رجلاً كان يدعى حماراً وكان يَشْرب الخمر, وكان يؤتى به إلى النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  فيضربه فأُتي به إليه مرّة فقال رجل: لعنه الله ما أكثر ما يؤتى به إلى النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  فقال النبي  صلى الله عليه وآله وسلم : لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله)(3).

قال فقد نهى  صلى الله عليه وآله وسلم  عن لعنة هذا المعيّن مع أنه  صلى الله عليه وآله وسلم  لعن شارب الخمر مطلقاً,(فدلّ ذلك على أنّهُ يجوز أنْ يلعن المطلق ولا يجوز لعنةُ المعيّن)([56]). انتهى ملخصاً.

ولا يخفى أنَّ الحديث صريحٌ في أنَّ النهي عن لعنه لا لأنه مُعيّن بل لأنه يحب الله ورسوله كما هو قضية فاء التعليل (فإنه),ولو كان النهي كما ذكر لقال  صلى الله عليه وآله وسلم  :لا تلعن شخصاً بعينه أو ما أدى هذا المنعى.

والحاصل لا ينبغي التشكيكُ في أنّ الحكمَ على الجميع حُكْمٌ على كُلَّ فردٍ فرد, فإذا قيل: أهِنْ الفُسّاقَ و العنهم فلا معنى له إلاّ إهانة كل فرد, كما لو قال ((استغفر للمؤمنين)), فإنّه دالٌ على جواز الاستغفار للجميع والأفراد, كما لا يخفى على كلَّ ذي خبرة باللسان ولا يقتصر على الجميع مع الدليل, وما ذكره من الحديث غير صريحٍ في مُدَّعَاهُ وإلى ما ذكرنا ذهب جماعة من محقّقي أهل السنة والجماعة, فإنّهم قالوا بجواز لعن المعيَّن وجواز الصلاة عليه.

قال في تفسير روح المعاني : (والخلافُ في لعن أقوامٍ بأعيانهم ممّن وَرَدَ لعن أنواعهمَ كشارب خمر مُعَيَّن مثلاً مشهورٌ, والنّووَي على جوازه استدلالاً بما ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم  مَرّ بحمارٍ وُسِمَ في وَجْهِهِ فقال: لَعَنَ اللهُ مَنْ فَعَلَ هذا, أو بما صَحَّ أنّ الملائكة تلعنُ مَنْ خَرَجَتْ من بيتها بغير إذن زوجها, وأجيبَ: بأنَّ اللعن هناك للجنس الداخل فيه الشخص أيضاً, واعتُرض بأنَّه خلافُ الظاهر, كتأويل ((إنَّ وراكبها)) بذلك, والاحتياط لا يخفى)([57])انتهى.

ثم قال: ((ومن المعلوم أنّ كلَّ مؤمنٍ لاُبدَّ أن يُحبَّ اللهَ ورسوله, ولكن في المظهرين للإسلام مَنْ هم منافقون, فأولئك ملعونون لا يحبون الله ورسوله)([58]) انتهى.

ولا يخفى أنَّ الفاسق والظالم ومرتكب الكبائر المصرّ على ذلك وإنْ أظهر الإسلام والتدين به لساناً فهو لا يحبُّ اللهَ ولا رسوله قطعاً.

تعصي الإلهَ وأنتَ تُظهِرُ حُبَّهُ
لو كانَ حُبُّكَ صَادقاً لأَطَعْتَهُ
 

 

هذا قياسٌ في الزَّمَانِ بَديعُ
إنَّ المُحِبَّ لمِنَ يحُبُّ مُطيعُ([59])
 

 

ولا شُبهةَ في أنَّ يزيد ممن لا يحُبُ اللهَ ولا يحُبُّ رَسوله, لإصراره على الظُّلْمِ والفِسْق والفجور وقتله ريحانة رسول الله, وهتكه حرم الله وحرم رسوله, وهل يبلغ أعدى أعداء الله وأعدى أعداء رسوله في قبح الصنيع والبغي والفساد ما بلغه هذا الفاجر الأثيم؟ وهذا مقام يطول شرحه وبيانه. ثم قال: (وعلى الأصل) وهو ما ذكره من أنه قد استفاضت السنن النبوية: (أنه يخرج من النار قوم بالشفاعة ويخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان، فالذي يجوز لعنةِ يزيد وأمثاله يحتاج إلى شيئين)(1) إلى آخره.

ولا يخفى أنّ هذا الأصلٍ لا دخل له بمسألة مَنْ يجوز لعنه ولا ربط أصلاً, فإنّ الفاسقين يجوزُ لعنهم قطعاً سواء أُخرجوا من النار بالشفاعة أو لأن في قلوبهم ذّرة من إيمان أو لا, كما هو ظاهر.

وأما الشيئان اللذان يحتاج إليهما المجوّز فقد أشار إلى الأول منهما في قوله: (إلى ثبوت أنه كان من الفسّاق الظالمين الذين تُباحُ لعنتهم، وأنّه ماتَ مُصَِّراً على ذلك)(2).

يا سبحان الله ما كنت أعلم أنَ يزيدياً يبلغ في اليزيدية ما بلغه هذا الشيخ الضَّالُّ المضِلُّ, فإنّا لم نجَد في أولياء يزيد مَنْ شَكَّ في فسقِهِ أو في ظُلْمِهِ وفُجُورِهِ كهذا الناصبي.

وأماّ ثبوتُ أنّه مات مَصِّراً على ذلك فهو ثابت بالاستصحاب, ولو كان ممن تاب عن الفسق والظلم لَظَهَرَ منهُ ذلك قبل موته, ولَنُقِلَ ذلك عنه, ومِن مُحَّققات التوبة إظهارُ الندم ورَدُّ المظالم إلى أهلها حَسْب المستطاع.

والحاصل أنّ كونه من الفساق, وأنّ ما فعله من أكبر المعاصي وأعظم الكبائر, وإنه مات على ذلك من أوضح الواضحات, ولا مجال للمنازع أن ينازع في هذه المقدمة, إلا إذا جَوَّزنا النزاع في وجود الشمس في رابعة النهار.

ثم قال الثاني: (إنّ لعنة المعيّن مِن هؤلاء جائزة والمنازع يطعن في المقدمتين لا سيما الأولى)([60]).

وأقول: إنّ لعنة المعيّن مما لا إشكال في جوازه بعد وضوح اندراجه في النوع الملعون, على أنّه سيأتي ما يدلُّ على جواز لعن يزيد بخصوصه.

ثم قال: فأمّا قوله تعالى: [أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ]([61]) فهي (آية عامة كآيات الوعيد بمنزلة قوله: [ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ]([62]) وهذا يقتضي أنّ هذا الذنب سببُ اللعن والعذاب, لكن قد يرتفع موجبه لعارض راجح, إمّا توبة, وإمّا حسنات ماحية, وإمّا مصائب مكفّرة, فمن أين يعلم الإنسان أنّ يزيد أو غيره من الظَلَمَة لم يَتُبْ من هذه, أو لم تكن له حسناتَ ماحية تمحو ظلمه, ولم يُبْتَلَ بمصائب تكفّر عنه)([63]).

وأقول: إنه قد سَلَّـمَ في هذا الكلام إنَّ الظُلْمَ سَبَبُ اللعن وموجب له, ولا نزاع في أنّ هذا قد يرتفع بمزيلٍ ورافع أقوى منه, ولكنَّ الكلاَم في ثبوتِ المعارض وتحقّقه, فإنّ مجرد احتمال وقوعه غير كاف في الحكم بزواله, بل اللازم ترتيب آثار وجوده حتى يحصل اليقين بارتفاعه, فإنّ مَنْ ثَبَتَ فسقُه لا تُقبل شهادتُه وإنْ جَوَّزنا زواله حتى يحصل القطع بزواله, وهذا أمر غير قابلٍ للتشكيك وعليه تجري أحكاُم الشّرعِ, وأحكام العقلاء, بل هُو أمرٌ ضَروريّ مرتكِزٌ حتَّى في طباع الحيوانات والبهائم, والمشكَّكُ في ذلك يُوشكُ أنْ يكون من الجمادات.

قال: (وقد ثبت في صحيح البخاري عن ابن عمر عن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: أول جيش يغزو القسطنطينية مغفور لهم,  وأول جيشٍ غزاها كان أميرُهُم يزيد)([64]) إلى آخر ما سطره.

وأقول: أمّا الحديثُ المذكور فالذي وجدناه في الصحيح المذكور أنّه مروي بإسناده إلى عُمير ابن الأسود العنسي عن أُمَّ حرام أنَّها قالت: قال النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  : (أول جيش من أمتي يغزونَ مدينة قيصر مغفور لهم)([65]) إلى آخر الحديث الذي لا يتعلق الغرض فيه بنقل ما قبل هذه الفقرة وما بعدها.

نعم في إرشاد الساري للقسطلاني في أنّها هي القسطنطينية, وليس في سند الحديث المذكور ابن عمر, والحديث المذكور مروي في باب ما قيل في قتال الروم([66]),ولعلّه مروي في موضع آخر بسندٍ فيه ابن عمر([67]),وعلى أيَّ حالٍ, فالجواب عن الحديث المذكور من وجوه لا يخفى بعضها على أقلّ أهل العلم والمعرفة:

الوجه الأول: إنّ في مجمع بحار الأنوار: (قال القرطبي: قد فُتِحَتْ(يعني: القسطنطينية) في زمن عُثمان, وتفتح عند خروج الدجال (ط) إشارة إلى ما ينقله عن الطيبي – هي مدينة مشهورة من أعظم مدائن الروم فتحت زمن الصحابة وتفتح عند خروج الدجال قاله الترمذي)([68]) انتهى.

ولا يخفى أنّ يزيد ولد في أيّام عُثمان، وكان عند قتل عثمان ابن ست أو سبعُ فلا يكون في ذلك الجيش الذي هو أوّل جيش غزاها.

نعم ذكر المؤرخون أنه كان في جيشٍ غزا القسطنطينية كما سيأتي نقل ذلك ولعلّ تلك غزوة أخرى في جيشٍ ليس أوّل جيش.

الوجُه الثاني: ذكر ابن الأثير في الكامل: (أنّه في هذه السنة سنة 49 هـ وقيل سنة 50 هـ سيَّرَ معاويةُ جيشاً كثيفاً إلى بلاد الروم للغزاة, وجعل عليهم سفيان بن عوف, وأمر ابنه يزيد بالغزاة معهم, فتثاقل واعتلّ, فأمسك عنه أبوه, فأصاب الناس في غزاتهم جوع ومرض شديد, فأنشأ يقول:

ما إنْ أُبالي بما لاقتْ جُمُوعُهُمُ
إذا اَّتكَأتُ على الأنماطِ مُرتفعاً
 

 

بالفَرْقَدَوْنَةِ من حُمَّىً ومِنْ مُومِ
بدَيرِ مَرَّانِ عنِدي أمَّ كُلثومِ
ج

 

وأم كلثوم امرأته, فبلغ معاوية شعره, فأقسم عليه ليلحقَنَّ بسفيان في أرض الروم, ليصيبه ما أصاب الناس, فسار ومعه جَمْعٌ كثير أضافَهُم إليه أبوه)([69]) إلى آخره.

وبمقتضى هذا النقل أنّ يزيداً قد امتنع عن الغزو والجهاد في سبيل الله, وإنّ أباه قد قَهَرَهُ على ذلك, فقد أَثِمَ وعصى في الامتناع عن القيام بهذه الفريضة العظيمة, وإنّه لا أجْرَ له ولا ثوابَ في مسيره أخيراً؛ لأنّه مُكْرَهٌ ومقهور عليه, لم يأتي بداعي أمر الله, فلا قربة ولا إخلاص على أن مسيره كان في الجيش الثاني, فالجيش الذي سار فيه ليس أوّل جيش, مضافاً أن شِعْرَهُ مما يظهر منه الشَّماتة بالمسلمين, وعدم المبالاة مما يصيب المؤمنين, ولو كانت في قلبه ذرة من الإيمان لما صدر منه هذان البيتان, وإن جميع ما يصيب المسلمين  لا يقابل عنده هذه الشهوة الحيوانية واللذة الفانية الجسمانية.

وهذا الذي ذكرناه عن الكامل ينافي ما ذكره بقوله: ((ويقال إنّ يزيداً إنّما غزا القسطنطينية لأجل هذا الحديث)(2).

ولا أدري إنّ هذا القول في أيَّ كتابٍ قيل؟ وأيّ شخصٍ كان ذلك القائل؟ ومتى كان يزيد ذلك الشّابُّ المغرور المنهمك بالمعاصي والفجور والشهوات والغفلات المغمور بالنعم والملاهي يتتبع الأحاديث النبوية والسنن المأثورة فيعمل بها؟

وهلا اتبع الأحاديث المشهورة, والآيات المسطورة الواردة في حرمة شرب الخمر, وحرمة الزنا والفجور والمعاصي والملاهي..

وما كنت أعلم أنَّ حُبَّكَ الشيءَ يُعمي ويَصُمّ إلى مثل هذه الدرجة, و إلى مثل هذه المرتبة بلغها الشيخ بحبه ليزيد, أو بغضه لأهل البيت أعداء يزيد ومحاربيه, ولا أظنُ أنَّ عبيد الله بن زياد بلغت محبّته ليزيد هذا الحد.

فإن يزيداً لمّا بَعَثَ إلى عُبيد الله يأمُرُه بالمسير إلى المدينة المنوَّرة ومحاصرة ابن الزبير قال: ((والله لا جمعتهما للفَاسق, قتلُ ابن رسول الله وغزو الكعبة, ثم أرسل إليه يعتذر))([70]),فهذا عبيد الله سمّاه الفاسق, وهذا الشيخ الضَّال ادّعى أنّه من الأبرار الذين قاموا بالفرائض, ثمّ صار يتتبعون ما ورد عن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  في أهل الإطاعات والقربات؛ ليكونوا منهم, فما أكذب هذا القول لو كان له قائل, وتصديقُ الشيّخ به دليلٌ على شِدَّةِ جهله وعدم عقله.

الوجه الثالث: إنّ هذا الخبر نظير ما ورد في أهل بدر, فإنَّ قوله  صلى الله عليه وآله وسلم  فيهم على فرض صحته مشروطٌ بسلامة العاقبة وعدم ارتكاب المعاصي, فإنه لا يجوز عقلاً على الحكيم أنْ يخُبر عن غيرِ المعصوم بأنّه لا عقاب عليه, فليفعل ما يشاء.

ولا شبهة في أنَّ البَدْرِيَّ إذا سَرَق تُقْطَعُ يدُه, و إذا زنى يُجلد, سواء كان من المهاجرين أو الأنصار.

الوجه الرابع: إنّ الذنوب المغفورة هي الذنوب السابقة, فالجيش مغفور له ما تقّدم من ذنوبه بسبب هذه الغزوة, فهي لهم كالإسلام الذي يَجُبُّ ما قبله, ولا دخل لها بغفران مِا يَتَجَدَّدُ من الذنوب والمعاصي, كما لا يخفى.

ولنختم هذه الوجوه بما ذكره أبو الثناء الآلوسي مفتي الحنفية في عصره وصاحب روح المعاني وغيره من المصنفات الباهرة, قال في غرائب الاغتراب: قال: (ثُمَّ الكلام في لعنة الأموات أعظم من لعنة الحي فإنه قد ثبت في الصحيح أنه قال: ((لا تسبّوا الأمواتَ فإنّهم قد أفضوا إلى ما قدموا))([71]) حتى أنه قال: ((لا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا))([72]) لما كان قوم يسبون أبا جهل ونحوه من الكفار الذين أسلم أقاربهم, فإذا سبوا ذلك آذوا قرابته)([73]).

أقول:

اعلم أولاً أنه لا شبهة في أنّ لعن الميّت الذي لا يستحق اللعن أعظم إثماً من لعن الحي الذي لا يستحق اللعن, وكذلك السب.

وأما من استحق اللعن حياً فإنّه يُلَعُن مَيتاً؛ لأنه إذا سقط احترامه حيّاً سَقَطَ ميتاً, اللهم إلاّ أنْ يلزم من ذلك إيذاء الأحياء من المسلمين, وحينئذٍ فيجوز سبُّه سراً بحيث لا يبلغ الأحياء فيؤذيهم.

وفي هذا الحديث دلالةٌ على أنّ الطاعة إذا أدَّتْ إلى معصيةٍ راجحةٍ عليها وَجَبَ تركُها كما في قوله تعالى: [ وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ](1),فقد قيل: إنّ المسلمين كانوا يسبّون آلهةَ الكّفار, فنُهُوا؛ لئّلا يكون سبّهم سبباً لسبّ الله تعالى, فإنّ ما يؤدي إلى الشرِّ شرٌ.

وكذلك نقولُ في لَعْنِ الميّت: فإنه لا يجوز إذا استلزم معصيةً راجحة.

وثانياً: إنّ السَّبَّ هو الشَّتْمَ لا دخل له باللعن, فإنّ سَبَّ الشّخص, هُو ذكرُهُ بما فيه من القبائح والنقائص والعيوب, وأينَ هذا من اللعن, الذي هو دعاء على الشخص بالإبعاد عن الرحمة؟

نعم قد يقال: إنّ اللعن قد يستلزم إثبات القبائح للملعون فيكون سبّاً في المعنى ولا يكون عداوةً فتأمل.

فصار الحاصل: أناّ أولاً: لا نُسلَّم أنَّ السَّبَّ بمعنى اللعن، وثانياً: لو سلَّمنا ذلك فنقول: إنّ النَّهَي ليسَ عن سبَّ الأمواتِ مُطلقاً؛ بل إذا استلزم معصيةً, كإيذاء المسلمين.

 

 

أدلة جواز اللعن

 

وأما أدلة الجواز ففيها مقامان:

المقام الأول: في جواز لعن المستحق ومشروعيته واستحبابه ومندوبيته

وقد ذهب جماعةٌ كالغّزالي وأبي المعالي الجويني ومن تبعهما إلى مرجوحيته وكراهته, بل المنع منه قائلين: بأنّه ما الذي أوَجَبَ علينا أنْ نَلْعَنَ أحداً من المسلمين؟ وأيُّ ثوابٍ في اللّعنة؟ واللهُ تعالى لا يقول يوم القيامة للمكلف: لِمَ تلعن! بل قد يقول له: لِمَ لعنتَ, ولو جَعَلَ عِوَض اللعنةِ استغفاراً لكان خيراً له, وقد نَهَى رَسُولُ الله  صلى الله عليه وآله وسلم  عَمَّا شَجَرَ بين صحابته فقال ((دعوا لي أصحابي))([74]), وقال: ((أصحابي كالنجوم)) ,وكيفَ يجوز للعامة أنْ تُدْخِلَ أنفسها في أمور الخاصة.

وعن الحسن البصري أنّه ذُكِرَ عندَهْ واقعةُ الجمل وصفّين فقال: ((تلك دماء طهّر اللهُ منها أسيافنا, فلا نُلطّخ بها ألسنتنا, وقد كان معاوية صِهْراً لرسول اللهُ فمِنَ الأدب أنْ تحُفَظَ أمُّ حَبيب أمُّ المؤمنين في أخيها, وأنْ يحُفَظَ رسول الله في صِهرِه))([75]) .

إلى أمثال هذه الكلمات والتلفيقات والخرافات التي تُروَّجُ عند الطغام وتُقبل عند الغوغاء والعوام, الذين هم كالأنعام.

ولكنا نقول:

أولاً: إنّ معاداة أعداء الله والبراءة منهم كموالاة أوليائه واجبةٌ عقلاً ونقلاً كتاباً وسنة, وأمّا اللعنُ لمن يستحق فقد أمَرَ اللهُ بهِ وأوجبه, قال تعالى[إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا](1), وقال تعالى [فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22 )أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ](2). إلى غير ذلك من الآيات القرآنية.

فأيُّ مُسلمٍ لا يوالي مَن والى الله, ولا يعادي مَن عادى الله, ولا يلعن من لعنه الله, ولا يتبرأ ممن تبرأ منه الله؟ أفيلعن اللهُ إنساناً ولا يكون لنا أن نلعنه, ويَسُبُّ شخصاً وليس لنا أنْ نَسُبَّه؟ ويُهينُه وليس لنا أنْ نُهينَهُ؟ إنّ هذا ما لا يجوز في العقل, كما أنه إذا أحبَّ إنساناً كانَ علينا أنْ نُحبّه, وإذا أكرمه كان علينا أنْ نكرمه.

وقولهم: ((أيُّ ثوابٍ في اللعًنِ))؟ قولُ جاهلٍ لا يدري ما يقول, فإنَّ اللعن طاعة وعبادة, وربّما دخل في الدّعاء إذا فُعِلَ على وجهه, وهو لعن مستحقّهِ للهِ وفي الله, لا في العصبية والهوى, وقد نطق به القرآن في موارد كثيرة, وجاء به الشرع في اللَّعانِ وغيره.

وقولُهم: (إنّ الله لا يقول للمكلّف لِمَ تلعن) قولٌ خالٍ من التحصيل, فإنّ الله تعالى. كما يسألُ عن التّولي كذلك يسأل عن التبّري من أعدائه:

تَوَدُّ عَدّوي ثُمَّ تَزْعَمُ أنَّنَي
 

 

صديقُكَ إنَّ الرأيَ عَنْكَ لعَازِبُ([76])
 

 

وقال آخر:

إذا لَمْ تَبْرَ مِنْ أعْدا عليًّ
 

 

فما لَكَ في محَّبتِهِ ثَوابُ([77])
 

 

والحاصل: إنَّ مَوَدَّةَ عدوَّ اللهِ خُروجٌ عن ولاية ولّيه, فلا يجتمعان, وإذا بطلت مودة العدو لم تبق إلاّ البراءة منه؛ إذ لا يجوز أنْ يبقى الإنسان في حالة متوسطة مع أعداء الله, لا ولاية ولا براءة, تنتفي هذه الواسطة بإجماع من المسلمين, بل الأخبار الواردة في جوامع الشيعة عن أهل البيت أنّ جميع الأعمال والعبادات إذا كانت بدون ولاية وليّ الله فهي باطلة لا تُقبل, وقد نطق الكتاب المجيد ببراءة الله ورسوله من المشركين.

وأمّا قولهم: (لو جَعَِلَ المكلَّفُ عِوَضَ لَعنِهِ استغفاراً لكانَ خيراً له) فهو خطأ على إطلاقه؛ لأنّ الاستغفار بدون لعن أعداء الله والبراءة منهم أو اعتقاد وجوب ذلك لا ينفع ولا يقبل؛ لأنّ الإمساك عَمَّنْ أوَجَبَ اللهُ لعنَهُ والبراءة منه معصية, والمصِرُّ على المعصية لا ينفعه الاستغفار بل لا معنى له مع الإصرار.

وأمّا من يعيش عمره ولا يلعن إبليس فإن, كان لا يعتقد وجوبَ لعنه فهو كافر, وإن كان يعتقده ولا يفعله فهو مخطئ آثم.

على أنّ الفرق بين إبليس وبين ((يزيد)) وأمثاله من رؤوس الضَّلال في هذه الأمة واضح, فإنَّ تَرْكَ لعنهم والأمرَ بالإمساك عنه يُورِثُ الشُّبْهَةَ في الدَّين بخلافِ الإمساك عن لعن إبليس, ويجَِبُ تجنُّبُ ما يورث الشبهة في الدين.

ثمّ إنّه يقال: إنه لو كان حفظ رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  واجباً فيمن يَمَتُّ إليه بسَبَبٍ أو نسب ولو كان عاصياً للهِ مُخالِفاً لرسول الله لمَاَ لَعَنَتْ الصَّحابة بعضها بعضاً حَسُبَما أدَّى إليه اجتهادُهم في ذلك, فقد كان كثيرٌ من الصَّحابة يَلْعَنُ عثُمَانَ وهو من الخلفاء الراشدين, ومِنْ أولئكَ عائشة, فإنّها كانَتْ تقول: ((اقتلوا نَعْثَلاً لَعَنَ اللهُ نعثلاً))([78]) ومنهم عبد الله بن مسعود([79]), وقد لَعًن معاويةُ علياً وحسناً وحسيناً وهم أحياء على منابره في الشَّام([80]), ويَقْنُتْ عليهم في الصّلوات, وقد لَعَنَ أبو بكر وعمر سعد بن عبادة([81]), ولعن عمر خالد بن الوليد لما قتل مالك بن نويرة([82]).

وما زال اللعن فاشياً بين المسلمين إذا علموا من الإنسان معصيةً توجب اللعن والبراءة, وفعْلُ المسلمين حجة على جواز لعن المعّين, إذا كان من نوع يستحق اللعن.

ولو كان يجب أنْ يحفظ شخص لأجل شخص, كأنْ يحُفَظُ معاويةُ في يزيد, وأمُّ حبيب في معاوية, فلا يلعن لَوَجَب أنْ تُحْفَظََ الصَّحَاَبَةُ في أولادهم فلا يُلْعَنوا لأجل آبائهم, وأنْ لا يَلْعَنَ الصَّحابةُ بعَضَهُم بعضاً, وليس الأمر كذلك, فإنّ رسولَ الله  صلى الله عليه وآله وسلم  إنمّا أوجب محبَّةَ صحابته وموالاتهم ما داموا مُطيعين لله, فإذا عَصَوا الله فليس لهم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  منزلة ولو كانوا من عترته.

والحاصل أن الخطأ وارتكاب المحرمات جائز على الصحابة كما يجوز على غيرهم من الناس, وقد كانت تَصْدُرُ منهم المعاصي, وتُقام عليهم الحدود, كما تقام على غيرهم, وكان بعضُهم يطعنُ في بعض, ويَرُدُّ روايَتَهَ وشهادته, ويُنكِرُ رأيَهُ ويخَّطئه في اجتهاده.

وكان من جملة الصحابة الحكم بن العاص عَدُّو رسول الله([83]), والوليد بن عقبة الفاسق بنصّ الكتاب([84]), وحبيب بن مسلم([85]), وبُسْر بن أرطأة([86]), وغيرهم, فهؤلاء ليسوا من أصحابه الذين هم كالنجوم؛ لأنَّ مَنْ عَصَى الله فهو ليس من أصحابه  صلى الله عليه وآله وسلم  لأنَّ صاحبه مَنْ أطاع الله وسلمت عاقبته.

وهذا الذي ذكرناه ملخص مما ذكره أبي الحديد في شرح النهج ص454 من المجلد الرابع([87]), فإذا أردتَ التفصيل فراجعه, تجد فيه ما يشفي الغليل, ويغني عن تكلف الدليل.

 

 

 

المقام الثاني: في أدَّلة جواز لعن يزيد بخصوصه

وأمّا لعنه في الأنواع فلا شُبْهَةَ في جوازه ولا خلاف, بَعْدَ فَرْضِ اندراجه في كلَّ نوعِ منها؛ إذ قَلّ ما تجد نوعاً من الأنواع المستحقة للّعن حتى المشركين إلاّ وهو إنْ لَمْ يَكُنْ مِن أظهر تلك الأفراد فهو منها.

وقد عرفت فيما تقدم جواز لعن المعيَّن بخصوصه, وإنَّ عَمَلَ المسلمينَ في زمن الصَّحَابَةِ إلى يومِكَ هذا, كما قد عرفت جَوازَ لعْنِ الميّت إذا كان فَرداً لأحدِ الأنواع المستحقّة لذلك؛ لتناول العام لجميع أفراده من الأحياء والأموات, وإنّه إذا جازَ لعنُهُ حياً جازَ لعنه ميتاً, كما مرّ بيان ذلك, وبيانُ أنّ لعن المستحق والبراءة منه واجب نطقاً واعتقاداً, وهذا المقام معقود لبيان ما يدلُّ على مشروعّيةِ لَعْنِ يزيد بذاته تصريحاً لا ضمناً ولا تلويحاً والدليل على ذلك أمور:

الأول: قوله تعالى: [وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا]([88]).

وعن ابن عباس: لا تُقْبَلْ توبةُ قاتِلِ المؤمن عَمْداً, وخَصَّصَ ذلك عكرمة وجماعَةٌ بالمستحِلّ لذلك([89]), وخصَّصَهُ الجمهور بمن لم يتب.

وعلى أيّ حالٍ فقد ثَبَتَ وتَجَلَّى كالشَّمْسِ في رابعة النهار أنّ يزيداً قد قتل من المؤمنين والصحابة والتابعين الأبرار الأخيار خلقاً كثيراً, فيهم سادات المؤمنين وعلمائهم وأشرافهم, وذلك في واقعَةِ كربلاء وواقعةِ الحُرَّة وواقعة مكة,

أمّا واقعة كربلاء فناهيك بمن قتله فيها إيماناً وإسلاماً وتقوى وشرفاً وفضيلة وقداسة وعبادة وزهادة, ولو لم يكن صدر منه إلاّ قتلُ سيّد الشهداء،  وسيّد شَبَابِ أهل الجنة, وريحانة رسول الله, وسبطُهُ لَكَفَاهُ ذلك مُوجباً للعن والعذاب والخلود في النار وغضب المليك الجبار.

فقد قتله مُستَحِّلاً لقتله غيرُ نادمٍ على فعله, ولَمْ تَظْهر عليه إلى أنْ هلك إمارة إقلاع ولا ندم ولا رهبة ولا توبة ولا خوف من الله ولا خشية, ولو كان لذلك رسم أو أثر لتمَسَّكَ به اليزيديون لتَشَبَّثَ به المانعون, وما احتاجوا إلى ارتكاب إنكارِ ما تواتر به خبر وروته أهل التواريخ والسير من قتله سيد الشهداء, وإمام أهلِ النَّجدة والإباء, وخامس أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الأرجاس وطهرهم من الأدناس.

فإن إنكارَ ذلك ودعوى وقوعه بدون أمرِهِ ورضاه بدَيهيُّ البُطلان, ولا يخفى على ذي وجدان, فراجع كتب الأخبار والتواريخ, واقرأ ما كتبه ابن عباس إلى يزيد جواباً عن كتابه إليه على ما رواى ذلك صاحب الكامل وغيره.

ففي كتابِ ابن عبَّاس يقول: (وسألتَ أن أُحَبَّبَ الناسَ إليكَ, وأُبغَِّضَهُم لابن الزبير فلا ولا سروَر ولا كرامة, كيف؟! وقد قتلتَ حُسيناً وفتيانَ عبد المطلب, مصابيح الهدى, ونجوم الأعلام, غادَرَتُهُمْ خُيولُكَ بأمرك في صعيدٍ واحد, مُرَمَّلينَ بالدَّماء, مَسلوبين بالعراء مقتولين بالظماء)([90]).

إلى أن يقول: (فما أنس من الأشياء فلستُ بناسٍ إطرادَكَ حُسيناً من حَرَمِ رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  إلى حَرَمِ الله, وتسييرَكَ الخُيولَ إليه, فما زِلْتَ بذلكَ حتَّى أشخَصْتَهُ إلى العراقِ, فخرج خائفاً يترقب, فنزلت بهِ خيلُك عداوةً منك لله ولرسوله, ولأهل بيته, الذين أذهبَ الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا فطَلَبَ إليكم الموادعة وسألكم الرجعة فاغتنمتم قلة أنصاره واستئصال أهل بيته وتعاونتم عليه كأنكم قتلتم أهل بيت من الترك والكفر فلا شيء أعجب عندي من طلبتك ودي وقد قتلت ولد أبي وسيفك يقطر من دمي)([91]) إلى آخر الكتاب.

فعليك بتأمل فقراته وكلماته وتعرف منه ما صدر من يزيد وأن الحسين  عليه السلام  لم يخرج عليه طلبا للإمارة وإنما توجه من مكة إلى العراق خوفا على نفسه النفيسة, وحفظاً لها من الهلكة, وتحرزا من انتهاك حرمة الحرم الإلهي.

وأما وقعتُ الحَّرة فهي من الوقائع المشهورة التي هتك فيها حرم رسول الله وحرمته, وسفكت فيها دماء خيار المؤمنين, وهتكت أعراضهم وانتهبت أموالهم.

نعم اعتذر عن ذلك ابن تيمية في كتابه منهاج السنة: (( بأنّ عامله مسرف بن عقبة لعنة الله عليه لم يقتل جميع الأشراف, ولا بلغ عدد القتلى عشرة آلاف, ولا وصلت الدماء إلى قبر النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  ,ولا إلى الروضة, ولا كان القتل في المسجد وإنه إنما أرسل إليهم مسلم بن عقبة لعنه الله وأمره إذا ظهر عليهم أن يبيح المدينة ثلاثة أيام لأنهم امتنعوا عن إطاعته وخلعوه إلى آخره([92]). وأما واقعة حرق الكعبة وحصار مكة وضرب الكعبة الشريفة بالمنجنيق ورميها بالنار والحجارة فهو أيضا مشهور لا يمكن إنكاره, وقد اعتذر عن ذلك أيضا ابن تيمية(بأن نائب يزيد إنما قصد حصار ابن الزبير، والضرب بالمنجنيق كان له لا للكعبة, ويزيد لم يهدم الكعبة, ولم يقصد إحراقها لا هو ولا نوابه باتفاق المسلمين)([93]) انتهى.

فتأمل هذا العذر البارد السخيف, فإنَّ رمي ابن الزبير وإحراقه إذا كان يستلزم رمي الكعبة وإحراقها كان من الواجب تركُهُ والإعراض عنه, فإنّ إهانة الكعبة الشريفة محُرَّمَةَُ بالإجماع سواء قُصِدَتْ أولاً وبالذّات أو ثانياً وبالعرض, بل لَعَلَّ ذلكَ من موجباتِ الكُفر والارتداد, كإهانة المصحف الشريف وإحراقه, ولا فرق في ذلك بين الفاعل والآمر بل السَّبَبُ هنا أقوى من المباشر؛ لأنه الفاعل حقيقةً, والمباشرون بمنزلة الآلات.

وقد أصَرَّ ابنُ تيميّة على (أنّ الكعبة لم يتمكن أحدٌ من إهانتها لا قبل الإسلام ولا بعده)(1) وغَرَضُهُ من هذه الدعوى هو الذَّبُّ عَمَّا يُنسَبُ إلى يزيد من هدمها وإحراقها بقصد إهانتها, ثم ذكر أنّ النار كانت قد أصابت بعض ستائرها, وأورد ما في صحيح مسلم عن عطاء بن أبي رباح قال: (لما أُحترق البيتُ زَمَنَ يزيد بن معاوية حين غزاُه أهلُ الشام فكان من أمره ما كان تركه ابن الزبير حتَّى قدمَ النَّاسُ الموسمَ يُريدُ أنْ يُجَرّئهَم على أهل الشام)(2)إلى آخر الحديث.

وقد أطال في المقام بما هو خارج عن المرام والحديث, وكتب السير والتواريخ حُجّةٌ عليه, فإنّها صَرَّحَتْ بأنَّ جُندَ يزيد وجيوشه قد أحرقت الكعبة وهدمتها, ولم تكتَفِ بغيرِ هذه الوسيلةِ من وسائل الفتح والتغلّب, مع عدم انحصار فتح البلد برمي المنجنيق خصوصاً الكعبة, وبهدمها وإحراقها, فإنَّ هناك للفتح وسائل أُخر يمكن التوصل بها إليه, مع المحافظة على حرمة البيت وإحرامه.

وقد روى البخاري في صحيحه بحذف الإسناد أنه  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: (إن مكة حَرَّمَها اللهُ ولم يُحِّرمها الناس فلا يحلُّ لامرئ يؤمنُ بالله واليوم الآخر أنْ يسفك بها دماً ولا يَعْضُدَ بها شجراً)(3) إلى آخرِ الحديث.

وروي عنه  صلى الله عليه وآله وسلم  أيضا: (إن الله حَرَّمَ مكَّةَ فلم تحَِلَّ لأحدٍ قبلي ولا تحلّ لأحدٍ بعدي وإنمّا أحلت لي ساعةً من نهار لا يختلى خلاها ولا يعضد شجرها ولا ينفّرُ صيدها)([94]) إلى آخر الحديث.

وروى البخاريُّ عنه أيضاً  صلى الله عليه وآله وسلم  : (إنَّ هذا بلدُ حَرَّمَهُ اللهُ يوم خلق السموات والأرض وهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة, وإنّه لم يحلّ القتالُ فيه لأحدٍ قبلي ولم يحلّ لي إلاّ ساعةً من نهار, فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة)([95]) إلى آخر الحديث.

الثَّاني: قولُهُ تعالى: [فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22 )أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ]([96]) ولا شَكَّ في أنّ يزيد من المفسدين في الأرض, وممّن قطّعوا أرحامهم, فإنَّ بني هاشم ٍوبني أمية يَجْمَعُهما جدٌّ واحد وهو عبد مناف وولداه هاشم وعبد شمس.

رُوي عن أحمد بن حنبل أنّه لعن يزيد وقال: ((ألا ألْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ الله)) واستدل بالآية المذكورة([97]), قال ابن تيمية: ((ولكنها رواية منقطعة ليست ثابتة عنه انتهى.

وهذه الرواية رواها عنه جماعة عن ولده صالح عن أبيه أحمد, وإنكارُ ابن تيمية لها غيرُ مُجدٍ له؛ لأنَّ يزيد من المفسدين القاطعين للرحم, فهو من أظهر مصاديق الآية الشريفة, سواء ثبت استدلالُ ابن حنبل بها أولا.

وأي قطيعة رحم كقطيعته؟ إن هل فُعِلَ بأمرِهِ وما بلغه من الفعل ولم يُنكره ولم يعاقب عليه أمرَُ عظيم مخالف للإنسانية والغيرة والحمية العربية.

وكيف يرضى إنسان ذو شعور وإدراك فضلاً عن أن يكون مَلكاً عربياً ذا فُتوَّةٍ وشهامة وإباء وزعامة أنْ يُفعل بنساءٍ مُخَدَّراتِ مَصوناتٍ تَنتسِبُ إليه وتُعَدَّ من قبيلته ومن بني عمومته, وبأطفال لم تبلغ الحلم؟ كما رَضي بذلك يزيد, ولم يغضب لما فعله الأوباش والسفلة بتلك الحرائر, من الهتك والضرب والترويع.

بل لو كان له أدنى شرف أو أدنى مروءة فضلاً عن أنْ يكون له ذرّة من الإيمان أو الإسلام, وكانت تلك النساء الشريفات والبيوتات الرفيعات لم تجتمع معه بنسب, وكانت من الروم أو الترك لمَا جاز في شرع المعروف والإنسانية أنْ يرضى بما فعله معهم مَن هو أقلّ وأحقرُ من أن يكون من خُدّامهم أو مِن عبيدهم, فإنّا لله وإنا إليه راجعون.

الثالث: ما رَوَاهُ في صحيح البُخاري قال: حَدَّثنا أبو النُّعمْانِ حدثنا ثابت بن زيد حدثنا عاصم أبو عبد الرحمن الأحول عن أنس عن النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: (المدينة حَرَمٌ من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث, مَن أحدث فيها حدثاً أو آوى مُحدِثاً فعليه لَعْنَةُ اللهِ والملائكةِ والنّاسِ أجمعين)(1) إلى آخر الحديث.

ومن المعلوم مِا أحْدَثَه يزيدُ فيها, وأيُّ حَدَثِ أعظَمُ من سفك دماء الأبرياء, وهتك أعراض الأولياء, وسلب أموالهم, وإخافة أهل الإيمان وإزعاجهم وإيذائهم, فقد وقع كل ذلك في وقعة الحرة, بأشدّ ما يكون وأعظم ما يتصور.

وقد روى البخاري أنّ أبا هريرة كانَ يقول: (لو رأيت الظباء بالمدينة ترتع ما ذعرتها قال رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  :ما بين لا بتيها حرام)(2), فكيف بمن ذَعَرَ الأولياء والأبرياء والمعصومين أشدَّ الذُّعْرَ وسَفَكَ دمائَهمُ, وفَعَل بهم ما فعل؟ اللهم العنه لعناً وبيلا, وعَذّبهُ عذاباً أليماً, ويَرحم اللهُ عبداً قال: آمينا.

الرابع: إنّه كافرٌ مُرتَدُّ ولا شبهة في جواز لعن الكافر بخصوصه بعد تحقق كفره.

وأما كفره فهو وإنْ شكَّ فيه جماعة ونَفَاهُ آخرون, إلا أنَّ الأدلة الدالة عليه كثيرة, والمُتَبَع هو الدليل لا ما يقال أو قيل, وسنورد منها ما فيه إقناع للمنصف وإذعان لغير المقتصد, ومن الشَّاكّينَ في كُفرِهِ وإنْ لم يُشكّك في لعنه شاعرُ عصره الفاروقي حيث قال من قصيدة غراء:

إلى يَزيد دُونَ إبليس إذا
نَقْطَعُ في تكفِيره إِنْ صَحَّ مَا
 

 

ما سُئلَ اللَّعْنُ انتمى وانتسبا([98])
قَدْ قَالَ للغُرابِ لمَاَّ نَعَبَا
 

 

ومراده ما نسب إليه وهو قوله:

لمَاَّ بَدَتْ تلكَ الظُّعونُ وأشْرَفَتْ
نَعَقَ الغُرابُ فَقُلْتُ نُحْ أو لا تَنُحْ
 

 

تلكَ الرُّؤوسُ على رُبى جَيْرونِ
فلَقَدْ قَضَيتُ من النَّبيّ دُيوني
 

 

ومثل هذا القول لا يصدر ممّن يؤمنُ بالله ورسوله وإنمّا يَصْدُرُ منِ جاهليًّ مُعادٍ لرسولِ الله يَطْلُبُ بثارات مَنْ قتله من مشايخِهِ الكَفَرة مِنْ بنَي أميَّة في بدرٍ وغيرها, ولعلّه أراد ما ينسب إليه أيضاً من قال:

يا غُرابَ البَينِ أسْمَعْتَ فَقُلْ
 

 

إنمَّا تَنْدُبُ أمْراً قَدْ فُعِلْ
 

 

إلى آخر الأبيات اللاتي نقلها, ولكن الأظهر أنْ يكون مراده بذلك هو البيتان هذا.

ومن العجب من عدم قطع الفاروقي في تكفير يزيد وإنْ لم يثبت كفرُ ما قالَهُ للغُراب مع أنّه يقول في القصيدة المذكورة:

لا بَكَتْ السَّماُء أجْدَاث الأُلى
ماذا يقولُنَّ غَدَاً لجَدَّهِ
تاللهِ ما يَفْعَلُ هذا غَيْر مَنْ
 

 

أبْكَوا على فَقْدِ الحُسَينِ زَينبا
غَدَاً إذا عَاتَبَهُم وأنَّبَا
أنْكَرَ حَشْرَهُ غَدَاً وكَذّبَا
 

 

لأنّ الكفر كما يثبتُ بإنكار النبوة يثبتُ بإنكار المعاد وإنكار الحشر والنشر,

ولا فرق في إنكار ذلك بالقول واللسان, وبين إنكارِهِ بالأفعال والأعمال, بل لَعَلَّهُ في الثاني أظهر وأقوى.

ومما يدل على كفره أنّه كان يفعل ما يفعل من الكبائر الفظيعة مستحلاً لذلك غيرُ مكترثٍ بحرمةٍ ولاُ متحرَّج من إثم.

يا سبحان الله يحكمون بكفر مانع الزكاة ورِدَّتِهِ ويحللّونَ قتاله واستباحة عرضه وماله ولا يحكمونَ بكُفر قاتل سبط رسول الله وريحانته, وسيد شباب أهل الجنة, وغازي الحرمين الشريفين, ومُستحلّ حُرمَتهما وإراقة دماء المسلمين والأبرياء فيهما, ولا يجُيزون لعنه, ولازم ذلك أنَّهم يتولَّونَهُ ولا يتبرَّونَ منه, ومما يَدُلُّ على كُفْرِهِ تمثُّله بشعر ابن الزَّبَعْرَى:

ليتَ أشْياخي ببدرٍ شَهِدوا
قدْ قَتَلْنَا القرمَ مِنِْ ساداتِهِم
 

 

جَزَعَ الخَزْرَج مِنْ وَقْعِ الأسَلْ
وعَدَلْنَا مَيْلَ بَدْر فاعتَدَلْ
 

 

والمناسب أنْ يكون تمثّله بذلك في واقعة الحرّة, إلاّ أنّه رُويَ بطريقٍ آخر أنّه لما أُدخل ثقل الحسين ونساؤه ومَنْ تخلَّفَ من أهل بيته على يزيد وهم مقرّنون بالحبال إلى أن قال: ثمْ دعا يزيد بقضيبِ خَيزُران فجعل ينكت به ثنايا الحسين, فأقَبلَ عليه أبو بَرزة الأسلمي, وقال: ويحك يا يزيد أتنكت ثغرَ الحسين, أشهدُ لقد رأيتُ النَّبيَّ يرشُفُ ثناياه وثنايا أخيه الحسن, ويقول: أنتما سيّدا شباب أهل الجنة, فقَتَلَ اللهُ قاتلكُما ولعَنَهُ وأعَدَّ له جَهَنَّمَ وساءَتْ مصيرا.

قال الراوي: فغضب يزيد وأمَرَ بإخراجه, فأُخرج سَحْباً قال: وجَعَلَ يزيدُ يتمثَّل بأبيات ابن الزبعرى:

ليتَ أشياخي ببدر شَهدوا
لو رَأوهُ لاستهلّوا فَرحَاً
قد قَتَلْنَا القَرْمَ من سَاَداتِهِمْ
لَعبتْ هاشِمُ بالمُلكِ فلا
لَسْتُ مِن خِنْدِفَ إنْ لم أنْتَقمِ
 

 

جَزَعَ الخزرجِ من وقع الأسَلْ([99])
ثمّ قالوا يا يزيد لا تُشَلْ
وعَدَلناُه ببدرٍ فاعتَدَلْ
خَبَرٌ جَاء ولا وَحيٌِ نَزَلْ
مِن بَني أحْمَدَ ما كانَ فَعَلْ
 

 

ويؤيد هذا ما روي من فقراتٍ تَضَمّنتها خُطبة السّيدةِ العقيلة زينب وهي قولها خطاباً ليزيد: (ثم تقولُ غير متأثّم ولا مستعظم:

لأ هلّوا واستهلوا فرَحَاً
 

 

ثم قالوا يا يزيدُ لا تُشَلْ ([100])
 

 

إلى آخره, وقولها: ((وتهتفُ بأشياخِكَ زَعَمْتَ أنَّك تنُاديهم فَلَتَردَنَّ وَشيكاً مَوْردَهُم ولَتَودَّنّ أنَّكَ شُلِلْتَ وبَكُمْتَ ولم تكن فَعَلْتَ ما فَعَلْتَ وقُلْتَ ما قُلتَ)([101]) إلى آخره. فقال يزيد:

يا صَيْحَةً تُحْمَدُ مِنْ صَوَائحْ
 

 

ما أهْوَنَ النَّوْحَ على النَّوائحْ([102])
 

 

وفيما سطرنا أدلة ظاهرة على كفره وارتداده وعناده وقساوة قلبه وعدم حيائه وعدم غيرته وتدينه كما لا يخفى.

الخامس: إنّه عدوٌّ للهِ ورسوله, ولا ريب أنَّ مَنْ كان عدواً لله ورسوله تجب عداوته والبراءة منه ويجب لعنه.

أما عدواته لله تعالى فقد أعلن بها وأظهرها, بما فعَلَهُ من غزو الكعبة وهدمها وإحراقها, وعدم احترام البيت الحرام والحرم, وقتل أولياءِ الله وعباده الصالحين, وارتكابه المعاصي والكبائر والمحّرمات بلا مبالاة ولا خشية, واستحلاله المحرمات المحرمة بالضرورة من الدين, وغير ذلك من الأفعال التي لا يقدم عليها إلا من حارب الله وعاداه.

وأما عداوته لرسوله فقد ظهرت بسفكه دماء ذريته, وقتل ريحانته وسبطه وحبيبه وفرخه, وغزوه مدينته المشَّرفة, وهتكه حرمتها وحريمها, واستباحته قتل الأولياء والمؤمنين المجاورين لمرقده الشريف اللائذين به.

وكونُ ذلك طَلباً للملك والرئاسة لا لعداوة النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  لو سلمناه معصيةٌ أيضاً و كبيرةٌ لا تُوجِبُ رضا النبيّ, بل توجب سخطه وغضبه لذلك([103]), ومن أغضبه فقد أغضب الله.

نعم نحن لا ننكر أنّ النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم  يرضى بكلَّ مَشْروعٍ من الحدود والتَّعزيزات إذا جَرَى على من يستحقه ويستوجبه شرعاً ولو كان من أولاده وأعزائه.

 

خاتمة في فضل العلويين من بني هاشم

 

قد كنّا عازمين على أنْ نذكر فضل العلويين من بني هاشم ومناقبهم وما منحهم الله تعالى من الشرف والفضائل, والكرم والعلم والشجاعة والإباء والوفاء والتقوى والزهد ومكارم الأخلاق, وما خصَّهُمُ اللهُ من النبوَّة والإمامة, وغير ذلك من المناقب, ولكّنا عدلنا عن ذلك لأمرين:

الأول: وضوحُ ذلك, وتجلّيه لمَن راجع كتبَ التّواريخ والسَّيَر والتراجم وكتب الأخلاق والأخبار, فهو غني عن البيان لا يحتاج إلى دليل وبرهان.

والثاني: إنّ من يذكره فإنمّا يذكره بقصد المفاخرة والمناظرة, ونحنُ نرى أنّا لو قلنا: إنّ هذه القبيلة أشرف من غيرها كنّا كَمَن قال: إنّ السيف خير من العصا, واللؤلؤ أبهى من الحصى, والبَحْرُ أكثُر من القطرة, والدّرَّةُ خير من الآجرّة, بل نقول كما قال الشاعر العربي:

مَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَويّاً حِيَن تَنْسِبُهُ
وقد قلنا:

ما وَطَأتْ نعِالُهُمْ مِنْ عَفَِرٍ
 

 

فمَا لَهُ مِنْ قَديمِ الفَخْرِ مُفْتَخَرُ
 

أشْرَفُ مِنْ صَخْر وآلِ صَخْرِ
 

 

مع أنّ هذه الرسالة لم تؤلّف لما يدخل في فن التاريخ والسير, وإنمّا ألّفت لبيان الحكم الشرعي الذي خاطب به عامَّة المكلّفين, فلذا كان الأجْدَرُ أنْ تُجْعَلَ هذهِ في بيانِ وُجوبُ موالاةِ أهْلِ البَيتِ وذُرّيَتَهُم الطاهرين, ووجوب مودتهم وحبّهم والبَرَاءة من أعدائهم وجاحديهم وغاصبي حقوقهم, وهذا أيضاً حكمٌ واضحَ من أحكام شريعة الإسلام غيُر خفيٍ على العلماء بالكِتاب والسُنَّة النبوية, اللهم إلاّ مَنْ على قلوبهم أكَّنةً وعلى أبصارهم غشاوة, قال الإمام الشافعي:

يا آلَ بيَت رَسولِ اللهِ حُبّكُمُ
يكْفِيكُمُ مِنْ عَظيمِ الفَخْرِ أنَّكُمُ
 

 

فَرْضٌ مِنِ اللهِ في القُرآنِ أنْزَلَهُ([104])
مَنْ لَمْ يُصَِلِّ عليكُمْ لا صَلاَة لَهُ
 

 

وقال الفرزدق من قصيدته المشهورة في مدح الإمام زين العابدين:

مِنْ مَعشَرٍ حُبُّهُم دينٌ وبْغضُهُمُ
 

 

كُفرٌ وقُرْبُهُم مَنْجَىً ومُعْتَصَمُ([105])
 

 

وقال الشّيخ شمس الدين ابن العربي:

رأيتُ وَلائي آلَ طَه فريضةً
فما طَلَبَ المَبْعُوثُ أجْراً على الهدى
 

 

على رُغْمِ أهْلِ البُعْدِ يُورثُني القُرْبَى([106])
بتبليغِهِ إلاّ الموَدَّةَ في القُرْبَى
 

 

وقد أشار في هذين البيتين وفي أول البيتين المنسوبين في الصواعق وغيرها إلى الشافعي إلى قوله تعالى في سورة الشورى: [ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى]([107]).

وقد بسط الكلام في هذه الآية الشريفة ابن حجر في صواعقه, ونكتفي بإيراد بعض ما أورده فيها قال: (أخرج البزار والطبراني عن الحسن من طرق بعضها حسان: أنّه خطب خطبة من جملتها: ((من عرفني فقد عرفني, ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد ثم تلا و[َاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ ]([108]) الآية, ثم قال: أنا ابن البشير أنا ابن النذير, ثم قال: وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وموالاتهم فقال فيما أنزل على محمد  صلى الله عليه وآله وسلم  : [ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ ِ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى](1),وفي رواية: الذين افترض اللهُ مودتهم على كل مسلم وأنزل فيهم (قل لا أسألكم) الآية, {وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا}, واقتراف الحسنات مودتنا أهل البيت)(2).

(وفي رواية صحيحة ما بَالُ أقوامٍ يَتَحدَّثون فإذا رأوا الرجل من أهل بيتي قطعوا حديثهم والله لا يدخل قلبَ رَجُلٍ الإيمانُ حتّى يحُبَّهم الله ولقرابتهم مني)([109]).

وروي عن رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  أنه قال: (من آذى علياً فقد آذاني أخرجه أحمد([110]), زاد ابن عبد البر ((من أحَبَّ علياً فقد أحبَّني ومَنْ أبغَضَ علياً فقد أبغضني ومَنْ آذى علياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله))([111]).

إلى أن قال في المقصد الثالث([112]): (وأخرج أحمد مرفوعاً: ((من أبغض أهل البيت فهو منافق))([113]), وأخرج هو والترمذي عن جابر: ((ما كُنّا نعرف المنافقين إلا ببغضهم علياً)([114]).

ثم إنه قال: (وعلم من الأحاديث السابقة وجوب محبة أهل البيت, وتحريمُ بغضهم التحريمَ الغليظ, وبلزوم محّبتهم, صَّرحَ البيهقي والبغوي وغيره أنها من فرائض الدين([115]), بل نصّ عليه الشافعي فيما حكي عنه من قوله)([116]):

يا آلَ بيتِ رَسولِ اللهِ حُبُّكُمُ
 

 

فَرْضً من اللهِ في القُرآن أنزله([117])
 

 

ومما ينسب للشافعي أيضا:

إنْ كانَ رَفْضَاً حُبُّ آلِ محُمَّدِ
 

 

فلَيشْهَدِ الثَّقَلانِ إنّي رافضي([118])
 

 

وقوله:

آلُ النَّبيَّ ذَريِعَتي
أرْجُو بهِمْ أُعْطَى غَدَاً
 

 

وهُمَ إليهِ وَسيلَتي([119])
بيَدِي اليَمينِ صَحِيفَتي
 

 

وأمّا قوله:

كفاكُمُ مِنْ عظَيمِ الفَخْر أنَّكُمُ
 

 

مَنْ لَمْ يُصلِّ عَلَيكْمُ لا صَلاَةَ لَهُ([120])
جج

 

فقد أشار به إلى ما صَحّ عنه  صلى الله عليه وآله وسلم  في أحاديث متعددة.

منها: أنه لمّا نزلت آية [إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا]([121]), قالوا: ((يا رسول الله قد علمنا كيف نسلَّمُ عليكَ فكيف نصلي عليك؟ فقال: قولوا: اللهم صلَّ على محمد وآل محمد))([122]), فدلّ على أنَّ الصلاة عليهم من جملة المأمور به, وإنه أقامهم في ذلك نفسه)([123]). وروى عنه أنَّه قال: (لا تصلّوا عليَّ الصَّلاةَ البتراء فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللهم صلِّ على محمد وتمسكون بل قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد)([124]).

وسئل  صلى الله عليه وآله وسلم  (كيف نُصَلّي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ فقال: إذا أنتم صليتم علي فقولوا: اللهم صل على محمد وآل محمد)([125]).

وعن النَّوَوَي نقل كراهية إفراد الصلاة والسلام عليه عن العلماء([126]).

والحاصل أنّه يظهر من جملة الأحاديث وجوب الصلاة على الآل كما هو قول الإمام الشافعي:

كفاكُمُ مِنْ عظَيم الفَخْر أنَّكُمُ
 

 

مَنْ لَمْ يصُلِّ عليكُم لا صَلاةَ لَهْ
 

 

نفيٌ لصحَّةِ الصَّلاةِ لا لكمالها؛ لأنَّ ذلك مُقتضى قوله.

وقد ظهر أنَّ هذه الآية وهي آية المودة صريحةُ الدّلالة على وجوب حبَّهم وموالاتهم.

والآية الثانية قوله تعالى: [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ]([127]).

أخرج الدليمي عن أبي سعيد الخدري: (أنّ النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: وقفوهم إنهم مسؤلون عن ولاية علي  عليه السلام ) , وكان هذا هو مراد الواحدي بقوله: ((روي في قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} أي: عن ولاية علي وأهل البيت؛ لأنَّ اللهَ أمرَ نبيَّهُ  صلى الله عليه وآله وسلم  أنْ يُعَّرف الخلق أنّه لا يسألهَم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودة في القربى, والمعنى أنَّهم يسألون هل وَالَوْهُم حَقَّ المولاة كما أوصاهم النبي  صلى الله عليه وآله وسلم , أو أضاعوها وأهملوها, فتكون عليهم المطالبة والتبعة)([128]).انتهى.

الآية الثالثة: قوله تعالى[وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى]([129]), قال ثابت البناني: (اهتدى إلى ولاية أهل بيته  صلى الله عليه وآله وسلم , وجاء ذلك عن أبي جعفر الباقر أيضاً)([130]).

الآيةُ الرّابعةُ قوله تعالى: [وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ]([131]).

أخرج الثعلبي في تفسير هذه الآية عن ابن عباس أنّه قال: (الأعراف موضعٌ عالٍ من الصراط عليه العّباس وحمزة وعلي بن أبي طالب وجعفر ذو الجناحين, يعرفون محبّيهم ببياضِ الوجوهِ, ومبغضيهم بسواد الوجوه)(1)انتهى.

ونكتفي من الكتاب الشريف بهذه الآيات, فإنّا لو أردنا استقصاء ما نزل في حق أهل البيت من آية المباهلة وآية التطهير وغيرهما لاحتجنا إلى كتاب ضخم لا يتسع الوقت لمثله.

وأما السنة الدالة على وجوب موالاتهم وحبهم فهي كثيرة منها ما رواه الترمذي والحاكم عن ابن عباس: (أنَّ النبيَّ  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: أحبوا الله لما يغذوكم به من نعمة وأحبوني لحب اللهِ وأحبّوا أهل بيتي لحبي)(2).

ومنها: أخرجه الترمذيُّ أيضاً, وابن ماجة وابن حبان والحاكم: (أنّ رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: أنا حَرْبٌ لمن حارَبَهم وسلم لمن سالمهم)(3).

ومنها ما أخرجه الترمذي وأحمد عن علي  عليه السلام  :(أنّ رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: من أحبنّي وأحبّ هذين وأباهما وأمَّهُما كان معي في درجتي يوم القيامة)(4).

إلى غير ذلك من الأحاديث التي ذكر منها في الصواعق أربعاً وأربعين حديثاً في فضل أهل البيت.

ثم ذكر بعد ذلك أحاديث وردت في بُغض أهل البيت  كقوله  صلى الله عليه وآله وسلم  فيما أخرجه الترمذي وغيره: (أنّ النبي  صلى الله عليه وآله وسلم  قال: هذان - يعني الحسن والحسين-ابناي وابنا ابنتي اللهم إنّي أُحُبُّهما فأحبَّهما وأحبَّ مَنْ يحُبُهُما)([132]).

وقوله  صلى الله عليه وآله وسلم  :(مَنْ أحَبَّ الحَسَنَ والحسين فَقَدْ أحبَّني ومَنْ أبْغَضَهُما فقد أبغضني)([133]).

هذا آخر ما خطّه قلمُه الشريف والحمد لله أولاً وآخراً.

 

المصادر

1.

2.

3.

4.

5.

6.

7.

8.

9.

10.

11.

12.

13.

14.

15.

16.

17.

18.

19.

20.

21.

22.

23.

24.

  • المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز – ابن عطية الاندلسي – تحقيق عبد السلام عبد الشافي محمد – دار الكتب العلمية – بيروت ط الاولى – 1413هـ - 1993م .
  • مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول – محمد باقر المجلسي – تحقيق هاشم الرسولي – دار الكتب الاسلامية طهران – 1404هـ.
  • الغيبة: أبي عبد الله محمد بن ابراهيم بن جعفر الكاتب المعروف بابن أبي زينب – منشورات أنوار الهدى – قم – تحقيق فارس حسون- الطبعة الاولى- 1422هـ.
  • مسند الامام أحمد وبهامشه منتخب كنز العمال- دار صادر- بيروت.
  • سنن ابن ماجة- محمد بن يزيد القزويني- تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي- أوفسيت دار الفكر للطباعة.
  • مجمع الزوائد- الهيثمي- دار الكتب العلمية بيروت- 1408هـ - 1988م.
  • صحيح ابن حبّان بترتيب ابن بلبان- علاء الدين ابن بلبان الفارسي تحقيق شعيب الارنؤوط- مؤسسة الرسالة – ط الثانية – 1414هـ - 1993م.
  • مسند أبي يعلى الموصلي – تحقيق حسين سليم أسد – دار المأمون للتراث – ط الثانية.
  • شرح نهج البلاغة – ابن أبي الحديد – تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم – دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي – ط الاولى – 1378هـ - 1959م.
  • صحيح مسلم – الجامع الصحيح – للإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاح – اوفسين دار الفكر – بيروت .
  • سنن الترمذي – الجامع الصحيح – تحقيق – عبد الوهاب عبد اللطيف – دار الفكر بيروت – ط الثانية – 1403هـ - 1983م.
  • المستدرك على الصحيحين – أبي عبد الله الحاكم النيسابوري وبذيله تلخيص الذهبي – طبع باشراف الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلي – دار المعرفة بيروت.
  • فتح الباري شرحُ صحيح البخاري – شهابُ الدّين ابنُ حجر العسقلاني – دار المعرفة بيروت.
  • الاقناع في حَلّ ألفاظ أبِي شجاع – شمس الدين محمد بن احمد الشربيني – دار المعرفة للطباعة بيروت.
  • مغني المحتاج الى معرفة معاني ألفاظ المنهاج – شرح الشيخ محمد الشربيني – دار احياء التراث العربي – أوفسيت – طبعة مصطفى البابي الحلبي.
  • البرهان في علوم القرآن – بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي – تحقيق أبو الفضل ابراهيم – دار إحياء الكتب العربية – عيسى البابي الحلبي – ط الاولى – 1957م .
  • عدة الداعي ونجاح الساعي – أحمد بن فهد الحلي – تصحيح أحمد الموحّدي القمي – مكتبة وجداني – قم.
  • الاتقان فيُ علوم القرآن – جلالُ الدّين السيوطي – تحقيق سعيد المندوب دار الفكر بيروت – ط الاولى – 1996م.
  • عُمْدَةُ القاري شرح صحيح البخاري – العيني – دار احياء التراث العربي – بيروت.
  • تاج العروس من جواهر القاموس – محب الدين أبي فيض السيد محمد مرتضى الزبيدي الحسيني دراسة وتحقيق – علي شيري – دار الفكر للطباعة بيروت – 1414هـ - 1994م .
  • لسان العرب – لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الافريقي المصري – نشر أدب الحوزة – قم ايران – 1405هـ.
  • شرح شافية ابن الحاجب – للشيخ رضي الدين محمد بن الحسن الاسترابادي– وشرح شواهده لعبد القادر البغدادي تحقيق – محمد محي الدين عبد الحميد ورفاقه – دار الكتب العلمية بيروت – 1395هـ - 1975م.
  • الغدير في الكتاب والسنة والأدب – للشيخ عبد الحسين أحمد الأمين النجفي – دار الكتاب العربي بيروت الطبعة الرابعة 1397هـ - 1977م.
  • الردّ على مسائل موسى جار الله – موسوعة السيد عبد الحسين شرف الدين – إعداد وتحقيق مركز العلوم والثقافة الاسلامية قسم إحياء التراث الإسلامي الجزءُ الرابع دار المؤرخ بيروت – ط الاولى – 2006م.
  • تبصرة المتعلمين في أحكام الدين – الإمام جمال الدين حسن يوسف بن المطهر المعروف بالعلامة الحلي – تحقيق الشيخ هادي اليوسفي والسيد أحمد الحسيني – انتشارات فقيه– طهران – ط الاولى – 1368هـ ش.
  • شرح القاضي العضد على مختصر ابن الحاجب – عضد الدين الايجي- بولاق- مصر- ط الاولى- 1316 هـ.
  • ارشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الاصول- محمد بن علي الشوكاني- تحقيق أحمد عزوّ عناية- دار الكتاب العربي- ط الاولى 1419هـ - 1999م – دمشق.
  • الكافي – ثقةُ الاسلام محمّد بن يعقوب الكليني- تصحيح علي أكبر الغّفاري- دارُ الكتب الاسلامية طهران- ط الخامسة- 1363هـ
  • الوافي- محمد محسن الفيض الكاشاني- منشورات مكتبة الامام امير المؤمنين العامة اصفهان- تحقيق ضياء الدين الحسيني- ط الاولى- 1406هـ.
  • السنن الكبرى- احمد بن الحسين البيهقي- دار الفكر بيروت.
  • كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال- علاء الدين المتقي الهندي- ضبطه وصححه- بكري حيّاني- صفوة السقّا- مؤسسة الرسالة بيروت- 1309هـ- 1989م.
  • الجامع الصغير في أحاديث البشر النذير – جلال الدين السيوطي- دار الفكر للطباعة- بيروت- ط الاولى- 1401هـ- 1981م.
  • تفصيل وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة – محمد بن الحسن الحر العاملي- تحقيق مؤسسة آل البيت لأحياء التراث – قم المقدسة- ط الثانية 1414هـ .
  • أحكام القرآن- أبي بكر أحمد بن عليّ الرازي الجصاص- ضبط نصّه- عبد السلام محمد علي شاهين- دارُ الكتب العلمّية- بيروت- ط الاولى- 1414هـ .
  • الجامع لأحكام القرآن- محمد بن أحمد الانصاري القرطبي- تحقيق أحمد عبد العليم البردوني- دار احياء التراث العربي- بيروت- لبنان.
  • حواشي الشيرواني والعبّادي- أوفسيت دار احياء التراث العربي- بيروت- لبنان.
  • سنن النسائي بشرح السيوطي- دار الفكر بيروت- ط الاولى- 1348هـ - 1930.
  • غرائب الاغتراب- الآلوسي- مطبعة الشابندر بغداد- 1317هـ.
  • العقد الفريد- لابن عبد ربه- تحقيق أحمد أمين ورفاقه- دار المعارف- 1948م.
  • ربيع الأبرار ونصوص الاخيار- الزمخشري- تحقيق عبد الامير مهنا- الأعلمي للمطبوعات- بيروت- ط الاولى- 1992م.
  • الطبقات الكبرى- محمد ابن سعد- دار صادر- بيروت.
  • تاريخ الطبري- محمد بن جرير الطبري- مراجعة نخبة من العلماء- مؤسسة الأعلمي- بيروت.
  • تجارب الأمم- أبو علي أحمد بن محمد مسكويه- تحقيق الدكتور أبو القاسم إمامي- دار سروش- طهران- 1379هـ.
  • تاريخ مختصر الدول- غريغوريوس الملطي (ابن العبري)- دار الميسرة بيروت.
  • تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والأعلام – شمس الدين الذهبي- تحقيق عمر عبد السلام تدمري- الناشر دار الكتاب العربي بيروت- ط الثانية- 1409هـ - 1998م.
  • الإمامة والسياسة- لابن قتيبة الدينوري- تحقيق طه محمد الزيني- مؤسسة الحلبي وشركائه- مصر.
  • المعارف- لأبن قتيبه الدينوري- تحقيق ثروت عكاشة- دار المعارف- مصر- ط الثانية.
  • كتاب الفتوح- أحمد بن أعثم الكوفي- تحقيق علي شيري- دار الانوار للطباعة- بيروت- ط الاولى- 1991م.
  • البداية والنهاية- ابن كثير الدمشقي- تحقيق علي شيري- دار إحياء التراث العربي- بيروت- ط الاولى- 1988م.
  • السيرة الحلبية- الحلبي- دار المعرفة- بيروت- 1400هـ.
  • النهاية في غريب الحديث والأثر- مجد الدّين ابن الأثير- تحقيق طاهر أحمد الزّاوي و محمود محمّد الطّناحي- أوفسيت اسماعيليان للطباعة- قم- ط الرابعة- 1364هـ ش.
  • الأغاني- أبو الفرج الأصفهاني- دار احياء التراث العربي.
  • الكشف والبيان عن تفسير القرآن- الثعلبي- تحقيق محمد بن عاشور تدقيق نظير الساعدي- دار إحياء التراث العربي بيروت- ط1-2002م .
  • أنساب الاشراف- أحمد بن يحيى البلاذري- تحقيق الدكتور محمد حميد الله- معهد المخطوطات لجامعة الدول العربية- دار المعارف بمصر- 1959م.
  • الاستيعاب في معرفة الاصحاب- لأبي عمر يوسف بن البّر- تحقيق- علي محمد البجاوي- دار الجيل بيروت ط الاولى 1412هـ- 1992م.
  • أسد الغابة في معرفة الصحابة- عزّ الدين ابن الأثير- أوفسيت اسماعيليان- طهران.
  • أنوار التنزيل واسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي- ناصر الدين عبد الله بن عمر الشيرازي- اعداد وتقديم محمد عبد الرحمن المرعشلي- دار احياء التراث العربي بيروت- ط الاولى- 1418هـ- 1998م.
  • تذكرة الخواص- لسبط ابن الجوزي- ط المكتبة الحيدرية - النجف- 1383هـ.
  • البحر المحيط- أبو حيان الاندلسي النحوي- تحقيق الشيخ عادل أحمد عبد الموجود ورفاقه- دار الكتب العلمية بيروت- ط الاولى- 1422هـ- 2001م.
  • مقاتل الطالبيين- لابي الفرج الاصفهاني- أشرف على طبعه كاظم المظفر- دار الكتاب- قم ايران- أوفسيت- المطبعة الحيدرية بالنجف- ط الثانية- 1965م.
  • بلاغات النساء- أبي الفضل ابن أبي طاهر الشهير بابن طيفور- مكتبة بصيرتي- قم المقدسة- أوفسيت على ط مصر- تحقيق أحمد الألفي- 1908م.
  • اللهوف في قتلى الطفوف- السيد ابن طاووس الحسيني- ط المكتبة الحيدرية في النجف.
  • فوات الوفيات- ابن شاكر الكتبي- تحقيق علي محمد بن يعوّض الله و عادل احمد عبد الموجود- دار الكتب العلمية- بيروت- ط الاولى- 2000م.
  • نظم درر السمطين في فضائل المصطفى والمرتضى والبتول والسبطين- محمد بن يوسف الزرندي الحنفي- الناشر مكتبة الامام امير المؤمنين العامة- ط الاولى- 1377هـ- 1958م.
  • فضائل الصحابة- الامام أحمد بن حنبل- تحقيق د. وصي الله محمد عباس- ط مؤسسة الرسالة بيروت.
  • المعجم الاوسط- للطبراني- قسم التحقيق بدار الحرمين طارق بن عوض الله وعبد الحسن ابراهيم الحسيني- دار الحرمين- 1415هـ- 1995م.
  • ذخائر العقبي في مناقب ذوي القربى- محب الدين احمد بن عبد الله الطبري- الناشر- مكتبة القدسي بالقاهرة- 1356هـ.
  • معالم التنزيل في تفسير القرآن (تفسير البغوي)- تحقيق خالد عبد الرحمن العك- دار المعرفة- بيروت.
  • تأريخ دمشق- علي بن الحسن المعروف بابن عساكر- تحقيق علي شيري- دار الفكر للطباعة- بيروت- 1415هـ- 1990م.
  • المصنف- أبن ابي شيبة الكوفي- تحقيق سعيد اللحام- دار الفكر بيروت- ط الاولى- 1409هـ- 1989م.

 


.[1] صحيح البخاري, محمد بن إسماعيل البخاري, ج4, ص221. و ج8, ص86. دار الفكر اوفيست ط العامرة بإسطنبول.

.[2] صحيح البخاري, محمد بن إسماعيل البخاري, ج4, ص221. ج8, ص87.

.[3] المصدر نفسه, ج4, ص221, ج8, ص87.

.[4] المصدر نفسه, ج4, ص225, ج8, ص92. كتاب الفتن باب إذا التقى المسلمان بسيفيها.

[5]. البيت من الطويل لمضاف بن عمرو الجرهمي في شرح الشافعية, ج4,ص321. ونسب البيت لابنه الحارث او الحفيده, عمرو في اللسان ج13,ص109 مادة ((حجن)).

[6]. البيتُ من الوافر لأبي الحسن الناشئ الصغير, كما في الغدير, ج4, ص26.

1. تفسير النيسابوري, الحسن بن محمد النيسابوري, ج3, ص206. تفسير سورة الأحزاب اية33.

2. المصدر نفسه, ج3, ص203.

1. الكشاف, الزمخشري, ج1, ص 434.

.[7] مجمع البيان, الطبرسي, ج1, ص15.

.[8] كشف الغطاء, الشيخ جعفر كاشف الغطاء, ج5, ص6.

.[9] المصدر نفسه, ج5, ص7.

.[10] ينظر: المصدر نفسه, ج5, ص7.

[11]. حادثة احراق المصاحف أيّام عثمان ذكرها البخاري بما نَصُّهُ ((حتّى إذا نسخوا الصُحُفَ في المصاحفِ رَدَّ عثمانُ  الصُحُفَ الى حفصة, فأرسل الى كُلّ أفقٍ بمصحفٍ مما نسخوا, وأمَرَ  بما سواهُ من القرآنِ في كلّ صحيفةٍ أو مصحفٍ أن يحُرَق)), البخاري, ج6, ص99. باب جمع القرآن.

1. سورة البقرة: 124.

2. سورة المائدة: 55.

3. الكشاف, الزمخشري, ج1, ص623.

4. المصدر نفسه, ج1, ص624.

1. الكشاف ,الزمخشري, ج1, ص309.

2. التفسير الكبير, الرازي, ج1, ص494.

3. المصدر نفسه, ج1, ص494.

4. المصدر نفسه, ج1, ص494.

.[12] بحار الأنوار, العلامة المجلسي, ج28, ص29. باب(1) افتراق الأمة بعد النبي.

.[13] القاموس المحيط, ج1, ص138. مادة (نصب)

.[14] سورة الشورى,23.

.[15] الكشاف ,الزمخشري, ج3, ص467.

[16]. راجع للاستزادة ما كتبه السيد عبد الحسين شرف الدين في ردّه على مسائل موسى جار الله, موسوعة الامام عبد الحسين شرف الدين, ج4, ص1633-1645. فقد أطال موضّحاً, وقد نقل نكتاً مما قال أئمة المذاهب بعضهم في بعض.

1. ينظر: كشف الغطاء, الشيخ جعفر كاشف الغطاء, ج6, ص3، ص4، ص5.

.[17] ينظر: المصدر نفسه, ج6, ص5, ص6.

.[18] ينظر: المصدر نفسه, ج6, ص8-13.

.[19] ينظر: المصدر نفسه, ص6, ص91.

[20]. تبصرة المتعلمين في أحكام الدين ص72 الباب الثالث في المستحق للزكاة.

1. الكشاف, الزمخشري, ج3, ص467.

[21]. شرح القاضي العضد على مختصر ابن الحاجب, ج2, ص316. مباحث الترجيح الصنف الرابع ((الترجيح بحسب الخارج)) والكتاب مطبوع ببولاق مصر ط الاولى سنة 1316هـ. وهذا الكلام نقله الشوكاني في ارشاد الفحول ص279.

.[22] سورة آل عمران: 28.

.[23] سورة المؤمنون: 96.

[24]. الكافي, ج2, ص218. كتابُ الايمان والكفر– باب التقية– الحديث 6.

.[25] سورة الرعد: 22.

[26]. الكافي, ج2,ص217. كتاب الايمان والكفر–باب التقية– حديث 1.

.[27] سورة النحل: 106.

[28]. الكافي, ج2, ص219. كتاب الايمان والكفر–باب التقية–حديث 10.

.[29] روح المعاني, الآلوسي البغدادي: ص22, ص28. في ذيل سورة الاحزاب اية: 39.

.[30] روح المعاني, ج3, ص122. في ذيل سورة ال عمران اية: 28. والحديث في كنز العمال, ج3, ص407. والجامع الصغير, ج1, ص259.

.[31] روح المعاني, ج3, ص122. والحديث في كنز العمال, ج3, ص407.

1. شرح السيد الشريف الجرجاني, ص60.

2. ينظر: وسائل الشيعة, الشيخ الحر العاملي, ج26, ص76. أبواب موجبات الارشاد باب (7) كيفية إلقاء العول ومن يدخل, الحديث 1. وعبارة زرارة: ((اذا أردتَ أن تلقي العول فإنمّا يدخلُ النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والإخوة من الأب, وأمّا الزوجُ والإخوة من الأمّ فإنّهم لا ينقصون مما سُمّي لهم شيئاً)).

1. سورة النساء: 24.

.[32] سبائك الذهب, السويدي, ص104.

.[33] تفسير النيسابوري, الحسن بن محمد النيسابوري, ج1, ص421. وأحكام القرآن للجصّاص ج2, ص185. وفي المحرّر الوجيز لابن عطية ج2, ص36. وتفسير الفخر الرازي, ج10, ص51.

.[34] جامع البيان عن تأويل أي القرآن للطبري ج5, ص18. ((... عن أبي نضرة, قال سألتُ ابن عباس عن متعة النساء, قال: أما تقرأ سورة النساء؟ قال: قلت: بلى, قال: فما تقرأ فيها: ((فما استمتعتم به منهنّ الى اجلٍ مُسمّى؟ قلتُ: لا...))

.[35] الوافي, ج3, ص574. نقلاً عن الكافي ج1, ص236. كتاب الحجة باب ما عند الأئمة من سلاحِ رسول الله صلى الله عليه واله ومتاعه الحديث 9. وقال العلامة المجلسي في مرأة العقول ج3, ص48. ((الحديث التاسع: ضعيف, وأخره مرسل)).

[36]. الحديث مستفيض عند أهل السنة فأنظره في مسند أحمد, ج4, ص107. من طريق واثلة ابن الاسقع, وفي ج6, ص292. عن أم سلمة, وكذلك ج6, ص304. عن أم سلمة رضي الله عنها, وسنن الترمذي ج5, ص31. واستغربه الترمذي, وفي ج5, ص328. واستغربه, وفي ج5, ص361. عن شهر بن حوشب عن أم سلمة وقال عنه الترمذي ((حسن صحيح)): وفي المستدرك ج2, ص416. ونقله بطريقين يمكن قال عن الاول: ((صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه)) وقال الثاني ((صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)). والحديث عند الشيعة متواتر فلا داعي لذكر مصادره.

[37]. الحديث في كتاب الغيبة لابن ابي زينب, ص131. وآمالي الشيخ الطوسي ص634. وتفسير العيّاشي, ج1, ص139. والفاظ الحديث مختلفة ومعناها واحد.

[38]. أن هذا المعنى يتجلّى بوضوحٍ في قولة تعالى {وَلاَ تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ} فالركون الى الظَلَمَةِ كافٍ في استحقاق النار, وهذا معنى الحديث الذي نسبه الى الباقر عليه السلام, ولكنّ جار الله وأمثاله على قلوبهم أكنة أن يفقهوه, فاطلاق الآية الشريفة واضح بلا مراء, فنفس الركون للظلم موجب لمس النار بلا نظر الى أعمالهم. ثم إنّ محو أعمال العاملين ثابت في القران قال تعالى [وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا}  فلماذا استبشعَ حديث الباقر‚ في تبديد أعمال من يتوالى الظالم.

[39]. اضطُررتْ لمراجعة الوافي الطبعة الحجرية مجلّد ج5, ص45. ولم أجد فيها ما يفيد غير الحديث عبد الله بن سنان عن الامام الصَّادق في باب معرفة الزوال إنّه قال: ((تزول الشمس في النصف من حزيران على نصف قدم, وفي النصف من تُموّز على قدم ونصف...)) وهذا في الوافي ط1 حديث ج7, ص251. الامام في مقام بيان مسألة زوال الشمس والأقرب لها شهور الروم لأنها مُرَتّبة على الشمس, أما شهور العرب فمرتبة على القمر, وهو أبعد ما يكون عن مسألة زوال الشمس... فتوضيحُ الامام المسألة الزوال بالشهور الرومية هو المطابق لمقتضى الحال, ونفس هذا التوضيح لا يدلُّ على اتخاذ الامام شهور الروم, فانّ كتب الحديث الشيعية مشحونة بمئات الروايات بثبوت الهلال في شهر رمضان أو هلال العيد أو هلال ذي الحجة... ثمّ انه لا مانع من استعمال شهور الروم في التأريخ وحياة المسلمين ودولهم ومكاتباتهم ودواوين جيوشهم طوالَ القرن العشرين, مبنية على تاريخ الروم حتى أنّ المؤلفّ كتب التاريخ آخر كتابه بالرومي والهجري معاً, ولكن حياة المسلمين وعباداتهم وصومهم وحجهم وأعيادهم كلها مبنيّةٌ على الشهور القمرية. فليس هذا فالنسيءُ, فالتي كُان يقدِّمُ شُهورَ الحجِّ ويؤخّرُها, وهذا غيرُ حادث في أيامنا قطعاً, ولكنّ الرجل لا يَحْسُنُ التمييز بين المسألتين.

[40]. الرواية في عدّة الداعي ص272. ونقلها عنه في البحار, ج89, ص196. ثم ان في ((باب القراءة عن ظهر القلب)) من فتح الباري ج9, ص69. نقل بعض الروايات التي تفضّل القراءة في المصحف على القراءة عن ظهر القلب. نعم ضعّفها سنداً وقوّى روايات القراءة عن ظهر القلب, وما يهمنا هو أنّ الشيعة لم ينفردوا بالمسألة وهناك من وافقهم فقد قال الشربيني في الامتناع في حلّ ألفاظ أبي شجاع, ج1, ص96: (والقراءة نظراً في المصحف أفضل منها عن ظهر قلب...) واستثنى حالةً هي أن تكون القراءة عن ظهر القلب تزيد الخشوع فهي أفْضَلُ من قراءته في المصحف... وكرر هذا البحث في مغني المحتاج. ج1, ص38.

قال الزركشي في البرهان, ج1, ص461: ((هل القراءَةُ في المصحف أفضل, أمْ على ظَهْرِ القلب, أمْ يختلف الحال؟ ثلاثة أقوال: أحدهما: إنها من المصحف أفضل؛ لأن النظر فيه عبادة... فتجمع القراءة والنظر...)) فالمسألة مختلف فيها عند الجميع من السنة والشيعة فلم الوقاحة وتجريح الناس بغير علم... ولكنها شنشنة أعرفها...

1. سورة الحجر:9.

[41]. هذا محض افتراء لا واقع له, فإنّ لدى كلِّ من الفريقين رواياتٍ يستظهرُ منها الفريق الأخر القول بالتحريف, وقد زيّف السيد مرتضى العسكري في كتاب كبير من ثلاث مجلدات ضخمة اسمه القرآن وروايات المدرستين, كحل تلك الروايات وفصلها واحدة عند الشيعة والسنة, وردّها جميعاً, فأنها بين روايات الفلاة, وروايات ضعيفة الاسناد, وروايات تحمل على معاني اخرى... فإن في كتب أهل السنة أكثر من الف رواية يظهر منها التحريف.. فاتقوا الله...

[42]. لا أريد الحديث طويلاً.. لكن إذا كان القرآن نزل بسبع قراءات فكيف يكون قديماً... وهم قالوا بأنه كلام الله وكفى, وكيف يتكلم تعالى بكلامٍ واحد سبع مرات كل مرّة تصاغ عباراته بطريقةٍ فالتغيير الطارئ على هذا الكلام ينافي كونه قديماً فوجب كون كلام الله تعالى واحداً حتى يصير قديماً-كما يدعونهم-ولو كان التغيير في ألفاظ القرآن من غير الله وقعت الطامة العظمى فإنه التحريف الذي يرمون به الشيعة.. فليس بعد القول بالتحريف الا التخريف...وبعبارة أخرى التغير الطارئ على ألفاظ القرآن يسبب تفرد القراءات إما من الله تعالى أو من غيره, على الأول يلزم كون كلام الله محدثاً لا قديماً وهو خلاف دعواهم, وعلى الثاني يلزم التحريف حتماً.

[43]. هذا دليل جهل الرجل فإن تقسيم القران الى آيات توقيفي عندهم واختلفوا في ما زاد على ستة الاف, بعض قال ستة الاف فقط وبعض زاد عليها 204, او 214, او 219, او 226, او 236 كما ذكر الزركشي ج1, ص249. ولم يبيّن لنا كيف يكون توقيفياً وكيف يختلف العدّ...وكذلك السيوطي نقل العدد في الاتقان ج1, ص182. أما الرواية في العرافي, ج9, ص1780-1781. فلا خير إذا كان العدد سبقه آلاف عند الشيعة فقد اختلف عندهم فليجعلونا معهم, بأنّ لنا عدداً خاصاً, ثم إن اختلاف العدد لا يعني زيادة آياتٍ وكلماتٍ وحروفٍ, بل اختلاف الوقف المبني على اختلاف المعنى المفهوم يؤدي إلى اختلاف الوقف المبني على اختلاف المعنى المفهوم يؤدي إلى اختلاف العدد. امّا رواية الكافي إن القائم يخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام فلا دخل لها بمسألتنا, فمصحف عليّ مكتوب حسب التسلسل الزمني لا أنه مصحف فيه زيادة على هذا الذي بين أيدينا.

[44]. الحديثُ في الكافي, ج1, ص249. (كتّاب الحجة-باب في شأن إنّا أنزلناه-الحديث5) ملخصه: إنّ النبي صلى الله عليه واله كان يقرأ سورة القدر وعليُ عنده وابو بكر وعمر, فيسألهما عن نزول الأمر بعد رحيله صلى الله عليه واله وسلم أيكون؟ فيقولان: نعم, فيسألهما على مَن؟ ينزل الأمر؟... ثم يأخذ برأس عليّ ويقول: هو هذا من بعدي... فليت شعري ماذا فهم المؤلف من نزول الأمر على عليّ بعد رحيل النبي صلى الله عليه واله وسلم الى الرفيق الاعلى حتى يحكم ببطلان القرآن ودين الإسلام هل فهم إنه نزول الوحي على عليّ بعد وفاة النبي صلى الله عليه واله؟! إنها سذاجة فهم فهذه كتب الشيعة تصدح بأنّ النبيّ عليه الصلاة والسلام خاتم الانبياء... والشيعة يقولون بإجماعهم بانقطاع الوحي بعد رحيل النبي...

ثمّ إنهم فسّروا نزول الامر في ليلة القدر بنزول الأحكام الالهية على العباد وتقسيم الارزاق, والإحياء والإماتة وكلّ قضاء الله المبرم على عباده, مع ثبات كل هذه الأمور في اللوح المحفوظ منذ الازل والى الأبد, فنزولها أي: إظهارها الى الملائكة الموكّلين بهذه الأمور.. ولا مانع من إطّلاع النبيّ عليها بل هو مطلع جزماً بنص قوله تعالى: {فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26)إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ}.

ونحن نعتقدُ بأنّ كلَّ ما ثبت لرسول الله ثابتٌ لعلي الا ما خرج بالدليل بنص الحديث المتواتر ((انت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)) فخرجت النبوة وثبت ما سواها. ثم إنّهم يثبتون تحديث الملائكة لعمر والاخرين.. وبماذا تحّدثه الملائكة؟ وهل تتحدث الملائكة لأحدٍ إلا بأمر الهي... ثمّ إنّ عمر اخبر ببعض المغيبات وانكشف له الواقع مراراً, بل ينزل الوحي طبقاً لرأي عمر!!! كما يروون هم. فلماذا لا يبطل القرآن والاسلام عند اطّلاع عمر ويبطلان عند اطلاع عليّ على الأمر...

بقي أنّ في الرواية فقرة تقول ((فيكتب لهما في التراب)) والمشهور إنّ النبي لا يقرأ ولا يكتب, وهذه مسألة فيها كلام ولامجال لتحقيقها هنا...

ثمّ إن في سند أحاديث الباب كلّه وهي ثمانية أحاديث رَجُلٌ ضعيفٌ جداً هو الحَسَنُ بن العباّس بن الحريش قال النجاشي ص60. رقم الترجمة138, ((الحسن بن العباس بن الحريش الرازي أبو علي... ضعيف جدّاً, له كتاب إنّا أنزلناه في ليلة القدر)) وهو كتاب رَديءُ الحديثِ, مضطرب الألفاظ)).

فالحديث ضعيف, ويمكن حمل بعض فقراته على معنىً صحيح.

[45]. هذا كلام خطابي لا قيمة له فإذا كان قرن الرسالة الأول خير القرون وجرت فيه معارك طاحنه كالجمل وصفيّن راح ضحيتها عشرات الالاف من المسلمين بينهم مبشرون بالجنة كعّمار بن ياسر, واذا كان خير القرون وقُتل فيه الخليفة عثمان وسط عاصمة الخلافة ولم يسرع أحد من الصحابة للموت دون أو لنصرته على أقل التقادير, مع طول حصار دار الخليفة,... وفي قرن الخلافة الأول يقتل الحسين ويُطاف برأسه الشريف من بلد لبلد... في خير القرون يباع الخمر في الشام بعلم الوالي معاوية... وفي خير القرون خرجت الخوارج تقطع طريق المسلمين تبقر بطون الحوامل... وفي خير القرون تنتهك الكعبة مرتين وتضرب المدينة وتباح لجيش الخليفة يزيد بن معاوية... ولو بقيت أُعدّد لَسوّدتُ مئات الصفحات, فكيف يكون شرُّ القرون؟!

1. سورة النساء:24.

[46]. عفير هو حمارٌ كان لرسول الله, وذيل الرواية إنَّ الحمار يحُدّثُ النبيَّ, والحديث مع ضعفه مرسل الآخر, كما قال العلاّمة المجلسي في مرآة العقول, ج3, ص48.

[47]. خبر في الكافي, ج8, ص260. بلا سند ولا نسبة لواحدٍ من أهل البيت, وقال عن العلامة المجلسي في مرآة العقول, ج26, ص245: ((الحديث الثاني والسبعون والثلاثمائة: ضعيف)). وهذا الخبر يخالف مباني الإمامية من طهارة جميع أجداد النبيّ صلى الله عليه واله, وهذا الخبر يمسّ جدّ رسول الله عبد المطّلب, فالخبرُ ساقط عن الاعتبار جزماً.

[48]. قال الزمخشري في الكشاف في تفسير قوله تعالى: إن عدة الشهور عند الله... ((وقد وافقت حجة الوداع ذا الحجة, وكانت حجة أبي بكر رضي الله عنه قبلها في ذي القعدة...)) الكشاف ج2, ص188. ونقلها عنه العيني في عمدة القاري, ج15, ص144. ولم يعلَّق عليها.

قال الشيرواني في حواشيه: ((قال الخادِم في حج أبي بكر في التاسعة كان في ذي القعدة لأجل النسيء, وكان بتقريرٍ من الشرع, ثم نسخه بحجة الوداع...)) حواشي الشيرواني, ج4, ص4.

قال البهيقي في السنن الكبرى, ج5, ص166: ((فكانوا يحجون في كل سنة في كل شهر عامين حتى وافقت حجّة أبي بكر رضي الله عنه الآخر من العامين في ذي القعدة قبل حجة النبي...)) وهذا كلام أحمد بن حنبل يحكى عن مجاهد كما في مجمع البيان ج5, ص29 والجامع لأحكام القران ج8, ص137 في ذيل الآية...

.[49] سورة الحجر: آية 9.

.[50] يبدوا ان المؤلف لم يسمع بأنّ عبد الله بن مسعود كان يحكُّ المعّوذتًين من القرآن.

2. سورة الواقعة: آية 75-79.

.[51] ينظر: إحياء علوم الدين, الغزالي,ج3, ص107.

.[52] إحياء علوم الدين, الغزالي, ج3, ص108.

.[53] ينظر المصدر نفسه, ج3, ص108.

.[54] ينظر المصدر نفسه, ج3, ص108.

.[55] المصدر نفسه, ج3, ص108.

1. منهاج السنة النبوية, ابن تيمية, ج2, ص251. الطبعة الأولى – المطبعة الاميرية ببولاق مصر 1321.

2. المصدر نفسه, ج2, ص251-252.

3. المصدر نفسه, ج2, ص252. والحديث الجاري, ج8, ص14. كتاب الحدود- باب لا يشرب الخمر, وأبن تيمية لم ينقل الحديث نصاً بل عَبَثَ ببعض ألفاظه.

.[56] المصدر نفسه, ج2, ص252.

[57]. روح المعاني, ج3, ص217. في تفسير قوله تعالى {أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}.

[58]. منهاج السُنّه, ج2, ص252.

[59]. البيتان من الكامل, مختلف في نسبتهما بين محمد بن الحسن الوراق وبين الامام الشافعي وبين الامام الباقر عليه السلام.

1. منهاج السنة النبوية, ابن تيمية, ج2, ص252.

2. المصدر نفسه, ج2, ص252.

.[60] المصدر نفسه, ج2, ص252.

.[61] سورة هود:18.

.[62] سورة النساء:10.

.[63] منهاج السنة النبوية, ابن تيمية, ج2, ص252.

.[64] المصدر نفسه, ج2, ص245.

.[65] صحيح البخاري, محمد بن إسماعيل البخاري, ج2, ص157. كتاب الجهاد والّسيَر-باب ما قيل في قتال الروم.

.[66] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري, القسطلاني, ج5, ص104.

[67]. هذا من حُسْن خُلُق الشيخ والا فهذا الحديث مرويٌ بهذا الطريق فقط في البخاري وقد انفرد البخاري بذكره دون بقية الستة, ولا ذكر لابن عمر في الحديث.

.[68] مجمع بحار الأنوار, الشيخ محمد طاهر, ج3, ص143. وسنن الترمذي, ج3, ص346. باب ما جاء في علامات خروج الرجال.

.[69] الكامل في التاريخ, ابن الأثير , ج3, ص227, ج3, ص458. من طبعة دار صادر 1966م.

2. منهاج السنة النبوية, ابن تيمية, ج2, ص252.

.[70] الكامل في التاريخ, ج4, ص112. طبعه دار صادر- في ذكر وقعة الحرَّة- حوادث سنة 63هـ.

[71]. البخاري, ج2, ص108. باب يُنهى من سبّ الأموات. وفي ج7, ص193. كتاب الرقاق باب سكرات الموت.

[72]. سنن النسائي, ج8, ص33. القصاص-القود من اللّطمة, المستدرك, ج3, ص329.

[73]. لم أعثر على هذا النص في كتاب غرائب الاغتراب للآلوسي, ولم ألمح معناه في تفسير الالوسي, والاشكال في أنّ هذا الكلام مخالفٌ لمبنى الالوسي في اللعن, فإنه لعن ((يزيد)) صراحة باسمه مراراً فانظر غرائب الاغتراب, ص109, ص112. وفي تفسير ج6, ص192. قال عنه ((الطريد لعنه الله)), وفي ج24, ص123. قال عنه ((عليه من الله ما يستحق)). وكذا انظره في ج26, ص20, وفي ج26, ص72 وما بعدها, وفي ج26, ص78. وربّما كان رأي الالوسي في اللعن إن كن أحدث في الإسلام أحدثاً عظاماً يجوز لعنه مطلقاً, وغيره ممن يستحقون اللعن يُدارى في لعنهم حذراً من إيذاء أقاربهم من المؤمنين.. ولكن لم أعرف مصدر نقل الشيخ لهذا الكلام عن الآلوسي.

1. سورة الأنعام:108.

[74]. سنن النسائي, ج6, ص271.

[75]. شرح نهج البلاغة, ج20, ص11. ويبدو أنهم جميعاً نقلوا نصّ ما في الايضاح للفضل بن شاذان ص507-508.

1. سورة الأحزاب:57.

2. سورة محمد:22, 23.

[76]. البيت من الطويل, للعتّابي, في العقد الفريد, ج1, ص189. وربيع الأبرار ج1, ص371.

[77]. البيت من الوافر, لأبي الحسن الناشئ الصغير, في الغدير ص26.

[78]. تاريخ الطبري, ج3, ص477. ط الاعلمي, ج3, ص12. ط دار الكتب العلمية, وتجارب الأمم ج1, ص469. ط دار سروش تحقيق د. ابو القاسم امامي, والكامل, ج3, ص206. وتاريخ مختصر الدول لابن العبري ص105. والامامة والسياسة ج1, ص51. تحقيق  طه الزيني , و ج1, ص72. تحقيق علي شيري, وكتاب الفتوح لابن أعثم ج2, ص421. وفي السيرة الحلبية ج3, ص356. والنهاية في غريب الحديث ج5, ص80. وقد كابَرَ الالوسي في تفسيره ج22, ص11. وكَذّبَ الخبر وكَذّب ابن قتيبة واتّهمه بالافتراء وابن اعثم والسمساطي, ونسيَ أنَّ الحادثة مشهورة حتى لا كتها ألسن الشعراء.

[79]. لاحظ الغدير أول الجزء التاسع فقد ذكر هناك ما جرى بين عبد الله بن مسعود وعثمان بتمام التفاصيل ومن أدق المصادر مع تحرّي الدقة في الضبط.

[80]. صحيح مسلم ج7, ص120. باب فضائل علي.

.[81] انظر واقعة السقيفة في تاريخ الطبري ج2, ص459. ولاحظ كيف يحرّض الصحابة بعضهم على بعض وكيف يهدّد بعضهم بمقاتلة البعض, ولا أدري هل سمعتم قول عمر للزبير في حادثة دار فاطمة ((عليكم الكلب)) كما في شرح نهج البلاغة, ج6, ص11.

[82]. قال عمر لخالد في هذه الحادثة: (( يا عدوَّ الله قتلتَ امرءاً مسلماً ثمّ نزوتَ على امرأته لأرجمنّك)) تاريخ الإسلام للذهبي, ج3, ص36. وأسد الغابة, ج4, ص296. وهو مقارب جدا لما في الطبري, ج2, ص504. في حوادث سنة 11هـ, والاغاني, ج15, ص203. فتنبّه لكلام الخليفة عمر ((يا عدوّ الله)) تقريعاً لخالد وسعياً به عند أبي بكر لرجمه بالزنا, ثم إنّ عمر أسَرَّها بنفسه حتّى صار خليفة, فأوّل فعله عُزَل خالد عن قيادة جند الشام وأمًّرَ عليهم أبا عُبيدة  أبن الجرّاح.

[83]. أنساب الاشراف دار المعارف تحقيق أحمد حميد الله, ج6, ص255, ج5, ص514, ج1, ص151.

[84]. يعني قوله تعالى في سورة السجدة 18 {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لاَ يَسْتَوُونَ}, وقد نزلت في علي عليه السلام وفي الوليد, فانظر الحادثة في تفسير الطبري, ج21, ص129.

[85]. حبيب بن مسلم او ابن مسلمة الضهري اختلف فيه؟ هل له صحبة أو لا؟ كان من رجالات معاوية في صنفين طبقات بن سعد, ج7, ص409. وما بعدها: وحبيب هذا هو الذي سعى عند معاوية بأبي ذر انظر انساب الاشراف, ج5, ص542.

[86]. بسر بن أطاة انظر ترجمة في الاستيعاب, ج1, ص157.

[87]. شرح نهج البلاغة ج20, ص32. وهنا بحث طويل في إيراد كلام أبي المعالي الجويني, ج20, ص10-35.

.[88] سورة النساء:93.

[89]. كلام ابن عباس وتخصيص عكرمة والجمهور نقله البيَضاوي في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ...} ج2, ص90.

.[90] الكامل في التاريخ, ابن الأثير ج3, ص318. وفي ج4, ص128. ط دار صادر وتجد بعضها في أنساب الأشراف, ج5, ص306.

.[91] الكامل في التاريخ, ابن الأثير, ج3, ص318, وج4, ص128.

.[92] ينظر: منهاج السنة النبوية, ابن تيمية, ج2, ص253. ط بولاق, وقد قدَّم الشيخ المؤلف وأخَّرَ بعض كلمات ابن تيمية وذلك لا يغيرّ بالمعنى, وبدّل اسم ((مسلم)) فسماه ((مسرف ابن عقبة)) وأظنّ أن أوّل من دوَّن اسم ((مسرف)) ابن سعد في طبقاته وتبعه ابن حبيب في بعض كتبه.

.[93] المصدر نفسه, ج2, ص254. ((اتفاق المسلمين)) هذه جملة من جمل ابن تيمية يستعملها دائماً للتغرير والتدليس على القراء, فكل كلمة: ((اتفاق أو اجماع أو بلا خلاف أو أهل العلم أو جماعة من العلماء, أو كثير من أهل العلم...)) في كلمات ابن تيمية على القارئ التوقف عندها طويلاً... وتحقيق أصلها... فإنها إحدى أشهر الطرق للتدليس عند ابن تيمية.

1. منهاج السنة النبوية, ابن تيمية, ج2, ص253.

2. المصدر نفسه, ج2, ص254. صحيح مُسلم, ج4, ص98. كتاب الحج- باب نقض الكعبة, ولاحظ قوله ((احترق البيتُ)) وعبارته يقصد بها ابهام الفاعل عمداً محاولة لتضييع الحقيقة ثم بعد ذلك قوله ((فكان من أمره ما كان)) فـ((ما)) هذه نكره مبهمة ولماذا كل هذا الغموض يا امام المحدّثين؟!

3. صحيح البخاري, محمد بن إسماعيل البخاري, ج1, ص35.

.[94] المصدر نفسه, ج1, ص36. كتاب العلم-باب كتابة العلم و, ج2, ص95-باب في الجنائز-باب الاذخر والحشيش.

.[95] المصدر نفسه, ج1, ص214. كتاب الحج-باب لا يحل القتال بمكة ج4, ص72. باب اثم الغادر للبّرّ والفاجر.

.[96] سورة محمد:23,22.

.[97] ينظر: منهاج السنة النبوية, ابن تيمية, ص251. أمّا الرواية عن أحمد فنقلها في تذكرة الخواص, ص287. وحكى عن جدّه عن القاضي أبي يعلى الفراء في كتابه ((المعتمد في الاصول)) بإسناده الى صالح بن أحمد بن حنبل...)), ونقلها أبو حيان الاندلسي في البحر المحيط, ج1, ص636. وقال: ((انّ ابنه سأله هل يُلْعَن؟ وذكر شخصاً معينا)) لاحظ كيف حذف أبو حيّان اسم ((يزيد)) من الرواية! ذكره في تفسير البقرة 161.

1. صحيح البخاري, محمد بن إسماعيل البخاري, ج2, ص220. كتاب الحج-باب حرم المدينة.

2. المصدر نفسه, ج2, ص220.

.[98] الترياق الفاروقي, عبد الباقي العمري, ص95.

[99]. انظر مقاتل الطالبين, ص80. وتاريخ الطبري, ج8, ص187.

[100]. بلاغاتُ النّساء, ص22.

[101]. اللهوف في قتلى الطفوف-السيد ابن طاووس, ص106.

[102]. جاء في أنساب الأشراف ج3, ص220. ((وحدثني الوليد بن مسلم عن أبيه قال: لمّا قُدم برأس الحسين على يزيد بن معاوية وأدخل أهله الخضراء بدمشق تصايحن بناتُ معاوية ونساؤه فجعل يزيد يقول: يا صيحةً تحمدَ... إذا قضى الله أمراً كان مفعولاً قد كنّا نرضى من طاعة هؤلاء بدون هذا... ولمّا أدخل عليّ بن الحسين على يزيد قال: يا حبيب إنّ أباك قطعَ رحمي وظلمني فصنَعَ اللهُ به ما رأيتَ...)) وفي فوات الوفيات لابن شاكر, ج2, ص645: ((ويقال: إنه لمّا أتي برأس الحسين رضي الله عنه صاح بناتُ معاوية وعيالهم, وسمعهم يزيد فذرفت عيناه وقال: يا صيحةً... ثم قال: إذا قض اللهُ ورسولُهُ أمراً...
كنّا نرضى من أهل العراق بدون قتل الحسين, وعُرض عليه... عليّ بن الحسين فأراد قتله...)), لاحظ كيف أنَّ الروايات تدفع بعضها, بل صدر الرواية يدفع ذيلها, وذيلها يردّ صدرها, ففي الاولى كيف يقول نرضى من طاعة هؤلاء بدون هذا ثمّ آخرها يشمت بعلىّ بن الحسين في ((كيف ترى صنع الله به ما رأيت)), كيف يريد قتله أخر الرواية الثانية, ويقول له ((يا حبيب)) في الأولى, ثم في الثانية كيف ذرفت عيناه وكيف يُريد قتل
عليّ بن الحسين... وكيف يرضى من أهل العراق بدون قتل الحسين, ثم بعد لحظة يريد قتل ابنه, أمّا بكاءُ نساءِ يزيد فنَعَم هناك رواياتٌ من طرقنا تثبت ذلك وإنّ إحدى نساء يزيد كانت جارية في بيت علي عليه السلام في المدينة, وفي طرقنا إنّه قال هذا البيت لمّا قرّعته السيدة زينب بخطبتها, انظر اللهوف ص108.

[103]. هذه الجملة من قوله ((وكون... لذلك)) قمنا بإصلاحها وإجراء التغييرات عليها لأنّ نصّها في المطبوع غير واضح بل مضطرب.

.[104] ديوان الشافعي, محمد بن إدريس الشافعي, ص150. ونسبة البيتين الى الشافعي لا كلام فيها, فإنَّ البهيقي رواهما عنه كما في نفحة الرياحين على ما بذهني, وفي نظم درر السمطين, ص18.

.[105] شرح ديوان الفرزدق, إيليا الحاوي, ج2, ص355.

.[106] الصواعق المحرقة, ابن حجر, ص101. وقد طبع ديوان ابن عربي ولم أرَه.

.[107] سورة الشورى:23.

.[108] سورة يوسف:38.

1. سورة الشورى:23.

2. الصواعق المحرقة, ابن حجر ص101. ومقاتل الطالبيين ص33. والمعجم الاوسط للطبراني ج2, ص336. وشرح النهج, ج16, ص30. وذخائر العقبى, ص138.

.[109] الصواعق المحرقة ص103. مسند أحمد ج1, ص207. ج4, ص165. وسنن ابن ماجة ج1, ص50. والترمذي ج5, ص318. وقال ((حسن صحيح)).

[110]. مسند أحمد ج3, ص483. وصححه الحاكم في المستدرك, ج3, ص122. قال في مجمع الزوائد, ج9, ص129. ((ورجال أحمد ثقات)) وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده ج2, ص109. وقال في مجمع الزوائد ج9, ص129. ورجال أبي يعلى رجال الصحيح)).

[111]. الاستيعاب, ج3, ص1101.

[112]. يعني من الصواعق المحرقة: ص104.

[113]. فضائل الصحابه للأمام أحمد ج2, ص661. ط مؤسسة الرسالة 1983م تحقيق د. وصيّ الله محمد عباس.

[114]. الطبراني في الأوسط, ج2, ص328. ورواه الترمذي في سننه عن أبي سعيد الخدري ج5, ص298. واستغر به, وفضائل الصحابه للأمام احمد ج2, ص671.

[115]. قال البغوي في تفسيره ج4, ص125: ((...؛ لأنّ مودة النبي صلى الله عليه واله وسلم وكفّ الاذى عنه ومودة أقاربه والتقّرب الى الله بالطاعة والعمل الصالح من فرائض الدين...)).

.[116] الصواعق المحرقة-104.

.[117] ديوان الشافعي, محمد بن إدريس  الشافعي, ص150.

.[118] ديوان الشافعي, محمد بن إدريس  الشافعي ص118. وتاريخ دمشق ج9, ص20. وتاريخ الاسلام ج14, ص336-337.

.[119] الصواعق المحرقة, ابن حجر, ص108.

.[120] ديوان الشافعي, محمد بن إدريس  الشافعي, ص150.

.[121] سورة الأحزاب :56.

[122]. البخاري, ج6, ص27. سورة الاحزاب باب قوله إنّ الله وملائكته...

.[123] الصواعق المحرقة, ابن حجر, ص87.

.[124] المصدر نفسه, ص87.

.[125] المصدر نفسه, ص87. المستدرك, ج1, ص268. قال: ((صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه)).

.[126] ينظر: الصواعق المحرقة, ابن حجر, ص88.

.[127] سورة الصافات:24.

.[128] الصواعق المحرقة, ابن حجر, ص89.

.[129] سورة طه:82.

.[130] الصواعق المحرقة, ابن حجر, ص91.

.[131] سورة الأعراف :46.

1. الصواعق المحرقة, ابن حجر, ص101. الكشف والبيان عن تفسير القران-للثعلبي, ج4, ص236.

2. المصدر نفسه, ص111. المستدرك ج3, ص150. الترمذي, ج5, ص329. مناقب اهل بيت النبيّ حديث 3878 وقال عنه: ((حديث حسن غريب)).

3. المصدر نفسه, ص112. الترمذي, ج5, ص360. ما جاء في فضل فاطمة مع اختلاف ضعيف طفيف في اللفظ, وابن حبّان, ج15, ص434. مناقب الحسن والحسين, والمستدرك ج3, ص149. وابن ماجة, ج1, ص52. فضل الحسن والحسين باب 11 حديث 145.

4. المصدر نفسه, ص112. الترمذي, ج5, ص305. مناقب علي باب 92 حديث 3816, ومسند احمد, ج1, ص77. مسند عليّ بن أبي طالب.

.[132] المصدر نفسه, ص114. الترمذي, ج5, ص322. مناقب ابي محمد الحسن حديث 3858. والمصنف لابن أبي شيبة, ج7, ص512. ما جاء في الحسن والحسين باب 23 الحديث 8.

.[133] المصدر نفسه, ص115. ابن ماجة, ج1, ص51. فضل الحسن والحسين باب 11 الحديث 143. مجمع الزوائد, ج9, ص179.

 

 

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD