وشائج الفكر والإخاء

بيـن الإمام شرف الدين وأعلام آل كاشف الغطاء

المقدمة

الحمد لله الذي جعل مداد العلماء أفضل من دماء الشهداء والصلاة والسلام على من كان عُلَماءُ أُمّته خيراً من أنبياء بني إسرائيل وعلى آله الأطهار أئمة الحق الهُداة.

إن كتابة بحث عن الإمام شرف الدين هذا العِلم الفذ لابد أن يُلِمّ الباحث فيه بَلمحْةٍ دالة ويُقدّمَ شذرة ناصعة من مميزات سيرة حياته العطرة ثم يُعرِّج على ما كان له من صلات وشيجة، وعلاقاتٍ متينة بأعلام آل كاشف الغطاء، فنقول وبالله التوفيق:

إن الإمام المجاهد السيد عبد الحسين شرف الدين هو علم الإسلام الخفاق، وعيلم المعارف الإسلامية الدفّاق وقمةٌ شامخة من قمم الفِكر الإسلامي الأصيل المُسْتَمَدة ينابيعه من مناجم بحر الشريعة الفياض. وهو بحق من أعلام الشيعة الإمامية المبرَّزين المشهود لهم بالإحاطة والتضلّع في ميادين الفقه الإسلامية، تشهد بذلك قائمة مؤلفاته التي احتجنت طياتُها ثمار تحقيقاته ومتابعته المتواصلة، والتي تدل دلالة واضحة على ما لهذا الإمام العظيم من مواهب متعددة كان من نتائج أصالتِها هذا التراث الضخم الذي يحتل الصدارة في رفوف المكتبة الإسلامية.

لقد تَبوّأ الإمام شرف الدين  مرتبة سامية في العلم والعمل حتى عُدَّ من أبطال الإسلام الخالدين وأساطين المذهب الإمامي المتميّزين، وبما تركه من آثار قيمة يشهد بعظمتها المخالف قبل المؤالف مضافاً إلى ما قامَ به من أعمال خالدة ومشاريع إسلامية جَمَّة تلتقي جميعها لتَصُبَّ في بحر عظمته المنقطعة النظير.

لقد اجتمعت على تكوين شخصية الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين أسباب تدريجية في مراحل تدريجية من تربية عالية إلى إنشاء مبارك وتوجيه صحيح إلى أساتذة واقعيين روحيين من النموذج الإسلامي الأعلى، فانصهاره في بوتقتهم الروحية الأدبية، وبلورته إلى جد ونشاط وتتبع واسع وعمل جدي متواصل، إلى احتكاكه بالطَّبقاتِ المتباينة، إلى أحداث عالمية خطيرة كان فيها جَلْداً صَبُوْراً حكيماً، إلى وجود رصيد ضخم من المؤمنين استعان بهم، يَعضُدُ هذهِ الأسبابَ ويؤصّلُها ما رافَقَها من التوفيق الدائم والرعاية الإلهية الحكيمة التي تعلم حيث تجعل الرسالات وتوضع الأمانات. كل هذه مجتمعة أنتجت هذه الشخصية الروحية الضخمة فأصبح من الأسماء المعدودة التي امتازت بمواهب وعبقريات رفعتهم إلى مصاف العلماء الربانيين، فكان لنبوغه النادر، وملكاته القوية، وسليقته المطبوعة على حسن الأداء، ما جَعَلَهُ فذاً من أفذاذ الإسلام وقد شاءت الإرادة الإلهية أن تبارك علمه وقلمه فتخرج منهما للناس نتاجاً من أفضل النتاج. وكان السيد رحمه الله ينهض بأعباء الدعوة للخير ووحدة الكلمة وإصلاح حياة الناس سواء في قضائه أم في جهاده الديني والاجتماعي أم في دروسه العلمية التي كان يدأب دون انقطاع في بذل الجهد لها من وقته وراحته أم في أحياء مشاريع العلم التي ترفع ظلمة الجهالة وتهدي إلى سواء السبيل، ولم يقتصر جهاده ومساعيه على نشر الأحكام بينَ الأنام بل اتسعت دائرة اهتمامه إلى المشاركة في تحرير الأمة من ربقة الاستعباد والاستعمار فكانت مواقفه الوطنية مشهودة وصرخاته الإصلاحية في تعزيز كلمة الوطن وصيانة استقلاله وتوحيد صفوفه. فكانت له الأدوار المشرفة والمواقف المشرقة حتى ذهب صيته في البلاد الإسلامية قاطبة.

لقد كان جهاد الإمام شرف الدين في جميع الميادين، ففي مجال الذب عن المبدأ والعقيدة فَبقَلَمهِ الشريف في المراجعات والفصول المهمة والنص والاجتهاد وغيرها، وفي مجال مناهضة المستعمرين دفاعاً عن حوزة الإسلام فبلسانه البليغ وسنانه النافذ.

المدرسة المهدية الدينية/النجف الأشرف/18 ذي الحجة/ 1425هـ             

المبحث الأول

وشائج الفكر بين الإمام شرف الدين والهادي آل كاشف الغطاء([1])

إن الخلاف بين السنة والشيعة هو القضية الكبرى التي ألقت بظلالها على واقعنا القديم والمعاصر وما تبعها من صراع مذهبي منذ عصر صدر الإسلام إلى هذا اليوم، وما حمل في طياته من تبعات خطيرة، وما تركه من إرث ثقيل بالمشاكل والخصومات بين أبناء الأمة الإسلامية، فقد طرح موسى جار الله من علماء أهل السنة عشرين مسألة على علماء الشيعة يطلب الإجابة عنها ظاناً إن فيها إحراجاً لعلماء الشيعة. وقد أجاب عنها كل من سماحة الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين والعلامة الشيخ هادي كاشف الغطاء استجابة لطلب فضلاء الحوزة العلمية. وكانا في ردهما الملزم لمسائل موسى جار الله يمتحان من قليب واحد وينهلان من بحر زاخر هو بحر علوم بيت النبوة (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين)، يشدهما إلى هذا العمل النبيل وحدة الهدف وشرف الغاية وسلامة القصد، وقد وجدا نفسيهما مسؤولَيْنِ أمام الحق عن سكوتهما عن إجابة هذا الناعق، وإن كانت مسائله وشبهاته اجتراراً لشبهات قديمة نعق بها أمثاله ممَّن لف لفه واحتطب بحبله. وكانت أجابتهما مِن أسَدِّ الأجوبة تقوم على البرهان والمنطق فلا تترك أثراً للشك. ونذكر نقاط الاتفاق بين العلمين في الإجابة وهي:

1- الدعوة إلى توحيد الكلمة:

من المواضع العظيمة التي أهتمَ بها العَلَمانِ الإمام شرف الدين والشيخ هادي كاشف الغطاء هو مبادرتهما إلى السعي في تأليف شتات الأمة الإسلامية وجمع كلمتها ونبذ ما يمزق وحدتها. ولم يكتفيا في سبيل ذلك بالدعوة المجرّدة عن البرهان بل نزلا إلى ميدان العمل مجاهدَين وَمُسَخّرَينِ كل طاقاتهما العلمية الجبّارة، فكانَ لهما ما أرادا، وخيرُ ما يُمثّلُ هذا الجهاد الإسلامي المبارك تمثيلاً مطابقياً للإمام شرف الدين ما كتبه في (المراجعات) و(النص والإجتهاد) و(الفصول المهمة في تأليف الأمة) و(الأجوبة على مسائل موسى جارالله). كما أن خير ما يمثل هذا الجهاد الإسلامي المبارك من العلامة الشيخ هادي كاشف الغطاء (الأجوبة النجفية) و(الرد على مسائل موسى جار الله) و(رسالة في فضل العلويين) وغيرها.

إنَّ العلمين كانا يدعوان إلى تناسي الأحقاد، ونبذ الخلافات ظهريا لإن هذه الأمور لم تعد على المسلمين بأي فائدة ولا طائل من ورائها، ولولا اضطرارهما للرد على مثل هذه المسائل والطلب الحثيث المقرون بالتحدي من مدعيها بالإجابة عنها لما تعرضا إليها. وكانا يدعوان إلى الالتقاء والاجتماع مع علماء المسلمين من المذاهب الأخرى، ويصرحان بأن هذه اللقاءات والاجتماعات لها فوائد جمّة أقلها الاتصال الفكري والتعارف فضلاً عمّا لهذا الاتصال واللقاء والاجتماع من نتائج حسنة تعود على الوحدة الإسلامية بأعم الفوائد وأجداها.

2- الدعوة إلى عدم نشر التراث الذي يؤدي إلى التفرقة وتمزيق الأمة:

حذّرَ كل من العلمين الإمام شرف الدين والشيخ هادي المسلمين كافة من بعض الذين يَدَّعُوْنَ العلم ويصبغون أنفسهم بصبغة الإسلام ويعملون على نشر التراث المؤدي إلى فرقة المسلمين وزيادة الهوة بينهم، وذلك بترويج أفكار خرافية بائدة كاسدة، وجَعْلها أساطير تتلى وَزُبراً على منصة القدر تجلى، لينالوا بذلك شهرة وسمعة بين أهل عصرهم ويعجب العلمان غاية العجب ممن ينشر مثل هذه المسائل ولمن يقرؤها ويضعها موضع النظر والنقد. وأكد العلمان عدم التحريش بالمسائل التي توقظ الفتنة الراقدة، وتوقد الحرب الخامدة، امتثالاً للأثرِ الخالد: (الفتْنَةُ نائمةٌ لعنَ الله مَنْ أيقظها)([2]). وأوضحا إن الطريق الوحيد إلى الوحدة الإسلامية بين المسلمين قاطبة إنما هو تحرير مذاهبهم والاكتفاء من الجميع بالمحافظة على الشهادتين والإيمان باليوم الآخر وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وحج بيت الله الحرام وصوم شهر رمضان والتعبد بالكتاب العزيز.

3- الأهتمام بالعلوم التي تعود بالنفع على المسلمين:

المستفاد من سيرة العلمين ومناحي تفكيرهما إنهما كانا يتباريان في حلبة واحدة من حيث خدمة الإسلام والمسلمين والاهتمام بما يعود نفعه وفائدته على الدين ومعتنقيه بعيداً عن الركض اللاهث وراء مسائل عقيمة أكل الدهر عليها وشرب ليس للمسلمين فائدة في إثارَتِها، وإعادة الجدل والنزاع في مضامينها من نحو الكلام على قدم القرآن الكريم وحدوثه، فضلاً عن إضاعة الوقت وإثارة الإحَن ومس العواطف والتفرقة بين المسلمين ومناواة الحق والتعصّب بالباطل وقيل وقال ومراء وجدال وتعصّب وتحزّب.

4- كشف الحقائق ورفع الشبهات:

كان كل من الإمام شرف الدين والشيخ هادي كاشف الغطاء همهما الوحيد في كشف القناع عن الحقيقة وإزاحة الستار عن الشبهات حيث يأخذ بيانهما وبرهانهما القارئ إلى مناهل مترعة الضفاف بنمير ذي سلسبيل، كلما كرعت من فراته جرعة تحلبت شفتاك لجرعات تحسب أن ليس لظمئك راوٍ غيرها مقرونة بسلامة الذوق في الفن وحسن التيسير في إيضاح المشاكل وتحليل المسائل.

5- الإطلاع على كتب المسلمين كافة:

كان كل من العلمين الإمام شرف الدين والشيخ هادي (قدس سرهما) طويلي الباع واسعي الإطلاع لا على كتب الشيعة الإمامية فحسب بل أمتد ذلك الباع إلى الإطلاع على كتب أهل السنة من صحاح ومسانيد وسير وتراجم وأحاطا بها جملة وتفصيلاً، فكانا يحتجان على علماء الجمهور بصحِاحِهم ومسانيدهم ويُلزمانِهِمْ بما ألزمُوا بهِ أنفُسَهمْ في باب الاحتجاج والاستدلال، ونظرة واحدة إلى ما كَتَبَ العَلَمَانِ تكشف عن حقيقة هذا القول بل لست مغالياً إذا قلت إنَّ غالب أجوبتهم من كتبهم.

6- المنهجية الصحيحة:

استدلَّ العَلَمَانِ بثوابت الإسلام وبديهياته، وخاطبا فطرة الإنسان التي فطر الله الناس عليها، وجعلا وجدان الإنسان أمام الواقع والحقيقة، ولا يحملا النص بتأويلات وتقولات ما أنزل الله بها من سلطان، فمنهجهما الوسطية فلا إفراط ولا تفريط معتمدين على ما أوتيا من أدب وبيان وبما عرفا من قوة الاستدلال وسطوع البرهان بأسلوب علمي يستند على الحقائق بعيداً عن الأهواء الشخصية والآراء الذاتية. كما امتازت كتاباتُهما بالأصالة والعمق والاستيعاب فهي تجمع بين سمو الفكر وجَزالَةِ اللفظ، فإذا قرأت فصلاً علمياً خالصاً فكأنكَ تقرأ فصلاً أدبياً رائعاً.

7- الدفاع عن عقيدة أهل البيت  عليهم السلام :

انبرى كل من العلمين الإمام شرف الدين والشيخ هادي كاشف الغطاء للدفاع عن عقيدة أهل البيت  عليهم السلام  وتراث آل محمد مفندين الحجج الواهية والأدلة الخاوية التي جاء بها موسى جار الله.

8- الدعوة إلى الحوار بالحكمة والموعظة الحسنة:

كان العلمان الإمام شرف الدين والشيخ هادي كاشف الغطاء نمطين فريدين وأنموذجين جديدين لمباحث المناظرات الموضوعية، فتناولا مسائل الخلاف بين المذاهب الإسلامية تناولاً ينأى عن روح التعصّب المُقيت والجدل البزنطي العقيم، وإظهار الحق وضَاح المُحيّا وضيء القسمات فواح النسمات، لا تحجُبهُ يَلاميع الشُبهات، ولا تحول دون رؤيته مُهاترات المُكابرين، وقد أضربا صفحاً عن الكلمات الجارحة والمجازات الفاضحة والأقاويل الشنيعة والتفاهات المغرورة التي تنسب إلى الشيعة فلم يناقشاها وكانا بالإعراض عنها أولى، بل كانا يجيبان عنها بالكلام الرزين والأدب الرفيع والموعظة الحسنة والحوار المملوء بروح الإيمان والاحترام وهذا ديدن علماء الشيعة الأخيار في جميع الأعصار والأمصار.

9- الدعوة إلى عدم التكفير:

إن أعظم ما ابتلي به المسلمون رَمْيُ بَعْضِهِمْ بَعْضاً بالكفر مع إن قصد الكل الوصول إلى الحق بما بذلوا جهدهم لتأييده واعتقاده والدعوة إليه، والحقيقة أنَّ علماء الشيعة لا يهاجمون أو ينتقدون أخوانهم المسلمين. بل العكس من ذلك يدعون إلى الأخوة الإسلامية ووحدتها، بينما ما يقوم به بعض ممن يدعي العلم من إخواننا المسلمين بالتهجم على عقائد الشيعة ورميهم بالكذب بل بالشرك والكفر وذلك بالاعتماد على ما كتبه أعداء الشيعة عن عقائدهم ثم يطلبون الجواب على أسئلة يطرحونها على علماء الشيعة على شكل التَّحَدِّي، فلم يكن في وسعِ عُلماء الشيعة علماء الشيعة إلاَّ الأجوبة عنها كمسائل موسى جار الله وفتاوى القاضي ابن بلهيد التي أجاب عنها الشيخ هادي كاشف الغطاء بالكتاب الموسوم (الأجوبة النجفية عن الفتاوي الوهابية)([3]). ومع هذا كله فإنَّ عُلماء الشيعة في أجوبتهم يتمسكون بالوحدة الإسلامية ويَدْعُوْنَ إليها بما عندهم مِنْ حَوْلٍ وَطَوْلٍ بأسلوب مهذّب، ويذكرون خصمهم بنتائج الفرقة وما تَؤول إليه من ضعف المسلمين، ويوضحون لمن التبس عليه الأمر من اعتماده على مصادر مكذوبة لا تمثل عقيدة الشيعة الإمامية الإثْنَيْ عشرية.

10- الدعوة إلى العلم والتعلم بصورة عصرية:

كانت دعوة العلمين الإمام شرف الدين والشيخ هادي كاشف الغطاء إلى الحث على طلب العلم والتعلم بما تفرضه المعاهد العصرية معتمدة على الروحانية الإسلامية، فَهُما يَرْجُوانِ أن تتطور أساليب وطرق التعلم، فإن العلم نواة الحضارات وهو حظها في القوة والظفر والحياة وهو نفسه قياسها في التقدم والتأخر والحكم والسيطرة والسعادة والبؤس ولئن اختلفت مظاهر الحياة وظواهر الاجتماعات باختلاف العصور وتباين البيئات فإن العلم بجوهره واحد في وجوبه وضرورته يسعى إليه أولو الألباب ويؤثرونه في كل عصر وتحت كل أفق.

وهم لا يجدون ديناً يفهم من أسرار العلم ما يفهمه الإسلام الحنيف ولا تعاليم تأخذ بالأعناق كتعاليم الكتاب العزيز والسنة الشريفة.

وقد حذّرا (رحمهما الله) من الدراسة في المعاهد المرسومة المُضطلعة بنشر المعارف المسمومة والمدارس المادية التي تبث الأفكار الإلحادية فقد أوضحا أنَّ المتخرّج فيها وإن قد غنمَ بعض الثروة من قيمة الحياة الحاضرة فإنا قد خسرنا فيهم الروح الشريفة والمبدأ الحق والأخلاق السامية والإخلاص الواجب، وجهزنا منهم سلاحاً يصيب نحورنا، فكنّا في تعليمهم هذه المعارف المسمومة كالباحث عن حتفه بظلفه والجادع مارن أنفه بكفه.

11- القضية الحسينية:

ومن مناحي التقاء العلمين في الفكر المتجسد بالتأليف والتصنيف هو إن كُلاًّ من الإمام شرف الدين والشيخ هادي كاشف الغطاء عاشا القضية الحسينية بأبعادها وملابساتها فكتب كل منهما في هذا الموضوع كتاباً كشف عن حضوره المتميّز فيه، فقد كتبَ الإمام شرف الدين كتابه الخالد (المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة)، وكتب العلامة الشيخ هادي كاشف الغطاء (المقبولة الحسينية) وألحقها برسالة موجزة (أوجز الأنباء في مقتل سيد الشهداء)(1).

 

المبحث الثاني

وشائج الفكر بين آل شرف الدين وآل كاشف الغطاء

من نافلة القول أن نشير في هذا الموضع إلى أن أسرة آل كاشف الغطاء من الأسر العلمية في النجف الأشرف قد ظهر منها أكابر الفقهاء والمجتهدين وأعلام الطائفة والأساطين في خلال القرن الثالث عشر والرابع عشر الهجريين وإن ما تركوه من مصنفات جليلة في مختلف العلوم الإسلامية ومعارفها تشكل بحق مكتبة ضخمة. وطبيعي أن تتصل وشائج الصلات والروابط الوثقى بين أسرة علمية دينية كآل كاشف الغطاء مع الأسر العلمية الدينية الأخرى التي تلتقي معها في النبوغ العلمي والشرف الموروث، وتستظل معها بسقفِ (الكِفايَة) الحقة. وكان من ألمع الأسر العلمية الأصيلة التي توشّجت بآل كاشف الغطاء روابطها وَدامَ تواصُلها بالمُصاهرة والدراسة والتدريس هي أُسرة آل شرف الدين المُعرِقة بشرفها الهاشمي ومجدها العلمي. ومن مصاديق تلك الوشائج المباركة هي:

أولاً: تلمذة المجتهد الكبير السيد صدر الدين على يد أستاذه الشيخ الأكبر الشيخ جعفر المشهور بكاشف الغطاء.

ثانياً: دراسة وتلمذة العلامة الفقيه الكبير السيد إسماعيل بن صدر الدين على الفقيه الكبير الشيخ مهدي ابْنِ الشيخ علي (صاحب الخيارات) ابن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء، كما تتلمذ على الفقيه الكبير الشيخ راضي بن محمد بن محسن ابْن الشيخ خضر - (سِبطِ الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء) - قال الإمام الطِّهراني في ترجمة السيد إسماعيل صدر الدين من آل شرف الدين في (نقباء البشر)([5]): السيد إسماعيل ابن السيد صدر الدين العاملي من أعاظم العلماء وأكابر المراجع...وتشرف إلى النجف (1271هـ) وحجَّ البيت بها ورجع فلازمَ بحث العلامة الفقيه الشيخ راضي بن محمد آل خضر النجفي المتوفي (1290هـ)، وبحث الفقيه الأوحد الشيخ مهدي بن علي ابْن الشيخ الأكبر كاشف الغطاء المتوفى (1289هـ).

ثالثاً: من مشايخ الشيخ هادي ابن الشيخ عباس ابن الشيخ علي ابن الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء في علم الحديث رواية ودراية الفقيه الأصولي الرجالي الكبير أبو محمد الحسن بن الهادي بن محمد علي بن صالح بن محمد شرف الدين المعروف بالسيد حسن الصدر (ت 1354هـ). والسيد حسن الصدر هو خال الإمام المجاهد السيد عبد الحسين آل شرف الدين وللسيد حسن الصدر كتاب (الدُّرر الموسوية في شرح العقائد الجعفرية) والعقائد الجعفرية للشيخ جعفر كاشف الغطاء كما ذكر ذلكَ العلامة الشيخ أغا بزرك الطهراني في ترجمة السيد حسن الصدر([6]).

 

المبحث الثالث

وشائج الإخاء بين آل شرف الدين وآل كاشف الغطاء

من مصاديق وشائج الإخاء المباركة هي:

أولاً: المراسلات

من مظاهر توطد علاقات المودة والإخاء بين الإمام شرف الدين وأعلام آل كاشف الغطاء هو تلك الرسائل الكثيرة المتبادلة بينه وبين جملة من أعلامهم لا سيما الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء والعلامة الشيخ علي كاشف الغطاء وفي طي تلك هاتيك الرسائل يقف المتتبع على ما يَتَّسِمُ بِهِ المُرْسِلُ والمُرْسَلُ إليه من عظم النفس ورفعة الشأن([7]).

ثانياً: إهداء المؤلفات

من دلائل وفاء الإمام شرف الدين وولائه لعلماء آل كاشف الغطاء هو مبادرته بإهداءِ مؤلفاته إبَّانَ صدورها إلى أعلام تلك الأسرة مشفوعة بعبارات الثناء والإجلال والإكبار للمُهْدَى إليهم وللقارئ الكريم وحفظاً للتاريخ ننقل أُنمُوذَجَاً من إهداء كتاب الفصول المهمة للشيخ هادي كاشف الغطاء فقد نَمَّقَ على صفحته الأولى بالحرف الواحد (ترفع هذه الأوراق إلى مولانا حجة الإسلام وبقية الأئمة الأعلام شيخنا المولى القدوة الشيخ هادي آل كاشف الغطاء (أدام الله ظله) هدية من مستمد دعائه في 20 ذي القعدة 1347هـ، الأقل الأحقر عبد الحسين شرف الدين الموسوي)([8]).

ثالثاً: الزواج الميمون

أول اتصال كان بين الأسرتين هو مصاهرة المجتهد الكبير الإمام السيد صدر الدين ابن السيد صالح بن محمد بن إبراهيم شرف الدين للشيخ جعفر الكبير المشهور بكاشف الغطاء على إحدى بناته وكان من أبنائه منها العلامة الفقيه السيد أبو جعفر ابن السيد صدر الدين. قال الإمام أغا بزرك الطهراني في ترجمة السيد أبي جعفر في نقباء البشر: (وهو السيد أبو جعفر ابن السيد صدر الدين الموسوي العاملي الأصفهاني، عالم جليل كان سبط الشيخ الأكبر الشيخ جعفر كاشف الغطاء)([9]).

والجدير بالذكر أن السيد صدر الدين كان من أبرز تلامذة الشيخ جعفر كاشف الغطاء ولما أنسَ به الشيخ (قدس سره) من آيات النجابة والعبقرية زوّجه كريمته.

رابعاً: اتفاق الولادة

ومن طرائف الاتفاق أن تكون ولادة كل من العلمين الإمام شرف الدين والشيخ هادي كاشف الغطاء في سنة واحدة فَكَأنَّ هذا الاشتراك في سنة الولادة إيذانٌ بسيرهما على طريق واحد وسعيهما إلى تحقيق هدف واحد هو خدمة الدين الحنيف الذي تشرفا بأن كانا فيما بعد من أعلامه وسدنته والدعاة إليه.

وفي الختام لقد واصل الإمام شرف الدين رحلة حياته المزدانة بجلائل الأعمال وخوالد الآثار حتى أتاه اليقين فلبّى نداء ربه، فسلام عليه يوم ولد ويوم انتقل إلى الرفيق الأعلى ويوم يبعث حيّا.

والحمد لله أولاً وآخراً

المصادر

1- الرد على مسائل موسى جار الله/ الشيخ هادي كاشف الغطاء (1290هـ – 1361هـ)/ الطبعة الأولى/ مؤسسة كاشف الغطاء العامة.

2- مجلة العرفان/لصاحبها الشيخ أحمد عارف الزين/ الجزء الرابع والخامس والسادس والسابع والثامن/ المجلد (45)/ مطبعة العرفان/صيدا/جمادي الآخرة 1377هـ-كانون الثاني 1958م/ رجب 1377هـ- 1958م/ شعبان 1377هـ – آذار 1958م/ رمضان المبارك 1377هـ- نيسان 1958م/ شوال 1377هـ- آيار 1958م.

3- مجلة العرفان/الجزء الثالث/المجلد السادس والثلاثون/جمادي الأول 1368هـ – آذار 1949م.

4- مجلة العرفان/ الجزء الرابع/المجلد السادس والثلاثون/ جمادي الآخرة 1368هـ – نيسان 1949م.

5- مجلة العرفان/ الجزء الخامس/ المجلد السادس والثلاثون/رجب 1368هـ – 1949م.

6- مجلة العرفان/ الجزء السادس/المجلد السادس والثلاثون/ شعبان 1368هـ –حزيران 1949هـ.

7- مجلة العرفان/ الجزء السابع/ المجلد السادس والثلاثون/شهر رمضان 1368 هـ – تموز 1969م.

8- مجلة العرفان/الجزء الثامن/المجلد السادس والثلاثون/شوال 1368هـ – آب 1949م.

9- مجلة العرفان/الجزء التاسع/ المجلد السادس والثلاثون/ ذو القعدة 1368هـ – أيلول 1949م.

10- مجلة العرفان/ الجزء العاشر/ المجلد السادس والثلاثون/ ذو الحجة 1368هـ – تشرين الأول 1949م.

11- أجوبة مسائل موسى جار الله/ آية الله العظمى السيد عبد الحسين شرف الدين الموسوي/ مؤسسة أهل البيت  عليهم السلام / بيروت/ سلسلة المكتبة الإسلامية/ 1410هـ – 1990م.

12- المجالس الفاخرة/ الإمام السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي/ تحقيق محمد جواد فخر الدين/ الطبعة الأولى/ مؤسسة العارف للمطبوعات/ بيروت/ 1425هـ – 2004م.

13- المقبولة الحسينية/ آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء/ الطبعة الثانية/ مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ النجف الأشرف.

14- الأجوبة النجفية عن الفتاوى الوهابية/ آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء/ طبعة مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ النجف الأشرف.

15- طبقات أعلام الشيعة/ نقباء البشر في القرن الرابع عشر/ المحقق الإمام الطِّهراني/ المطبعة العلمية/ النجف الأشرف/ 1373هـ – 1954م.

16- كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء/الشيخ الكبير الشيخ جعفر المشهور بكاشف الغطاء/ مؤسسة كاشف الغطاء العامة/النجف الأشرف.

17- أوضح الإجازات إلى سيد الكائنات/آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء/مؤسسة كاشف الغطاء العامة/النجف الأشرف.

18- مستدرك نهج البلاغة/آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء/مؤسسة كاشف الغطاء العامة/النجف الأشرف.

19- مدارك نهج البلاغة ودفع الشبهات/آية الله العظمى الشيخ هادي كاشف الغطاء/ مؤسسة كاشف الغطاء العامة/ النجف الأشرف.

20- منهج الرشاد لمن أراد السداد/الشيخ الأكبر الشيخ جعفر المشهور بكاشف الغطاء/مؤسسة كاشف الغطاء العامة/النجف الأشرف.

([1]) هو أبو الرضا المدعو بالهادي نجل العلامة الفقيه الشيخ عباس نجل المحقق الشيخ علي صاحب الخيارات نجل الشيخ الأكبر فقيه عصره الشيخ جعفر النجفي صاحب كتاب (كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء) المولود سنة 1290هـ، والمتوفى سنة 1361هـ.

[2]. كنز العمال 11/ 127.

([3]) حققتها وطبعتها مؤسسة كاشف الغطاء العامة في النجف الأشرف سنة 1423هـ, برقم (1) من سلسلة منشوراتها.

(1) المقبولة الحسينية: أرجوزة في شرح واقعة الطف وبعض ما يتعلق ما وراء الطف ذكرها الشيخ أغا بزرك الطهراني في الذريعة 22/16، وقد طبعت في النجف الأشرف مع أوجز الأنباء في مقتل سيد الشهداء وهو في غاية الإيجاز مع كثرة الفوائد يتمكن القارئ مِنْ قراءته في مجلس واحد.

([5]) طبقات أعلام الشيعة/ نقباء البشر 1/ 159، 160.

([6]) طبقات أعلام الشيعة/ نقباء البشر 1/ 448.

([7]) نرفق مع البحث صورة رسالتين للإمام شرف الدين موجهة إلى الإمام الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء والعلامة آية الله العظمى الشيخ علي كاشف الغطاء.

([8]) نرفق مع البحث صورة الإهداء على كتاب الفصول المهمة.

([9]) طبقات أعلام الشيعة/ نقباء البشر: 1/31.

 
 
البرمجة والتصميم بواسطة : MWD