العِرْفانُ في الصَّلاةِ

 إنّها نعم الصلة للعبد بخالقه، ومكونه وعندما يحاسب العبد فهي أول ما يحاسب عليه فإنّ قبلت قبل ما سواها. وإن ردت رد ما سواها وهي عمود الدين فإنّ ضاعت ضاع الدين كله، وبها للصدور المكلومة شفاء ولنهي النفس الأمّارة بالسوء دواء حيث تنهاها عن المنكر والفحشاء، فيالها من عمل جليل وفعل ذي اثر جميل تعرج به النفس نحو الملكوت الأعلى، وتستنشق به شذى السعادة المثلى التي يركض لها المتقون والمنهل الذي يكرع من رحيقه الصالحون حيث يقف المصلي أمام الجلال والجبروت، أمام ربه وخالقه بخضوع وخشوع.ثم يتصور عظمته وجلاله ونعمه وآلاءه ويقيسه بسائر الكائنات والموجودات فيقول: (الله أكبر) ثم يستعين به على حمده بقوله: (بسم الله الرحمن الرحيم)، ثم يتصور ألطافه السابغة وأياديه الواسعة فيحمده قائلا: (الحمد لله) واصفاً له بأجلى نعوته فيقول: (رب العالمين)، ثم يدرك الحنان والرحمة من ذلك المبدأ الفياض عليه وعلى العالمين فيقول: (الرحمن الرحيم مالك يوم الدين) والذي إليه مرجع السعادة الأبدية والشقاء الخالد،ثم يسوقه الشعور بالواجب في البراءة عمن سواه ممن ألبسه الجهل والغباوة عن القداسة الإلهية وأنه هو المحمود بتلك الصفات المخصوصة بالعبادات لا ما ينحتون من الأصنام بقوله: (إياك نعبد وإياك نستعين) على كل ما لا نستطيع له أمراً وكيف نستعين بغيرك من مصنوع كيفه الهوى ونحته الخيال؟

ثم يستجديه الهداية إلى الصراط الذي يوصل لِلْمَقَرّ الأبدي والدار الخالدة ذلك الصراط المستقيم صراط الهداية والرشاد بقوله: (اهدنا الصراط المستقيم) وهو خير ما يرغب إليه الراغبون ويتطلبه الطالبون، ثم حرصا على الوصول إلى الغاية يخص ذلك الصراط بنعت آخر يوجه طلبه إليه دون ما عداه بقوله: (صراط الذين أنعمت عليهم) وحيث أنّ نعمه شاملة للضال والمهتدي والمغصوب عليه والمرضي عنه خص الذين أنعم عليهم بقوله: (غير المغصوب عليهم ولا الضالين) ثم إذا انتهى به الحديث في الوصف والطلب صعقه ذلك الجلال وراعته تلك الهيبة انحنى راكعا خاشعا مستشعرا لعظمة لا توصف منزهاً لها في حمده قائلا: (سبحان ربي العظيم وبحمده)، ثم عاد مشتاقا لذلك الجمال والجلال ماداً طرفه نحو الرحمة المطلقة مشبها للعلو في العظمة بالعلو المادي مصرحا بأن هذا المحمود لا يضيع عنده حمد الحامدين ولا شكر الشاكرين قائلا: (سمع الله لمن حمده) وإذا امتلأ شعورا من تلك العظمة خر ساجداً لها وهو معترف بعلو فوق ما أدركه قائلا: (سبحان ربي الأعلى وبحمده)، ثم يرفع رأسه مستغفرا مستنيبا تائبا من كل خطيئة قائلا: (استغفر الله وأتوب إليه) وهكذا يكرر ذلك بمقدار ما يشعر به من عظمته وجلاله ثم ينهي العمل بحمده الذي لا يمل ويشهد بأنه هو الإله وحده لا شريك له وأن محمداً هو عبده ورسوله الذي هداه لطريق النجاح وكان وسيلة الفلاح وحيث قد انقطع عن الخلق وغاب عن العالم منذ أحرم صلاته فإذا عاد من ذلك الانقطاع وتلك الغيبة حيا نبيه والصالحين من العباد ومن كان لديه بالتسليم بما يحي به القادم من يقدم عليه والوافد من يفد عليه.

فالصلاة في أوقاتها نعم الصلة بالخالق (عز وجل) يستنزل بها الألطاف الربانية ويستدر بها الرحمة الإلهية يناشد فيها رب السماوات والأرضين بكبريائه وعظمته ويستنجد بجوده وجبروته ويستعطفه بعفوه ورحمته أن يدخله في كل خير دنيوي وأخروي أدخل فيه محمداً وآلَ محمدٍ ويخرجه من كل سوء وشر اخرج منه محمداً وآل محمد f وهناك السعادة التي يركض إليها المتقون والمنهل العذب الذي يكرع من رحيقه الصالحون.

هذا ما استفدناه من كتاب الكلم الطيب لوالدنا سماحة المرحوم آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD